Professional Documents
Culture Documents
متوسط التقييم
متوسط التقييم
6
أخباره انقطعت منذ 20سنة« :الشروق» ترافق فتحي في رحلة البحث عن عمــــه من القصرين الـــــى الجزائـــــــر
الثالثاء 29ديسمبر 2009الساعة 10:46:36بتوقيت تونس العاصمة
القصـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرين « -الشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــروق»
96ساعة من البحث قطعنا فيها 2000كيلومتر بين القصرين والجزائر شــعرنا
أحيانا باليأس أمام شح المعلومات لكننا توجنا رحلتنـا بـالعثور على العم ابـراهيم
حيــا في الجزائــر بعــد أن انقطعت أخبــاره عن أهلــه في تــونس منــذ 20ســنة.
انطلقت عملية البحث من مجرد فكــرة اقترحهــا الشــاب فتحي عمــري من مدينــة
القصرين على جريدة الشروق لمرافقته الى الجزائر العاصــمة للبحث عن عمــه المســمى «ابــراهيم عســال» والــذي انقطعت
أخباره منذ 20سنة والذي ال يعرفه سوى من خالل صورة ظلت في جيبه لم تتردد الشــروق وحـددت موعـد السـفر بـرا الى
العاصمة الجزائرية التي تبعدـ عن أول مدينةـ جزائرية على الحدود الغربية التونســية وهي تبســة 700كم الموعــد هــو األحــد
20ديسمبر 2009الساعة الثانية بعد الزوال والمكان محطة النقل البري بالقصرين والوسيلة سيارة أجرة الى مدينــة فريانــة
التي تبعد عن القصرين 30كم وهناك غيرنا وسيلة النقل الى مدينة بوشبكة الحدودية التي تبعد عن القصــرين قرابــة 60كم.
الثالثة والنصف ظهرا كنا في مركز الديوانة حيث قمنا باالجراءات الحدودية الالزمــة للعبــور وقصــدنا أول مدينـةـ جزائريــة
وهي تبسة التي تبعد عن القصرين حوالي 70كم وكـانت سـاعة الوصـول الخامسـة والنصـف مسـاء أي قبـل موعـد انطالق
الحافلة نحو العاصمة الجزائرية بساعة واحدة اقتطعنا تذكرتين وبقينا ننتظر قدوم الحافلة وفي الموعد المحدد انطلقت الحافلة
تلتهم الطريق في اتجاه الجزائر العاصمة وكان لزاما ان نقضي ليلة كاملـة في الطريـق نظـرا لبعـد العاصـمة الجزائريـة عن
تبسة (حوالي 700كم) كانت الساعة تشـير الى الثالثـة والنصـف من صـباح االثــنين 21ديســمبر عنـدما تـوقفت الحافلــة في
محطة الخروبة بالجزائر العاصمة الــتي توجــد في المــدخل الشــرقي للمدينــة على بعـدـ حــوالي 10كم .ركبنــا ســيارة تاكســي
وأشرنا على سائقها بايصالنا الى نزل في قلب المدينةـ جبنا كل شوارع العاصمة وال نــزل واحــد شــاغر وهنــاك بعض الــنزل
رفضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت فتح البـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاب أصـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــال.
حيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا أو ميتا
يئسنا فطلبنا من السائق انزالنا بالقرب من مركز لألمن نقضي أمامه ليلتنــا لنعــاود رحلــة البحث عن نــزل ولكنــه رفض ذلــك
بكل شهامة طالبا منا مرافقته الى منزله للنوم سـاعتين حــتى مطلــع الفجـر لم نــتردد في ذلــك وانطلقنــا معــه الى منطقــة بــرج
الكيفان حيث يقطن وهي من ضواحي العاصمة من الناحية الشرقية وكان الوقت آنذاك السادسة صــباحا دقت الســاعة الثامنــة
فكان علينا مغادرة المنزل في اتجاه وسط المدينةـ في رحلة البحث عن نزل كللت هذه المرة بالنجاح وأمكن لنا الحصول على
غرفة فخمة بأحد نزل وسط المدينة اسمه شارع موريس أودان وتعــود التســمية الى شخصــية فرنســية من الحــزب الشــيوعي
الفرنسي كان ساند الثورة الجزائرية وهو شارع يمتدـ على مسافة كبيرة جدا تفوق كيلومتيرن بنيت على جانبيه عمارات ذات
طـــــــــابع فرنســـــــــي من العهـــــــــد االســـــــــتعماري تحـــــــــولت طوابقهـــــــــا الســـــــــفلى الى محالت تجاريـــــــــة.
