Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 138

T.C.

TOKAT GAZİ OSMANPAŞA ÜNİVERSİTESİ LİSANSÜSTÜ EĞİTİM ENSTİTÜSÜ

TEZİN ADI

‫قــصـة مــــوسـى والرجـل الـصالح فــي تفاسير الدرايـة واإلشـــارة‬

(Dirayet Tefsirlerinde ve İşari Tefsirlerde Hz. Musa ve Salih Adam Kıssası)

Hazırlayan

Ibrahim Mohammed Ahmed

Temel İslam Bilimleri Anabilim Dalı

Yüksek Lisans Tezi

Danışman
DOÇ.DR.ENVER BAYRAM

TOKAT – 2021
T.C.

TOKAT GAZİ OSMANPAŞA ÜNİVERSİTESİ LİSANSÜSTÜ EĞİTİM ENSTİTÜSÜ

TEZİN ADI

‫قــصـة مــــوسـى والرجـل الـصالح فــي تفاسير الدرايـة واإلشـــارة‬

(Dirayet Tefsirlerinde ve İşari Tefsirlerde Hz. Musa ve Salih Adam Kıssası)

Hazırlayan

Ibrahim Mohammed Ahmed

Temel İslam Bilimleri Anabilim Dalı

Yüksek Lisans Tezi

Danışman
DOÇ.DR.ENVER BAYRAM

TOKAT – 2021
BİLİMSEL ETİK SAYFASI

Tokat Gaziosmanpaşa üniversitesi lisansüstü enstitüsü tez yazım kılavuzuna göre

“Ibrahim Mohammed Ahmed” danışmanlığında hazırlamış olduğum “Dirayet tefsirlerinde ve

İşarî tefsirlerde Hz. Musa ve Salih adamın kıssası” adlı yüksek lisans tezimin bilimsel etik

değerlere ve kurallara uygun, özgün bir çalışma olduğunu, aksinin tespit edilmesi halinde her türlü

yasal yaptırımı kabul edeceğimi beyan ederim.

Hazırlayan :

İmza :

Tarih : / /
TEZ BAŞLIĞI

Tezin Kabul Ediliş Tarihi:./ ....../..........

Jüri Üyeleri (Unvanı, Adı Soyadı) İmzası Başkan: ....................

Üye :................................................ ....................

Üye :................................................ ....................

Üye :................................................ ....................

Üye :................................................ ....................

Bu tez, Tokat Gaziosmanpaşa üniversitesi lisansüstü eğitim enstitüsü

Yönetim kurulunun ...............// tarih ve sayılı oturumunda belirlenen jüri

Tarafindan kabul edilmiştir.

Enstitü Müdürü:.............................. Mühür


İmza
‫‪i‬‬
‫شكر و تقدير‬

‫أمحد هللا عز وجل محدا كثريا و طيبا فيه و مباركا‪ ،‬و أصلي و أسلم على خري أشرف االنبياء حممدا صلوات هللا و‬

‫سالمه عليه و على آله أمجعيـن‪ ،‬قال رسول هللا صلوات هللا وسالمه عليه ف حديث مبارك‪ ":‬إن من ال يشكر الناس ال‬

‫يشكر هللا"‪،‬وقوله ‪( :‬إن أشكر الناس لل أشكرهم للناس( ‪ ،‬فإنين من هذا املقام أتقدم خبالص شكري وتقديري ألستاذي‬

‫الفاضل الدكتور( ‪ ، )Enver Bayram‬الذي أعطاين من علمه ووسعين بقلبه فوجهين خري توجيه‪ ،‬فأسأل هللا‬

‫له العفو والعافية ف األوىل واالَخرة ‪ ،‬وأسأله تعاىل أن جيزل له ف عطائه ‪ ،‬و يرفع درجتة ‪،‬إن هللا هو السميع اجمليب‬

‫جييب دعوة الداعي إذا دعاه‪.‬‬

‫و ال أنسى أن اتوجه جبزيل الشكر والتقدير إىل أيب و أمي اللذين كان خري من ربياين و علماين حب العلم واملعرفة‬

‫والدين ‪.‬‬

‫و أشكر كل من ساندين و ساعدين ف إعطاء املعلومات واملصادر اخلاصة ف موضوعي هذا‪.‬‬


‫‪ii‬‬
‫مقدمة‬

‫النظام التعليمي ف أي جمتمع جزء ال يتجزأ من هذا اجملتمع ومن ثقافته وحضارته وأداة فعالة لتنميته وتنمية أفراده وينبغي‬
‫للمفسرين ف ديننا الذين يرمسون املناهج التفسريية للقصص ف القرآن الكرمي‪،‬بناء على فهم شامل و صال بإلضافة إىل‬
‫نظام تعليمي شامل‪،‬و هذا ف جمتمعنا كمجتمع ديين إسالمي‪،‬و جيب أن يكونوا مرجعا ف املصادر الدينيية‪،‬وي ُّ‬
‫عد القرآن‬
‫الكرمي من املصادر األساسية ‪،‬لذا جيب اإلستفادة من الرصيد التفسريي الذي حيويه هذا الدستور اإلهلي العظيم‪،‬الذي‬
‫جاء مبناهج حمكمة‪،‬لرتبية اإلنسان تربية سوية‪،‬واحلقيقة أن مناهجنا التعليمية حباجة إىل الربط بينها وبي املنهج واملنبع‬
‫األصلي حلياتنا‪،‬فمنه ينبغي أن نستقي علومنا وأهدافنا قبل البحث عنها ف مصادر أخرى ‪،‬إذا القرا َن مصدر أول ضمن‬
‫التعاليم الرئيسية والرتبوية واألخالقية وهو جامع للتوجيهات واإلرشادات اإلهلية‪،‬و جيب أن ننفذ ما جاء به كتاب هللا ف‬
‫كل زمان‪ ،‬ألنه صال لكل زمان ويعاجل كافة القضااي واملوضوعات بشكل جذري‪ ،‬وألن فيه ما ينفع الناس‪.‬‬

‫وإذا مل نعترب القرآن كتاب فلسفيا أو نظراي‪ ،‬فيمكن اعتباره املصدر الذي يعتمد عليه املسلم ف استنباط املبادئ والفلسفات‬
‫و النظرايت وتطبيقها ف حياته ‪ ،‬وفيه أيضا الفلسفة الرتبوية والنظام التعليمي الذي ميكن أن يفيد منه املسلم ف مسلكة‬
‫الدراسي‪.‬‬

‫وإذا سألت عن دستور احلياة واملنهج فـإن القرا َن الكرمي حيتوي كل هذا ‪،‬فهو مصدر األهداف والغاايت والقيم‬
‫والسلوك‪،‬فإنه يعتين بملخلوق و ميهد له طريق النجاح مث يوجهه إىل احلياة الفاضلة ‪ ،‬و جيدر بنا أن نقول أن القرا َن احلكيم‬
‫و منذ بدايته إىل اال َن هنج ف سبيل أن يكون اإلنسان على خلق و تربية‪ ،‬ومن ذلك أسلوب القصة ف القرا َن الكرمي له‬
‫أهدافه ف توجيه اإلنسان والرقي بسلوكياته حنو األفضل ف حياته‪.‬‬

‫وقصة سيدن موسى عليه الصالة والسالم مع الرجل الصال من قصص القرا َن الكرمي الرائعة ‪ ،‬فهي قصة رحلة حقيقية‬
‫ف طلب العلم ‪ ،‬هلا أهدافها وغاايهتا ‪ ،‬تضمنت قيما وسلوكيات وأساليب تربوية ‪ ،‬حري بملسلم وخصوصا طالب العلم‬
‫أن يستفيد منها ف حياته‪ .‬لقد لفت انتباهي و أن أأتمل آايت هذه القصة ‪ ،‬ما فيها من جوانب تربوية رائعة متعددة ‪،‬‬
‫اين واملفسرون لكتاب هللا‬
‫فأحببت إبرازها لالستفادة منها ‪ ،‬والواقع أن هذه القصة تناوهلا الذين كتبوا ف القصص القر َ‬
‫العزيز ‪ ،‬وذكروا جوانب مهمة وفوائد جليلة ‪ ،‬استفدت منها وأضفت إليها ليخرج املوضوع ف ثوب جديد ‪ ،‬وقالب‬
‫سديد‪ .‬هذا البحث هو استقراء قصة من قصص االنبياء وهو قصة سيدن موسى مع سيدن"اخلضر"الرجل الصال املتناولة‬
‫‪iii‬‬

‫ف تفاسري الدراية وتفاسري االشارة ودراستها ‪ ،‬واستنطاق للمعاين ذات الداللة ف مناهج تفسري القرا َن الكرمي ‪ ،‬على‬
‫أمل أن تسهم ولو بلقليل ف دراسات مناهج التفسري املستقاة من كتاب هللا الكرمي‪ ، .‬و هتدف هذه الدراسة إىل إظهار‬
‫بعض األوجه التفسريية ف القرا َن الكرمي وكيفية االستفادة منها و بيان أن حمتوى القرا َن الكرمي ومضامينه ميكن االستفادة‬
‫منها ف مجيع األحوال واألزمان ‪ ،‬والكشف عن األساليب املتنوعة ف تفاسري الدراية واالشارة ‪.‬‬

‫وهتدف أيضا إىل الكشف عن املشاهد احلوارية ف قصة نيب هللا موسى عليه السالم والرجل الصال ف سورة الكهف ف‬
‫ضوء التفسري املوضوعي ‪ ،‬و إبراز بعض اآلداب والتوجيهات املتضمنة ف املواقف احلوارية ‪.‬‬

‫وميكن لنا أن نشري إىل أمهية هذه الدراسة ف الكشف عن جوانب تفسريية جديدة للمشاهد القصصية احلوارية بي‬
‫النيب موسى عليه السالم والرجل الصال ف سورة الكهف مبنية على ما جاء ف أمهات كتب التفسري ‪،‬وكذلك قد تسهم‬
‫ف إثراء الدراسات القرانَية واألحباث املتعلقة بلتفسري العقلي والتفسري الصوف ‪ ،‬و فتح االفَاق أمام الباحثي والدارسي‬
‫للوقوف على موضوعات القرا َن الكرمي والنظر ف مقاصده وإبراز جوانب جديدة من أوجه إعجازه ‪.‬‬

‫ومن أسباب االختيار هلذا املوضوع ‪ ،‬أنه توجد كثري من األحباث والدراسات عن قصص القرآن الكرمي وخصوصا‬
‫قصص نبينا موسى عليه السالم ‪ ،‬ولكن ليس هناك حبث يتكلم بشكل مفصل عن هذه القصة ف كتب التفسري‬
‫ومعاجلتها ف كتب التفسري االجتهادي العقلي والتفسري بالشارة ‪ ،‬لذا ميكننا القول‪ :‬إن القصص القرآين يشمل الكثري‬
‫من اجملاالت الرتبوية واالنسانية وغري ذلك ‪ ،‬وسبب تناويل هلذه القصة هو التفصيل عما ورد عن هاتي الشخصيتي‬
‫ف تفاسري الدراية وتفاسري اإلشارة واستخراج الفروق ف كيفية تناوهلا للشخصيتي مث استخالص الدروس والعرب والفوائد‬
‫من هاتي القصتي‪.‬‬

‫ومن الدراسات السابقة اليت تناولت هذا املوضوع‪:‬كتاب "قصة موسى واخلضر عليهما السالم وما فيها من الدروس‬
‫والعرب"‪ ،‬حملمد الشحري‪ ،‬طبعة مكتبة الوادعي‪ ،‬صنعاء‪،‬سنة ‪،2011‬وكتاب "(‪)400‬فائدة ف قصة موسى واخلضر‬
‫عليهما السالم"‪ ،‬للدكتور إبراهيم الودعان‪ ،‬ومقالة بعنوان "عناصر قصة موسى واخلضر"‪ ،‬لعظيم طماسي‪ ،‬جامعة‬
‫أصفهان‪ ،‬العدد (‪،)6‬لعام‪ ،2012‬ومقالة بعنوان "قيم الرتبية الشخصية ف قصة موسى مع اخلضر"‪ ،‬جامعة حممدية‬
‫‪iv‬‬
‫ماالنج‪ ، 2017 ،‬وقد تناولت هذه الدراسات تفسري هذه القصة واستخالص العرب‪ ،‬أما ف رساليت زدت على ذلك أن‬
‫قارنت بي التفسريين اإلشاري واالجتهادي فيما يتعلق هبذه القصة‪.‬‬

‫وأما خطة البحث فقد تكونت هذه الدراسة مقدمة ومدخل وثالثة فصول و خامتة وأهم النتائج مث قائمة املصادر‬
‫واملراجع‪ .‬وقسمت كل فصل إىل مباحث وحتته املطالب‪ ،‬ففي الفصل األول عرفت بملصطلحات املتعلقة بلرسالة‪ ،‬فجاء‬
‫املبحث االول فيها تعريفا للقصة من الناحية اللغوية واالصطالحية ‪ ،‬وف املبحث الثاين التعريف بنيب هللا موسى عليه‬
‫السالم و الرجل الصال‪ ،‬وف املبحث الثالث ف املطلب األول لفت األنظار إىل تفاسري الدراية و ضوابطها‪ ،‬وف املطلب‬
‫الثاين تفاسري اإلشارة وضوابطها ‪ ،‬أما املبحث الرابع ف هذا الفصل قسمته إىل ثالث مطالب ‪ ،‬ف املطلب االول تكلمت‬
‫عن أمهية القصص القرآنية‪ ،‬وف املطلب الثاين عن أنواع القصص القرآين‪ ،‬وف املبحث الثالث عن أهداف القصص‬
‫القرآين ‪ ،‬أما الفصل الثاين جاء بعـنوان قصة موسى والرجل الصال ف تفاسري الدراية ‪ ،‬وف املبحث األول حتدثنا فيه عن‬
‫اللقاء األول ما بي موسى عليه السالم والرجل الصال‪ ،‬واملبحث الثاين عن رحلة موسى عليه السالم مع الرجل‬
‫الصال‪،‬واملبحث الثالث اآلاثر املرتتبة على فراقهما ‪ ،‬أما الفصل الثالث جاء حتت عنوان قصة موسى عليه السالم مع‬
‫الرجل الصال ف تفاسري االشارة ‪ ،‬تكلمنا فيه ف املبحث األول عن اللقاء األول بي موسى عليه السالم والرجل الصال‬
‫‪ ،‬وف املبحث الثاين رحلة موسى عليه السالم مع الرجل الصال ‪ ،‬وف املبحث الثالث واألخري ‪ ،‬جئنا مبقارنة بي‬
‫التفسريين من نحية الشرح والدالئل واحلوارات وفهمها‪ ،‬مث ختمت بلنتائج والتوصيات والفهارس‪.‬‬
‫‪v‬‬

‫ملخص‬

‫يتجه هذا البحث حنو قراءة النصوص اليت وردت ف القرآن الكرمي فيما يتعلق بقصة سيدن موسى عليه الصالة والسالم‬

‫مع أحد الرجال الصاحلي وهي نيب هللا اخلضر عليه السالم‪ ،‬وتتعلق الدراسة بجلانب التفسريي ودراستها واستنطاق‬

‫كلمات القصة واستخراج معانيها ضمن نطاق تفاسري الدراية واإلشارة‪،‬على أمل أن تسهم هذه الدراسة ولو بلقليل ف‬

‫الدراسات املختصة هبذا اجلانب من علوم القرآن الكرمي‪ ،‬و هلذا السبب جاءت هذه الدراسة حتت عنوا ن‪( :‬قصة موسى‬

‫والرجل الصال ف تفاسري الدراية واإلشارة)‪.‬‬

‫فالقرآن الكرمي دستور حياة ومنهج تربية فهو مصدر األهداف والغاايت والقيم والسلوك‪،‬وقد هنج القرآن أساليبا وطرقا‬

‫خمتلفة لتعليم الناس‪ ،‬ومن هذه الطرق أسلوب احلوار القصصي‪.‬‬

‫تفسي ‪ ،‬قصة ‪ ،‬موىس ‪ ،‬الرجل الصالح ‪ ،‬الدراية ‪ ،‬الشارة ‪.‬‬


‫ر‬ ‫كلمات مفتاحية ‪:‬‬
vi
Özet

Bu araştırma Hz. Musa (a.s.) ile salih adam (Hz. Hızır) arasında Kur’an’da geçen

metinlerin okunmasına yöneliktir. Çalışma, dirayet ve işarî tefsirler kapsamında

kıssanın açıklayıcı yönü, incelenmesi, kıssanın kelimelerinin sorgulanması ve

anlamlarının çıkarılması ile ilgilidir. Bu çalışmanın, Kur'an-ı Kerim ilimlerinin bu

yönü ile ilgili çalışmalara az da olsa katkı sağlayacağı umuduna binaen çalışma,

“Dirayet Tefsirlerinde ve İşari Tefsirlerde Hz. Musa ve Salih Adam Kıssası”

“başlığı altında toplanmıştır. Kur'an-ı Kerim, amaçların, hedeflerin, değerlerin ve

davranışların kaynağı olduğu için bir hayat nizamı ve bir eğitim yöntemidir. Kuran,

insanlara öğretmek için farklı yöntem ve yöntemler benimsemiştir. Bu

yöntemlerden biri de kıssa diyalog yöntemidir.

Anahtar kelimeler: Tefsir, Kıssa, Musa, Salih Adam,Dirayet, İşarî


‫‪vii‬‬

‫المحتويات‬

‫‪1‬‬ ‫‪ BİLİMSEL ETİK SAYFASI‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪I‬‬ ‫شكر وتقدير ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪II‬‬ ‫مقدمة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪III‬‬ ‫ملخص ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪VII‬‬ ‫المحتويات ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪X‬‬ ‫االختصارات ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪1‬‬ ‫المدخل ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪6‬‬ ‫الفصل االول ‪ :‬تعريف المصطلحات المتعلقة بالرسالة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪1‬‬

‫‪7‬‬ ‫المبحث األول ‪ :‬تعربف القصة لغة و اصطالحا ً ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪1.1‬‬

‫‪7‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬القصة لغة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪1.1.1‬‬

‫‪11‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬القصة اصطالحا ً ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪1.1.2‬‬

‫‪17‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬التعريف بموسى عليه السالم والرجل الصالح ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪1.2‬‬

‫‪17‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬موسى عليه السالم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪1.2.1‬‬


‫‪viii‬‬
‫‪23‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬الرجل الصالح ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪1.2.2‬‬

‫‪29‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬أنواع التفاسير ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪1.3‬‬

‫‪29‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬الدراية وضوابطها ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪1.3.1‬‬

‫‪35‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬اإلشارة وضوابطها ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪1.3.2‬‬

‫‪39‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬القصص القرآنية وأهميتها ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪1.4‬‬

‫‪39‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬أهمية القصص القرآنية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪1.4.1‬‬

‫‪44‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬أنواع القصص القرآنية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪1.4.2‬‬

‫‪47‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬أهداف القصص القرآنية وفوائدها ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪1.4.3‬‬

‫‪50‬‬ ‫الفصل الثاني ‪ :‬قصة موسى والرجل الصالح في تفاسير الدراية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪51‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬اللقاء األول بين موسى عليه السالم والرجل الصالح ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪2.1‬‬

‫‪65‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬رحلة موسى عليه السالم مع الرجل الصالح ومجرياتها ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪2.2‬‬

‫‪73‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬اآلثار المترتبة على فراقهما ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪2.3‬‬

‫‪81‬‬ ‫الفصل الثالث ‪ :‬قصة موسى والرجل الصالح في تفاسير اإلشارة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪82‬‬ ‫المبحث االول‪ :‬اللقاء االول بين موسى والرجل الصالح ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪3.1‬‬

‫‪93‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬رحلة موسى عليه السالم مع الرجل الصالح ومجرياتها ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪3.2‬‬
‫‪ix‬‬

‫‪102‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬المقارنة بين التفسيرين ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪3.3‬‬

‫‪115‬‬ ‫الخاتمة والنتائج ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪118‬‬ ‫المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪124‬‬ ‫السيرة الذاتية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬


‫‪x‬‬

‫االختصارات ‪:‬‬

‫بدون تاريخ الطبعة ‪) :‬د‪.‬ت(‬ ‫‪-‬‬

‫سنة ميالدية ‪ :‬م‬ ‫‪-‬‬

‫سنة هجرية ‪ :‬هـ‬ ‫‪-‬‬

‫صفحة ‪ :‬ص‬ ‫‪-‬‬

‫صفحات ‪ :‬ص ص‬ ‫‪-‬‬

‫جزء‪/‬صفحة ‪ :‬ج‪/‬ص‬ ‫‪-‬‬


‫‪1‬‬

‫مدخل الدراسة‬

‫ف القصة القراَنية خصائص و مميزات تعطي للنسق بشكل واضح ‪ ,‬وروعة ف روايتها ‪،‬و كل هذه‬

‫األشياء أتيت من نسق التعبري الفن الذي فيه يتماسك و يتميز القراَن الكرمي‪،‬و من الدراسات اليت تكشف‬

‫عن اجلمال ف القصة هي الدراسة األسلوبية على أساس مستوايت عدة ‪ ,‬لذا جاءت دراستنا بـعنوان(قصة‬

‫سيدان موسى عليه الصالة والسالم مع الرجل الصاحل) وهذا قياساً ف تفاسري الدراية واإلشارة‪،‬دراسة‬

‫أبساليب‬
‫َ‬ ‫(مقارنة) بوصفها أكثر القصص لفتاً لألنظار‪ ،‬لقد جاء القرآن الكرمي داعيًا إل اهلداية والرشاد‬

‫شىت فتارةً ابلوعد والوعيد ‪،‬واترة ابإلقناع العقلي ‪ ,‬واترة اثلثة بوخز الضمري والوجدان ‪ ,‬ورابعةً بتوجيه الفطرة‬

‫إل حقيقتها ‪ ,‬وخامسة ابإلعجاز بشىت ألوانه وأحياانً كثرية أبسلوب القصص‪ ،‬الذي هو أقرب الوسائل‬

‫أتثريا فيه‪ ،‬وذلك ملا ف هذا األسلوب من احملاكاة حلالة‬


‫الرتبوية إل فطرة اإلنسان‪ ،‬وأكثر العوامل النفسية ً‬
‫اإلنسان نفسه‪ ،‬فرتاه يعيش بكل كيانه ف أحداث القصة‪ ،‬وكأنه أحد أفرادها‪َ ،‬فريَى من خالهلا كل من‬

‫الصاحل والطاحل ما ف نفسه من أحاسيس وما ف َخلَده من أحاديث وما جيري حوله من أحداث وحوار‪...‬‬

‫كل ذلك من خالل جتاوبه مع القصة‪ ،‬فالقصة ال سيما إن كانت أبسلوب شيِّق وبيان رائق هلا من التأثري‬

‫واجلاذبية ماال تبلغه أي وسيلة أخرى من الوسائل الدعوية أو التعليمية أو الرتبوية‪ ،‬فكيف إذا كانت‬
‫السم ِّ‬
‫ات ما ليس لغريه‪،...‬و توجد مسات‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫أبسلوب ر ي‬
‫ابن معجز له من الواقعية والصدق ودقة التصوير ومن َ‬
‫خاصة مسيت هبا القصص القراَن و فيها (أحسن القصص) ويتمثل هذا احلُ ُسن بعرض القصص أبسلوب‬

‫تصويري ومجال مؤثر ومعجز‪ ،‬كما يظهر ف احلُ ُسن املوضوعي واألخالقي‪ ،‬فال يعرض إال حقاً‪ ،‬وال ُُيِّب إال‬

‫صدقاً‪ ،‬وميتاز بتقدمي القصص مقرونة ابلعبة والعِّظة‪ ،‬وحافلة ابلدالالت العقدية والدعوية والتارُيية واألدبية‪،‬‬
‫وغريها‪، ..‬وفيها صدق الكالم ِّ‬
‫ومسَة الصدق ف القصص القرآن تشمل املعىن واملضمون واحملتوى على‬
‫‪2‬‬

‫اختالف موضوعاهتا العقدية أو الدعوية أو التشريعية وغريها‪ ،‬وال ُيفى أن اآلية السابقة جاءت ف سياق‬

‫آايت أخرى تُقرر أن عيسى عليه السالم عبد هللا ورسوله‪ ،‬وليس ابناً له‪ ،‬كما تدعي النصارى عن عيسى‬

‫بن مرمي‪ ،‬وف هذا إشارة جلية أن كل ما خالف قصص القرآن فهو زور وابطل‪ ، ..‬تعد قصة موسى من‬

‫أكثر قصص القراَن الكرمي تكراراً فهي بشكل مفصل تروي أحدااثً أساسية منذ مولده إل وجوده أمام‬

‫األرض املقدسة إذ كتب هللا على بن إسرائيل التيه أربعني سنة جزاءً وفاقاً‪،‬وقد أتت هذه القصة ف القراَن‬

‫الكرمي ف سورة "الكهف ‪ :‬من اَية ‪ 59‬إل ‪ "87‬بشكل اتم و فواصل خمتلفة مع اتفاق املعن املنهجي‬

‫لتفاسري الدراية واإلشارة‪،‬إذ ميكن تقطيع القصة ملشاهد ذوي موجات متحركة ‪ ,‬واحلوار والتوجيهات اليت‬

‫وجهها واالنفعاالت إل دروس و عب ‪،‬وقد كثرت املستوايت السردية ف هذه القصة وذلك ألهنا أكثر‬

‫القصص رؤية و أكثرها انفعاالً ف القراَن الكرمي‪،‬وهذا يستدعي مستوايت السرد املتجددة لتجسيد مواقف‬

‫نب هللا موسى عليهما السالم بفنية جذابة ‪،‬تكررت ف هذا البحث‬
‫العالقة واحلوار ما بني الرجل الصاحل و ي‬
‫الشخصية واألحداث اليت وق ع ما بينهم ف فصلني وهذا لتوضيح أكثر و مفارقة األسلوب التفسريي ما بني‬

‫تفاسري العقلي االجتهادي والتفسري الصوف ‪،‬فلكل منهما أسلوب متميز واضح ذي لغة قوية صحيحة‬

‫نب هللا موسى حينما أرسل هللا عز‬


‫‪،‬تركز أحداث القصة اليت وردت ف هذا البحث ما بني الرجل الصاحل و ي‬
‫وجل موسى بغرض طلب العلم والعلم مبا ال يعلم‪،‬فوجد هذا الرجل الصاحل عندما سافر مع فتاه"يوشع بن‬

‫نون"‪،‬و حينما لقيا الرجل فطلب منه موسى أن يعلمه من ما علمه هللا عز وجل‪،‬و رافق موسى عليه السالم‬

‫الرجل الصاحل فانطلقا ‪ ,‬و لكن موسى عليه السالم مل يصب على ما كان يفعله الرجل الصاحل‪،‬حىت قص‬

‫عليه فتعلم ما مل يعلم من قبل أ ن يتلقى ابلرجل الصاحل‪،‬كل هذا و أكثر قد تبني لنا ضمن شرح التفاسري‬

‫الدراية واالشارة‪،‬قام البحث على ثالث فصول منقسمة كل فصل إل مباحث و مطالب ‪:‬‬
‫‪3‬‬

‫فالفصل األول قسمته إل أربعة مباحث ‪ ,‬ف املبحث األول مطلبان ‪،‬املطلب األول تعريف القصة لغوايً‬

‫وف املطلب الثان تعريف القصة اصطالحاً‪،‬و ف املبحث الثان مطلبني ‪ ,‬وف مطلبه األول قمنا بتعريف نب‬

‫هللا موسى عليه السالم ‪ ,‬وف املطلب الثان التعريف ابلرجل الصاحل‪،‬أما املبحث الثالث فقد تعرضت فيه‬

‫إل أنواع التفاسري و ذلك على مطلبني ‪ :‬األول تفسري الدراية وضوابطها واملطلب الثان حتدثنا فيه عن‬

‫تفاسري اإلشارة وضوابطها‪ ،‬واملبحث الرابع واألخري ف هذا الفصل قسمته إل ثالثة مطالب ‪ ,‬ف املطلب‬

‫األول تكلمت فيه عن أمهية القصص القراَنية ‪ ,‬وف املطلب الثان عن أنواع القصص القراَنية أما ف املطلب‬

‫الثالث فعن أهداف القصص القراَنية و فوائدها بشكل عام ‪.‬‬

‫أما الفصل الثاين فقد قسمته إل ثالثة مباحث رئيسية ‪ ،‬ف املبحث األول تكلمت عن اللقاء األول مابني‬

‫الرجل الصاحل و موسى عليه السالم ف تفاسري الدراية‪،‬أما املبحث الثان فكان عن رحلة موسى مع الرجل‬

‫الصاحل ف تفاسري الدراية‪ ،‬و املبحث الثالث كان ف االختيار على االَاثر املرتتبة على فراق الرجل الصاحل‬

‫عن موسى عليه السالم ضمن شرح و تعاريف املنهج التفسريي االجتهادي أو ما يسمى بتفسري الدراية ‪،‬‬

‫أما الفصل الثالث فبالطريقة املنهجية ذاهتا اليت اتبعتها ف الفصل الثان و لكن ف تفاسري اإلشارة ‪ ,‬ف‬

‫املبحث األول أوردت اللقاء األول ما بني الرجل الصاحل و موسى عليه السالم ف تفاسري اإلشارة‪،‬وف‬

‫املبحث الثان تكلمت عن رحلة موسى مع الرجل الصاحل وجمرايهتا ف التفاسري اإلشارية ‪،‬أما املبحث‬

‫الثالث فقد أفردته لالختيار على املقارنة ما بني الفصلني(الثان و الثالث) ضمن تفاسري (الدراية واإلشارة)‬

‫و تفصيلهما ‪ ,‬وبيان االختالف بني شرح علماء املفسرين ابلتفسري االجتهادي العقلي و شرح علماء‬

‫املفسرين ابلتفسري اإلشاري أو الصوف‪...‬ففي كليهما تفاسري كثرية و كالم كثري عنها ‪ ,‬و هذا الكالم ليس‬
‫‪4‬‬

‫بشيء من قبل املضعفني بل من املفسرين الذين اجتهدوا ف سبيل إيصال ما هو خري و حسن جلميع‬

‫املسلمني املوحدين ‪...‬‬

‫ف هذا البحث نبني القصة اليت جرت بني سيدان موسى و الرجل الصاحل بناءً على ما جاء ف تفاسري‬

‫الدراية و تفاسري اإلشارة‪،‬و قد قمت بعقد مقارنة بني أحداث القصة ف كل من املنهج العقلي"الدراية"‬

‫واملنهج الصوف"اإلشارة"‪،‬مبيناً أن كال التفسريين فيها منط متشابه وفيها أساليب و آراء خمتلفة حول النص‬

‫احلواري ما بينهما‪ ،‬ولكن كان اختالفهما أوسع ف احلديث من اجلانب املفصل ألحداث القصة‪،‬ويتضح‬

‫للقاريء أن القراَن ف كل القصة بشكل عام يركز على الدروس والعظات بشكل واضح ال غموض فيه وال‬

‫إشكال ف الوصول إل اهلدف ‪،‬وقد بينت القصة التكرمي الرابن ألنبياء هللا الصاحلني ‪ ,‬وبينت كيف يتعلم‬

‫من كان ال يعلم‪،‬ومن خالل هذه الدراسة يتبني للقارئ أمهية القصص القراَنية و مدى فوائدها ف حياتنا و‬

‫توسيع أفكاران من الناحية الدينية والرتبوية واحلوارية ‪.‬‬

‫إن القراَن الكرمي ذلك النور الرابن والرسل واألنبياء عليهم السالم نزلوا رمحةً و نوراً من رب العاملني وهم غري‬

‫مقرتين ف الرمحة والبكة للناس فهم السفينة اليت بركوهبا ننج من العذاب ‪ ،‬و علينا مجيعاً أن نتمسك هبذا و‬

‫أن نتدبر القراَن الكرمي أبحسن صورة و نتأمل القصص اليت رواها القراَن الكرمي كتاب الرمحة الكبى الذي‬

‫نزل على قلوب األنبياء و منها فاضت إل الوجود ‪ ،‬ملنع الفساد و مواجهة الظاملني و إرشاد األمة أبساليب‬

‫خمتلفة قولية و فعلية إلقامة احلجة على االنسان فيؤمن بوجود هللا ‪،‬وفيها أيضاً بذهلم لكل ما ميلكونه ف‬

‫سبيل وصول داينة التوحيدي و الرسالة السماوية إل أقوامهم ‪ ،‬وقد تطرق هذا البحث إل قصة نب هللا‬

‫موسى عليه السالم مع الرجل الصاحل الواردة ف القرآن الكرمي‪ ,‬و اليت أظهرت عظمة هاتني الشخصيتني‪،‬‬

‫فلكل شخصية متيزه عن األخرى‪ ،‬و ف هذه القصة تتجلى مشيئة هللا سبحانه وتعال والعلم واحلكمة‬
‫‪5‬‬

‫واملوعظة واإلرشاد الرتبوي ‪،‬ففي قصتهم ذكرى للذاكرين وعبة ملن اعتب و دروس ف احلياة ماضية إل يوم‬

‫القيامة ‪،‬إن القصة املذكورة واخلالصة فيها أنه أرسل سيدان موسى عليه السالم إل نب هللا اخلضر عليه‬

‫السالم ليتعلم منه ما كان ال يعلمه سيدان موسى عليه الصالة والسالم‪ ،‬ف هذه القصة دروس كثرية هتم‬

‫السائلني ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫الفصل األول‬

‫تعريف املصطلحات املتعلقة ابلرسالة‬

‫‪ -‬املبحث األول‪ :‬تعريف القصة لغة واصطالحا‬

‫‪ -‬املبحث الثاين‪ :‬التعريف مبوسى عليه السالم والرجل الصاحل‬

‫‪ -‬املبحث الثالث‪ :‬أنواع التفاسي‬

‫‪ -‬املبحث الرابع‪ :‬القصص القرأنية وأمهيتها‬


‫‪7‬‬

‫الفصل األول‬

‫تعريف املصطلحات املتعلقة ابلرسالة‬

‫‪1.1‬املبحث األول‪ :‬تعريف القصة لغة واصطالحا‬

‫‪1.1.1‬املطلب األول‪ :‬القصة لغة‬

‫قبل أن ندخل ف دالالت لفظ القصة لغوايً ف املعاجم‪،‬جيب علينا أن منر إبطاللة خاطفة على‬

‫بداايت نشوء القصة ف حياة اإلنسان‪ ،‬ففي بداايته خطا أول خطوة ف طريق القصص من خالل ما‬

‫يعرف اب ألساطري‪،‬واألسطورة هي القصة اخلرافية اليت ابتدعها هذا اإلنسان البدائي‪،‬وصاغها وفقاً هلواه‪،‬‬

‫وحسب ما أوحى به خياله من الصور واملرئيات‪،‬فقد كان ُيرج ليجمع الغذاء من الغابة أو ليطارد الصيد‬

‫عند منابع املاء‪،‬وذلك قبل عصر الرعي والزراعة‪،‬فكان ُيتزن كل شهاداته من الطبيعة‪،‬واألصوات اليت كان‬

‫يسمعها خالل رحالته اخلطرة واملثرية ليقدمها إل أهله وعشريته فيؤدي دور القصاص(‪،)1‬مضيفاً على‬

‫مغامراته ألواانً من اخلياالت واألوهام‪،‬وهلذا السبب "كان يرى ف الصخرة املنحدرة من قمة اجلبل نداً‬

‫له‪،‬واَدمياً مثله‪،‬والريح اهلوجاء روحاً شريرة غري منظورة"‪،‬وتطورت تلك األسطورة مع هذا اإلنسان تبعاً لتطور‬

‫احلياة‪،‬فاستطاع أن ُيرج من نطاق اخلرافة واألسطورة بعض الشيء‪"،‬ويتالقي قليالً مع واقع احلياة اجلدية‬

‫مسيطراً على تصوراته ومعاانته فظل يعيش مع هواجسه وخماوفه ويطوف ف أعماق نفسه حماوالً التفلت من‬

‫الكبت والقهر والفكاك من الضياع واألسر منطلقاً ف طريق اخلالص وراء أبطاله الذين ابتدعهم(‪.)2‬‬

‫‪_1‬أمحد موسى سامل‪،‬قصص القراَن ف مواجهة أدب الرواية واملسرح‪(،‬ن)‪:‬دار اجليل للطبع والنشر والتوزيع‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪1977(،‬م)‪:‬ص ‪.34‬‬
‫_عبداحلافظ عبد ربه‪،‬حبوث ف قصص القران‪(،‬ن)‪ :‬دار الكتاب اللبنان للطباعة والنشر‪،‬القاهرة‪-‬مصر(‪1972‬م)‪:‬ص ‪ 24‬ال ‪2.28‬‬
‫َ‬
‫‪8‬‬

‫وقد كانت هذه األخبار اليت محلتها القصص األول ف حياة اإلنسان"هي ف كتاب حياته أجبدية‬

‫معرفته األول‪ ،‬وهي مسجالته الصوتية واملصورة اليت بدأ جيمعها ف واعيته وذاكرته‪،‬وف كلمته وإشارته‪،‬لقد‬

‫كانت القصة وتصوراهتا وموحياهتا مبثابة الدفعة القوية اليت اطلقت مجيع القوى الكامنة ف‬

‫اإلنسان‪،‬وأسعفتها اللغة اليت كانت وسيلته التعبريية الرئيسة عما جييش ف صدره من انفعاالت ومعاانة‬

‫وخياالت‪،‬وما ميكن ف فكره من قدرات وابتكارات(‪.)3‬‬

‫القصة ف لسان العرب جاءت من "القص‪ :‬القاص إذا قص القصص‪،‬يقال‪:‬ف رأسه قصة مبعىن مجلة من‬

‫الكالم واحلديث ‪،‬والقصص اخلب املقصوص والقصص بكسر القاف مجع القصة اليت تكتب‪,‬وهي‬

‫روايةاحلديث على شكل قصة يكون فيها القاص متتبعاً للمعان وألفاظ القصة على وجه الدقة(‪ ،)4‬قوله‬

‫ص عليك أحسن القصص"(‪،)5‬والذي يقص أييت على وجهها كأنه يتتبع معانيها‬
‫تعال"حنن نق ي‬

‫وألفاظها‪،‬قال تعال"إن هذا هلو القصص احلق"والقصاص تتبع الدم ابلقود(‪،)6‬حيث قوله تعال"ولكم ف‬

‫القصاص حياة اي أول األلباب"(‪،)7‬ويقال قص فالن ‪،‬ضربه ضرابً فأقصه أي أدانه من املوت(‪،)8‬وقال‬

‫الزخمشري"قص الشعر والريش وقصصه‪،‬وجناح مقصوص ومقصص‪،‬وشجه قصاص وقصاص وقصاص شعره‬

‫_أمحد موسى سامل‪،‬قصص القراَن ف مواجهة أدب الرواية واملسرح‪،‬ص‬


‫‪3.33‬‬

‫_حممد بن مكرم بن علي‪،‬أبو الفضل‪،‬مجال الدين ابن منظور‪،‬لسان العرب‪(،‬ن)‪ :‬دار صادر‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪1993(،‬م)‪ 73/7 :‬مادة قصص‪4.‬‬

‫_سورة يوسف ‪5.3 :‬‬

‫_سورة ال عمران ‪6.62 :‬‬


‫َ‬
‫_سورة البقرة ‪7.179 :‬‬

‫_أيب القاسم احلسني بن حممد‪،‬الراغب األصفهان‪،‬مفردات ألفاظ القران‪(،‬ن)‪ :‬دار القلم‪،‬الشام‪-‬سورية‪2009(،‬م)‪:‬ص ‪ 405‬مادة قصص‪8.‬‬
‫َ‬
‫‪9‬‬

‫وهو منتهي مقدم الرأس‪،‬وأخذ بقصته‪،‬بناصيته وهو يقرو مقصه‪،‬يتتبع أثره‪،‬وتقاصوا‪،‬قاص كل واحد منهم‬

‫صاحبه ف احلساب وغريه(‪.)9‬‬

‫وف املعجم الوسيط "قصت الفرس قصاً‪،‬استبان محلها وذهب وداقها‪،‬وقص القصة‪،‬رواها‪،‬ويقال‬

‫قص عليه الرؤاي‪،‬أ خبه هبا‪،‬وقص عليه خبه‪،‬أورده على وجهه والقصاص أن يوقع على اجلان مثل ما جىن‬

‫‪،‬النفس ابلنفس واجلرح ابجلرح‪،‬وأقص فالن من نفسه‪،‬مكن غرميه من االقتصاص منه‪،‬واألقصوصة‪،‬القصة‬

‫القصرية ومجعها أقاصيص"(‪،)10‬القصة سرد واقعي أو غري واقعي االفعال‪،‬ومن هنا جيدر بنا أن نقول ليس‬

‫هناك إال عدد من الطرق لكتابة القصة‪ ،‬إن املصدر قد أيخذ شيء منها مث جيعل له صورة شخصية يليق هبا‬

‫مث أيخذ من البيئة وجيعل الشخصية والبيئة جمسماً ذي تنسيق و صورة متكاملة(‪،)11‬إن القصة اترُيياً تعد‬

‫من أقدم األدبيات العاملية ظهرت قبل نشر احلضارات اإلسالمية أي ظهرت قبل االسالم خصوصاً ف‬

‫احلضارة الرومانية كان هلا دور كبري ف األدب الرومان القدمي و عند الفرس أيضاً‪ ،‬وف ديننا و عقيدتنا‬

‫السماوية ذكر القراَن الكرمي أكثر القصص اليت حدثت ف ماضي األمم والشعوب قبل امليالد أي منذ بداية‬

‫البشرية وروى عن كثري من األقوام ‪،‬أما ف القصة العربية القدمية جند املبالغة فيها ال سيما قصصهم كقصص‬

‫األ ساطري‪،‬حيث فيها جتميع الرواايت اليت كانت تتعلق حبروهبم و حوادثهم اخلاصة(‪،)12‬إن تعاريف القصة‬

‫العلمية‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪1998(،‬م)‪:‬ص‪9.510‬‬ ‫_حممود بن عمر بن حممد بن أمحد اخلوارزمي الزخمشري‪،‬أساس البالغة‪(،‬ن)‪ :‬دار الكتب‬
‫_إبراهيم أنيس‪،‬عبداحلليم منتصر‪،‬عطية الصواحلي‪،‬حممد خلف هللا أمحد‪،‬املعجم الوسيط‪(،‬ن)‪ :‬مكتبة الشروق الدولية‪،‬القاهرة‪-‬مصر‪10،‬‬

‫(‪2004‬م)‪:‬ص‪.739‬‬
‫_ابراهيم فتحي‪،‬معجم املصطلحات األدبية‪(،‬ن)‪ :‬املؤسسة العربية للناشرين املتحدين‪،‬جيزة‪-‬تونس‪1986(،‬م)‪:‬ص‪11.36‬‬

‫_فاحل الربيعي‪،‬القصص القران‪..‬رؤية فنية‪(،‬ن)‪ :‬دار الثقافية للنشر‪،‬القاهرة‪-‬مصر‪2002(،‬م)‪:‬ص ص ‪12.19 – 15‬‬


‫َ‬
‫‪10‬‬

‫خنتصرها ابلقول إن القصة هي رواايت مكتوبة ميكن أن تكون مستمدة من اخليال أو تكون واقعية و تقوم‬

‫على أسس من الفن األديب معينة ‪ ،‬واجلمع منها القصص"(‪.)13‬‬

‫ونقول فيها أيضاً إن املفهوم املعاصر ف تسجيل األحداث مفرداً و مجعاً واحلدث اليت تروى من‬

‫خالل الراوي يرتك بصمته ف اَذان املستمع والقاريء و ميكن أنه يكون من خالل مجع الرواايت والقصص‬

‫و جعلها كتاابً ف زمن ما سواء كان قدمياً أو حديثاً فإهنا تشكل قصة (‪،)14‬و ميكن أيضاً أن تكون القصة‬

‫طويلة أو متوسطة ‪ ،‬أو تكون قصرية و تسمى القصة القصرية(‪،)15‬توجد عالقة وثيقة ما بني األدب والفن‬

‫واألحداث اليت نراها ف حياتنا أو ما هو موجود ف التاريخ فإن الكاتب أو الراوي دائماً ما ينسق و ينقل‬

‫هذه األحداث بطريقة أدبية متميزة فيها فرق ما بينه و بني الكتب األخرى وفيها قصص خمتلفة ألن‬

‫األحداث قد تكون خمتلفة وفيها أيضاً مواضيع خيالية ليس فيها أي صلة ابحلقيقة ولكن حينما ينسج منها‬

‫فكأمنا هي حقيقية أو ابألحرى قد حتدث ف زمن من األزمان والكاتب الذكي ماهر ف تنسيق األحداث‬

‫حبيث تنسجم و عنوان القصة (‪،)16‬وف القصة توجد نقطة احلكاية اي البداية والنقطة االخرية و هذا ليس‬

‫مهماً سواء أكانت الرواية شخصية أو إجتماعية (‪.)17‬‬

‫‪13.20‬‬‫_فاحل الربيعي‪،‬القصص القراَن‪،..‬ص‬


‫_سيد غيث‪،‬فنيات الكتابة األدبية‪(،‬ن)‪ :‬أطلس للنشر واإلنتاج اإلعالمي‪،‬جيزة‪-‬تونس‪2016(،‬م)‪:‬ص ص ‪14.44 – 43‬‬

‫_املرجع السابق‪،‬ص ‪15.44‬‬

‫_املرجع السابق‪ ،‬ص ‪16.43 – 42‬‬

‫_سهاد ايس عباس الشمري‪،‬االدب القصصي‪(،‬ن)‪ :‬منشورات جامعة اببل‪،‬اببل‪-‬العراق‪2004( ،‬م)‪ :‬ص ‪17.21‬‬
‫‪11‬‬

‫‪1.1.2‬املطلب الثاين‪ :‬القصة اصطالحا‬

‫القصة القراَنية هي أخبار و أحداث األمم السابقة و أحواهلم و هذا بقص أحداث األشخاص و‬

‫فيها قسمني‪،‬ف القسم األول القصص تدور حول أشخاص ليسوا أبنبياء مثل أهل الكهف و فيها قصص‬

‫الطغاة واملشركني مثل فرعون و منرود و ف القسم الثان قصص األولياء الصاحلني والرسل الكرام عليهم‬

‫السالم وما جرى ف عهدهم من أحداث من حروب و غزوات كاليت وقعت ف زمن سيدان حممد صلى هللا‬

‫عليه و سلم‪.)18(...‬‬

‫يذهب بعض الفالسف ة واملفكرين إل القول أبن ف أعماق كل إنسان شيء من الشعر‪،‬وليس من شك أن‬

‫الشعر ظاهرة إنسانية واترُيية ‪،‬بل وال يعد من املغاالة ف شيء إذا قلنا إن ف كل كائن حي ذرة من‬

‫الشعر‪،‬واملقصود بذلك هو أن معظم الكائنات احلية تتمتع بقدر ولو ضئيل جداً من القابلية للتأثر ابإليقاع‬

‫وامليل للمؤانسة‪ ،‬واإلحساس ولو مرات حمدودة ابلشوق واحلنني لشيء ما(‪. )19‬‬

‫القصة جمموعة من االحداث يرويها الكاتب‪،‬وختتلف عن العروض الفنية ف أن هذه ميثلها املمثلون على‬

‫خشبة املسرح‪،‬وهي تتناول حادثة أو عدة حوادث‪،‬تتعلق بشخصيات إنسانية خمتلفة‪،‬تتباين أساليب عيشها‬

‫وتصرفها ف احلياة‪،‬ويكون اإلنسان نصيبها ف القصة متفاواتً من حيث التأثر والتأثري‪،‬الرواي للقصص حياول‬

‫جعل القارئ واقعاً ف حياة خيالية ‪،‬حبيث ينسجم مع أحداث القصة وقد يعرتف ف بعض االحيان‬

‫مبصداقية الرواية بناءاً على ما كان يراه ف حياته اليومية(‪.)20‬‬

‫ص‪18.35‬‬ ‫_حممد شديد‪،‬منهج القصة ف القراَن‪(،‬ن)‪ :‬مكتبة االَداب للطباعة والنشر‪،‬القاهرة‪-‬مصر‪1998(،‬م)‪:‬‬


