الحملة الثانية ضد الإسلام أو المسلمانية الفارسية

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 12

‫للا‬ ‫اه‬‫ض‬ ‫ت‬‫ار‬ ‫ي‬ ‫ِّ‬

‫الذ‬ ‫ين‬ ‫ِّ‬


‫الد‬
‫َْ َ ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫اإلسالَ ُم ِّأم ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةُ‬
‫أ َُه َو ْ‬

‫***‬ ‫***‬

‫‪PART-11‬‬
‫اإلسالم‪ ،‬أو ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةُ الفارسيَّةُ‬
‫ِّ‬ ‫احلملةُ الثانيةُ ِّ‬
‫ض َّد‬
‫‪The second campaign against Islam or Persian Muslumanism‬‬
‫أتليف‬
‫فريد صالح اهلامشي‬
‫‪Copyright©2018 by‬‬
‫‪Feriduddin AYDIN‬‬
‫‪feriduddin@gmail.com‬‬

‫إسطنبول‪2018-‬م‪.‬‬

‫دار العِّ ََب للطباعة والنشر‬

‫‪al_ibar.publishing@yahoo.com‬‬
‫اإلسالم‪ ،‬أو ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةُ الفارسيَّةُ‬
‫ِّ‬ ‫احلملةُ الثانيةُ ِّ‬
‫ض َّد‬

‫ت نبذةٌ من ِّ‬
‫أخبارها‬ ‫احلنيف هي اليت أنزهلا بنو أميةَ يف الفرتة املبكِّ َرةِّ‪ ،‬كما َّ‬
‫مر ْ‬ ‫ُ‬ ‫الدين‬
‫ف هبا ُ‬
‫إن َّأو َل ضر ٍبة أستُ ِّ‬
‫هد َ‬
‫القضاء على اهلامشيني فحسب‪ ،‬بل أحلقت‬ ‫ِّ‬ ‫يف الفصول السابقة‪ .‬هذه األسرةُ يف احلقيقة مل تقتصر على حماولة‬
‫وأقامت دولتَها على أساس‬
‫ْ‬ ‫ونظام الشورى‪،‬‬ ‫اخلالفة الر ِّ‬
‫اشدية‬ ‫ِّ‬ ‫خطريا عند ما ألغت مؤسسةَ‬ ‫تشويها‬ ‫ابإلسالم‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫خلت هلا الساحةُ فيما بعد‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬
‫االستبداد الْ ِّوَراثِّ ِّي‪ ،‬وذلك بعد انتهائِّها من مذحبة اهلامشيني وأنصارهم‪ .‬هكذا‬
‫صبغة روحانية غامضةً على هذا الدين‬ ‫ِّ‬
‫إلضفاء ٍ‬ ‫جهودها‬ ‫فواصلت‬
‫ْ‬ ‫أوقعت يف اإلسالم من الشلل‪،‬‬
‫ْ‬ ‫لتعميق ما‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫وإشعاعاتا العلمية واألخالقية‬ ‫ِّ‬
‫وإهلاماتا‬ ‫جماالت احلياةِّ ِّحب ِّ‬
‫لوهلا‬ ‫ِّ‬ ‫مجيع‬ ‫ِّ‬
‫العاملي لقطع شرايينه اليت كان يُغَذي هبا َ‬
‫خاء ومتهيد البيئة املالئمة للتعايش‬ ‫متاح لتأسيس عالقات اإل ِّ‬ ‫رحب ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أجواء ٍ‬ ‫فسيح‪ ،‬و ِّ‬
‫خلق‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫لبناء مستقبل نَِّ ٍري‬
‫ِّ‬
‫املسجد واملقَبة‬ ‫سهُ بني‬ ‫ٍ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اإلسالم من كل جهة لتَ ْحب َ‬ ‫َ‬ ‫اجلاهلية اجلدد حتاصر‬ ‫والتعاون والسالم‪ ...‬بدأت رموز‬
‫من بداية حكم بين أمية حىت تكون الساحةُ خالية للحكام يتصرفون بال وازع يردعهم عن أهوائهم‪.‬‬

‫رس‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫اإلسالم وحتر ِّ‬


‫ِّ‬ ‫لتشويه صورةِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُّ‬
‫أول َم ْن َس َّن سنةَ األمويِّني‬
‫وتعطيل أحكامه هم الرافضةُ ال ُف ُ‬ ‫تعاليمه‬ ‫يف‬
‫أن أساليبهم يف ضرب اإلسالم وخنقه كانت خمتلفةً عن أساليب اجلاهليِّني األمويِّني‪ .‬إن األمويني‬ ‫اجملوس‪ ،‬إالَّ َّ‬
‫ُ‬
‫ِّ‬
‫قناع يتمثل يف قمع اهلامشيني‪ ،‬فلم تَتَ نَ بَّه العامةُ إىل كنه عداوتم لالسالم‪ ،‬وإمنا‬ ‫اإلسالم وراءَ ٍ‬ ‫كانوا حياربون‬
‫َ‬
‫أن بين أمية يرون اهلامشيني كعقبة على طريقهم‪ ،‬فرييدون إزالتهم لتوطيد حكمهم‪ ...‬أما الرافضةُ‬ ‫كانت تظن َّ‬
‫يتخف ْو َن وراءَ ُمواالَةِّ اهلامشيني‬
‫الفرس‪ ،‬فإهنم كانوا يستغلون موقف ا ْحلُ َّك ِّام األمويِّني هذا‪ ،‬ألهنم كانوا َّ‬ ‫ُ‬
‫يد‪ ،‬ليَبروا بذلك ُح َّجتَ ُه ْم‪ :‬أهنم إمنا يقاومون القهر‬ ‫القتل والتشر ِّ‬
‫البيت من ِّ‬ ‫ض له أهل ِّ‬
‫ُ‬ ‫تعر َ‬
‫ويستنكرون ما َّ‬
‫بيت الرسول عليه السالم‪ .‬إالَّ أن موق َفهم‬ ‫أهل ِّ‬ ‫ضد ِّ‬ ‫والكف عن ِّ‬
‫املظامل َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫العدالة‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫بتأسيس‬ ‫والظلم‪ ،‬ويطالبون‬
‫َ‬
‫الفارسية تعميةً وجتهيالً‪ ،‬وما زال موقفهم هذا على الوتريةِّ‬ ‫ِّ‬ ‫صبِّيَّتِّ ِّه ِّم‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬
‫هذا مل يكن إالَّ إلخفاء َجمُوسيَّت ِّه ْم َو َع َ‬
‫نفسها‪ ،‬مل يتغري قيد ٍ‬
‫منلة إىل اليوم‪.‬‬

