المرام في علوم القرآن

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 61

1

‫الحمدهلل الرحمن الرحيم قـــيوم الـــــــــسموات واألرضين‪.‬‬

‫الذي أنزل القرآن بلسان عربي على خير خلقه وافضل رسله‬

‫محمد بن عبد اهلل عـــليه وعلى آله أفضل صالة وتسليم‬

‫أمابعد‬

‫فإن خير الحديث كتاب اهلل‪ ،‬وخير الهدى هدى محمد صلى اهلل عليه‬

‫وسلم ‪ ،‬وشر األمور محدحثاهتا وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضاللة وكل‬

‫ضالة يف النار‪.‬‬

‫وإن القرآن كالم اهلل سبحانه ‪ ،‬أودع فيه الهدى والنور‪، ،‬أبان فيه العلم‬

‫والحكمة‪ ،‬فأقبل العلماء ينهلون من معينه‪ ،‬ويعبون من تفاخه‪ ،‬فاستنبط‬

‫الفقهاء من أحكامه‪ ،‬واهتدى أهل البيان بنظامه‪ ،‬وتفكر المتفكرون يف‬

‫قصصه وأخباره‪ ،‬وتأملت طائفة يف حججه وبراهينه‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫علوم القرآن‬
‫علوم القرآن هي العلوم المتعلقة بالقرآن من حيث نزوله وترتيبه‪ ،‬وجمعه‬

‫وكتابته‪ ،‬وقراءاته وتجويده‪ ،‬وعلوم التفسير ومعرفة المحكم والمتشابه‪،‬‬

‫والناسخ والمنسوخ‪ ،‬وأسباب النزول‪ ،‬وإعجازه‪ ،‬وإعرابه ورسمه‪ ،‬وعلم‬

‫غريب القرآن ‪ ،‬وغير ذلك من العلوم المتعلقة بالقرآن‬

‫علوم القرآن مركب إضايف‬

‫تعريف علوم القرآن‪ :‬علوم القرآن مركب إضايف يتكون من كلمتين‬

‫"علوم" و"القرآن" والمقام يقتضي أن نعرف كل كلمة وحدها لغة‬

‫واصطالحا‪ ،‬ثم نعقب على ذلك بتعريفهما معا ‪.‬‬


‫ً‬

‫‪3‬‬
‫العلوم‬
‫تعريف العلوم‪:‬‬

‫العلوم جمع علم‪ ،‬والعلم نقيض الجهل وهو مصدر مرادف للفهم‬

‫والمعرفة‪ ،‬ويراد به إدراك الشيء بحقيقته أو اليقين‪ ،‬أو هو نور يقذف اهلل‬

‫يف القلب‪.‬‬

‫ويطلق العلم على مجموع مسائل وأصول كلية تجمعها جهة واحدة‪ ،‬مثل‬

‫علم النحو‪ ،‬وعلم الطب‪ ،‬وعلم الكمياء‪.‬‬

‫ويجمع على ( علوم ) وقد تسمى به المباحث التي تتناول موضوعا واحدا‬

‫مثل ‪ :‬علوم العربية‪ ،‬والعلوم الطبيعية‪ ،‬والعلوم التجربية‪.‬‬

‫تعريف علوم القرآن‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫تمرين‬

‫‪ 1‬ــ هل اختلف العلماء يف لفظ القرآن؟‬

‫‪ 2‬ــ وعلى ماذا اتفقوا؟‬

‫‪ 3‬ــ بماذا يتصفون أصحابه؟‬

‫‪ 4‬ــ ما معنى علوم القرآن ؟‬

‫‪ 5‬ــ إلى كم يتكون ؟‬

‫‪ 6‬ـــ العلوم جمع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ؟‬

‫‪5‬‬
‫تعريف القرآن لغة‪:‬‬

‫اختلف العلماء ــ رحمهم اهلل تعالى ــ يف لفظ القرآن لكنهم اتفقوا على أنه‬

‫اسم فليس بفعل وال حرف‪ .،،‬وهذا االسم شأنه شأن األسماء يف العربية‬

‫إما أن يكون جامدا أو مشتقا‪.‬‬

‫نشأة علوم القرآن وتطورها‬


‫أ ‪ -‬عهد ما قبل التدوين‪ :‬كان رسول اهلل ص ّلى اهلل عليه وس ّلم وأصحابه‬

‫يعرفون عن القرآن وعلومه ما عرفه العلماء من بعد‪ ،‬ولكن معرفتهم لم‬

‫تدون‪ ،‬ولم تجمع يف كتاب‪ ،‬لعدم حاجتهم إلى ذلك‪ ،‬فقد كان رسول اهلل‬
‫ّ‬

‫ص ّلى اهلل عليه وس ّلم بين أظهرهم ينزل عليه الوحي فير ّتله على مسامعهم‪،‬‬

‫ويكشف لهم عن معانيه وأسراره بوحي من ر ّبه‪ ،‬وكان الصحابة عربا‬


‫‪6‬‬
‫وتذوق البيان وتقدير األساليب‪ ،‬فأدركوا من‬
‫ّ‬ ‫خ ّلصا‪ ،‬ي ّتصفون بقوة الذاكرة‬

‫علوم القرآن ما لم ندركه نحن‪ ،‬وكانت األمية متفشية بينهم ووسائل‬

‫ميسرة لديهم‪ ،‬ومع ذلك فقد نشطوا يف نشر اإلسالم‬


‫الكتابة بدائية وغير ّ‬
‫وتعاليمه والقرآن وعلومه تلقينا ومشافهة‪.‬‬

‫تم يف عهد الخليفة الثالث‬ ‫ب‪ -‬عهد التمهيد لكتابة علوم القرآن‪ّ :‬‬
‫إن ما ّ‬
‫عثمان بن عفان رضي اهلل عنه من جمع القرآن يف مصحف إمام‪ ،‬ونسخ‬

‫يسمى‬
‫عدة نسخ منه إلرسالها إلى األقطار اإلسالمية كان األساس لما ّ‬

‫(علم رسم القرآن)‪.‬‬

‫يسمى (علم النحو) بعد‬


‫علي رضي اهلل عنه وضع األساس لما ّ‬
‫ويف عهد ّ‬
‫علي رضي اهلل عنه أبا األسود الدؤلي أن يضع بعض القواعد‪،‬‬
‫أن أمر ّ‬
‫لحماية لغة القرآن من العجمة وتفشي اللحن بين الناس‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫األموي أسهم عدد من الصحابة والتابعين يف وضع األساس لما‬
‫ّ‬ ‫ويف العهد‬

‫يسمى (علم التفسير) و (علم أسباب النزول) و(علم الناسخ والمنسوخ)‬


‫ّ‬
‫و (علم غريب القرآن‪.‬‬

‫ج‪ -‬عهد التدوين‪ :‬ويف هذا العهد أ ّلفت الكتب يف أنواع علوم القرآن‪،‬‬

‫وا ّتجهت الهمم أول األمر إلى التفسير باعتباره أ ّم العلوم القرآنية‪،‬‬

‫‪8‬‬
‫تمرين‬

‫‪ 1‬ــ هل اختلف العلماء يف لفظ القرآن؟‬

‫‪ 2‬ــ وعلى ماذا اتفقوا؟‬

‫‪ 3‬ــ بماذا يتصفون أصحابه؟‬

‫‪ 4‬ــ كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يعرفون عن القرآن ــــــــــــــــ‬

‫‪ 5‬ـــ إن ما تم يف عهد الخليفة الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 6‬ــ ويف عهد علي رضي اهلل عنه وضع األساس ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 7‬ــ ويف عهد األموي أسهم عدد من الصحابة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪-‬‬

‫‪9‬‬
‫خصائص القرآن الكريم‬

‫‪ 1‬ــ القرآن كالم اهلل المنزل على رسولنا محمد ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬

‫المبدوء بسورة الفاتحة المختوم بسورة الناس‪.‬‬

‫‪ 2‬ــ التعبد بتالوته يف الصالة وغيرها وأخذ الثواب على قراءته؛ لقول ‪-‬‬

‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :-‬من قرأ حر ًفا من كتاب اهلل فله به حسنة‪،‬‬

‫والحسنة بعشر أمثالها‪ ،‬ال أقول‪[ :‬ألم] حرف‪ ،‬ولكن‪ :‬ألف حرف‪ ،‬والم‬

‫حرف‪ ،‬وميم حرف»‪ .‬صحيح رواه الرتمذي‬

‫ُ‬
‫أحاديث صحيحة كسورة‪( :‬البقرة‪ ،‬وآل عمران‪،‬‬ ‫وقد ورد يف قراءة سوره‬

‫والملك‪ ،‬والكهف‪ ،‬والمعوذات) وغيرها‪.‬‬

‫‪ 3‬ــ الصالة ال تصح إال بقراءة القرآن لقوله ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ « :-‬ال‬

‫‪10‬‬
‫صالة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»‪[ .‬متفق عليه‪[.‬‬

‫‪ 4‬ـــ القرآن سل َم من التحريف والتبديل؛ لقوله تعالى‪ ﴿ :‬إ َّنا َن ْح ُن َن َّز ْلنَا‬

‫الذك َْر َوإ َّنا َل ُه َل َحاف ُظ َ‬


‫ون ﴾ [الحجر‪[.9 :‬‬ ‫ِّ‬

‫حرفها (اليهود‬
‫أما بقية الكتب الســــــــــماوية كالتـــوراة واإلنجيل فقد َّ‬

‫والنصارى‪.‬‬

‫القرآن المدين والمكي‬

‫قسم العلماء اآليات القرآنية إلى آيــــ ٍ‬


‫ات مك ّية ومدن ّية‪ ،‬حيـــــث َّ‬
‫إن اآليات‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬

‫المك ّية هي اآليات التي نزلت على النبي صلى اهلل عليه وسلم وهو يف م ّكة‬

‫الم ّكرمة قبل الهجرة إلى المدينة المنورة‪ ،‬بينما اآليات المـــــدن ّية هي التي‬