‫_فؤاد قنديل‪،‬فن كتابة القصة‪(،‬ن)‪ :‬اهليئة العامة لقصور الثقافة ‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪2002(،‬م)‪ :‬ص‪19.19‬‬

‫_حممد يوسف جنم‪،‬فن القصة‪(،‬ن)‪ :‬دار بريوت للطباعة والنشر‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪1955(،‬م)‪ :‬ص‪20.7‬‬


‫‪12‬‬

‫ف القصة اخليالية اليكون لألحداث أساس منطقي ينسجم واحلياة احلقيقية كما أنه التظهر ف‬

‫الكتاابت التارُيية واقعية اتمة ف القصص وإمنا شبه واقعية أو قريبة من الواقع بشكل نسب ‪،‬ومن اجلدير‬

‫ابلذكر أن الراوي جيب عليه عدم أ خذ القصص غري حقيقية و نقلها لنا مثل ما جاء فيه من قبل املصادر‬

‫فيجب عليه أن جياهد ف حتقيق الرواايت ‪ ،‬وأخذ األدلة املطلوبة لكي يكون فيها تصورات غري مبالغة ف‬

‫رواية القصة و جيب عليه أن يقنعنا مبا جاء به فيما ُيص موقع احلدث واألشخاص الذين عاصروا هذا‬

‫املكان و أشكاهلم و ألواهنم و أحجامهم كل هذا مطلوب جلعل القصة واقعية أكثر ‪،‬وهذه الصورة تعتب‬

‫األساس ف تركيز القارئ ‪ ،‬و فيها أيضاً نقاط حساسة جيب أن يشكله القاص ف ذهنه‪ ،‬مثل كيفية حياهتم‬

‫و طرق معيشتهم و أسلوب حياهتم الشخصية سواء كانت القصة ف احلاضر أو اترُيية(‪.)21‬‬

‫يعتب حب االستطالع مسة أساسية ف جوهر التكوين اإلنسان‪،‬ولعل حكمة اخلالق سبحانه قد اقتضت‬

‫ذلك حىت حترضه على املعرفة‪،‬وعلى الضرب ف األرض وتطوير حياته والكون من حوله‪،‬ويتمتع بفيض من‬

‫هذه الصفة أغلب املخلوقني من البشر وال يستثىن منهم الغالظ والطغاة واألطفال والشيوخ واجملانني‬

‫واملرضى النفسيون‪،‬ومن مث مييل اجلميع إل حب القصص‪،‬واحلق الذي حنسبه ال حيتمل اجلدل أن كل شيء‬

‫ف الدنيا له قصة ‪،‬يستوي ف ذلك الكائنات احلية وغري احلية ‪،‬فكل شيء له بداية وله هناية‪ ،‬كل شيء له‬

‫سرية حياة‪،‬كل خملوق سواء أكان صغرياً أو كبرياً‪ ،)22(...‬و بذلك نستطيع القول إن القصة اصطالحاً هي‬

‫أسلوب إبداعي من أساليب القريض‪،‬ينسج فيه الراوي أو الكاتب أو القصاص قصيدته على املنوال‬

‫القصصي حبيث يتوفر فيها عناصر القصة‪،‬وهنا جند من يشيد ابلظاهرة القصصية ويعدها مظهراً من مظاهر‬

‫‪21.8‬‬ ‫_حممد يوسف جنم‪،‬فن القصة‪،‬ص ص ‪– 7‬‬


‫_فؤاد قنديل‪،‬فن كتابة القصة‪،‬ص‪22.20‬‬
‫‪13‬‬

‫اإلبداع ف تقمص شخصيات االَخرين ف انفعاالهتم‪،‬ووعياً دقيقاً بتطور األحداث واختيار هنايتها(‪،)23‬إن‬

‫مصطلح القصة سائغ قامت عليه دراسات معاصرة جند هذا لدى كثري من ال ُكتاب ف أحناء العامل‪)24(،‬وإذا‬

‫كان من الصعب حتديد معىن املالحم والبطوالت القدمية ف القصة‪،‬فإنه ميكننا القول على األقل أبن القراَن‬

‫الكرمي ذكر بعضها أو ذكر بعضها برواايت خمتلفة و مبينة بياانً اتماً ومن هنا نسمي هذا ف القصة‬

‫مصطلحات قصصية(‪،)25‬القصة شيء معروف ويقال ف رأسه قصة‪،‬واملقصود مجلة من احلديث‪،‬والقصة‬

‫هي اخلب ويقول يقص عليه خبه و نقول ف القصة إنه خب مبعىن مقصوص ‪،‬و وضع فيه املصدر حىت‬

‫غلب عليه والقصة هي احلديث و قد رويت على وجه كأنه متبعاً للمعان واأللفاظ وفيها "خرج قصاً و‬

‫قصصاً على فالن" وف هذا نقول االقتصاص ابملأثور(‪،)26‬قال تعال"ومن أصدق من هللا قيالً"(‪،)27‬و قال‬

‫هللا عز وجل"فلما جاءه وقص عليه القصص"(‪،)28‬فـ هنا نرى أنه ليس مبجرد املصدر بل إنه يعن خبهم و‬

‫نبأهم واحلديث عنهم فالقول ف األول والثان متشاهباً ف املعىن و هبذا نقول أن القصص قد نسقت بني‬

‫املعىن اللغوي واملصدر الرئيسي فيها‪ ،‬ألن األول والثان فيها الفعل واملفعول به خبالف املواضيع فإنه إذ‬

‫انتصب مبعىن له و امتنع عنه اآلخر ففيه قطع ‪..‬‬

‫ص‪23.420‬‬ ‫_مجيل علوش‪،‬عمر أبو ريشة حياته وشعره مع نصوص خمتارة‪(،‬ن)‪ :‬بيسان للنشر والتوزيع‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪1994(،‬م)‪:‬‬
‫_سليمان البستان‪،‬اإللياذة‪(،‬ن)‪ :‬كلمات عربية للرتمجة والنشر‪،‬القاهرة‪-‬مصر‪1978(،‬م)‪ :‬ص‪24.142‬‬

‫_حممد مصطفى هدارة‪،‬التجديد ف شعر املهجر‪(،‬ن)‪ :‬دار الفكر العريب‪،‬القاهرة‪-‬مصر‪1957(،‬م)‪ :‬ص‪25.142‬‬

‫_جمموعة من املؤلفني‪ ،‬جمموعة من القصص القرانية‪(،‬ن)‪ :‬املكتبة اإلسالمية للنشر‪،‬القاهرة‪-‬مصر‪2004(،‬م)‪ :‬ص‪26.23‬‬


‫َ‬
‫_سورة النساء‪27.122:‬‬

‫_سورة القصص‪28.25:‬‬
‫‪14‬‬

‫وتكون فيها تقطيع القصة عن الكالم‪،‬والقصة هلا تعاريف عدة منها"جمموع الكالم املشتمل على‬

‫ما يهدى إل الدين ويرشد إل احلق وأيمر بطلب النجاة"(‪،)29‬إن القراَن الكرمي له منزلة خاصة عند مجيع‬

‫املسلمني وف مجيع أحناء العامل وف هذا الكتاب ما تسمى ابألحداث من بداية اخللق إل اَخر الزمان وف‬

‫جمال النبوة والرسالة الرابنية املنزلة على رسول خمتار من عند رب العرش العظيم‪،‬وفيها أحداث و صراعات‬

‫بني الصراع القوي بني النور و الظالم ‪ ،‬وما بني احلق والضالل ‪ ،‬و نقول فيها أيضاً هي كشف االَاثر و‬

‫تنقيب فيما حدث ف العهود القدمية ومل يذكره الناس أو هم غافلني عنها ‪ ،‬و الغاية ف هذا تذكرة الناس و‬

‫أخذ املوعظة والدروس منها‪ ،‬و جند ف القصص تعريف اَخر أيضاً وهو األحداث اليت ال ترتبط ابلزمن‬

‫ولكنها توجد ف الكتاب الكرمي بشكل حصري(‪،)30‬وف قاموس املنجد ف اللغة واألعالم جند أن القصة‬

‫تعن أشياء كثرية منها"اخلب"و منها يقول "إهنا احلديث‪،‬أو األمر احلادث‪،‬أو الشأن وغريها"و أما الرواية فإهنا‬

‫نقل احلديث أو اخلب أو رواية شئ"(‪،)31‬يرد نشأة فن القصة إل حضارة اليوانن‪،‬اليت صدرت املالحم و‬

‫احلكاايت اليت تتحدث عن األساطري اليواننية وعن االَهلة اليت كانوا يعبدوهنا‪ ،‬و فيها أحاديث خرافية عن‬

‫األزل الكون ‪ ،‬والظواهر الكونية ‪ ،‬وقد ظهرت القصة عند العرب إبستثناء القراَن الكرمي ف رواايت عن‬

‫بعض البطوالت الشخصية أو اليت تنتسب إل قبيلة ما مكتوبة بطريقة شعرية ف عصر ما قبل االسالم ‪,‬‬

‫وف صدر اإلسالم بدأت عناصر القصة أتخذ شيئاً من القراَن الكرمي و هذا من خالل قصص األنبياء‬

‫والقصص اليت ذكر فيها ملوك و أشخاص ذوو أمساء ابرزة ف اتريخ البشرية و هبذا الشكل من جيل ال‬

‫‪29.216/25‬‬‫_حممد بن عمر بن احلسن أبو عبدهللا فخرالدين الرازي‪،‬التفسري الكبري‪(،‬ن)‪:‬دار الفكر للنشر‪،‬القاهرة‪-‬مصر‪1981(،‬م)‪:‬‬
‫‪_ 30‬جمموعة من املؤلفني‪،‬القصص التعريف‪،‬ص‪.24‬‬
‫_عبدامللك بن حممد بن إمساعيل أيب منصور الثعالب‪،‬فقه اللغة وسر العربية‪(،‬ن)‪ :‬املكتبة العصرية‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪2000(،‬م)‪ :‬ص‪31.70‬‬
‫‪15‬‬

‫آخر بلغت األوجه الفنية و اكتملت عناصر القصة ف العصر احلديث(‪،)32‬اإلنسان منذ خلق مولع‬

‫ابلقصص ‪،‬ميارسه دون أن يدري ما امسه‪،‬فقد الحظ اإلنسان األول املاء الذي جيري ف النهر‪،‬وتساءل عن‬

‫مصدره‪،‬وإل أين ميضي‪،‬فحاول أن يعرف قصته‪،‬ومسع صوت الرعد فتسأل عن املصدر وسببه وماذا حيدث‬

‫بعد انتهائه‪،‬ورأى النار وهي تشتعل بني األحجار أوالً مث متسك أبوراق وأغصان الشجر‪...‬وهكذا توالت‬

‫رحلته ف احلياة‪ ،‬مبحاولة دائبة الكتشاف العامل احمليط به وكيف ظهر(‪،)33‬وما زال ميارس فضوله وحب‬

‫استطالعه الستخالص قصة كل شيء متهيداً للسيطرة عليه‪،‬وف مرحلة البلوغ أصبح يتوق إليها ليأخذ ماهو‬

‫مفيد فيها ‪،‬مث غدا يطلبها ف حماولة إلعادة املاضي العزيز‪،‬أو كما يقول إعادة بناء الزمان الغابر برماد‬

‫احلنني‪،‬وهكذا أصبحت القصة أنيسه ابلليل والنهار ومادة مسره مع اجلماعة‪،‬بل لقد ابتت مرياثه الذي ُيلفه‬

‫ألحفاده راجياً أن حيفظوه(‪،)34‬وقد حرصت الرساالت السماوية وخاصة اإلسالم خالل القراَن الكرمي على‬

‫سرد القصص عن أحوال البشر السابقني(‪"،)35‬حنن نقص عليك أحسن القصص مبا أوحينا إليك هذا‬

‫القراَن"(‪،)36‬بعث هللا جبيل ابلقراَن متضمنا خنبة من القصص اليت تصور حال األنبياء والرسل الذين بعثهم‬

‫هللا هلداية البشر‪،‬ومل يسلحهم ابلشعر أو ابملسرحية أو ابملقاالت النثرية واخلطب أو أبي لون من ألوان‬

‫الفنون اللفظية أو غري اللفظية‪،‬وإمنا ابلقصص على وجه التحديد‪،‬القصة لغة خطاب تتناسب و تنسق مع‬

‫روح البشر و جيب أن نعرف أن هللا سبحانه قد خلق اإلنسان و يعلم ما فيه من القدرات و إمكانيات وقد‬

‫والتوزيع‪،‬بغداد‪-‬العراق‪2004(،‬م)‪:‬ص‪32.26‬‬ ‫_حممد سعيد ربيع الغامدي‪،‬القصة ف العصر العباسي‪(،‬ن)‪ :‬دار اجلاحظ للنشر‬
‫_فؤاد قنديل‪،‬فن كتابة القصة‪،‬ص‪33.21‬‬

‫_فؤاد قنديل‪،‬فن كتابة القصة‪،‬ص ص ‪34.22 – 21‬‬

‫_فؤاد قنديل‪،‬فن كتابة القصة‪،‬ص‪35.22‬‬

‫_سورة يوسف‪36.3:‬‬
‫‪16‬‬

‫فضل هللا عزوجل اإلنسان على مجيع خلقه ف األرض وهذا بدليل أنه ليس إبمكانية احليواانت أن تروي‬

‫القصص والفرق بينهما ف العقل و الذاكرة ‪،‬إن القصص مؤثرة فينا أبعمق مما نتصور‪،‬إنك خالل شيء ف‬

‫الشارع رمبا متر بك عشرات القصص دون أن تشعر‪..‬قد ترى وجهاً يذكرك بشخص ما‪،‬وهذا الشخص كان‬

‫لك معه قصة أو موقف‪،‬فيها من املواقف القصص القراَنية اليت وردت‪،‬ومنوذجاً لذلك قصة سفينة النب نوح‬

‫عليه السالم اليت صيغت على شاكلتها كثري من القصص و املواقف مأخوذة من قصة سيدان نوح(‪ )37‬مثال‬

‫ذلك القصة اآلتية ‪:‬‬

‫‪ -‬إنه هنار مناسب اي رجل ‪.‬‬


‫‪ -‬ولكن ‪ ..!..‬هل تعتقد أبهنم سيأتون؟‬
‫‪ -‬إهنم أمام أمر ال مفر منه فالسفن مجيعاً حمطمة عدا سفينتك‪.‬‬
‫‪ -‬مل أكن اصدق انن ساعود ال مهنيت من جديد‪.‬‬
‫‪ -‬أبناؤك هم السبب‪.‬‬
‫‪ -‬اللعنة على األبناء لقد أقنعوا الناس مبجزي كما يعتقدون(‪.)38‬‬
‫‪ -‬ولكنهم مل يستطيعوا اقناعك ابلتخلي عن اهلور ‪ ،‬كيف‪..‬؟‬
‫‪ -‬هم يعلمون بنزهتك اليومية فيه مع سفينتك مستمتعاً برائحة السمك والطني ‪...‬مل يعارضوا هذه‬
‫النزهة أبداً ‪.‬‬
‫عزائي الوحيد ف هذه السفينة ‪ ..‬اجلميع يطلق عليها سفينة نوح ‪.)39(!..‬‬ ‫‪-‬‬

‫القصة‪،‬ص‪37.23‬‬ ‫_فؤاد قنديل‪،‬فن كتابة‬


‫‪38.40‬‬ ‫_اجمد توفيق‪،‬لطيفة الدليمي‪،‬كتاب القصة‪(،‬ن)‪ :‬منشورات الطليعة االديب‪،‬نيويورك‪-‬والايت املتحدة‪1995(،‬م)‪ :‬ص ص ‪– 39‬‬
‫‪_ 39‬اجمد توفيق‪،‬لطيفة الدليمي‪،‬كتاب القصة‪،‬ص‪.40‬‬
‫‪17‬‬

‫‪1.2‬املبحث الثاين‪ :‬التعريف مبوسى عليه السالم والرجل الصاحل‬

‫‪1.2.1‬املطلب األول‪ :‬موسى عليه السالم‬

‫أوقف فرعون القتل ف املواليد الذكور من بن إسرائيل ف السنة اليت ولد فيها هارون عليه‬

‫السالم‪،‬وف السنة التالية اليت كان فيها القتل للذكور دون اإلانث ولد موسى عليه الصالة والسالم(‪،)40‬هو‬

‫موسى بن عمران بن قامت بن عازر بن الوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السالم‪،‬ولد ف عام‬

‫من األعوام اليت يقتل فيها الغلمان‪،‬ف وسط من القهر والذل والطغيان والتجري‪،‬حيث كانوا يقتلون سنة‬

‫ويرتكون أخرى(‪،)41‬وأمه لوحا بنت هاند بن الوي بن يعقوب(‪،)42‬كان طويالً أمسر اللون‪،‬وشبهه النب‬

‫صلى هللا عليه و سلم برجال شنوءة وهي قبيلة ف اليمن‪،‬كانوا معروفني ابلطول كما انه كان قوايً‪،‬ويدل‬

‫على ذلك قوله سبحانه﴿إن خري من استأجرت القوي األمني﴾(‪،)43‬أخذ فرعون يذبح ويقتل مواليد بن‬

‫إسرائيل الذكور‪،‬ويذر مواليدهم اإلانث حيث أن الكهنة أخبوه أبن مولوداً يولد من بن إسرائيل يكون‬

‫ذهاب ملكه على يديه‪،‬ففي هذا الوسط الرهيب ولد سيدان موسى‪،‬فأوحى هللا تعال ألمه إبرضاعه وإلقائه‬

‫ف اليم﴿وأوحينا إل أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه ف اليم وال ختاف وال حتزن إان رادوه إليك‬

‫وجاعلوه من املرسلني﴾(‪،)44‬وقال تعال﴿إذ أوحينا إل أمك مايوحى أن اقذفيه ف التابوت فاقذفيه ف اليم‬

‫‪40.152/‬‬‫_علي بن حممد بن عبدالكرمي أبو احلسن عزالدين ابن األثري‪،‬الكامل ف التاريخ‪(،‬ن)‪:‬دار العلمية‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪1987(،‬م)‪1:‬‬
‫_أبو فداء إمساعيل بن عمر بن كثري‪،‬البداية والنهاية‪(،‬ن)‪ :‬دار الفكر‪،‬دمشق‪-‬سورية(‪1986‬م)‪:‬ص ص ‪41.299 – 296‬‬

‫_أيب عبدهللا حممد بن أمحد بن أيب بكر القرطب‪،‬اجلامع ألحكام القران‪(،‬ن)‪ :‬مؤسسة الرسالة‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪2006(،‬م)‪42.250/13:‬‬

‫_سورة القصص‪43.26:‬‬

‫_القصص‪44.7:‬‬
‫‪18‬‬

‫ابلساحل أيخذه عدو ل وعدو له وألقيت عليك حمبة من ولتُصنع على عين﴾(‪،)45‬مث حدث ما مل يكن‬

‫متوقعاً أبن وقع موسى عليه السالم ف يد الفراعنة‪﴿،‬فالتقطه اَل فرعون ليكون هلم عدواً وحزانً إن فرعون‬

‫وهامان وجنودمها كانوا خاطئني‪،‬وقالت امرأة فرعون قرة عني ل ولك ال تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه‬

‫ولداً وهم اليشعرون﴾(‪،)46‬مث يصور هللا تعال فؤاد األم الفاقدة البنها"وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن‬

‫كادت لتبدي به لوال أن ربطنا على قلبها لتكون من املؤمنني"(‪،)47‬أرسلت أخته لتأيت خببه﴿وقالت ألخته‬

‫قصيه فبصرت به عن جنب وهم اليشعرون﴾(‪،)48‬وإن هللا حرم عليه املراضع كلها حىت يعيده ألمه‪،‬قال‬

‫تعال﴿وحرمنا عليه املراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل ي‬


‫بيت يكفلونه هلم وهم له‬

‫انصحون﴾(‪،)49‬وقال تعال﴿إذ متشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إل أمك كي تقر‬

‫عينها وال حتزن وقتلت نفساً فنجيناك من الغم وفتناك فتوانً فلبثت سنني ف أهل مدين مث جئت على قد ير‬

‫اي موسى﴾(‪،)50‬وهكذا رجع موسى إل أمه كي تقر عينها فقال تعال‪﴿ :‬فرددانه إل أمه كي تقر عينها وال‬

‫حتزن ولتعلم أن وعد هللا حق ولكن أكثرهم ال يعلمون﴾(‪،)51‬مث إن موسى أعيد إل قصر فرعون‪،‬ونشأ فيه‬

‫وريب ف بيته‪،‬وهو ال يدري أن هالكه على‬


‫فشاء هللا أن ينجو موسى عليه السالم من بطش فرعون‪،‬بل ُ‬
‫يديه‪،‬فقضى موسى مرحلة صباه كما يعيش أبناء امللوك‪.‬‬

‫_طه‪45.39:‬‬

‫_القصص‪46.9-8:‬‬

‫_القصص‪47.10:‬‬

‫_القصص‪48.11:‬‬

‫_القصص‪49.12:‬‬

‫_طه‪50.40:‬‬

‫_القصص‪51.13:‬‬
‫‪19‬‬

‫إن موسى عليه السالم قضى مرحلة طويلة ف قصر فرعون من مرحلة شبابه‪،‬قال تعال﴿قال أمل‬

‫نربك فينا وليداً ولبث فينا من عمرك سنني﴾(‪،)52‬مث حدث مامل يتوقع‪،‬غري جمرى حياته عليه السالم حيث‬

‫قتل القبطي واالَايت توضح ذلك‪،‬قال تعال﴿ودخل املدينة على حني غفلة من أهلها فوجد فيها رجلني‬

‫يقتتالن هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى‬

‫عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبني‪،‬قال رب إن ظلمت نفسي فاغفر ل فغفر له إنه هو‬

‫الغفور الرحيم‪،‬قال رب مبا أنعمت علي فلن أكون ظهرياً للمجرمني‪،‬فأصبح ف املدينة خائفاً يرتقب فإذا‬

‫الذي استنصره ابألمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي مبني‪،‬فلما أن أراد أن يبطش ابلذي هو عدو‬

‫هلما قال اي موسى أتريد أن تقتلن كما قتلت نفساً ابألمس إن تريد إال أن تكون جباراً ف األرض وما تريد‬

‫أن تكون من املصلحني﴾(‪، )53‬وهكذا انتشر خب القتل ف املدينة‪،‬فأرادوا البطش بسيدان موسى ولكن هللا‬

‫تعال جناه‪،‬قال تعال﴿ وجاء رجل من أقصى املدينة يسعى قال اي موسى إن املال أيمترون بك ليقتلوك‬

‫فاخرج إن لك من الناصحني‪،‬فخرج منها خائفاً يرتقب قال رب جنن من القوم الظاملني﴾(‪،)54‬خرج موسى‬

‫دون طعام وال شراب من بالد الظلم واجلبوت واالستعباد وهداه هللا إل بلد ينعم فيها ابلراحة واحلرية وجيد‬

‫فيها سبل العيش الكرمي ويرزق فيها ابلزوجة الصاحلة وهذا ما وضحته االَايت قال تعال﴿وملا توجه تلقاء‬

‫مدين قال عسى ريب يهدين س واء السبيل‪،‬وملا ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من‬

‫دوهنم امرأتني تذودان قال ما خطبكما قالتا ال نسقي حىت يصدر الرعاء وأبوان شيخ كبري‪..‬فسقى هلما مث‬

‫الشعراء‪52.18:‬‬
‫_سورة‬
‫_القصص‪53.20-15:‬‬

‫_الشعراء‪54.21-20:‬‬
‫‪20‬‬

‫ي‬
‫استيحاء قالت‬ ‫تول إل الظل فقال رب إن ملا أنزلت إل من خري فقري‪،)55(،‬فجاءته إحدامها متشي على‬

‫إن أيب يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال ال ختف جنوت من القوم‬

‫الظاملني‪،‬قالت إحدامها اي أبت استأجره إن خري من استأجرت القوي األمني‪،‬قال إن أريد أن أنكحك‬

‫إحدى ابنيت هاتني على أن أتجرن مثان حجج فإن أمتمت عشراً فمن عندك وما أريد أن أشق عليك‬

‫ستجدن إن شاءهللا من الصاحلني‪،‬قال ذلك بين وبينك أميا األجلني قضيت فال عدوان علي وهللا على ما‬

‫نقول وكيل﴾(‪،)56‬ويصور ابن كثري حال سيدان موسى عليه السالم بقوله﴿سار موسى من مصر إل مدين‬

‫ليس له طعام إال البقل وورق الشجر‪،‬وكان حافياً فما وصل مدين حىت سقطت نعل قدمه‪،‬وجلس ف‬

‫الظل‪،‬وهو صفوة هللا من خلقه‪،‬وإن بطنه الصق بظهره من اجلوع‪،‬وإن خضرة البقل لرتى من داخل جوفه‬

‫وإنه حملتاج إل شق مترة﴾(‪، )57‬مث بعد أن وىف موسى األجل أخذ أهله وسار هبم من مدين إل مصر وف‬

‫طريق عودته ملصر أكرمه هللا ابلنبوة والرسالة‪،‬قال تعال﴿فلما قضى موسى األجل وسار أبهله اَنس من‬

‫جانب الطور انراً قال ألهله امكثوا إن انست انراً لعلي اتيكم منها خبب أو جذوة من النار لعلكم‬

‫تصطلون﴾(‪،)58‬وقال تعال﴿ فلما أاتها نودي اي موسى‪،‬إن أان ربك فاخلع نعليك إنك ابلواد املقدس‬

‫طوى‪،‬وأان اخرتتك فاستمع ملا يوحى‪،‬إنن أان هللا ال إله إال أان فاعبدن وأقم الصالة لذكري﴾(‪،)59‬بعث عليه‬

‫السالم نبياً ورسوالً إل قومه‪،‬اصطفاه هللا جزاءً له ألنه كان من احملسنني‪،‬قال تعال﴿وملا بلغ أشده واستوى‬

‫_القصص‪55.22:‬‬

‫_القصص‪56.28-22:‬‬

‫والنهاية‪57.227/6،‬‬ ‫_ابن كثري‪،‬البداية‬


‫_القصص‪58.29:‬‬

‫_طه‪59.14-11:‬‬
‫‪21‬‬

‫أتيناه حكماً وعلما وكذلك جنزي احملسنني﴾(‪،)60‬قال تعال"واذكر ف الكتاب موسى إنه كان خملصاً وكان‬

‫رسوالً نبيا"(‪،)61‬قال سبحانه"قال ايموسى إن اصطفيتك على الناس برسااليت وبكالمي فخذ ما اَتيتك‬

‫وكن من الشاكرين"(‪،)62‬قال هللا تعال"‪...‬وكلم هللا موسى تكليما"(‪"،)63‬وانديناه من جانب الطور األمين‬

‫وقربناه جنيا"(‪،)64‬انفرد عليه السالم أبن كانت رسالته بتكليم هللا له مباشرة(‪،)65‬قال تعال"اي أيها الذين‬

‫اَمنوا التكونوا كالذين اَذوا موسى فبأه هللا مما قالوا وكان عند هللا وجيها"(‪،)66‬أي له وجاهة وجاه عند ربه‬

‫عز وجل فقد كان مستجاب الدعوة إال سؤاله الرؤية‪،‬فإن هللا تعال مل يشأ أن تكون ألحد من عباده ف‬

‫الدنيا‪،‬وقد استجاب هللا شفاعته ف أخيه هارون عليه السالم ف أن يكون نبياً ووزيراً له ف الدعوة إل‬

‫هللا(‪،)67‬تعتب قصة موسى عليه السالم من أكثر القصص وروداً ف القراَن الكرمي‪،‬فقد ذكر موسى ف القراَن‬

‫مائة وست وثالثني مرة‪،‬ف أربع وثالثني سورة وقد حازت سورة األعراف على النصيب األكب من إمجال‬

‫هذا العدد‪،‬ذكر سيدان موسى عليه الصالة والسالم ف كتاب هللا القراَن الكرمي إحدى و عشرون مرة وفيها‬

‫ذكرت ف سورة القصص مثانية عشرة مرة ‪،‬وف السورة الثانية وهي سورة طه بـ سبعة مرات‪ ،‬وجاء امسها ف‬

‫سورة البقرة بثالثة و عشرون مرة وف كل من سورة الشعراء و سورة يونس مثانية مرات ‪ ،‬وسورة غافر فيها‬

‫خبمس مرات‪ ،‬و كل من سورة املائدة و سورة النساء و سورة إبراهيم والنمل واألنعام وهود و اإلسراء ف كل‬

‫_القصص‪60.14:‬‬

‫مرمي‪61.51:‬‬ ‫_سورة‬
‫_سورة األعراف‪62.144:‬‬

‫_النساء‪63.164:‬‬

‫_مرمي‪64.52:‬‬

‫_حممد السيد الوكيل‪،‬نظرات ف أحسن القصص‪(،‬ن)‪ :‬الدار الشامية‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪( ،‬د‪.‬ت)‪65.131/2:‬‬

‫_سورة األحزاب‪66.69:‬‬

‫_ابن كثري‪،‬البداية والنهاية‪67.487/6،‬‬


‫‪22‬‬

‫منهما ثالث مرات ‪ ،‬و جاء امسها مرتني ف كل من سورة الكهف واألحزاب واملؤمنون واألحقاف‬

‫والصافات ‪ ،‬و مرة واحدة ف اَل عمران واحلج والفرقان ومرمي واألنبياء والعنكبوت والسجدة والشورى‬

‫والذارايت ال آخره‪،)68(..‬توف سيدان موسى عليه السالم بعد أن بلغ رسالة هللا على أكمل وجه دون أن‬

‫يرتك شيئاً من األمانة‪،‬ودفن عليه السالم ف األرض املقدسة بفلسطني‪،‬قال نب صلى هللا عليه وسلم"جاء‬

‫ملك املوت إل موسى عليه السالم فقال له‪:‬أجب ربك‪ ،‬قال ‪ :‬فلطم موسى عليه السالم عني ملك املوت‬

‫ففقاها‪ ،‬قال‪:‬فرجع امللك إل هللا تعال‪،‬فقال‪:‬إنك أرسلتن إل عبد لك ال يريد املوت وقد فقأ عين‪،‬قال‪:‬فرد‬

‫هللا إليه عينه‪،‬وقال‪:‬ارجع إل عبدي فقل‪:‬احلياة تريد؟فإن كنت تريد احلياة فضع يدك على منت ثور‪،‬فما‬

‫توارت يدك من شعره فإنك تعيش هبا سنة‪،‬قال‪:‬مث مه؟قال‪:‬مث متوت‪،‬قال‪:‬فاالَن من قريب رب أمتن من‬

‫األرض املقدسة برمية ح جر‪،‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وهللا لو أن عنده ألريتكم قبه إل جانب‬

‫الطريق عند الكثيب األمحر"(‪،)69‬قال تعال"لقد مننا على موسى وهارون‪،‬وجنينامها وقومهما من الكرب‬

‫العظيم‪،‬ونصرانهم فكانوا هم الغالبني‪،‬واَتينامها الكتاب املستبني‪،‬وهدينامها الصراط املستقيم‪،‬وتركنا عليهما ف‬

‫االَخرين‪،‬سالم على موسى وهارون‪،‬إان كذلك جنزي احملسنني‪،‬إهنما من عبادان املؤمنني"(‪.)70‬‬

‫‪68.270/2‬‬‫_صالح عبد الفتاح اخلالدي‪،‬القصص القراَن عرض وقائع وحتليل أحداث‪(،‬ن)‪ :‬دار القلم‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪1998(،‬م)‪:‬‬
‫_أبو احلسني مسلم بن احلجاج بن مسلم القشريي النيسابوري‪،‬صحيح مسلم‪(،‬ن)‪ :‬دار طيبة‪،‬الرايض‪-‬سعودية‪2006(،‬م)‪69.2372/4 :‬‬

‫_الصافات‪70.122-114:‬‬
‫‪23‬‬

‫‪1.2.2‬املطلب الثاين‪ :‬الرجل الصاحل‬

‫الرجل الصاحل هو الشخص الذي ورد ذكره ف القراَن ف سورة الكهف كعامل دون ذكر امسه صرحياً‬
‫"فوجدا عبداً من عبادان أتيناه رمحة من عندان وعلمناه من لدان علما"(‪،)71‬وتبعه موسى عند جممع البحرين‬

‫"قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا"(‪)72‬ويوجد اختالف ف صفته هل هو نب أم‬

‫ال‪،‬وهناك من يقول إنه ول صاحل(‪،)73‬عند ذكر امسه يلحق املسلمون عبارة "عليه السالم"‪،‬يقول الصحايب‬
‫ابن مسعود أنه املراد به ف االَية"قال الذي عنده علم من الكتاب أان اَتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك‬
‫فلما راَه مستقراً عنده قال هذا من فضل ريب ليبلون أأشكر أم أكفر ومن شكر فإمنا يشكر لنفسه ومن‬
‫كفر فإن ريب غن كرمي"(‪،)74‬و قول املشهور الذي رواه ابن عباس يقول أن املقصود ابالَية هو "اَصف بن‬

‫برخيا"(‪،)75‬و ف حديث عن موته فقد اتفق املؤرخون أنه ميت وليس مبوجود‪ ،‬ولكن مازالت توجد‬
‫معتقدات بعدم موته و يقولون أنه حي إل االَن‪ ،‬وف الدايانت السماوية وابألخص عند اليهود واملسيحية‬
‫يعتب الرجل الصاحل مقدساً ‪،‬و ف كثري من الشرائع يعتب رسوالً أو نبياً من األنبياء و حارساً البحر وقيل إنه‬
‫مالك أو معلم (‪.)76‬‬

‫اتفق بعض املؤرخون ف موضوع التشابه ما بني الرجل الصاحل والشخصيات التارُيية‪،‬مثل‬

‫شخصية سروش ف بالد الفارس ‪،‬و احملارب القديس "سركيس"‪،‬وف بالد الشام و آسيا الصغرى تشابه بـ‬

‫جرجيس‪،‬و ف أرمينيا يقولون إنه يوحنا املعمدان‪ ،‬ويقولون إنه هو شخصية "إيليا"(‪،)77‬ذكر ابن كثري ف‬

‫الكهف‪71.65:‬‬ ‫_سورة‬
‫_الكهف‪72.66:‬‬

‫_ابن كثري‪،‬البداية والنهاية‪/1،‬ذكر قصيت اخلضر وإلياس عليهما السالم‪73.‬‬

‫_سورة النمل‪74.40:‬‬

‫_الرازي‪،‬التفسري الكبري‪،‬ص‪75..575‬‬

‫_أمحد بن علي بن حممد الكنان العسقالن‪،‬اإلصابة ف متييز الصحابة‪(،‬ن)‪ :‬دار الكتب العلمية‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪1995(،‬م)‪:‬ص‪76.255‬‬

‫_سعيد محود مالعب‪،‬حضارة احلكمة واحلكماء عب العصور‪(،‬ن)‪ :‬دار الفكر‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪1985(،‬م)‪77.117/ 2:‬‬


‫‪24‬‬

‫كتابه البداية والنهاية أن هذا الرجل الصاحل ابن اَدم عليهما السالم وذلك لصلبه‪،‬حدثنا حممد بن الفتح‬

‫القالنسي‪،‬حدثنا العباس بن عبدهللا الرومي‪،‬حدثنا رواد بن اجلراح‪،‬حدثنا مقاتل بن سليمان‪،‬عن‬

‫الضحاك‪،‬عن ابن عباس قال"الرجل الصاحل بن اَدم لصلبه‪،‬ونسيء له ف أجله حىت يكذب الدجال‪،‬وهذا‬

‫منقطع وغريب"(‪،)78‬وف أقول أخرى توجد أيضاً تشابه ما بينه و بني الشخصيات القدمية ف بداية اخللق‬

‫وفيها تشابه بينه و بني "قابيل ابن اَدم" وجاء عنه أيضاً أبنه "كلمان" أي بليا بن ملكان‪ ،‬وهذا يوجهنا إل‬

‫أ نه بن فالغ ابن شاخل بن عامر من بن أرفخشد‪،‬و ف غريه جاء أنه ابن مالك بن عبدهللا من بن األزد‪،‬‬

‫والقول االَخر تقول أبنه "عمائيل‪،‬مقاتل" من بن إسحاق ‪،‬و توجد رواية تقول أبنه من أبناء نبينا هارون‬

‫عليه الس الم وف رواية بعيدة قيل فيه عن أيب هريرة عن ابن عباس أنه من أبناء بنت الفرعون و لصلبه قيل‬

‫فرعون‪،‬وف رواية جاء بـ إيلياس ‪،‬وقيل إنه من أ بناء الفرس من بعض من كان مع سيدان إبراهيم عليه السالم‬

‫هاجر مع خليل هللا وكان فارسي األب و رومي األم وقيل أبوه رومي و أمه من فارس(‪،)79‬و جاء ف رواية‬

‫أخرى أ نه من بن إسحاق وهو خضرون ابن عاييل معمر بن عيصو من أبناء سيدان إبراهيم‪،‬وف قصص‬

‫تقول إن هللا أماته مئة عام مث بعثه وهو حي إل يوم النفخ‪،‬قال تعال"أو كالذي مر على قرية وهي خاوية‬

‫على عروشها ق ال أىن حييي هذه هللا بعد موهتا فأماته هللا مائة عام مث بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو‬

‫بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إل طعامك وشرابك مل يتسنه وانظر إل محارك ولنجعلك اَية للناس‬

‫وانظر إل العظام كيف ننشزها مث نكسوها حلما فلما تبني له قال أعلم أن هللا على كل شيء قدير(‪،)80‬‬

‫السالم‪78.‬‬ ‫_ابن كثري‪،‬البداية والنهاية‪/1،‬ذكر قصيت اخلضر وإلياس عليهما‬


‫_العسقالن‪،‬اإلصابة ف متييز الصحابة‪79.2275،‬‬

‫_سورة البقرة‪80.259:‬‬
‫‪25‬‬

‫وسبب هذا التسمية ألنه جلس على فروة بيضاء‪،‬وكنيته أبو العباس(‪،)81‬إتفق العلماء ف أنه ميت ولكن‬

‫كثرت الرواايت ف بعض الكتب بال دليل أنه حي‪،‬ولكن معظم الرواايت ال يؤخذ هبا لضعف سندها‬

‫واألصل إنه مل يعمر وتوف كحال بقية البشر‪ ،‬وقال"وأما اخلالف ف وجوده إل زماننا هذا‪،‬فاجلمهور على‬

‫أنه ابق إل اليوم‪،‬قيل ألنه دفن اَدم بعد خروجهم من الطوفان فنالته دعوة أبيه اَدم بطول احلياة‪،‬وقيل ألنه‬

‫شرب من عني احلياة فحىي(‪ "،)82‬وف رواايت غري مؤكدة عليه‪ ،‬من بينهما قصته مع ذو القرنني أنه شرب‬

‫من ماء احلياة فهذه القصة ليس هلا أي دليل لذا نقول هللا و رسوله أعلم بذلك ‪ ،‬و توجد قصص عن‬

‫شخصيات المتوت و مازالت حية منها ذو القرنني و النب إيلياس والرجل الصاحل و أهنم شربوا من عني‬

‫احلياة ‪ ،‬فهذه القصص ليست صحيحة والبقاء فقط هلل عز وجل(‪،)83‬إن هذه القصة اليت رويت عن ذي‬

‫القرنني أنه أخب املالئكة ف شأن شرب احلياة و أخبوه هبذه العني والظلمة و أهنم قد ساروا إليها و وصلوا‬

‫إليها واليت ليس إبمكان أحد دخوهلا ولكن هو عزم على دخوهلا فهذه ال نستطيع عقالً القول بصحتها‬

‫(‪.)84‬‬

‫قال الثعلب"هو نب على مجيع األقوال معمر حمجوب عن األبصار‪،‬وسبب تعمريه قول ابن عباس نسيء‬

‫للرجل الصاحل ف أجله حىت يكذب الدجال(‪،)85‬وجاء ف جمموع فتاوى"وسئل رمحه هللا عن الرجل الصاحل‬

‫هل هو معمر؟بينوا أ نه ليس ف األحياء وال معمر‪،‬وقد سأل إبراهيم احلريب أمحد بن حنبل عن تعمري الرجل‬

‫الصحابة‪81.2275،‬‬ ‫_العسقالن‪،‬اإلصابة ف متييز‬


‫_العسقالن‪،‬فتح الباري‪82.415/6،‬‬

‫‪83.41/3‬‬ ‫_أبو حممد عبدهللا بن حممد بن جعفر أيب الشيخ األصبهان‪،‬العظمة‪(،‬ن)‪ :‬دار العاصمة‪،‬الرايض‪-‬سعودية‪:)1988(،‬‬
‫_األصبهان‪،‬العظمة‪84.41/3،‬‬

‫_العسقالن‪،‬اإلصابة ف متييز الصحابة‪85.2275،‬‬


‫‪26‬‬

‫الصاحل‪،‬أنه ابقي فقال اإلمام أمحد من أحال على غائب مل ينصف منه‪،‬وما ألقى هذا إال شيطان‪،‬وسئل‬

‫البخاري عن الرجل الصاحل وإلياس هل مها ف األحياء فقال"كيف يكون هذا وقد قال النب صلى هللا عليه‬

‫وسلم"اليبقى على رأس مائة سنة ممن هو على وجه األرض أحد" وليس مها ف األحياء‪،‬وهللا أعلم وف هذا‬

‫دليل كاف على وفاته(‪،)86‬قال تعال"وما جعلنا لبشر من قبلك اخللد"(‪،)87‬ويوجد اختالف ف هذه‬

‫املسألة‪،‬فهناك من قال حبياته ومنهم القرطب والنووي وابن الصالح‪،‬ويقول ابن كثري والبخاري وابن العريب‬

‫بوفاته‪،‬وهناك من يقول أنه حي إل االَن وأن وفاته عند قيام الساعة(‪،)88‬وعن كعب األحبار"أربعة من‬

‫(‪)89‬‬
‫األنبياء أحياء أمان ألهل األرض‪:‬اثنان ف األرض اخلضر وإلياس‪،‬واثنان ف السماء إدريس وعيسى"‪.‬‬

‫و قد اختلف ف نبوته‪،‬وممن يقول إنه نب‪،‬ذكر ابن حجر قوله ملوسى ف القراَن"وما فعلته عن‬

‫أمري"(‪،)90‬أي أنه يوحى إليه "وحكى ابن عطية البغوي عن أكثر أهل العلم أنه نب مث اختلفوا هل هو‬

‫رسول أم ال"(‪.)91‬‬

‫وف حديث عن ابن عباس قيل أبنه نب و غري رسول‪،‬وف قول إنه كان رسوالً واستجاب له قومه‬

‫وهذا عند ابن اجلوزي صحيح‪،‬وفيها يقولون إنه ملك من املالئكة أو نب من األنبياء"قال أبو اخلطاب بن‬

‫_أمحد بن عبداحلليم بن عبدالسالم تقي الدين ابن تيمية‪،‬جمموع الفتاوى‪(،‬ن)‪ :‬دار‬


‫اإلسالمية‪،‬الرايض‪-‬سعودية‪2004(،‬م)‪86.316/4:‬‬

‫_سورة األنبياء‪87.34:‬‬

‫_حممد عبدالرمحن بن عبدالرحيم املباركفوري‪،‬حتفة األحوذي‪(،‬ن)‪ :‬دار الفكر‪،‬بريوت‪-‬لبنان ‪1986(،‬م)‪88.3212/ 10:‬‬

‫_العسقالن‪،‬فتح الباري‪89.415/6،‬‬

‫_الكهف‪90.82:‬‬

‫_العسقالن‪،‬فتح الباري‪91.415/6،‬‬
‫‪27‬‬

‫دحية‪:‬ال ندري هل هو ملك أو نب أو عبد صاحل"(‪،)92‬قال رايح بن عبيدة"خرج عمر بن عبد العزيز إل‬

‫الصالة وشيخ متوكئ على يده فقلت ف نفسي‪ :‬إن هذا الشيخ جاف فلما صلى ودخل حلقته فقلت‬

‫أصلح هللا األمري من الشيخ الذي كان يتكئ على يدك ؟ قال‪ :‬ايرايح رأيته ‪ ،‬قلت‪ :‬نعم قال ما أحسبك‬

‫إال رجالً صاحلا ذاك أخي أاتن فأعلمن أن سأل أمر هذه األمة وأن سأعدل فيها"(‪"،)93‬وف قصة ما بني‬

‫اإلمام علي رضي هللا عنه والرجل الصاحل قال علي بن أيب طالب" كنت أطوف ابلبيت إذ رأيت رجالً وهو‬

‫متعل ق بستار الكعبة و يصيح و يقول اي من ال يشغله مسع عن مسع واي من ال يغلطه سائلون و اي من ال‬

‫يتبم إبحلاح امللحني‪،‬اذقن برد عفوك و رمحتك ف هذا الوقت قال علي إن دعائك هذا عافاك هللا و ل‪،‬‬

‫ادع به فوالذي نفس اخلضر بيده لو كان عليك عدد النجوم السماء من‬
‫قلت ‪ :‬نعم قال ‪ :‬ف كل صالة ِّ‬

‫الذنوب لغفر هللا لك أبسرع من طرفة العني"(‪،)94‬ف عديد من البلدان العامل يوجد مقام الرجل الصاحل‪،‬‬

‫ففي بريوت و على طرف منطقة الكرنتينا له مقام ف اَخر اجلامع على حدود املدينة‪،‬كان هذا األخري‬

‫كنيسة تسمى مار جرجس ولكن ف عهد علي ابشا ف سنة ‪ 1661‬ميالدية حوهلا إبسم اخلضر و عمل‬

‫منها جامعاً وف مدينة بغداد أيضاً على ضفاف هنر دجلة بنيت مقام مسجد الرجل الصاحل(‪.)95‬‬

‫وف الدايانت السماوية لدى العديد منهم يعتب الرجل الصاحل مقدساً‪ ،‬ففي املسيحية يوجد تشابه‬

‫بني الرجل الصاحل و مارجرجس‪،‬و بعضهم يقول أنه هو نفسه‪ ،‬وهذه القصة اليت رويت عنه أنه كان مثة‬

‫تنني ُيرج على سكان مدينة "بريوت" يبث فيها الرعب و أيكل سكان املدينة‪،‬و ومل يكن هلم خمرج فقدموا‬

‫الصحابة‪92.2275،‬‬ ‫_العسقالن‪ ،‬اإلصابة ف متييز‬


‫_أبو فداء إمساعيل بن عمر بن كثري‪،‬تفسري القراَن العظيم‪(،‬ن)‪ :‬دار طيبة (الرايض‪-‬سعودية(‪1999‬م)‪:‬‬
‫‪93.132/5‬‬

‫_ أيب بكر عبدهللا بن حممد بن عبيد بن سفيان ابن أيب الدنيا‪،‬كتاب اهلواتف‪(،‬ن)‪:‬الكتب الثقافية‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪1993(،‬م)‪:‬ص‪94.62‬‬

‫_ابن أيب الدنيا‪،‬كتاب اهلواتف‪،‬ص ص ‪95.63-62‬‬


‫‪28‬‬

‫فتاة مجيلة للتنني و هذا فداءً عن السكان ‪،‬وف سنة قد وقع االختيار على بنت حاكم فأخذ احلاكم ابنته‬

‫إل املكان املطلوب فيها ‪،‬فدعى ف ذلك احلني إل هللا و بذلك تصور هلا "الرجل الصاحل" راكباً ف حصان‬

‫و عنده حربة بيده فلما خرج التنني برأسه ف املاء ليبتلع الفتاة ضربه الرجل الصاحل حبربة و قتله ف احلال ‪،‬مث‬

‫بعد ذلك احلادث شيد حاكم املدينة كنيسة ف املكان الذي قتل فيه التنني‪ ،‬وف رواايهتم أن الرجل الصاحل‬

‫قتل ف سنة ‪303‬م و هذا بعد اعتناق الداينة املسيحية و هذا ف عهد امللك ديقلداينوس ‪ ،‬واجلدير‬