من الغرفة رقم 102في هذا النزل كانت البداية كانت وســيلتنا صــورة شمســية للعم ابــراهيم قديمـةـ تعــود الى 1989وبعض
العناوين المتضاربة وأهمها عنوان مقر عمله سابقا في منطقة الحــراش ولكن االصــرار والتحــدي جعالنــا نأخــذ على عاتقنــا
مهمة البحث فال عودة اال بالعثور عليه سواء كان حيا أو ميتا ،الحراش تبعدـ حوالي 15كلم ويقــال انهــا منطقــة خطــيرة جــدا
والــــــــــــوقت أصــــــــــــبح متــــــــــــأخرا الخامســــــــــــة مســــــــــــاء ولهــــــــــــذا أجلنــــــــــــا عمليــــــــــــة البحث.
لم يـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــروه منـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــذ ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــنة
السادسة صباحا من يوم االربعاء 23ديسمبر انطلقنا مرة أخـرى نحـو منطقـة الحـراش وهنـاك قصـدنا مديريـة األمن وكـان
األعوان في غاية األخالق العالية خاصة لما علموا أننا من تونس ،فتـونس يحترمهـا كـل الجزائـريين وهـذا الحظنـاه في كـل
محــــــــل ندخلــــــــه ولــــــــدى كــــــــل من يتعــــــــرف على لهجتنــــــــا لكن ال أحــــــــد نفعنــــــــا بــــــــأي معلومــــــــة.
اتجهنــــا إلى بلديــــة المكــــان فالقينــــا نفس الترحــــاب ولكننــــا لم نجــــد اســــم العم إبــــراهيم في قائمــــة المســــجلين.
لجأنا إلى ورقة صغيرة كنا حملناها معنا من تونس تحمل عنوان مقر عمل العم إبراهيم قبل التقاعد انــه « 04شــارع محمــود
بوريبــة بــالحراش» ســألنا عن الشــارع إلى أن وصــلنا إليــه غــير بعيــدـ عن وســط المدينــة لكن المحالت غــير مرقمــة.
قمنا بعملية حسابية إلى أن وصلنا إلى محل تجاري هو الرابع في الشارع .دخلنا وسلمنا ثم سألنا التــاجر إذا كــان هــذا المحــل
يحمل رقم 04في الماضي إنه ال يعلم شيئا قدمنا له الصورة التي بحوزتنا فلم يتعرف على صاحبها .في األثناء قفز رجل في
المحل من مكانه وأبلغنا أنه يعرف هذا الوجه وذكر اسمه ولقبه هو نفسه االسم الذي نفتش عنه بل وبادرنا بمعلومة أكدت أنه
يعرفه فعال فقد ذكر أن هذا السيد كان يشتغل حارسا في مصنع حكومي لبيع اللوح ومشــتقاته ولكن المصــنع تغــيرت وظيفتــه
اآلن إنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه يــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبيع مــــــــــــــــــــــــــــــــــــــواد البنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء.
وذكر محدثنا أنه صاحب شاحنة نقل بضائع خاصة وكان يتعامل مع المصنع وطلب منـا مرافقتـه إلى المصــنع ليسـأل زمالء
العم إبــــــــــراهيم في الماضــــــــــي (مــــــــــازالوا يعملــــــــــون في نفس المصــــــــــنع وان تغــــــــــيرت مهــــــــــامهم).