‫نزلت على النبي صلى اهلل عليه وسلم بعد الهجرة إلى المــــــــدينة المنورة‬

‫‪11‬‬
‫سواء نزلت يف م ّكة المكرمة بعد الفتح أو يف المدينة المنورة أو أي مكان‬

‫آخر‪.‬‬

‫لقد هاجر النبي صلى اهلل عليه وسلم والصحابة من م ّكة الم ّكرمة إلــــــى‬

‫المدينة المنورة بعد ثالثة عشر عامًا من البعثة‪ ،‬حيث عانوا من الظلــــــم‬

‫والتعذيب على يد المشركين يف مكة المكرمة‪ ،‬وقرر النبي الهجرة بعد أن‬

‫تأكّد من رسوخ قواعد الدين عند المسلمين‪ ،‬واستعداد األنصــــار إلقامة‬

‫الدولة اإلسالمية‪.‬‬

‫الفرق بين اآليات المكية والمدنية خا َطب اهلل تعالى النَّـــــــــاس يف اآليات‬

‫والقوة‪ّ ،‬‬
‫ألن الدعوة يف تلك الفرتة كانت موجهة إلى‬ ‫ّ‬ ‫المك ّية بنو ٍع من ِّ‬
‫الشدة‬

‫المشركين والمعرضين‪ ،‬فتناسب األسلوب القاسي معهم‪ ،‬بينما يف اآليات‬

‫المدن ّية كان األسلوب أكثر لينًا وسهولةً؛ ألن النّاس يف تلـــــك الفرتة كانوا‬

‫ممن دخلوا اإلسالم واتجهوا إلى اهلل تعالى‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫اتسمت اآليات المكية بقصرها وبتقديم الحجج للمشركين‪ ،‬بينما اتسمت‬

‫اآليات المدنية بطول اآليات وذكر األحكام من دون حججٍ ‪.‬‬

‫ركّزت اآليات المكية على ترسيخ العقيدة ووحــــــدان ّية اهلل تعـــــالى؛ ألن‬

‫الموجه لهم الخطاب كانوا ُيشركون باهلل تعـــــــالى ويعبدون معـــــه‬


‫الناس ّ‬

‫األشياء األخرى‪ ،‬بينما اآليات المدن ّية ركزت على تفصــــيل العبــــــــادات‬

‫والمعا َمالت؛ ألن العقيدة قد ترسخت جيد ًا يف قلوب المسلمين‪ ،‬كـما أهنا‬

‫ركّزت على ذكر الجهاد ومنافعه وأجره ألن المسلمين يف تلك الفرتة كانوا‬

‫اإلسالمي يف مختلف بقاع األرض‪ ،‬لذلك كانوا بحاجة إلى‬


‫ّ‬ ‫ينشرون الدين‬

‫التحفيز على الجهاد‪.‬‬


‫‪13‬‬
‫تمرين‬

‫‪ 1‬ــ القرآن كالم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 2‬ــ التعبد بتالوته يف الصالة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 3‬ــ الصالة ال تصح إال ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 4‬ــ القرآن سليم من ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 5‬ــ لقد هاجر النبي صلى اهلل عليه وسلم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 6‬ــ ما دليلك بأن القرآن سليم من التحريفات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 7‬ــ هل هناك تحريفات يف كتب التي أزلها الرحمان ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 8‬ــ هل تصح الصالة بدون قراءة القرآن ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 9‬ــ هل قسم العلماء اآليات القرآنية إلى مكية ومدنية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 10‬ــ ما الفرق بين آيات المكية والمدنية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪14‬‬
‫أسباب نزول القرآن الكريم‬

‫عرف سبب نزول القرآن الكريم بأ َّنه‪ :‬ما نزل من اآليات الكريمة المرتبطة‬
‫ُي ّ‬
‫خاص‪ ،‬أي ّ‬
‫إن هذه اآليـــــات جاءت لتجيــــــب عن‬ ‫ٍ‬
‫بحدث مع ّين أو سبب‬
‫ّ‬

‫الموجهة للرسول –صـــلى اهلل عليه‬


‫ّ‬ ‫تساؤالت الحادثة الواقعة‪ ،‬أو األسئلة‬

‫وس ّلم‪.‬‬

‫وبمعنى آخر ُيقصد بسبب النزول‪ :‬العلم الذي ُيعنى بالبحث عن مكان أو‬
‫ً‬
‫تحدثت عنها آية أو سورة؛ كحدوث خطأ ما‪ ،‬أو وقـــوع‬
‫زمان وقوع حادثة َّ‬
‫ٍ‬
‫سؤال حصل يف الماضي أو سيحصــــــل يف الــــــــمستقبل‪،‬‬ ‫خصومة ما‪ ،‬أو‬

‫وهكذا‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫التعرف على معــــــــنى سبب‬
‫تم ّ‬ ‫صور أسباب نزول القرآن الكريم بعد أن ّ‬

‫نزول القرآن‪ ،‬سننقل فيما يأيت بيــــــــــــان صور القـــــــــــرآن الـــــــــــــكريم‬

‫وقوع حادثة َّ‬


‫إن من صور أسباب النزول وقوع حادثة مع ّينة‪ ،‬فتنزل اآليات‬

‫المتـع ّلق هبا‪ ،‬ومــــــثال‬


‫الخاص ُ‬
‫ِّ‬ ‫السالم‪ -‬لتب ّين السبب‬
‫على الرسول ‪-‬عليه ّ‬
‫ذلك حادثة اإلفك‪ ،‬فقد نزلت اآليات من سورة النور بعد تلك الحـــــادثة‪،‬‬

‫وفيها أحكا ٌم للمؤمنين ولتربأة السيدة عائشة‪ .‬ومن األمثلة كذلك مجــادلة‬

‫خولة بنت ثعلبة للرسول ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬عندما ظاهرها زوجهــا‬

‫أوس بن الصامت‪ ،‬فنزلت سورة المجادلة‪ ،‬قال ‪-‬تعالى‪َ ( :-‬ق ْد َسمـــ َع ُ‬


‫اهلل‬

‫حاو َركُمــــا إ َّن‬ ‫َق ْو َل ا َّلتي ُتجاد ُل َك في َز ْوجها َو َت ْش َتكي إ َلى اهلل َو ُ‬
‫اهلل َي ْس َم ُع َت ُ‬

‫يع َبص ٌير)‪.‬‬


‫اهلل َسم ٌ‬
‫َ‬

‫للرسول ‪-‬عليه الصالة السالم‪ -‬يف‬ ‫فالكثير من األسئلة التي كانت ُت ّ‬


‫وجه ّ‬
‫ٍ‬
‫أمر مع ّين‪ ،‬وكان ينزل الوحي جربيل ‪-‬عليه السالم‪ -‬باآليات التي تجيب‬

‫‪16‬‬
‫عن هذه األسئلة‪ ،‬وتبدأ غالبًا بـ‪" :‬يسألونك عن"‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك‬

‫السؤال عن مشاركة األيتام‪ ،‬وأحكام الحيض‪،‬‬

‫واألحكام المتعلقة بشارب الخمر‪،‬‬

‫وغيرها من األمثلة التي نزل فيها القرآن باإلجابة عليها‪.‬‬

‫فوائد معرفة سبب النزول إن لمعرفة سبب النزول فوائدة عديدة‪ ،‬وفيمـــــا‬

‫أهمها‪:‬‬
‫يأيت ذكر ِّ‬

‫الحكم الشرعي له ح َك ٌم بالغة‪ ،‬وال ّ‬


‫تتم معرفة هذه الحكمة إال بمعــــــــرفة‬

‫سبب النزول‪.‬‬

‫تكمن يف سبب مخــصوص‪.‬‬ ‫التخصيص يف الحكم على من يرى َّ‬


‫أن العربة ُ‬
‫للمفسر أن‬
‫ّ‬ ‫إزالة ال ّلبس واإلشكال يف فهم اآليات الكريمة‪ ،‬حيث ال ُيمكن‬

‫تفسيرا دقي ًقا على اآليات َّإال بمعرفة سبب النّزول‪.‬‬


‫ً‬ ‫يطلق‬

‫‪17‬‬
‫معرفة المعنى الدقيق لآليات‪ ،‬فال يتسنَّى ذلك إال بمعرفة سبب النـــــزول‪.‬‬

‫أمثلة على أسباب النزول‬

‫هناك الكثير من اآليات التي نزلت بسبب حادثة معينة‪ ،‬وفيما يأيت بيــــــــان‬

‫بعض األمثلة على أسباب النّزول صعد الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وســـلم‪-‬‬

‫وخص بذلك عشيرته؛ استجابة ألمر الـــله‬


‫َّ‬ ‫على جبل الصفا لدعوة للنّاس‬

‫(و َأ ْنذ ْر َعش َير َت َك األَ ْق َربي َن)‪ ]8[،‬حيث أخربهـــــــــــم‬


‫‪-‬تعالى‪ -‬حين قال‪َ :‬‬

‫للم ْعرضين‪ ،‬فأجاب أبو لهب‪ :‬تبــــــــــــــــًا لك‪ ،‬فأنزل اهلل‬


‫بالعذاب الشديد ُ‬
‫‪-‬تعالى‪َ ( :-‬ت َّب ْت َي َدا َأبي َل َه ٍ‬
‫ب َو َت َّ‬
‫ب)‪.‬‬

‫هنى الرسول ‪-‬عليه السالم‪ -‬عن االستغفار للميت غير المســــــــــــــــــلم؛‬

‫كاالستغفار لعمه أبي طالب عندما مات مشركًا‪ ،‬قال ‪-‬تعالى‪( :-‬ما كـــــا َن‬

‫للنَّب ِّي َوا َّلذي َن آ َمنُوا َأ ْن َي ْس َت ْغف ُروا ل ْل ُم ْشركي َن َو َل ْو كا ُنوا ُأولـــــــــــي ُق ْربى‪.)..‬‬

‫‪18‬‬
‫سر رسول اهلل ‪-‬عليه الـــــــــــــــصالة‬
‫أخرب حاطب بن أبي بلتعة المشركين ّ‬
‫والسالم‪ -‬بعد أن عزم على فتح م ّكة‪ ،‬فأنزل اهلل ‪-‬تعالى‪( :-‬يــــا َأ ُّي َها ا َّلذي َن‬