‫ابلذكر أن النصارى ف كل عام حيتفلون بعيد هذا الشخص و هذا احلدث‪،)96(،‬إن أكثر التشابه ف قصة‬

‫الرجل الصاحل تقع ما بني اليهود واإلسالم فقط ابختالف االسم قد تكون توجد فرقاً بينهم ففي اليهودية‬

‫توجد عدة أمساء له منها يوشع بن الوي و إلياس‪،‬و فيها عدة اختالفات ف القصة ما بني الرجل الصاحل‬

‫والنب موسىعليه السالم ‪،‬ففي اليهودية تبدأ القصة ما بني يوشع بن الوي و إلياس فيطلب يوشع من هللا أن‬

‫يلقي إبلياس فيستجب له ربه و عندما يلتقيان يطلب من إلياس أن يكشف له بعض األسرار فيقول له‬

‫"إنك ال طاقة لك على حتمل لك" مث بعد ذلك يلح إل أن يرافقه ف السفر‪،‬وف موافقة إلياس له جيب أن‬

‫ال يسأل عن أي شيء يراه و إذا سأله فـإلياس له حرية ف تركه(‪ .)97‬الرجل الصاحل جمبل ف الداينة املوحدية‬

‫"الدروز" وعندهم أيضاً توجد تشابه ف القصة مع القصة ف القراَن الكرمي(‪.)98‬‬

‫اهلواتف‪،‬ص‪96.63‬‬ ‫_ابن أيب الدنيا‪،‬كتاب‬


‫_أمحد حسني عودة‪،‬ثالثة عظماء من القران الكرمي(عامل وحاكم وحكيم)‪(،‬ن)‪ :‬مجعية القران الكرمي‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪2013(،‬م)‪97:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ص ص ‪.4-1‬‬
‫_شكري عراف‪ ،‬طبقات االنبياء واالولياء الصاحلني ف االرض املقدسة‪(،‬ن)‪ :‬مكتبة اخلاجني‪،‬القاهرة‪-‬مصر(‪1994‬م)‪98.159/ 2:‬‬
‫‪29‬‬

‫‪1.3‬املبحث الثالث‪ :‬أنواع التفاسي‬

‫‪1.3.1‬املطلب األول‪ :‬الدراية وضوابطها‬

‫التفسري ابلرأي واملراد ابلرأي االجتهاد و هذا التفسري يسمى ابلدراية‪،‬أو التفسري ابملعقول‪ ،‬وهو‬

‫تفسري القراَن ابالجتهاد بعد معرفة املفسر لكالم العرب‪،‬ومعرفة األلفاظ العربية ووجوه داللتها‪،‬ومعرفة‬

‫أسباب النزول‪،‬والناسخ واملنسوخ من اَايت القراَن ‪ ،‬وغري ذلك من األدوات اليت حيتاج إليها املفسر غري أن‬

‫االجتهاد جيب أن يكون مبنياً على العلم والفقه ولذلك قال اإلمام السيوطي"تفسري الدراية هو االجتهاد ف‬

‫تفسري القراَن الكرمي‪،‬وفق قواعد وشروط منها معرفة كالم العرب و مناحيهم ف القول و معرفة األلفاظ‬

‫العربية والوقوف على داللتها ومقتضياهتا والعلم أبسباب النزول‪،‬والناسخ واملنسوخ‪،‬واحلديث وأبصول الفقه‬

‫وأن يكون املفسر بعيداً عن اهلوى ونزعة التعصب"(‪،)99‬وقال اإلمام بدر الدين الزركشي"للناظر ف القراَن‬

‫لطلب التفسري ماَخذ كثرية أمهاهتا أربعة(‪: )100‬‬

‫األول ‪:‬النقل عن النب صلى هللا عليه وسلم‪،‬وهذا هو الطراز األول‪،‬لكن جيب احلذر من‬

‫الضعيف فيه واملوضوع‪،‬فإنه كثري‪.‬‬

‫الثانية ‪:‬األخذ بقول الصحايب‪،‬فإن تفسريه عندهم مبنزلة املرفوع إل النب حممد صلى هللا عليه و‬

‫سلم كما قاله احلاكم ف تفسريه‪.‬‬

‫_منصور بن فضيل كاف‪،‬موازنة بني تفسريي احملرر الوجيز البن عطية وزاد املسري ف علم التفسري البن اجلوزي‪(،‬ن)‪ :‬دار‬
‫احلامد‪،‬الرايض‪99-‬‬

‫سعودية‪2010(،‬م)‪ :‬ص‪.254‬‬
‫_أبو عبدهللا بدر الدين حممد بن عبدهللا بن هبادر الزركشي‪،‬البهان ف علوم القران‪(،‬ن)‪:‬دار الرتاث‪،‬بريوت‪-‬لبنان(‪2006‬م)‪100 .293/2:‬‬
‫َ‬
‫‪30‬‬

‫الثالثة ‪:‬األخذ مبطلق اللغة فإن القراَن نزل بلسان عريب مبني‪،‬وقد ذكره مجاعة‪،‬ونص عليه أمحد بن‬

‫حنبل ف مواضع لكن نقل الفضل بن زايد عنه وقد سئل عن القراَن متثل له رجل ببيت من الشعر فقال ما‬

‫يعجبن فقيل ظاهرة املنع‪،‬وهلذا قال بعذرهم ف جواز تفسري القراَن مبقتضى اللغة روايتان عن أمحد وقيل‬

‫الكراهة حتمل على من يصرف االَية عن ظاهرها إل معان خارجة عنه ‪،‬يدل عليها القليل من كالم‬

‫العرب‪،‬وال يوجد غالباً إال ف الشعر وحنوه‪،‬ويكون املتبادر خالفها‪،‬وروى البيهقي ف شعب اإلميان عن‬

‫مالك بن أنس قال"ال أوتى برجل غري عامل بلغات العرب يفسر كتاب هللا إال جعلته نكاال"‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬و فيها تفسري بقوة و مصداقية الشرع‪،‬و تسمى التفسري ابملقتضى وف هذا جند حديث‬

‫رسول هللا صلى هللا عليه و سلم عن ابن عباس ‪،‬أنه قال "اللهم فقهه ف الدين و علمه التأويل‪،‬وف رواية‬

‫علي و فيها يقول ‪ :‬هل خصكم رسول هللا بشيء‪،‬فقالوا ليس عندان غري الذي ف هذه الصحيفة‪،‬أو بفهم‬

‫من قبل رجل‪،‬و بناءاً على ما ورد ف هذا احلديث قالوا أن للقراَن نزول و تنزيل‪،‬فالتنزيل ابق إل يوم‬

‫الساعة‪،‬أما النزول فقد مضى‪،‬و ف هذا خالف ما بني الصحابة ف معىن االَية‪ ،‬فكل واحد أخذ برأيه ف‬

‫التفسري ابملقتضى(‪،)101‬وف خصائص التفسري ابلدراية هي اتباع طرق مستدلة و إعمال النظر العقلي وف‬

‫حالة عدم اجلواب فإنه دليل على أنه غري مدروس من قبل القارئ و يستمدون حجتهم من هذه اآلية"أفال‬

‫يتدبرون القراَن أم على قلوب أقفاهلا"(‪،)102‬وكذلك قوله"كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا اَايته وليتذكر أولو‬

‫األلباب"(‪.)103‬‬

‫القران‪101.293/2،‬‬ ‫_الزركشي‪،‬البهان ف علوم‬


‫َ‬
‫حممد‪102.24:‬‬
‫_سورة‬
‫_سورة ص‪103.29:‬‬
‫‪31‬‬

‫وشرط جواز هذا التفسري أن يكون حمكوماً بضوابط اللغة واألدلة الشرعية احملكمة(‪،)104‬توجد‬

‫نوعني رئيسيني ف تفسري الدراية منه املمدوح املقبول ومنه املذموم املردود و فيها (‪)105‬شكل لغوي عريب ورد‬

‫عنه‪،‬أو بطريقة أخرى نستطيع أن نقول برهان عقلي موافق للشرع‪،‬وهذا ما تسمى ابلتفسري ذو املعرفة بعلم‬

‫اللغة والقاعدات الشرعية واألصولية و فيها أصول الفقه و أصول الدين و فيها علم السنن واألحاديث وهذا‬

‫األخري ليس فيها منع ف النقل الصحيح والعقل السليم وال شيء اثبت مستقر ‪ ،‬و مع هذا جند فيها بذل‬

‫غاية الوسع من أجل احلصول على االجتهاد واملبالغة ف حتري الصواب و بعد النفس عن اهلوى و عمل‬

‫الص احل بغري دليل و معه مراقبة رب العاملني بدرجة كبرية ف كل ما يقال (‪،)106‬و فيها نوع ليس مبن على‬

‫أصل لغوي و ليس فيها شيء من املنطق العقلي يتوافق مع الشرع‪،‬وإمنا جمرد رأي ال شاهد له‪ ،‬وف احلديث‬

‫عن الدراية فما قام على أساس اللغة أو على أساس منطق العقل املوافق للشرع فهو جائز ال غبار عليه‪،‬وف‬

‫كتاب مناهل العرفان أن الدراية هنا تعن االجتهاد فإذا كان االجتهاد من ابب االستناد بعيداً عن الضاللة‬

‫واجلهالة فالتفسري حممود‪،‬و إال فـهو مذموم(‪،)107‬وف أمور ذكرت من قبل املفسرين األولني جيب االستناد‬

‫إليها ف تفسري القراَن الكرمي فقالوا ف ذلك أن التفسري جيب أن يكون مأخوذاً عن سيدان و رسولنا حممد‬

‫صلى هللا عليه و سلم و احلرص على أن ال يكون حديثاً ضعيفاً‪،‬و ف بعضها نقل من الصحابة من أسباب‬

‫النزول فهذا مما ليس فيه جمادلة وال رأي‪..‬‬

‫ص‪104.36‬‬ ‫_شريف راشد الصدف‪،‬مفهوم النص عند عمر بن اخلطاب‪(،‬ن)‪ :‬شركة بريطانية للنشر‪،‬لندن‪-‬مملكة املتحدة‪2016(،‬م)‪:‬‬
‫_يوسف أمحد علي‪،‬البيضاوي ومنهجه ف التفسري‪(،‬ن)‪ :‬مكتبة ام قرى للنشر‪ ،‬مكة املكرمة‪-‬سعودية‪(،‬د‪.‬ت)‪:‬ص ص ‪105.262-260‬‬

‫_حممد أبو شبهة‪،‬اإلسرائيليات واملوضوعات ف كتب التفسري‪(،‬ن)‪ :‬مكتبة السنة‪،‬القاهرة‪-‬مصر(‪1988‬م)‪ :‬ص‪106.218‬‬

‫_حممد عبدالعظيم الزرقان‪،‬مناهل العرفان ف علوم القران‪(،‬ن)‪ :‬دار الكتاب العريب‪،‬بريوت‪-‬لبنان ‪1995(،‬م)‪ :‬ص‪107.223‬‬
‫َ‬
‫‪32‬‬

‫واألخري أن تنقل من لغة مطلقة حيتاج معها إل بيان للكلمات ‪ ،‬أو من قانون وشريعة و هذا‬

‫النوع الرابع هو ما تقتضيه اللغة من معان وهو النوع الذي دعا به لـ إبن عباس(‪ )108‬قال رسول هللا عليه‬

‫الصالة والسالم"اللهم فقهه ف الدين وعلمه التأويل"(‪،)109‬فالتفسري ابلدراية الصحيحة جيب أن يكون فيه‬

‫دالئل من األحاديث‪،‬وأما ما كان على املعىن الثان وهو تفسري القراَن مبجرد الدارية واهلوى الذي اليقوم‬

‫على أصل لغوي وال برهان عقلي موافق للشرع‪،‬فغري جائز(‪،)110‬لقوله تعال"وال تقف ما ليس لك به‬

‫علم"(‪،)111‬وقوله"وأن تقولوا على هللا ما ال تعلمون"(‪،)112‬ويستدل على جواز التفسري ابلدراية فيما أييت‬

‫من القراَن الكرمي " كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا أايته وليتذكر أولو األلباب" كثري من الصحابة كان‬

‫يفسر بعض اَايت القراَن ابلرأي واالجتهاد‪،‬مستعيناً على ذلك بقوة الفهم وسعة اإلدراك ومبعرفة أوضاع اللغة‬

‫وأسرارها ومعرفة عادات العرب‪،‬وأحوال اليهود والنصارى ف جزيرة العرب وقت نزول القراَن(‪،)113‬قيل‬

‫الناس سواء أكانوا شيوخاً أو شباابً ‪ ،‬أغنياءً أو فقراءً ‪ ،‬وقيل عزاابً أو متزوجني ‪،‬وقيل نشاطاً وغري‬

‫نشاط‪،‬وقيل مرضى أو أصحاء‪،‬وقيل كلها سائغ جائز‪،‬واالَية حممولة عليها ألن الشباب والعزاب والنشاط‬

‫واألصحاء خفاف وضدهم ثقال‪،‬ومثل قوله تعال"ومينعون املاعون"(‪ ،)114‬قيل الزكاة املفروضة وقيل‬

‫العارية‪،‬أو املاء‪،‬أو النار‪،‬أو الكأل واملعرفة وكلها صحيح ألن مانع الكل اَمث‪.‬‬

‫ص‪108.142‬‬ ‫_جالل الدين السيوطي‪،‬اإلتقان ف علوم القراَن‪(،‬ن)‪ :‬مؤسسة الرسالة انشرون‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪2008(،‬م)‪:‬‬


‫_البخاري‪،‬صحيح البخاري‪،41/1،‬رقم‪109.143‬‬

‫_مصطفى ديب البغا‪،‬الواضح ف علوم القران‪(،‬ن)‪ :‬دار العلوم االنسانية ‪،‬دمشق‪-‬سورية‪1998(،‬م)‪:‬ص ‪110.117‬‬
‫َ‬
‫_سورة اإلسراء‪111.36:‬‬

‫_البقرة‪112.169:‬‬

‫_حممد حسني الذهب‪،‬التفسري واملفسرون‪(،‬ن)‪ :‬مكتبة وهبة‪،‬القاهرة‪-‬مصر‪2000(،‬م)‪:‬ص‪113.116‬‬

‫_سورة املاعون‪114.7:‬‬
‫‪33‬‬

‫وكقوله تعال"ومن الناس من يعبد هللا على حرف"(‪،)115‬وهذا مبعىن ال يدوم‪،‬أو على وشك‬

‫وكالمها قريب ألن املراد أنه غري اثبت على دينه‪ ،‬وال تستقيم البصرية فيه‪ ...‬وقيل ف القراَن ثالث اَايت ف‬

‫كل منها مئة قول‪،‬قال تعال"فاذكرون أذكركم"(‪،)116‬و قال تعال"وإن عدمت عدان"(‪"،)117‬هل جزاء‬

‫اإلحسان إال اإلحسان"(‪،)118‬فهذا و أمثاله ليس حمظوراً على العلماء استخراجه بل معرفته واجبة‪،‬قال‬

‫تعال"وابتغاء أتويله"‪،‬ولوال أن له أتويل مل يبينه سبحانه والوقوف على قوله"والراسخون"(‪،)119‬وهذا قول‬

‫اجلمهور وهو مذهب ابن مسعود وأيب بن كعب وابن عباس‪،‬وما نقله بعض الناس خبالف ذلك فغلط‪،‬فأما‬

‫التأويل املخالف لالَية والشرع فمحظور‪،‬ألنه أتويل اجلاهلني‪،‬قال تعال"مرج البحرين يلتقيان"‪،‬قالوا ف تفسري‬

‫ذلك أهنما االمام علي رضي هللا عنه والسيدة فاطمة‪ُ"،‬يرج منهما اللؤلؤ واملرجان"(‪،)120‬وقالوا ف ذلك‬

‫االَية يعن احلسن واحلسني رضي هللا عنهما‪،‬وقوله تعال"وإذا تول سعى ف األرض ليفسد فيها ويهلك‬

‫احلرث والنسل"(‪،)121‬وف ذلك قال صلى هللا عليه وسلم"املتشبع مبا مل يعط كالبس ثويب زور"(‪،)122‬والجيوز‬

‫ألحد أن يفسر القراَن حىت يتقن العلوم‪ ،‬وقال تعال"لتبني للناس ما نزل إليهم"(‪.)123‬‬

‫احلج‪115.11:‬‬ ‫سورة‬
‫البقرة‪116.152:‬‬

‫اإلسراء‪117.8:‬‬

‫الرمحن‪118.60:‬‬‫سورة‬
‫ال عمران‪119.7:‬‬
‫َ‬
‫الرمحن‪120.22:‬‬

‫البقرة‪121.205:‬‬

‫الزركشي‪،‬البهان ف علوم القران‪،‬ص‪122.293‬‬


‫َ‬
‫النحل‪123.44:‬‬
‫‪34‬‬

‫وقال صلى هللا عليه وسلم"من قال ف القراَن بغري علم‪،‬فليتبوأ مقعده من النار"(‪،)124‬وقوله صلى‬

‫هللا عليه وسلم"من تكلم ف القراَن برأيه فأصاب فقد أخطأ"(‪،)125‬هذا إن صح فإمنا أراد وهللا أعلم الرأي‬

‫الذي يغلب من غري دليل قام عليه‪،‬فمثل هذا الذي ال جيوز احلكم به ف النوازل‪،‬وكذلك ال جيوز تفسري‬

‫القراَن به وأما الرأي الذي يسنده برهان فاحلكم به ف النوازل جائز‪،‬وهذا معناه "أي مساء تظلن وأي أرض‬

‫تقلن إذا قلت ف كتاب هللا برأيي"‪...‬‬

‫وقال وإن صح فإمنا أراد وهللا أعلم فقد أخطأ الطريق فسبيله أن يرجع ف تفسري ألفاظه إل أهل‬

‫اللغة وف معرفة انسخة ومنسوخة وسبب نزوله‪،‬وما حيتاج فيه إل بيانه إل أخبار الصحابة الذين شاهدوا‬

‫تنزيله‪،‬وأدوا إلينا من سنن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪،‬ما يكون تبياان لكتاب هللا‪،‬قال تعال"وأنزلنا إليك‬

‫الذكر لتبني للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون"(‪ ،)126‬النب صلى هللا عليه وسلم قال"القراَن ذلول ذو‬

‫وجوه حمتملة‪،‬فامحلوه على أحسن وجوهه"(‪.)127‬‬

‫_الرتمذي‪124.199/5،‬‬

‫_الرتمذي‪125.2950:‬‬

‫_النحل‪126.44:‬‬

‫‪127.153-104/4‬‬ ‫_حممد بن علي بن إبراهيم‪،‬عوال اللئال العزيزية ف األحاديث الدينية‪(،‬ن)‪ :‬مطبعة الشهداء‪،‬طهران‪-‬ايران(‪1983‬م)‪:‬‬
‫‪35‬‬

‫‪1.3.2‬املطلب الثاين‪ :‬اإلشارة وضوابطها‬

‫التفسري اإلشاري أو التفسري ابإلشارة ويسمى أيضا التفسري الصوف‪،‬هو نوع من تفسري القراَن‬

‫الكرمي ينتمي إل منط معني من الفهم‪،‬وهو فهم املعان اليت قد ال تظهر ألول وهلة وإمنا حتتاج لتدبر وأتمل‬

‫وهذه املعان تكون من إشارات االَايت وتظهر ألرابب السلوك وأول العلم(‪،)128‬وعرفه الشيخ حممد‬

‫عبدالعظيم الزرقان بقوله"هو أتويل القراَن بغري ظاهرة إلشارة خفية تظهر ألرابب السلوك والتصوف وميكن‬

‫اجلمع بينها وبني الظاهر واملراد أيضا"(‪،)129‬وال يرى الصوف أن التفسري اإلشاري هو كل ما حتتمله االَية‬

‫من املعان بل يرى أن هناك معىن اَخر حتتمله االَية بعد املعىن الظاهر الواضح(‪،)130‬فالتفسري ابإلشارة يعن‬

‫أن النصوص ليست على ظواهرها‪،‬وإمنا مبا حتويه ف ابطنها من إشارات خفية ال يدركها إال أصحاب‬

‫الكشف وأرابب السلوك واملدارج‪،‬وتلك حقيقة العرفان‪،‬وأصحاب هذا التفسري من الصوفية ال ينكرون‬

‫العمل ابلظاهرة‪،‬ولكن إل جانبه توجد أسرار الباطن اليت ال يطلع عليها إال أرابب احلقائق‪،‬وهم يقولون إن‬

‫لكل حرف حداً‪،‬ولكن حد مطلقاً‪،‬فاحلد هو منتهى املعىن من مراد هللا‪،‬واملطلع هو ما يتوصل به ملعرفة‬

‫الغاية(‪،)131‬ذكر العلماء شروطاً لقبول التفسري اإلشاري‪،‬ومعىن كونه مقبوال‪،‬وال مرفوضاً‪،‬ال وجوب األخذ‬

‫به‪،‬أما عدم رفضه فألنه غري مناف للظاهر وال ابلغ مبلغ التعسف‪،‬وليس ما ينافيه أو يعارضه من األدلة‬

‫الش رعية‪،‬وأما عدم وجوب األخذ به فألنه من قبيل الوجدانيات‪،‬والوجدانيات ال تقوم على دليل وال تستند‬

‫واملفسرون‪،‬ص‪128.116‬‬ ‫_الذهب‪،‬التفسري‬
‫_الزرقان‪،‬مناهل العرفان‪129.78/2،‬‬

‫_حممد حسني الذهب‪،‬علم التفسري‪(،‬ن)‪ :‬مكتبة وهبة‪،‬القاهرة‪-‬مصر ‪2000(،‬م)‪ :‬ص‪130.70‬‬

‫_الصدف‪،‬مفهوم النص‪،‬ص‪131.37‬‬
‫‪36‬‬

‫إل برهان‪،‬وإمنا هي أمر جيده الصوف من نفسه‪،)132(،‬وسر ما بينه وبني ربه‪،‬فله أن أيخذ به ويعمل على‬

‫مقتضاه‪،‬دون أن يلزم به أحداً من الناس(‪،)133‬وقد وضع العلماء شروطاً لقبول التفسري اإلشاري على أال‬

‫يتناىف مع ما يظهر من معىن النظم الكرمي واملقرر ف لسان العرب‪ ،‬و أال يدعى أن التفسري اإلشاري هو‬

‫املراد وحده دون ظاهر اآلية ‪،‬بل البد من االعرتاف ابملعىن الظاهر أوال إذ ال يطمع ف الوصول إل اإلشارة‬

‫قبل إحكام العبارة‪،‬ومن ادعى فهم أسرار القراَن الكرمي ومل يضع نصب عينيه التفسري الظاهر والواضح يكون‬

‫كمن ادعي بلوغ صدر البيت قبل أن جياوز اببه(‪،)134‬و أال يكون أتويال بعيداً سخيفاً كتفسري بعضهم‬

‫قوله تعال"وإن هللا ملع احملسنني"جبعل كلمة ملع فعالً ماضياً و كلمة احملسنني مفعوالً به(‪،)135‬وأال يكون له‬

‫معارض شرعي أو عقلي‪،‬و جيب أن يكون شاهداً شرعياً يؤيده وبناءً على ذلك فإن التفسري اإلشاري‬

‫مقبول ابلشروط السابقة املنقولة عن العلماء(‪،)136‬اختلف العلماء ف هذا التفسري فمنهم من أجازه ومنهم‬

‫من منعه‪،‬قال اإلمام الغزال"ما من كلمة ف القراَن إال وحتقيقها حموج إل مثل ذلك‪،‬وإمنا ينكشف للراسخني‬

‫ف العلم من أسراره بقدر غزارة علومهم‪،‬وصفاء قلوهبم‪،‬وتوفر دواعيهم على التدبر‪،‬وجتردهم للطلب‪،‬ويكون‬
‫لكل و ي‬
‫احد حد ف الرتقي إل درجة أعلى منه‪...‬‬

‫فأما االستيفاء فال مطمع فيه ولو كان البحر مداداً واألشجار أقالماً‪،‬فأسرار كلمات هللا ال هناية‬

‫هلا‪ ،‬فتنفد األحبر مداداً قبل أن تنفد كلمات هللا عز وجل وأسرار ذلك كثرية ‪ ،‬وال يدل تفسري ظاهر عليه‪،‬‬

‫العرفان‪،‬ص‪132.79‬‬ ‫_الزرقان‪،‬مناهل‬
‫_الزرقان‪،‬مناهل العرفان‪،‬ص‪133.79‬‬

‫_البغا‪،‬الواضح ف علوم القران‪117/4،‬معىن التفسري‪134.‬‬


‫َ‬
‫العنكبوت‪135.69:‬‬ ‫_سورة‬
‫_فؤاد محدو الدقس‪،‬التفسري اإلشاري للقران الكرمي‪(،‬ن)‪ :‬القراءة النص العريب‪،‬دمشق‪-‬سورية‪2002(،‬م)‪ :‬ص‪136.11‬‬
‫َ‬
‫‪37‬‬

‫وليس اللفظ مناقض لظاهر التفسري‪ ،‬بل هو استكمال له ووصول إل لبابه عن ظاهرة‪ ،‬فهذا ما نورده لفهم‬

‫املعان الباطنة ال ما يناقض الظاهر‪،‬وهللا أعلم(‪،)137‬وقال السكندري"اعلم أن تفسري هذه الطائفة لكالم هللا‬

‫وكالم رسوله صلى هللا عليه وسلم ابملعان الغريبة ليس إحالة للظاهر عن ظاهره ‪،‬ولكن ظاهر االَية مفهوم‬

‫منه ما جلبت له االَية ودلت عليه ف عرف اللسان‪،‬ومث أفهام ابطنة تفهم عند االَية واحلديث ملن فتح هللا‬

‫قلبه‪ ،‬وقد جاء ف احلديث"لكل اَية ظاهر وابطن‪،‬وحد ومطلع"(‪،)138‬فال يصدنك عن تلقي هذه املعان‬

‫منهم أن يقول لك ذو جدل ومعارضة هذا إحالة لكالم هللا وكالم رسوله‪ ،‬فليس ذلك إبحالة وإمنا يكون‬

‫إحالة لو قالوا ال معىن لالَية إال هذا وهم مل يقولوا ذلك بل يقرون الظواهر على ظواهرها مراداً هبا‬

‫موضوعاهتا ويفهمون عن هللا تعال ما أفهمهم"(‪،)139‬قال الزركشي إنه ليس بتفسري وإمنا هو معادن‬

‫ومواجيد جيدوهنا عند التالوة كقول بعضهم ف قوله تعال"اي أيها الذين اَمنوا قاتلوا الذين يلونكم من‬

‫الكفار"(‪، )140‬إن املراد النفس يريدون أن علة األمر بقتال من يلينا هي القرب وأقرب شيء إل اإلنسان‬

‫نفسه"(‪ ،)141‬وجدت عن اإلمام أيب احلسن الواحدي املفسر أنه قال صنف أبو عبدالرمحن السلمي حقائق‬

‫ف التفسري فإن كان قد اعتقد أن ذلك تفسري فقد كفر‪..‬‬

‫قال ابن الصالح وأان أقول الظن مبن يوثق به منهم إذا قال شيئاً من ذلك أنه مل يذكره تفسرياً وال‬

‫ذهب به مذهب ال شرح للكلمة فإنه لو كان كذلك كانوا قد سلكوا مسلك الباطنية وإمنا ذلك منهم تنظري‬

‫ص‪137.162‬‬ ‫_أبو حامد حممد بن حممد الغزال‪،‬إحياء علوم الدين‪(،‬ن)‪ :‬دار املعرفة‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪2010(،‬م)‪:‬‬
‫_حممد حمسن الفيض الكاشان‪،‬التفسري الصاف‪(،‬ن)‪ :‬مؤسسة األعلى للمطبوعات‪،‬دمشق‪1959(،‬م)‪138.31/1 :‬‬

‫_إبن عطاء هللا السكندري‪،‬لطائف املنن‪(،‬ن)‪ :‬دار املعارف‪،‬القاهرة‪-‬مصر‪2006(،‬م)‪ :‬ص‪139.151‬‬

‫_التوبة‪140.123:‬‬

‫_الزرقان‪،‬مناهل العرفان‪،‬ص‪141.79‬‬
‫‪38‬‬

‫ملا ورد به القراَن فإن النظري يذكر ابلنظري ومع ذلك فيا ليتهم مل يتساهلوا مبثل ذلك ملا فيه من اإلهبام‬

‫وااللتباس‪،‬وقيل النصوص على ظواهرها والعدول عنها إل معان يدعيها أهل الباطل إحلاد‪،‬وقيل أن السبب‬

‫تسميته الدعاء أن النصوص ليست على ظاهرها بل هلا معان ال يعرفها إال املعلم وقصدهم بذلك نفي‬

‫الشريعة ابلكلية ‪ ،‬وأما ما يذهب إليه بعض احملققني من أن النصوص على ظواهرها ‪ ،‬ومع ذلك ففيها‬

‫إشارات خفية إل دقائق تنكشف ألرابب السلوك ميكن التوفيق بينها وبني الظواهر املرادة فهو من كمال‬

‫اإلميان وحمض العرفان(‪، )142‬ومن هنا يعلم الفرق بني تفسري الصوفية املسمى ابلتفسري اإلشاري وبني تفسري‬

‫الباطنية املالحدة فالصوفية ال مينعون إرادة الظاهر بل حيضون عليه ‪ ,‬ويقولون ال بد منه أوالً إذ من ادعى‬

‫فهم أسرار القراَن ومل حيكم الظاهر كمن ادعى بلوغ سطح البيت قبل أن جياوز الباب‪،‬وأما الباطنية فإهنم‬

‫يقولون إن الظاهر غري مراد أصال وإمنا املراد الباطن وقصدهم الشريعة‪،‬وف قول العلماء أن هذا النوع من‬

‫التفسري ابلكالم الغريب ليس إحالة للظاهر عن ظاهره ولكن ظاهر االَية مفهوم منه ما جاءت االَية له‬

‫ودلت عليه ف عرف اللسان ‪ ،‬وهلم أفهام ابطنة تفهم عند االَية واحلديث ملن فتح هللا قلبه وقد جاء ف‬

‫احلديث لكل اَية ظهر وبطن فال يصدنك عن تلقي هذه املعان منهم أن يقول لك ذو جدل ومعارضة هذا‬

‫إحالة لكالم هللا وكالم رسوله صلى هللا عل يه وسلم فليس ذلك إبحالة وإمنا يكون إحالة لو قالوا ال معىن‬

‫لالَية إال هذا وهم يقولون ذلك بل يقررون الظواهر على ظواهرها مرادا هبا موضوعاهتا ويفهمون عن هللا ما‬

‫أهلمهم(‪.)143‬‬

‫العرفان‪،‬ص‪142.80‬‬ ‫_الزرقان‪،‬مناهل‬
‫_الزرقان‪،‬مناهل العرفان‪،‬ص‪143.80‬‬
‫‪39‬‬

‫‪1.4‬املبحث الرابع‪ :‬القصص القرأنية وأمهيتها‬

‫‪1.4.1‬املطلب األول‪ :‬أمهية القصص القراَنية‬


‫لفتت القصةُ القرآنية أنظار ِّ‬
‫الباحثني‪،‬الذين رأَوا فيها َمعينًا ال ينضب من اجلمال واجلالل‪،‬وحسن‬ ‫ِّ‬
‫َ‬
‫وقوة التأثري؛فكثرت الدراسات والبحوث اليت جعلت منها جماالً للبحث‪،‬ومع اهتمامهم ابلعناصر‬
‫العرض َّ‬

‫الفنية للقصة القرآنية(‪،)144‬القصة القرأنية"هي كل خب موجود بني دفيت املصحف أخب به الل تعال رسوله‬

‫حممداً صلى هللا عليه و سلم حبوادث املاضي‪ ،‬بقصد العبة واهلداية‪ ،‬سواء أكان ذلك بني الرسل وأقوامهم‪،‬‬

‫أم بني األمم السابقة أفراداً ومجاعات لو أخذان تعريف القصة كما تواضع عليها كثري من رجال فنها لوجدان‬

‫أنه ال ينطبق كل االنطباق علي مفهوم القصة القرآنية‪ ،‬فهي ليست لوانً من ألوان األقصوصة أو القصة أو‬

‫الرواية‪ .‬أو احلكاية ابملعن املتواضع عليه وال ُحتَ ِّمل من العناصر الفنية ما محله نقاد العصر احلديث هلذه‬

‫األلوان(‪،)145‬نعم قد يتفق بعض هذه على القصص القرآن ف مجلته‪ ،‬أو ف بعض أجزاءه مع ما قرره‬

‫األدابء‪،‬لكن ذلك ال يعن أن هذه القصة‪،)146(،‬أو هذا اجلزاء‪،‬هو القسم الناجح وما عداه يقع دونه مرتبة‪،‬‬

‫وفنية‪ ،‬ومن هنا فإن القصة القرآنية مصطلح خاص الينطبق عليه أي من الشروط اليت تتطلبها القصة‬

‫اإلنسانية‪ ،‬والجيب أن تكون فيه حىت نسميه قصصاً ابملعن املصطلح عند النقاد‪ ،‬فهي ليست عمالً فنياً‬

‫مستقالً ف موضوعه وطريقة عرضه وإدارة حوادثه فحسب كما هو الشأن ف القصة الفنية احلرة اليت ترمي‬

‫إل أداء غرض فن جمرد‪..‬‬

‫ص‪144.7‬‬ ‫_علي حسن حممد سليمان‪،‬القصة القراَنية‪:‬خصائص وأهداف‪(،‬ن)‪ :‬مطبعة احلسني اإلسالمية‪،‬القاهرة‪-‬مصر(‪1995‬م)‪:‬‬
‫_حممد خري حممود العدوي‪،‬معامل القصة ف القران الكرمي‪(،‬ن)‪ :‬دار العدوي‪،‬عمان‪-‬االردن‪1998(،‬م)‪ :‬ص‪145.33‬‬
‫َ‬
‫_بكري أمني‪،‬التعبري الفن ف القران‪(،‬ن)‪ :‬دار العلم للماليني‪،‬بريوت‪-‬لبنان(‪2004‬م)‪ :‬ص‪146.215‬‬
‫َ‬
‫‪40‬‬

‫وأمهية القصص القرآن توجد ف أنه وسيلة من وسائل القرآن الكرمي الكثرية إل حتقيق هدفه‬

‫األصيل‪ ،‬والقرآن كتاب دعوة دينية قبل كل شيء‪ ،‬والقصة إحدى وسائله إلبالغ هذه الدعوة‪ ،‬وتثبيتها‪،‬‬

‫شأهنا ف ذلك شأن مشاهد القيامة‪ ،‬وصور النعيم والعذاب‪ ،‬وشأن األدلة اليت يسوقها على البعث‪ ،‬وعلى‬

‫قدرة الل‪ ،‬وشأن الشرائع اليت يفصلها‪ ،‬واألمثال اليت يضرهبا إل آخر ما جاء ف آي القرآن الكرمي من‬

‫موضوعات(‪ ،)147‬وهي جزء من القرآن أتخذ كل ما حيوزه القرآن من صفات لنفسه‪ ،‬كرابنية املصدر‪ ،‬دينية‬

‫الغرض واهلدف‪ ،‬وإعجاز املعىن واألسلوب واللفظ‪،‬و عناصر القصة القرآنية‪ ،‬اتبعة للهدف منها‪ ،‬وللعبة‬

‫اليت سيقت من أجلها‪ ،‬ف الوقت الذي تكون فيه القصة البشرية‪ ،‬اتبعة لعناصرها(‪ ،)148‬إن القصة القراَنية‬

‫ختاطب جانب اإلنسان‪ ،‬العقلي والوجدان‪ ،‬فتورد من األساليب ما ختاطب به العقل والوجدان منفردين أو‬

‫جمتمعني‪ ،‬كحوار األنبياء مع أقوامهم سواء حوار اجملادلة أو حوار توجيه وإرشاد(‪،)149‬القصص القراَن وسيلة‬

‫دعوية تربوية‪ ،‬فهي تُسهم ف بناء اإلنسان تصوراً وسلوكاً‪ ،‬فأما من انحية الفكر فهي متده بزخم من‬

‫التصورات العقدية‪ ،‬وأما من انحية السلوك‪ ،‬فهي متده بنموذج بشري واقعي لتطبيق هذه التصورات ف‬

‫ص َوِّره البشرية املمثِّلة ف النب صلى هللا عليه‬


‫احلياة الدنيا‪ ،‬وتريه اإلميان ابلل واالستقامة علي هنجه ف أمسي ُ‬
‫و سلم ومن اتبعه من املؤمنني‪ ،‬حيت أصبحوا بفضل تطبيقهم هلذا الدين ف حياهتم قدوة ومثالً ُحيتذي‪،‬قال‬

‫تعال"أولئك الذين هدى هللا فبهداهم اقتده‪.)150("...‬‬

‫ص‪147.110‬‬ ‫_إبراهيم حسني الشاذل‪،‬التصوير الفن ف القراَن الكرمي‪(،‬ن)‪ :‬دار الشروق (القاهرة‪-‬مصر(‪2004‬م)‪:‬‬
‫_الشاذل‪،‬التصوير الفن‪،‬ص‪148.111‬‬

‫_مأمون فريز جرار‪،‬خصائص القصة اإلسالمية‪(،‬ن)‪ :‬دار املنارة للنشر والتوزيع‪،‬دمشق‪-‬سورية‪1988(،‬م)‪ :‬ص‪149.225‬‬

‫_األنعام‪150.90:‬‬
‫‪41‬‬

‫يك من‬ ‫ِّ‬ ‫ف قصة إبراهيم عليه السالم مثال يقول تعال ‪َّ :‬‬
‫اهيم كا َن أمةً قانتاً لل حنيفاً ومل ُ‬
‫"إن إبر َ‬

‫املشركني"(‪ ،)151‬ومعن أمة أي ُمعلِّماً للخري‪ ،‬إماماً قدوة جامعاً خلصال اخلري‪ ،‬أو قائم مقام مجاعة ف عبادة‬
‫ُ‬
‫ين‪ ،‬والَّ ِّذي ُهو يُطعِّم ِّن ويَس ِّق ِّ‬
‫ني‪َ ،‬وإِّذَا َم ِّرض ُ‬
‫ِّ‬ ‫َّ ِّ‬ ‫(‪)152‬‬
‫ت فَـ ُه َو‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫هللا ‪،‬قال تعال" الذي َخلَ َق ِّن فَـ ُه َو يـَهد ِّ َ‬

‫ين"(‪ ،)153‬فهنا يصف ابراهيم ربه‬ ‫ني‪ ،‬والَّ ِّذي أَطمع أَن يـغ ِّفر ِّل خ ِّطيئ ِّيت يـوم ِّ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ َّ ِّ ِّ‬
‫الد ِّ‬ ‫َُ َ َ َ َ َ َ‬ ‫يَشفني‪َ ،‬والذي ُمييتُِّن ُمثَّ ُحيي َ‬

‫مبا يستحق توحيد العبادة ألجله‪ ،‬فاهلل هو اخلالق اهلادي إل سواء السبيل‪ ،‬الرازق‪ ،‬رافع ضر املرض‪،‬‬

‫وجالب نفع الشفاء‪ ،‬الذي بيده اإلماتة واإلحياء‪ ،‬فعدد ابراهيم هذه الصفات مجيعها مسنداً إايها إل هللا‬

‫ت فَـ ُهو يَش ِّف ِّ‬


‫ني" أتدابً مع هللا عزوجل‪ ،‬فهو‬ ‫ِّ ِّ‬
‫عزوجل‪ ،‬وعد فعل املرض الذي أسنده إل نفسه فقال" َوإذَا َمرض ُ َ‬
‫يعلم أنه مبشيئة ربه ميرض ويصح‪ ،‬ولكنه يذكر ربه ف مقام اإلنعام واإلفضال إذ هو اخلالق اهلادي‪ ،‬الذي‬

‫يطعمه ويسقيه ويشفيه‪ ،‬وال يذكره ف مقام االبتالء حني يبتليه‪ ،‬مراعياً ف لفظه اإلسناد إل األسباب‬

‫الظاهرة ف مقام األدب‪ ،‬فأسند إحداث املرض إل ذاته واملتسبب فيه‪ ،‬كما أنه أطلق عليه رجاء املغفرة لفظ‬

‫الطمع‪ ،‬تواضعاً لل تعال‪ ،‬ومباعدة لنفسه عن هاجس استحقاقه املغفرة وإمنا طمع ف ذلك لوعد الل‬

‫بذلك(‪،)154‬إنه شعور التقوي وشعور األدب وشعور اخلشية واإلانبة‪،155‬إحياءات القصة واضحة‪ ،‬فهي‬

‫تؤكد حقيقة الصلة اليت تربط بني املؤمنني‪ ،‬وهي صلة اإلميان‪ ،‬إن أمهية القصة من القراَن الكرمي هو أتكيد‬

‫(‪)156‬‬
‫قيمة اإلميان‪ ،‬وأتكيد حقيقة الصلة والروابط اليت جتمع بني املؤمنني ولتعميق اإلميان هبا ف القلوب‬

‫_النحل‪151.120:‬‬

‫ص‪152.281‬‬ ‫_حممد حسن احلمصي‪،‬قراَن كرمي تفسري وبيان‪(،‬ن)‪ :‬مؤسسة اإلميان‪،‬دمشق‪-‬سورية‪1999(،‬م)‪:‬‬


‫_الشعراء‪153.82-78:‬‬

‫_حممد الطاهر ابن عاشور‪،‬تفسري التحرير والتنوير‪(،‬ن)‪ :‬الدار التونسية للنشر‪،‬جيزة‪-‬تونس‪1984(،‬م)‪154.341/9 :‬‬

‫_إبراهيم حسني الشاذل‪،‬ف ظالل القران‪(،‬ن)‪ :‬دار الشروق‪،‬القاهرة‪-‬مصر‪2008(،‬م)‪155.362/5 :‬‬


‫َ‬
‫_حممد شديد‪،‬منهج القصة ف القران‪،‬ص‪156.69‬‬
‫َ‬
‫‪42‬‬

‫ضعتُـ َها أُنـثَي َواللُ أَعلَ ُم ِّمبَا َو َ‬


‫ض َعت‬ ‫ض َعتـ َها قَالَت ر ِّ‬
‫ب إِِّّن َو َ‬ ‫َ‬ ‫وف قصة مرمي عليه السالم قال تعال" فَـلَ َّما َو َ‬
‫الرِّج ِّيم‪ ،‬فَـتَـ َقبَّـلَها ريهبا بَِّقب ي‬ ‫ك وذُ ِّريـَّتَـها ِّمن الشَّيطَ ِّ‬‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ولَي َّ‬
‫ول‬‫َ ََ ُ‬ ‫ان َّ‬ ‫س الذ َك ُر َكاألُنـثَي َوإِّن َمسَّيـتُـ َها َمرَميَ َوإِّن أُعي ُذ َها ب َ َ َ َ‬
‫َ َ‬
‫َن‬ ‫اب َو َج َد عِّن َد َها ِّرزقاً قَ َ‬
‫ال َاي َمرَميُ أ َّ‬ ‫َح َس ين َوأَنـبَـتَـ َها نـَبَااتً َح َسناً َوَك َّفلَ َها َزَك ِّرَّاي ُكلَّ َما َد َخ َل َعلَيـ َها َزَك ِّرَّاي ال َمحَر َ‬
‫ال ر ِّ‬ ‫ند اللِّ إِّ َّن الل يـرز ُق من يشاء بِّغَ ِّري ِّحس ي ِّ‬
‫ك ه َذا قَالَت هو ِّمن عِّ ِّ‬
‫لَ ِّ‬
‫ب َهب ِّل‬ ‫ك َد َعا َزَك ِّرَّاي َربَّهُ قَ َ َ‬
‫اب‪ُ ،‬هنال َ‬ ‫َ‬ ‫ََُ َ ََ ُ‬ ‫َُ‬

‫يع ِّاء"(‪ ،)157‬مرمي فتاة مؤمنة‪ ،‬نذرهتا أمها قبل والدهتا لل‪ ،‬وكفلها زكراي‬
‫يع الد َ‬
‫ك ذُ ِّريَّةً طَيِّبةً إِّن َ ِّ‬
‫َّك َمس ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّمن لَ ُدن َ‬

‫عليه السالم وكلما دخل عليها زكراي وجد عندها رزقاً‪ ،‬فاكهة الشتاء ف الصيف‪ ،‬وفاكهة الصيف ف‬

‫الشتاء‪ ،‬وال يعلم زكراي مصدر هذا الرزق فيعجب ويسأهلا‪،‬أن لك هذا‪،‬فتجيب ف وثوق وبساطة إميان‪ ،‬إنه‬

‫من عند الل‪،‬فالل تعال يرزق من يشاء بغري حساب وبغري أسباب‪ ،‬إن زكراي نب من أنبياء بن إسرائيل‪ ،‬يعلم‬

‫هذه احلقيقة متام العلم‪ ،‬فما تغيب مثل هذه احلقيقة عن نب‪ ،‬إنه يعلمها ويؤمن هبا‪ ،‬ولكنه مل ميارس هذه‬

‫احلقيقة عملياً‪ ،‬مل متر به مثل هذه التجربة ف واقع احلياة‪ ،‬ولقد مر جده إبراهيم عليه السالم بنفس التجربة‪،‬‬

‫فإبراهيم يعلم ويؤمن أبن الل تعال قادر على إحياء املويت‪ ،‬ولكنه يسأل ربه أن يريه كيف حييي املويت‪ ،‬يريد‬
‫أن يشهد عملية اإلحياء‪ ،‬يريد أن يرقي من مقام اإلميان إل مقام اليقني‪"...‬وإِّذ قَ َ ِّ ِّ‬
‫ب أَِّرِّن َكي َ‬
‫ف‬ ‫يم َر َّ‬
‫ال إبـَراه ُ‬ ‫َ‬

‫صرُه َّن إِّلَي َ‬


‫ك ُمثَّ اج َعل‬ ‫ِّ‬ ‫ال بـَلَي َولكِّن لِّيَط َمئِّ َّن قَـلِّب قَ َ‬
‫ال فَ ُخذ أَربـَ َعةً م َن الطَّ ِّري فَ ُ‬ ‫ال أ ََوَمل تـُؤِّمن قَ َ‬
‫ُحتيِّي ال َمو َيت قَ َ‬

‫َن اللَ َع ِّزيز َحكِّيم"(‪.)158‬‬ ‫َعلَي ُك ِّل َجبَ يل ِّمنـ ُه َّن ُجزءاً ُمثَّ ادعُ ُه َّن َأيتِّيَـن َ‬
‫َّك َسعياً َواعلَم أ َّ‬

‫إن زكراي يعلم ويؤمن أبن الل قادر علي أن يرزق من يشاء بغري األسباب الظاهرة اليت أيلفها البشر‪ ،‬ولكنه‬

‫مير ابلتجربة العملية ويشهدها عند مرمي‪ ،‬فلما رأى هذه احلقيقة واقعاً ملموساً هنالك‪ ،‬وهي هنا لفظة معبة‬

‫عمران‪157.63-38:‬‬ ‫_اَل‬
‫_البقرة‪158.62:‬‬
‫‪43‬‬

‫موحية‪ ،‬أي أن زكراي ملا رأي فناء األسباب الظاهرة عند مرمي‪ ،‬ووجد عندها هذا اليقني‪ ،‬اليقني ف قدرة الل‬

‫علي خرق األسباب احلياة الظاهرة‪ ،‬وأن جيري أموراً علي غري ما ألف البشر من وسائل وأسباب ورأي مرمي‬

‫مر ابلتجربة عملياً ف واقع احلياة‪ ،‬هنالك وهنالك فقط توجه زكراي ابلدعاء‬
‫تقرر ذلك ف وثوق املؤمن الذي َّ‬

‫إل ربه أن يرزقه ذرية طيبة(‪ ،)159‬القرآن الكرمي يعد اجلماعة املؤمنة لتكون نواة األمة املسلمة اليت سوف‬

‫تتسلم قيادة البشرية لتقر ف األرض قيم السماء‪ ،‬فكان يربيها منذ العهد امللكي علي أساس تلك القيم‬