خرجنا من المحل التجاري وقصدنا المصنع الذي ال يبعد سوى ثالثة أمتــار تقريبــا ،مصــنع في حالــة مزريــة مجــرد جــدران
مغطاة بالزنك وحوالي خمسة عمال فقط موجودون التفــوا حولنــا وحــال رؤيتهم للصــورة تعرفــوا عليــه جميعــا دون اســتثناء
وسردوا على مسامعنا ذكريات لهم مع هذا الرجل الطيب ولكنهم أكدوا أنهم لم يروه منذ سنة تقريبا وأقصى مــا يعرفونــه أنــه
يســــــــــــــــــــــــكن في منطقــــــــــــــــــــــــة الرغايــــــــــــــــــــــــة وال يعرفــــــــــــــــــــــــون العنــــــــــــــــــــــــوان.
شــــكرناهم وركبنــــا ســــيارة أجــــرة إلى الرغايــــة الــــتي تبعــــد حــــوالي 30كلم على الحــــراش في اتجــــاه الشــــرق.
تــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــونس في القلب
بعد حوالي النصف ساعة وصلنا رفض صاحب السيارة أخذ أجرته هدية منه إلى التونســيين على مســاندتهم للفريــق الوطــني
الجزائــــري لكــــرة القــــدم ،اتفقنــــا أن تبــــدأ رحلتنــــا من أمــــام مركــــز البريــــد والســــوق البلــــدي وســــط المدينــــة.ـ
هناك أيضا يعرفونه جميعا ولكن ال يعرفون مكان إقامته بالضبط وهناك من أكد أنه رآه منذ أســبوع فقــط أمــام مركــز البريــد
اطمأن قلبنا ألنه مازال على قيد الحياة في األثناء صادفنا شـيخا من المدينــة أخـذ على عاتقــه التجـوال معنــا ومسـاعدتنا ولمــا
يئسنا طلب منا الذهاب إلى منطقة الكروش حوالي 3كلم والبحث هناك عن رجـل يـدعى جمعـة رابح أصـوله تونسـية ركبنـا
الحافلـــــــــــــــــــــــــــــة وتكفـــــــــــــــــــــــــــــل هـــــــــــــــــــــــــــــو بـــــــــــــــــــــــــــــدفع األجـــــــــــــــــــــــــــــرة.
وصــلنا إلى كــروش ســألنا عن الرجــل حــتى وجــدناه ولكنــه لم يفــدنا عنــدها شــكرناه وقصــدنا راجعين الى بلديــة الرغايــة.
في مقر البلدية سألنا قسم االنتخابات عن الرجل لكن ال وجود له في قائمة الناخبين في األثناء دخل عون بلدي آخر ولما رأى
الصـــــورة جـــــزم بأنـــــه يعـــــرف صـــــاحبها جيـــــدا وأنـــــه يقطن في حي البـــــاي وتســـــمى أيضـــــا بوســـــعيدان.
قصدنا الحي المذكور على متن سيارة أجرة رفض صاحبها الحصول على أجرته أيضا ،لم نجـد في هـذا الحي سـوى منـازل
سكنية ومقهى صغير ومسجد فقصدناه والوقت ظهرا وجدنا بداخله ثالثة رجال سألناهم إن كــانوا يعرفــون صــاحب الصــورة
فتعرف عليه أحــدهم وذكــر أن العم ابــراهيم كــان يقطن في الحي ولكنــه غـاب عن االنظــار منــذ فــترة وتطــوع إليصــالنا الى
المـــــــــــنزل الـــــــــــذي كـــــــــــان يقطنـــــــــــه علّنـــــــــــا نجـــــــــــد من يـــــــــــدلنا عن مكانـــــــــــه الجديـــــــــــد.
في الطريق اعترض سبيلنا كهل أكد أنه يعرف العم ابراهيم فعال وأعلمنا بأنه انتقل الى العيش في بلدية أوالد هداج من والية
بومرداس غير البعيدة (تقريبا 3كلمترات) وأكد أنه يعـرف منزلـه النـه كـان ينقـل اليـه بعض االمتعـة باعتبـار أنـه صـاحب
شــــــــــــــــــــــــــــاحنة خاصــــــــــــــــــــــــــــة معــــــــــــــــــــــــــــدة لنقــــــــــــــــــــــــــــل البضــــــــــــــــــــــــــــائع.