‫آ َمنُوا ال َت َّتخ ُذوا َع ُد ِّوي َو َع ُد َّوك ُْم َأ ْوليا َء ُت ْل ُق َ‬


‫ون إ َل ْيه ْم با ْل َم َو َّدة َو َق ْد َك َف ُروا بما‬

‫الر ُس َ‬
‫ول َوإ َّياك ُْم أن تؤمنوا باهلل ر ِّبكم إن كنـــــتم‬ ‫جا َءك ُْم م َن ا ْل َح ِّق ُي ْخر ُج َ‬
‫ون َّ‬

‫خرجتم جهاد ًا يف سبيلي وابتغاء مرضايت ُّ‬


‫تسرون إليهم بالمو َّدة وأنا أعلــــم‬

‫بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد َّ‬


‫ضل سواء الســــــــبيل)‪]11[.‬‬

‫المراجع هل لديك سؤال؟ اسأل هنا هل كان المقال مفيد ًا؟ نعم ال مـــــــــا‬

‫الحكمة من‬

‫إعجاز القرآن يف اإلسالم‬

‫هو اعتقاد عند المسلمين ينص على أن القرآن له صفة إعجازية من حيث‬

‫المحتوى والشكل‪ ،‬وال يمكن أن يضاهيه كالم بشري‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫ووف ًقا لهذا اإلعتقاد‪ ،‬فإن القرآن هو الــــــــــدليل المعطى للنبي محمد ﷺ‬

‫للداللة على صدقه ومكانته النبوية‪ .‬يؤدي اإلعجاز غرضين رئيسين األول‬

‫وهو أثبات أصالة القرآن وصحته كمـصدر من إله واحد‪ .‬والثاين هو إثبات‬

‫صدق نبوة محمد ﷺ الذي نزل عليه ألنه كان ينقل الرسالة‪.‬‬

‫ظهر مفهوم إعجاز القرآن منذ اليوم األول لقيام النبي محمد ﷺ بتبليغه‬

‫للعرب حيث كان يبلغ من العمر آنذلك ‪ 40‬عا ًما‪.‬‬

‫صفحة من القرآن الكريم تعود إلى القرن السادس عشر ‪ .‬كتب عليها اآلية‬

‫‪(:‬ال يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا)‬

‫ضعيف‪ .‬والمـعنى‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫عاجز‪ .‬أي‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫عجز عجز ًا‪ ،‬فهو‬
‫مشتق من ُ‬
‫ٌ‬ ‫اإلعجاز لغةً‪:‬‬

‫ضعف عن الشئ‪ ،‬ولم يقدر عليه‪ ،‬ويقال أعجزين ٌ‬


‫فالن إذا عجــــــزت عن‬

‫طلبه وإدراكه‪ .‬واإلعجاز القرآين مصطلح يدل على‪ :‬قصور اإلنس والجن‬
‫ٍ‬
‫بسورة من مثله‪.‬‬ ‫عن أن يأتوا بمثل القرآن الكريم أو‬

‫‪20‬‬
‫وقد بين القرآن ما أصاب العرب عند سماعهم آياته ألول مرة‪ ،‬فبعضهم‬

‫وصف النبي محمد ﷺ بأنه شاعر فأنزل اهلل تعالى يف سورة يس ) ‪َ :‬و َما‬

‫الش ْع َر َو َما َينْ َبغي َل ُه إ ْن ُه َو إ َّال ذك ٌْر َو ُق ْر ٌ‬


‫آن ُمبي ٌن(‬ ‫َع َّل ْمنَا ُه ِّ‬

‫‪ ،‬وبعضهم قال أن النبي محمد ﷺ قد نقل هذا الكالم ممن سبقوه‪ ،‬يقول‬

‫اهلل تعالى يف سورة الفرقان ) ‪َ :‬و َقا ُلوا َأ َساط ُير ْاألَ َّولي َن ا ْك َت َت َب َها َفه َي ُت ْملـــــَى‬

‫َع َل ْيه ُب ْك َر ًة َو َأص ًيال( ‪،‬‬

‫بينما اهتم بعضهم النبي محمد ﷺ بأنه ساحر يقول اهلل تعالى يف ســـــورة‬

‫َان للنَّاس َع َج ًبا َأ ْن َأ ْو َح ْينَا إ َلى َر ُج ٍل من ُْه ْم َأ ْن َأ ْنذر الن َ‬


‫َّاس َو َب ِّشر‬ ‫يونس ) َأك َ‬

‫ا َّلذي َن آ َمنُوا َأ َّن َل ُه ْم َق َد َم ص ْد ٍق عن َْد َر ِّبه ْم َق َال ا ْل َكاف ُر َ‬


‫ون إ َّن َه َذا َل َســــــاح ٌر‬

‫ُمبي ٌن(‬

‫‪21‬‬
‫وف ًقا لصوفيا فاسالو وهي باحثة معاصرة يف علم الالهوت‪ ،‬فإن األخبار‬

‫التي وصلت إلينا عن طريقة تلقي العرب للقرآن وإصابتهم بالحيرة أمر‬

‫بالغ األهمية يف النقاشات‪ .‬تقول صوفيا ‪«:‬إن العرب لما سمعوا القرآن‬

‫أحتاروا يف محاولة تصنيف كلماته وتسائلوا‪ :‬هل هذا شعر؟" "هل هذا‬

‫سحر؟" "هل هو أساطير؟" لم يتمكن العرب من العثورعلى أي شكل‬

‫أدبي يتوافق مع القرآن»‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫تمرين‬

‫تمرين‬

‫‪ 1‬ــ يعرف سبب نزول القرآن الكريم بأنه ـــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 2‬ــ ومعنى آخرى يقصد بسبب النزول ـــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 3‬ـــ فوائد معرفة أسبب النزول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 4‬ـــ الحكم الشرعي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 5‬ـــ التخصص يف الحكم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 6‬ــ هناك الكثير من اآليات نزلت حدثة معين ـــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 7‬ــ نهى الرسول عليه السالم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 8‬ــ ماهو اإلعجاز القرآن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪23‬‬
‫تعريف رسم المصحف وفائدته‬

‫ختص بمعرفة ُمخالفة الرسم‬


‫المصحف بأ ّنه العلم الذي ُي ّ‬
‫ُيعرف علم رسم ُ‬
‫القياسي‪ ،‬وذلك من حيث الحـذف‬
‫ّ‬ ‫يف المصاحف ال ُعثمان ّية ألصول الرسم‬

‫والزيادة والبدل والفصل والوصل وغير ذلك‪ ،‬وفائدة دراسة هذا العـــــلم‬

‫المصحف اإلمام الذي كـــتبه‬


‫تتمحور حول حفظ المصاحف من ُمخالفة ُ‬
‫ختصــــــــين‬ ‫الصحابة الكرام‪ -‬رضي اهلل عنهم‪ ،-‬وهذه الفائدة تتح ّقق ُ‬
‫للم ّ‬
‫والمهتمين برسمها‪ ،‬كـــــــــما ّ‬
‫أن‬ ‫بال ُقرآن و ُعلومه‪ ،‬والدارسين للغة العرب ّية ُ‬
‫القارئ لل ُقرآن يكون على يقين بأ ّنه الكالم الذي أنزله اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬عــــلى‬
‫نبيه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬بال خلل يف أي ٍ‬
‫جهة منه‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ألن جـميعها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫مستند إلى ُصحف أبي بكر ‪-‬رضي اهلل عنه‪ ،-‬وتمييز فيه القراءة الصحيحة‬

‫من الشا ّذة؛ ألن من أركان القراءة الصحيحة موافقتها للرسم ال ُعثماينّ‪ ،‬كما‬

‫‪24‬‬
‫أ ّنه ُيم ّثل مرحلة من مراحل ّ‬
‫تطور الكتابة العرب ّية التي تؤ ّدي إلى بناء ال ُتراث‬

‫المصحف وعالمات ذلك‪.‬‬


‫والحضاري‪ ،‬وفيه فهم ضبط ُ‬
‫ّ‬ ‫العلمي‬
‫ّ‬

‫المصحف إلى ّ‬
‫أن‬ ‫تاريخ رسم المصحف يعود السبب يف ُظهور علم رسم ُ‬
‫المصحف كانوا يكتبونه بما يجدونه يف ُصحـــــــــفهم‪،‬‬
‫النّاس يف زمن كتابة ُ‬
‫وساروا على ذلك يف زمن الصحابة ‪-‬رضي اهلل عنهم‪ -‬والتـــــــــــــــــابعين‬

‫وتابعيهم‪ ،‬إلى أن َأ َّسس ُعلماء ال ُلغة يف البصرة والكوفة ضوابط للكتـــــــابة‬

‫وروابط لبناء أقيستهم النحو ّية عليها‪ ،‬وكذلك أصولهم الصرف ّية بنا ًء عـــلى‬

‫المصحف بالخـــ ّط‬


‫اإلصطالحي المخرتع وسموه رسم ُ‬
‫ّ‬ ‫القياسي أو‬
‫ّ‬ ‫الخط‬

‫الم ّتبع‪ ،‬وكانوا ُك ّلما ّ‬


‫تقدم هبم الزمن ظهرت الحاجة إلى ضبط الــــــــقواعد‬

‫وتوحيدها‪ ،‬وقد بقي ال ُقرآن الـــــــكريم على رسمه ّ‬


‫األول الذي كــــــــتبه به‬

‫‪25‬‬
‫الصحابة الكرام ‪-‬رضي اهلل عنهم‪-‬؛ ليكون بعيد ًا عن التحريف والتبديل‬

‫والخطأ‪ ،‬وقد أ ّدى ذلك إلى ُظهور اختالف بين كتابة ُ‬


‫المصحف والكتابة‬

‫مما أ ّدى بعلماء القراءات والرسم إلى تأليف كتب لشــرح هذه‬
‫اإلمالئية ّ‬
‫العلمي‬
‫ّ‬ ‫االختالفات وبياهنا‪ ،‬وذلك بضبط القواعد واألصول مع التطبيق‬

‫لها من الكلمات ال ُقرآن ّية‪،‬‬

‫تقدمين‬
‫الم ّ‬
‫وأ ّما التفريق بين تاريخ علم رسم المصحــــــــف ومكانته بين ُ‬
‫المتقدم ّين‪ :‬أجاز النبي –عـــليه‬ ‫ّ‬
‫والمتأخرين فكان على النحو اآليت‪ :‬عند ُ‬
‫المصحف بما كتبه ُك ّتاب الوحي من الصــــحابة‬
‫الصالة والسالم‪ -‬رسم ُ‬
‫الكرام ‪-‬رضي اهلل عنهم‪ُ ،-‬ث ّم جاء أبو بكر ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬وكتــــــبه يف‬