‫اإلسالم لرييهم‬
‫ُ‬ ‫الشعب اآلري اإلير ِّانُّ َ‬
‫اليوم‪ ،‬من امتداد الساسانيني الذين اعرتضهم‬ ‫ُ‬ ‫ابألمس هو‬‫ِّ‬ ‫رس‬
‫إن ال ُف َ‬
‫من اآلايت يف عهد اخلليفة الراشدي عمر بن اخلطاب رضي للا عنه (‪ )644-581‬لكنه من الضروري يف‬
‫ٍ‬ ‫ابدئ األمر أن نُ ِّلق َي نظرةً سريعةً إىل ِّ‬
‫اإلسالم‬
‫َ‬ ‫اتريخ هذه األمة ولو يف سطوٍر وجيزة لكي َّ َ‬
‫نتبني كيف قابلت‬
‫وكيف تفاعلت معه‪.‬‬
‫موجات متتالية من‬ ‫ٍ‬ ‫أصول هندو أوروبية من العرق ِّ‬
‫اآلر ِّي‪ ،‬احندرت يف‬ ‫ٍ‬ ‫قبائل من‬ ‫َّ‬
‫س ال ُق َد َماءَ كانوا َ‬
‫إن ال ُف ْر َ‬
‫ت يف املنطقة اليت تقوم عليها اليوم‬ ‫واستقر ْ‬
‫َّ‬ ‫الشمال منذ حواىل ‪ 2000‬عام قبل ميالد املسيح عليه السالم‪،‬‬
‫بالد فارس يف التاريخ‪ .‬تطورت اللغةُ‬ ‫"اجلمهوريةُ اإلسالميةُ اإليرانية‪ ".‬واملنطقة اليت انتشروا فيها ِّسيت َ‬
‫اللهجة البَ ْهلَ ِّويَِّّة‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫األمخينية‪ ،‬مث مبرور الوقت حتولت إىل‬ ‫الفارسيَّةُ القدميةُ اليت كانوا يتحدثون هبا خالل الفرتة‬
‫أخريا إىل الفارسية احلديثة اليوم‪ .‬إن الشعب‬ ‫خالل الفرتة الساسانية إىل أن استحالت البهلويةُ فتحولت ً‬
‫اإليران اليوم هو من امتداد تلك القبائل اآلرية القدمية‪ .‬هلم حضارةٌ تشهد َم َعالِّ ُم َها يف أحناء هذه املنطقة على‬
‫التحرِّر من قيودها ليتقبلوا‬ ‫عمق اترخيهم‪ ،‬وهي اليت غلبت على ثقافتهم بصورة ُْحم َك َم ٍة حبيث مل َّ‬
‫يتمكنُوا من ُّ‬
‫ينفكوا عن جاهليتهم إالَّ‬ ‫إبخالص‪ ،‬ويف إطار الكتاب والسنة‪َ .‬مثَ لُ ُه ْم َمثَل العرب الذين مل ُّ‬
‫ٍ‬ ‫الصحيح‬
‫َ‬ ‫اإلسالم‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫لفرتة قصرية وحمدودةٍ يف عهد الرسول عليه السالم وعهد خلفائه الراشدين رضي للا عنهم فحسب‪ ،‬كما أن‬
‫ضا ال يزالون متمسكني مبعتقدات آابئهم الذين كانوا ُمعتنقني هلا قبل‬ ‫بقية الشعوب وعلى ر ِّ‬
‫أسهم األتراك أي ً‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫القبال الفارسيةُ فيما سبق حتت سيادة العيالميِّني وامليديِّني‪ .‬مث َّ‬
‫متر َد أمريُها كورش (‪ 529-600‬قم‪).‬‬ ‫ُ‬ ‫كانت‬
‫على امليديِّني وأقام الدولةَ الفارسيةَ األوىل‪ ،‬تسمى أي ً‬
‫ضا الدولةَ األمخينيةَ‪ ،‬وهو أول ملوك هذه الدولة‪ ،‬يسميه‬
‫گ) أي كورش العظيم‪ .‬واإلمَباطوريةُ الساسانيةُ اليت ظهرت على مسرح‬ ‫الفرس ب اللغة الفارسية‪( :‬کور ِّ‬
‫ش بُ ُزر ْ‬
‫ضا ابسم اإلمَباطورية الفارسية‬ ‫ِّ‬
‫الفارسية اليت تُعرف أي ً‬ ‫التاريخ ما بني ‪651-226‬م‪ ،‬هي امتدا ٌد لإلمَب ِّ‬
‫اطورية‬
‫الثانية‪.1‬‬

‫أهل‬ ‫ِّ‬
‫ظهور اإلسالم‪ .‬وقد تناول ُ‬ ‫للداينة الزرادشتيَّ ِّة حىت‬
‫ِّ‬ ‫بشكل ٍ‬
‫عام‬ ‫ٍ‬ ‫الفرس (الساسانيون) معتنقني‬
‫ُ‬ ‫كان‬
‫اسة هذه الداينَةَ ابسهاب وتفصيل‪ .‬وعلى رغم ما زعم بعضهم أن الزرادشتية تقوم على أساس‬‫البحث والدر ِّ‬
‫ِّ‬
‫التوحيد‪ ،‬إال أن تعاليمها خالية من التأكيد الصارم على وحدانية للا تعاىل ابملقارنة مع ما جاءَ يف القرآن‬
‫ص َرا ِّر على توحيده وتنزيهه ونفي األنداد عنه تبارك وتعاىل‪ ،‬كما َّ‬
‫أن‬ ‫واإل ْ‬ ‫اإل ْح ِّ‬
‫كام ِّ‬ ‫الكرمي والسنة النبوية من ِّ‬
‫تستمد من الوحي ٍ‬
‫بوجه‪ ،‬بل إهنا (أو اجملوسيةَ ابملصطلح اإلسالمي) إمنا هي داينةٌ غري معدودة‬ ‫ُّ‬ ‫الزرادشتيةَ ال‬
‫أهل اإلختصاص‪َّ :‬‬
‫أن هذه‬ ‫مجهور من ِّ‬
‫ٌ‬ ‫من األداين السماوية يف واقع األمر‪ .‬يَبهن على ذلك ما ذهب إليه‬

‫ْم كورش الكبري عام ‪ 559‬قبل امليالد‪ ،‬وانتهت مبقتل املك داريوس الثالث أثناء هروبه من اإلسكندر‬ ‫‪ 1‬بدأت اإلمَباطورية الفارسية القدمية أو اإلمَباطورية األمخينية ِّحبُك ِّ‬
‫اطورا‪.‬‬
‫الكبري عام ‪ 330‬قم‪ .‬قتله أحد رجاله املدعو بسوس‪ .‬وقد توىل حكم هذه الدولة أربعة عشر إمَب ً‬

‫ضا ابسم اإلمَباطورية الفارسية الثانية‪ ،‬قد أسسها أردشري األول (‪242-180‬م‪ ).‬سنة ‪226‬م‪ .‬واهنارت عندما قُتِّ َل امللك يزدغريد الثالث يف‬
‫وأما الدولة الساسانية املعروفة أي ً‬
‫فار‪ ،‬قتله لص فارسي أايم زحف اجليش اإلسالمي بقيادة النعمان بن مقرن الذي انتصر على جيش الفرس يف معركة هناوند‪ .‬وهو آخر ملوك‬ ‫طاحونة عام ‪652‬م‪ .‬وهو ٌّ‬‫ٍ‬
‫الساسانيني الذين يبلغ عددهم تسعةً وعشرين‪ ،‬وأبو السيدة (شهرابنو) ِّ‬
‫زوجة احلسني بن علي بن أيب طالب رضي للا عنهم‪ ،‬الذي مل يره احلسني ومل يلتق به قط‪.‬‬
‫الشر) وهي عقيدةٌ وثنيةٌ‪،‬‬ ‫وإله ِّ‬ ‫إله اخلري ِّ‬ ‫وإله الظلمة؛ أو ِّ‬
‫النور ِّ‬ ‫اثنني ِّ‬
‫(إله ِّ‬ ‫إبهلني ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اإلعتقاد ِّ‬ ‫الداينةَ تعتم ُد على‬
‫مستمر‪ ،‬وهذا‬ ‫ٌّ‬ ‫بذاته‪ ،‬وبينهما صراع‬ ‫يستقل ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫ومتضاد ِّ‬
‫ان‪ ،‬كلٌّ منهما‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫متقابالن‬ ‫ِّ‬
‫أصالن‬ ‫ِّ‬
‫للوجود‬ ‫زعم معتنقوها َّ‬
‫أن‬
‫محلة من الصراع‬ ‫كل ٍ‬ ‫مفرغةٌ تستوجب اهنزام أحد اإلهلني يف ِّ‬ ‫يَتداعى مفهوم الكون والفساد‪ ،‬وهي حلقةٌ َّ‬
‫يهما ِّ‬
‫آهلَةٌ إَِّّال َّ‬ ‫ِّ‬
‫س َد َات‬
‫اَّللُ لََف َ‬ ‫ابطل ال حمالةَ‪ .‬قال تعاىل‪" .‬ل َْو َكا َن ف ِّ َ‬ ‫املتواصل بينهما إىل ما ال هناية له‪ .‬وهذا ٌ‬
‫‪2‬‬ ‫ش َع َّما ي ِّ‬
‫ص ُفون‪".‬‬ ‫ب ال َْع ْر ِّ‬ ‫فَسبحا َن َِّّ‬
‫اَّلل َر ِّ‬
‫َ‬ ‫ُْ َ‬