في االثناء تدخل آخر والحظ أن العم ابراهيم يقطن في منطقة حوش برطلة التابعة لبلدية أوالد هداج (تسمى كــذلك نســبة الى
معمـــــــــــر فرنســـــــــــي اســـــــــــمه برطلـــــــــــة ومـــــــــــازال منزلـــــــــــه قائمـــــــــــا الى يومنـــــــــــا هـــــــــــذا).
بكى كثـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيرا وضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــحك كثـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيرا
تطوع مرافقنا بمصاحبتنا الى منطقة حوش برطلة على متن سيارة أجرة ولما أشرفنا على هذه القرية الصـغيرة الواقعـة على
الطريق السيارة المؤدية الى العاصمة (وهي تابعة إداريا الى والية بــومرداس) صــادفنا شــيخا ســألناه عن صــاحب الصــورة
(العم ابراهيم) فأشار بإصبعه الى نهج صغير وقال إنه في المنزل الخامس فكان علينا القيام بعملية العد طبعا الن النهج غــير
مـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرقم.
أدركنا أننا وصلنا الى ضالتنا وكان الوقت آنذاك الثانية والنصف من بعـد ظهـر االربعـاء ،ترجلنـا من على السـيارة وطرقنـا
باب المنزل الخامس خرج صاحبه بادرناه بالسالم ثم سألناه إن كان هذا منزل العم ابراهيم عسال فأجاب إنه المـنزل المـوالي
كــــــــــــــــــــــــــــــــــــــانت عمليــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة العــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد خاطئــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة.
طرقنا الباب الموالي فخرج شاب وأعلمنا أنه ابن ابراهيم .سألناه إن كان يعرف مرافقنا (فتحي) فأجاب بالنفي فأخبرنــاه بأنــه
ابن عمـــــــــــــــــه من تـــــــــــــــــونس فـــــــــــــــــارتمى في أحضـــــــــــــــــانه وانهـــــــــــــــــال عليـــــــــــــــــه قبال.
في االثنـــاء خـــرج العم ابـــراهيم وابنـــه اآلخـــر (فريـــد) بعـــد أن ســـمعا هويـــة فتحي وعمت الفرحـــة أرجـــاء المـــنزل.
قضينا بقية اليوم في منزل العم ابراهيم الذي فرح بنا كثـيرا هـو وأفـراد عائلتـه في االثنــاء اتصــل فتحي بأهلـه في الڤصـرين
ليبلغهم خبر العثور على عمه وانهمرت عليه االتصاالت من كل حدب وصوب حتى أن الهاتف لم يتوقــف عن الــرنين طيلــة
ذلك اليوم وتحدث العم ابراهيم مع شقيقه العم يونس من الڤصرين وبقية العائلة طويال وبكى كثيرا وضـحك كثـيرا وكـان كـل
مرة يقطع الحديث ليشكر جريدة (الشروق التونسية) على هذا المجهود بل وسرد لنا العم ابراهيم ذكرياته مع العمل كحــارس
في الحراش وكيــف نجــا من
الموت لمـا داهمــه االرهـاب
هنــاك ليال ثم كيــف نجــا من
مـــوت محقـــق في مجـــزرة
ارتكبها االستعمار الفرنســي
ضـــــــــد مجموعـــــــــة من
المجاهدين وكان هــو واحــدا
منهم حــتى أنــه اســتظهر لنــا
بمقــال من جريــدة فرنســية
تضمنت اسمه ضمن الموتى
ذبحـــا في تلـــك المجـــزرة.
انتهت رحلــــــــة البحث إذن
مســاء االربعــاء وعــدنا في
الســـابعة مســـاء الى الـــنزل
حيث حزمنا أمتعتنا استعداداـ
للرحيــل صــباح الخميس في
اتجاه مدينةـ عنابة الجزائرية
ومنها الى الحدود التونسية وعاد فتحي مح ّمال بأرقام هواتف عائلة عمه وعناوينهم.