‫مصحف واحد على نفس الرسم‪،‬‬

‫‪26‬‬
‫وأقره‬
‫المصحف بنفس الرسـم‪ّ ،‬‬
‫وجاء بعده ُعثمان ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬ونسخ ُ‬
‫على ذلك الصحابة الكرام ‪-‬رضي اهلل عنهم‪ ،-‬ولم ُيخالف به أحــــد حتى‬

‫المخالفة للنطق‪،‬‬
‫المصحف بعض الكلمات ُ‬
‫تابعي التابعين‪ ،‬وكان يف رسم ُ‬
‫تخص أســـرار‬
‫ّ‬ ‫وبعضها اآلخر ُترسم بغير الرسم ُ‬
‫المعتاد؛ ألغراض شريفة‬

‫ال ُقرآن‪ ،‬وقد ُسئل اإلمام مالك عن كتابة ُ‬


‫المصحف باللهجات الحـــــديثة؛‬

‫األول له‪ ،‬وجاء عن البيهقي قوله‪ّ :‬‬


‫إن كتــــــــــــابة‬ ‫فأجاب أن ُيكتب بالرسم ّ‬

‫المصحف ينبغي أن تكون على الهجاء الذي كُتب به؛ ألن كتابته على زمن‬
‫ُ‬
‫النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬كانت حسب ما كان ينقله عن جـــــــــــربيل‬

‫‪-‬عليه السالم‪ ،-‬بدليل ّ‬


‫أن أ ّول كلمة كانت إقرأ وتعني قراءته من الكتــاب‪.‬‬

‫وصى مجمع ال ُبحوث اإلسالم ّية باألزهر باعتماد الرسم‬


‫المعاصرين‪ّ :‬‬
‫عند ُ‬
‫للمحافظة عليه‪.‬‬
‫المصحف؛ ُ‬
‫ال ُعثماينّ لكتابة ُ‬

‫‪27‬‬
‫تمرين‬

‫‪ 1‬ـــ ما معنى اإلعجاز ؟‬

‫‪ 2‬ــ إذكر معجزة واحدة ؟‬

‫‪ 3‬ــ ماهو تعريف رسم المصحف؟‬

‫‪ 4‬ـــ تحدث عن تاريخ رسم المصحف؟‬

‫‪ 5‬ــ ما دليلك بأن القرآن سليم من التحريفات ؟‬

‫‪ 6‬ــ هل تصح الصالة بدون قراءة القرآن ؟‬

‫‪ 7‬ــ هل قسم العماء اآليات القرآنية إلى مكية ومدينة ؟‬

‫‪28‬‬
‫أعداده‬

‫‪29‬‬
‫أسماء المالئكة يف القرآن‬

‫جبريل‬

‫ميكائيل‬

‫هاروت‬ ‫ماروت‬ ‫مالك‬

‫‪30‬‬
‫أسماء الكواكب يف القرآن الكريم‬

‫‪31‬‬
‫األمثال يف القرآن ‪ ..‬أنواعها والحكمة منها‬

‫األمثال يف القرآن لها بالغة خاصة ال يدركها إال العارف بأسرار اللغة‬

‫العربية‪ ،‬وضرب األمثال يف القرآن من اهلل تعالى لعباده لسهولة الفهم‬

‫واإلدراك ولسهولة الوصول إليه حتى ال يكون ألحد حجة يوم القيامة‬

‫‪.‬فكل الدالئل العقلية والكونية واألدبية تشير بنفس واحد ال إله إال اهلل‬

‫تعريف المثل‬

‫المثل هو إعطاء شيء منزلة شيء عن طريق التشبيه وبيان وجه الشبه‪ ،‬وال‬

‫جانب‬
‫ٌ‬ ‫يلزم يف الشبيه المطابقة من كل الوجوه‪ ،‬بل يكفي فيه أن ُيلمح منه‬

‫‪.‬فيه شب ٌه ما يحقق الغرض من التشبيه‬

‫‪32‬‬
‫لماذا ضرب اهلل األمثال يف القرآن؟‬

‫ضرب اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬يف القرآن الكريم األمثال للناس لعلهم يتذكرون‪،‬‬

‫ويتفكرون‪ ،‬ويعتربون‪ ،‬وجعل يف ضرب األمثلة تربي ًة قرآنية عالي ًة لكل‬

‫‪.‬إنسان يتقبل الهدى والعلم النافع‬

‫وضرب األمثال يف القرآن لقضايا أو سنن أو أعمال تتشابه مع أحوال‬

‫األفراد والجماعات‪ ،‬ليفهم الناس من خاللها كيف يتعاملون معها‬

‫‪.‬ويقيسوا كل ما شاهبها على مر الزمان‬

‫وحكما‬
‫ً‬ ‫وكما قال بعض السلف الحريصين على فهم القرآن ً‬
‫أمثاال‬

‫وقصصا‪ ،‬قال هذا الرجل‪" :‬كنت إذا قرأت‬


‫ً‬ ‫وتوحيدا‬
‫ً‬ ‫وأحكا ًما‪ ،‬وتشريعات‬

‫ً‬
‫مثال من القرآن‪ ،‬فلم أفهمه‪ ،‬بكيت على نفسي؛ ألن اهلل تعالى يقول‪:‬‬

‫(وت ْل َك ْاألَ ْم َث ُال َن ْضر ُب َها للنَّاس َو َما َي ْعق ُل َها إ َّال ا ْل َعال ُم َ‬
‫ون) [العنكبوت‪]43:‬‬ ‫َ‬

‫فأبكي؛ ألنني لست من العالمين الذين عرفوا هذه األمثلة"‪ ،‬وهذه اآلية‬

‫كثيرا‬
‫نمر هبا ً‬
‫التي قرأناها ُّ‬
‫‪33‬‬
‫المثال الصريح يف القرآن‬

‫لمن لم يهتد‬ ‫ُ‬


‫األمثال الصريحة يف القرآن الكريم من أجل الهداية َ‬ ‫وجاءت‬

‫من الناس‪ ،‬ولزيادة اإليمان لمن كان اهلل تعالى قد هدا ُه؛ قال تعالى‪َ ﴿ :‬ف َأ َّما‬

‫ون َأ َّن ُه ا ْل َح ُّق م ْن َر ِّبه ْم َو َأ َّما ا َّلذي َن َك َف ُروا َف َي ُقو ُل َ‬


‫ون َما َذا‬ ‫ا َّلذي َن آ َمنُوا َف َي ْع َل ُم َ‬

‫َأ َرا َد ُ‬
‫اهلل ب َه َذا َم َث ًال ُيض ُّل به كَث ًيرا َو َي ْهدي به كَث ًيرا َو َما ُيض ُّل به إ َّال ا ْل َفاسقي َن‬

‫‪[ ﴾].‬البقرة‪26 :‬‬

‫أنواع األمثال يف القرآن‬

‫ُ‬
‫األمثال يف ال ُقرآن الكريم على وجوه‬ ‫‪ُ :‬ضربت‬

‫من األمثال يف القرآن‪ :‬إخراج الغامض إلى الظاهر‪ :‬ولما لألمثال من‬

‫فوائد؛ امت َّن اهلل تعالى علينا بقوله‪َ ﴿ :‬و َض َر ْبنَا َل ُك ُم ْاألَ ْم َث َال ﴾ [إبراهيم‪:‬‬
‫َ‬

‫‪34‬‬
‫‪ ،]45‬وبقوله تعالى‪َ ﴿ :‬وت ْل َك ْاألَ ْم َث ُال َن ْضر ُب َها للنَّاس َو َما َي ْعق ُل َها إ َّال‬

‫مثال؛ ألنه ٌ‬
‫ماثل بخاطر اإلنسان‬ ‫وس ِّمي ً‬ ‫ا ْل َعال ُم َ‬
‫ون ﴾ [العنكبوت‪ُ ،]43 :‬‬
‫‪.‬أبدا؛ أي‪ :‬شاخص‪ ،‬فيتأسى به وي َّتعظ‬
‫ً‬

‫ومنها ما يأيت فيها المثل بمعنى الصفة؛ كقوله تعالى‪َ ﴿ :‬ول َّله ا ْل َم َث ُل ْاألَ ْع َلى‬

‫﴾ [النحل‪ ،]60 :‬وقوله تعالى‪َ ﴿ :‬م َث ُل ا ْل َجنَّة ا َّلتي ُوع َد ا ْل ُم َّت ُق َ‬


‫ون َت ْجري م ْن‬

‫َت ْحت َها ْاألَ ْن َه ُار ُأ ُك ُل َها َدائ ٌم َوظ ُّل َها ت ْل َك ُع ْق َبى ا َّلذي َن ا َّت َق ْوا َو ُع ْق َبى ا ْل َكافري َن‬

‫الن َُّار ﴾ [الرعد‪ ،]35 :‬وقوله تعالى‪َ ﴿ :‬ذل َك َم َث ُل ُه ْم في ال َّت ْو َراة َو َم َث ُل ُه ْم في‬

‫‪ْ ].‬اإل ْنجيل ﴾ [الفتح‪29 :‬‬

‫بالحسي‪ ،‬والغائب‬
‫ِّ‬ ‫ومن األمثال يف القرآن ما فيه تشبيه المعنوي الخفي‬

‫بالشاهد؛ كتشبيه اإليمان بالنور‪ ،‬والكفر بالظلمة‪ ،‬والكلمة الطيبة‬

‫‪.‬بالشجرة‬

‫‪35‬‬
‫ويستعمل المثل لبيان الحال؛ كقوله تعالى‪َ ﴿ :‬م َث ُل ُه ْم ك ََم َثل ا َّلذي ْ‬
‫اس َت ْو َق َد‬
‫َنارا َف َلما َأ َضاء ْت ما حو َله َذ َهب اهلل بنُورهم و َتركَهم في ُظ ُلم ٍ‬
‫ات َال‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ ُ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ َ ْ ُ‬ ‫ً َّ‬
‫‪ُ ].‬ي ْبص ُر َ‬
‫ون ﴾ [البقرة‪17 :‬‬