‫دارت رحاها بينها وبني‬ ‫حروب ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ت بعد ٍ‬


‫قرون نتيجةَ‬ ‫ضعُ َف ْ‬
‫الدولة الساسانية اليت كانت إمَباطوريةً قويَّةً جدا‪َ ،‬‬
‫البيزنطيِّني‪ .‬فلما غلب اإلمَباطور البيزنطي هرقل على اجليش الساسان يف نينوى عام ‪627‬م‪ .‬وأحلق هزميةً‬
‫ِّ‬
‫مستهل‬ ‫منكرةً به‪ ،‬مل تقم هلذه الدولة قائمةٌ بعد ذلك‪ .‬وقد أخَب القرآ ُن الكرميُ هبذه احلادثة قبل وقوعها يف‬
‫ض و ُهم ِّمن ب ْع ِّد غَلَبِّ ِّهم سي غْلِّبو َن * ِّيف بِّ ْ ِّ‬ ‫سورة الروم‪ ،‬قال تعاىل‪" :‬امل * غُلِّب ِّ‬
‫ض ِّع سنِّ َ‬
‫ني‬ ‫ْ ََ ُ‬ ‫وم * ِّيف أَ ْد ََن ْاأل َْر ِّ َ ْ ْ َ‬‫الر ُ‬
‫ت ُّ‬ ‫َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ََّّلل ْاأل َْم ُر م ْن قَ ْب ُل َوم ْن بَ ْع ُد َويَ ْوَمئذ يَ ْف َر ُ‬
‫‪3‬‬
‫ح ال ُْم ْؤمنُو َن‪".‬‬

‫ضد كسرى الساسانيني خوسرو برويز الثان (‪ ،)628-590‬قام جنله ِّش َرَويْه‬ ‫يف عام ‪628‬م‪ .‬انفجرت ثورةٌ َّ‬
‫ابنقالب عليه وخلعه وقتله‪ .‬من املثري جدا‪ .‬أن رسول للا صلى للا عليه وسلم كان يبعث ُر ُسلَهُ إىل امللوك‬ ‫ٍ‬
‫ِّ‬
‫السهم َّي‬ ‫ِّ‬
‫أن كلَّف عب َد للا َ‬
‫بن حذافةَ‬ ‫واألمر ِّاء املعاصرين قبل هذه الواقعة بقليل يدعوهم إىل اإلسالم‪ ،‬فاتفق َّ‬
‫النب عليه‬ ‫ئ عليه رسالةُ ِّ‬ ‫نجه َّي استشاط غضبًا عند ما قُ ِّر َ‬ ‫امللك العُ ِّ‬
‫لكن هذا َ‬ ‫رسالته إىل كسرى‪َّ 4 ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫بتبليغ‬
‫ِّ‬
‫وأطال لسانهُ عليه وطرد رسوله من بلده‪ .‬فلما سع الرسول ما حدث من تصرفاته دعا‬ ‫َ‬ ‫السالم‪ ،‬فمزقها‬
‫الواقعة يف مصادر ِّ‬
‫الس َِّري مفصلةً‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫عليه‪ ،‬فما لبث حىت قُتِّ َل‪ .‬لقد وردت َّ‬
‫قصةُ هذه‬

‫فارس بقيادةِّ‬ ‫جماهد‪ ،‬أرسله ِّ ِّ‬ ‫ٍ‬


‫لفتح بالد ِّ َ‬ ‫شا قوامه أربعةٌ وثالثون ألف‬
‫عمر بْ ُن اخلطاب رضي للا عنه جي ً‬
‫جه َز ُ‬
‫َّ‬
‫ِّ‬
‫اإلسالم ُّي‬ ‫اجليش‬ ‫غضون أايٍم ِّ‬
‫قليلة‪َ ،‬ه َزَم‬ ‫ِّ‬ ‫سعد بن أيب وقاص رضي للا عنه سنة ‪ 636‬من اهلجرة النبوية‪ .‬يف‬
‫ُ‬
‫األنبياء‪22:‬‬ ‫‪2‬‬

‫الروم‪4 - 1 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫هذه كلمات الرسول عليه الصالة السالم‪ ،‬الواردة يف رسالته الشريفة إىل امَباطور الساسانيني خوسرو برويز الثان واليت محلها إليه عبد للا بن حذافة السهمي‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫"بسم للا الرمحن الرحيم‪ ،‬من حممد رسول للا إىل كسرى عظيم فارس‪ ،‬سالم على من اتبع اهلدى وآمن ابهلل ورسوله‪ ،‬وشهد أن ال إله إال للا وحده ال شريك له وأن حممدا‬
‫عبده ورسوله‪ ،‬أدعوك بدعاية للا‪ ،‬فإن أان رسول للا إىل الناس كافة‪ ،‬ألنذر من كان حيا وحيق القول على الكافرين‪ ،‬أسلم تسلم ‪ ،‬فإن أبيت فعليك إمث اجملوس" قال الطَبي‬
‫يف اترخيه ‪ " :‬وقد اختلف تلقي امللوك هلذه الرسا ئل‪ ،‬فأما هرقل والنجاشي واملقوقس‪ ،‬فتأدبوا وتلطفوا يف جواهبم‪ ،‬وأكرم النجاشي واملقوقس رسل رسول للا ‪ -‬صلى للا عليه‬
‫وسلم ‪ ،-‬وأرسل املقوقس هدااي إىل رسول للا صلى للا عليه وسلم‪ ...‬وأما كسرى ملا قريء عليه الكتاب مزقه‪ ،‬فعن ابن عباس‪ .‬رضي للا عنهما‪" :‬أن رسول للا صلى للا‬
‫عليه وسلم بعث بكتابه إىل كسرى مع عبد للا بن حذافة السهمي ‪ ،‬فأمره أن يدفعه إىل عظيم البحرين‪ ،‬فدفعه عظيم البحرين إىل كسرى‪ ،‬فلما قرأه مزقه‪ ".‬وقد وقع ما دعا‬
‫به رسول للا صلى للا عليه وسلم‪ .‬فقد استوىل على عرش كسرى ابنه قباذ امللقب ب شريويه‪ ،‬وقُتِّل كسرى ذليالً مهاانً‪ ،‬ومتزق ملكه بعد وفاته وأصبح لعبة يف أيدي أبناء‬
‫األسرة احلاكمة‪ ،‬فلم يعش شريويه إال ستة أشهر‪ ،‬وتواىل على عرشه يف مدة أربع سنوات عشرة ملوك‪ ،‬وهكذا حتقق دعاء النب صلى للا عليه وسلم‪.‬‬
‫ساسانَّ الْم َك َّون من ٍ‬
‫بن فَ ُّر ْخ َذاد‪ ،‬وذلك يف معركة‬ ‫ألف ٍ‬
‫مقاتل‪ ،‬كان يقوده ُر ْستَ ُم ُ‬ ‫مائة وعشرين َ‬ ‫يش ال ِّ ُ‬ ‫اجل َ‬
‫عاصمة ا ِّ‬
‫لدولة‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫املدائن (‬ ‫مؤزًرا‪ ،‬ودخل املسلمون حاضرة‬ ‫نصرا َّ‬ ‫جنوب العراق اليوم‪ ،‬وأحرز ً‬ ‫َ‬ ‫القادسية الواقعة‬
‫ِّ‬
‫اإلسالم ُّي مرةً اثنيةً‬ ‫اجليش‬ ‫التقى‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫الساسانيَّة)‪ .‬ويف سنة ‪642‬م‪ .‬أي بعد ست سنوات من معركة القادسية َ‬
‫ِِّّ‬
‫الساسان يف موقعة‬ ‫بقيادة النعمان بن عمرو بن ُم ْق ِّرن ال ُْم َزِّن‪ ،‬وقوامه ثالثون ألف جماهد‪ ،‬التقى ابجليش‬
‫ٍ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫معظم ُهم يف ساحة‬ ‫اجليش الساسان هبزمية ساحقة قُت َل ُ‬ ‫ُ‬ ‫وقوامهُ مائةٌ ومخسون أل ًفا يقوده فريوزان‪ُ .‬م ِّ َ‬
‫ين‬ ‫هنَ َاونْد ُ‬
‫األعمال اجلهاديَّةُ كذلك يف عهد‬
‫ُ‬ ‫املعركة فاهنارت الدولةُ الفارسيةُ ومل تقم هلا قائمةٌ بعد هذه الكارثة‪ .‬دامت‬
‫ت‬ ‫ِّ‬
‫الفارسية وأُ ْحلَِّق ْ‬ ‫ِّ‬
‫البالد‬ ‫عثمان بن عفان رضي للا عنه (‪ ،)656-574‬ومل يلث طويالً حىت فُتِّحت معظم‬
‫ابملنطقة اإلسالمية‪.‬‬