‫ويعمق اإلميان هبا ف قلوهبم من تلك القيم قيمة العدل‪ ،‬والعدل ف القرآن الكرمي قيمة مطلقة‪ ،‬ال عالقة له‬

‫ابلظروف وال مبصلحة األمة‪ ،‬فهو يبذل للعدو كما يبذل للصديق‪،‬قال تعال" َوالَ َجي ِّرَمنَّ ُكم َشنَآ ُن قَـويم َعلَي‬

‫ب لِّلتـَّق َوي"(‪.)160‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬


‫أَالَّ تَـعدلُوا إِّعدلُوا ُه َو أَقـَر ُ‬

‫القصة‪،‬ص‪159.69‬‬ ‫_حممد شديد‪،‬منهج‬


‫املائدة‪160.8:‬‬ ‫_سورة‬
‫‪44‬‬

‫‪1.4.2‬املطلب الثاين‪ :‬أنواع القصص القرأنية‬

‫القصة القراَنية أمر حمبَّب للناس ‪ ،‬فالقصة القرآنية ذات مغزي عميق مؤثر ف مشاعر اإلنسان‪ ،‬وو‬
‫ف سرد أحداث القصة التارُيية عبة وعظة‪ ،‬تبني لنا قوة الصراع بني اخلري والشر‪ ،‬وتنبه القلب إل سالمة‬
‫اإلميان واالعتقاد ابلل سبحانه وتوقظ مشاعر اإلنسان ملعرفة حقيقة الكون‪ ،‬وعدم االغرتار ابلدنيا‪ ،‬والعمل‬
‫لآلخرة دار اخللد والبقاء والنعيم األبدي‪،‬قال هللا تعال" ان الذين آمنوا وعملوا الصاحلات وأخبتوا إل رهبم‬
‫أولئك أصحاب اجلنة هم فيها خالدون‪،‬مثل الفريقني كاألعمي واألصم والبصري والسميع‪ ،‬هل يستواين‬
‫مثالً‪ ،‬أفال تذكرون"(‪،)161‬والقصة ف القراَن الكرمي أنواع ‪:‬‬

‫النوع األول‪ :‬قصص األنبياء‪ ،‬وقد تضمن دعوهتم إل قومهم‪ ،‬واملعجزات اليت أيدهم الل هبا‪،‬‬
‫وموقف املعاندين منهم‪ ،‬ومراحل الدعوة وتطورها وعاقبة املؤمنني واملكذبني‪ ،‬كقصص نوح‪ ،‬وإبراهيم‬
‫وموسى‪ ،‬وهارون‪ ،‬وعيسى‪ ،‬وحممد عليهم السالم أمجعني وغريهم من األنبياء‪ ،‬واملرسلني‪...‬‬

‫النوع الثاين‪ :‬قصص قرآن يتعلق حبوادث غابرة‪ ،‬وأشخاص مل تثبت نبوهتم‪ ،‬كقصة الذين أخرجوا‬

‫من دايرهم وهم ألوف حذر املوت‪ .‬وطالوت وجالوت‪ ،‬وابن آدم وأهل الكهف‪ ،‬وذي القرنني وقارون‪،‬‬

‫وأصحاب السبت‪ ،‬ومرمي وأصحاب األخدود‪ ،‬وأصحاب الفيل وحنوهم‪...‬‬

‫النوع الثالث‪ :‬قصص يتعلق ابحلوادث اليت وقعت ف زمن الرسول األكرم صلى هللا عليه وسلم‬

‫كغزوة بدر وأحد ف سورة آل عمران‪ ،‬وغزوة حنني وتبوك ف التوبة‪ ،‬وغزوة األحزاب ف سورة األحزاب‪،‬‬

‫واهلجرة واإلسراء‪ ،‬وحنو ذلك‪...‬‬

‫يشتمل القرآن الكرمي على كثري من القصص اليت تتكرر ف أكثر من موضع‪ ،‬فالقصة الواحدة‬

‫يتعدد ذكرها ف القرآن‪ ،‬وتعرض ف صور خمتلفة ف التقدمي والتأخري‪ ،‬واإلجياز واإلطناب‪ ،‬وما شابه ذلك ‪،‬‬

‫_هود‪161.42-23:‬‬
‫‪45‬‬

‫واحلكمة ف ذلك أنه من خالل هذه القصص وأنواعها يبني القراَن لنا بالغة القرآن ف أعلي مراتبها‪،‬‬

‫والقصة املتكررة ترد ف كل موضع أبسلوب يتمايز عن اآلخر‪ ،‬وتصاغ ف قالب غري القالب‪ ،‬والميل اإلنسان‬

‫من تكرارها‪ ،‬بل تتجدد ف نفسه ي‬


‫معان الحتصل له بقراءهتا ف املواضع األخرى‪،‬وقوة اإلعجاز فإيراد املعىن‬

‫الواحد ف صور متعددة مع عجز العرب عن اإلتيان بصورة أبلغ منها ف التحدي‪،‬ابإلضافة إل االهتمام‬

‫بشأن القصة لتمكني عِّ َبها ف النفس‪ ،‬فإن التكرار من طرق التأكيد وإمارات االهتمام‪ ،‬كما هو احلال ف‬

‫قصة موسي مع فرعون‪ ،‬ألهنا متثل الصراع بني احلق والباطل أمت التمثيل مع أن القصة التتكرر ف السورة‬

‫الواحدة مهما كثر تكرارها‪،‬وأيضاً اختالف الغاية اليت تساق من أجلها القصة‪ ،‬فتذكر بعض معانيهما‬

‫الوافية ابلغرض ف مقام‪ ،‬وتبز معان أخرى ف سائر املقامات حسب اختالف املقتضيات‪،‬قد عرف من‬

‫ب ف مكان ويوجز ف مكان‪ ،‬ويتوخي مقاصد القصص الكلية مع أنه رمبا أغفل‬ ‫ِّ‬
‫أسلوب القرآن أنه يُطن ُ‬
‫ذكر بعض جزئياهتا ف مكان دون مكان‪ ،‬فإننا نري أنه ذكر قصة نوح ف سورة هود ف حنو عشرين آية‪ ،‬مث‬

‫ذكرها ف سورة العنكبوت ف آيتني‪ ،‬و أطال ذكرها ف سوريت األعراف والشعراء مث ذكرها ف سورة‬

‫الذارايت مع مجاعة من القصص ف اآلية واآليتني والثالث(‪،)162‬توجد ف قصص القرآن الكرمي وسائل فنية‬

‫لعرض مبادئه والدعوة إليها والرتبية علي أساسها وتثبيت حقائقها ف قلوب املؤمنني(‪.)163‬‬

‫ص علَيك ِّمن ِّ‬


‫أنباء الرس ِّل ما نُثبت به فؤادك‪ .‬وجاءك ف هذه احلق وموعظة ِّ‬
‫وذكري‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُُ‬ ‫"وكال نـَ ُق ي َ‬

‫للمؤمنني"(‪،)164‬وف قصص القراَن الكرمي توجد أنواع الشروط اليت جيب توافرها ف نوع القصة ‪،‬هنا نذكر و‬

‫نبني أنواعه وفيها جيب أن ال تكون عقدة القصة مفتعلة‪ ،‬ومعىن ذلك أن احلوادث اليت تؤدي إل خلق هذه‬

‫القران‪،‬ص‪162.41‬‬
‫_حممد شديد‪،‬منهج القصة ف‬
‫َ‬
‫_حممد شديد‪،‬منهج القصة‪،‬ص‪163.42‬‬

‫_هود‪164.120:‬‬
‫‪46‬‬

‫العقد ال بد وأن تكون بطبيعتها مؤدية إل حدوثها بطريقة منطقية غري مصطنعة‪،‬واتساق املقدمات مع‬

‫النتيجة‪،‬و يعن هذا أن احلوادث اليت متهد حلدوث العقدة البد ‪ ،‬وأن حتتوي ف طياهتا علي مفتاح أو‬

‫مفاتيح حلل العقدة حالً يقبله التعليل والعقل السليم‪ ،‬وتعبري األجزاء امليتة أو األعضاء امليتة يطلق على‬

‫املواقف اململة ف القصة اليت تتلو بعض املواقف القوية وتسبق بعضها اآلخر‪،‬واألجزاء امليتة إما أن تكون‬

‫حواراً ممالً معقداً بني شخصيات القصة‪ ،‬أو تكون وصفاً مسهباً ال عالقة له مبوضوع القصة أو واقعة‬

‫تعرتض سري القصة ال عالقة هلا ابهليكل السردي للموضوع‪ ،‬والعقدة املضادة هو ما يعمد إليه بعض‬

‫املؤلفون لزايدة تعقيد القصة ظناً منهم أن ذلك يضاعف من التشويق(‪،)165‬وبعد ذلك جاء لون آخر من‬

‫ألوان التشويق‪ ،‬وهو ذكر هناية القصة ف مبدئها مع اإلبقاء على مسببات هذه النهاية مما جيعل اللهفة‬

‫مستمرة بل متزايدة" أََمل َجي َعل َكي َد ُهم ِّف تَضلِّ ييل"(‪،)166‬أهنا هناية واقعة قصة أصحاب الفيل‪ ،‬لقد جعل الل‬

‫تعال كيد أبرهة هباء وارتد إليه‪ ،‬وبعد ذلك تسرد القصة القرآنية تفاصيل السر واملعجزة اإلهلية ف ثالث‬

‫آايت قصرية مركزة‪ "،‬وأَرسل َعلَي ِّهم طَرياً أَاببِّيل‪ ،‬تَـرِّم ِّيهم ِِّّحبجارية ِّمن ِّس ِّج ييل‪ ،‬فَجعلَهم َكعص ي‬
‫ف‬ ‫ََ ُ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ََ‬

‫ول"(‪.)167‬‬
‫مأ ُك ي‬
‫َ‬

‫وهكذا وصفت واقعة الفيل أبلغ وصف ‪ ،‬واختتمت بنهاية حمكمة أشد اإلحكام‪ ،‬إن هذه القصة‬

‫ذات الثالث والعشرين كلمة تضمنت نوعاً اَخر وهو روعة األسلوب وما ف كلماهتا من توقيع معجز‪ ،‬لقد‬

‫خلق الل اإلنسان وزوده حبكمته اإلهلية بعدد من الغرائز والطباع تعينه على أداء رسالته ف احلياة ‪.‬‬

‫ص‪165.122‬‬ ‫_حممد كامل حسن‪،‬القراَن والقصة احلديثة‪(،‬ن)‪ :‬منشورات مكتب العاملي‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪1986(،‬م)‪:‬‬


‫_الفيل‪166.2:‬‬

‫_الفيل‪167.5-3:‬‬
‫‪47‬‬

‫‪1.4.3‬املطلب الثالث‪ :‬أهداف القصص القرأنية وفوائدها‬

‫إن القصة عموماً عمل فن قائم علي بناء خاص‪ ،‬يصطنع منشؤها حداثً أو أكثر كما أهنا تتضمن هدفاً‬
‫فكرايً ينىبء عن فكر املنشئ‪ ،‬وهناك أمناط من القصص كالنمط التارُيي الذي يُعىن بتدوين الوقائع التارُيية‬
‫وعرضها مع إخضاعها لبعض العناصر املصطنعة اليت تشد القارئ وجتعله حيوم ف دائرة االحتمال أو‬
‫اإلمكان‪ ،‬بينما جند منطاً آخر من القصص يعن بنقل األحداث احلقيقية لكن وفق انتخاب هادف لعناصر‬
‫القصة اليت تنري األفكار‪ ،‬وهذا ما نراه بوضوح ف القصص القرآن‪ ،‬فالفرق بني النمطني يكمن ف طبيعة‬
‫تناول احلدث‪ ،‬ألن القارئ يعرف سلفاً أبنه حيال أحداث ومهية يفتعلها القاص ف القصة املصطنعة‪ ،‬بينما‬
‫جتد أتثره وانفعاله ذا مسة واقعية ف القصة القرآنية‪ ،‬ألنه حيال أحداث حقيقية جرت على أرض الواقع‪.‬‬
‫وهنا تبز أمهية قصص القرآن فهي تتعامل مع واقع ال مع حمتمل فيتحقق بذلك عنصر اإلقناع وعنصر‬
‫اإلمتاع(‪ ،)168‬إن القصص القرآن شغل مساحة واسعة من كتاب الل العزيز تراوح ما بني الربع والثلث‬
‫وهذا ما يستدعي الوقوف والبحث عن أهداف القصة ف القرآن الكرمي‪ ،‬واليت ميكن إجيازها ف إجياد التغيري‬
‫اجلذري للمجتمعات‪ ،‬من خالل بيان املناهج الصحيحة للحياة اإلنسانية اليت على أساسها يبىن هذا‬
‫التغيري‪،‬و جيب خلق القاعدة املؤمنة الواعية القادرة على حتمل أعباء مسؤولية هذا التغيري‪،‬و أيضاً تعميق‬
‫العقيدة ف النفوس‪ ،‬أبحسن الطرق إمتاعاً للعاطفة واقناعاً للعقل‪ ،‬تلك العقيدة املرتكزة على وحدانية الل‬
‫تعال‪،‬و يهدف إل التسامي ابإلنسان ليمتاز عن احليوان‪ ،‬فنجد القصص القرآن يسلك أكثر من سبيل‬
‫ليوصل اإلنسان إل هذه الغاية ‪،‬اعتناء القصص القرآن أبسباب هالك األمم وبياهنا بشكل عجيب‪ ،‬فرتاه‬
‫يتحدث عن الرتف والطغيان واالستعباد واجلحود و املبثوثة ف طيات كل قصة‪ ،‬مث يعرض طرق الوقاية‬
‫والعالج للنجاة مما حل ابألمم السالفة‪ ،‬وحيتوي القصص القراَن على الكثري من احلقائق العلمية املتعلقة‬
‫ابلكون واإلنسان واحليوان والنبات و الرتكيز على أن التدين احلق الينفصل عن التطور‪ ،‬والميكن أن ينفصل‬
‫عن واقع اإلنسان‪ ،‬بل هو مرتبط به ارتباطاً وثيقاً‪ ،‬ومن خالل األسلوب البديع ومجال الصورة للقصة‬
‫القرآنية يستطيع القارئ أن يقتطف التحليل الصحيح‪ ،‬واالستنتاج الصائب للحقائق الناصعة‪ ،‬وعلى هذا‬
‫ستبقى القصة ف القرآن الكرمي مناراً يهدي اإلنسان ويوصل حاضره مباضيه‪ ،‬ووثيقة صادقة خالدة يطمئن‬

‫ص‪168.17‬‬ ‫_حممد أمحد خلف هللا‪،‬الفن القصصي ف القراَن الكرمي‪(،‬ن)‪ :‬سينا للنشر‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪1999(،‬م)‪:‬‬
‫‪48‬‬

‫هبا وال يشوهبا التشويش والتشويه(‪ ،)169‬إن أول مسة أو خصيصة اختصت هبا أهنا قرآنية ف مضموهنا‬
‫وشكلها‪ ،‬فآايهتا منسابة انسياابً طبيعياً ف ثنااي القرآن الكرمي‪ ،‬وموضوعاهتا الخترج عن موضوعات القرآن‬
‫الكرمي‪ ،‬وأسلوب عرضها انطبع بطابع اإلعجاز القرآن‪ ،‬سواء ف معناه مبا حوته هذه القصص من‬
‫موضوعات‪ ،‬أو ف مبناه الذي اتسم بدقة ف التصوير وبالغة ف اللفظ وغريها من صنوف اللغة‪ ،‬ومن‬
‫لت من َخ يري‬ ‫ِّ‬ ‫ال ر ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ب إن لما أَنـَز َ‬ ‫شواهد ذلك قوله تعال ف قصة موسى" فَ َس َقي َهلُما ُمثَّ تَـ َوَّل إل الظ ِّل ف َق َ َ‬
‫فقري"(‪ ،)170‬وقد أراد موسى النوعني كما يرمز إل ذلك التعبري عن إتيائه اخلري بفعل (أنزلت )املشعِّر برفعة‬
‫ُ‬
‫املعطَى‪ ،‬ومن اخلري الذي أنعم الل به على موسى احلكمة والعلم‪ ،‬و إجناؤه من القتل‪ ،‬وتربيته ف بيت فرعون‬
‫ُ‬
‫دون أن ميسه ضرر ف نفسه أو دينه‪ ،‬وغريها من النعم اليت الحتصى والتـُ َعد‪ ،‬ولكن موسى عندما توارى إل‬
‫الظل ملس من نفسه الوحدة والغربة والضعف فدعا ربه مناجيا هائماً ‪ :‬إن فقري ايرب رغم ما أنعمت به‬
‫علي من خري‪ ،‬ومل يزد على ذلك ف مناجاته‪ ،‬ألنه يعلم أن الل مطَّلع على ما تتمناه نفسه من األمن و‬
‫املأوي و السكن و األنس‪ ،‬فكان منه هذا الدعاء الذي عجل السياق القرآن مشهد الفرج فيه‪ ،‬معقباً ف‬
‫التعبري ابلفاء‪ ،‬إذ قد جاءته إحدى ابنيت شعيب تدعوه للقاء أبيها(‪،)171‬قال تعال"فجاءته إحدامها َمتشي‬
‫الختَف‬
‫ص قال َ‬ ‫ص َ‬‫ص إليه ال َق َ‬
‫سقيت لنا فلما جاءَه قَ َّ‬
‫َ‬ ‫على استحياء قالت َّ‬
‫إن أيب يَدعُوك ليجزيك أجر ما‬
‫َجنوت من ِّ‬
‫القوم الظاملني"(‪ "،)172‬فتؤذن الفاء أبن الل استجاب ملوسى‪ ،‬فقيض شعيباً وهو والد الفتاتني أن‬ ‫َ َ‬
‫ى ومسرياً مباركاً‪ ،‬كما تؤذن الفاء‬
‫يرسل وراءه ليضيفه ويزوجه ابنته‪ ،‬فذلك يضمن له أنساً ف دار غربة ومأو ً‬
‫أيضاً أبن شعيباً مل يرتيث ف اإلرسال وراءه‪ ،‬فقد جاءته إحدى بنات شعيب وهو مل يزل عن مكانه ف‬
‫الظل"(‪ ،)173‬فكان من مظاهر اإلبداع تصوير مشهد املناجاة والدعاء‪ ،‬ومشهد االستجابة الفورية للدعاء‪،‬‬
‫ووجود عبارات بليغة بديعة‪ ،‬ومعان إميانية رفيعة‪ ،‬أضفت جواً تصويراً دقيقاً جعلنا نتفاعل مع املشهد ‪،‬‬
‫وكأنه أمام عيوننا ومسامعنا وكأن موسى عندما انجي ربه مل يكن وحده‪ ،‬بل ُكنا معه حبواسنا ووجداننا‪ ،‬إنه‬

‫والتنوير‪،‬ص‪169.104‬‬ ‫_ابن عاشور‪،‬التحرير‬


‫_القصص‪170.42:‬‬

‫ص‪171.103-102‬‬ ‫_ابن عاشور‪،‬التحرير والتنوير‪،‬ص‬


‫القصص‪172.25:‬‬

‫_ابن عاشور‪،‬التحرير والتنوير‪173.103/20 ،‬‬


‫‪49‬‬

‫ومعىن‪،‬وهنا يتضح لنا أن القصص ف القراَن الكرمي له فوائد‬


‫ً‬ ‫مبىن‬
‫أسلوب القرآن الكرمي‪ ،‬املبدع ف بيانه‪ً ،‬‬
‫تربوية و علمية‪ ،‬وهدفه هو بيان كل ما ُيص االنسان ف كل جماالته احليوية‪.‬‬
‫‪50‬‬

‫الفصل الثاين‬

‫قصة موسى والرجل الصاحل يف تفاسي الدراية‬

‫‪ -‬املبحث األول‪ :‬اللقاء األول بني موسى عليه السالم والرجل الصاحل‬

‫‪ -‬املبحث الثاين‪ :‬رحلة موسى عليه السالم مع الرجل الصاحل وجمرايهتا‬

‫‪ -‬املبحث الثالث‪ :‬االَاثر املرتتبة على فراقهما‬


‫‪51‬‬

‫‪ 2.1‬املبحث األول‪ :‬اللقاء األول بني موسى عليه السالم والرجل الصاحل‬

‫التفسري ابلرأي واملراد به هو التفسري ابالستحسان‪ ،‬والرتجيح الظن أو امليل النفسي‪ ،‬وال يعن‬

‫ذلك االجتهاد أو االستنباط القائم على أساس الكتاب والسنة فإن ذلك من التفسري ابملأثور على وجه من‬

‫الوجوه‪ ،‬وهذه التفسري كما قال عنه املفسرون هو إيضاح مراد هللا تعال من كتابه العزيز‪ ،‬فال جيوز االعتماد‬

‫فيه على الظن و االستحسان وال على شيء مل يثبت أنه حجة من طريق العقل أو من طريق الشرع‪،‬للنهي‬

‫عن اتباع الظن وحرمة إسناد شيء إل هللا بغري إذنه‪ ،‬قال تعال"قل آهلل أذن لكم أم على هللا تفرتون"(‪،)174‬‬

‫والرواايت الناهية عن تفسري الدراية مستفيضة من الطريقني‪،‬ولو كان الرأي قائماً على أساس االجتهاد‬

‫واالستنباط من خالل الكتاب والسنة‪ ،‬واإلحاطة بقواعد اللغة وإعمال الرأي حبسب القرائن احلالية واملقالية‬

‫املتصلة واملنفصلة‪،‬وحبسب داللة األلفاظ فثمة كثري من التفسريات ال يعد من التفسري ابلرأي املذموم املنهى‬

‫عنه ‪،‬وف هذا قد أنيت برواايت عن ذكر قصة سيدان موسى واردة ف الصحيحني بطريق واحد و فسرت‬

‫على حنوها بشكل متفق عليه‪"،‬عن سعيد بن جبري قال ‪ :‬قلت البن عباس إن نوفاً البكال يزعم أن موسى‬

‫( )‬
‫ليس مبوسى بن إسرائيل‪،‬إمنا هو موسى اَخر" ‪، 175‬وجاءت ف كتاب البخاري"قلت الن عباس إن نوفاً‬

‫البكال يزعم أن موسى صاحب اخلضر ليس هو موسى صاحب بن إسرائيل‪،‬فقال ابن عباس‪،‬كذب عدو‬

‫هللا!‪.‬‬

‫حدثن أيب بن كعب‪،‬أنه مسع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول"إن موسى قام خطيباً ف بن‬

‫ائيل‪،‬فسئل أي الناس أعلم ؟ فقال‪ :‬أان‪ ،‬فعتب هللا عليه إذ مل يرد العلم إليه‪،‬فأوحى هللا إليه أن ل عبداً‬
‫ُ‬ ‫إسر‬

‫_يونس‪174.59:‬‬

‫مسلم‪175.2380:‬‬ ‫_صحيح‬
‫‪52‬‬

‫مبجمع البحرين هو أعلم منك‪،‬قال موسى ايرب فكيف ل به؟قال أتخذ معك حواتً فتجعله ف‬

‫مكتل‪،‬فحيثما فقدت احلوت فهو مث‪ ،‬فأخذ حواتً فجعله ف ي‬


‫مكتل‪،‬مث انطلق وانطلق معه بفتاه يوشع بن‬

‫نون‪،‬حىت إذا أتيا الص خرة وضعا رؤوسهما فناما‪،‬واضطرب احلوت ف املكتل‪،‬فخرج منه فسقط ف‬

‫البحر"(‪"،)176‬فاختذ سبيله ف البحر سرابً"(‪،)177‬وأمسك هللا عن احلوت جرية املاء‪،‬فصار عليه مثل‬

‫الطاق‪،‬فلما استيقظ نسي صاحبه أن ُيبه ابحلوت‪،‬فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حىت إذ كان من الغد قال‬

‫موسى عليه السالم لفتاه‪"،)178(..‬اَتنا غداءان لقد لقينا من سفران هذا نصبا"(‪،)179‬قال ومل جيد موسى‬

‫النصب حىت جاوزا املكا ن الذي أمر هللا به‪،‬فقال له فتاه"أرأيت إذ أوينا إل الصخرة فإن نسيت احلوت وما‬

‫أنسانيه إال الشيطان أن أذكره واختذ سبيله ف البحر عجبا"(‪،)180‬قال فكان للحوت سراب وملوسى ولفتاه‬

‫عجبا‪،‬فقال موسى "ذلك ما كنا نبغي فارتدا على اَاثرمها قصصا"قال رجعا يقصان اَاثرمها حىت انتهيا إل‬

‫الصخرة‪،‬فإذا رجل مسجى ثوابً‪،‬فسلم عليه موسى‪،‬فقال اخلضر"وأىن أبرضك السالم؟قال أان موسى‪،‬قال‬

‫موسى بن إسرائيل‪،‬قال نعم‪،‬أتيتك لتعلمن مما علمت رشدا‪،‬قال"إنك لن تستطيع معي صبا"(‪.)181‬‬

‫اي م وسى إن على علم من علم هللا علمنيه‪،‬ال تعلمه أنت‪،‬وأنت على علم من علم هللا علمكه هللا ال‬

‫أعلمه‪،‬فقال موسى‪" :‬ستجدن إن شاء هللا صابراً وال أعصي لك أمرا"(‪،)182‬فقال له اخلضر‪" :‬فإن اتبعتن‬

‫البخاري‪176.4725:‬‬
‫_صحيح‬
‫_الكهف‪177.61:‬‬

‫_البخاري‪178.4725:‬‬

‫_الكهف‪179.62:‬‬

‫_الكهف‪180.63:‬‬

‫_الكهف‪181.67:‬‬

‫_الكهف‪182.69:‬‬
‫‪53‬‬

‫فال تسألن عن ي‬
‫شيء حىت أحدث لك منه ذكرا"(‪،)183‬وقد اختذ سبيله ف البحر حبالة تدعو إل‬

‫العجب‪،‬موسى يقول إن فقدان احلوت هو ما كنا نبتغيه‪،‬ألنه أمارة على الفوز مبا نطلبه‪،‬وملا رجعا ف الطريق‬

‫اليت جاءا منها‪،‬حىت أتيا الصخرة فوجدا العبد الصاحل‪،‬كان موسى عليه السالم هدف من رحلته هذه وأنه‬

‫كان يقصد من ورائها أمرا‪،‬ومن ذلك نرى أن موسى عليه السالم قد وضع اهلدف ف ذهنه‪،‬وصمم على‬

‫بلوغ غايته مهما كلفه األمر‪،‬فقال لفتاه ال أزال سائرا ف األرض ابحثاً عن ملتقى البحرين‪،‬ولو أمضيت ف‬

‫سريي األزمنة الطويلة(‪،)184‬فوجهة موسى عليه السالم املسري إل جممع البحرين‪،‬والغاية هي لقيا الرجل‬

‫الصاحل الذي أخبه هللا عنه‪،‬واهلدف هو طلب العلم‪،،‬لكن موسى عليه السالم اليعلم املكان احملدد وهو‬

‫جممع البحرين‪، )185(،‬اختلف العلماء ف مكان الذي التقى فيه موسى عليه السالم ألول املرة مع الرجل‬

‫الصاحل‪،‬وقالوا ف هذا أن جممع البحرين هو مكان الذي يلتقي فيه حبر فارس شرقاً وحبر الروم غرابً وقيل أن‬

‫جممع البحرين ف بالد املغرب عند طنجة(‪، )186‬وقالوا فيه جممع البحرين يقع ف إفريقية أو ف طنجة أو مها‬

‫هنرا الكر والرس الذين يصبان ف البحر(‪.)187‬‬

‫وقال آخرون أن جمم ع البحرين املقصود هنا حبر الروم وهو البحر األبيض وحبر القلزم وهو البحر‬

‫األمحر وتدعى املنطقة اليت يلتقيان فيها ابلبحريات املرة وحبرية التمساح‪،‬أو أن جممع البحرين ف البحر األمحر‬

‫ف املكان الذي يلتقي فيه خليج العقبة مع خليج السويس ألن بن إسرائيل عندما غادروا مصر استقروا ف‬

‫_الكهف‪183.70:‬‬

‫‪184.2126/4‬‬‫_حممد متول الشعراوي‪،‬قصص األنبياء‪(،‬ن)‪ :‬مكتبة الرتاث‪،‬القاهرة‪-‬مصر‪2006(،‬م)‪:‬‬


‫_الشعراوي‪،‬قصص األنبياء‪185.2126/4 ،‬‬

‫_أبو فداء إمساعيل بن عمر بن كثري‪،‬تفسري القران العظيم‪(،‬ن)‪ :‬دار طيبة‪،‬الرايض‪-‬سعودية‪1999(،‬م)‪186.174/5 :‬‬
‫َ‬
‫_جالل الدين السيوطي‪،‬الدر املنثور ف التفسري املأثور‪(،‬ن)‪ :‬دار الفكر ‪،‬بريوت‪،‬لبنان ‪2011(،‬م))‪187.423/5 :‬‬
‫‪54‬‬

‫هذه املنطقة اليت شهدت اترُيهم(‪،)188‬موسى عليه السالم ال يعلم املسافة ومقداره‪،‬فهل يسري إل جهة‬

‫جمهولة‪،‬كال إنه ايخذ ابألسباب فيحمل معه الدليل الذي يرشده إل املكان‪،‬وهو احلوت‪،‬فحيث ُيتفي‬

‫احلوت فهو املكان الذي يوجد فيه الرجل الصاحل‪،‬كما أنه يعلم أهنا مسافة طويلة‪،‬لذا أخب فتاه وأفصح له‬

‫عما هو مصمم ألجله حىت يكون الفىت على بصرية من أمره‪،‬فيكون متهيئا ملا يتضمنه السفر من مشاق‬

‫ومتاعب خاصة وأنه سفر طويل‪،‬وهكذا فعل عليه السالم عقد العزم و اإلرادة ‪،‬ووضع كل اإلمكاانت‬

‫املتاحة وهيأ الظروف ف سبيل لقاء الرجل الصاحل واهلدف أنه يسعى ف طلب العلم‪،‬وال بد أن نشري إل أن‬

‫موسى عليه السالم حني سئل عن أعلم الناس قال أان فهل جوابه من قبيل االعتداد ابلنفس ؟ ال وحاشا‬

‫نبياً من أنبياء هللا الذين اصطفاهم هللا حلمل الرسالة أن يكون متكباً (‪،)189‬بل إن موسى عليه السالم قال‬

‫ذلك حسب علمه ابعتباره نبياً اختصه هللا من العلم ما مل ُيتص به أحداً من البشر‪،‬وفوق هذا وذاك أراد‬

‫هللا سبحانه أن يري نبيه موسى عليه السالم أن علمه سبحانه الحييط به بشر مهما بلغ من املنزلة وأنه‬

‫سبحانه ُيتص من يشاء من عباده مبا شاء من فيض علمه(‪،)190‬تعد الرحالت من أنفع الطرق ف طلب‬

‫العلم ‪ ،‬واكتساب املعارف ‪ ،‬ورواية احلديث واألخبار واألشعار وغريها من ألوان املعرفة‪.‬‬

‫وميكن للرحالت أن تسهم بدور ابرز ف حتقيق األهداف املرجوة‪،‬بشرط مراعاة التخطيط السليم‬

‫للرحلة مثل رحلة موسى عليه السالم و لقاءه مع الرجل الصاحل‪،‬وهذا ليكون انجحاً ويستفاد منها طالب‬

‫العلم والقارئ‪،‬وأن تتم الرحلة حتت إشراف قيادة واعية بصرية‪،‬وأن يكون للرحلة هدف و برانمج حمدد‬

‫يعرف فيه كل من املعلم واملتعلم األهداف واملسؤوليات‪،‬ويتحققون ف هنايتها من االَاثر والنتائج‪،‬وكان‬

‫ص‪188.762‬‬ ‫_جمموعة من املؤلفني‪،‬املوسوعة القراَنية املتخصصة‪(،‬ن)‪ :‬اجمللس األعلى للشؤون اإلسالمية‪،‬القاهرة‪-‬مصر‪2002(،‬م)‪:‬‬


‫_الشعراوي‪،‬قصص األنبياء‪،‬ص‪189.2126‬‬

‫_الشعراوي‪،‬قصص األنبياء‪190.2126/4 ،‬‬


‫‪55‬‬

‫األنبياء األولياء يدركون أمهية أسلوب الرحالت فنرى منهم الرحيل ف تثبيت أمر أو خب مسعه أو شيء‬

‫مأمور به من عند ربه‪،‬وقد سج ل اتريخ اإلسالمي أمثلة كثرية من هذا القبيل‪،‬و قصة نب موسى عليه‬

‫السالم مع الرجل الصاحل من أبرزها وأشهرها اترُياً و قصاصاً(‪،)191‬ف هذه البداية نرى أن القصة ف حد‬

‫ذاهتا رحلة علمية هادفة‪،‬وقد خطط هلا ختطيطاً حمكماً ‪،‬و كان أهدافها واضحة‪ ،‬مل يكن موسى عليه السالم‬

‫يعلم مكان جممع البحرين حتديداً ‪،‬لكنه حيمل الدليل الذي يعلمه ربه وهو أن حيمل حواتً ف مكتل‪،‬فحيث‬

‫يتخذ ذلك احلوت سرابً ف البحر فتلك ع المة مكان جممع البحرين‪،‬ويؤخذ من هذا أن اإلنسان ينبغي عليه‬

‫أن ال ميشي طريقاً ال يعلمها دون أن يتخذ الدليل الذي يعلمه ويدله‪،‬ويتخذ األسباب اليت توصله وجهته‬

‫ألن ف ذلك مضيعة للوقت وقد يرتتب عليه هالك النفس(‪،)192‬ف هذه املرحلة وهي املرحلة األول وما‬

‫يسمى ابللقاء األول‪ ،‬مشلت اختيار الصاحب‪ ،‬وحتديد مهمته ‪ ،‬و هو الفىت الذي صحب موسى عليه‬

‫الس الم‪،‬فمن الضروري بل من التخطيط احملكم وجود الصاحب ف مثل هذه الرحلة الطويلة الشاقة‪،‬وهنا‬

‫جيب اإلشارة أبن موسى عليه السالم مل يرتك صاحبه دون علم مبشاق هذه الرحلة‪،‬فبني له أنه سفر قد‬

‫يستغرق األزمنة الطويلة مع ما يصاحبه من مشاق ومتاعب هتيأ هلا لتحمل عناء السفر‪.‬‬

‫ويسجل القراَن الكرمي هذا األمر ف قوله تعال"إذ قال موسى لفتاه ال أبرح حىت أبلغ جممع‬

‫البحرين أو أمضي حقبا"(‪،)193‬فموسى ُيب فتاه أنه سيثابر وميضي ابحثا عن مكان جممع البحرين‪،‬ولن ميل‬

‫حىت ولو كلفه ذلك األزمنة الطويلة‪،‬وهكذا يعلمنا موسى أن من يريد حتقيق هدفه عليه أن يتحمل املشاق‬

‫واملتاعب ويتحلى ابلصب‪،‬مبجرد وصول موسى عليه السالم وفتاه إل جممع البحرين وجدا العبد الصاحل‬

‫‪191.149‬‬ ‫_مصطفى إمساعيل موسى‪،‬االجتاهات ف طرائق تدريس اإلسالمية‪(،‬ن)‪ :‬دار الكتاب اجلامعي‪،‬العني‪-‬تونس ‪2002(،‬م)‪:‬ص‬
‫_حيىي بن شرف النووي‪،‬املنهاج ف شرح صحيح مسلم بن احلجاج‪(،‬ن)‪ :‬دار إحياء تراث العريب‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪1972(،‬م)‪192.15/1 :‬‬

‫_الكهف‪193.60:‬‬
‫‪56‬‬

‫هناك‪،‬وهنا ُيتفي ذكر الفىت‪،‬ألن مهمته انتهت‪،‬والقراَن الكرمي ف قصصه دأب على ذكر ما تتعلق به‬

‫الفوائد‪،‬ويرتك ذكر ما ليس فيه فائدة‪،‬وهذا أيضا من اجلوانب اليت أراد القراَن الكرمي أن نعيها فينبغي ذكر ما‬

‫فيه فائدة للمستمع أو القارئ ‪ ,‬ونبتعد عن احلشو الذي ال فائدة مرجوة منه‪،‬فدور الفىت انتهى ابنتهاء هذه‬

‫املرحلة‪،‬و هي املرحلة األول ‪ ،‬وأما املرحلة الثانية اليت سوف نلخصها ف املبحث الثان‪،‬تدور حول املتعلم‬

‫موسى عليه السالم واملعلم الرجل الصاحل حيث ستدور أحداث القصة املثرية اليت تعلم موسى عليه السالم‬

‫منها دروساً عظيمةً ش اهدها على أرض الواقع‪،‬وهذا اجلانب ينبغي االستفادة منه ف بناء طالب العلم حبيث‬

‫يبتعد عن احلشو و ما ال ينفع ‪ ،‬وال يفيد و ما ال يرتك للمفسرين فرصة البحث ف هذه القصة عن‬

‫املعلومات املفيدة وال تشجعه على التفكري الناقد البناء(‪،)194‬وجاء فيه عن اللقاء األول ف قصة نب هللا‬

‫موسى عليه السالم والرجل الص احل‪"،‬و"اذكر"إذ قال موسى"‪ ،‬و هو ابن عمران‪"،‬لفتاه"يوشع بن نون‪،‬كان‬

‫يتبعه وُيدمه وأيخذ منه العلم‪"،‬ال أبرح"ال أزال أسري‪"،‬حىت أبلغ جممع البحرين"ملتقى حبر الروم وحبر‬

‫الفارس‪،‬مما يلي املشرق‪،‬أي املكان اجلامع لذلك‪"،‬أو أمضي حقبا"دهراً طويالً ف بلوغه‪،‬إن بعد(‪.)195‬‬

‫"فلما بلغا جممع بينهما"جممع البحرين‪"،‬نسيا حوهتما"‪،‬أي نسي أحدمها وهو يوشع ألنه كان‬

‫صاحب الزاد‪"،‬فإن نسيت احلوت"دليل على ذلك‪،‬وهو كقوهلم نسوا زادهم‪،‬وإمنا ينساه متعهد الزاد‪،‬قيل‬

‫كان احلوت مسكة مملوحة‪،‬فنزال ليلة على شاطئ عني احلياة‪،‬وانم موسى‪،‬فلما أصاب السمكة روح املاء‬

‫وبرده عاشت‪،‬ووقعت ف املاء"فاختذ سبيله ف البحر"أي اختذ طريقاً له من الب إل البحر"سراب"نصب على‬

‫املصدر‪،‬أي سرب فيه سرابً‪،‬يعن دخل فيه واسترت به‪"،‬فلما جاوزا"جممع البحرين‪،‬مث نزال وقد سارا ما شاء‬

‫_أمحد فايز احلمصي‪،‬قصص الرمحن ف ظالل القراَن‪(،‬ن)‪ :‬مؤسسة الرسالة انشرون‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪1995(،‬م)‪:‬‬


‫‪194.358/3‬‬

‫_عبدالرمحن حممد اخلضريي السيوطي‪،‬جالل الدين‪،‬تفسري اجلاللني امليسر‪(،‬ن)‪ :‬مكتبة لبنان‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪2003(، ،‬م)‪195.300/15:‬‬
‫‪57‬‬

‫هللا‪،‬قال موسى"لفتاه آتنا غداءان لقد لقينا من سفران هذا نصبا"تعباً ومل يتعب وال جاع قبل ذلك‪"،‬قال‬

‫أرأيت إذ أوينا إل الصخرة"هي موضع املوع د‪،‬أو اللقاء‪"،‬فإن نسيت احلوت"مث اعتذر فقال"وما‬

‫أنسانيه"‪،‬وبضم اهلاء‪،‬حفص"إال الشيطن"إبلقاء اخلواطر ف القلب"أن أذكره"بدل من اهلاء ف "أنسانيه"أي‬

‫وما أنسان ذكره"إال الشيطان"‪"،‬وأختذ سبيله ف البحر عجبا"وهو أن أثره بقي إل حيث سار(‪"،)196‬قال‬

‫ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آاثرمها قصصاً ‪،‬فوجدا عبداً من عبادان آتينه رمحة من عندان وعلمنه من لدان‬

‫علما"‪،‬يقول تعال ذكره قال موسى لفتاه"ذلك"يعن نسيانك احلوت"ما كنا نبغ"الذي كنا نلتمس ونطلب‬

‫ألن موسى كان قيل له صاحبك الذي تريده حيث تنسى ‪،‬قال موسى أخبت أن سألتقي ابلرجل الصاحل‬

‫حيث يفوتن احلوت(‪،)197‬دلت الرواايت على أنه تعال بني ملوسى عليه الصالة والسالم أن ذلك الرجل‬

‫العامل موضعه جممع البحرين ‪ ،‬إال أنه ما عني موضعاً‪ ،‬إال أنه جعل انقالب احلوت حياً عالمة على مكانه‬

‫املعني‪،‬كمن يطلب إنساانً فيقال له إن موضع حملة كذا ف كذا‪،‬فإذا انتهيت إل حمله‪،‬فسل فالانً عن‬

‫داره‪،‬فأينما ذهب بك‪،‬فاتبعه فإنك تصل إليه‪،‬فكذا هنا قيل له إن موضعه جممع البحرين‪.‬‬

‫فإذا وصلت إليه ورأيت انقالب احلوت حياً إل البحر‪،‬فيحتمل أنه قيل له‪،‬فهناك موضعه‪،‬وحيتمل‬

‫أنه قيل له‪،‬فاذهب على موافقة ذلك احلوت‪،‬فإنك جتده(‪")198‬قال ذلك ما كنانبغ"‪،‬نطلب و"ذلك"إشارة‬

‫إل اختاذه سبيالً أي ذلك الذي كنا نطلبه‪،‬ألن ذهاب احلوت كان علماً على لقاء اخلضر أو الرجل الصاحل‬

‫عليه السالم‪"،‬فارتدا على ءاثرمها"فرجعا ف الطريق الذي جاءا فيه‪"،‬قصصا"يقصيان أي يتبعان اَاثرمها‬

‫اتباعاً‪"،‬فوجدا عبداً من عبادان" أي اخلضر راقداً حتت ثوب‪،‬أو جالساً ف البحر‪"،‬ءاتينه رمحة من عندان" و‬

‫‪196.310/15‬‬‫_أيب بركات عبدهللا بن أمحد النسفي‪،‬تفسري النسفي‪(،‬ن)‪ :‬دار الكلم الطيب‪،‬دمشق‪-‬سورية‪1998(،‬م)‪:‬‬


‫_ أيب جعفر حممد بن جرير الطبي‪،‬تفسري الطبي‪(،‬ن)‪ :‬هجر للطباعة والنشر‪،‬جيزة‪-‬تونس‪2001(،‬م)‪197.320-319/15 :‬‬

‫_ أيب حفص عمر بن علي الدمشقي احلنبلي‪،‬اللباب ف علوم الكتاب‪(،‬ن)‪ :‬دار الكتب العلمية‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪1998(،‬م)‪ :‬ص‪198.526‬‬
‫‪58‬‬

‫هي الوحي والنبوة ‪،‬أو العلم‪،‬أو طول احلياة‪"،‬وعلمنه من لدان علما"‪،‬يعن اإلخبار ابلغيوب‪،‬وقيل العلم‬

‫اللدن ما حصل للعبد بطريق اإلهلام(‪،)199‬قال له موسى‪"،‬هل أتبعك‪،‬على أن تعلمن مما علمت رشداً"‪،‬أي‬

‫صواابً أرشد به‪،‬وف قراءة بضم الراء وسكون الشني‪،‬وسأله ذلك ألن الزايدة ف العلم مطلوبة(‪"،)200‬قال‬

‫إنك لن تستطيع معي صبا‪،‬وكيف تصب على ما مل حتط به خبا"ف احلديث السابق عقب هذه‬

‫االَية‪،‬ايموسى إن على علم من علم هللا علمنيه ال تعلمه‪،‬وأنت على علم من علم هللا علمكه هللا ال‬

‫أعلمه‪،‬وقوله "خبا"مصدر ملعىن "مل حتط"أي مل ختب حقيقته‪"،‬قال ستجدن إن شاء هللا‪،‬صابرا وال‬

‫أعصي"‪،‬أي وغري ي‬
‫عاص"لك أمرا"أتمرن به‪،‬وقيد ابملشيئة ألنه مل يكن على ثقة من نفسه فيما التزم وهذه‬

‫عادة األنبياء واألولياء أال يثقوا إل أنفسهم طرفة عني(‪"،)201‬قال فإن اتبعتن فال تسألن"وف قراءة بفتح‬

‫الالم وتشديد النون"عن ي‬


‫شيءتنكره من ف علمك‪،‬واصب"حىت أحدث لك منه ذكرا"‪،‬أي أذكره لك بعلته‪.‬‬

‫فقبل موسى شرطه(‪ ،)202‬وجاء ف تفسري اَخر "وإذ قال موسى موسى لفتاه ال أبرح حىت أبلغ جممع‬

‫البحرين أو أَمضي حقبا" قوله تعال "وإذ" مفعول لفعل حمذوف والتقدير "اذكر إذ قال" يعن واذكر إذ قال‬

‫موسى لفتاه ‪ ،‬أي غالمه يوشع بن نون وكان موسى عليه الصالة والسالم قام ُيطب يوماً ف بن إسرائيل‬

‫فقام أحدهم وقال ‪ :‬هل على وجه األرض أعلم منك ‪ ،‬قال موسى "ال" وذلك بناء على ظنه أنه ال أحد‬

‫أعلم منه‪ ،‬فعتب هللا عليه ف ذلك ملاذا مل يكل العلم إل هللا‪ ،‬فقال هللا عز وجل إن ل عبداً أعلم منك وإنه‬

‫‪199.310/15‬‬ ‫_النسفي‪،‬تفسري النسفي‪،‬‬


‫_السيوطي‪،‬تفسري اجلاللني‪200.301-300/15 ،‬‬

‫_تفسري اجلاللني‪201.301/15 ،‬‬

‫_السيوطي‪،‬تفسري اجلاللني‪202.301/15 ،‬‬


‫‪59‬‬

‫ف جممع البحرين ‪،‬وذكر له عالمة وهي أن تفقد احلوت فاصطحب حواتً معه ف مكتل ‪ ،‬وسار هو وفتاه‬

‫يوشع بن نون ‪،‬جاء ذلك ف البخاري‪ ،‬لينظر من هذا ال هو أعلم منه مث ليتعلم منه أيضاً(‪.)203‬‬

‫كان احلوت ف املكتل فلما استيقظا مع السرعة مل يفتشا ف املكتل‪ ،‬وخرج احلوت أبمر هللا من‬

‫املكتل ودخل ف البحر‪"،‬ال أبرح" أي ال أزال‪ ،‬واخلب حمذوف والتقدير "ال أزال أسري" ‪"،‬جممع البحرين"‬

‫قيل " إنه مكان هللا أعلم به‪ ،‬لكن موسى يعلم‪ ،‬وقيل ‪ :‬إنه ملتقى البحر األمحر مع البحر األبيض‪ ،‬وكان‬

‫فيما سبق بينهما أرض‪ ،‬حىت فتحت القناة وهذا ليس ببعيد‪ ،‬وسبب ذلك أن هللا أوحى إليه أن عبداً ف‬

‫جممع البحرين أعلم منك(‪،)204‬وجاء ف تفسري السعدي ‪ُ،‬يب تعال عن نبيه موسى عليه السالم‪ ،‬وشدة‬

‫رغبته ف اخلري وطلب العلم‪ ،‬أنه قال لفتاه أي خادمه الذي يالزمه ف حضره و سفره‪ ،‬وهو "يوشع بن نون"‬

‫الذي نبأه هللا بعد ذلك " ال أبرح حىت أبلغ جممع البحرين" أي ال أزال مسافراً وإن طالت علي الشقة‪،‬‬

‫حىت أصل جممع البحرين‪ ،‬وهو املكان الذي أوحي إليه أنك ستجد فيه عبداً من عباد هللا ‪ ،‬عنده من‬

‫العلم‪ ،‬ما ليس عندك‪" ،‬أو أمضي حقبا" أي مسافة طويلة و املعىن أن الشوق والرغبة ‪،‬محل موسى أن قال‬