‫ويضرب المثل كنموذج لإلعجاز‪ ،‬أو األمر ال َعجيب‪ ،‬أو التحدي‪( ،‬المثل‪:‬‬

‫النَّمو َذج‪ ،‬أو نوع من األنواع‪ ،‬أو عمل من األعمال‪ ،‬أو ُسنة من سنن اهلل‬

‫‪).‬تعالى‬

‫أول من ضرب هبم المثل يف القرآن‬

‫أول مثل ضربه اهلل تعالى للناس ىف القرآن الكريم هو تشبية المنافقين‬

‫الذين يظهرون اإليمان ويخفون الكفر بالذى أشعل نارا ليستضئ هبا‬

‫فذهب اهلل وتركه ىف ظلمه ال يستطيع أن يرى هبا وذلك ألنه أظهر اإليمام‬

‫‪.‬وأخفى الكفر‬

‫‪36‬‬
‫اس َت ْو َق َد َن ًارا َف َل َّما َأ َضا َء ْت َما َح ْو َل ُه‬
‫يقول اهلل تعالى « َم َث ُل ُه ْم ك ََم َثل ا َّلذي ْ‬
‫‪َ ».‬ذ َهب اهلل بنُورهم و َتركَهم في ُظ ُلم ٍ‬
‫ات َال ُي ْبص ُر َ‬
‫ون‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ ُ ْ‬ ‫َ ُ‬

‫األمثال يف القرآن‬

‫األمثال يف القرآن لها بالغة خاصة ال يدركها إال العارف بأسرار اللغة‬

‫العربية‪ ،‬ويف القرآن الكريم من صريح األمثال واحد وأربعون َم ًثال‪ :‬يف‬

‫‪ :‬البقرة‬

‫اهلل بنُوره ْم{ ‪1-‬‬


‫ب ُ‬ ‫اس َت ْو َق َد َن ًارا َف َل َّما َأ َضا َء ْت َما َح ْو َل ُه َذ َه َ‬
‫َم َث ُل ُه ْم ك ََم َثل ا َّلذي ْ‬
‫‪].‬و َتركَهم في ُظ ُلم ٍ‬
‫ات َال ُي ْبص ُر َ‬
‫ون} [البقرة‪17 :‬‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ْ‬

‫الس َماء فيه ُظ ُل َم ٌ‬


‫ات َو َر ْع ٌد َو َب ْر ٌق} [البقرة من اآلية‪2 - {:‬‬ ‫ب م َن َّ‬ ‫َأ ْو ك َ‬
‫َص ِّي ٍ‬

‫‪19].‬‬

‫‪37‬‬
‫‪َ ].‬أ ْن َي ْضر َب َم َث ًال َما َب ُع َ‬
‫وض ًة َف َما َف ْو َق َها} [البقرة من اآلية‪3- {26 :‬‬

‫َو َم َث ُل ا َّلذي َن َك َف ُروا ك ََم َثل ا َّلذي َينْع ُق ب َما َال َي ْس َم ُع} [البقرة من{ ‪4-‬‬

‫‪: 171].‬اآلية‬

‫ون َأ ْم َوا َل ُه ْم في َسبيل اهلل ك ََم َثل َح َّب ٍة َأ ْن َب َت ْت َس ْب َع{ ‪5-‬‬


‫َم َث ُل ا َّلذي َن ُينْف ُق َ‬

‫‪َ : 261].‬سنَاب َل} [البقرة‬

‫اب َف َأ َصا َب ُه َواب ٌل} [البقرة من{ ‪6-‬‬ ‫ٍ‬


‫َف َم َث ُل ُه ك ََم َثل َص ْف َوان َع َل ْيه ُت َر ٌ‬

‫‪: 264].‬اآلية‬

‫ون َأ ْم َوا َل ُه ُم ا ْبت َغا َء َم ْر َضات اهلل َو َت ْثبي ًتا م ْن َأ ْن ُفسه ْم{ ‪7 -‬‬
‫َو َم َث ُل ا َّلذي َن ُينْف ُق َ‬

‫]‪: 265‬ك ََم َثل َجن ٍَّة ب َر ْب َو ٍة} [البقرة من اآلية‬

‫‪َ : 266].‬أ َي َو ُّد َأ َح ُدك ُْم َأ ْن َت ُك َ‬


‫ون َل ُه َجنَّ ٌة} [البقرة من اآلية{ ‪8 -‬‬

‫‪: 275].‬ك ََما َي ُقو ُم ا َّلذي َي َت َخ َّب ُط ُه َّ‬


‫الش ْي َط ُ‬
‫ان} [البقرة من اآلية{ ‪9-‬‬

‫‪:‬و ُكنْ ُت ْم َع َلى َش َفا ُح ْف َر ٍة م َن النَّار} [آل عمران من اآلية{ ‪10-‬‬


‫‪َ 103].‬‬

‫الد ْن َيا ك ََم َثل ريحٍ ف َيها ص ٌّر َأ َصا َب ْت{ ‪11-‬‬
‫ون في َهذه ا ْل َح َياة ُّ‬
‫َم َث ُل َما ُينْف ُق َ‬

‫ث َق ْو ٍم َظ َل ُموا َأ ْن ُف َس ُه ْم َف َأ ْه َل َك ْت ُه} [آل عمران‬


‫‪:‬ح ْر َ‬
‫سورة األنعام ‪َ 117].‬‬
‫‪38‬‬
‫الش َياطي ُن في ْاألَ ْرض} [األنعام من اآلية‪12- { .]71 :‬‬ ‫كَا َّلذي ْ‬
‫اس َت ْه َو ْت ُه َّ‬

‫سورة األعراف‬

‫َف َم َث ُل ُه ك ََم َثل ا ْل َك ْلب إ ْن َت ْحم ْل َع َل ْيه َي ْل َه ْث َأ ْو َت ْت ُر ْك ُه َي ْل َه ْث}{ ‪13-‬‬

‫‪[: 176].‬األعراف من اآلية‬

‫‪.‬سورة يونس‬

‫اخ َت َل َط به َن َب ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫الد ْنيا كَم ٍ‬


‫ات{ ‪14-‬‬ ‫الس َماء َف ْ‬
‫َّ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َا‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫ز‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫أ‬ ‫اء‬ ‫إ َّن َما َم َث ُل ا ْل َح َياة ُّ َ َ‬
‫‪ْ ].‬األَ ْرض} [يونس من اآلية‪24 :‬‬

‫َاألَ ْع َمى َو ْاألَ َص ِّم َوا ْل َبصير َو َّ‬


‫السميع} [هود من اآلية‪15- {:‬‬ ‫َم َث ُل ا ْل َفري َق ْين ك ْ‬

‫‪24].‬‬

‫إ َّال َك َباسط َك َّف ْيه إ َلى ا ْل َماء ل َي ْب ُل َغ َفا ُه َو َما ُه َو ب َبالغه} [الرعد من اآلية‪16- {:‬‬

‫‪14].‬‬

‫الس َماء َما ًء َف َسا َل ْت َأ ْود َي ٌة ب َق َدر َها} [الرعد ‪17- {17 :‬‬
‫‪َ ].‬أ ْن َز َل م َن َّ‬
‫ٍ‬
‫يح في َي ْو ٍم{ ‪18-‬‬ ‫َم َث ُل ا َّلذي َن َك َف ُروا ب َر ِّبه ْم َأ ْع َما ُل ُه ْم ك ََر َماد ْاش َت َّد ْت به ِّ‬
‫الر ُ‬
‫‪َ ].‬عاص ٍ‬
‫ف} [إبراهيم‪18 :‬‬
‫‪39‬‬
‫اهلل َم َث ًال كَل َم ًة َط ِّي َب ًة ك ََش َج َر ٍة َط ِّي َب ٍة} [إبراهيم من اآلية‪19- {:‬‬ ‫َك ْي َ‬
‫ف َض َر َب ُ‬
‫‪24].‬‬

‫‪َ ].‬و َم َث ُل كَل َم ٍة َخبي َث ٍة} [إبراهيم من اآلية‪20- {26 :‬‬

‫اهلل َم َث ًال َع ْب ًدا َم ْم ُلوكًا} [النحل من اآلية‪21- {75 :‬‬


‫‪َ ].‬ض َر َب ُ‬
‫اهلل َم َث ًال َر ُج َل ْين} [النحل من اآلية‪22- {76 :‬‬
‫‪َ ].‬و َض َر َب ُ‬
‫اهلل َم َث ًال َق ْر َي ًة} [النحل من اآلية{ ‪23-‬‬
‫‪:‬و َض َر َب ُ‬
‫‪َ 112].‬‬

‫اضر ْب َل ُه ْم َم َث ًال َر ُج َل ْين} [الكهف من اآلية‪24- {32 :‬‬


‫‪َ ].‬و ْ‬

‫اضر ْب َل ُه ْم َم َث َل ا ْل َح َياة ُّ‬


‫الد ْن َيا} [الكهف من اآلية‪25- {45 :‬‬ ‫‪َ ].‬و ْ‬

‫] َف َك َأ َّن َما َخ َّر م َن َّ‬


‫الس َماء} [الحج من اآلية‪26- {31 :‬‬

‫اس َتم ُعوا َل ُه إ َّن ا َّلذي َن َت ْد ُع َ‬


‫ون م ْن ُدون اهلل} [الحج من{ ‪27-‬‬ ‫ُضر َب َم َث ٌل َف ْ‬
‫‪].‬اآلية‪73 :‬‬
‫ٍ‬
‫‪َ ].‬م َث ُل ُنوره كَم ْش َكاة ف َيها م ْص َب ٌ‬
‫اح} [النور من اآلية‪28- {35 :‬‬

‫اب بقي َع ٍة} [النور من اآلية‪29- {39 :‬‬


‫‪َ ].‬وا َّلذي َن َك َف ُروا َأ ْع َما ُل ُه ْم ك ََس َر ٍ‬
‫‪َ ].‬أو َك ُظ ُلم ٍ‬
‫ات في َب ْح ٍر ُل ِّج ٍّي َي ْغ َشا ُه َم ْو ٌج} [النور من اآلية‪30- {40 :‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫‪40‬‬
‫‪َ }.‬م َث ُل ا َّلذي َن ا َّت َخ ُذوا م ْن ُدون اهلل َأ ْول َيا َء ك ََم َثل ا ْل َعنْ َك ُبوت{ ‪31-‬‬