‫ِّ‬
‫الفارس َّي‬ ‫الشعب‬ ‫ت‬ ‫ِّ‬
‫الصدمة اليت أصاب ِّ‬ ‫الباحث مدى شدة‬ ‫ُ‬ ‫ففي ضوء ما سبق من املعلومات امللخصة يُ ْد ِّر ُك‬
‫َ‬
‫قروان على مسرح التاريخ َتَ ُاهبا بقيةُ الدول‪ ،‬حىت الدولةُ البيزنطيةُ اليت‬ ‫ِّ‬
‫العمالقة اليت دامت ً‬ ‫اهنيار دولتِّ ِّه‬
‫عقب ِّ‬
‫طويال‪ ،‬وقارع ْتها يف معارك عديدة‪ .‬فرغم ذلك مل‬ ‫والتوس ِّع عه ًدا ً‬ ‫ِّ‬
‫االستيالء‬ ‫انفس ْتها يف‬
‫ُّ‬ ‫كانت أمَباطوريةً قويةً َ‬
‫تذوب عادةً‬ ‫ت الفاحتني املسلمني‪ ،‬وإذا جبيوشها العارمة‬ ‫تستطع هذه الدولةُ العمالقةُ أن تصم َد أمام َمحَالَ ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ضم األراضي الفارسية إىل اجلغرافيا‬ ‫حتت ضرابت اجليش اإلسالمي الذي كان أقل من ثلثها‪ .‬وهكذا‪ ،‬مت ُّ‬
‫اإلسالمية يف ٍ‬
‫أمد قصري ج ًدا‪.‬‬

‫ِّ‬
‫اخللفاء الراشدين كانوا‬ ‫ِّ‬
‫اإلسالم ِّي يف عهد‬ ‫اجلش‬ ‫األساسي وراء كسب هذه االنتصارات؛ َّ‬
‫أن قادةَ ِّ‬ ‫أن احلافز‬
‫َّ‬
‫أصحاب الرسول صلى للا عليه وسلم‪ ،‬يتحركون على أساس احلكمة يف نضاهلم وجهادهم‬ ‫ِّ‬ ‫من أجالَِّّء‬
‫والقتل‬
‫َ‬ ‫القمع‬
‫َ‬ ‫ضهم االستيالءَ على األراضي وال‬ ‫وتعاملهم مع األعجام املواطنني اجلدد‪ ،‬إذ مل يكن غر ُ‬
‫ِّ‬
‫اإلسالم لتكو َن‬ ‫والتشري َد وال سلب األموال واملمتلكات أب ًدا‪ .‬وإمنا كانوا ِّ‬
‫مهتمني ابالمتثال لدعوة للا ِّ‬
‫بنشر‬ ‫َ‬
‫ِّ‬
‫االسالم‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫كلمةُ للا هي العليا‪ ،‬ولتَ عُ َّم العدالةُ واملساواةُ واإلخاءُ والسالم‪ ،‬ليدرك أهايل األوطان املفتوحة عظمةَ‬
‫وكمال نظامه الفريد‪...‬‬

‫هؤالء العباقرةِّ املخلصني مل تستطع جيوش‬ ‫ِّ‬ ‫ات اإلسالميةُ يف العهد املبكِّ ِّر حتققت على يد‬ ‫وملا كانت الفتوح ُ‬
‫ٍ‬
‫بسهولة‪ ،‬كما أن سكا َن‬ ‫الفتح‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ويتم ُ‬ ‫بسرعة ُّ‬ ‫تنهار‬
‫اجليوش اإلسالمية‪ ،‬بل ُ‬ ‫مواجهة‬ ‫الدفاع يف‬
‫ِّ‬ ‫األعجام مواصلةَ‬
‫البالد مل يواجهوا صعوبةً يف التناغم مع النظام اجلديد‪ ،‬ملا كانوا يتمتَّعو َن يف ظلِّ ِّه بقصى قد ٍر من احلرية‪،‬‬
‫هذه ِّ‬
‫العدل والسماح‪ ،‬وحسن املعاملة‪ ،‬والفضائل اإلنسانية احلميدة‪ .‬لذا مل‬ ‫وما يلقون يف القادة اجلدد من ا ْحلُ ْك ِّم ِّ‬
‫إجيايب ابل ٌغ يف ِّ‬
‫حفظ‬ ‫أثر ٌّ‬ ‫ِّ‬ ‫الفارسي امتازوا ِّ‬
‫ابلعلم والفضيلة‪ ،‬وكان هلم ٌ‬ ‫ِّ‬ ‫جيل من العنصر‬ ‫يلبس طويالً حىت نشأ ٌ‬
‫مة جيب االهتمام‬ ‫وآاثرهم القيِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الرفيعة ِّ‬ ‫اث املنبثق من الكتاب والسنة‪ .‬هؤ ِّ‬
‫الء األعالم املعروفون بخالقِّهم‬ ‫الرت ِّ‬
‫وعدم ِّات ِّامهم أب ًدا مبجرد أهنم‬
‫هتمام بتمييزهم عن غريهم من الصوفية املشعوذين والشعوبيِّني اجملوس‪ُ ،‬‬
‫كل اال ِّ‬
‫واملؤرخني والدارسني للعلوم‬ ‫ِّ‬ ‫كانوا من ِّ‬
‫أبناء الشعب الفارسي‪ .‬هذه نقطةٌ مه َّمةٌ جدا ابلنسبة للباحثني‬
‫االجتماعية واتريخ األداين واملذاهب على وجه اخلصوص‪.‬‬

‫سيتبني‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬


‫الصحابة ُمعتَ ِّم ًدا على امل ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫نعم‪ ،‬إذَا َّ‬
‫املعتَبة‪ ،‬ف َّ ُ‬
‫صادر ََ‬ ‫فتوحات‬ ‫تفاصيل‬ ‫احلصول على‬ ‫الباحث من‬
‫ُ‬ ‫متك َن‬
‫محالتم العسكر ِّية أو يف تعاملهم وإدارتم لشؤون العامة كانت منقطعةَ النظري‬ ‫ِّ‬ ‫أن أساليبَهم سواء يف‬ ‫له َّ‬
‫ِّ‬
‫ابلعطاء‬ ‫تفيض‬ ‫ظلت خدماتم اخلريةُ املثمرةُ‬‫ابملقارنة مع أعمال غريهم من األجيال يف كل اتريخ البشرية‪ .‬لذا ْ‬
‫ُ‬
‫جيل التابعني‬
‫ط الضوءَ على طريقهم عَب القرون إىل يومنا هذا‪ .‬وإمنا بفضلهم نشأ ُ‬ ‫على املسلمني‪ ،‬وتسلِّ ُ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫كتاب للا وسنةُ رسوله إلينا بعد ألف وأربعمائة عام‬ ‫وتَبَع ِّه ْم من العلماء الذين ملئوا الدنيا بعلومهم‪ ،‬وصل ُ‬
‫دون أن تشوهبما شائبةٌ (بصرف النظر عن تشويههما يف َحيِّ ِّز التطبيق والتنفيذ)‬