‫لفتاه هذه املقالة‪ ،‬وهذا عزم منه جازم‪ ،‬فلذلك أمضاه‪"،‬فلما بلغا" أي هو وفتاه "جممع بينهما نسيا حوهتما"‬

‫وكان معهما حوت يتزودان منه وأيكالن ‪،‬وقد وعد أنه مىت فقد احلوت فثم ذلك العبد الذي قصدته ‪،‬‬

‫فاختذ ذلك احلوت سبيله‪ ،‬أي طريقه ف البحر سرابً وهذا من االَايت‪،‬قال املفسرون إن ذلك احلوت الذي‬

‫كاان يتزودان منه ملا وصال إل ذلك املكان‪،‬أصابه بلل البحر‪ ،‬فانسرب إبذن هللا ف البحر‪ ،‬و صار مع‬

‫حيواانته حياً‪،‬فلما جاوز موسى وفتاه جممع البحرين قال موسى لفتاه "آتنا غداءان لقد لقينا من سفران هذا‬

‫‪203.108-107‬‬ ‫_حممدبن صاحل العثيمني‪،‬تفسري القراَن الكرمي"سورة الكهف"‪(،‬ن)‪ :‬دار ابن اجلوزي‪،‬جدة‪-‬سعودية‪1423( ،‬ه)‪:‬ص ص‬
‫_ابن العثيمني‪،‬تفسري القران الكرمي‪،‬ص ‪204.108‬‬
‫َ‬
‫‪60‬‬

‫نصبا" أي لقد تعبنا من هذا السفر اجملاوز فقط‪ ،‬وإال فالسفر الطويل الذي وصال به إل جممع البحرين مل‬

‫جيدا مس التعب فيه(‪،)205‬وهذا من االَايت والعالمات الدالة ملوسى على وجود مطلبه‪ ،‬وأيضاً‪،‬فإن الشوق‬

‫املتعلق ابلوصول إل ذلك املكان ‪،‬سهل هلما الطريق فلما جتاوزا غايتهما وجدا مس التعب‪ ،‬فلما قال‬

‫موسى لفتاه هذه املقالة‪ ،‬قال له فتاه"أرءيت إذ أوينا إل الصخرة فإن نسيت احلوت" أي امل تعلم حني اَواان‬

‫الليل إل تلك الصخرة املعروفة بينهما‪"،‬فإن نسيت احلوت وما أنسنيه إال الشيطان"ألنه السبب ف ذلك‬

‫"واختذ سبيله ف البحر عجبا" أي ملا انسرب ف البحر ودخل فيه‪ ،‬كان ذلك من العجائب‪،‬قال املفسرون‬

‫كان ذلك املسلك للحوت سرابً‪ ،‬وملوسى وفتاه عجباً‪ ،‬فلما قال له الفىت هذا القول‪ ،‬وكان عند موسى‬

‫وعد من هللا أنه إذا فقد احلوت وجد اخلضر(‪.)206‬‬

‫"أو مضى حقبا" أو هنا للتنويع‪ ،‬يعن إما أن أبلغ جممع البحرين أو أمضي ف السري حقباً أي‬

‫دهوراً طويلة‪ ،‬وقيل "أو" مبعىن "إال" أي حىت أبلغ جممع البحرين إال أن "أمضي حقبا" أي دهوراً طويلة قبل‬

‫أن أبلغه‪ ،‬لكن الوجه األول أبلغ‪ ،‬فتهيئا لذلك وسارا‪ ،‬وسبب قوله هذا أن هللا تعال أوحى إل موسى أن‬

‫عبداً لنا هو أعلم منك عند جممع البحرين‪ ،‬فسار موسى إليه طلباً للعلم‪"،‬فلما بلغا جممع بينهما نسيا‬

‫حوهتما فاختذ سبيله ف البحر سراب" ‪،‬نسيا حوهتما أضاف الفعل إليهما مع أن الناسي هو الفىت وليس‬

‫موسى‪،‬ولكن القوم إذا كانوا ف شأن واحد وف عمل واحد‪ ،‬نسب فعل الواحد منهم أو القائل منهم إل‬

‫اجلميع‪"، )207(،‬نسيا حوهتما" نسيان ذهول وليس نسيان ترك‪،‬وهذا من حكمة هللا عز وجل أن هللا أنسامها‬

‫ذلك حلكمة‪،‬وهذا احلوت قد جعله هللا عالمة ملوسى‪ ،‬أنك مىت فقدت احلوت فثم اخلضر‪ ،‬وهذا احلوت‬

‫السالم‪،‬رايض‪-‬سعودية‪2002(،‬م)‪:‬ص‪205.559‬‬ ‫_عبدالرمحن بن انصر السعدي‪،‬تيسري الكرمي الرمحن ف تفسري كالم املنان‪(،‬ن)‪ :‬دار‬
‫_السعدي‪،‬تيسري الكرمي الرمحن‪،‬ص ‪206.560‬‬

‫_ابن العثيمني‪،‬تفسري القران الكرمي‪،‬ص‪207.109‬‬


‫َ‬
‫‪61‬‬

‫كان ف مكتل وكاان يقتااتن منه‪،‬وملا وصال إل مكان ما انما فيه عند صخرة‪ ،‬فلما استيقظا وإذا احلوت‬

‫ليس موجوداً (‪ ،)208‬لكنه أي الفىت مل يتفقد املكتل ونسي شأنه وأمره‪ ،‬هذا احلوت سبحان هللا خرج من‬

‫املكتل‪ ،‬ودخل ف البحر وجعل يسري ف البحر‪،‬والبحر ينحاز عنه‪" ،‬فاختذ سبيله ف البحر سراب" أي اختذ‬

‫احلوت طريقه ف البحر "سراب" أي مثل السرب‪ ،‬والسرب هو السرداب يعن أنه يشق املاء وال يتالءم املاء‪،‬‬

‫وهذا من اَايت هللا ‪،‬وإال فقد جرت العادة أن احلوت إذا انغمر ف البحر يتالءم البحر عليه‪ ،‬لكن هذا‬

‫احلوت من اَايت هللا‪ ،‬أوالً أنه قد مات‪،‬وأهنما يقتااتن منه‪،‬مث صار حياً ودخل البحر اثنياً أنه صار طريقه‬

‫على هذا الوجه‪،‬وهذا من اَايت هللا تبارك وتعال(‪.)209‬‬

‫"فلما جاوزا" الفاعل موسى وفتاه يعن تعداي ذلك املكان‪ ،‬قال موسى لفتاه‪"،‬آتنا غداءان"وكان ذلك ألن‬

‫الغداء هو الطعام الذي يؤكل ف الغداة‪"،‬لقينا من سفران هذا نصبا" أي تعبا‪ ،‬وقوله "من سفران هذا" ليس‬

‫املراد من حني ابتداء السفر ولكن من حني فراق الصخرة‪ ،‬ولذلك طلب الغداء‪،‬قال أهل العلم ‪ :‬وهذا من‬

‫اَايت هللا عز وجل فقد سارا قبل ذلك مسافة طويلة ومل يتعبا‪،‬وملا جاوزا املكان الذي فيه اخلضر‪ ،‬تعبا سريعاً‬

‫من أجل أال يتماداي ف البعد عن املكان(‪"،)210‬فإن نسيت احلوت" يعن نسيت أن أتفقده أو أسعى ف‬

‫شأنه أو أذكره لك‪ ،‬وإال فاحلوت ف املكتل‪"،‬وما أنسنيه إال الشيطن أن أذكره"‪،‬هذه بدل من اهلاء ف‬

‫"أنسانيه" يعن ما أنسان ذكره إال الشيطان‪"،‬واختذ سبيله ف البحر عجبا"‪،‬أي اختذ الفىت أو موسى سبيل‬

‫احلوت ف البحر"عجبا"‪،‬يعن حمل عجب وهو حمل عجب ماء سيال مير به هذا احلوت‪،‬ويكون طريقه‬

‫الكرمي‪،‬ص‪208.109‬‬ ‫_ابن العثيمني‪،‬تفسري القراَن‬


‫_ابن العثيمني‪،‬تفسري القران الكرمي‪،‬ص‪209.110‬‬
‫َ‬
‫_ابن العثيمني‪،‬تفسري القران الكرمي‪،‬ص ‪210.110‬‬
‫َ‬
‫‪62‬‬

‫سرابً‪ ،‬فكان هذا الطريق للحوت سرابً‪ ،‬وملوسى وفتاه عجباً(‪)211‬و لنا أيضاً عجب‪،‬ألن املاء عادة يتالءم‬

‫على ما مير به لكن هذا احلوت إبذن هللا مل يتالءم املاء عليه‪،‬كان وعد هللا حق حني وعد موسى أينما‬

‫يفقد احلوت جي د الرجل الصاحل‪،‬قال موسى "ذلك ما كنا نبغ" أي نطلب "فأرتدا" رجعا‪"،‬على آاثرمها‬

‫قصصا" أي رجعا يقصان أثرمها الذي نسيا فيه احلوت‪،‬فلما وصال إليه وجدا عبداً من عبادان‪ ،‬وهو اخلضر‪،‬‬

‫وكان عبداً صاحلاً‪ ،‬ال نبياً على الصحيح(‪،)212‬اَتيناه "رمحة من عندان" أي أعطاه هللا رمحة خاصة‪ ،‬هبا زاد‬

‫علمه‪،‬وحسن عمله‪"،‬وعلمنه"‪"،‬من لدان"أي من عندان"علما" وكان قد أعطي من العلم‪،‬مامل يعط‬

‫موسى‪،‬وإن كان موسى عليه السالم أعلم منه ف العلوم اإلميانية ‪ ،‬واألصولية ‪ ،‬ألنه من أول العزم من‬

‫املرسلني الذين فضلهم هللا على سائر اخللق ابلعلم والعمل‪،‬وغري ذلك(‪،)213‬فلما اجتمع به موسى قال له‬

‫على وجه األدب واملشاورة واإلخبار عن مطلبه"هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشداً"(‪،)214‬وجاء‬

‫عنه أنه هو اخلضر كما صح ذلك عن النب صلى هللا عليه وسلم‪،‬وهنا يتبادر إل الذهن سؤال عن اخلضر‬

‫فيما إذا كان عبداً من عباد هللا الصاحلني ممن أكرمه هللا ابلعلم أم من األنبياء املوحى إليهم‪،‬كل ذلك ممكن‬

‫لكن النصوص تدل على أنه ليس برسول وال نب ‪ ،‬إمنا هو عبد صاحل أعطاه هللا تعال كرامات‪،‬ليبني هللا‬

‫لنبيه موسى أنه ال حييط بكل شيء علماً وأنه يفوته من العلم شيء كثري‪،‬و جعله جل وعال من أوليائه‬

‫برمحته إايه‪،‬وكان ذو علم ال يطلع عليه الناس‪،‬وهو علم الغيب ف هذه القصة املعينة وليس علم نبوة و هو‬

‫علم خاص‪،‬ألن هذا العلم الذي اطلع عليه اخلضر ال ميكن إدراكه ‪ ,‬وليس شيئاً مبنياً على احملسوس‪،‬فيبن‬

‫‪211.111‬‬ ‫_ابن العثيمني‪،‬تفسري القراَن الكرمي‪،‬ص‬


‫_السعدي‪،‬تيسري الكرمي الرمحن‪،‬ص‪212.560‬‬

‫_السعدي‪،‬تيسري الكرمي الرمحن‪،‬ص ‪213.560‬‬

‫_الكهف‪214.66:‬‬
‫‪63‬‬

‫املستقبل على احلاضر‪،‬بل شيء من الغيب أطلعه هللا تعال عليه ‪،‬والغرض ف هذا أن موسى عليه السالم‬

‫نسي مبا كان هو فيه‪،‬وهو عبد من عباد هللا و نبيه وليس له علم بشيء إال ما علمه رب العاملني‪،‬قال موسى‬

‫للخضر‪،‬هل أتبعك ؟ وهذا عرض لطيف وتواضع‪،‬وأتمل هذا األدب من موسى عليه الصالة والسالم‪،‬مع‬

‫أن موسى أفضل منه وكان عند هللا وجيهاً‪،‬و مع ذلك يتلطف معه ألنه سوف أيخذ منه علماً ال يعلمه‬

‫موسى‪،‬وف هذا دليل أن على طالب العلم أن يتلطف مع شيخه و أستاذه وأن يعامله بتقدير و إجالل ‪،‬مث‬

‫بني موسى أنه اليريد أن يتبعه ليأكل من أكله أو يشرب من شربه إمنا ليتعلم وال شك أن اخلضر فرح مبن‬

‫أيخذ عنه العلم‪ ,‬و هذه مسة ف أهل العلم أهنم يفرحون بطالب العلم ‪.‬‬

‫ألن العلم الذي يؤخذ من اإلنسان ف حياته ينتفع به بعد وفاته كما جاء ف احلديث "إذا مات‬

‫صدقة جارية أو علم ينتفع به أو و ي‬


‫لد صاحل يدعو له"(‪،)215‬قال له‬ ‫ي‬ ‫اإلنسان انقطع عمله إال من ثالث‬

‫اخلضر "قال إنك لن تستطيع معي صبا‪،‬وكيف تصب على مامل حتط به خبا"‪،‬وبني له عذره ف قوله هذا‪،‬و‬

‫هل هناك دليل للخضر أن موسى مل حيط بذلك خباً‪،‬اجلواب ألنه قال "على أن تعلمن" وهذا يدل على‬

‫أنه ال علم له فيما عند اخلضر‪،)216(،‬وكيف تصب على مامل حتط به خباً أي كيف تصب على أم ير ما‬

‫أحطت بباطنه وظاهره و علمت املقصود منه وماَله‪،‬قال له موسى ستجدن إن شاءهللا صابراً وال أعصي‬

‫لك أمراً‪،‬وهذا عزم منه قبل أن يوجد الشيء املمتحن به‪،‬والعزم شيء‪ ،‬ووجود الصب شيء اَخر‪،‬فلذلك ما‬

‫صب موسى عليه السالم حني وقع األمر‪،‬فقال له اخلضر"فإن اتبعتن فال تسئلن عن شيء حىت أحدث لك‬

‫منه ذكرا"‪،‬أي ال تسأل عما تراه حىت أكون أان الذي أخبك حباله‪ ،‬ف الوقت الذي أقدره ‪ ،‬فنهاه عن‬

‫مسلم‪215.1631:‬‬ ‫_مسلم‪،‬صحيح‬
‫_ابن العثيمني‪،‬تفسري القران الكرمي‪،‬ص‪216.114‬‬
‫َ‬
‫‪64‬‬

‫سؤاله‪،‬ووعد أن يوقفه على حقيقة األمر(‪،)217‬وقوله"ستجدنن إن شاءهللا" هو كقول إمساعيل بن إبراهيم‬

‫عليه الصالة والسالم ملا قال أبوه "إن أرى ف املنام أن أذحبك فانظر ماذا ترى قال أيبت افعل ما تؤمر‬

‫ستجدن إن شاءهللا من الصبين"(‪"،)218‬ستجدن إن شاء هللا صابرا"‪ ،‬وأيضاً أصب على ما تفعل وأمتثل ما‬

‫به أتمر "وال أعصي لك أمراً" وعده بشيئني‪،‬الصب على ما يفعل ‪ ،‬و الطاعة أي االئتمار مبا أيمر‪ ،‬واالنتهاء‬
‫عما ينهى‪ ،‬قال اخلضر‪":‬فإن اتبعتن" ومعلوم أنه سيتبعه‪"،‬فال تسئلن عن ي‬
‫شيء" أي عن شيء مما أفعله‪...‬‬

‫"حىت أحدث لك منه ذكرا" هنا للغاية يعن إل أن "أحدث لك منه ذكراً" أي إل أن أذكر لك‬

‫السبب‪ ،‬وهذا توجيه من معلم ملن يتعلم منه‪ ،‬أال يتعجل ف الرد على معلمه‪ ،‬بل ينتظر حىت حيدث له‬

‫بذلك ذكراً‪،‬وهذا من اَداب املتعلم أال يتعجل ف الرد حىت يتببني األمر‪.)219(...‬‬

‫الرمحن‪،‬ص‪217.561‬‬ ‫_السعدي‪،‬تيسري الكرمي‬


‫_الصافات‪218.102:‬‬

‫الكرمي‪،‬ص‪219.115‬‬ ‫_ابن العثيمني‪،‬تفسري القراَن‬


‫‪65‬‬

‫‪2.2‬املبحث الثاين‪ :‬رحلة موسى عليه السالم مع الرجل الصاحل وجمرايهتا‬

‫قبل حتدث عن القصة اليت ورد ذكرها ف القراَن الكرمي ‪ ،‬جيب أن نذكر املنهج اللغوي ف تفسري‬

‫كتاب هللا وهو املنهج الذي يعتمد على استخالص معان االَايت الكرمية عن طريق اللغة‪ ،‬حيث نرى أن‬

‫النص القراَن إضافة إل كونه نصاً دينياً هو نص أديب ولكن معجز ف لغته و بالغته و فصاحته‪ ،‬وقد شكل‬

‫املفسرين هلذا املنهج مدرسة خاصة هبم‪ ،‬متيزت ف البحث عن لغة القراَن وعن جمازات القراَن‪ ،‬و عن غريب‬

‫القراَن‪ ،‬و عن معان القراَن‪ ،‬و عن مفردات القراَن ‪ ،‬و قد اعتمد ابن عباس رضي هللا عنه هذا املنهج‬

‫اللغوي ف التفسري مث جاءت طائفة من العلماء محلت هذا النهج ‪،‬مث نرى ماجاء ف املنهج التفسريي ما‬

‫يسمى ابملنهج العلمي ‪،‬وهو ما يذهب إل استخراج مجلة من العلوم القدمية واحلديثة من القراَن الكرمي‪،‬‬

‫ونرى ف هذا املنهج أن القراَن ميدان واسع للعلم الفلسفي والصناعي‪ ،‬واالنسان‪ ،‬والرتبوي‪ ،‬و مما الشك‬

‫فيه أن القرآن الكرمي كتاب هداية وإرشاد يربط الناس ابهلل عزوجل‪ ،‬وأيخذ أبيديهم حنو اخلري والصالح‬

‫والعبودية املطلقة هلل تعال(‪ ،)220‬فمما جاءت به آايت كتاب هللا القراَن الكرمي عن الرحلة بني نب موسى‬

‫عليه السالم والرجل الصاحل‪" ،‬فإن اتبعتن فال تسألن عن ي‬


‫شيء حىت أحدث لك منه ذكرا"(‪،)221‬فانطلقا‬

‫ميشيان على ساحل البحر‪،‬فمرت سفينة‪،‬فكلموهم أن حيملوهم‪،‬فعرفوا الرجل الصاحل‪،‬فحملوهم بغري‬

‫نول‪،‬فلما ركبا ف السفينة فوجئ موسى عليه السالم ابلرجل الصاحل قد اقتلع لوحاً من ألواح السفينة‪ ,‬فقال‬

‫( )‬
‫له موسى‪ :‬قوم قد محلوان بغري نول عمدت إل سفينتهم فخرقتها ‪"، 222‬لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً‬

‫إمرا‪،‬قال أمل أقل إنك لن تستطيع معي صباً‪،‬قال ال تؤاخذن مبا نسيت وال ترهقن من أمري‬

‫_فارس علي العامر‪،‬دروس ف التفاسري ومناهج املفسرين‪(،‬ن)‪ :‬مكتبة الصدوق‪،‬القاهرة‪-‬مصر‪2007(،‬م)‪ :‬ص ص ‪220.33-32‬‬
‫_الكهف‪221.70:‬‬
‫_صحيح البخاري‪222.4725:‬‬
‫‪66‬‬

‫عسرا"(‪،)223‬وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪،‬وكانت األول من موسى نسياانً‪،‬وجاء عصفور فوقع على‬

‫حرف السفينة‪،‬فنقر ف البحر نقرة‪،‬فقال له اخلضر‪،‬ما علمي وعلمك من علم هللا إال مثل ما نقص هذا‬

‫العصفور من هذا البحر‪،‬مث خرجا من السفينة‪،‬فبينا مها ميشيان على الساحل إذ أبصر الرجل الصاحل غالماً‬

‫يلعب مع الغلمان‪،‬فأخذ الرجل الصاحل رأسه بيده‪،‬فاقتلعه بيده فقتله‪،‬فقال له موسى"أقتلت نفساً‬

‫زكية"(‪)224‬بغري نفس لقد جئت شيئاً نكرا‪،‬قال أمل أقل لك إنك لن تستطيع معي صبا"‪،‬قال وهذه أشد من‬

‫األول‪،‬قال"قال إن سألتك عن ي‬
‫شيء بعدها فال تصاحبن قد بلغت من لدن عذرا‪..)225(،‬فانطلقاحىت إذا‬

‫أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفومها فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض"(‪،)226‬قال فقام اخلضر‬

‫فأقامه بيده‪،‬فقال موسى‪،‬قوم أتيناهم فلم يطعموان ومل يضيفوان‪،)227(،‬قال"لو شئت الختذت عليه‬

‫أجرا"(‪،)228‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وددان أن موسى كان صب حىت يقص هللا علينا من خبمها‬

‫ما مل يصب عليه موسى من عمل الرجل الصاحل فسره له إذ قال صلى هللا عليه و سلم "وكان أمامهم ملك‬

‫أيخذ كل سفينة صاحلة غصباً ‪ ،‬وأما الغالم فكان كافراً وكان أبواه مؤمنني"(‪"،)229‬فانطلقا" أي ميشيان‬

‫على ساحل البحر"حىت إذا ركبا ف السفينة"اليت مرت هبما"خرقها"اخلضر‪،‬أبن اقتلع لوحاً أو لوحني منها من‬

‫جهة البحر بفأس‪،‬ملا بلغت اللجة ‪،‬قال له موسى"أخرقتها لتغرق أهلها"وف قراءة بفتح التحتانية والراء‬

‫_الكهف‪223.73-71:‬‬

‫_البخاري‪224.4725:‬‬

‫_الكهف‪225.77-76:‬‬

‫_الكهف‪226.77-76:‬‬

‫البخاري‪227.4725:‬‬
‫_صحيح‬
‫_الكهف‪228.77:‬‬

‫_البخاري‪229.4725:‬‬
‫‪67‬‬

‫ورفع"أهلها"‪"،‬لقد جئت شيئا إمرا"أي عظيماً منكراً ‪،‬روي أن املاء مل يدخلها"قال أمل أقل إنك لن تستطيع‬

‫معي صبا"قال ال تؤاخذن مبا نسيت"أي غفلت عن التسليم لك وترك اإلنكار عليك‪"،‬وال‬

‫ترهقن"تكلفن‪"،‬من أمري عسرا"مشقة ف صحبيت إايك اي عاملن فيها ابلعفو واليسر(‪"،)230‬قال إنك لن‬

‫تستطيع معي صبا‪،‬وكيف تصب على مامل حتط به خبا‪،‬قال ستجدن إن شاءهللا صابراً وال أعصي لك‬

‫أمرا‪،‬قال فإن اتبعتن فال تسئلن عن شيء حىت أحدث لك منه ذكرا"‪"،‬وكيف تصب على مامل حتط به‬

‫خبا"‪،‬متييز نفي استطاعة الصب معه على وجه التأكيد‪،‬وعلل ذلك أبنه يتول أموراً هي ف ظاهرها منكرة‬

‫‪،‬والرجل الصاحل ال يتمالك أن جيزع إذا رأى ذلك‪،‬فكيف إذا كان نبياً ؟!"قال ستجدن إن شاءهللا‬

‫صابرا"من الصابرين عن اإلنكار‪،‬واالعرتاض‪"،‬وال أعصي لك أمرا"ف حمل النصب عطف على صابراً‪،‬أي‬

‫ستجدن صابراً(‪"،)231‬قال فإن اتبعتن فال تسألن"بفتح الالم وتشديد النون‪،‬مدن وشامي وبسكون الالم‬

‫وختفيف النون‪،‬غريمها والياء اثبتة فيهما إمجاعاً‪،‬وهذا يعن من شروط اتباعك ل أنك إذا رأيت من شيئاً‬

‫وقد علمت أنه صحيح‪ ،‬إال أنه خفي عليك وجه صحته‪،‬فأنكرت ف نفسك أال تفاحتن ابلسؤال وال‬

‫تراجعن فيه‪،‬حىت أكون أان الفاتح عليك وهذا من أدب املتعلم مع العامل و التابع مع املتبوع‪،‬فلما رأى‬

‫موسى أن اخلرق اليدخله املاء‪،‬ومل يفر من السفينة‪،‬قال التؤاخذن مبا نسيت‪،‬ابلذي نسيته أو بشيء‬

‫نسيته‪،‬أو بنسيان أراد أنه نسي وصيته ‪ ،‬والمؤاخذة على الناسي أو أراد ابلنسيان الرتك أي التؤاخذن مبا‬

‫تركت من وصيتك أول مرة‪"،‬وال ترهقن من أمري عسرا"إذا غشيه وأرهقه إايه اي وال ترهقن عسراً من أمري‬

‫وهو اتباعه إايه أي وال تعسر علي متابعتك ويسرها علي ابإلغضاء وترك املناقشة(‪"،)232‬فانطلقا حىت إذا‬

‫‪230.301/15‬‬ ‫_السيوطي‪،‬تفسري اجلاللني‪،‬‬


‫_النسفي‪،‬تفسري النسفي‪231.311/15 ،‬‬

‫_النسفي‪،‬تفسري النسفي‪232.312/15 ،‬‬


‫‪68‬‬

‫لقيا غلما فقتل ه"لفظ الغالم قد يتناول الشاب البالغ‪،‬وأصله من االغتالم‪،‬وهو شدة الشبق‪،‬وذلك إمنا يكون‬

‫ف الشباب‪،‬وقد يتناول هذا اللفظ الصب الصغري‪،‬وليس ف القراَن كيف لقياه‪،‬هل كان يلعب مع الغلمان أو‬

‫كان منفرداً أو هل كان مسلما أو كان كافرا‪،‬أو هل كان ابلغاً أو صغرياً‪،‬لكن اسم الغالم ابلصغري‬

‫أليق‪،‬وكيفية قتله‪،‬قال النب صلى هللا عليه وسلم‪"،‬إن الغالم الذي قتله اخلضر‪،‬طبع كافراً ولو عاش ألرهق‬

‫والديه طغياانً وكفراً"‪،‬فإن قيل إن موسى استبعد أن يقتل النفس إال ألجل القصاص وليس األمر كذلك‬

‫ألنه قد حيل دمه بسبب اَخر‪،‬أن السبب األقوى هو قوله "زكية"‪،‬زاكية أبلف وختفيف الياء‪،‬فمن قرأ زاكية‬

‫فهو اسم فاعل على أصله ومن قرأ زكية فقد أخرجه إل فعيلة للمبالغة(‪،)233‬إن األذنني قد يكون معنامها‬

‫واحد‪،‬مثل القاسية والقسية‪،‬وقيل الزاكية اليت مل تذنب قط‪،‬والزكية اليت أذنبت مث اتبت(‪،)234‬قيل ضرب‬

‫برأسه احلائط‪،‬وقيل أضجعه‪،‬مث ذحبه ابلسكني‪،‬وإمنا قال "فقتله"ابلفاء‪،‬وقال "خرقها"بغري فاء ألن خرقها‬

‫جعل جزاء للشرط‪،‬وجعل قتله من مجلة الشرط معطوفاً عليه واجلزاء‪"،‬قال أقتلت نفسا"وإمنا خولف‬

‫بينهما‪،‬ألن خرق السفينة مل يتعقب الركوب‪،‬وقد تعقب القتل لقاء الغالم(‪"،)235‬قال أمل أقل لك إنك لن‬

‫تستطيع معي صبا‪،‬قال إن سألتك عن شيء بعدها فال تصحبن قد بلغت من لدن عذرا"‪،‬قال أمل أقل لك‬

‫إنك لن تستطيع معي صبا‪..‬‬

‫هنا ألن اإلنكار فيه أشد‪"،‬قال إن سألتك عن شيء بعدها"بعد هذه الكرة‪،‬أو املسألة"فال‬

‫تصاحبن قد بلغت من لدن عذرا" أعذرت فيما بين وبينك ف الفراق‪،‬و"لدن"بتخفيف‬

‫الكتاب‪،‬ص‪233.537‬‬ ‫_احلنبلي‪،‬اللباب ف علوم‬


‫_احلنبلي‪،‬اللباب ف علوم الكتاب‪،‬ص‪234.537‬‬

‫_النسفي‪،‬تفسري النسفي‪235.313/15 ،‬‬


‫‪69‬‬

‫النون(‪"،)236‬فانطلقا حىت إذا أتيا أهل قر يية استطعما أهلها"فلم جيدا أحداً يطعمهم وال يسقيهم‪"،‬فوجدا‬

‫جدارا يريد أن ينقض فأقامه"بيده قال مسحه بيده‪،‬فقال له موسى‪،‬مل يضيفوان ومل ينزلوان‪،‬قال رسول هللا‬

‫صلى هللا عليه وسلم‪"،‬لوددت أنه كان صب حىت يقص علينا قصصهم"(‪،)237‬فهدمه مث قعد يبنيه فضجر‬

‫موسى مما راَه يصنع من التكلف‪،‬ملا ليس عليه صب‪،‬فقال"لو شئت لتخذت عليه أجرا"‪،‬أي قد استطمناهم‬

‫فلم يطعموان‪،‬وضفناهم فلم يضيفوان‪،‬مث اجتهدت ف العمل‪،‬ولو شئت ألعطيت عليه أجرا ف‬

‫عملك(‪"،)238‬فانطلقا حىت إذا أتيا أهل قرية"هي أنطاكية‪،‬أو األيلة‪،‬وهي أبعد أرض هللا من‬

‫الس ماء‪"،‬استطعما أهلها"استضافا‪"،‬فأبوا أن يضيفومها"ضيفه‪،‬أنزله وجعله ضيفه‪،‬قال صلى هللا عليه‬

‫وسلم"كانوا أهل قرية لئاماً"‪،‬وقيل شر القرى اليت تبخل ابلقرى"فوجدا فيها"ف القرية‪"،‬جداراً"طوله مئة‬

‫ذراع‪" ،‬يريد أن ينقض"يكاد يسقط‪،‬استعريت اإلرادة للمداانة واملشارفة‪،‬كما استعري اهلم والعزم‬

‫لذلك"فأقامه"بيده أو مسحه بيده‪،‬فقام واستوى أو نقضه وبناه‪،‬كانت احلال حال اضطرار وافتقار إل‬

‫املطعم‪،‬و قد احتاجا الكسب‪،‬و مل جيدا مواسياً‪،‬فلما أقام اجلدار مل يتمالك موسى ملا رأى من احلرمان‬

‫ومساس احلاجة‪،‬أن"قال لو شئت لتخذت عليه أجرا"أي لطلبت على عملك جعالً حىت تستدفع به‬

‫الضرورة‪"،‬لتخذت"بتخفيف التاء وكسر اخلاء وإدغام الذال(‪.)239‬‬

‫"فانطلقا حىت إذا أتيا أهل قرية"هي أنطاكية‪"،‬استطعما أهلها"طلبا منهم الطعام ضيافة‪"،‬فأبوا أن‬

‫يضي فومها‪،‬فوجدا فيها جدارا"‪،‬ارتفاعه مائة ذراع‪"،‬يريد أن ينقض"أي يقرب أن يسقط مليالنه‪"،‬فأقامه"اخلضر‬

‫‪236.313/15‬‬ ‫_النسفي‪،‬تفسري النسفي‪،‬‬


‫_الطبي‪،‬تفسري الطبي‪237.326/15 ،‬‬

‫_الطبي‪،‬تفسري الطبي‪238.329/15 ،‬‬

‫_النسفي‪،‬تفسري النسفي‪239.314/16 ،‬‬


‫‪70‬‬

‫بيده‪،‬قال له موسى"لو شئت لتخذت"وف قراءة"الختذت"‪"،‬عليه أجرا"جعال حيث مل يضيفوان‪،‬مع حاجتنا‬

‫إل الطعام(‪،)240‬وجاء ف تفاسري أخرى "فانطلقا حىت إذا ركبا ف السفينة خرقها"أي اقتلع اخلضر منها‬

‫لوحاً‪ ،‬وكان له مقصود ف ذلك بينه فيما بعد‪ ،‬فلم يصب موسى عليه السالم‪ ،‬ألن ظاهره منكر‪،‬فقد أعاب‬

‫السفينةمبا قد يسبب الغرق أهلها‪،‬وهلذا قال موسى"أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمرا"‪،‬أي عظيماً‬

‫شنيعاً وهذا من عدم صبه عليه السالم‪،‬فقال له اخلضر"أمل أقل إنك لن تستطيع معي صبا"أي فوقع كما‬

‫أخبتك‪،‬وكان هذا من موسى نسياانً فقال"ال تؤاخذن مبا نسيت وال ترهقن من أمري عسرا" أي ال تعسر‬

‫علي األمر وامسح ل فإن ذلك وقع من على وجه النسيان‪،‬فال تؤاخذن ف أول مرة‪،‬فجمع بني اإلقرار به‬

‫والعذر منه‪،‬وأنه ما ينبغي لك أيها اخلضر‪،‬الشدة على صاحبك‪،‬فسمح عنه اخلضر(‪"،)241‬فانطلقا حىت إذا‬

‫لقيا غلما فقتله قال أقتلت نفساً زكية بغري ي‬


‫نفس لقد جئت شيئاً نكرا" قوله تعال "فانطلقا"بعد أن رست‬

‫السفينة على امليناء‪"،‬حىت إذا لقيا غلما فقتله"ومل يقل قتله‪،‬وف السفينة قال"خرقها"ومل يقل "فخرقها" يعن‬

‫كأن شيئاً حصل قبل القتل فقتله‪"،)242(،‬غالما" الغالم هو الصغري‪،‬ومل يصب موسى عليه السالم قال‬

‫أقتلت نفساً زكية وف قراءة "زاكية" ألنه غالم صغري‪ ،‬والغالم الصغري تكتب له احلسنات‪،‬وال تكتب عليه‬

‫السيئات‪،‬إذاً فهو زكي ألنه صغري وال تكتب عليه السيئات‪"،‬بغري نفس"يعن أنه مل يقتل و هو غري مكلف‬

‫وال عمد له ‪ ،‬على أنه حيتمل أن يكون هذا الغالم ابلغاً ومسي ابلغالم لقرب بلوغه وحينئذ يزول‬

‫اإلشكال(‪"،)243‬لقد جئت شيئاً نيكرا" هذه العبارة أشد من العبارة األول ف األول قال "لقد جئت شيئا‬

‫‪240.302/16‬‬ ‫_السيوطي‪،‬تفسري اجلاللني‪،‬‬


‫_السعدي‪،‬تيسري الكرمي الرمحن‪،‬ص‪241.561‬‬

‫_ابن العثيمني‪،‬تفسري القران الكرمي‪،‬ص‪242.117‬‬


‫َ‬
‫_ابن العثيمني‪،‬تفسري القران الكرمي‪،‬ص‪243.118‬‬
‫َ‬
‫‪71‬‬

‫إمرا"‪ ،‬ولكن هنا قال"نكرا"إي منكراً عظيماً والفرق بني هذا و هذا أن خرق السفينة قد يكون به الغرق‬

‫وقد ال يكون وهذا هو الذي حصل‪،‬مل تغرق السفينة‪،‬أما قتل النفس فهو منكر حادث ال احتمال فيه‪،‬و‬

‫هلذا قد جاء بكلمات شديدة على األمر الثان وهو قتل الغالم الذي راَه موسى غري مذنوب أو هو جمرد‬

‫طفل ‪ ،‬وأي نكر مثل قتل صغري وال ذنب ارتكبه ‪ ،‬ومل يقتل أحداً‪،‬و كانت األول من موسى نسياانً وهذه‬

‫غري نسيان‪،‬ولكن عدم صب‪،‬فقال له اخلضر معاتباً و مذكراً ‪،‬أمل أقل أنك لن تستطيع معي صبا‪،)244(،‬ف‬

‫األول "أمل اقل إنك"‪،‬وف الثانية "أمل اقل لك"يعن كأنه مل تفهم ولن تفهم‪،‬ولذلك كان الناس يفرقون بني‬

‫اجلملتني‪،‬فلو أنك كلمت شخصاً بشيء وخالفك فتقول ف األول أمل اقل إنك وف الثانية تقول أمل اقل‬

‫لك‪،‬يعن أن اخلطاب ورد عليك وروداً ال خفاء فيه‪،‬و مع ذلك خالفت‪،‬فكان قول اخلضر ملوسى ف الثانية‬

‫أشد"أمل أقل لك"‪،‬فقال له موسى عندما رأى ال عذر له‪"،‬إن سألتك عن شيء بعدها فال تصاحبن قد‬

‫بلغت من لدن عذرا"‪،‬أي ال تقبل صحبيت إايك ‪"،‬فال تصحبن"إشارة إل أنه موسى عليه الصالة والسالم‬

‫يرى أنه أعلى منه منزلة وإال لقال ‪ :‬إن سألتك عن شيء بعدها فال أصاحبك ‪ ،)245(،‬و كنه قال ‪" :‬إن‬

‫سألتك عن شيء"بعد هذه املرة‪"،‬فال تصحبن" أي فأنت معذور بذلك‪،‬و برتك صحبيت‪"،‬قد بلغت من‬

‫لدن عذرا"أي أُعذرت من‪،‬ومل تقصر‪.)246(،‬‬

‫"فانطلقا حىت إذا اتيا أهل قرية"ومل يعني هللا عز وجل القرية فال حاجة إل أن نبحث عن هذه‬

‫القرية‪،‬بل نقول قرية أهبمها هللا فال نسأل عنها ‪"،‬استطعما أهلها"أي طلبا من أهلها طعاماً‪"،‬فأبوا أن‬

‫يضيفومها"وال شك أن هذا خالف الكرم‪،‬وهو نقص ف اإلميان‪،‬ألن النب صلى هللا عليه وسلم قال"من كان‬

‫الرمحن‪،‬ص‪244.561‬‬ ‫_السعدي‪،‬تيسري الكرمي‬


‫_ابن العثيمني‪،‬تفسري القران الكرمي‪،‬ص‪245.119‬‬
‫َ‬
‫_السعدي‪،‬تيسري الكرمي الرمحن‪،‬ص‪246.561‬‬
‫‪72‬‬

‫يؤمن ابهلل واليوم االَخر فليكرم ضيفه"(‪"،)247‬فوجدا جداراً يريد أن ينقص"أي أنه مائل يريد يسقط فإن‬

‫قيل هل للجدار إرادة‪،‬فاجلواب نعم له إرادة فإن ميله يدل على إرادة السقوط‪،‬وال تتعجب إن كان للجماد‬

‫إرادة فها هو جبل"أحد"‪،‬إنه حيبنا وحنبه واحملبة وصف زائد على اإلرادة ‪ ،‬أما قول بعض الناس الذين جييزون‬

‫اجملاز ف القراَن إن هذا كناية وأنه ليس للجماد إرادة فال وجه له‪"،‬فأقامه‪،‬أي أقامه اخلضر‪،‬لكن كيف أقامه؟‬

‫هللا أعلم‪ ،‬قد يكون أقامه بيده ‪ ،‬وأن هللا أعطاه قوة فاستقام اجلدار‪ ،‬وقد يكون بناه البناء املعتاد‪ ،‬املهم أنه‬

‫أقامه‪ ،‬ومل يبني هللا تعال طول اجلدار وال مسافته وال نوعه فال حاجة أن نتكلف معرفة ذلك‪،‬قال موسى‬

‫"لو شئت لتخذت عليه أجرا"‪،‬ومل ينكر عليه أن يبنيه وال قال كيف تبنيه وقد أبوا أن يضيفوان‪،‬بل قال"لو‬

‫شئت"وهذا ال شك أنه أسلوب رقيق فيه عرض لطيف‪"،‬لو شئت لتخذت عليه أجرا"أي عوضاً عن‬

‫بنائه(‪.)248‬‬

‫البخاري‪،‬ص‪247.6018‬‬ ‫_البخاري‪،‬صحيح‬
‫_ابن العثيمني‪،‬تفسري القران الكرمي‪،‬ص‪248.120‬‬
‫َ‬
‫‪73‬‬

‫‪2.3‬املبحث الثالث‪ :‬االَاثر املرتتبة على فراقهما‬

‫وجدت ف سيدان موسى والرجل الصاحل و لقائهما األول أكثر من سؤال مطروح من قبل‬

‫موسى‪،‬وهذا هو السبب الرئيسي للفراق أو ترك سيدان موسى من قبل الرجل الصاحل‪،‬جاء ف تفاسري الدراية‬

‫أو التفسري االجتهادي السبب الرئيسي للفراق بينهما و هو سؤاله للمرة "قال لو شئت لتخذت عليه‬

‫أجرا"‪"،‬قال هذا فراق بين وبينك سأنبئك بتأويل مامل تستطع عليه صبا‪،‬أما السفينة فكانت ملساكني‬
‫ي‬
‫سفينة غصبا‪،‬وأما الغالم فكان أبواه‬ ‫يعلمون ف البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك أيخذ كل‬

‫مؤمنني فخشينا أن يرهقهما طغينا وكفرا‪،‬فأردان أن يبدهلما رهبما خرياً منه زكوة وأقرب رمحا‪،‬وأما اجلدار‬

‫فكان لغلمني يتيمني ف املدينة حتته كنز هلما وكان أبومها صلحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدمها ويستخرجا‬

‫كنزمها رمحة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك أتويل مامل تسطع عليه صبا(‪،)249‬قال هذا فراق بين‬

‫وبينك‪،‬هذه إشارة إل السؤال الثالث‪،‬أي هذا االعرتاض سبب الفراق‪،‬واألصل هذا فراق بين وبينك‪،‬وقد‬

‫قريء به فأضيف املصدر إل الظرف‪،‬كما يضاف إل املفعول به"سأنبئك بتأويل مامل تسطع عليه‬

‫صبا"(‪،)250‬يقول تعال ذكره‪،‬قال صاحب موسى ملوسى‪،‬هذا القول الذي قلته‪،‬وهو"لو شئت لتخذت عليه‬

‫أجرا"‪"،‬فراق بين وبينك"‪،‬يقول فرقة مابين وبينك‪،‬أي مفرق بين وبينك‪"،‬سأنبئك"‪،‬يقول سأخبك‪،‬بتأويل‬

‫مامل تسطع عليه صبا(‪.)251‬‬

‫_الكهف‪82249 -78:‬‬
‫_النسفي‪،‬تفسري النسفي‪250.314/16 ،‬‬

‫_الطبي‪،‬تفسري الطبي‪251.353/15 ،‬‬


‫‪74‬‬

‫يقول مبا تؤل إليه عاقبة أفعال اليت فعلتها فلم تستطع على ترك السؤال عنها‪،‬وعن إنكارها‬

‫صبا(‪، )252‬قال له اخلضر"هذا فراق"‪،‬أي وقت فراق بين وبينك‪،‬فيه إضافة بني إل غري متعدد‪،‬سوغها‬

‫تكريره ابلعطف ابلواو‪"،‬سأنبئك" أي قبل فراقي لك‪"،‬بتأويل مامل تستطع عليه صبا"(‪،)253‬سأنبئك بتأويل‬

‫مامل تستطع عليه صبا"‪،‬إبخالص الياء بدل اهلمزة‪،‬قوله تعال"أما السفينة فكانت ملساكني"العامة على‬

‫ختفيف السني‪،‬مجع"مسكني"وقرأ علي بن أيب الطالب بتشديد مجع"مساك"وفيه أنه الذي ميسك سكان‬

‫السفينة‪،‬وفيه بعض مناسبة‪،‬أنه الذي يدبغ املسوك مجع"مسك"بفتح امليم‪،‬وهي اجللود(‪"،)254‬يعملون ف‬

‫البحر فأردت أن أعيبها"‪،‬ابخلرق الذي خرقتها‪،‬وقال أخرقها‪"،‬وكان وراءهم ملك"يقول وكان أمامهم‬

‫وقدامهم ملك"وقالوا فيه أن املقصود‪،‬أمامهم‪،‬وراء من حروف األضداد وزعم أنه يكون ملا هو أمامه وملا‬

‫خلفه‪،‬واستشهد لصحة ذلك كثري من األقوال اللغوية عند العرب وف القراَن العظيم(‪"،)255‬أما السفينة‬

‫فكانت ملساكني"عشرةي‪"،‬يعملون ف البحر"هبا مؤاجرة هلا طلباً للكسب‪"،‬فأردت أن أعيبها وكان وراءهم"إذ‬

‫رجعوا أو أمامهم االَن"ملك"كافر‪،‬أيخذ كل سفينة صاحلة غصباً ‪،‬نصبه على املصدر املبني لنوع‬

‫األخذ(‪"،)256‬وأما الغالم فكان أبواه مؤمنني‪،‬فخشينا أن يرهقهما طغياانً وكفرا"‪،‬فإنه كما ف حديث‬

‫مسلم‪،‬طبع كافراً ‪،‬ولو عاش ألرهقهما ذلك‪ ،‬حملبتهما له يتبعانه ف ذلك‪"،‬فأردان أن يبدهلما"‪،‬ابلتشديد‬

‫والتخفيف‪"،‬رهبما خريا منه زكاة" أي صالحاً وتقي"وأقرب"منه"رمحا"‪،‬بسكون احلاء وضمها أي رمحة وهي‬

‫‪252.353/15‬‬ ‫_الطبي‪،‬تفسري الطبي‪،‬‬


‫_السيوطي‪،‬تفسري اجلاللني‪253.302/16 ،‬‬

‫_احلنبلي‪،‬اللباب ف علوم الكتاب‪،‬ص‪254.545‬‬

‫_الطبي‪،‬تفسري الطبي‪255.354/15 ،‬‬

‫_السيوطي‪،‬تفسري اجلاللني‪256.302/16 ،‬‬


‫‪75‬‬

‫الب بوالديه(‪،)257‬فأبدهلما تعال جارية تزوجت نبياً ‪،‬فولدت نبياً فهدى هللا تعال‪،‬به أمة(‪،)258‬وجاء‬

‫أيضاً"وأما الغالم"وكان امسه احلسني‪"،‬فكان أبواه مؤمنني فخشينا أن يرهقهما طغينا وكفرا"‪،‬فخفنا أن يغشي‬

‫الوالدين املؤمنني‪"،‬طغياانً"عليهما‪"،‬وكفرا"لنعمتهما بعقوقه‪،‬وسوء صنيعه‪،‬ويلحق هبما شراً وبالء‪،‬أو يعديهما‬

‫بدائه‪،‬ويضلهما بضالله‪،‬فريتدا بسببه‪،‬وهو من كالم اخلضر‪،‬وإمنا خشي اخلضر منه ذلك‪،‬ألنه تعال أعلمه‬

‫حباله‪،‬وأطلعه على سر أمره‪،‬وإن كان من قول هللا تعال فمعىن"فخشينا"فعلمنا إن عاش أن يصري سبباً لكفر‬

‫والديه(‪"،)259‬فأردان أن يبدهلما رهبما"‪"،‬يبدهلما"مدن‪"،‬خرياً منه زكوة"طهارة و نقاء الذنوب‪"،‬وأقرب‬

‫رمحا"‪،‬رمحة وعطفاً‪"،‬زكاة"‪،‬و"رمحة"متييز‪،‬روى أنه ولدت هلما جارية تزوجها نب‪،‬فولدت نبياً‪،‬أو سبعني نبيا أو‬

‫أبدهلما ابناً مؤمناً مثلهما‪"،‬رمحا"ومها لغتان(‪"، )260‬وأما اجلدار فكان لغلمني يتيمني ف املدينة وكان حتته كنز‬

‫هلما"وكان امسهما "أصرم"و"صرمي"واعلم أنه مسي القرية ف قوله"أتيا أهل قرية"ومسي القرية هنا مدينة‬

‫بقوله‪"،‬يتيمني ف املدينة"فدل على جواز "تسمية"إحدامها ابألخرى‪،‬مث قال"وكان حتته كنز هلما"‪،‬عن النب‬