‫‪َ ].‬ض َر َب َل ُك ْم َم َث ًال م ْن َأ ْن ُفس ُك ْم} [الروم من اآلية‪32- {28 :‬‬

‫اهلل َم َث ًال َر ُج ًال} [الزمر من اآلية‪33- {29 :‬‬


‫‪َ ].‬ض َر َب ُ‬
‫‪َ ].‬ن َظ َر ا ْل َم ْغش ِّي َع َل ْيه م َن ا ْل َم ْوت} [محمد من اآلية‪34- {20 :‬‬

‫‪َ ].‬ذل َك َم َث ُل ُه ْم في ال َّت ْو َراة َو َم َث ُل ُه ْم في ْاإل ْنجيل} [الفتح من اآلية‪35- {29 :‬‬
‫ٍ‬
‫‪].‬ك ََم َثل َغ ْيث َأ ْع َج َ‬
‫ب ا ْل ُك َّف َار َن َبا ُت ُه} [الحديد من اآلية‪36- {20 :‬‬

‫‪].‬ك ََم َثل ا َّلذي َن م ْن َق ْبله ْم} [الحشر من اآلية‪37- {15 :‬‬

‫الش ْي َطان} [الحشر من اآلية‪38- {16 :‬‬


‫‪].‬ك ََم َثل َّ‬

‫‪َ ].‬م َث ُل ا َّلذي َن ُح ِّم ُلوا ال َّت ْو َرا َة} [الجمعة من اآلية‪39- {5 :‬‬

‫اهلل َم َث ًال ل َّلذي َن َك َف ُروا} [التحريم من اآلية‪40- {10 :‬‬


‫‪َ ].‬ض َر َب ُ‬
‫اهلل َم َث ًال ل َّلذي َن آ َمنُوا} [التحريم من اآلية‪41- {11 :‬‬
‫‪َ ].‬و َض َر َب ُ‬

‫‪41‬‬
‫تفسير أمثال القرآن‬
‫اهلل تعالى لما ضرب للمنافقين المثلين يف قوله‪َ « :‬م َث ُل ُه ْم ك ََم َثل ا َّلذي‬

‫الس َماء فيه ُظ ُل َم ٌ‬


‫ات َو َر ْع ٌد َو َب ْر ٌق»‪،‬‬ ‫ب م َن َّ‬ ‫اس َت ْو َق َد َن ًارا»‪ ،‬وقوله‪َ «:‬أ ْو ك َ‬
‫َص ِّي ٍ‬ ‫ْ‬
‫اهلل َال‬
‫قالوا‪ :‬اهلل أجل وأعلى من أن يضرب األمثال‪ ،‬فأنزل اهلل قوله‪« :‬إن َ‬
‫وض ًة َف َما َفو َق َها» ليبين للمنافقين والمشركين‬
‫رب َم ًثال َما َب ُع َ‬
‫َي ْس َتحى أن َي َض َ‬

‫أن اهلل له مطلق الحرية يف أن يضرب األمثال بكل ما يختاره ويف كل شيء‬

‫‪.‬يريده‬

‫وقال الحسن وقتادة‪ :‬لما ذكر اهلل الذباب والعنكبوت يف كتابه وضرب «‬

‫هبما المثل للمشركين ضحكت اليهود‪ ،‬وقالوا‪ :‬ما يشبه هذا كالم اهلل‪،‬‬

‫‪42‬‬
‫اهلل َال َي ْس َتحى» والمعنى وراء هذا المثل‪ :‬هو بيان‬
‫فأنزل اهلل هذه اآلية‪« :‬إن َ‬
‫قدرة اهلل تعالى وعظمته يف توضيح المعاين وتقريبها إلى أذهان الناس بما‬

‫يشاهدونه حولهم ويحسونه بحواسهم‪ ،‬فهو يضرب األمثال بالمشاهد‬

‫الملموسة؛ ليكون التأثير أقوى وأعظم؛ ولذلك فإن الناس تفرقوا إلى‬

‫‪َ .‬و َي ْهدي به كَث ًيرا»‪ ،‬أي‪ :‬يوفق ويخذل ضالله وإلى هداه‪ُ « :‬يض ُّل به كَث ًيرا‬

‫التمثيل بالبعوضة الصغيرة يرمز إلى صغر حجم المنافقين والمشركين‬

‫وهواهنم على اهلل‪ ،‬فهم مهما تعاظمت قوهتم فهم أصغر عند اهلل من‬

‫البعوضة‪ ،‬كما أنه يرمز أيضا إلى حقارة الدنيا وما فيها؛ ألهنا زائلة وال‬

‫تساوي عند اهلل جناح بعوضة‪ ،‬ولو كانت لها قيمة ما سقى اهلل الكافر منها‬

‫شربة ماء‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫‪ 1‬كيف ّية نزول القرآن الكريم‬

‫‪ 2‬معلومات حول نزول القرآن‬

‫‪ 3‬المراجع ذات صلة يف أي يوم نزل القرآن ما الحكمة من نزول القرآن‬

‫منجمًا كيف ّية نزول القرآن الكريم مراحل نزول القرآن الكريم وردت يف‬

‫القرآن الكريم آيات ّ‬


‫تدل على ّ‬
‫أن القرآن قد نزل جملة واحدة‪ ،‬كقوله ‪-‬‬

‫تعالى‪( :-‬إ َّنا َأ َنز ْلنَا ُه في َل ْي َل ٍة ُّم َب َارك ٍَة ۚ إ َّنا ُكنَّا ُمنذري َن)‪ ]1[،‬وآيات أخرى‬

‫تفرقًا على سنوات‪ ،‬ومن ذلك قوله ‪-‬تعالى‪:-‬‬ ‫فهم منها ّ‬


‫أن القرآن نزل ُم ّ‬ ‫ُي َ‬
‫ٍ‬
‫(و ُق ْرآ ًنا َف َر ْقنَا ُه ل َت ْق َر َأ ُه َع َلى النَّاس َع َل ٰى ُم ْكث َو َن َّز ْلنَا ُه َتنز ًيال)‪ ]2[،‬وقد ّ‬
‫فصل‬ ‫َ‬

‫وقسموا نزول القرآن إلى ثالث مراحل كما‬


‫العلماء يف هذه المسألة‪ّ ،‬‬
‫يأيت‪]3[:‬‬

‫‪44‬‬
‫المرحلة األولى‬

‫يد *في َل ْوحٍ‬ ‫ُذكرت هذه المرحلة يف قوله ‪-‬تعالى‪َ ( :-‬ب ْل ُه َو ُق ْر ٌ‬


‫آن َّمج ٌ‬
‫مح ُف ٍ‬
‫وظ)؛[‪ ]4‬ففي هذه المرحلة نزل القرآن الكريم إلى اللوح المحفوظ؛‬ ‫َّ ْ‬
‫كل ما كان‪ّ ،‬‬
‫وكل ما هو كائن من أقدار‬ ‫حيث يجمع هذا اللوح ّ‬

‫المخلوقات‪.‬‬

‫المرحلة الثانية‬

‫ُذكرت هذه المرحلة يف قوله ‪-‬تعالى‪( :-‬إ َّنا َأ َنز ْلنَا ُه في َل ْي َلة ا ْل َق ْدر)؛[‪]5‬‬

‫العزة يف‬
‫فبعد أن نزل القرآن إلى اللوح المحفوظ‪ ،‬أنزله اهلل إلى بيت ّ‬

‫الدنيا‪ ،‬وكان ذلك يف ليلة القدر كما ذكرت اآلية‪ ]6[.‬ونزول القرآن‬
‫السماء ُّ‬

‫وتكريم لشأن من ُأنزل‬


‫ٌ‬ ‫الدنيا فيه تعظيم لشأن القرآن‪،‬‬
‫ُجملة إلى السماء ُّ‬

‫إيذان ألهل السماوات السبع ّ‬


‫أن القرآن هو خاتم‬ ‫ٌ‬ ‫عليه؛ إذ كان يف ذلك‬

‫الم ّنزلة على خير الخلق وأشرفهم محمد ‪-‬ص ّلى اهلل عليه‬
‫ال ُكتب السماو ّية ُ‬
‫وس ّلم‪]6[.-‬‬

‫‪45‬‬
‫المرحلة الثالثة‬

‫النبي ‪-‬ص ّلى اهلل عليه‬


‫امتدت هذه المرحلة على طول سنوات دعوة ّ‬
‫ّ‬

‫النبي ‪-‬ص ّلى اهلل عليه وس ّلم‪ُ -‬م َّ‬


‫فرقًا‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وسلم‪-‬؛ إذ كان ينزل القرآن على ّ‬
‫وح‬ ‫فأخرج اهلل به الناس من الظلمات إلى النور‪ ،‬قال ‪-‬تعالى‪َ ( :-‬ن َز َل به ُّ‬
‫الر ُ‬
‫ْاألَمي ُن* َع َل ٰى َق ْلب َك ل َت ُك َ‬
‫ون م َن ا ْل ُمنذري َن)‪ ]7[.‬ويتأكّد يف نزول القرآن على‬

‫ثم إلى‬ ‫الشك عنه؛ فنزوله ّأو ً‬


‫ال إلى اللوح المحفوظ‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ثالث مراحل َنفي‬

‫النبي ‪-‬ص ّلى اهلل عليه وس ّلم‪ -‬أدعى للتو ُّثق من‬
‫فرقًا على ّ‬
‫ثم ُم َّ‬
‫العزة‪ّ ،‬‬
‫بيت ّ‬

‫ّ‬
‫والشك عنه‪،‬‬ ‫الريب‪،‬‬
‫أ ّنه كالم اهلل‪ ،‬وزيادة لإليمان به‪ ،‬وهذا التنزيل ُيزيل َّ‬
‫التنزالت الثالثة ح َكم عديدة‪ ،‬منها‬
‫ويدعو إلى التسليم به‪ ،‬وقد كان لهذه ُّ‬

‫ما يأيت‪]8[:‬‬

‫‪46‬‬
‫األولى حكمة ُمتع ّلقة بالرسول ‪-‬ص ّلى اهلل عليه وس ّلم‪-‬؛ فقد كان نزول‬