‫عام على فتح املنطقة الفارسية مل‬ ‫ِّ‬


‫وثالمثائة ٍ‬ ‫من املثري أنه رغم م ِّ‬
‫ض ِّي هذه احلقبة الزمنية اليت تربو عن ألف‬ ‫ُ‬
‫الفرس (اإليرانيون) بع ُد من هذه الصدمة‪ ،‬ورمبا ال يريدون أن يتعافوا منها‪ ،‬ليظلُّوا متهيِّئني‬
‫ِّ‬ ‫أحفاد‬
‫ُ‬ ‫اف‬
‫يَتَ َع َ‬
‫حرهبم على اإلسالم إىل يوم القيامة! هلذا‪ ،‬مل يتخلَّ ْوا عن بذل قصارى جهدهم‬ ‫نفسيا ليستطيعوا مواصلةَ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫إلضفاء صبغة القومية الفارسية والداينة الزرادشتية على هذا النظام العاملي وعقيدته احلنيفة منذ أول يوم‬ ‫ِّ‬
‫أثرا لدولتهم‬
‫اإلسالم من قلبه ً‬
‫َ‬ ‫توشحوا بقناع التشيُّ ِّع وحمبة آل بيت الرسول صلى للا عليه وسلم‪ ،‬ليطعنوا‬
‫اليت قضى عليها املسلمون‪ ،‬كما مل يتخلوا عن حقدهم وكراهيتهم للعرب منذ ألف ثالمثائة عام "ألهنم‬
‫اقتحموا ساحتهم واحتلوا أر ِّ‬
‫اضيَ ُه ْم‪"...‬‬ ‫َ‬

‫قياد َتَا عد ٌد من ِّ‬


‫أبطال الصحابة الذين‬ ‫جيوش الفتوحات األوىل بعد الرسول عليه السالم‪ ،‬يتوىل َ‬‫ُ‬ ‫لقد كانت‬
‫شك بفضل االنضباط الذي اتَّسم ِّبه ه ِّ‬
‫ؤالء‬ ‫يشه ُد هلم التاري ُخ على أهنم أملع جيل يف األسرة البشرية‪ .‬وال َّ‬
‫ََ‬
‫أعماق نفوسهم ومتيزوا بعلى درجة من الفضائل اإلنسانية‪ ،‬وبفضل‬ ‫ِّ‬ ‫الشخصيات الذين رسخ اإلميان يف‬
‫فاظ على أمنهم وحقوقهم‪،‬‬ ‫امتثاهلم للمبادئ اليت رسها الكتاب والسنة‪ ،‬واهتمامهم الكبري برتبية الرعية واحل ِّ‬
‫فور ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫أايم احلرب مباشرةً‪.‬‬ ‫َحتََّق َق االستقر ُار والثقةُ يف املنطقة الفارسيَّة َ‬

‫اإلجبار لتغيري معتقدات املواطنني اجلدد‪ ،‬بل كانوا ملتزمني‬ ‫َ‬ ‫العنف (إالَّ يف حاالت استثنائية) وال‬
‫َ‬ ‫مل يستعملوا‬
‫ك ِّاب ْحلِّكْم ِّة والْمو ِّعظَ ِّة ا ْحلسنَ ِّة وج ِّ‬
‫اد ْهلُ ْم ِّابلَِّّيت ِّه َي‬ ‫يل َربِّ َ‬
‫يف إرشاداتم وتوجيهاتم بقوله تعاىل‪" :‬ا ْدعُ إِّ َىل َسبِّ ِّ‬
‫ََ ََ‬ ‫َ َ َْ‬
‫مجاعات غفريةٌ من ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ك ُه َو أَ ْعلَ ُم ِّمبَ ْن َ‬
‫س ُن إِّ َّن َربَّ َ‬
‫أبناء‬ ‫ٌ‬ ‫أقبلت‬
‫ْ‬ ‫ض َّل َع ْن َسبيله َو ُه َو أَ ْعلَ ُم ِّابل ُْم ْهتَد َ‬
‫ين‪ 5".‬لذا‬ ‫َح َ‬ ‫أْ‬
‫س على الدين احلنيف يف هذه احلقبة‪ ،‬لِّما وجدوا يف ِّ‬
‫هؤالء القادةِّ من أصحاب الرسول عليه السالم من‬ ‫ال ُف ْر ِّ‬
‫َ‬
‫بيع عن ذكر للا‬ ‫رجال ال تُلهيهم جتارةٌ وال ٌ‬ ‫إسالمهم‪ ،‬ونشأ فيهم ٌ‬ ‫ُ‬ ‫س َن‬‫األسوة احلسنة والسلوك الرفيع‪ ،‬ف َح ُ‬
‫س تركوا وراءَهم أجياالً صاحلني محلوا رسالة‬ ‫اخلِّريةَ من ِّ‬
‫أبناء ال ُف ْر ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫وإقام الصالة وإيتاء الزكاة‪ ...‬إن هؤالء ْ ََ‬
‫ي لَ َّما انتهى ووثب‬ ‫أن العه َد الر ِّ‬
‫اشد َّ‬ ‫احلذر من التعميم! غري َّ‬ ‫اإلسالم طوال العصور على قِّلَّتِّ ِّه ْم‪ .‬لذا جيب‬
‫ُ‬
‫ت السلطةُ‬ ‫السلطة وعادت اجلاهليَّةُ مبساويها‪ ،‬انقلب األمر رأسا على عقب؛ فَب َرت ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫بن أيب سفيان على‬
‫ََ‬ ‫ُ ً‬ ‫معاويةُ ُ‬
‫سب أهل بيت الرسول‪،‬‬ ‫َّت َّ‬
‫وسن ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫نظام الشورى‪ ،‬وأحكمت استبدادها فضيَّقت اخلنا َق على الرعية‪َ ،‬‬ ‫األمويةُ َ‬
‫يتخف ْوا وراءَ التصوف والشعوذة‬ ‫الناس أن َّ‬ ‫وألزمت املسلمني من األعجام بدفع اجلزية‪ ،‬فاضطر فريق من ِّ‬
‫هؤالء الزاندقةَ قد أدرجهم التاري ُخ‬ ‫ِّ‬ ‫ب أعناقُ ُهم‪( ،‬واي لألسف أن‬ ‫ٍ‬ ‫َّهموا ٍ‬
‫ض َر َ‬‫سياسية فتُ ْ‬ ‫مبيول‬ ‫خمافة أن ال يُت َ ُ‬
‫األخالق والعقيدةِّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫إلفساد‬ ‫أساليب من املروق‬ ‫ِّ‬
‫اختالق‬ ‫الكاذب يف عداد الصاحلني!) وفريق منهم جلئوا إىل‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫عب الفارسي يف‬ ‫ِّ‬
‫فعل أبناء الش ِّ‬‫رد ِّ‬ ‫أن َّ‬ ‫والشعر املاجن (وهم الشعوبيون!)‪ .‬إالَّ َّ‬ ‫ِّ‬ ‫األدب املتهتِّ ِّ‬
‫ك‬ ‫ِّ‬ ‫حتت ِّ‬
‫ستار‬
‫حتقار واالزدر ِّاء (ومل‬
‫مكرا وخدعةً؛ إهنم كانوا أصال ينظرون إىل العنصر العريب بعني اال ِّ‬ ‫ِّ‬
‫معظم ِّه ْم كان أش َد ً‬
‫عاجز عن فهم ثقافتهم الراقية‪ ،‬وال‬
‫ي جاهل ٌ‬ ‫ختتلف نظرُتُم هذه إىل اليوم!) كانوا يرون العرب "أهنم قوم ِّ‬
‫بدو ٌّ‬
‫إن سلسلةً‬ ‫يستطيع مواكبة احلضارة الفارسية"‪ ،‬ومن جر ِّاء هذا النوع من التفكري كانوا يعانون من حزن عميق‪َّ .‬‬
‫التارخيية ‪ -‬املؤثرة يف حتويل اإلسالم إىل الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة – إمنا تبدأ بشكل أساسي من هذه النقطة‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫من األحداث‬
‫الشعب الفا ِّ‬
‫رس ِّي أسر ُارَها ال تزال‬ ‫ِّ‬ ‫قت ابإلسالم على ِّ‬
‫يد‬ ‫فإن قصةَ الضر ِّبة ال ِّ‬
‫عنيفة اليت حل ْ‬ ‫ويف الوقت نفسه‪َّ ،‬‬
‫خمفيَّةً يف أسباب هذه الصدمة‪ ،‬وهذا الكَبايء‪ ،‬وهذا احلزن‪...‬‬
‫***‬
‫س‪ ،‬والساسانيِّني‪ ،‬هلم‬ ‫ألخرى بساء خمتلفة‪ ،‬كال ََْب ِّسيِّني‪ ،‬واألمخينيِّني‪ ،‬وال ُف ْر ِّ‬ ‫ِّ‬
‫إن اإليرانيني الذين ُع ِّرفُوا من حقبة َ‬‫َّ‬
‫حضارةٌ ُمتَ َج ِّذ َرةٌ يف عمق التاريخ ال تقل عن ثالثة آالف سنة‪ .‬لقد أسسوا إمَباطوريتني عظيمتني‪ ،‬وحكموا‬
‫جيوش قويةٌ على مدار‬ ‫ٌ‬ ‫شبكة بريديٍَّة‪ ،‬وكانت هلم‬
‫ٍ‬ ‫مناطق واسعةً من هنر السند إىل مقدونيا‪ ،‬وابتكروا َّأو َل‬
‫أطالل برسيبوليس‬
‫ُ‬ ‫اترخيهم فأصبحوا بفضل ذلك واحدةً من القوى العظمى يف العصور الوسطى‪ .‬تُ ِّ‬
‫قد ُم‬
‫مهمةً حول هذه احلضارةِّ هبندستِّها املعماريَِّّة الرائعة‪ .‬أما العرب‪،‬‬ ‫رياز أدلةً َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ابلقرب من مدينة ش َ‬ ‫األثريةُ الشهريةُ‬
‫حضور كبريٌ يف‬ ‫نوع من الصناعات‪ ،‬ومل يكن هلم‬ ‫ات يف ٍ‬ ‫االسالم مل يكونوا قادرين على إظهار مهار ٍ‬
‫ِّ‬ ‫فإهنم قبل‬
‫ٌ‬
‫اجليوش‪ ،‬واألعمال العمرانية‪ ..‬بل مل يكن هلم حىت نظام ِّ‬
‫سياس ٌّي متَّ َف ٌق عليه ميتاز‬ ‫ِّ‬ ‫جمال السياسة‪ ،‬وتنظيم‬
‫ٌ‬
‫وتوح ُد صفوفَهم‪ ،‬وحتميهم من التهديدات‪ ...‬هلذا السبب منا يف‬ ‫دولة تُوفِّر هلم األمن واالستقرار‪ِّ ،‬‬
‫مبقومات ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬
‫ان البادية اندفعوا من الصحاري‬ ‫ابالستعالء‪ ،‬فكانوا يرون العرب َّأهنم فلول من قُطَّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫شعور‬ ‫نفوس ال ُف ِّ‬
‫ِّ‬
‫َ‬ ‫رس ال ُ‬

