Professional Documents
Culture Documents
مقدمة لمفهوم الفكر الاسلامي
مقدمة لمفهوم الفكر الاسلامي
مقدمة لمفهوم الفكر الاسلامي
1الفكر في اللغة:
عرف ابن منظور في لسان العرب الفكر بقوله :والفكر :إعمال الخاطر في الشيء ،والتفكر اسم التفكير،
ومنهم من قال فكري ،ورجل فكير :كثير التفكير ،وقال الجوهري :التفكر :التأمل.
وعرفه الفيروز آبادي بقوله :الفكر ،بالكسر ويفتح ،إعمال النظر في الشيء كالفكرة.
وعرفه الراغب األصفهاني بقوله“ :الفكرة قوّ ة مطرقة للعلم إلى المعلوم ،والتف ّكر جوالن تلك القوّ ة بحسب
نظر العقل ،وذلك لإلنسان دون الحيوان ،وال يقال إال ّ فيما يمكن أن يحصل له صورة في القلب”.
قال تعالي{ :كذلك يُبيّنُ هللاُ ل ُك ُم اآليات لعل ّكم تتف ّكرون}.
عرف صاحب (المعجم الوسيط) الفكر بقوله“ :الفكر إعمال العقل في المعلوم للوصول إلى معرفة
المجهول ،ويقال لي في األمر فكر نظر ورؤية[ ،و] الفكرة :الصورة الذهنية ألمر ما”،
أما صاحب الموسوعة الفلسفية فقد ذكر عدة تعريفات منها :الفكر [هو] النتاج األعلى للدماغ كمادة ذات
تنظيم عضوي خاص ،وهو العملية اإليجابية التي بواسطتها ينعكس العالم الموضوعي في مفاهيم وأحكام
ونظريات (…) هو الشرط الجوهري ألي نشاط آخر ،طالما أن هذا النشاط هو نتيجته المجملة
والمتمثلة ،والكالم هو صورة الفكر”(.)7
الفكر أو التفكير هي مجموع العمليات الذهنية التي تمكن اإلنسان من نمذجة العالم الذي يعيش فيه،
وبالتالي يمكنه من التعامل معه بفعالية أكبر لتحقيق أهدافه وخططه ورغباته.
هناك العديد من المصطلحات المرتبطة بمفهوم الفكر ،أهمها :اإلدراك ،الوعي ،شدة اإلحساس ،األفكار،
الخيال.
عملية التفكير تتضمن أيضا ً التعامل مع المعلومات ،كما في حالة صياغتنا للمصطلحات ،واإلسهام في
عملية حل المشكالت ،واالستنتاج واتخاذ القرارات.
يعتبر التفكير أعلى الوظائف اإلدراكية التي يندرج تحليلها وتحليل العمليات التي تسهم في التفكير ضمن
إطار علم النفس اإلدراكي .cognitive psychology
الفكر أيضا ً اتجاه يرتبط به اإلنسان بعد تفكير الختيار توجه يقيم على أساسه نهج حياته والقيم اإلنسانية
التي يسير عليها ،واالتجاهات الفكرية تتقاطع فيما بينها بشكل كبير ،كما أنه يمكن ألي إنسان اتخاذ
مجموعة من المباديء التي ال تنتمي لتوجه فكري معين واعتبارها توجها ً فكريا ً خاصا ً.
-3الفكر في القرآن الكريم
احتل الحث على استخدام العقل ،والدعوة إلى التفكر ،والتدبر ،والنظر ،مساحة واسعة في القرآن الكريم.
فقد جاءت مشتقات العقل في تسع وأربعين آية كلها بالصيغة الفعلية ،مثل يعقلون ،وتعقلون ،ونعقل،
وعقلوه ،ويعقلها ،بينما لم ترد كلمة العقل بالصيغة االسمية في القرآن ،وان وردت مرادفاتها بهذه
الصيغة ،مثل :اللبّ ،والحلم ،والحجر ،والنهى ،والقلب ،والفؤاد ،التي جاءت بمعنى العقل.
واشتمل القرآن على أكثر من ثالثمائة آية تتضمن دعوة الناس إلى التفكر أو التذكر أو التعقل ،أو ُتل ِّقن
النبي ـ صلى هللا عليه وآله وصحبه وسلم ـ الحجة إلثبات حق أو إلبطال باطل ،أو تحكي الحجة عن
أنبيائه وأوليائه .ولم يأمر هللا تعالى عباده في كتابه وال في آية واحدة أن يؤمنوا به أو بشيء مما هو عنده
أو يسلكوا سبيالً على العمياء وهم ال يشعرون ،حتى أنه علل الشرائع واالحكام التي جعلها لهم.