‫فرقًا عليه سببًا يف تثبيت قلبه‪ ،‬وشرح صدره‪ ،‬وقد ذكر اهلل ‪-‬‬
‫القرآن ُم َّ‬
‫تعالى‪ -‬ذلك يف قوله‪( :‬ك ََٰذل َك لنُ َث ِّب َت به ُف َؤا َد َك ۚ َو َر َّت ْلنَا ُه َت ْرت ًيال)‪]9[.‬‬

‫الثانية حكمة ُمتع ّلقة باأل ّمة اإلسالم ّية وحاجتها؛ فكان نزول القرآن ُم َّ‬
‫فرقًا‬

‫ُيل ّبي حاجات الناس والمؤمنين يف ّ‬


‫كل فرتة من فرتات الدعوة‪ ،‬باإلضافة‬

‫التدرج يف بعض التشريعات واألحكام؛ حتى يسهل على الناس‬


‫إلى ُّ‬

‫االلتزام هبا‪.‬‬

‫الثالثة حكمة ُمتع ّلقة بالناس‪ ،‬وإخراجهم من الظلمات إلى النور‪ ،‬وال‬

‫يستوي الناس يف ال َفهم‪ ،‬كما تتباين حاالهتم وثقافاهتم؛ فكان من حكمة‬

‫فرقًا؛ حتى يستوعب الناس منهج القرآن يف المسائل‬


‫اهلل أن ُي ّنزل القرآن ُم َّ‬
‫‪47‬‬
‫يتعرضون لها؛ فيسهل عليهم قبوله‪ ،‬و َفهمه‪ ،‬وحفظه‪،‬‬
‫الجزئ ّية التي ّ‬
‫فرقًا‬
‫وتبليغه‪ .‬للمزيد من التفاصيل حول الحكمة من نزول القرآن ُم َّ‬
‫اال ّطالع على مقالة‪(( :‬ما الحكمة من نزول القرآن منجمًا))‪ .‬كيف ّية نزول‬

‫النبي ‪-‬ص ّلى اهلل عليه‬


‫تتعدد كيف ّيات نزول القرآن على ّ‬
‫الوحي بالقرآن ّ‬

‫وس ّلم‪ ،-‬وقد ُذكرت هذه الكيف ّيات يف كُتب الحديث‪ ،‬ومنها‪ّ ]10[:‬‬
‫أن‬

‫النبي ‪-‬ص ّلى اهلل عليه وس ّلم‪ -‬على‬


‫جربيل ‪-‬عليه السالم‪ -‬كان يأيت إلى ّ‬
‫الكلبي ‪-‬رضي اهلل‬
‫ّ‬ ‫الصحابي دحية‬
‫ّ‬ ‫هيئة بشر‪ ،‬وأكثر ما كان يتم ّثل بصورة‬

‫النبي ‪-‬عليه السالم‪-‬‬ ‫ّ‬


‫عنه‪ .-‬وأحيانًا كان ال يتمثل بصورة أحد؛ فيأيت إلى ّ‬
‫وي النحل‪،‬‬
‫النبي‪ ،‬وقد يسمعون صوتًا يشبه َد ّ‬
‫ممن هم حول ّ‬
‫وال يراه أحد ّ‬
‫النبي شي ٌء من القرآن على شكل إلهام‪،‬‬
‫أو صلصلة الجرس‪ .‬ولم يكن يأيت َّ‬
‫أو منام‪ ،‬أو تكليم‪ ،‬وإ ّنما كان يأتيه وهو َيقظ عن طريق جربيل ‪-‬عليه‬

‫السالم‪ -‬فقط؛ ودليل ذلك ما روته عن عائشة ‪-‬رضي اهلل عنها‪-‬؛ إذ‬

‫اهلل عل ْيه وس َّل َم َ‬


‫كيف‬ ‫رسول اهلل ص َّلى ُ‬
‫َ‬ ‫الحارث ب ُن هشام َ‬
‫سأل‬ ‫َ‬ ‫قالت‪َّ :‬‬
‫(أن‬

‫اهلل عل ْيه وس َّل َم يأتيني مثل َصلصلة‬


‫رسول اهلل ص َّلى ُ‬
‫ُ‬ ‫يأتيك الوحي َ‬
‫فقال‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫‪48‬‬
‫رجال ف ُيك ِّلمني فأعي ما‬
‫علي وأحيا ًنا يتم َّث ُل لي الم َل ُك ً‬
‫أشد ُه َّ‬
‫هو ُّ‬
‫الجرس َو َ‬
‫َ‬
‫اهلل عل ْيه وس َّل َم ُ‬
‫ينزل عل ْيه‬ ‫رسول اهلل ص َّلى ُ‬
‫َ‬ ‫يقول قا َلت عائش ُة فلقد ُ‬
‫رأيت‬

‫ليتفص ُد‬
‫َّ‬ ‫الشديد ف َيفص ُم عنْ ُه َّ‬
‫وإن جبينَ ُه‬ ‫الوحي يف اليوم الربد َّ‬
‫ُ‬
‫عر ًقا)‪]10[]11[.‬‬

‫أحوال نزول القرآن الكريم‬

‫فمما‬
‫فرقة‪ ،‬كما نزل عد ٌد منها جملة واحدة؛ ّ‬
‫نزلت كثير من ُسور القرآن ُم َّ‬
‫فرقًا‪ :‬اآليات األولى من سورة العلق‪ ،‬واآليات األولى من‬
‫نزل منه ُم َّ‬
‫مرة واحدة كاملة‪ :‬سورة األنعام‪،‬‬
‫السور التي نزلت ّ‬
‫سورة الضحى‪ ،‬ومن ُّ‬

‫‪49‬‬
‫عوذتان معًا‪ّ ]12[.‬إال ّ‬
‫أن عموم ما نزل‬ ‫الم ّ‬
‫وسورة المرسالت‪ ،‬وقد نزلت ُ‬

‫النبي ‪-‬ص ّلى اهلل عليه وس ّلم‪ -‬كان ُم َّ‬


‫فرقًا طوال فرتة دعوته‪]13[.‬‬ ‫على ّ‬

‫معلومات حول نزول القرآن‬

‫مدة ثالثة وعشرين عامًا؛ إذ أوحى اهلل ‪-‬‬


‫استمر نزول القرآن الكريم ّ‬
‫ّ‬
‫النبي محمد ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬بعد أن بلغ األربعين‬
‫تعالى‪ -‬به إلى ّ‬
‫من ُعمره‪ ]15[]14[،‬وأول ما نزل من القرآن على الرسول ‪-‬عليه الصالة‬

‫والسالم‪ -‬هو صدر سورة العلق‪ ،‬وهي اآليات الكريمة‪( :‬ا ْق َر ْأ ب ْ‬


‫اسم َر ِّب َك‬

‫ان م ْن َع َل ٍق*ا ْق َر ْأ َو َر ُّب َك ْاألَك َْر ُم*ا َّلذي َع َّل َم‬


‫*خ َل َق ْاإل ْن َس َ‬
‫ا َّلذي َخ َل َق َ‬

‫ان َما َل ْم َي ْع َل ْم)‪ ]17[]16[.‬وقد وردت عن العلماء ّ‬


‫عدة‬ ‫با ْل َق َلم* َع َّل َم ْاإل ْن َس َ‬

‫أقوال يف آخر ما نزل من القرآن الكريم‪ ،‬وهذه األقوال كما يأيت‪]18[:‬‬


‫‪50‬‬
‫القول األول‬

‫ون فيه إ َلى اهلل ُث َّم ُت َو َّفى‬


‫(وا َّت ُقوا َي ْومًا ُت ْر َج ُع َ‬
‫قوله ‪-‬تعالى‪ -‬يف سورة البقرة‪َ :‬‬
‫ك ُُّل َن ْف ٍ‬
‫س ما ك ََس َب ْت َو ُه ْم ال ُي ْظ َل ُم َ‬
‫ون)‪]19[،‬‬

‫القول الثاين‬

‫اهلل ُي ْفتي ُك ْم في‬


‫قوله ‪-‬تعالى‪ -‬يف سورة النساء‪َ ( :‬ي ْس َت ْف ُتو َن َك ُقل ُ‬
‫ا ْل َكال َلة)‪]20[.‬‬

‫القول الثالث‬

‫قوله ‪-‬تعالى‪ -‬يف سورة النصر‪( :‬إذا جا َء َن ْص ُر اهلل َوا ْل َف ْت ُح)‪]21[.‬‬


‫‪51‬‬
‫القول الرابع‬

‫قوله ‪-‬تعالى‪ -‬يف سورة المائدة‪( :‬ا ْل َي ْو َم َأك َْم ْل ُت َل ُك ْم دين َُك ْم َو َأ ْت َم ْم ُت‬

‫يت َل ُك ُم ْاإل ْسال َم دينًا)‪]22[.‬‬


‫َع َل ْي ُك ْم ن ْع َمتي َو َرض ُ‬

‫معرفة أول ما نزل وآخر ما نزل‬

‫التعبير عن تلقي رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬للقرآن بنزوله عليه‬

‫يشعر بقوة يلمسها المرء يف تصور كل هبوط من أعلى ‪ .‬ذلك لعلو منزلة‬

‫القرآن وعظمة تعاليمه التي حولت مجرى حياة البشرية وأحدثت فيها‬

‫تغيرا ربط السماء باألرض ‪ ،‬ووصل الدنيا باآلخرة ‪ ،‬ومعرفة تاريخ‬

‫التشريع اإلسالمي يف مصدره األول واألصيل ‪-‬وهو القرآن‪ -‬تعطي‬

‫الدارس صورة عن التدرج يف األحكام ومناسبة كل حكم للحالة التي نزل‬

‫‪52‬‬
‫فيها دون تعارض بين السابق والالحق ‪ ،‬وقد تناول هذا أول ما نزل من‬

‫القرآن على اإلطالق وآخر ما نزل على اإلطالق ‪ ،‬كما تناول أول ما نزل‬

‫وآخر ما نزل يف كل تشريع من تعاليم اإلسالم ‪ ،‬كاألطعمة ‪ ،‬واألشربة ‪،‬‬

‫والقتال ‪ . . .‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫وللعلماء يف أول ما نزل من القرآن على اإلطالق ‪ ،‬وآخر ما نزل كذلك‬