‫النحل‪125:‬‬ ‫‪5‬‬
‫ب لقوميتهم‪،‬‬ ‫التعص ِّ‬
‫ُّ‬ ‫طمعا يف السلب واالغتنام‪ ،‬فرسخت فيهم نزعةُ‬ ‫اندفاع الَبكان واهنالوا عليهم ً‬
‫َ‬ ‫القاحلة‬
‫صدورُه ْم من الكراهية للعرب مل‬
‫ُ‬ ‫َّت‬
‫ذمرون من اخلضوع حلكم العرب‪ .‬لكنَّهم على رغم ما أكن ْ‬ ‫وأصبحوا يت َّ‬
‫أحكامهُ‬
‫َ‬ ‫ِِّّ‬
‫اإلنسان الذي طب َق‬ ‫جرؤوا (يف عهد اخلالفة الراشدة) على التمرد لضرب هذا النظام الطبيعِّ ِّي‬ ‫يت َّ‬
‫تصورهم‪ ،‬فلم يتجاسروا على االنتقام منهم بي حيلة‪ ،‬خاصة ابستخدام العنف‪.‬‬ ‫حد ِّ‬ ‫هؤالء "البدو" على ِّ‬

‫بسر هذه ِّ‬


‫اآللة وقيمتِّها‬ ‫الفارس ُّي على ٍ‬
‫علم ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫النظام اإلنسانَّ الرفيع آلةٌ سحريةٌ مل يكن اإلنسا ُن‬ ‫ِّ‬ ‫لقد كان هلذا‬
‫الفارسية بكملِّها‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الرقعة‬ ‫فتح‬
‫اكتشاف هذه اآللة إال بعد ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫رس من‬ ‫الوهلة األوىل‪ ،‬فلم َّ‬
‫يتمك ْن أبناءُ ال ُف ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫يف‬
‫وء األمور‪ .‬لكنهم مل يلبث طويالً حىت علموا أن هؤالء "البدو" يستخدمون لغة رائعة ال يدانيها يف‬ ‫وهد ِّ‬
‫لسان من األلسنة يف العامل‪ ...‬أالَ وهي اللغةُ العربيةُ‬ ‫ومجاهلا‪ ،‬وجاذبيتِّها‪ ،‬وفصاحتِّها‪ ،‬أي ٍ‬ ‫ارتا‪ِّ ،‬‬ ‫عظمتِّها‪ ،‬وغز ِّ‬
‫مجهور‬ ‫ِّ‬
‫قواعدها‪ ،‬فأتقنها‬ ‫ِّ‬
‫وحفظ‬ ‫واستيعاب مسائِّلِّها‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫اج ِّ‬
‫كنوزها‪،‬‬ ‫اخلالدة! فهبُّوا لِّ ُم َد َار َستِّ َها ومزاولتها الستخر ِّ‬
‫ٌ‬
‫ب "سيبويه"‬ ‫قنَب َّ‬
‫امللق ُ‬ ‫بن َ‬ ‫بن عثما َن ِّ‬
‫عمرو ُ‬ ‫اللغوي ُ‬
‫ُّ‬ ‫منهم‪ ،‬وخدم ْتها مجاعةٌ منهم‪ ،‬أييت على رأسهم العالمةُ‬
‫تاك للغاية إذا‬ ‫سالح ف ٌ‬
‫ٌ‬ ‫أن هذه اللغةَ الفائقةَ هي يف الوقت ذاته‬ ‫(‪796 - 765‬م‪ ).‬هذا‪ ،‬وسرعان ما أدركوا َّ‬
‫تشويه احلقائق‪ ،‬وتضليل العقول‪ ،‬وتشويش األذهان‪ ،‬وسلب اإلميان من القلوب‪...‬‬ ‫ِّ‬ ‫استخدامهُ يف‬ ‫أتقن حاملُهُ‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫املتبحرين مبعارفهم الغزيرة وآفاقهم املتَّسعة‪ .‬لقد كان هلؤالء العباقرة وأمثاهلم‬ ‫ِّ‬
‫العلماء ِّ‬ ‫نشأ من بينهم أعدا ٌد من‬
‫ضا‬ ‫ِّ‬
‫هؤالء نشأ من بينهم أي ً‬ ‫أثر ابل ٌغ يف تطوير العلوم اإلسالمية وثقافتها‪ .‬لكن على عكس‬ ‫من ِّ‬
‫أبناء ال ُف ِّ‬
‫رس ٌ‬
‫جلود الضأن على قلوب الذائب‬ ‫متسرتين مبواالة أهل البيت‪ ،‬ومنهم من كانوا البسني َ‬ ‫زاندقةٌ منهم من كانوا ِّ‬
‫للناس يف لباس أهل الزهد والتقوى ويُبطنون أشكاالً من الكفر والنفاق والزندقة‪ ،‬ومنهم من كانوا‬ ‫يَظهرون ِّ‬
‫اإلسالم من قلبه وقد مشَّروا‬
‫َ‬ ‫متخفني وراءَ األدب والشعر‪ ،‬كلهم كانوا يريدون من ور ِّاء هذه ُّ‬
‫الس ُِّرت أن يَطعنوا‬ ‫ِّ‬
‫ِّ‬
‫إلفساد اجملتمع اإلسالمي منذ عصر التابعني‪.‬‬ ‫عن ساعد اجلد‬