‫صلى هللا عليه وسلم قال"كان ذهبا‪،‬وفضة"‪،‬وقال كان ماالً ويدل على ذلك أن املفهوم من لفظ الكنز هو‬

‫املال‪،)261(،‬وقيل إنه"كان لوحاً من الذهب مكتوابً فيه عجباً ملن أيقن ابملوت‪،‬كيف يفرح‪،‬عجباً ملن أيقن‬

‫ابلقدر كيف ينصب‪،‬عجباً ملن أيقن ابلرزق كيف يتعب‪،‬عجباً ملن يؤمن ابحلساب كيف يغفل‪،‬عجباً ملن‬

‫أيقن بزوال الدنيا‪،‬وتقلبها أبهلها كيف يطمئن إليها‪،‬ال إله إال هللا‪،‬حممد رسول هللا‪،‬وهذا قول أكثر املفسرين‬

‫ف التفسري االجتهادي ‪ ،‬وقيل ‪ :‬وال كنز إذا أطلق إمنا ينصرف إل كنز املال‪،‬وجيوز عند التقييد لكنز‬

‫‪257.302/16‬‬ ‫_السيوطي‪،‬تفسري اجلاللني‪،‬‬


‫_السيوطي‪،‬تفسري اجلاللني‪258.302/16 ،‬‬

‫_النسفي‪،‬تفسري النسفي‪259.314/16 ،‬‬

‫_النسفي‪،‬تفسري النسفي‪260.315-314/16 ،‬‬

‫_احلنبلي‪،‬اللباب ف علوم الكتاب‪،‬ص‪261.548‬‬


‫‪76‬‬

‫العلم(‪،)262‬يقال عنده كنز علم ‪ ،‬وهذا اللوح كان جامعاً هلما(‪"،)263‬وكان أبومها صاحلاً"قيل كان امسه‬

‫الصاحل يكون كنزه العلم ال‬


‫"كاشح" وكان من األنبياء ‪،‬وحفظا بصالح أبيهما‪،‬وهلذا قيل إن الرجل ً‬
‫املال‪،‬قيل كان بينهما وبني األب الصاحل سبعة اَابء وهذا يدل على أن صالح اإلنسان يفيد العناية أبحوال‬

‫أبنائه‪،‬فإن قيل هل عرف اليتيمان أو أحدمها حصول الكنز حتت ذلك اجلدار‪، ،‬فإن كان األول امتنع أن‬

‫يرتكوا سقوط ذلك اجلدار‪،‬وإن كان الثان فكيف ميكنه بعد البلوغ استخراج ذلك الكنز ومعرفته واالنتفاع‬

‫به‪،‬اجلواب لعل اليتيمني كاان جاهلني به إال أن وصيهما كان عاملاً به‪،‬إما أن ذلك املوصي غاب‪،‬وأشرف‬

‫ذلك اجلدار ف غيبته على السقوط‪،‬مث قال فأراد ربك يبلغا أشدمها أي يبلغا ويعقال وقيل يدركا شدهتما‬

‫وقوهتما‪،‬وقيل مث ان عشرة سنة‪،‬ويستخرجا حينئذ كنزمها رمحة من ربك أي نعمة من ربك‪،‬أو يكون ف‬

‫موضع احلال من الفاعل‪،‬أي أراد ذلك رامحاً وهي حال الزمة(‪"،)264‬وأما اجلدار فكان لغالمني يتيمني ف‬

‫املدينة‪،‬وكان حتته كنز"مال مدفون من ذهب وفضة‪"،‬هلما‪،‬وكان أبومها صاحلاً"فحفظا بصالحه ف أنفهما‬

‫وماهلما‪"،‬فأراد ربك أن يبلغا أشدمها"‪،‬أي إيناس رشدمها‪"،‬ويستخرج كنزمها‪ ،‬رمحة من ربك"مفعول له عامله‬

‫اراد"وما فعلته" أي ماذكر من خرق السفينة وقتل الغالم وإقامة اجلدار"عن أمري"‪،‬أي اختياري بل أبمر‬

‫إهلام من هللا"ذلك أتويل مامل تسطع عليه صبا"‪..‬‬

‫يقال اسطاع و استطاع مبعىن أطاق ففي هذا وما قبله مجع بني اللفظتني‪ ،‬ونوعت العبارة ف‬

‫(فأردت فأردان) أي فأراد ربك(‪ ،)265‬بعدما قبل موسى عليه السالم بشرط الرجل الصاحل ما بقى منه عذر‬

‫الكتاب‪،‬ص‪262.548‬‬‫_احلنبلي‪،‬اللباب ف علوم‬
‫_احلنبلي‪،‬اللباب ف علوم الكتاب‪،‬ص‪263.548‬‬

‫_احلنبلي‪،‬اللباب ف علوم الكتاب‪،‬ص ص ‪264.549-548‬‬

‫_السيوطي‪،‬تفسري اجلاللني‪265.302/16 ،‬‬


‫‪77‬‬

‫‪،‬فقد ذكره خضر مبا هو ليس بعليم‪،‬فقال له "هذا فراق بين و بينك"فإنك شرطت ذلك على نفسك‪،‬فلم‬

‫يبق االَن عذر‪،‬وال موضع للصحبة‪"...‬سأنبئك بتاَويل مامل تستطع عليه صبا"أي سأخبك مبا أنكرت‬

‫علي‪،‬وأنبئك أبن ل ف ذلك من املاَرب ‪،‬وما يؤول إليه األمر(‪"،)266‬أما السفينة"اليت خرقتها‪"،‬فكانت‬

‫ملسكن يعملون ف البحر"يقتضي ذلك العطف عليهم‪،‬والرأفة هبم‪"،‬فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك‬
‫ي‬
‫سفينة غصبا"أي كان مرورهم على ذلك امللك الظامل‪،‬فكل سفينة صاحلة متر عليه‪ ،‬ما كانت‬ ‫أيخذ كل‬

‫سليمة من العيب غصبها وأخذها ظاملاً‪ ،‬فأردت أن اخرقها ليكون فيها عيب‪ ،‬فتسلم من ذلك‬

‫الظامل(‪"،)267‬أما الغلم فكان أبواه مؤمنني فخشينا أن يرهقهما طغينا وكفرا"‪،‬أبواه أي أبوه و أمه‪،‬مؤمنني أي‬

‫وهو كافر‪"،‬فخشينا" خفنا واخلشية ف األصل خوف مع علم وأيت بضمري اجلمع للتعظيم‪"،‬أن يرهقهما‬

‫طغينا وكفرا" يعن حيملهما على الطغيان والكفر‪،‬إما من حمبتهما إايه‪ ،‬أو لغري ذلك من األسباب‪،‬وإال فإن‬

‫الغالب أن الوالد يؤثر على ولده ولكن قد يؤثر الولد على الوالد كما أن الغالب أن الزوج يؤثر على زوجته‪،‬‬

‫ولكن قد تؤثر الزوجة على زوجها(‪"، )268‬فأردان أن يبدهلما رهبما خريا منه زكوة وأقرب رمحا"يعن أان إذا‬

‫قتلناه فإن هللا خري وأبقى ‪ ,‬و الطمع به سبحانه أن يبدل ف الدين والصلة والرمحة خرياَ هلم‪..‬‬

‫يعن أراد أن هللا يتفضل عليهما مبن هو أزكى منه ف الدين‪ ،‬وأوصل ف صلة الرحم‪،‬ويؤخذ من‬

‫ذلك أنه يقتل الكافر خوفاً من أن ينشر كفره ف الناس(‪" ،)269‬وأما اجلدار فكان لغلمني يتيمني ف املدينة‬

‫وكان حتته كنز هلما وكان أبومها صلحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدمها ويستخرجا كنزمها رمحة من ربك وما فعلته‬

‫الرمحن‪،‬ص‪266.561‬‬‫_السعدي‪،‬تيسري الكرمي‬
‫_السعدي‪،‬تيسري الكرمي الرمحن‪،‬ص‪267.561‬‬

‫_ابن العثيمني‪،‬تفسري القران الكرمي‪،‬ص‪268.122‬‬


‫َ‬
‫_ابن العثيمني‪،‬تفسري القران الكرمي‪،‬ص ص ‪269.123-122‬‬
‫َ‬
‫‪78‬‬

‫عن أمري لك أتويل مامل تسطع عليه صبا"(‪،)270‬لغلمني يعن صغريين ‪،‬يتيمني قد مات أبومها ‪،‬ف املدينة‬

‫أي القرية اليت أتياها‪،‬وكان حتته كنز هلما‪،‬أي كان حتت اجلدار مال مدفون هلما‪...‬وكان أبومها صاحلاً‪ ،‬فكان‬

‫من شكر هللا عز وجل هلذا األب الصاحل أن يكون رؤوفاً أببنائه‪ ،‬وهذا من بركة الصالح ف االَابء أن حيفظ‬

‫هللا األبناء‪" ،‬فأراد ربك أن يبلغا أشدمها"‪ ،‬أي أراد هللا عز وجل أن يبلغا أشدمها أي أن يبلغا ويكبا حىت‬

‫يصال إل سن الرشد‪ ،‬وهو أربعون سنة عند كثري من العلماء‪،‬وهنا ما قال "فأردان" وال قال "فأردت" ‪،‬بل‬

‫قال "فأراد ربك"‪ ،‬ألن بقاء الغالمني حىت يبلغا أشدمها ليس للخضر فيه أي قدرة‪ ،‬لكن اخلشية خشية أن‬

‫يرهق الغالم أبويه ابلكفر‪ ،‬تقع من اخلضر وكذلك إرادة عيب السفينة‪"،‬ويستخرج كنزمها" حىت ال يبقى‬

‫حتت اجلدار ولو أن اجلدار اهندم لظهر الكنز وأخذه الناس(‪"،)271‬رمحة من ربك"هذه مفعول‬

‫ألجله‪،‬والعامل فيه أراد‪،‬يعن أراد هللا ذلك رمحة منه جل وعال‪"،‬وما فعلته عن أمري" يعن ما فعلت هذا‬

‫الشيء عن عقل من أو ذكاء من ولكنه إبهلام من هللا عز وجل ‪ ،‬وتوفيق ألن هذا الشيء فوق ما يدركه‬

‫العقل البشري(‪"، )272‬ذلك أتويل"أي ذلك تفسريه الذي وعدتك به‪،‬أي تفسريه وحيتمل أن يكون التأويل‬

‫هنا ف الثان العاقبة يعن ذلك عاقبة ما مل تستطع عليه صباً‪ ،‬ألن التأويل يراد به العاقبة ويراد به‬

‫التفسري‪"،‬ما مل تسطع"وف األول قال"مامل تستطع"ألن "استطاع واسطاع ويستطيع ويسطيع"كل منها لغة‬

‫عربية صحيحة‪،‬وقد ذكران تفسري تيسري الكرمي الرمحن للشيخ السعدي وفيها فوائد مجة عظيمة ف هذه‬

‫القصة ال جندها ف كتاب اَخر فلذلك كان االختيار عليه هو األصح ‪ ،‬مث االَخر التفسري للشيخ ابن‬

‫العثيمني وهو كذلك من املصادر اليت استفدان منه ف تفسري هذه القصة العجيبة بني سيدان "موسى"‬

‫_الكهف‪270.82:‬‬

‫الكرمي‪،‬ص‪271.123‬‬ ‫_ابن العثيمني‪،‬تفسري القراَن‬


‫_ابن العثيمني‪،‬تفسري القران الكرمي‪،‬ص‪272.124‬‬
‫َ‬
‫‪79‬‬

‫والرجل الصاحل‪،‬لقد نزل القراَن الكرمي بلغة العرب‪،‬ولكن ال يقتضي أن يفهمه مجيع العرب ألن فهم القراَن‬

‫اليتوقف على فهم اللغة وحدها‪،‬بل يضم إل جانب فهم واستيعاب مافيه من الفكر ‪ ،‬وفقه و تشريع‬

‫وقوانني و أخالق‪،‬وغريها مما ورد ف كلمات هللا املعصومة‪ ،‬واليت ال تنقضي عجائبها‪ ،‬بل وحىت اللغة رمبا‬

‫توقف بعض ف فهم بعض كلماهتا‪ ،‬قال السيوطي‪" ،‬أن عمر بن اخلطاب قرأ على املنب "فاكهةُ وأاب" فقال‬

‫هذه الفاكهة قد عرفناها‪،‬فما األب؟مث رجع إل نفسه فقال إن هذا هلو الكلف ايعمر" ‪ ،‬وقال ابن عباس‬

‫"كنت ال أدري ما "فاطر السماوات" ‪ ،‬حىت أاتن أعرابيان ُيتصمان ف بئر‪،‬فقال أحدمها أان "فطرهتا" أي‬

‫أان ابتدأهتا" ‪ ،‬وعليه فإن التفسري حاجة ضرورية ومهمة جلميع املسلمني(‪،)273‬وقد تول النب صلى هللا عليه‬

‫و سلم ف زمانه مهمة تفسري كالم هللا عزوجل للمسلمني‪ ،‬وال توجد مشكلة ف ذلك ‪ ،‬ولكن اختلف فيما‬

‫بعد ف أن النب صلى هللا عليه و سلم هل بني وفسر مجيع معان القراَن وما أراده هللا عزوجل أو بينه وفسره‬

‫على مستوى عام‪،‬واجلميع على الرأيني أنه فسره على مستوى عام للمسلمني وف الوقت نفسه فسره كله‬

‫على مستوى خاص‪،‬ملن يستوعبه ويستطيع محله‪،‬وهم اخللفاء الراشدين و من بعدهم من أبناءهم‪ ،‬و‬

‫للتفسري طرق كثرية تعتمد على العقل واملنطق‪ ،‬و من أشهرها و أفضلها هو تفسري القراَن ابلقراَن وقد نشأ‬

‫منذ عصر النب صلى هللا عليه و سلم و إل يومنا هذا‪،‬لقد سلك النب صلى هللا عليه و سلم هذا املنهج ف‬

‫التفسري‪ ،‬واخللفاء من بعده‪ ،‬واتبعهم الصحابة والتابعون‪،‬مث بعد ذلك سلكه مجهور املفسرين‪ ،‬لقد تتبع‬

‫املفسرون االَايت اليت يفسر بعضها بعضاً‪ ،‬ليظهروا من خالهلا ابملعان املرادة ألن القراَن وحده متكاملة‬

‫يكمل بعضه بعضاً‪،‬ويوضح بعضه بعضاً‪،‬وذلك ملا فيه من إجياز وإطناب‪،‬وإطالق وتقييد‪،‬وتعميم وختصيص‬

‫و إهبام وتوضيح ‪ ،‬فقصة موسى وقومه‪،‬وعيسىى واحلواريني‪،‬واَدم وسجود املالئكة‪،‬وإبليس وتكبه‪،‬قد أوجزت‬

‫‪273.17-16‬‬ ‫_فارس علي العامر‪،‬دروس ف التفاسري ومناهج املفسرين‪،‬ص ص‬


‫‪80‬‬

‫سور أخر وهكذا ف الوقائع واألحكام‬


‫ف مواضع وفصلت ف مواضع أُخرى وأمجلت ف سور وبينت ف ُ‬

‫وغريها‪،)274(..‬و ميكن االستفادة من املسائل العلمية واملنهج العلمي‪،‬ف فهم كثري من تفسري االَايت ولكن‬

‫ينبغي أن ال يقطع أبن معىن االَية هو تلك احلقيقة العلمية وإمنا يستظهر وحيتمل ذلك لئال يكون القراَن‬

‫عرضة لألخطاء إذا ما كانت تلك الفرضيات أو احلقائق العلمية خطأ ابحلاضر‪ ،‬وجيب على املفسر األخذ‬

‫ابلفقه واملنهج الفقهي ‪ ،‬وفيها املفسر يعىن فيه ابستنباط األحكام الشرعية من خالل االَايت اليت تتعلق‬

‫هبا‪،‬وفيما ُيص هذا املوضوع اليت فسرانها فإن التفسري املوضوعي مطلوب فيها ألن املنهج التفسريي ُيتلف‬

‫من قصة إل أخرى ‪ ،‬و توجد طريقتان لتفسري االَايت من هذا الباب وهي الطريقة التجزيئية‪،‬وهي طريقة‬

‫يتناول فيها املفسر االَايت اَية اَية‪،‬كأن أيخذ املفسر اَية يفسرها ويبني معناها حبسب منهجه فإذا ما انتهى‬

‫منها انتقل إل آية أخرى‪ ،‬وهكذا يتسلسل ف تفسري اَايت القراَن ‪،‬وهذه الطريقة اليت اعتمدان عليها ف‬

‫تفسري القصة اليت ورد ذكرها‪.)275(...‬‬

‫‪274.19-17‬‬ ‫_فارس علي العامر‪،‬دروس ف التفاسري‪،‬ص ص‬


‫_فارس علي العامر‪،‬دروس ف التفاسري‪،‬ص ‪275.35‬‬
‫‪81‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫قصة موسى والرجل الصاحل يف تفاسي االشارة‬

‫‪ -‬املبحث االول‪ :‬اللقاء االول بني موسى والرجل الصاحل‬

‫‪ -‬املبحث الثاين‪ :‬رحلة موسى عليه السالم مع الرجل الصاحل وجمريتها‬

‫‪ -‬املبحث الثالث‪ :‬املقارنة بني التفسيين‬


‫‪82‬‬

‫‪3.1‬املبحث االول‪ :‬اللقاء االول بني موسى والرجل الصاحل‬

‫ذهب أصحاب هذا املنهج املعروف مبنهج التفسري اإلشاري "الصوف" إل أتويل اَايته مبا يوافق‬

‫إشراقاهتم وثقافتهم وأفكارهم‪ ،‬وقد غلبت على بعضهم ثقافات ونظرايت فلسفية أتثروا هبا من أقوام غري‬

‫العرب‪ ،‬فأثر ذلك على أتويلهم الَايت القراَن الكرمي بل حاولوا ف منهجهم أن جيعلوا االَايت مطابقة‬

‫ملبادئهم واَرائهم‪ ،‬فاختاروا املنهج أبخذ املوضوع"املوضوعي" ‪ ،‬إن هذا املنهج شبه جديد ف تفسري القراَن‪،‬‬

‫وذلك أبن املفسر ال أيخذ القراَن اَية اَية كما ف غريها من املناهج املعروفة‪ ،‬وإمنا يفسرونه على أساس‬

‫موضوعاته‪ ،‬كأن يدرس النبوة من خالل مجيع اَايت القراَن‪ ،‬أو االنسان ف القراَن‪ ،‬او السنن التارُيية من‬

‫خالل القراَن(‪،)276‬والتفسري املوضوعي مهم ألن املفسر على هذا املنهج ُيرج بنظرايت وقوانني قراَنية‬

‫عظيمة‪ ،‬ومما جتدر اإلشارة إليه هو أن املفسر على منهج التفسري املوضوعي الميكنه االستغناء عن التفسري‬

‫التجزيئي‪،‬بل يعتمد عليه ف تفسري وفهم االَايت‪ ،‬وعليه فإن كال املنهجني مهم ف عامل التفسري‪،‬وقد سار‬

‫األوائل على تفسري اإلشارة ف اَايت األحكام ولكن من دون قصد وإمنا دفعهم ال ذلك احلاجة ألحكام‬

‫القراَن ف جمال الفقهي‪،)277(،‬هذا املنهج التفسريي يرتكز على إظهار وحدة ُسور القرآن الكرمي أي تتم‬

‫وتكامل معان آايهتا‪ ،‬وبيان القاسم املشرتَك بني‬


‫ُ‬ ‫دراسة سورة من ُسور القرآن الكرمي إلثبات ترابُط أجزائها‬
‫ُ‬
‫احد ال فرق بني أوهلا وآخرها‪ ،‬وهذا النوع من‬‫موضوع و ي‬
‫ي‬ ‫مواضيعها‪ ،‬بشكل يُظهرها كسورة تتحدث عن‬

‫موضوع ي‬
‫معني‪،‬‬ ‫ي‬ ‫عالقة ي‬
‫وثيقة مع علم املناسبة‪،‬وفيها الرتكيز على‬ ‫ي‬ ‫التفسري هبذا املعىن حديث نسبياً‪ ،‬وذو‬

‫والبحث عن كل ما يتعلق به من ُسور القرآن الكرمي‪ ،‬ومثال ذلك أننا هنا نبحث عن كل ماهو موجود ف‬

‫القراَن الكرمي واالَايت ف قصة سيدان موسى مع العبد الصاحل‪ ،‬فنجمع اآلايت كلها واملقصود اآلايت اليت‬

‫_فارس علي العامر‪،‬دروس ف التفاسري‪،‬ص‬


‫‪276.35‬‬

‫_فارس علي العامر‪،‬دروس ف التفاسري‪،‬ص ص ‪277.36-35‬‬


‫‪83‬‬

‫تتعلق هبذه القصة‪ ،‬ونفسر كل اَية منها بشكل جزئي و بشكل عام‪ ،‬و خنصص املواضيع العامة منها‬

‫واملتفرعة منها‪ ،‬و هبذه الطريقة تكون النتيجة قد أصبنا ما جاء من َاالايت والرواايت عنها‪ ،‬وهذا النوع من‬

‫التفسري قد يكون مشهوراً عند القدماء واملفسرين األقدمني‪،‬وأنيت أبهم كتب التفسري ف هذا املنهج و نبدأ‬

‫برحلة سيدان موسى مع فتاه وما جرى فيها‪ ،‬أخب موسى عليه السالم فتاه يوشع بن نون أبنه سيخرج‬

‫برحلة ال جممع البحرين للقاء الرجل الصاحل‪،‬كما قال تعال ف القراَن الكررمي"وإذ قال موسى لفته ال أبرح‬

‫حىت أبلغ جممع البحرين أو أمضي حقباً"(‪،)278‬و "إذ" نصب على املفعولية ابذكر حمذوفاً واملراد قل قال‬

‫موسى"لفتاه"يوشع بن نون بن افراثيم بن يوسف عليه السالم‪،‬فإنه كان ُيدمه ويتعلم منه ولذا أضيف إليه‬

‫والعرب تسمى اخلادم فىت ألن اخلدم أكثر ما يكونون ف سن الفتوة‪،‬وكان فيما يقال ابن أخت موسى عليه‬

‫السالم‪،‬وقيل هو أخو يوشع عليه السالم(‪"،)279‬ال أبرح"‪،‬من برح الناقص كزال يزال أي ال أزال أسري‬

‫فحذف اخلب اعتماداً على قرينة احلال إذ كان ذلك عند التوجه إل السفر واتكاالً على ما يعقبه من‬

‫قوله"حىت أبلغ"إذ الغاية البد هلا من مغي واملناسب هلا هنا السري وفيما بعد أيضاً ما يدل على ذلك‬

‫وحذف ا خلب فيها قليل‪،‬ال يبح سريي حىت أبلغ فاخلب متعلق حىت مع جمرورها فحذف املضاف إليه وهو‬

‫السري فانقلب الضمري من البوز واجلر إل الرفع واالستتار وانقلب الفعل من الغيبة إل التكلم قيل وكذا‬

‫الفعل الواقع ف اخلب وهو"أبلغ" كأن أصله يبلغ ليحصل الربط واإلسناد جمازي وإال ُيل اخلب من الرابط إال‬

‫أن يقدر حىت أبلغ به أو يقال إن الضمري(‪،)280‬املسترت ف كائن يكفي للربط أو أن وجود الربط بعد التغيري‬

‫_الكهف‪278.61:‬‬

‫العلمية‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪279،‬‬ ‫_شهاب الدين السيد حممود األلوسي‪،‬روح املعان ف تفسري القراَن العظيم والسبع املثان‪(،‬ن)‪ :‬دار الكتب‬
‫(‪1994‬م)‪.293/16 :‬‬
‫_األلوسي‪،‬روح املعان ف تفسري القران العظيم والسبع املثان‪280.294-293/16 ،‬‬
‫َ‬
‫‪84‬‬

‫صورة يكفي فيه وإن كان املقدر ف قوة املذكور وعندي ال لطف ف هذا الوجه وإن استلطفه‬

‫الزخمشري(‪"،)281‬حىت أبلغ"غاية مضروبة فال بد هلا من ذي غاية فاملعىن ال أزال أسري إل أن أبلغ‪"،‬جممع‬

‫البحرين"يعن ملتقى حبري فارس والروم‪"،‬حىت أبلغ جممع البحرين"إذ يؤول حاصل املعىن إل قولنا حىت أبلغ‬

‫مكاانً جيتمع فيه حبران من العلم أحدمها أان"أو أمضي حقبا"أسري زمناً طويال‪،‬قال احلقب ابلضم مثانون سنة‬

‫ويقال أكثر من ذلك‪،‬وقيل إنه تعال أعلم موسى حال هذا العامل وما أعلمه بعينه فقال موسى‪،‬ال أزال‬

‫أمضي حىت جيتمع البحران فيصريا حبراً واحداً أو أمضي دهراً طويالً حىت أجد هذا العامل‪،‬وهذا إخبار من‬

‫موسى عليه السالم ابنه سيتحمل التعب الشديد إل أن يلقاه‪،‬وفيه تنبيه على شرف العلم وأن طالب العلم‬

‫حيق له أن يسافر‪،‬وحيمل املتاعب ف الطلب من غري ملل وكلل(‪"،)282‬فلما بلغا جممع بينهما"قال مجهور‬

‫‪283‬‬
‫موسى وبلغ املكان الذي وعد فيه لقاء اخلضر‪،‬وال بد‬ ‫املفسرين الضمري للبحرين أي حتقق ما(ترقبه)‬

‫للبني من فائدة‪،‬ولعل املراد حيث يكاد يلتقي وسط ما امتد من البحرين طوالً واإلضافة مبعىن "ف"أي جممعاً‬

‫ف وسط البحرين فيكون كالتفصيل جملمع البحرين‪،‬والبيان واإليضاح بكالم عالم الغيوب تعال أول منه‬

‫بكالم موسى عليه السالم(‪"،)284‬نسيا حوهتما"ألنه تعال جعل انقالب احلوت حياً عالمة‪ ،‬قيل إن الفىت‬

‫كان يغسل السمكة ألهنا كانت مملوحة فطفرت وسارت‪،‬وقيل إن يوشع توضأ ف ذلك املكان فانتضح املاء‬

‫على احلوت املاحل فعاش ووثب إل املاء‪ ،‬وقيل انفجرت هناك عني من اجلنة ووصلت قطرات من تلك العني‬

‫إل السمكة فحييت وطفرت إل البحر‪،‬ونسيان احلوت للذهول عن االستدالل هبذه احلالة املخصوصة على‬

‫‪281.294/16‬‬ ‫_األلوسي‪،‬روح املعان ف تفسري القراَن العظيم‪،‬‬


‫_حسن بن حممد بن حسني القمي النيسابوري‪،‬تفسري غرائب القران ورغائب الفرقان‪(،‬ن)‪ :‬دار الكتب العلمية ‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪282،‬‬
‫َ‬
‫(‪1996‬م)‪445/16:‬‬
‫زدت هذه اللفظة على املرجع ليستقيم للقارئ املعىن ‪283 .‬‬
‫_النيسابوري‪،‬تفسري غرائب القران و رغائب الفرقان‪284.446/16 ،‬‬
‫َ‬
‫‪85‬‬

‫الوصول إل املطلوب(‪"،)285‬فلما بلغا جممع بينهما"أي بني البحرين‪"،‬نسيا"عند اجملمع‪"،‬حوهتما"يعن نسي‬

‫موسى عليه السال م التفقد واالستخبار من يوشع عنه‪،‬ونسي يوشع أن يذكر ملوسى ما رأى من أمر احلوت‬

‫وحياته ووقوعه ف املاء‪،‬وذلك أنه عزم يوشع التوضؤ عند اجملمع وكان على شاطئ البحر صخرة‪،‬فتمكن‬

‫يوشع عليها ليتوضأ‪،‬فانتضح املاء على مكتله‪،‬فرتشح على احلوت‪،‬فوثب من املكتل‪،‬ورمى نفسه ف‬

‫البحر(‪"،)286‬فاختذ سبيله ف البحر سراب"‪،‬أي صار املاء كالطاق يسري احلوت حتته بسهولة‪،‬فتعجب يوشع‬

‫من حياته ووثبته ف املاء وسلوكه‪،‬فارحتال متجاوزين من البحر تلك الليلة والغد إل الظهر فنسي يوشع ذكر‬

‫ما رأى موسى‪،‬فلما جاوزا من الصخرة يوماً وليلة جوعاً قال موسى"لفتاه اَتنا غداءان لقد لقينا من سفران‬

‫(‪)287‬‬
‫هذا"أي الذي سران بعدما جاوزا الصخرة"نصبا"تعباً وأملاً ما كنا قبل ذلك كذلك ‪،‬قال يوشع متذكراً‬

‫متعجباً"أرأيت"‪،‬اي سيدي وقت"إذ أوينا إل الصخرة"ورقدت عندما تسرتيح‪،‬وأان أهم إل التوضؤ انتضح‬

‫املاء إل املكتل فوثب احلوت حنو البحر‪،‬فاختذ سبيله سراب"فإن بعد تيقظك من منامك"نسيت‬

‫احلوت"وقصته مع غرابتها وندرهتا وكوهنا خارقة للعادة(‪.)288‬‬

‫أرأيت إذ أوينا إل الصخرة فإن نسيت احلوت أي أخبن ما دهان حىت مل أذكر لك أمر‬

‫احلوت‪،‬فإن نسيت أن أذكر لك أمره‪،‬ومراده ابالستفهام تعجب موسى عليه السالم مما اعرتاه من النسيان‬

‫مع كون ما شاهده من العظائم اليت ال تكاد تنسى‪،‬وما أنسانيه إال الشيطان بوسوسته الشاغلة له عن‬

‫ذلك‪،‬أن أذكره ونسبته للشيطان هضماً لنفسه‪،‬واستعمال األدب ف نسبة النقائص إل الشيطان وإن كان‬

‫‪285.446/16‬‬ ‫_النيسابوري‪،‬تفسري غرائب القراَن‪،‬‬


‫_حميي الدين عبدالقادر اجليالن‪،‬تفسري اجليالن‪(،‬ن)‪ :‬املكتبة املعروفيه ‪،‬كويتا‪-‬سورية ‪2010(،‬م)‪286.85/1 :‬‬

‫_اجليالن‪،‬تفسري اجليالن‪287.86-85/1 ،‬‬

‫_اجليالن‪،‬تفسري اجليالن‪288.86/1 ،‬‬


‫‪86‬‬

‫الكل من عند هللا وهذه احلالة‪،‬وإن كانت غريبة اليعهد نسياهنا(‪،)289‬لكنه قد تعود مبشاهدة أمثاهلا من‬

‫اخلوارق مع موسى عليه السالم وألفها قبل اهتمامه ابحملافظة عليها‪،‬أو الستغراقه واجنذاب سره إل جانب‬

‫القدس‪،‬حىت غاب عن اإلخبار هبا‪،‬والظاهر أن نسيانه كان أمرا إهلياً قهرايً بال سبب‪،‬وحكمته ما لقى من‬

‫النصب لتعظم حالوة العلم الذي أيخذه عن الرجل الصاحل عليه السالم‪،‬قال موسى ذلك ما كنا نبغ أي‬

‫ذلك الذي ذكرت من أمر احلوت هو الذي كنا نطلبه لكونه أمارة للفوز ابملرام‪،‬فارتدا أي رجعا على‬

‫طريقهما الذي جاءا منه‪،‬يقصان أي يتبعان اَاثرمها قصصاً‪،‬حىت أتيا الصخرة فوجدا عبداً من عبادان‪،‬التنكري‬

‫للتفخيم واإلضافة للتعظيم‪،‬وهو اخلضر عليه السالم عند اجلمهور‪،‬وامسه بليا بن ملكان يعصوا‪،‬واخلضر لقب‬

‫له ألنه جلس على فروة بيضاء فاهتزت حتته خضراء(‪،)290‬قال صلى هللا عليه وسلم مسي خضرا ألنه كان‬

‫إذا صلى اخضر ما حوله‪ ،‬مث قال وهو ابن عابر بن شاخل بن أرفخشد بن سام بن نوح‪،‬وكان أبوه ملكا‪،‬وف‬

‫حديث آخر ذكر النب صلى هللا عليه و سلم قصته أنه كان ابن ملك من امللوك‪،‬فأراد أبوه أن يستخلفه من‬

‫فمتع بطول احلياة(‪.)291‬‬


‫بعده‪،‬فأىب وهرب وحلق جبزائر البحر‪،‬فلم يقدر عليه‪،‬قيل إنه شرب من عني احلياة ُ‬

‫روي أن موسى عليه السالم حني انتهى إل الصخرة رأى اخلضر عليه السالم على طنفسة‪،‬أي‬

‫بساط على وجه املاء‪،‬فسلم عليه ‪،‬و عنه أنه قال ‪ :‬انتهي موسى إل اخلضر‪،‬وهو انئم مسجى عليه‬

‫ثوب‪،‬فسلم عليه فاستوى جالسا‪،‬وقال عليك عليك السالم اي نب بن إسرائيل‪،‬فقال موسى من أخبك أن‬

‫العلمية‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪289،‬‬ ‫_أمحد بن حممد بن عجيبة اإلدريسي الشاذل الفاسي‪،‬البحر املديد ف تفسري القراَن اجمليد‪(،‬ن)‪ :‬دار الكتب‬
‫(‪2002‬م)‪.286/3 :‬‬

‫‪290.287-286/3‬‬ ‫_الفاسي‪،‬البحر املديد‪،‬‬


‫_الفاسي‪،‬البحر املديد‪291.287/3 ،‬‬
‫‪87‬‬

‫نب بن إسرائيل؟قال الذي أدراك يب وذلك علي‪"،292‬فوجدا عبداً من عبادان"اجلمهور على أنه اخلضر بفتح‬

‫اخلاء وقد تكسر وكسر الضاد وقد تسكن‪،‬وقيل اليسع‪،‬وقيل الياس‪،‬وقيل ملك من املالئكة وهو قول غريب‬

‫ابطل كما ف شرح مسلم(‪"،)293‬عبدا"للتفخيم واإلضافة ف "عبادان"للتشريف واالختصاص أي عبداً جليل‬

‫الشأن ممن اختص بنا وشرف ابإلضافة إلينا‪"،‬اَتيناه رمحة من عندان"قيل املراد هبا الرزق احلالل والعيش‬

‫الرغد‪،‬وقيل العزلة عن الناس وعدم االحتياج إليهم وقيل طول احلياة مع سالمة البنية‪،‬واجلمهور أنه على أهنا‬

‫الوحي والنبوة وقد أطلقت على ذلك ف مواضع من القراَن(‪"،)294‬فوجدا عبداً من عبادان"‪،‬األكثرون على‬

‫أن ذلك العبد كان نبياً ألنه تعال وصفه بقوله"اَتيناه رمحةً من عندان" والرمحة هي الوحي‬

‫والنبوة(‪"،)295‬فوجدا"عندها‪"،‬عبدا"كامالً العبودية والعرفان‪،‬ألنه"من"خلص"عبادان"وخيارهم‪،‬ألان من وفور‬

‫جودان وإنعامنا عليه"اَتيناه"أعطيناه"رمحة"كشفاً وشهوداً اتماً موهوابً له"من عندان"تفضالً بال عمل له ف‬

‫مقابلتها يقتضي ذلك ومع ذلك "علمناه من لدان"بال وسائل الكسب والتعلم والطب واالستفادة‪،‬بل مبجرد‬

‫توفيقنا وفضلنا إايه امتناانً له وإحساانً عليه"علما"متعلقاً ابلغيوب حيث أخب مبا وقع ويقع وسيقع فلما‬

‫وصال إليه وتشرفا صحبته"قال له موسى"على سبيل االستفادة واالسرتشاد وحسن األدب‪..‬‬

‫"هل أتبعك"أيها املؤيد الكامل املتحقق مبراتب اليقني بتمامها الواصل إل حبر الوحدة اخلائض ف‬

‫جلجها"على أن تعلمن"وتفيدن"مما علمت"من سرائر املغيبات سوابقها ولواحقها"رشدا"أي أرشدتن إليها‬

‫‪292.287/3‬‬ ‫_الفاسي‪،‬البحر املديد‪،‬‬


‫_األلوسي‪،‬روح املعان ف تفسري القران العظيم والسبع املثان‪293.301/16 ،‬‬
‫َ‬
‫_األلوسي‪،‬روح املعان ف تفسري القران العظيم والسبع املثان‪294.302/16 ،‬‬
‫َ‬
‫_النيسابوري‪،‬تفسري غرائب القران‪295.447/16 ،‬‬
‫َ‬
‫‪88‬‬

‫مقدار استعدادي وقدر قابلييت(‪،)296‬قال ايموسى كفى ابلتوراة علماً‪،‬وببن إسرائيل شغالً‪،‬قال موسى ف‬

‫جوابه‪،‬إن هللا أمرن ابالستفادة واالسرتشاد منك فال متنعن‪،‬وبعدما أحل موسى عليه السالم(‪،)297‬قال إنك‬

‫لن تستطيع معي صباً‪،‬قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشداً‪،‬قال إنك لن تستطيع‬

‫معي صباً‪،‬وكيف تصب على ما مل حتط به خبا‪،‬قال ستجدن إن شاءهللا صابراً وال أعصي لك أمرا‪،‬قال فإن‬

‫اتبعتن فال تسئلن عن شيء حىت أحدث لك منه ذكرا(‪،)298‬وف حديث اَخر عنهم جاء ‪،‬قوله جل ذكره‬

‫"وإذ قال موسى لفته ال أبرح حىت أبلغ جممع البحرين أو أمضي حقبا فلما بلغا جممع بينهما نسيا حوهتما‬

‫فاختذ سبيله ف البحر سراب"‪،‬ملا صحت صحبة يوشع مع موسى عليهما السالم استحق اسم الفتوة‪ ،‬ولذا‬

‫قال"وإذ قال موسى لفته"‪،‬وهو اسم كرامة ال اسم عالمة‪،‬جعل دخول السمك املاء عالمة لوجود اخلضر‬

‫هنالك‪ ،‬مث أدخل النسيان عليهما ليكون أبلغ ف االَية وأبعد عن اختيار البشر‪ ،)299(،‬ال أبرح أي ال أنفك‬

‫عن السري واملسافرة أو ال أزال أسري"حىت أبلغ جممع البحرين"‪،‬أي ملتقى العاملني عامل الروح وعامل اجلسم‬

‫ومها العذب واألُجاح ف صورة اإلنسانية و مقام القلب‪"،‬أو أمضي حقبا"أي أسري مدة طويلة‪"،‬فلما بلغا‬

‫جممع بينهما"ف الصورة احلاضرة اجلامعة"نسيا حوهتما"‪،‬وهو احلوت الذي ابتلع ذا النون عليه السالم ابلنوع‬

‫ال ابلشخص ‪ ،‬ألن غداءمها كان قبل الوصول إل هذه الصورة ف اخلارج من ذلك احلوت الذي اَمر بتزوده‬

‫ف السفر وقت العزمية "فاختذ سبيله"ف حبر اجلسد حياً كما كان أوال"سراب"نقباً واسعاً كما قيل بقي طريقه‬

‫‪296.88-87-86/1‬‬ ‫_اجليالن‪،‬تفسري اجليالن‪،‬‬


‫_اجليالن‪،‬تفسري اجليالن‪297.88/1 ،‬‬

‫_الفاسي‪،‬البحر املديد‪298.289/3 ،‬‬

‫_عبدالكرمي بن هوازن بن عبدامللك القشريي‪،‬تفسري القشريي املسمى لطائف اإلشارات‪(،‬ن)‪ :‬دار الكتب العلمية‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪299،‬‬

‫(‪1971‬م)‪ :‬ص ‪.277‬‬


‫‪89‬‬

‫ف البحر منفرجاً مل ينضم عليه البحر‪"،‬ملا جاوزا"مكان مفارقة احلوت(‪،)300‬وألقى على موسى التعب واجلوع‬

‫ومل ينصب ف السفر وال جاع قبل ذلك ‪ ،‬تذكر احلوت واإلغتذاء منه وطلب الغداء من فتاه وإمنا قال"اَتنا‬

‫غداءان"ألن حاله ذلك هناراً ابلنسبة إل ما قبله ف الرحم"لقد لقينا من سفران هذا نصبا"هو نصب‬

‫الوالدة(‪،)301‬وف قول "فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءان لقد لقينا من سفران هذا نصبا"‪،‬كان موسى ف‬

‫هذا السفر متحمالً فقد كان سفر أتديب واحتمال مشقة‪،‬ألنه ذهب الستكثار العلم‪،‬وحال طلب العلم‬

‫حال أتديب ووقت حتمل للمشقة‪،‬و هلذا حلقه اجلوع‪،‬فقال "لقينا من سفران هذا نصبا"‪،‬وحني صام ف مدة‬

‫انتظار مساع الكالم من هللا صب ثالثني يوماً‪،‬ومل يلحقه اجلوع وال املشقة‪،‬ألن ذهابه ف هذا السفر كان إل‬

‫هللا‪ ،‬فكان حمموالً(‪" ،)302‬قال أرءيت إذ أَوينا إل الصخرة فإن نسيت احلوت وما أنسنيه إال الشيطن أن‬

‫أذكره واختذ سبيله ف البحر عجبا قال ذلك ما كنا نبغ فأرتدا على آاثرمها قصصا"‪،‬طال عليهما السفر‬

‫ألهنما احتاجا إل االنصراف إل مكاهنما‪،‬مث قال يوشع "وما أنسنيه إال الشيطن أن اذكره"‪،‬هللا سبحانه‬

‫أدخل عليه النسيان ليكون الص يد من تكلفه مث قال ذلك ما كنا نبغ‪،‬يعن دخول السمك فيه املاء لقيا‬

‫اخلضر‪"،‬فوجدا عبدا من عبادان آتيناه رمحة من عندان وعلمنه من لدان علما"(‪،)303‬وف تفسري اَخر فإن‬

‫نسيت احلوت وما أنسنيه إال الشيطان أن اذكره‪..‬‬

‫أي وما أنسان أن أذكره إال الشيطان على إبدال أن أذكره من الضمري وذلك ألن موسى كان‬

‫راقداً حني اختذ احلوت سبيله ف البحر على ما قيل ‪ ،‬وفىت النفس يقظان فأنسى شيطان الوهم الذي زين‬

‫ص‪300.405‬‬ ‫_حمي الدي بن عريب‪،‬تفسري ابن عريب‪(،‬ن)‪ :‬دار إحياء تراث العريب‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪1968(،‬م)‪:‬‬
‫_بن عريب‪،‬تفسري ابن عريب‪،‬ص‪301.405‬‬

‫_القشريي‪،‬لطائف اإلشارات‪،‬ص‪302.227‬‬

‫_القشريي‪،‬لطائف اإلشارات‪،‬ص‪303.227‬‬
‫‪90‬‬

‫الشجرة الَدم ذكر النفس احلوت ملوسى لكون احلال الذهول والسبيل املتعجب منه هو السبب املذكور‪،‬قال‬

‫ذلك"خلص احلوت واختاذه سبيله الذي كان عليه "ماكنا" نطلبه الن هناك جممع البحرين الذي وعد‬

‫موسى عنده بوجود من هو أعلم منه حيث الرتقي إل الكمال مبتابعة العقل القدسي اليكون إال ف هذا‬

‫املقام(‪"،)304‬فارتدا على آاثرمها قصصا"‪،‬ف الرتقي إل مقام الفطرة األول كما كاان أوال يقصان"قصصا"أي‬

‫يتبعان اَاثرمها عند اهلبوط ف الرتقي إل الكمال حىت وجد العقل القدسي وهو عبد من عباد هللا خمصوص‬

‫مبزية وعناية ورمحة‪"،‬آتيناه رمحة من عندان"(‪"،)305‬فوجدا عبداً من عبادان آتينه رمحة من عندان وعلمنه من‬

‫لدان علماً"‪،‬إذا مسى هللا إنساانً أبنه عبده من مجلة اخلواص‪،‬فإذا قال"عبدي"جعله من خاص اخلواص‪"،‬آتيناه‬

‫رمحةً من عندان"أي صار مرحوماً من قبلنا بتلك الرمحة اليت خصصناه هبا من عندان‪ ،‬فيكون اخلضر بتلك‬

‫الرمحة مرحوماً‪ ،‬ويكون هبا رامحاً على عبادان‪"،‬وعلمنه من لدان علما" قيل العلم من لدن هللا ما يتحصل‬

‫بطريق اإلهلام دون التكلف ابلتطلب‪،‬ويقال ما يعرف به احلق سبحانه اخلواص من عباده ويقال ما يعرف به‬

‫احلق أولياءه فيما فيه صالح عباده‪ ،‬وقيل هو ما ال يعود منه نفع إل صاحبه‪ ،‬بل يكون نفعه لعباده مما فيه‬

‫حق هللا سبحانه ويقال ‪ :‬هو ما ال جيد صاحبه سبيالً إل جحده‪ ،‬وكان دليالً على صحة ما جيده قطعاً‪،‬‬

‫فلو سألته عن برهانه مل جيد عليه دليالً فأقوى العلوم أبعدها من الدليل(‪.)306‬‬

‫قال له موسى " هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشداً"‪ ،‬تلطف ف اخلطاب حيث سلك‬

‫طريق االستئذان مث صرح مبقصوده من الصحبة بقوله على أن تعلمن مما علمت رشداً‪،‬و يقال إن الذي‬

‫ُخص به اخلضر من العلم مل يكن تعلمه من أستاذ وال من شخص‪ ،‬فما مل يكن بتعليم أحد إايه‪ ...‬مىت‬

‫عريب‪،‬ص‪304.405‬‬
‫_بن عريب‪،‬تفسري ابن‬
‫_بن عريب‪،‬تفسري ابن عريب‪،‬ص ص ‪305.406-405‬‬

‫_القشريي‪،‬لطائف اإلشارات‪،‬ص ص ‪306.228-227‬‬


‫‪91‬‬

‫كان يعلمه غريه ؟"قال إنك لن تستطيع معي صبا وكيف تصب على مامل حتط به خبا قال ستجدن إن‬

‫شاءهللا صابرا وال أعصى لك أمرا"‪،‬سؤال بذلك العطف وجواب هبذا العطف(‪،)307‬هل أتبعك ؟ هو ظهور‬

‫إرادة السلوك والرتقي إل الكمال‪"،‬إنك لن تستطيع معي صبا"أي لكونك غري مطلع على األمور الغيبية‬

‫واحلقائق املعنوية لعدم خبتك واحتجاجك ‪،‬فال تطيق مرافقيت وهذا معىن قوله وكيف تصب على مامل حتط‬

‫به خبا قال ستجدن إن شاءهللا صابراً ‪،‬أي لقوة استعدادي وثبايت على الطلب(‪،)308‬قال ستجدن ‪ ،‬وعد‬

‫من نفس موسى بشيئني ‪،‬الصب ‪،‬وأبن ال يعصيه فيما أيمر به‪ ،‬فأما الصب فقرنه ابالستثناء مبشيئة هللا‬

‫فقال"ستجدن إن شاءهللا صابراً" فصب حىت ُوجد صابراً ‪ ،‬فلم يقبض على يدي اخلضر فيما كان منه من‬

‫الفعل‪ ،‬والثان قوله "وال أعصي لك أمرا"أطلقه ومل يقرنه ابالستثناء‪ ،‬فما أحال فيه إل مشيئة هللا مل ُيالف‬

‫فيه‪ ،‬وما أطلقه وقع فيه اخللف(‪،)309‬قال فإن اتبعتن فال تسئلن عن ي‬
‫شيء حىت أحدث لك ذكرا"‪،‬فإنه‬

‫ليس للمريد لشيخه وال التلميذ ألستاذه وال العامي للعامل املفيت أن يقول ال فيما يفيت وحيكم(‪ ،)310‬وملا‬

‫اتصل موسى ابلرجل الصاحل استأذنه ف صحبته ليتعلم منه مالطفة وأدابً وتوضعاً وكذلك ينبغي ملن يريد‬

‫التعلم من املشايخ‪،‬أن يتأدب ويتواضع معهم ‪ ،‬وملا سأله صحبته قال إنك لن تستطيع معي صباً ألنك‬