لقد وردت مشتقات الفكر في القرآن الكريم في عدة مواضع ،وحسب المعجم المفهرس أللفاظ القرآن
الكريم لمحمد فؤاد عبد الباقي وردت الكلمة في ثمانية عشر موضعا ً بصيغة الفعل ،وهذه الصيغ هي :
فكر/تتفكروا/تتفكرون/يتفكروا/يتفكرون بصيغة الفعل ،ولكثرتها نذكر منها علي سبيل المثال ال الحصر
قوله تعالى :
نظراً لطبيعة المعرفة في البيئة اإلسالمية األولى ،ودخول العلماء والمفكرين ميدان استنباط العلوم
والمناهج واألدلة ،وبروز إشكاالت من قبيل ما هو كالمي أو فلسفي في الثقافة المعرفية اإلسالمية ،كان
لهذا المفهوم حضوراً في مجموع السجالت والتأليفات ،وإن لم يكن في كثير من األحيان بصيغة الفكر،
وإنما جاء في كثير من المرات بصيغة :العقل والتأمل والتدبر والنظر.
يقول قاضي القضاه عبدالجبار الهمذاني في كتابه الشهير “شرح األصول الخمسة(“ :)33الفكر هو
المعنى الذي يوجب كون المرء متفكراً ،والواحد منا يجد هذه الصفة من نفسه ،ويفصل بين أن يكون
متفكراً أو بين أن ال يكون متفكراً ،وأجلى األمور ما يجده اإلنسان من نفسه”.
ويقسم القاضي النظر إلي نوعين :أولها النظر في أمور الدنيا ،كالنظر في العالجات والتجارات ،والثاني
النظر في أمور الدين ،وذلك على قسمين :أحدهما النظر في ال ُ
شبه لتحل ،والثاني النظر في األدلة
ليتوصل بها إلى المعرفة.
ويرى اإلمام أبو القاسم جار هللا الزمخشري في كتابه المنهاج في أصول الدين أن “النظر هو التأمل
واالستدالل :ترتيب علوم أو ظنون ليتوصل بها إلى علم أو ظن ،كمن رأى دخانا ً فعلم أن تحته ناراً،
فالذي ُتوصِّل به إلى هذا العلم ترتيب علمين قبله وهما :علمه أن الدخان ال يكون إال عن نار ،وعلمه أن
ما رآه دخان.
يقول اإلمام أبو حامد الغزالي“ :اعلم أن معنى الفكر هو إحضار معرفتين في القلب ليستثمر منهما معرفة
ثالثة” .وقد جعل الفكر مرادفا ً للتأمل والتدبر.
وبالنسبة إلمام الحرمين الجويني ،يدل الفكر على النظر ،يقول “ :والنظر في اصطالح الموحدين هو
الفكر الذي يطلب به من قام به علما ً أو غلبة ظن ؛ ثم ينقسم النظر إلى قسمين :إلى الصحيح وإلى
الفاسد”(.)31
ويعرفه التهانوي بقوله“ :وال شك أن النفس تالحظ المعقوالت في ضمن تلك الحركة ،فقيل :الفكر هو تلك
الحركة ،والنظر هو المالحظة التي في ضمنها ،وقيل لتالزمهما إن الفكر والنظر مترادفان”(.)37
وعرفه عبد الرحمن الزنيدي“ :والفكر في المصطلح الفكري -والفلسفي خاصة -هو الفعل الذي تقوم به
النفس عند حركتها في المعقوالت ،أي النظر والتأمل والتدبر واالستنباط والحكم ،ونحو ذلك .وهو كذلك
المعقوالت نفسها ،أي الموضوعات التي انتجها العقل البشري)31(.
وعرّف المرحوم الشيخ عباس القمّي الفكر بقوله“ :اعلم أنّ حقيقة التف ّكر طلب علم غير بديهي من
مقدمات موصلة إليه .وقيل التف ّكر سير الباطن من المبادئ إلى المقاصد ،وهو قريب من النظر ،وال
يرتقي أحد من النقص إلى الكمال إال بهذا السير”(.)31
وعرف الشيخ محمد رضا المظفر الفكر بقوله“ :تعرف مما سبق أن النظر -الفكر -المقصود منه إجراء
عملية عقلية في المعلومات الحاضرة ألجل الوصول إلى المطلوب”.
والمطلوب هو :العلم بالمجهول الغائب؛ وبتعبير آخر أدق :أنّ الفكر هو حركة عقلية بين المعلوم
والمجهول)22(.