‫***‬
‫أايم األمويني وأكثرهم ظهروا يف العهد األول من‬
‫أقدم ُه ْم يف أواخر َ‬
‫"الزَهاد" الذين نشأ ُ‬ ‫َّ‬
‫إن الطائفة املعروفة ب ُّ‬
‫بني‬
‫القشريي يف رسالته الشهرية إبسهاب‪ ،‬كانوا زمرةً غريبةً خمتلفني َ‬
‫ُّ‬ ‫حكم العباسيني‪ ،‬وقد ذكرهم أبو القاسم‬
‫ٍ‬
‫بشيء من‬ ‫ختالف عن األجيال الثالثة األوىل يف سلوكهم وتصرفاتم وأقواهلم‪ .‬كانت أدبيا ُتُ ْم تتوارى‬ ‫ِّ‬ ‫اال‬
‫وهبا املراوغةُ‪ ،‬والشطط‪ ،‬واملغالطةُ‪ ،‬والشطحيةُ‪ ،‬واالزدراء ِّ‬
‫ابلقي ِّم املقدسة‪ .‬معظمهم‬ ‫ُ‬ ‫ش َُ‬‫الغموض‪ ،‬ووجدانيا ُتُ ْم تَ ُ‬
‫هؤالء تلقوا تعليمهم بشكل خاص يف مدينيت البصرة والكوفة‪ ،‬واشتهر عد ٌد منهم‬ ‫الفارسيِّ‪ِّ .‬‬‫ِّ‬ ‫كانوا من العِّ ْر ِّق‬
‫ِّ‬
‫البسطاميِّ‪ ...‬ذاع صيتهم يف‬ ‫مثل اجلنيد البغدادي‪ ،‬وأيب بكر الشبلي‪ ،‬وحسني بن منصور حلالج‪ ،‬وأيب يزيد‬
‫ٍ‬
‫حساب‪ .‬وقام بعض‬ ‫ِّ‬
‫والبسطاء فاضطرت الدولةُ أن حتسب هلم ألف‬ ‫الرعاع‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اآلفاق وتافت عليهم مجاهري‬
‫حتول‬
‫املشعوذين جبمع ترامجهم يف جملدات بعنوان "طبقات األولياء" زادت يف تفخيم شأهنم‪ ،‬فما لبث حىت َّ‬
‫وقت مبكِّر من التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ذلك َّ‬
‫ألن‬ ‫كلٌّ منهم إىل شبه إ ٍله يف مفهوم العامة‪ ...‬حدث هذا التطور يف ٍ‬
‫وأحكام جائرةٌ‪ ،‬كما‬ ‫فحل حمله عقائ ُد وثنيةٌ‬ ‫ع القلوب واألوطا َن وارحتل من غري ٍ‬
‫رجعة‪َّ ،‬‬ ‫اإلسالم كان قد ود َ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هلؤالء الصوفِّيَّ ِّة أتثريٌ ابلغ على عواطف الناس‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫العلماء‪ .‬كان‬ ‫خ الصوفِّيَّ ِّة َحم َّل‬
‫ين وشيو ُ‬ ‫رجال ِّ‬
‫الد ِّ‬ ‫ُ‬ ‫حل‬
‫َّ‬
‫العقول‪ ،‬كقول أيب يزيد‬ ‫َ‬ ‫ك‬‫وضمائرهم‪ ،‬فكانت أدبيا ُتم منسوجةً من ألْغا ٍز‪ ،‬وهفوات‪ ،‬وسقطات تُ ْربِّ ُ‬
‫الطاعات فلم جتبين‪ ،‬فمنعتُها املاء سنةً"‪ 6‬وكانت لِّم ِّ‬
‫قوالتِّ ْم جاذبيةٌ‬ ‫ِّ‬ ‫يء من‬ ‫دعوت نفسي إىل ش ٍ‬ ‫البسطامي‪ُ " :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أمناط رجل الشارع‪ .‬كانت هلؤالء الصوفية مهارات استخدموها يف تفسري ال ِّقيَ ِّم‬ ‫تنسا ُق وراءها مجاهري من ِّ‬
‫َ‬
‫غريوا وجهة نظر اجملتمع إىل مفهوم الدين‪ ،‬إذ جنحوا يف غرس معتقداتٍ‬ ‫ٍ‬
‫السامية لإلسالم بِّطُُرق خمالفة ف َّ‬
‫اليهود‪ ،‬وأانجيل النصارى‪ ...‬تكيفوا مبهارةٍ وفق األساليب الروحية‬ ‫ِّ‬ ‫اقتبسوها من الفلسفة اليواننية وقبَّ ِّ‬
‫الة‬
‫للبوذيني اهلنود‪.‬‬

‫ت‬‫ت ُوجهةَ الدين‪ ،‬وَك َّد َر ْ‬ ‫غري ْ‬ ‫تشويه ِّ‬


‫القيَ ِّم َّ‬ ‫ِّ‬ ‫والواثئق إىل َّ‬
‫ت فوق العادة حىت َ‬ ‫اشتد ْ‬ ‫أن وتريةَ‬ ‫ُ‬ ‫البحوث‬
‫ُ‬ ‫تشريُ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫فهمْتهُ‬ ‫فهمْتهُ وعا َش ْتهُ األجيال الثالثة األوىل) إىل دين آخر َ‬ ‫اإلسالم (الذي َ‬ ‫ُ‬ ‫تغري‬
‫صفوتَه يف فرتة قصرية حبيث َ‬
‫متاما‪ ،‬قبل أ ْن ميضي قرانن على انقراض العهد الراشدي‪ .‬كل ذلك بفعل صوفية‬ ‫وعا َش ْتهُ األجيال اليت بعدها ً‬
‫جبهودهم انتشرت عقائ ُد الصوفية يف مجيع جماالت الدين وأثَّرت على احلياة‪ ،‬وهبذه الطريقة حتول‬ ‫س‪ .‬و ِّ‬ ‫ال ُف ٍر ِّ‬
‫مظاهر حلياةٍ روحية هامدة‪ ،‬تبعث الكراهيةَ‬ ‫َ‬ ‫والتصرفات إىل‬
‫ُ‬ ‫الناس إىل جمتم ٍع صوٍِّيف‪ ،‬كما حتولت السلو ُ‬
‫كيات‬ ‫ُ‬
‫عكس ما أابح للا لعباده‪ ،‬وللا تعاىل يقول‪" :‬قُ ْل َم ْن َح َّرَم‬ ‫َ‬ ‫يف النفوس ضد مجاليات احلياة الشاعرة السعيدةَ‪،‬‬
‫صةً يَ ْوَم ال ِّْقيَ َام ِّة‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ات ِّمن ِّ ِّ‬ ‫ادهِّ والطَّيِّب ِّ‬
‫اَّلل الَِّّيت أَ ْخر ِّ ِّ ِّ‬
‫ِّزينَةَ َِّّ‬
‫آمنُوا ِّيف ا ْحلَيَاة الدُّنْ يَا َخال َ‬ ‫الرْزق! قُ ْل ه َي للَّذ َ‬
‫ين َ‬ ‫َ‬ ‫ج لعبَ َ َ‬ ‫ََ‬
‫‪7‬‬
‫ت لَِّق ْوٍم يَ ْعلَ ُمون‪".‬‬‫صل ْاآلاي ِّ‬ ‫َك َذلِّ َ ِّ‬
‫ك نُ َف ُ َ‬

‫موهوم‪ .‬فكانت من نتائج ثورة التشويه اليت فجرها صوفية الفرس املستعربني‬ ‫ٍ‬ ‫بدأ الناس يعيشون يف عا ٍمل‬
‫اجملتمع ابحلياةِّ‬ ‫انبتار عالق ِّة‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ابستخدام اللغة العربية وحتريف الْقيَ ِّم واملصطلحات اإلسالمية‪ ،‬كانت من نتائجها ُ‬
‫هنماك يف القبورية‪ ،‬واإلميا ُن‬‫وقطع األمل‪ ،‬واال ُ‬
‫ُ‬ ‫واعتياد املسكنة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫األرض‪،‬‬ ‫النشيطة املثمرة‪ ،‬والركو ُن إىل‬
‫ابألساطري واخلرافات‪ ...‬ومن أفاعيل صوفية الفرس املستعربني َّأهنم ملئوا القلوب ابحلرية والقلق والفزع من‬
‫حلظة ألخرى "ألهنم سوف يصريون إىل عامل غامض مظلم حيتاجون إىل‬ ‫اخلوف من ٍ‬ ‫ينتاهبم‬
‫الناس ُ‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫املوت‪ ،‬جعلوا َ‬