‫رسول ُكل ف حبفظ ظاهر الشرائع‪،‬وأان أطلعن هللا على أمور خفية‪،‬ال تتمالك أن تصب عنها ملخالفة ظاهرها‬

‫للشريعة‪،‬قال له موسى عليه السالم ستجدن إن شاء هللا صابراً معك‪،‬غري معرتض عليك‪،‬وتوسيط االستثناء‬

‫بني مفعول الوجدان لكمال االعتناء ابلتيمن‪،‬ولئال يتوهم تعلقه ابلصب وال أعصي لك أمرا‪،‬هو داخل ف‬

‫اإلشارات‪،‬ص‪307.228‬‬ ‫_القشريي‪،‬لطائف‬
‫_بن عريب‪،‬تفسري ابن عريب‪،‬ص‪308.406‬‬

‫_القشريي‪،‬لطائف االشارات‪،‬ص‪309.228‬‬

‫_القشريي‪،‬لطائف االشارات‪،‬ص‪310.228‬‬
‫‪92‬‬

‫االستثناء‪،‬أي ستجدن إن شاء هللا صابراً وغري عاص(‪،)311‬فقال فإن اتبعتن فال تسئلن عن شيء تشاهده‬

‫من أفعال‪ ،‬أي ال تفاحتن ابلسؤال عن حكمته فضالً عن مناقشته واعرتاضه‪،‬حىت أحدث لك منه ذكراً‬

‫حىت أبتدي بيانه لك وحكمه‪،‬وفيه إيذان أبن ما يصدر منه له حكمة خفية‪،‬وعاقبة صاحلة‪،‬وهذا من أدب‬

‫املتعلم مع العامل‪،‬والتابع مع املتبوع‪،‬أنه ال يعرتض على شيخه بل يسأل مسرتشداً مبالطفة وأدب‪،‬وهذا ف‬

‫العلم الظاهر(‪،)312‬من خالل التفسري اإلشاري لقصة اخلضر مع موسى عليه السالم استقت الصوفية‬

‫اَداب املريد ‪ ،‬فطريقتهم مبنية على السكوت والتسليم‪،‬انتهى(‪"،)313‬ستجدن إن شاءهللا صابرا"معك غري‬

‫معرتض عليك‪"،‬وال أعصي لك أمرا"عطف على "صابراً"والفعل يعطف على املفرد املشتق(‪.)314‬‬

‫‪311.290/3‬‬ ‫_الفاسي‪،‬البحر املديد‪،‬‬


‫_الفاسي‪،‬البحر املديد‪312.290/3 ،‬‬

‫_الفاسي‪،‬البحر املديد‪313.291/3 ،‬‬

‫_األلوسي‪،‬روح املعان ف تفسري القران العظيم والسبع املثان‪314.314/16 ،‬‬


‫َ‬
‫‪93‬‬

‫‪3.2‬املبحث الثاين‪ :‬رحلة موسى عليه السالم مع الرجل الصاحل وجمريتها‬


‫بعد ما وعد نب هللا موسى عليه السالم الرجل الصاحل أبن ال يسأل عن ي‬
‫شيء إال بعد ما حيدث‬

‫عنه صاحب الفعل والعلم وهو الرجل الصاحل"فال تسالن عن شيء"تشاهده من أفعال فضالً عن املناقشة‬

‫واالعرتاض‪"،‬حىت أحدث لك منه ذكرا"أي حىت أبتدئك ببيانه‪،‬والغاية على ما قيل مضروبة ملا يفهم من‬

‫الكالم كأنه قيل أنكر بقلبك على ما أفعل حىت أبينه لك أو هي لتأييد ترك السؤال فإنه ال ينبغي السؤال‬

‫بعد البيان ابلطريق األول(‪"، )315‬فانطلقا"أي موسى واخلضر عليهما السالم ومل يضم يوشع عليه السالم‬

‫ألنه ف حكم التبع‪،‬وقيل رده موسى عليه السالم إل بن إسرائيل‪،‬وف رواية أن أهل السفينة ظنوا أهنم‬

‫لصوص ألن املكان كان خموفاً فأبوا أن حيملوهم فقال كبريهم إن أرى رجاالً على وجوههم النور‬

‫ألمحلنهم‪،‬فحملهم‪"،‬حىت إذا ركبا السفينة"ال" فيها لتعريف اجلنس إذا مل يتقدم عهد ف سفينة‬

‫خمصوصة‪،‬وكانت على ما ف بعض الرواايت سفينة جديدة وثيقة مل مير هبما من السفن سفينة أحسن منها‬

‫وال أمجل وال أوثق(‪،)316‬فلما حصلوا ف اللجة أخذ اخلضر الفأس فخرق السفينة أبن قلع لوحني من‬

‫ألواحها مما يلي املاء‪،‬وقيل خرق جدار السفينة ليعيبها وال يتسارع الغرق إل أهلها فجعل موسى يسد اخلرق‬

‫بثيابه ويقول‪":‬أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا"‪،‬أتيت شيئا عظيماً‪،‬يقال أمر اإلمر إذا عظم ويقال‬

‫ف الشيء العجيب الذي يعرف له شبيه إنه أمر إمر(‪.)317‬‬

‫‪315.315/16‬‬ ‫_األلوسي‪،‬روح املعان ف تفسري القراَن العظيم والسبع املثان‪،‬‬


‫_األلوسي‪،‬روح املعان ف تفسري القران العظيم‪316.315/16 ،‬‬
‫َ‬
‫_النيسابوري‪،‬تفسري غرائب القران‪317.449/16 ،‬‬
‫َ‬
‫‪94‬‬

‫قال له اخلضر على سبيل التذكري والتشنيع"أمل أقل"لك ايموسى من أول األمر"إنك"ابعتيادك‬

‫بظواهر العلوم"لن تستطيع معي صبا"‪،‬قال موسى معتذراً متذكرا لعهده"التؤاخذن مبا نسيت"أي بنسيان‬

‫وغفليت عن وصيتك وعهدي معك"وال ترهقن"أي ال تغشن وال حتجبن"من أمري"الذي بعثن على‬

‫متابعتك وهو االطالع على سرائر األمور ومغيباهتا"عسرا"أي ال حتجبن عن مطلويب ابملؤاخذة على النسيان‬

‫عسرا يلجئن إل ترك متابعتك فيفوت غرضي ومطلب منك‪،‬وبعدما أحل واقرتح معتذراً قبل اخلضر ابلضرورة‬

‫عذره(‪ ،)318‬وجاء فيها أنه ملا ركبوا الفلك خرقها وكان ذلك إبقاء على صاحبها لئال يرغب ف السفينة‬

‫املخروقة امللك الطامع ف السفن‪،‬وقوله لتغرق أهلها أي لتؤدي عاقبة هذا األمر إل غرق أهلها ألنه علم أنه‬

‫مل يكن قصد إغراق أهل السفينة‪،‬قال أمل اقل لك إنك لن تستطيع معي صبا‪،‬أي انت تنظر إل هذا من‬

‫حيث العلم‪،‬وإان جنزيه من حيث احلكم‪،‬قال التؤاخذن مبا نسيت وال ترهقن من أمري عسرا"طالبه مبا هو‬

‫شرط العلم حيث قال ال تؤاخذن مبا نسيت ألن الناسي ال يدخل حتت التكليف وأيد ذلك مبا قرن به قوله‬

‫وال ترهقن من أمري عسرا‪،‬فاملتمكن من حقه التكليف ومن ال يصح منه الفعل والرتك ال يتوجه والناس من‬

‫مجلتهم(‪")319‬فانطلقا حىت إذا لقيا غالماً"صبيحاً صبياً مل يبلغ احللم يلعب مع الصبيان"فقتله"اخلضر فجأة‬

‫على الفور بال صدور ذنب منه وجرميةأبن أخذ رأسه وضرب إل اجلدار إل أن مات‪،‬فاشتد األمر على‬

‫موسى وامتأل من الغيظ ومل يقدر كظمه‪،‬قال على سبيل التقريع والتوبيخ"أقتلت نفسا زكية"معصومة بريئة‬

‫من مجيع الَثام"بغري"إهالك"نفس" صدر منه قصداً ليكون قتله قصاصاً منه شرعاً‪،‬مع أنه ال والية لك حينئذ‬

‫على قتله وإن صدر عنه القتل عمداً ‪ ،‬وهللا"لقد جئت"إبتيانك هذا"شيئا نكرا"ف غاية النكارة إذ أن قتل‬

‫النفس من أعظم الكبائر سيما النفس املعصومة املنزهة عن مجيع املعاصي‪،‬و خاصة أهنا بال جرم‬

‫_اجليالن‪،‬تفسري اجليالن‪،‬‬
‫‪318.90/1‬‬

‫_القشريي‪،‬لطائف االشارات‪،‬ص‪319.229‬‬
‫‪95‬‬

‫أصالً(‪"،)320‬أقتلت نفسا زكية"طاهرة من الذنوب‪،‬وقرئ بغري ألف مبالغة‪،‬بغري نفس أي بغري قتل نفس‬

‫حمرمة‪،‬فيكون قصاصاً وختصيص نفي هذا القبيح ابلذكر من بني سائر القبيحات من الكفر بعد اإلميان‬

‫والزان بعد إحصان ألنه أقرب إل الوقوع نظراً حلال الغالم‪"،‬لقد جئت شيئا نكرا"أي منكراً قيل أنكر من‬

‫األول إذ ال ميكن تداركه كما ميكن تدارك األول ابلسد وحنوه‪،‬قال له اخلضر عليه السالم‪،‬أمل أقل إنك لن‬

‫تستطيع معي صبا‪،‬زاد "لك"لزايدة أتكيد العتاب على رفض الوصية وقلة التثبت والصب‪،‬ملا تكرر منه‬

‫يرعو ابلتذكري‪،‬حىت زاد ف اإلنكار ف املرة الثانية بذكر لفظة املنكر(‪"،)321‬فانطلقا حىت لقيا‬
‫اإلنكار‪،‬ومل ِّ‬

‫غالما"هو النفس اليت تظهر بصفاهتا فتحجب القلب فتكون أمارة ابلسوء وقتله أبمانة الغضب والشهوة‬

‫( )‬
‫وسائر الصفات"أقتلت نفسا زكية"اعرتاض لتحنن القلب على النفس ‪"، 322‬فانطلقا حىت إذا لقيا غالماً‬

‫فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغري نفس لقد جئت شيئا نكرا"كان خبلق العلم واجباً على موسى عليه السالم‬

‫قصره حيث يرى ف الظاهر ظلماً‪ ،‬ولكن فيما عرف من حال اخلضر من حقه التوقف ريثما يعلم أنه أمل‬

‫مبحظور أو مباح ففي ذلك الوقت كان قلب العادة‪"،‬قال أمل اقل لك إنك لن تستطيع معي صبا"إنك لن‬

‫تستطيع ألنه واقف بشرط العلم‪ ،‬وأما ف حمل الكشف فشرط عليه موسى عليه السالم فقال إن سألتك‬
‫عن ي‬
‫شيء بعدها فال تصحبن قد بلغت من لدن عذرا‪،‬بلغ عصيانه ثالاثً والثالثة اَخر حد القلة وأول حد‬

‫الكثرة فلم جيد املساحمة بعد ذلك(‪.)323‬‬

‫‪320.90/1‬‬ ‫_اجليالن‪،‬تفسري اجليالن‪،‬‬


‫_الفاسي‪،‬البحر املديد‪321.293-292/3 ،‬‬

‫_بن العريب‪،‬تفسري ابن عريب‪،‬ص‪322.407‬‬

‫_القشريي‪،‬لطائف االشارات‪،‬ص‪323.229‬‬
‫‪96‬‬

‫قال موسى عليه السالم‪،‬إن سألتك عن ي‬


‫شيء بعدها بعد هذه املرة فال تصاحبن إن سألت‬

‫صحبتك‪،‬وقيل"فال تصحبن"رابعيا‪،‬أي ال جتعلن صاحبا لك‪،‬قد بلغت من لدن عذراً أي قد أعذرت‬

‫ووجدت من قبلي عذراً ف مفارقيت‪،‬حيث خالفت ثالث مرات‪،‬وعن النب صلى هللا عليه وسلم"يرحم هللا‬

‫أخي موسى‪،‬استحيا‪،‬فقال ذلك‪،‬لو لبث مع صاحبه ألبصر أعجب األعاجيب"‪،‬وف البخاري"وددان لو‬

‫صب موسى‪،‬حىت يقص هللا علينا من أمرمها"(‪"،)324‬فانطلقا حىت إذا أتيا أهل قر يية استطعما أهلها فأبوا أن‬

‫يضيفومها فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لتخذت عليه أجرا"‪،‬كان واجباً ف ملتهم‬

‫على أهل القرية إطعامها‪ ،‬ومل يعلم موسى أنه ال جدوى من اإلنكار عليهم‪،‬ولو كان أغضى الطرف عن‬

‫ذلك منهم لكان أحسن‪ ،‬فلما أقام اخلضر جدارهم ومل يطلب عليه أجراً مل يقل موسى إنك قمت مبحظور‬

‫ولكن قال لو شئت لتخذت عليه أجرا أي إن مل أتخذ بسببك فلو أخذت بسببنا لكان أخذك خرياً لنا من‬

‫ترك ذلك‪ ،‬ولئن وجب حقهم فلم أخللت حبقنا‪ ،‬ويقال إن سفره كان سفر أتديب فرد إل حتمل املشقة‪،‬‬

‫وإال فهو حني سقى لبنات شعيب فإن ما أصابه من التعب وما كان فيه من اجلوع كان أكثر ولكنه كان‬

‫ف ذلك الوقت حمموالً وف هذا الوقت متحمالً فلما قال موسى هذا قال له اخلضر بعد هذا فال صحبة‬

‫بيننا (‪)325‬وف تفسري اَخر‪،‬فانطلقا حىت إذا أتيا أهل قرية‪،‬هي أنطاكية‪،‬وقيل أيلة‪،‬وقيل األبلة‪،‬وهي أبعد‬

‫أرض هللا من السماء‪،‬وقيل برقة‪،‬وقال هي ابألندلس ويذكر أهنا جزيرة اخلضراء‪،‬وهي اليت تسمى اليوم طريفة‬

‫وأصلها ابلظاء املشالة(‪،)326‬ف احلديث أتيا أهل قرية لئاماً"استطعما أهلها"وقيل قرية ف اجلزيرة اخلضراء من‬

‫أرض األندلس‪"،‬استطعما أهلها"وال جيوز استطعامهم أصالً خللو اجلملة عن ضمري املوصوف ‪ ،‬وعلى هذا‬

‫‪324.293/3‬‬ ‫_الفاسي‪،‬البحر املديد‪،‬‬


‫_القشريي‪،‬لطائف االشارات‪،‬ص‪325.230‬‬

‫_الفاسي‪،‬البحر املديد‪326.293/3 ،‬‬


‫‪97‬‬

‫يُفهم من جمموع االَايت أن اخلضر عليه السالم فعل ما فعل ف قرية مذموم أهلها وقد تقدم منهم سوء‬

‫صنيع عن حق الضيف(‪،)327‬فأبوا أن يضيفومها"ابلتشديد‪،‬يقال ضافه إذا كان له ضيفاً وأضاف وضيفه‬

‫أنزله وجعله ضيفاً‪،‬وحقيقة ضاف مال السهم عن اهلدف يضيف ويقال أضافت الشمس للغروب وتضيفت‬

‫إذا مالت‪"،‬فأبوا أن يضيفوها" فأبوا أن يطعمومها مع اقتضاءه ظاهراً "استطعما أهلها"إايه وإمنا عب‬

‫ابستطعما دون استضافا لإلشارة إل أن ُجل قصدمها الطعام دون امليل هبما إل منزل وإبوائهما إل‬

‫حمل(‪"، )328‬وذكر بعضهم‪ ،‬ما ليس ف أبوا أن يطعموها ألن الكرمي قد يرد السائل املستطعم وال يعاب كما‬

‫إذا رد غريباً استضافه بل ال يكاد يرد الضيف إال لئيم(‪")329‬فوجدا"عطف كما قال "أتيا"‪"،‬فيها‬

‫جدارا"‪،‬روى أهنما التجاَ إليه حيث مل جيدا مأوى وكانت ليلتهما ليلة ابردة‪،‬وكان على شارع الطريق"يريد أن‬

‫ينقض"أي يسقط وماضيه انقض على وزن انفعل حنو اجنر والنون زائدة ألنه من قضضته مبعىن كسرته لكن‬

‫ملا كان املنكسر يتساقط قيل االنقضاض السقوط‪،‬واملشهور أنه السقوط بسرعة كانقضاض الكوكب‬

‫والطري(‪"،)330‬يريد أن ي نقض"معناه يسرع سقوطه من انقض الطائر إذا هوى ف طريانه‪،‬وملا سكت عن‬

‫موسى الغضب قالتا أتينا طائعني وملا أقام اخلضر اجلدار ورأى موسى من احلرمان ومس احلاجة‪ ،‬قال‬

‫لصاحبه"لو شئت الختذت عليه أجراً"لطلبت على عملك جعالً حىت نستدفع به الضرورة ‪،‬‬

‫‪،‬واختذ افتعل من ختذ كاتبع من تبع وليس من األخذ على األصح(‪،)331‬قال اخلضر عليه السالم"هذا فراق‬

‫‪327.327-326/16‬‬ ‫_األلوسي‪،‬روح املعان ف تفسري القراَن العظيم‪،‬‬


‫_األلوسي‪،‬روح املعان ف تفسري القران العظيم‪328.329/16 ،‬‬
‫َ‬
‫_األلوسي‪،‬روح املعان ف تفسري القران العظيم‪329.329/16 ،‬‬
‫َ‬
‫_األلوسي‪،‬روح املعان ف تفسري القران العظيم‪330.329/16 ،‬‬
‫َ‬
‫_النيسابوري‪،‬تفسري غرائب القران‪331.451/16 ،‬‬
‫َ‬
‫‪98‬‬

‫بين وبينك"على إضافة املصدر إل الظرف اتساعاً وأين احلاجب جيعل اإلضافة ف مثله على معىن ف وقد‬

‫تقدم ما ينفعك هنا فتذكر‪"،‬سأنبئك"وقرأ ابن أيب واثب"سانبيك"إبخالص الياء من غري مهز‪،‬والسني‬

‫للتأكيد لعدم تراخي اإلنباء أي أخبك البتة"بتأويل مامل تستطع عليه صباً"والظاهر هذا مل يكن عن طلب‬

‫من موسى عليه الس الم‪،‬وقيل إنه ملا عزم اخلضر على فراقه أخذ بثيابه وقال ال أفارق حىت ختبن مبا أابح‬

‫لك فعل ما فعلت ودعاك إليه فقال"سأنبئك"والتأويل رد الشيء إل ماَله‪،‬واملراد به هنا املاَل والعاقبة إذ هو‬

‫املنبأ به دون التأويل ابملعىن املذكور(‪"،)332‬أما السفينة"اليت خرقها‪"،‬فكانت ملساكني"لضعفاء اليقدرون على‬

‫مدافعة الظلمة مجع مسكني بكسر امليم وفتحها وجبمع على مساكني ومسكينون وهو الضعيف‬

‫العاجز‪"،‬يعملون ف البحر"أي يعملون هبا فيه ويتعيشون مبا حيصل هلم(‪"،)333‬فأردت أن أعيبها"أي أجعلها‬

‫ذات عيب ابخلرق ومل أرد إغراق من هبا كما حسبت واإلرادة هذا معىن جيء ابإلرادة ومل يقل‬

‫فأعبتها‪"،‬وكان وراءهم ملك"أي أمامهم‪"،‬أيخذ كل سفينة"أي صاحلة وقد قرأ كذلك أيب بن كعب‪،‬ولو أبقي‬

‫العموم على ظاهرة مل يكن للتعيب فائدة"غصبا" من أصحاهبا‪،‬وانتصابه على أنه مصدر مبني لنوع‬

‫األخذ‪"،‬فأردت"للتفريع فيفيد أن سبب إرادة التعييب كوهنا لقوم مساكني عجزة لكن ملا كانت مناسبة هذا‬

‫السبب للمسبب خفية بني ذلك بذكر عادة امللك ف غصب السفن(‪"،)334‬وأما الغالم"الذي قتله على‬

‫الفور‪..‬‬

‫فهو غالم قد جبله هللا على الكفر والعصيان وأنواع الشرك والطغيان‪"،‬فكان أبواه مؤمنني"موحدين‬

‫مسلمني‪"،‬فخشينا"عليهما من سوء فعاله وقبح حاله‪"،‬أن يرهقهما"ويغشيهما ويغطيهما‪"،‬طغياان وكفرا"من‬

‫‪332.332-331/16‬‬ ‫_األلوسي‪،‬روح املعان ف تفسري القراَن العظيم‪،‬‬


‫_األلوسي‪،‬روح املعان ف تفسري القران العظيم‪333.332/16 ،‬‬
‫َ‬
‫_األلوسي‪،‬روح املعان ف تفسري القران العظيم‪334.333/16 ،‬‬
‫َ‬
‫‪99‬‬

‫غاية حبهما له وحتننهما إايه"فأردان"وأحببنا بقتله وهالكه"أن يبدهلما"يرزقهما ويهب هلما"رهبما"الذي رابمها‬

‫بنعمة التوحيد واإلميان وكرامة العصمة والعفاف ولداً"خريا منه زكاة"أي طهارة مطهرة عن خبائث الكفر‬

‫واالَاثم متصفة جببلة اإلميان واإلسالم"وأقرب رمحا"مرحة وعطفاً وبرا على الوالدين ولطفا‪"،)335(،‬وأما‬

‫اجلدار"الذي أردت إقامته‪،‬وقصدت تعمريه إبهلام هللا ووحيه"فكان لغالمني يتيمني ف املدينة"ومل يبلغا‬

‫احللم‪"،‬وكان حتته كنز هلما"مدفون خمزون من ذهب وفضة"وكان أبومها"رجالً"صاحلا"موحداً مسلماً‪،‬متوجها‬

‫حنو احلق دائما‪"،‬فأراد ربك"اي موسى من كمال لطفه وعطفه لليتيمني ورعاية لألب الصاحل"أن يبلغا‬

‫أشدمها"ويدخال رشدمها وُيرجا عن اليتم‪،‬إذ ال يتم بعد البلوغ‪،‬ويصريا صاحب رأي رزين وفكر بني"و"بعد‬

‫ذلك "يستخرجا كنزمها"وإمنا أمرن هللا سبحانه إبقامة اجلدار وإحكام املخزن"رمحة"وعطفا"من ربك"اي‬

‫موسى شاملة إايمها تتميما لرتبيتهما وتقويتهما(‪،)336‬و يقال قال اخلضر إنك نب وإمنا أؤاخذك مبا قلت‪،‬‬

‫فأنت شرطت هذا الشرط‪،‬و قلت إن سألتك عن شيء بعدها فال تصاحبن‪،‬وإمنا أعاملك بقولك و يقال‬

‫ملا مل يصب موسى معه ف ترك السؤال مل يصب اخلضر أيضاً معه ف إدامة الصحبة فاختار الفراق‪،‬ويقال‬

‫مادام موسى سأله ألجل الغري ف أمر السفينة اليت كانت للمساكني و قتل النفس بغري حق مل يفارقه اخلضر‬

‫فلما صار ف الثالثة إل القول فيما كان فيه حظ لنفسه من طلب الطعام ابتلي ابلفرقة‪"،‬هذا فراق بين‬

‫وبينك"‪..‬‬

‫ويقال كما أن موسى كان حيب صحبة اخلضر ملا له ف ذلك من غرض االستزادة من العلم فإن‬

‫اخلضر كان حيب ترك صحبة موسى عليه السالم إيثاراً للخلوة ابهلل عن املخلوقني‪،‬ملا فارق اخلضر موسى مل‬

‫‪335.92/1‬‬ ‫_اجليالن‪،‬تفسري اجليالن‪،‬‬


‫_اجليالن‪،‬تفسري اجليالن‪336.93/1 ،‬‬
‫‪100‬‬

‫يرد أن يبقى ف قلب موسى شبه اعرتاض فأزال عن قلبه ذلك مبا أوضح له من احلال‪،‬وكشف له أن السر‬

‫ف قصده من خرق السفينة سالمتها و بقاؤها ألهلها حيث لن يطمع فيها امللك الغاصب‪ ،‬فبقاء السفينة‬

‫ألهلها وهي معيبة كان خرياً هلم من سالمتها وهي مغصوبة‪،‬وبني له أن قتل الغالم سبق به العلم مضى من‬

‫هللا احلكم أن ف بقائه فتنة لوالديه وف إبدال اخللف عنه سعادة هلما‪،‬أما تسوية اجلدار فالستبقاء كنز‬

‫الغالمني وترك طلب الرفق من اخللق(‪")337‬و"ابجلملة‪"،‬ما فعلته"وأنكرت عليه واعرتضت وتعرضت عليه‬

‫ليس صادراً‪"،‬عن أمري"ورأي انشئاً عن تدبر عقلي وفكري‪،‬بل مما أهلمن هللا به وهدان عليه وأمرن‬

‫بفعله‪،‬فأان مأمور واملأمور معذور"ذلك"املذكور على التفصيل"أتويل مامل تستط"ومل تطق‪"،‬عليه صبا"حىت‬

‫ظهر لك سره(‪ ...)338‬وهنا جند دروس وعب مستفادة ف هذا القصة و منها ‪:‬‬

‫‪ -‬احلرص على طلب العلم واالستزادة منه والرحلة إليه‪ ،‬وحتمل املشاق والصعاب ف سبيل حتصيله‪،‬‬

‫والسعي للقاء العلماء‪ ،‬وجمالستهم ابحرتام وأدب‪.‬‬

‫‪ -‬احلرص على عدم نسبة األمور املكروهة كالنسيان إل هللا تعال تنزيهاً له وأتدابً معه‪ ،‬حىت وإن كان‬

‫ُمقدراً منه‪ ،‬وضبط النفس على تَقبيل عذر الناسي جت يمالً ابألخالق العالية ال سيما أن النسيان قد ورد ف‬

‫حق األنبياء عليهم السالم‪.‬‬

‫‪ -‬احلرص على تقدمي مشيئة هللا تعال على كل ما ينوي العبد القيام به بقول "إن شاء هللا"‪.‬‬

‫‪ -‬مشروعية اإلفصاح عن التعب والشعور ابألمل واملرض وحنومها على أال يُرافق ذلك ما فيه تس يخط وعدم‬

‫رضا ابلقضاء والقدر‪.‬‬


‫االشارات‪،‬ص‪337.231‬‬ ‫_القشريي‪،‬لطائف‬
‫_اجليالن‪،‬تفسري اجليالن‪338.93/1 ،‬‬
‫‪101‬‬

‫‪ -‬مشروعية طلب الضيافة والطعام حال احلاجة وال مذمة ف ذلك‪ ،‬واحلرص على عدم ترك فعل اخلري‬

‫واإلحسان ف حق َمن اتصف ابلبخل و اللئم ف التعامل‪.‬‬

‫‪ -‬مشروعية إحلاق الضرر و العيب مبال الغري إن كان خياراً لِّتفويت ما هو أشد منه ضرراً‪.‬‬

‫‪ -‬مشروعية التزود ابلطعام والشراب حال السفر حيث أن ذلك ال يتصادم مع عقيدة التوكل‪.‬‬

‫‪ -‬تواضع التلميذ لِّمعلمه حال كونه أكثر أو أقل مرتبة منه‪ ،‬وإفصاح املعلم لِّتلميذه حال امتناعه عن‬

‫تعليمه ما ُُيشى عليه ف عدم حتمله‪.‬‬

‫‪ -‬سعي العبد إل كل ما فيه مرضاة هللا من طلب علم وحنوه‪ ،‬كما ويُؤمن لنفسه اإلعانة والقوة؛ فال َحيل‬

‫عليه التعب واإلعياء سريعاً‪.‬‬

‫‪ -‬توجه املسكني إل عمل معني أو امتالكه شيئاً يكسب منه رزقه الذي ال يكفي لسد احتياجاته ال‬

‫ُُيرجه من دائرة املسكنة‪.‬‬

‫‪ -‬اجلرأة ف قول احلق وإنكار املنكر كما فعل موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬إبنكار أفعال اخلضر ظناً منه أهنا‬

‫منكرة ‪.‬‬

‫‪ -‬قصة سيدان موسى مل تُذ َكر ف القرآن الكرمي فحسب‪ ،‬إمنا ف األحاديث النبوية الصحيحة اليت احتوت‬

‫على تفاصيل مل يذكرها القرآن الكرمي ‪.‬‬

‫‪ -‬ارتكاب املرء جرماً معيناً ف حق َمن أحسن إليه جيعل جرمه أكثر سوءاً‪.‬‬

‫‪ -‬جواز حفظ املال وتوفريه ف حق املسلم بشرط عدم التساهل ف إخراج زكاته‪.‬‬
‫‪102‬‬

‫‪ .3.3‬املبحث الثالث‪ :‬املقارنة بني التفسيين‬

‫حيظى منهج التفسري العقلي الذي عرف بتعريفات كثرية‪ ،‬مبنزلة خاصة بني مناهج التفسري‪،‬فقد‬

‫يطلق عليه ف بعض األحيان منهج التفسري االجتهادي‪،‬وقد يذكر كأحد أقسام منهج التفسري ابلرأي‪،‬وقد‬

‫ينظر إليه بنظرة مساوية لالجتاه الفلسفي ف التفسري‪،‬ومل يتعرض هذا املنهج للدراسة والتحليل إال‬

‫اندراً(‪"، )339‬إن أصل مادة العقل هي تشخيص الصالح والفساد ف احلياة املادية واملعنوية‪،‬ومن لوازم العقل‬

‫اإلمساك‪،‬التدبر‪،‬حسن الفهم‪،‬اإلدراك واالنزجار‪،‬معرفة األشياء اليت تكون موضع حاجة ف احلياة واليت تقع‬

‫حتت برانمج احلق والعدل وحفظ النفس عن اهلوى واحملرمات(‪،)340‬ففي التفسري العقلي أو تفسري الدراية‬

‫فأحياانً يكون املقصود من العقل‪ ،‬العقل الفطري‪،‬أو قوة الفكر واإلدراك والتعقل‪،‬وهذا ف املوارد اليت يكون‬

‫فيها التفسري العقلي واالجتهادي (الدراية)‪،‬االكتسايب‪،‬أو مدركات العقل اليت يستفاد منها(‪،)341‬وف هذا‬

‫املنهج نشري إل أبرز املفسرين الذي اخرتته لكتابة هذه القصة اليت وقعت بني نب هللا موسى عليه السالم‬

‫والرجل الصاحل‪،‬ولو الحظنا الكلمات املستخدمة واآلراء املتنوعة ف تفسري اجلاللني‪،‬لرأيناه تفسرياً شامالً كل‬

‫النواحي اللغوية واملعنوية هلذه القصة‪ ،‬وقد مجع مؤلفه العالمة جالل الدين احمللي الشافعي‪،‬املتوف سنة‬

‫بني رأيه واخذ آبراء غريه املختلفة من علماء عصره ‪.‬‬


‫(‪864‬ه)‪،‬كل ما ُيص تفسري هذه القصة مث َ‬
‫ومن اجلدير ابلذكر هنا اإلشارة إل التفسري اآلخر‪ ،‬تفسري اإلمام النسفي(عبدهللا بن امحد بن حممد )‪،‬فقد‬

‫رأيت تفسريه ما مل يوجد ف غريه من التفاسري األخرى ‪ ،‬ففيه أكثر من مخسة أو ستة أنواع من الشروح‬

‫والنماذج والدالئل العقلية املنطقية لفهم القارئ‪ ،‬فهو تفسري دقيق أتى بتفسري آخر وأوغل ف داخل‬

‫‪339.150-149‬‬ ‫_حممد علي الرضائي األصفهان‪،‬مناهج التفسري واجتاهاته‪(،‬ن)‪ :‬مكتبة قريش‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪2008(،‬م)‪:‬ص ص‬


‫_حسن مصطفوي‪،‬التحقيق ف كلمات القران الكرمي‪(،‬ن)‪ :‬مركز ااثر العالمة املصطفوي‪،‬القاهرة‪-‬مصر‪1995(،‬م)‪:‬ص‪340.28‬‬
‫َ‬
‫_حممد علي أايزي‪،‬املفسرون حياهتم ومنهجهم‪(،‬ن)‪ :‬وزارة الثقافة واالرشاد اإلسالمي‪،‬القاهرة‪-‬مصر‪1996(،‬م)‪:‬ص‪341.40‬‬
‫‪103‬‬

‫الكلمات واآلايت‪ ،‬جاء لكل تفسري جاء بتفسري غريه‪ ،‬وهذا هو التفسري العقالن االجتهادي ف تفسري‬

‫القرآن العظيم‪،‬وعلى هذا النحو ألف العالمة الشيخ ابن عادل الدمشقي احلنبلي تفسريه كتاب اللباب ف‬

‫علوم الكتاب‪ .‬إذاً نستطيع القول أن التفسري االجتهادي أو التفسري ابلدراية هو التفسري الشامل لكلمات‬

‫القرآن على مستوى استعاب الذهن اإلنسان‪،‬وهللا هو العامل بغيب السموات‪،‬و من هنا نقول أن"التفسري‬

‫العقلي‪،‬هو ما يقابل التفسري النقلي‪،‬وهو يعتمد على الفهم العميق واملركز‪،‬ملعان األلفاظ القرآنية اليت تنتظم‬

‫ف سلكها تلك األلفاظ‪،‬وفهم دالالهتا‪،‬وقد مسى العلماء التفسري العقلي التفسري ابلرأي"(‪"،)342‬إن من‬

‫أشهر املناهج واملبان التفسريية اليت كان يعمل هبا دائماً بني علماء املسلمني ومفسري القرآن طيلة القرون‬

‫اإلسالمية هو التفسري االجتهادي‪ ،‬أي تفسري الدراية"(‪،)343‬وهذا املنهج التفسريي عبارة عن االستفادة من‬

‫الباهني والقرائن العقلية لبيان مفاهيم ومقاصد اآلايت‪ ،‬وف هذه الصورة يصبح العقل منبعاً وأداة لتفسري‬

‫القرآن‪،‬التفسري ابلدراية هو االستفادة من قوة الفكر ف جتميع اآلايت‪،‬مع االستعانة ابلرواايت‬

‫واللغة‪،‬واالستنباط منها لتوضيح مفاهيم ومقاصد االَايت‪،‬وف هذه الصورة يكون العقل دليالً وكاشفاً ‪ ،‬وقد‬

‫اهتم القرآن الكرمي كثرياً بدعوة الناس إل التعقل والتفكر ف اَايته‪،‬بل إنه ذم الذين ال يتدبرون القرآن‪،‬ولو مل‬

‫يكن للعقل اعتبار ومنزلة عند هللا سبحانه‪،‬فإن هذا اخلطاب سيصبح حينئذ عدمي الفائدة و بال معىن وما‬

‫نتيجة التدبر والتفكر ف آايت هللا(‪،)344‬إال التفسري العقلي واالجتهادي (تفسري ابلدراية)(‪.)345‬‬

‫النفائس‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪1986(،‬م)‪:‬ص‪342.167‬‬ ‫_خالد عبدالرمحن العك‪،‬أصول التفسري وقواعده‪(،‬ن)‪ :‬دار‬


‫_عباس علي عميد زجنان‪،‬مبان تفسري قران‪(،‬ن)‪ :‬وزارة الثقافة واالرشاد اإلسالمي‪،‬القاهرة‪-‬مصر ‪1986(،‬م)‪:‬ص‪343.331‬‬
‫َ‬
‫_األصفهان‪،‬مناهج التفسري واجتاهاته‪،‬ص ص ‪344.168-167‬‬

‫_األصفهان‪،‬مناهج التفسري واجتاهاته‪،‬ص‪345.168‬‬


‫‪104‬‬

‫إن احلوار وسيلة اتصال بني طرفني أو أكثر‪،‬وهو من وسائل االتصال الفعالة‪،‬وهذا قد بينته لنا تفاسري‬

‫الدراية والعقل ف هذا اجلانب‪،‬حيث يتعاون املتحاورون على معرفة احلقيقة والتوصل إليها‪،‬ليكشف كل‬

‫طرف منهم ما خفي على صاحبه منها‪،‬والسري بطريق االستدالل الصحيح للوصول إل احلق(‪،)346‬وتوجد‬

‫فوائد كثرية و مهمة عند التفسري ابلدراية أو التفسري العقلي‪ ،‬وهذا ينطبق على اجملال التعليمي الواسع‪،‬سواء‬

‫بطريقة تعليمية مباشرة أو بطريقة حتصيلية‪،‬فهو يتيح جماال لكل من املعلم واملتعلم أن يفهم اجتاهات اآلخر‬

‫وميوله ومتطلباته كما أنه يظهر قدراته وإمكاانته وعلى ضوء ذلك يسري املعلم واملتعلم على حد سواء على‬

‫خط واضح ومنهج سديد(‪ . )347‬وقد برز احلوار ف تفسري الدراية هلذه القصة بشكل واضح بل كان ركيزة‬

‫أساسية وجانباً حيوايً ف بناء القصة وسري أحداثها‪ ،‬وقد كان له األثر الطبيعي ف رسم الشخصية ووضوحها‬

‫وجتسيد املشاعر والعواطف واألحاسيس‪،‬وقد أسهم التفسري االجتهادي (التفسري ابلدراية) ف تطوير احلدث‬

‫والقصص ف القرآن الكرمي ودفعه إل مواقف عدة وجديدة ف خط سري القصة إل أن تصل إل‬

‫النهاية‪،‬وذلك بعد أن يعمق احلدث ف نفس املتلقي‪،‬ويرسم املواقف وما تنطوي عليه النفس اإلنسانية من‬

‫أتثر وانفعال‪،‬وللتفسري آداب حيسن مراعاهتا لتحقيق النتائج العقلية والرتبوية املقصودة(‪.)348‬‬

‫إن الواجب على املتعلم إظهار التواضع أبقصى الغاايت‪ ،‬وأما املعلم فإن رأى أن ف التغليظ على املتعلم ما‬

‫يفيده نفعه إرشاداً إل اخلري‪ ،‬فالواجب ذكره‪ ،‬فإن السكوت عنه يوقع املتعلم ف الغرور و مينعه من‬

‫التعلم‪،‬وهذا ما بينه لنا التفسري االجتهادي(‪،)349‬أما التفسري اإلشاري ويسمى أيضاً التفسري الصوف‪ ،‬فمن‬

‫‪346.358/3‬‬ ‫_أمحد فائز احلمصي‪،‬قصص الرمحن ف ظالل القراَن‪(،‬ن)‪ :‬مؤسسة الرسالة‪،‬القاهرة‪-‬مصر‪1995(،‬م)‪:‬‬


‫_احلمصي‪،‬قصص الرمحن ف ظالل القران‪347.358/3 ،‬‬
‫َ‬
‫_احلمصي‪،‬قصص الرمحن ف ظالل القران‪348.358/3 ،‬‬
‫َ‬
‫_الرازي‪،‬التفسري الكبري‪،‬ص‪349.485‬‬
‫‪105‬‬

‫أهم من اتبع هذا املنهج‪ ،‬ومن أهم التفاسري اإلشارية أذكر كتاب البحر املديد ف تفسري القرآن‬

‫اجمليد‪،‬للعالمة الشيخ أمحد بن عجيبة الشاذل‪،‬ففي تفسريه للقرآن الكرمي يوضح لنا اجلانب اللغوي من‬

‫إعراب وغريه‪ ،‬أكثر من كونه قصصياً و حوارايً ف قصة الرجل الصاحل مع نب هللا موسى عليه الصالة‬

‫والسالم‪،‬وف مصدر آخر وهو تفسري اجليالن للشيخ الفاضل عبدالقادر اجليالن نرى أن اهتمامه ابلتفسري‬

‫ا هتمام موضوعي‪ ،‬أكثر من كونه اهتمام ابلتفسري‪،‬عكس ما أتى به العلماء املفسرون ف منهج الدراية‬

‫لتفسري القرآن الكرمي‪،‬واملقصود أن تفسري اجليالن الذي ورد ف هذه القصة كان جمرد كلمات مبنية على‬

‫معان ذات صلة ابملوضوع‪،‬ومن انحية أخرى ف كتاب الشيخ العالمة النيسابوري رأيت أن هذا التفسري‬

‫مأخوذ من النوع الذي فيه اجلانب املعنوي ف تفسري القرآن الكرمي‪،‬وأتى به كقصاص موضوع تلو آخر‪،‬وف‬

‫تفسري كل مجلة أ تى بتفسري املوضوع الذي سبقه و املوضوع الذي يكمل به اجلملة‪،‬وهذ أدى ال فهم‬

‫املواضيع أبدق صورة‪ ،‬وأسهل بكثري مما جيعل القارئ والطالب لعلم القرآن أكثر نشاطاً من الناحية‬

‫الذهنية‪،‬وجاء ف هذا التفسري أيضاً ابألحاديث النبوية كدليل أوسع و بيان أكثر للمتعلم والقارئ‪،‬وال أرى‬
‫ي‬
‫بكاف‬ ‫فرقاً كبرياً بني هذا التفسري و التفاسري االجتهادية اليت سبق وذكرت بعض منها‪،‬ولكن هذا ليس‬

‫لبيان الصورة املطلوبة من اجلانب التفسريي‪..‬‬

‫هلذا نستطيع أن نطلق على هذا التفسري اإلشاري أو التفسري الصوف‪،‬و ومن هذا القسم أيضاً ‪،‬‬

‫ومن أصحابه العالمة شهاب الدين السيد حممود األلوسي البغدادي صاحب كتاب روح املعان ف تفسري‬

‫القرآن العظيم والسبع املثان‪ ،‬ففي هذا التفسري جند أن ااملؤلف رمحه هللا قد خاض ف مجيع املواضيع ‪،‬‬

‫وأكثر من ذكر الرواايت فيه‪ ،‬حىت يصعب على القارئ أن يتبني املعىن املقصود من اآلية ‪ ،‬ففي نظري‬

‫علي الوصول إل املعىن املطلوب ف هذا التفسري ‪ ،‬والسبب ف ذلك أن‬


‫كطالب علم مبتدأ ‪،‬يصعب َّ‬
‫‪106‬‬

‫صاحب الكتاب‪ ،‬ذكر كل الدالئل والقصص املرتبطة ابآلايت واألشخاص فيها‪ ،‬وذكر أكثر من دليل على‬

‫كل آية فسرها ‪ ،‬وهذا يوضح الفرق بني تفاسري اإلشارة والدراية ف هذا املوضوع‪ ،‬وعليه نستطيع القول‪:‬‬

‫إن التفسري ابلدراية او التفسري اإلجتهادي قد حكى موضوع احلوار والقصة بني موسى عليه السالم والرجل‬

‫الصاحل بش كل واضح وجلي وجييب عما قد يسأل عنه القارئ‪،‬و أتى ببيان األساليب و نوعية احلوار‬

‫والغرض منه و سبب فراقهما وما إل ذلك بشكل مرتب و مفصل‪،‬أما التفسري اإلشاري أو التفسري الصوف‬

‫فقد بني لنا الشكل اإلعرايب و اللغوي أكثر من بيانه ف جمال التفسري املأخوذ عن طريق العقل واحلوار‬

‫والدالئل عليها ابألحاديث املسندة املتصلة اإلسناد إل الرسول صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫لقد عرف التفسري بعدة تعاريف‪ ،‬ولعل أمشلها وأسلمها من املؤاخذات تعريف اخلوئي(‪،)350‬قال عن‬

‫التفسري"التفسري هو إيضاح مراد هللا تعال من كتابه العزيز"(‪.)351‬‬

‫وتوجد تفاسري فيها ال عالقة هلا بتفسري القرآن الكرمي و آايته‪،‬وإمنا هي عبارة عن جمرد كلمات‬

‫مأخوذة لبيان املفردات دون التفات للمعان اللغوية واملقصود منها‪،‬من ذلك ما ورد ف قوله تعال‪" :‬لرتكنب‬

‫طبقاً على طبق"فسر بعضهم ذلك أبن االنسان سريكب طبقاً عن طبق أي سينتقل من مساء إل‬

‫( )‬
‫مساء ‪، 352‬و منهم من اهتم بدراسة هذا املوضوع‪،‬كاإلمام حممد بن جرير الطبي الذي كان عارفاً‬

‫ابلقراءات وبصرياً ابملعان وفقيهاً أبحكام القرآن وعارفاً ابلسنة‪،‬فهو من األئمة اجملتهدين لذا مل يقلد‬

‫_حممد حسني الصغري‪،‬املباديء العامة لتفسري القراَن الكرمي‪(،‬ن)‪ :‬دار املؤرخ‬


‫العريب‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪2000(،‬م)‪:‬ص‪350.180‬‬

‫_أبو القاسم اخلوئي‪،‬البيان ف تفسري القران‪(،‬ن)‪ :‬دار انوار اهلدى‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪1981(،‬م)‪ :‬ص‪351.421‬‬


‫َ‬
‫_عدانن شريف‪،‬الثوابت العلمية ف القران الكرمي‪(،‬ن)‪ :‬دار العلم للمالين‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪1999(،‬م)‪:‬ص‪352.19‬‬
‫َ‬
‫‪107‬‬

‫أحداً(‪،)353‬وهو صاحب "التاريخ الشهري"‪،‬والتفسري الكبري"جامع البيان"‪)354(،‬ومها من أمهات مصادر‬

‫املؤرخني واملفسرين(‪، )355‬تناول ف تفسريه أقوال السلف ابألسانيد فأصبح بذلك موضع ثقة واطمئنان‬

‫العلماء‪،‬وقد احتوى هذا التفسري على احلديث واألثر والتفسري والقراءات واللغة والنحو والشعر‬

‫والفقه(‪.)356‬‬

‫إن الرأي السديد والعقل املتزن صفة أساسية ف أي شخص يقوم هبذه العمل ‪ ،‬فعلى املفسر أن يزن‬

‫النصوص مبيزان عقله الذي استفاد من جتارب احلياة العملية (‪،)357‬كما البد من اتصاف املفسر مبجموعة‬

‫من القدرات والكفاءات الذهنية والعقلية‪،‬وذلك ألن التفسري حيتاج إل التفكري والتحليل واالستنتاج واملوازنة‬

‫مث التقدير والتدبري والتقرير والوصول إل املواقف والقرارات إل وإيصاهلا إل الناس وإقناعهم هبا عن طريق‬

‫الدالئل القرآنية والسنن النبوية‪ ،‬والتأثري فيهم حىت ينشطوا ف تنفيذ أمر هللا سبحانه وتعال‪،‬هلذا فإن القرآن‬

‫الكرمي يشمل جمموعة من الصفات الضرورية اليت جيب ان نقف عليها‪،‬و من املطلوب من املفسر االبتعاد‬

‫عن الشهوة واهلوى والعصبية‪،‬واالبتعاد عن مشاورة أصحاب املعاصي‪،‬والسائرين وراء غرائزهم ونزواهتم‪،‬وإمنا‬

‫يشاور أهل العلم ف كل اختصاص ليتوصل إل الرأي السديد وإل احلكم الذي نص عليه شرع هللا ف كتابه‬

‫العظيم‪ ،‬وأال يتبىن أي رأ يي خمالف للشرع حىت لو كان حيقق له مصلحة دنيوية زائلة(‪،)358‬ويتبىن من االَراء‬

‫الصدوق‪،‬القاهرة‪-‬مصر‪2007(،‬م)‪:‬ص‪353.53‬‬ ‫_فارس علي العامر‪،‬دروس ف التفاسري ومناهج املفسرين‪(،‬ن)‪ :‬مكتبة‬


‫_أمحد بن حممد أيب بكر ابن خلكان‪،‬وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان‪(،‬ن)‪ :‬دار صادر‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪1972(،‬م)‪354.191/4 :‬‬

‫_ خريالدين بن حممود بن علي بن فارس الزركلي‪،‬األعالم‪(،‬ن)‪ :‬دار العلم للماليني‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪2002(،‬م)‪355.69/6 :‬‬

‫_حممد حسني الذهب‪،‬التفسري واملفسرون‪(،‬ن)‪:‬دار إحياء تراث العريب‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪1976(،‬م)‪:‬ص‪356.112‬‬