وعرفه د.طه جابر العلواني بقوله“ :الفكر اسم لعملية تردد القوى العاقلة المفكرة في اإلنسان ،سواء أكان
قلبا ً أو روحا ً أو ذهنا ً بالنظر والتدبر ،لطلب المعاني المجهولة من األمور المعلومة ،أو الوصول إلى
األحكام أو النسب بين األشياء”)23(.
أما د .محمد عابد الجابري فيفرق في كتابه (إشكاليات الفكر العربي المعاصر) بين ثالثة مستويات من
الفكر:
والفكر كأداة.
والفكر كمحتوى.
ويعرف الفكر كأيديولوجيا بمعناها الواسع بأنها “مضمون الفكر ومحتواه ،أي جمله اآلراء واألفكار التي
يعبر بواسطتها هذا الشعب أو ذاك عن مشاكله واهتماماته ،عن مثله األخالقية ومعتقداته المذهبية
وطموحاته السياسية واالجتماعية ،وأيضا ً عن رؤيته لإلنسان والعالم”.
ويعرف الفكر كأداة بأنه“ :أداة إلنتاج األفكار سواء منها تلك التي تصنف داخل دائرة األيديولوجيا أو
داخل دائرة العلم ،هو أداة بمعنى أنه جملة مبادئ ومفاهيم وآليات ،تنتظم وتترسخ في ذهن الطفل الصغير
منذ ابتداء تفتحه على الحياة لتشكل فيما بعد “العقل” الذي به يفكر ،أي الجهاز الذي به يفهم ويؤول
ويحاكم ،ويعترض ،وهي عبارة عن عناصر متداخلة ومتشابكة بصورة تجعل منها بنية :أي منظومة من
العالقات الثابتة في إطار بعض التحوالت ،األمر الذي يعني أن الفكر أداة تعمل بثوابت معينة وأن عملها
ذاك ال يخترق حدوداً معينة كذلك ،هي الحدود التي تنتهي عندها التحوالت والتغيرات التي تقبلها تلك
الثوابت ،أي التي ال تمسها في ثباتها وتماسكها”(.)22
وإذا كان هذا هو التف ّكر بصورة عامّة ،وأن نتاج عملية التفكير ومحصلته العلمية يمكن أن نسميها
(الفكر) ،فلنقف إذن عند قضية أساسية في حياة األمّة اإلسالمية وأجيالها المتعاقبة وفي حياة البشرية،
وهي قضية (التفكير اإلسالمي) و(الفكر اإلسالمي) ،وماذا نقصد بكل منهما:
وبناء على ما قدمنا من تعاريف للفكر والتفكر نأتي هنا فنعرّ ف التفكير اإلسالمي ،وبما أنّ لكل عمل
عقلي ونشاط فكري منهجه ومنطلقاته وأهدافه ،وبما أ ّننا قد فهمنا أنّ التفكير حركة عقلية تبدأ من المعلوم
لتنتهي إلى اكتشاف المجهول ،فإذن هذه الحركة العقلية إذا ما مارست دورها في مجال المعارف
اإلنسانية كالفلسفة والتشريع وعلم األخالق والتوحيد ونظريات االقتصاد والسياسة واألدب وعلم النفس
االجتماعي وفلسفة التأريخ…إلخ ،ستمارس عملها كاآلتي:
3ـ تنطلق من مبادئ ومق ّدمات محدودة المعالم حسب المجال الفكري الذي تتحرّ ك فيه.
2ـ تسير وفق منهج وطريقة معينة تتناسب ونظرة المف ّكر وطريقته في التفكير.
فإن كانت هذه العملية الفكرية تنطلق من منطلقات ومق ّدمات فكرية إسالمية أو منسجمة مع الخط
اإلسالمي ،وسارت وفق منهج تفكير إسالمي ،واستهدفت تحصيل نتائج وفق هذه المقدمات وطريقة
التفكير التي اعتمدتها ،مستهدفة الحصول على نتائج فكرية ذات طابع وهوية إسالمية ،سيكون هذا
التفكير تفكيراً إسالميا ً .وأما إذا لم يجر التفكير وفق تلك المبادئ اإلسالمية الثالثة ،فلن نصفه بأ ّنه تفكير
إسالمي ،أل ّنه انطلق من مقدمات غير إسالمية ،وتحرّ ك وفق منهج تفكير غير إسالمي ،وانتهى بصورة
حتمية إلى نتائج غير إسالمية.
وإذن نستطيع أن نعرّ ف التفكير اإلسالمي بأ ّنه“ :كل حركة عقلية تجري على أسس إسالمية مستهدفة
تحصيل فكر إسالمي ملتزم”.