‫أقوال ‪ ،‬نجملها ونرجح بينها فيما يأيت‪:‬‬

‫‪53‬‬
‫أول ما نزل‬
‫‪ 1‬ــ أصح األقوال أن أول ما نزل هو قوله تعالى ‪ :‬اقرأ باسم ربك الذي‬

‫خلق خلق اإلنسان من علق اقرأ وربك األكرم الذي علم بالقلم علم‬

‫اإلنسان ما لم يعلم ‪ ،‬ويدل عليه ما رواه الشيخان وغيرهما عن عائشة‬

‫رضي اهلل عنها قالت ‪ " :‬أول ما بدئ به رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬

‫من الوحي الرؤيا الصادقة يف النوم ‪ ،‬فكان ال يرى رؤيا إال جاءت مثل فلق‬

‫الصبح ‪ ،‬ثم حبب إليه الخالء فكان يأيت حراء فيتحنث فيه الليالي ذوات‬

‫العدد ‪ ،‬ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة رضي اهلل عنها فتزوده لمثلها‬

‫حتى فاجأه الحق وهو يف غار حراء ‪ ،‬فجاءه الملك فيه فقال ‪ :‬اقرأ ‪ ،‬قال‬

‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬فقلت ‪ " :‬ما أنا بقارئ " ‪ ،‬فأخذين فغطني‬

‫حتى بلغ مني [ ص‪ ] 62 :‬الجهد ‪ ،‬ثم أرسلني فقال ‪ :‬اقرأ ‪ ،‬فقلت ‪ " :‬ما‬

‫أنا بقارئ " ‪ ،‬فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال ‪ :‬اقرأ ‪،‬‬

‫فقلت ‪ " :‬ما أنا بقارئ " ‪ ،‬فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني‬

‫فقال ‪ :‬اقرأ باسم ربك الذي خلق ‪ .‬حتى بلغ ‪ :‬ما لم يعلم ‪ ،‬فرجع هبا‬
‫‪54‬‬
‫رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ترجف بوادره " ‪ .‬الحديث‪.‬‬

‫‪ 1‬ــ وقيل إن أول ما نزل هو قوله تعالى‪ :‬يا أيها المدثر‪ . .‬لما رواه‬

‫الشيخان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال ‪ :‬سألت جابر بن عبد اهلل ‪ :‬أي‬

‫القرآن أنزل قبل ؟ قال ‪ :‬يا أيها المدثر ‪ ،‬قلت ‪ :‬أو اقرأ باسم ربك ؟ قال ‪:‬‬

‫أحدثكم ما حدثنا به رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬إين جاورت بحراء‬

‫فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي ‪ ،‬فنظرت أمامي وخلفي‬

‫وعن يميني وشمالي ‪ .‬ثم نظرت إلى السماء فإذا هو ‪-‬يعني جربيل‪-‬‬

‫فأخذتني رجفة ‪ .‬فأتيت خديجة فأمرهتم فدثروين " ‪ ،‬فأنزل اهلل ‪ :‬يا أيها‬

‫المدثر قم فأنذر‪.‬‬

‫وأجيب عن حديث جابر بأن السؤال كان عن نزول سورة كاملة ‪ ،‬فبين‬

‫جابر أن سورة المدثر نزلت بكمالها قبل نزول تمام سورة اقرأ ‪ ،‬فإن أول‬

‫‪55‬‬
‫ما نزل منها صدرها ‪ ،‬ويؤيد هذا ما يف الصحيحين أيضا عن أبي سلمة عن‬

‫جابر قال ‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وهو يحدث عن‬

‫فرتة الوحي فقال يف حديثه ‪ " :‬بينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء‬

‫فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءين بحراء جالس على كرسي بين‬

‫السماء واألرض ‪ ،‬فرجعت ‪ ،‬فقلت ‪ :‬زملوين ‪ ،‬فدثروين " ‪ ،‬فأنزل اهلل ‪ :‬يا‬

‫أيها المدثر ‪ .‬فهذا الحديث يدل على أن هذه القصة متأخرة عن قصة حراء‬

‫‪-‬أو تكون " المدثر " أول سورة نزلت بعد فرتة الوحي‪ -‬وقد استخرج‬

‫جابر ذلك باجتهاده فتقدم عليه رواية عائشة ‪ ،‬ويكون أول ما نزل من‬

‫القرآن على اإلطالق‪:‬‬

‫أول ما نزل بعد فرتة الوحي ‪ :‬يا أيها المدثر ‪ . .‬أو أول ما نزل للرسالة ‪ :‬يا‬

‫‪56‬‬
‫أيها المدثر ‪ . .‬وللنبوة اقرأ‪.‬‬

‫‪3-‬وقيل إن أول ما نزل هو سورة " الفاتحة " ولعل المراد أول سورة‬

‫كاملة‪.‬‬

‫‪4-‬وقيل ‪ :‬بسم اهلل الرحمن الرحيم والبسملة تنزل صدرا لكل سورة ‪.‬‬

‫ودليل هذين أحاديث مرسلة ‪ ،‬والقول األول المؤيد بحديث عائشة هو‬

‫القوي الراجح المشهور‪.‬‬

‫وقد ذكر الزركشي يف " الربهان " حديث عائشة الذي نص على أن أول ما‬

‫نزل ‪ :‬اقرأ باسم ربك الذي خلق وحديث جابر الذي نص على أن أول ما‬

‫نزل ‪ :‬يا أيها المدثر ‪ ،‬قم فأنذر ثم قال ‪ " :‬وجمع بعضهم بينهما بأن جابرا‬

‫سمع النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يذكر قصة بدء الوحي ‪ ،‬فسمع آخرها‬

‫‪ ،‬ولم يسمع أولها ‪ ،‬فتوهم أهنا أول ما نزلت ‪ ،‬وليس كذلك ‪ ،‬نعم هي أول‬

‫ما نزل بعد سورة اقرأ وفرتة الوحي ‪ ،‬لما ثبت يف الصحيحين أيضا عن‬

‫جابر رضي اهلل عنه أن رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬كان يحدث عن‬

‫فرتة الوحي ‪ ،‬قال يف حديثه ‪ " :‬بينما أنا أمشي ‪ ،‬سمعت صوتا من السماء ‪،‬‬
‫‪57‬‬
‫فرفعت رأسي ‪ ،‬فإذا الملك الذي جاءين بحراء جالس على كرسي بين‬

‫السماء واألرض ‪ ،‬فجثثت منه فرقا ‪ ،‬فرجعت فقلت ‪ :‬زملوين زملوين " ‪،‬‬

‫فأنزل اهلل تبارك وتعالى ‪ :‬يا أيها المدثر قم فأنذر‪.‬‬

‫فقد أخرب يف هذا الحديث عن الملك الذي جاءه بحراء قبل هذه المرة ‪،‬‬

‫وأخرب يف حديث عائشة أن نزول اقرأ كان يف غار حراء ‪ ،‬وهو أول وحي ‪،‬‬

‫ثم فرت بعد ذلك ‪ ،‬وأخرب يف حديث جابر أن الوحي تتابع بعد نزول يا أيها‬

‫المدثر فعلم بذلك أن اقرأ أول ما نزل مطلقا ‪ ،‬وأن سورة المدثر بعده " ‪.‬‬

‫وكذلك قال ابن حبان يف صحيحه ‪ :‬ال تضاد بين الحديثين ‪ ،‬بل أول ما‬

‫نزل ‪ :‬اقرأ باسم ربك الذي خلق بغار حراء ‪ ،‬فلما رجع إلى خديجة ‪-‬‬

‫رضي اهلل عنها‪ -‬وصبت عليه [ ص‪ ] 64 :‬الماء البارد ‪ ،‬أنزل اهلل عليه يف‬

‫‪58‬‬
‫بيت خديجة ‪ :‬يا أيها المدثر ‪ . .‬فظهر أنه لما نزل عليه اقرأ رجع فتدثر ‪،‬‬

‫فأنزل عليه ‪ :‬يا أيها المدثر‪. .‬‬

‫وقيل ‪ :‬أول ما نزل سورة الفاتحة ‪ ،‬روي ذلك من طريق أبي إسحاق عن‬

‫أبي ميسرة قال ‪ :‬كان رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬إذا سمع الصوت‬

‫انطلق هاربا ‪ ،‬وذكر نزول الملك عليه وقوله ‪ :‬قل الحمد هلل رب العالمين‬

‫‪ . . .‬إلى آخرها‪.‬‬

‫وقال القاضي أبو بكر يف " االنتصار " ‪ :‬وهذا الخرب منقطع ‪ ،‬وأثبت‬

‫األقاويل ‪ :‬اقرأ باسم ربك ويليه يف القوة ‪ :‬يا أيها المدثر ‪ . .‬وطريق الجمع‬

‫بين األقاويل أن أول ما نزل من اآليات ‪ :‬اقرأ باسم ربك وأول ما نزل من‬

‫أوامر التبليغ ‪ :‬يا أيها المدثر ‪ . .‬وأول ما نزل من السور سورة الفاتحة ‪،‬‬

‫‪59‬‬
‫وهذا كما ورد يف الحديث ‪ " :‬أول ما يحاسب به العبد الصالة “ ‪ ،‬و " أول‬

‫ما يقضى فيه الدماء “ ‪ ،‬وجمع بينهما بأن أول ما يحكم فيه من المظالم‬

‫التي بين العباد الدماء ‪ .‬وأول ما يحاسب به العبد من الفرائض البدنية‬

‫الصالة‪.‬‬

‫وقيل ‪ :‬أول ما نزل للرسالة ‪ :‬يا أيها المدثر ‪ . .‬وللنبوة ‪ :‬اقرأ باسم ربك فإن‬

‫العلماء قالوا ‪ :‬قوله تعالى ‪ :‬اقرأ باسم ربك دال على نبوة محمد ‪-‬صلى‬

‫اهلل عليه وسلم‪ -‬ألن النبوة عبارة عن الوحي إلى الشخص على لسان‬

‫الملك بتكليف خاص ‪ ،‬وقوله ‪ :‬يا أيها المدثر قم فأنذر دليل على رسالته‬

‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ألهنا عبارة عن الوحي إلى الشخص على لسان‬

‫الملك بتكليف عام ‪.‬‬

‫‪60‬‬
61

You might also like