‫_أبو بكر حممد بن احلسن األزدي‪،‬مجهرة اللغة‪(،‬ن)‪ :‬دار العلم للمالين‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪1987( ،‬م)‪:‬ص‪357.91‬‬

‫_أبو احلسن بن أيب علي بن حممد الثعلب‪،‬اإلحكام ف أصول األحكام‪(،‬ن)‪ :‬املكتب اإلسالمي‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪1999(،‬م)‪:‬ص‪358.211‬‬
‫‪108‬‬

‫ما حيقق املصاحل الدنيوية خصوصاً إذا كانت طريقاً ملصلحة أخروية‪،‬ففي حال غضبه ورضاه وصحته ومرضه‬

‫وفقره و غناه وضعفه وقوته ف مجيع أحواله يبقى متبعاً للصواب ف كل ما أمر به هللا سبحان وتعال ‪.‬‬

‫فعقله متزن ويسري خبطى دقيقة حمسوبة ال مييل وال ينحرف وإمنا يوازن األمور الدائرة بني املصلحة‬

‫واملفسدة فيقدم املصلحة‪ ،‬و يوازن بني أكب املعقولني فيقدم أكبمها(‪،)359‬إن املفسر حيتاج إل خماطبة‬

‫املفسرين اآلخرين ‪ ،‬وهذا اخلطاب البد أن يكون متصفاً أبلفاظ حسنة و سهلة على آذان املتعلم‪،‬والغرض‬

‫استبيان احلقائق ف القصص القرأنية أكثر مما يتصوره بعض الفقهاء والعلماء(‪،)360‬وهذا يؤدي إل عدم‬

‫التنافر بني كلماته وال حاجة لسماع معان الكلمات بشكل قواعدي‪،‬وإمنا يفهمها من أول ما يسمعها مما‬

‫جيعل هؤالء املفسرين قادرين على عرض ما عندهم بسهولة أكثر ووضوح اتم(‪.)361‬‬

‫ومن اجلدير ابلذكر هنا أيضأ القول ان العامل واملفسر جيب أن ميتلك القدرة العلمية عند احلديث‬

‫عن كل ما ُيص اجملال الدين و عرض أفكاره ومواقفه بوضوح ودون عناء‪،‬فيؤثر ف نفوس املستمعني له‬

‫عموماً وأتباعه خصوصاً حىت يصل إل إقناعهم بوجهة نظره وموقفه(‪،)362‬ومن شروط املفسر أن يبلغ من‬

‫بيانه‪ ،‬و ميدح كل ماجاء فيه من كلمات مباركة ف كتاب هللا عز وجل فيصدق فيه‪،‬حىت يصرف القلوب‬

‫إل تفسريه وقوله(‪،)363‬إن تفسري الصوفية املسمى ابلتفسري اإلشاري ال مينع إرادة الظاهر بل حيض عليه فال‬

‫بد منه أوالً‪ ،‬إذ من ادعى فهم أسرار القرآن ومل حيكم الظاهر كمن ادعى بلوغ سطح البيت قبل أن جياوز‬

‫الفكر‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪(،‬د‪.‬ت)‪:‬ص‪359.74‬‬‫_إمساعيل حقي بن مصطفى اإلستانبول‪،‬روح البيان‪(،‬ن)‪ :‬دار‬


‫_حسني علي عمر الزومي‪،‬الدروس القيادية ف القران الكرمي‪(،‬ن)‪ :‬دار الفكر‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪2011(،‬م)‪ :‬ص‪360.208‬‬
‫َ‬
‫_عبدالرمحن بن أيب بكر السيوطي‪،‬املزهر ف علوم اللغة وأنواعها‪(،‬ن)‪ :‬دار الكتب العلمية‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪2009(،‬م)‪:‬ص‪361.147‬‬

‫_أبو الطيب حممد صديق بن علي احلسين‪،‬البلغة إل أصول اللغة‪(،‬ن)‪ :‬دار الرسالة‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪2009(،‬م)‪:‬ص‪362.357‬‬

‫_أبو الليث نصر بن حممد السمرقندي‪،‬حبر العلوم‪(،‬ن)‪ :‬دار الكتب العلمية‪،‬دمشق‪-‬سورية‪1997(،‬م)‪363.551/2 :‬‬
‫‪109‬‬

‫الباب‪ ،‬و من املفسرين من يقول أن الظاهر غري مراد و إمنا املراد الباطن‪ ،‬وهذا يناف الشريعة وما جاءت‬
‫به‪،‬فيجب أن يتعلم املفسر أسلوب خطاب خماطبيه خصوصاً إذا ما كانوا على ي‬
‫درجة عالية ف احلوار والبيان‬

‫وعرض احلجج والباهني على مستمعيهم(‪، )364‬يقول ابن القيم ف أقسام املفسرين للقرآن‪"،‬وهذه األقوال إن‬

‫أريد أن اللفظ دل عليها وأهنا هي املراد فغلط‪ ،‬وإن أريد أهنا أخذت من طريق اإلشارة والقياس فأمرها‬

‫قريب‪ .‬وتفسري الناس يدور على ثالثة أصول‪ :‬تفسري على اللفظ‪ ،‬وهو الذي ينحو إليه املتأخرون‪ ،‬وتفسري‬

‫على املعىن وهو الذي يذكره السلف‪،‬وتفسري على اإلشارة والقياس‪ ،‬وهو الذي ينحو إليه كثري من الصوفية‬

‫وغريهم‪ ،‬وهذا ال أبس به بشرائط‪َّ :‬أال يناقض معىن االَية‪ ،‬وأن يكون معىن صحيحاً ف نفسه‪ ،‬وأن يكون ف‬

‫اللفظ إشعار به‪ ،‬و أن يكون بينه وبني معىن االَية ارتباط وتالزم‪،‬فإذا اجتمعت هذه األمور األربعة؛ كان‬

‫استنباطاً حسناً"(‪.)365‬‬

‫اليستغن العامل الرابن عن االتصاف بصفيت الفطنة والذكاء‪،‬ملا هلما من األثر الكبري على جناحه‬

‫ف تدبر اآلايت الكرمية لكتاب هللا عز وجل(‪،)366‬واملفسر مبعىن آخر يدل على ذكاء وعلم بشيء‪،‬والفطنة‬

‫والفطانة كالفهم‪،‬وهي ضد الغباوة‪،‬ويقال رجل فطن خبصومته ‪،‬عامل بوجوهها حاذق(‪،)367‬مما تقدم يعلم أن‬

‫التفسري اإلشاري ال يكون مقبوالً إال بشروط ‪ ،‬وهي ‪َّ :‬أال يتناىف وما يظهر من معىن النظم الكرمي‪،‬و أال‬

‫‪364.56/2‬‬ ‫_الزرقان‪،‬مناهل العرفان‪،‬‬


‫_مشس الدين حممد بن أيب بكر بن قيم اجلوزية‪،‬التبيان ف أقسام القران‪(،‬ن)‪ :‬مكتبة املتنب‪،‬القاهرة‪-‬مصر‪2008(،‬م)‪:‬ص‪365.49‬‬
‫َ‬
‫_احلسن بن عبدهللا بن سهل العسكري‪،‬الفروق اللغوية‪(،‬ن)‪ :‬دار العلم والثقافة‪،‬القاهرة‪-‬مصر‪2007(،‬م)‪366.85/1 :‬‬

‫_علي بن حممد بن علي الزين الشريف اجلرجان‪،‬كتاب التعريفات‪(،‬ن)‪ :‬دار الكتب العلمية‪،‬بريوت‪-‬لبنان‪1983(،‬م)‪:‬ص‪367.143‬‬
‫‪110‬‬

‫يُدَّعى أنه املراد وحده دون الظاهر‪،‬و أال يكون أتويالً بعيداً سخيفاً‪،‬و أال يكون له معارض شرعي أو‬

‫عقلي‪،‬أن يكون له شاهد شرعي يؤيده(‪.)368‬‬

‫وهذا هو البيان التام ف تفاسري الدراية من انحية‪ ،‬وبني التفسري اإلشاري من انحية أخرى ‪،‬وأخرياً ميكننا‬

‫القول‪ :‬أبن التفسري ابلدراية هو تفسري شامل متفق عليه بني أكثر العلماء املسلمني‪ ،‬وفيه أكثر من تفسري‪،‬‬

‫والتفسري اإلشاري أو التفسري الصوف أيضاً له مكانة خاصة ف علم التفسري‪ ،‬فالقول األصح واألشهر هو‬

‫االتفاق على األخذ بتفسري الدراية (العقلي)‪ ،‬ألن بيان عقلي واضح ذو دالئل عدة جممع عليه بني آراء‬

‫الباحثني القدامى‪ ،‬أما املنهج اإلشاري هو أحد املناهج القدمية ف التفسري‪ ،‬وقد عرف أبمساء متنوعة‪ ،‬هي‬

‫الباطن‪ ،‬والعرفان‪ ،‬والصوف‪ ،‬والشهودي‪ ،‬والرمزي‪ ،‬وكل من هذه األمساء يشري إل نوع خاص من هذا‬

‫التفسري‪ ،‬وهناك اختالف كبري ف وجهات النظر بني املفسرين والباحثني‪ ،‬حول هذا املنهج وأنواعه‪ ،‬فهناك‬

‫من ارتضى بعض أقسامه واستفاد منها‪ ،‬ومنهم من رفضه وعده من التأويل‪ ،‬و لتوضيح املسألة أكثر و‬

‫للتمييز بني املنهج العقلي (الدراية) واملنهج االشاري وبيان املنهج األصح بينهما‪َّ ،‬‬
‫البد أن نتعرف على كال‬

‫املنهجني(‪.)369‬‬

‫اإلشارة‪ :‬هي العالمة واإلمياء إل أمر من األمور من القول أو العمل أو الرأي وقد وردت هذه الكلمة ف‬

‫القرآن‪ ،‬كما ف االَية "فأشارت إليه" أي اختيار شيء وإرجاعهم إليه‪،‬واإلشارة تعن أن يستفاد شيء من‬

‫الكالم دون أن يكون موضوعاً له‪ ،‬وقد تكون اإلشارة حسية‪ ،‬كما هو احلال ف ألفاظ اإلشارة مثل هذا‪،‬‬

‫العرفان‪368.58/2،‬‬
‫_الزرقان‪،‬مناهل‬
‫_األصفهان‪،‬مناهج التفسري واجتاهاته‪،‬ص ص ‪369.258-257‬‬
‫‪111‬‬

‫وقد تكون ذهنية كاإلشارة إل املعىن ف الكالم‪ ،‬حبيث لو أراد التصريح به‪،‬للزمه الكثري من الكالم‪ ،‬مث إن‬

‫اإلشارة قد تكون ظاهرة‪ ،‬وقد تكون خفية(‪.)370‬‬

‫أما التفسري اإلشاري يطلق على اإلشارات اخلفية املوجودة ف آايت القرآن‪ ،‬واليت تعتمد على العبور من‬

‫ظواهر القرآن إل األخذ ابلباطن‪ ،‬أي استخراج وفهم وتوضيح نكتة من االَية‪ ،‬التوجد ف ظواهر االَية إال‬

‫عن طريق داللة اإلشارة‪،‬وبعبارة أخرى‪ :‬اإلشارة هي الداللة االلتزامية للكالم‪ ،‬وبسبب تعداد أنواع التفسري‬

‫اإلشاري‪ ،‬كالتفسري الرمزي والعرفان والصوف والباطن والشهودي فقد تنوعت التعاريف تبعاً‬

‫لذلك(‪، )371‬أما املنهج العقلي العلمي حيظى مبنزلة خاصة بني مناهج التفسري‪،‬وقد اختذت املذاهب الكالمية‬

‫طلق عليه ف بعض األحيان منهج التفسري االجتهادي‪ ،‬وقد يُذكر‬


‫إبزاء هذا املنهج مواقف خمتلفة‪ ،‬فقد يُ َ‬
‫كأحد أقسام منهج التفسري ابلرأي‪ ،‬وقد يُنظر إليه بنظرة مساوية لالجتاه الفلسفي ف التفسري‪ ،‬ومل يتعرض‬

‫هذا املنهج للدراسة والتحليل إال اندراً‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فال بد من تعريف هذا املنهج تعريفاً دقيقاً‪ ،‬و تقييمه تقييماً مناسباً‪ ،‬و َّ‬
‫البد هنا من تعريف العقل‬

‫فهو‪ :‬مبعىن اإلمساك واحلفظ و منع الشيء‪،‬و يستخدم العقل ف موردين‪:‬‬

‫األول‪ :‬القوة املستعدة حلصول العلم‪ ،‬وهي ذلك الشيء نفسه الذي بفقدانه يرتفع التكليف عن اإلنسان‪،‬‬

‫وقد ورد مدح العقل ف األحاديث كثرياً (‪،)372‬والثان‪ :‬يطلق على العلم الذي حيصل عليه اإلنسان بواسطة‬

‫هذه القوة‪ ،‬وقد ورد هذا املعىن ف القرآن عندما ذم الكافرين‪ ،‬بسبب عدم التعقل‪ ،‬وقد استُدل على هذا‬

‫‪370.259-258‬‬ ‫_األصفهان‪،‬مناهج التفسري واجتاهاته‪،‬ص ص‬


‫_األصفهان‪،‬مناهج التفسري واجتاهاته‪،‬ص ‪371.259‬‬

‫_األصفهان‪،‬مناهج التفسري واجتاهاته‪،‬ص‪372،150‬‬


‫‪112‬‬

‫املعىن أبحاديث النب صلى هللا عليه وسلم وأبيات شعرية منسوبة إل اإلمام علي رضي هللا عنه‪،)373(،‬‬

‫وقال حسن مصطفوي ف هذا اجملال‪" :‬إن أصل مادة العقل هي تشخيص الصالح والفساد ف احلياة‬

‫املادية واملعنوية‪ ،‬ومن لوازم العقل اإلمساك‪ ،‬التدبر‪ ،‬حسن الفهم‪ ،‬اإلدراك واالنزجاز‪ ،‬معرفة األشياء اليت‬

‫تكون موضع حاجة ف احلياة‪ ،‬واليت تقع حتت برانمج احلق والعدل‪ ،‬وحفظ النفس عن اهلوى واحملرمات"‪.‬‬

‫مث إن قوى النفس تتحد مع نفس اإلنسان‪ ،‬ومن مجلة ذلك‪ ،‬العقل النظري والعقل العملي‪،‬فالعقل النظري‬

‫بلحاظ ما فوقه‪ ،‬أي املبادئ العالية اليت يقال هلا قوة اإلدراك أيضاً‪ .‬والعقل العملي بلحاظ ما دونه‪ ،‬والذي‬

‫يكون مبدأ ا حلركات البدنية واألعمال اخلارجية‪ .‬فإذن تشخيص املصاحل واملفاسد‪ ،‬متعلق ابلعقل النظري‪،‬‬

‫واإلدراك وضبط النفس ومنعها متعلق ابلعقل العملي"‪ ،‬إن املقصود ابلتفسري االجتهادي هو بذل اجلهد‬

‫الفكري واستخدام قوة العقل ف فهم آايت القرآن ومقاصده؛ وعلى هذا فاستعمال االجتهاد هنا‪ ،‬أعم من‬

‫االجتهاد اإلصطالحي ف علم الفقه واالصول؛ ألنه يشمل آايت األحكام وغريها(‪،)374‬أي إن التفسري‬

‫االجتهادي يكون ف قبال التفسري النقلي؛ ففي تفسري النقلي يتم التأكيد على النقل أكثر من غريه‪،‬أما ف‬

‫التفسري االجتهادي فيتم التأكيد على العقل والنظر والتدبر‪،‬التفسري االجتهادي يعتمد العقل والنظر أكثر‬

‫مما يعتمد النقل واألثر؛ ليكون املناط ف النقد والتمحيص‪ ،‬هو داللة العقل الرشيد والرأي السديد‪.‬‬

‫وقد اعتب أن إحدى خصائص تفسري التابعني‪ ،‬هو االجتهاد ف التفسري واالعتماد على الفهم العقلي‪،‬‬

‫فقال حممد هادي معرفة "فأعملوا النظر ف كثري من مسائل الدين‪ ،‬ومنها مسائل قرآنية كانت تعود إل‬

‫معان الصفات‪ ،‬وأسرار اخلليقة‪ ،‬وأحوال األنبياء والرسل وما شاكل‪ ،‬فكانوا يعرضوهنا على شريعة العقل‪،‬‬

‫_األصفهان‪،‬مناهج التفسري واجتاهاته‪،‬ص‪373.151‬‬


‫_األصفهان‪،‬مناهج التفسري واجتهاته‪،‬ص‪374.152‬‬
‫‪113‬‬

‫وحياكموهنا وفق حكمه الرشيد‪ ،‬ورمبا يؤولوهنا إل ما يتوافق مع الفطرة السليمة"‪ ،‬مث ذكر ابن عباس من‬

‫مدرسة مكة‪ ،‬وابن مسعود من مدرسة الكوفة‪،‬بوصفهما شيوخ هذا املنهج ف التفسري(‪.)375‬‬

‫وف آخر ما جيب علينا التذكري به ‪ ،‬هو بيان كال التفسريين بشكل ملخص و غن للقارئ‪ ،‬فـ يعتب منهج‬

‫التفسري ابلرأي "تفاسري الدراية" من املناهج املذمومة واملرفوضة ف التفسري الكلي‪ ،‬وإذا أخذان التفسري مبعناه‬

‫العام "الصحيح واخلاطئ"‪ ،‬فإن هذا املنهج "تفاسري الدراية" سوف يعد جزءاً من املناهج التفسريية‪ ،‬أما إذا‬
‫ي‬
‫حينئذ يكون إطالق اسم التفسري على التفسري ابلرأي من‬ ‫كان مقصودان من التفسري هو الصحيح فقط فـ‬

‫ابب املساحمة ف التعبري‪ ،‬ألن هذا املنهج ال يكشف وال يبني املراد من آايت القرآن بل يبني نظر ورأي‬

‫املفسر‪ ،‬والدليل أن األصل ف معىن هذه الكلمة هو النظر بكل وسيلة‪ ،‬وتشمل النظر ابلعني أو ابلقلب أو‬

‫عن طريق الشهود الروحان أو بقوة اخليال‪،‬و أما اجلانب االَخر "التفسري اإلشاري" ‪ ،‬عرفه الزرقان أبنه‬

‫أتويل القرآن بغري ظاهره إلشارة خفية تظهر ألرابب السلوك والتصوف‪ ،‬وميكن اجلمع بينها وبني الظاهر‬

‫املراد أيضاً‪ ،‬وقد تعرض الذهب ال منط آخر من التفسري مساه التفسري الصوف النظري‪ ،‬لكن قال "ومل نسمع‬

‫أبن أحداً ألف ف التفسري الصوف النظري كتاابً خاصاً يتبع القرآن آية آية‪ ،‬كما اُلف مثل ذلك ابلنسبة‬

‫للتفسري اإلشاري‪ ،‬وكل ما وجدانه من ذلك هو نصوص متفرقة اشتمل عليها التفسري املنسوب ال ابن‬

‫عريب وكتاب الفتوحات املكية له وكتاب الفصوص له أيضاً‪ ،‬كما يوجد بعض من ذلك ف كثري من كتب‬

‫التفسري املختلفة املشارب " ‪ ،‬ومنها جيب أن نوضح للقارئ أنه البد من شروط ألخذ هذه التفاسري بشكل‬

‫صحيح‪ ،‬ومنها‪ ،‬أن تكون منسوبة ال الراسخني ف العلم كاألنبياء واألئمة ‪ ،‬وأن تكون أسانيدها صحيحة‬

‫واجتاهاته‪،‬ص‪375.157‬‬ ‫_األصهان‪،‬مناهج التفسري‬


‫‪114‬‬

‫ومعتمدة‪ ،‬وأن تكون داللتها واضحة ال لبس فيها‪ ،‬و إبمجاع هذه الشروط ميكن لنا أن نعتمد على هذه‬

‫املناهج ف تفسري القرآن العظيم‪.‬‬


‫‪115‬‬

‫اخلامتة والنتائج‬

‫إن القصص تدل على تتبع األثر مبعنيه احلسي واملعنوي‪ ،‬فإن قص الشيء بتتبع أثره شيئاً بعد شيء‬

‫مصداق واضح على الداللة احلسية‪،‬كما أن تتبع القصة مبعانيها وألفاظها بسرد القاص هلا‪،‬مصداق واضح‬

‫على الداللة املعنوية‪،‬وقد استعمل القرآن الكرمي كلتا الداللتني‪ ،‬فالتتبع الذي ورد ف قوله تعال"وقالت‬

‫ألخته قصيه"يدل على أمر حسي مادي‪،‬أما قوله تعال"إن هذا القصص احلق"فهو تتبع األخبار املدروسة‬

‫اليت وقعت ف غابر األزمان واليت ال يعلم تفصيل أحداثها إال عالم الغيوب‪ ،‬هذا ما يتعلق ابلقصة القرآنية‬

‫وسوف أنتقل إل أبرز النتائج الذي وصلت إليها ف هذه الرسالة ‪،‬وهي‪:‬‬

‫‪ .1‬القصة هي سرد وتسجيل ألحداث زمنية حدثت والقرآن الكرمي حوى كثرياً منها‪ ،‬ومن ذلك قصة موسى‬

‫والرجل الصاحل وترك فيها الكثري من العب والعظات اليت نفيد منها حىت قيام الساعة‪.‬‬

‫‪ .2‬يتخذ القرآن الكرمي من حياة األمم السابقة وحركة أنبيائه حموراً لدراساته وهذا يفرتق عن منهج ُج ِّل‬

‫املؤرخني الذين يتناولون حياة امللوك وأصحاب السلطة موضوعاً للدراسة‪ ،‬والقرآن ذكر قصص أكثر من‬

‫عشرين نب ودورهم ف أممهم اليت بعثوا هلدايتها‪ ،‬ومل يقتصر القرآن الكرمي على بيان األحداث اليت جاد‬

‫هبا الزمان ف بيئات حمدودة‪،‬بل تعرض لألحداث اليت جرت ف العواصم الكبرية واملدن البعيدة‪.‬‬

‫‪ .3‬إن االطالع على حياة املاضني والوقوف على آرائهم ومعرفة ما أملَّ هبم من احلوادث والكوارث‪،‬مثار‬

‫العظات ومصدر العلم ابلسنن اإلهلية ف تكوين األمم وإصعادها وإهباطها‪،‬وهذا ما جاء به نب هللا‬

‫موسى مع الرجل الصاحل‪،‬وتشهد اآلايت القرآنية على أن اهلدف الوحيد من بعث النب موسى هو نشر‬

‫التوحيد بني الناس مجيعاً‪.‬‬


‫‪116‬‬

‫‪ .4‬الرجل الصاحل أو العبد الصاحل كان نبياً من األنب ياء وقد عاصر نب هللا موسى(عليه السالم) ‪ ،‬فقد جعل‬

‫هللا سبحان وتعال هذا الرجل سبباً لتعليم موسى مبا كان ال يعلم من أشياء كثرية حدثت عند خروجهما‬

‫ف الرحلة‪ ،‬فقد كان الرجل الصاحل عاملاً آاته هللا قليالً من علمه الواسع‪،‬وهذا لكي ُيب موسى أبن ال‬

‫يوجد إنسان يعلم كل شيء‪ ،‬إال ما كان من عند هللا‪.‬‬

‫‪ .5‬توجد تفاسري كثرية تفسر كتاب هللا تعال‪،‬والتفسري االجتهادي أحد هذه املناهج التفسريية املشهورة‬

‫إبختاذه الدالئل واحلوار واملصداقية‪ ،‬فإن االجتهاد جيب أن يكون مبنياً على العلم والفقه‪،‬ولذلك فإن‬

‫تفاسري الدرا ية هي االجتهاد ف تفسري القرآن الكرمي وفق القواعد والشروط اليت ختص هذا املنهج‬

‫التفسريي املشهور عند العلماء واألئمة‪.‬‬

‫‪ .6‬إن التفسري ابإلشارة أحد التفاسري الفيضية أو ما يسمى ابلتفسري الصوف‪ ،‬وهذا ينتمي إل منط معني من‬

‫الفهم‪،‬وهو فهم املعان أكثر مما يكون منطاً عقلياً مأخوذاً من الدالئل‪ ،‬وهذا املعان تقوم على ما أييت من‬

‫إشارات اآلايت وتظهر ألرابب السلوك وأول العلم‪ ،‬ونرى أن الفرق بني التفسري ابلدراية والتفسري‬

‫ابإلشارة هو أن التفسري الدراية مأخوذ من املعان و توضيح اآلايت ابالجتهاد العقلي ومن الدالئل‬

‫املأخؤذة من األ حاديث الشريفة ومن النقل الصحيح من قبل الراوي‪،‬أما التفسري اإلشاري فريى أن هناك‬

‫ي‬
‫معان أخرى حتتملها اآلايت القرآنية بعد املعىن الظاهر الواضح‪.‬‬

‫‪ .7‬وجدت ف التفاسري القرآنية أن فيها شروطاً وضوابط كثرية جيب على املفسر أن أيخذ هبا‪ ،‬فمن هذه‬

‫الشروط أن يكون غري مناف للظاهر‪ ،‬و َّأال يعارض األدلة الشرعية اليت جاءت هبا األحاديث الصحيحة‪،‬‬

‫ومن الشروط أيضاً أال يكون أتويالً بعيداً‪ ،‬وأن يكون له شاهد شرعي مبا يفسره العامل واملفسر‪.‬‬
‫‪117‬‬

‫التوصيات‪:‬‬

‫أوصي مجيع إخوان من طلبة الدراسات العليا والبكالوريوس أن يهتموا بدراسة التأويل والتفسري والتحليل‪،‬‬
‫فإن تفسري القرآن ف غاية األمهية ومطالعته بركة وخري‪ ،‬وتركه حسرة‪ ،‬و علمه انفع‪ ،‬و دروسه فيها العب‪ ،‬و‬
‫قصصه فيها إنذار و تنبيه جلميع اخللق‪.‬‬
‫‪118‬‬

‫املصادر واملراجع‬

‫القرآن الكرمي‬

‫‪ -‬ابن إبراهيم‪،‬حممد بن علي‪،‬عوال اللئال العزيزية ف األحاديث الدينية‪،‬مطبعة سيد الشهداء‪،‬ايران‬


‫‪1983‬‬
‫‪ -‬ابن أيب الدنيا‪،‬أيب بكر عبدهللا بن حممد بن عبيد ‪،‬كتاب اهلواتف‪،‬مؤسسة الكتب الثقافية‪،‬بريوت‬
‫‪1993‬‬
‫‪ -‬ابن األثري‪،‬علي بن حممد بن عبدالكرمي ‪،‬الكامل ف التاريخ‪،‬دار الكتب العلمية‪،‬بريوت‪1987‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪،‬أمحد بن عبداحلليم بن عبدالسالم ‪،‬جمموع الفتاوى‪،‬وزارة الشؤون‬
‫اإلسالمية‪،‬الرايض‪2004‬‬
‫‪ -‬ابن حجر العسقالن‪،‬أمحد بن علي بن حممد‪،‬اإلصابة ف متييز الصحابة‪،‬دار الكتب العلمية‪،‬بريوت‬
‫‪1995‬‬
‫‪ -‬ابن حجر العسقالن‪ ،‬فتح الباري ‪،‬املكتبة السلفية‪،‬القاهرة‪1959‬‬
‫‪ -‬ابن خلكان‪،‬أمحد بن حممد أيب بكر‪،‬وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان‪،‬دار صادر‪،‬بريوت ‪1972‬‬
‫‪ -‬ابن عاشور‪،‬حممد الطاهر‪،‬تفسري التحرير والتنوير‪،‬الدار التونسية للنشر‪،‬تونس ‪1984‬‬
‫‪ -‬ابن عريب ‪،‬حمي الدين ‪،‬تفسري ابن عريب‪،‬بريوت‪،‬دار إحياء تراث العريب‪1968،‬‬
‫‪ -‬ابن فضيل‪،‬منصور كاف‪،‬موازنة بني تفسريي احملرر الوجيز البن عطية وزاد املسري ف علم التفسري‬
‫البن اجلوزي‪،‬دار احلامد للنشر والتوزيع‪ ،‬الرايض ‪2010‬‬
‫‪ -‬ابن قيم اجلوزية‪،‬مشس الدين حممد بن أيب بكر‪،‬التبيان ف أقسام القرآن‪،‬مكتبة املتنب‪،‬القاهرة‬
‫‪2008‬‬
‫‪ -‬ابن كثري‪،‬أبو فداء إمساعيل بن عمر‪،‬البداية والنهاية‪،‬دار الفكر‪،‬دمشق ‪1986‬‬
‫‪ -‬ابن كثري‪،‬أبو فداء إمساعيل بن عمر‪،‬تفسري القرآن العظيم‪،‬دار طيبة‪،‬الرايض‪1999‬‬
‫‪ -‬ابن منظور‪،‬حممد بن مكرم بن علي‪،‬أبو الفضل‪،‬مجال الدين‪،‬لسان العرب‪،‬دار صادر‪،‬بريوت‬
‫‪1993‬‬
‫‪119‬‬

‫‪ -‬أبو شبهة‪،‬حممد‪،‬اإلسرائيليات واملوضوعات ف كتب التفسري‪،‬مكتبة السنة‪،‬القاهرة ‪1988‬‬


‫‪ -‬األزدي‪،‬أبو بكر حممد بن احلسن‪،‬مجهرة اللغة‪،‬دار العلم للمالين‪،‬بريوت ‪1987‬‬
‫‪ -‬اإلستانبول‪،‬إمساعيل حقي بن مصطفى‪،‬روح البيان‪،‬دار الفكر‪،‬بريوت د‪.‬س‪.‬ن‬
‫‪ -‬أشقر‪،‬حممد سليمان‪،‬زبدة التفسري‪،‬وزارة االوقاف والشؤون اإلسالمية‪،‬قطر ‪2007‬‬
‫‪ -‬األصبهان‪،‬أبو حممد عبدهللا بن حممد بن جعفر أيب الشيخ‪،‬العظمة‪،‬دار العاصمة‪،‬الرايض‪1988‬‬
‫‪ -‬األصفهان‪،‬أيب القاسم احلسني بن حممد‪،‬الراغب‪،‬مفردات ألفاظ القرآن‪،‬دار القلم‪،‬الشام ‪2009‬‬
‫‪ -‬األصفهان‪،‬حممد علي الرضائي‪،‬مناهج التفسري واجتاهاته‪،‬مكتبة هؤمن قريش‪،‬بريوت ‪2008‬‬
‫‪ -‬األلوسي‪،‬شهاب الدين السيد حممود البغدادي‪،‬روح املعان ف تفسري القرآن العظيم والسبع‬
‫املثان‪،‬دار الكتب العلمية‪،‬بريوت ‪1994‬‬
‫‪ -‬أمني‪،‬بكري‪،‬التعبري الفن ف القرآن‪،‬دار العلم للماليني‪،‬بريوت ‪2004‬‬
‫‪ -‬أنيس‪،‬إبراهيم وآخرون‪،‬املعجم الوسيط‪،‬مكتبة الشروق الدولية‪،‬مصر ‪2004‬‬
‫‪ -‬أايزي‪،‬حممد علي‪،‬املفسرون حياهتم ومنهجهم‪،‬وزارة الثقافة واالرشاد اإلسالمي‪،‬القاهرة ‪1996‬‬
‫‪ -‬البستان‪،‬سليمان‪،‬اإللياذة‪،‬كلمات عربية للرتمجة والنشر‪،‬القاهرة ‪1978‬‬
‫‪ -‬البستان‪،‬حممود‪،‬دراسات فنية ف قصص القرآن‪،‬دار البالغة للطباعة والنشر‪،‬بريوت ‪2013‬‬
‫‪ -‬البغا‪،‬مصطفى ديب‪،‬الواضح ف علوم القرآن‪،‬دار العلوم االنسانية‪،‬دمشق ‪1998‬‬
‫‪ -‬الثعالب‪،‬عبدامللك بن حممد بن إمساعيل أيب منصور‪،‬فقه اللغة وسر العربية‪،‬املكتبة العصرية‪،‬بريوت‬
‫‪2000‬‬
‫‪ -‬الثعلب‪ ،‬علي بن أيب علي بن حممد‪،‬اإلحكام ف أصول األحكام‪،‬املكتب اإلسالمي‪،‬بريوت‬
‫‪1999‬‬
‫‪ -‬جرار‪،‬مأمون فريز‪،‬خصائص القصة اإلسالمية‪،‬دار املنارة للنشر والتوزيع‪،‬دمشق ‪1988‬‬
‫‪ -‬اجلرجان‪،‬علي بن حممد بن علي الزين الشريف‪،‬كتاب التعريفات‪،‬دار الكتب العلمية‪،‬بريوت‬
‫‪1983‬‬
‫‪ -‬اجليالن‪،‬حميي الدين عبدالقادر‪،‬تفسري اجليالن‪،‬املكتبة املعروفيه‪،‬كويتا ‪2010‬‬
‫‪ -‬حسن‪،‬حممد كامل‪،‬القرآن والقصة احلديثة‪،‬منشورات مكتب العاملي‪،‬بريوت ‪1986‬‬
‫‪120‬‬

‫‪ -‬احلسين‪،‬أبو الطيب حممد صديق بن علي‪،‬البلغة إل أصول اللغة‪،‬دار الرسالة العلمية‪،‬بريوت‬


‫‪2009‬‬
‫‪ -‬احلمصي‪،‬أمحد فائز‪،‬قصص الرمحن ف ظالل القرآن‪،‬مؤسسة الرسالة انشرون‪،‬القاهرة ‪1995‬‬
‫‪ -‬احلمصي‪،‬حممد حسن ‪،‬قرآن كرمي تفسري وبيان‪،‬مؤسسة اإلميان‪،‬دمشق ‪1999‬‬
‫‪ -‬احلنبلي‪،‬أيب حفص عمر بن علي الدمشقي‪،‬اللباب ف علوم الكتاب‪،‬دار الكتب العلمية‪،‬بريوت‬
‫‪1998‬‬
‫‪ -‬اخلالدي‪،‬صالح عبد الفتاح‪،‬القصص القرآن عرض وقائع وحتليل أحداث‪،‬دار القلم‪،‬بريوت‪1998‬‬
‫‪ -‬خلف هللا‪،‬حممد أمحد‪،‬الفن القصصي ف القرآن الكرمي‪،‬سينا للنشر‪،‬بريوت ‪1999‬‬
‫‪ -‬اخلوئي‪،‬أبو القاسم‪،‬البيان ف تفسري القرآن‪،‬دار انوار اهلدى‪،‬بريوت ‪1981‬‬
‫‪ -‬الدقس‪،‬فؤاد محدو‪،‬التفسري اإلشاري للقرآن الكرمي‪،‬القراءة النص العريب‪،‬دمشق ‪2002‬‬
‫‪ -‬الدليمي‪،‬أجمد توفيق‪،‬لطيفة‪،‬كتاب القصة‪،‬منشورات الطليعة االديب‪،‬نيويورك ‪1995‬‬
‫‪ -‬الذهب‪،‬حممد حسني‪،‬التفسري واملفسرون‪،‬مكتبة وهبة‪،‬القاهرة ‪2000‬‬
‫‪ -‬الذهب‪،‬حممد حسني‪،‬علم التفسري‪ ،‬مكتبة وهبة‪،‬القاهرة ‪2000‬‬
‫‪ -‬الرازي‪،‬حممد بن عمر بن احلسن أبو عبدهللا فخرالدين‪،‬مفاتيح الغيب ‪،‬دار الفكر‬
‫للنشر‪،‬القاهرة‪1981‬‬
‫‪ -‬الربيعي‪،‬فاحل‪،‬القصص القرآن رؤية فنية‪،‬دار الثقافية للنشر‪،‬القاهرة ‪2002‬‬
‫‪ -‬الزرقان‪،‬حممد عبدالعظيم‪،‬مناهل العرفان ف علوم القرآن‪،‬دار الكتاب العريب‪،‬بريوت ‪1995‬‬
‫‪ -‬الزركشي‪،‬أبو عبدهللا بدر الدين حممد بن عبدهللا بن هبادر‪،‬البهان ف علوم القرآن‪،‬دار‬
‫الرتاث‪،‬بريوت‪2006‬‬
‫‪ -‬الزركلي‪،‬خريالدين بن حممود بن علي بن فارس‪،‬األعالم ‪،‬دار العلم للماليني‪،‬بريوت ‪2002‬‬
‫‪ -‬الزخمشري‪،‬حممود بن عمر بن حممد بن أمحد اخلوارزمي‪،‬أساس البالغة‪،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‬
‫‪1998‬‬
‫‪ -‬زجنان‪،‬عباس علي عميد‪،‬مبان تفسري القرآن‪،‬وزارة الثقافة واالرشاد اإلسالمي‪،‬القاهرة ‪1986‬‬
‫‪121‬‬

‫‪ -‬الزومي‪،‬حسني علي عمر‪،‬الدروس القيادية من خالل قصة طالوت ف القرآن الكرمي وفق املنهج‬
‫االستنباطي‪،‬دار الفكر‪،‬بريوت ‪2011‬‬
‫‪ -‬سامل‪،‬أمحد موسى ‪،‬قصص القرآن ف مواجهة أدب الرواية واملسرح‪،‬دار اجليل للطبع والنشر‬
‫والتوزيع‪،‬بريوت ‪1977‬‬
‫‪ -‬السعدي ‪،‬عبدالرمحن بن انصر ‪،‬تيسري الكرمي الرمحن ف تفسري كالم املنان‪،‬اململكة االعربية‬
‫السعودية‪،‬دار السالم للنشر والتوزيع‪2002،‬‬
‫‪ -‬السكندري‪،‬ابن عطاء هللا‪،‬لطائف املنن‪،‬دار املعارف‪،‬القاهرة ‪2006‬‬
‫‪ -‬سليمان‪،‬علي حسن حممد‪،‬القصة القرآنية‪:‬خصائص وأهداف‪،‬مطبعة احلسني اإلسالمية‪،‬القاهرة‬
‫‪1995‬‬
‫‪ -‬السمرقندي‪،‬أبو الليث نصر بن حممد‪،‬حبر العلوم‪،‬دار الكتب العلمية‪،‬دمشق ‪1997‬‬
‫‪ -‬سيد‪،‬غيث‪،‬فنيات الكتابة األدبية‪،‬أطلس للنشر واإلنتاج اإلعالمي‪،‬جيزة ‪2016‬‬
‫‪ -‬السيوطي‪،‬عبدالرمحن بن أيب بكر بن حممد ‪،‬اإلتقان ف علوم القرآن‪،‬مؤسسة الرسالة انشرون‪،‬بريوت‬
‫‪2008‬‬
‫‪ -‬السيوطي‪ ،‬الدر املنثور ف التفسري املأثور‪،‬دار الفكر‪،‬بريوت ‪2011‬‬
‫‪ -‬السيوطي‪،‬تفسري اجلاللني امليسر‪،‬مكتبة لبنان انشرون‪،‬بريوت ‪2003‬‬
‫‪ -‬السيوطي ‪،‬املزهر ف علوم اللغة وأنواعها‪،‬دار الكتب العلمية‪،‬بريوت ‪2009‬‬
‫‪ -‬الشاذل‪،‬إبراهيم حسني‪،‬التصوير الفن ف القرآن الكرمي‪،‬دار الشروق‪،‬القاهرة ‪2004‬‬
‫‪ -‬الشاذل‪ ،‬ف ظالل القرآن‪،‬دار الشروق‪،‬القاهرة ‪2008‬‬
‫‪ -‬شديد‪،‬حممد‪،‬منهج القصة ف القرآن‪،‬مكتبة االَداب للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬القاهرة ‪1998‬‬
‫‪ -‬شريف‪،‬عدانن‪،‬الثوابت العلمية ف القرآن الكرمي‪،‬دار العلم للماليني‪،‬بريوت ‪1999‬‬
‫‪ -‬الشعراوي‪،‬حممد متول‪،‬قصص األنبياء‪،‬مكتبة الرتاث‪،‬القاهرة ‪2006‬‬
‫‪ -‬الشمري‪،‬سهاد ايس عباس‪،‬األدب القصصي‪،‬منشورات جامعة اببل‪،‬اببل ‪2014‬‬
‫‪ -‬الصدف‪،‬شريف راشد‪،‬مفهوم النص عند عمر بن اخلطاب‪،‬شركة بريطانية للنشر‪،‬لندن ‪2016‬‬
‫‪ -‬الصغري‪،‬حممد حسني‪،‬املبادىء العامة لتفسري القرآن الكرمي‪،‬دار املؤرخ العريب‪،‬بريوت ‪2000‬‬
‫‪122‬‬

‫‪ -‬الطبي‪،‬أبو جعفر حممد بن جرير‪،‬تفسري الطبي‪،‬هجر للطباعة والنشر‪،‬جيزة ‪2001‬‬


‫‪ -‬العامر‪،‬فارس علي‪،‬دروس ف التفاسري ومناهج املفسرين‪،‬مكتبة الصدوق‪،‬القاهرة د‪.‬س‪.‬ن‬
‫‪ -‬عبد ربه‪،‬عبداحلافظ ‪،‬حبوث ف قصص القرآن‪،‬دار الكتاب اللبنان للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬القاهرة‬
‫‪1972‬‬
‫‪ -‬العثيمني ‪،‬حممد بن صاحل ‪،‬تفسري القرآن الكرمي سورة الكهف‪ ،‬جدة‪،‬دار ابن اجلوزي‪1423،‬هـ‬
‫‪ -‬العدوي‪،‬حممد خري حممود ‪،‬معامل القصة ف القرآن الكرمي‪،‬دار العدوي‪،‬عمان ‪1998‬‬
‫‪ -‬عراف‪،‬شكري‪،‬طبقات األنبياء واألولياء الصاحلني ف االرض املقدسة‪،‬مكتبة‬
‫اخلاجني‪،‬القاهرة‪1994‬‬
‫‪ -‬العسكري‪،‬احلسن بن عبدهللا بن سهل‪،‬الفروق اللغوية‪،‬دار العلم والثقافة للنشر والتوزيع‪،‬القاهرة‬
‫‪2007‬‬
‫‪ -‬العك‪،‬خالد عبدالرمحن‪،‬أصول التفسري وقواعده‪،‬دار النفائس‪،‬بريوت ‪1986‬‬
‫‪ -‬علوش‪،‬مجيل‪،‬عمر أبو ريشة حياته وشعره مع نصوص خمتارة‪،‬بيسان للنشر والتوزيع‪،‬بريوت ‪1994‬‬
‫‪ -‬علي‪،‬يوسف أمحد‪،‬البيضاوي ومنهجه ف التفسري‪،‬مكتبة ام قرى‪،‬مكة املكرمة د‪.‬س‪.‬ن‪.‬‬
‫‪ -‬عودة‪،‬أمحد حسني‪،‬ثالثة عظماء من القرآن الكرمي‪،‬مجعية القرآن الكرمي للتوجيه واإلرشاد‪،‬بريوت‬
‫‪2013‬‬
‫‪ -‬الغامدي‪،‬حممد سعيد ربيع‪،‬القصة ف العصر العباسي‪،‬دار اجلاحظ للنشر والتوزيع‪،‬بغداد ‪2004‬‬
‫‪ -‬الغزال‪،‬أبو حامد حممد بن حممد‪،‬إحياء علوم الدين‪،‬دار املعرفة‪،‬بريوت ‪2010‬‬
‫‪ -‬الفاسي‪،‬أمحد بن حممد بن عجيبة ‪،‬البحر املديد ف تفسري القرآن اجمليد‪،‬دار الكتب العلمية‪،‬بريوت‬
‫‪2002‬‬
‫‪ -‬فتحي‪،‬ابراهيم‪،‬معجم املصطلحات األدبية‪،‬املؤسسة العربية للناشرين املتحدين‪،‬تونس ‪1986‬‬
‫‪ -‬القرطب‪،‬أيب عبدهللا حممد بن أمحد بن أيب بكر‪،‬اجلامع ألحكام القران‪،‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪،‬بريوت‪2006‬‬
‫‪ -‬القشريي ‪،‬عبدالكرمي بن هوازن بن عبدامللك ‪ ،‬لطائف اإلشارات‪،‬بريوت‪،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫‪1971‬‬
‫‪123‬‬

‫‪ -‬القشريي‪ ،‬مسلم بن احلجاج بن مسلم القشريي‪،‬صحيح مسلم‪،‬دار طيبة‪،‬الرايض‪2006‬‬


‫‪ -‬قنديل‪،‬فؤاد‪،‬فن كتابة القصة‪،‬اهليئة العامة لقصور الثقافة‪،‬بريوت ‪2002‬‬
‫‪ -‬الكاشان‪،‬حممد حمسن الفيض‪،‬التفسري الصاف‪،‬مؤسسة األعلى للمطبوعات‪،‬دمشق ‪1959‬‬
‫‪ -‬املباركفوري‪،‬حممد عبدالرمحن بن عبدالرحيم‪،‬حتفة األحوذي‪،‬دار الفكر‪،‬بريوت‪1986‬‬
‫‪ -‬جمموعة من املؤلفني‪ ،‬جمموعة من القصص القرآنية‪،‬املكتبة اإلسالمية للنشر والتوزيع‪،‬القاهرة‬
‫‪2004‬‬
‫‪ -‬جمموعة من املؤلفني‪،‬املوسوعة القرآنية املتخصصة‪،‬اجمللس األعلى للشؤون اإلسالمية‪،‬مصر ‪2002‬‬
‫‪ -‬مصطفوي‪،‬حسن‪،‬التحقيق ف كلمات القرآن الكرمي‪،‬مركز نشر ااثر العالمة املصطفوي‪،‬القاهرة‬
‫‪1995‬‬
‫‪ -‬مالعب‪،‬سعيد محود‪،‬حضارة احلكمة واحلكماء عب العصور‪،‬دار الفكر‪،‬بريوت‪1985‬‬
‫‪ -‬موسى‪،‬مصطفى إمساعيل‪،‬االجتاهات احلديثة ف طرائق تدريس الرتبية اإلسالمية‪،‬دار الكتاب‬
‫اجلامعي‪،‬العني ‪2002‬‬
‫‪ -‬النسفي‪،‬أبو البكات عبدهللا بن أمحد‪،‬تفسري النسفي‪،‬دار الكلم الطيب‪،‬دمشق ‪1998‬‬
‫‪ -‬النووي‪ ،‬حيىي بن شرف‪،‬املنهاج ف شرح صحيح مسلم بن احلجاج‪،‬دار إحياء تراث العريب‪،‬بريوت‬
‫‪1972‬‬
‫‪ -‬النيسابوري‪،‬حسن بن حممد بن حسني القمي‪،‬تفسري غرائب القرآن ورغائب الفرقان‪،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪،‬بريوت ‪1996‬‬
‫‪ -‬هدارة‪،‬حممد مصطفى‪،‬التجديد ف شعر املهجر‪،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة ‪1957‬‬
‫‪ -‬الوكيل‪،‬حممد السيد‪،‬نظرات ف أحسن القصص‪،‬الدار الشامية‪،‬بريوت د‪.‬س‬
‫‪ -‬يوسف جنم‪،‬حممد‪،‬فن القصة‪،‬دار بريوت للطباعة والنشر‪،‬بريوت ‪1955‬‬
‫‪124‬‬

‫السية الذاتية‬

‫االسم والكنية ‪ :‬إبراهيم حممد أمحد‬

‫مكان واتريخ الوالدة‪ :‬العراق – ‪1997‬‬

‫املستوى العلمي‪ :‬بكالوريوس‬

‫الشهادة اجلامعية‪ :‬بكالوريوس يف العلوم اإلسالمية‬

‫املاجستري‪ :‬طالب‬

‫‪1.‬‬ ‫اللغات األخرى‪ :‬اللغة العربية واللغة الرتكية واللغة اإلنكليزية‬

‫األنشطة العلمية‪:‬‬

‫اخلبة العلمية‪ :‬مدرس للغة العربية‬

‫التواصل‪+9647504166862 :‬‬

‫البيد االلكرتون‪ibogyan311@gmail.com :‬‬

You might also like