‫أبو عبد للا زكراي بن حممد بن حممود القزويين األنصاري‪ ،‬آاثر البالد وأخبار العباد ص‪ ،307 :‬دار صادر للطباعة والنشر‪ -‬بريوت بال اتريخ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫األعراف‪32:‬‬ ‫‪7‬‬
‫انتاجهم يف الوعظ واإلرشاد والتأليف كلُّهُ يتميز‬ ‫ِّ‬
‫األولياء لينقذوهم من خمالب الزابنية إىل ضياء اجلنة"‪ ،‬فكان ُ‬
‫تعاليم اإلسالم‬
‫ُ‬ ‫بسلو التخويف وأدب الرعب‪ .‬أدَّى ذلك إىل اضمحالل املعان السامية اليت كانت تتَّ ِّس ُم هبا‬
‫ِّ‬
‫لت إىل‬
‫وحتو ْ‬‫دت هذه العُ َم ُد الرئيسةُ من معانيها األصيلة َّ‬ ‫واحلج والزكاةِّ والنوافل‪َّ ،‬‬
‫فتجر ْ‬ ‫ِّ‬ ‫والصوم‬ ‫من الصالة‬
‫ٍ‬
‫منعطفات خطرية حىت‬ ‫اإلسالمي املستقيم إىل‬
‫ِّ‬ ‫العدول من ِّ‬
‫اخلط‬ ‫ُ‬ ‫امتد هذا‬ ‫متارين روتينية ٍ‬
‫اتفهة ال روح هلا‪ .‬مث َّ‬
‫ايانت عند الصوفية‪ ،‬كما يقول أح ُد متأخريهم‪:‬‬ ‫موضوع االستهزا ِّء والسخر ِّية واهلز ِّ‬ ‫ذكر للا‬
‫َ‬ ‫أصبح ُ‬

‫الذنُوب * وتُ ْن عكِّس الْب ِّ‬ ‫بِّ ِّذ ْك ِّر ِّ‬


‫وب؛‬ ‫اد ُّ ُ ُ َ ُ َ َ‬
‫صائ ُر َوالْ ُقلُ ُ‬ ‫للا تَ ْز َد ُ‬

‫مث يعود فيقول يف مكر وثعلبانية‪:‬‬

‫وب‬ ‫ضل ُك ِّل َشي ٍء * و َمشْ َّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬


‫س َهلَا غُ ُر ُ‬
‫س الذات لَْي َ‬
‫ْ َ ُ‬ ‫َوذ ْك ُر للا أفْ َ ُ‬

‫ِّ‬
‫ابحلصانة يف القلوب‪ .‬كما حتول‬ ‫موضوعا لالزدر ِّاء واهلزل بعد أن كانت َّ‬
‫مقوَمةً‬ ‫ً‬ ‫املقد َسةُ‬ ‫هكذا غدت ِّ‬
‫القيَ ُم َّ‬
‫ِّ‬ ‫اإل َهلِّيِّ"‬ ‫ِّ‬
‫مقولة "العِّ ْش ِّق ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫"حمَبَّ ِّة ِّ‬
‫اهلامسة عن الشهوة‬ ‫َّل يف‬‫تصوٍر ساقط يتمث ُ‬‫للا" بطريق التمييع إىل ُّ‬ ‫مفهوم َ‬
‫الصواب فبعدت الشقةُ بني موقف الناس وبني تعاليم الدين احلنيف‬ ‫ِّ‬ ‫العدول عن جادة‬
‫ُ‬ ‫اجلنسية‪ .‬وتطور هذا‬
‫أحكامها تبدو ملعظم ِّ‬
‫الناس قاسيةً بل مدمرةً‬ ‫ُ‬ ‫إىل أن أسفر عن شيوع الكراهية للشريعة اإلسالمية‪ ،‬وأصبحت‬
‫العلماء وأزالت مهابتَهم عن القلوب‪ .‬وهذا‬ ‫ِّ‬ ‫ووحشيةً وساحقةً لكرامة اإلنسان‪ ،‬فزعزعت هذه النظرةُ مكانةَ‬
‫الناس على اهلفوات والقصص‬ ‫ارتقاء مكانة املشعوذين ورجال الدين والقصاصني والكهنة‪ .‬فأقبل‬ ‫ِّ‬ ‫أدى إىل‬
‫ُ‬
‫حمل املعارف‬ ‫والتدليس والز ِّ‬
‫ندقة َّ‬ ‫ِّ‬ ‫الوضع‬
‫ِّ‬ ‫ت ثقافةُ‬ ‫واألساطري اليت بدأ يتسابق ِّ‬
‫هؤالء يف ِّ‬
‫نسجها وترتيبِّها‪ ،‬فحلَّ ْ‬
‫اجملتمعات الشرق أوسطيةُ ُر ْش َد َها ونشاطَها وحيويتَها ودخلت يف سبات‬
‫ُ‬ ‫القرآنية العاملية النرية إىل أن فقدت‬
‫عميق طوال قرون‪.‬‬

‫***‬

‫الفارسية) يف غضون ذلك يواصلون أنشطتهم من اجتاه آخر‬ ‫ِّ‬ ‫لقد كان الشعوبيون (املتعصبون للعنصرية‬
‫ِّ‬
‫هؤالء أتقنوا اللغةَ العربيةَ واكتسبوا‬ ‫حماوالت تدمري ِّ‬
‫القيَ ِّم االسالمية‪ .‬لقد كان‬ ‫ِّ‬ ‫ابلتوازي مع صوفية ال ُف ِّ‬
‫رس يف‬
‫انطباعا عمي ًقا يف عواطف املثقفني‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬
‫مستوايت‪ ،‬فرتكوا‬ ‫اللغة بعلى وأروع‬‫دب هذه ِّ‬ ‫ِّ‬
‫استخدام أ ِّ‬ ‫مهار ٍ‬
‫ات يف‬
‫إعجاب وتقدير‪ .‬وهكذا‬ ‫ٍ‬ ‫وتقديرهم َّأميا‬ ‫إعجاهبم‬
‫َ‬ ‫العرب بعماهلم اجلذابة اخلالبة يف النظم والنثر‪ ،‬فنالوا‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫مرحلة‬ ‫رس أن يستول َْوا على ضمري اجملتمع العريب يف‬ ‫استطاع الفريقان (الصوفيةُ والشعوبيون) املستعربون ال ُف ُ‬
‫يغريوا اجتاهَ تفكريهِّ ونظرته إىل الكون‬ ‫مبكِّرةٍ من التاريخ اإلسالمي‪ ،‬وأن ي ِّ‬
‫فسدوا عقيدته وثقافتَهُ وعقليتَهُ‪ ،‬وأن ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫جذراي وغري قابل الرجوع‪.‬‬
‫تغيريا ً‬
‫واحلياة بتأثريهم العميق ً‬

‫ِّ‬
‫الصوفية‬ ‫نشاطات‬
‫ُ‬ ‫ت‬ ‫كانت هلذه التغريات والتطورات عواقب وخيمةٌ ِّ‬
‫للغاية يف العديد من اجملاالت‪ .‬لقد أد ْ‬ ‫ُ‬
‫النظام‬ ‫ِّ‬
‫رس املستعربني إىل اهنيارات كبرية‪ ،‬خاصة يف البناء السياسي والتعامل االقتصاد و ِّ‬
‫والشعوبيني ال ُف ِّ‬
‫ٍ‬
‫تشويهات خطرية يف هذه املرحلة (عقب فتح‬ ‫األخالقِّ ِّي والسلوكيات‪ ...‬تعرضت عقيدة السلف الصاحل إىل‬
‫فور ظهور الكالميني‬ ‫ِّ‬
‫الرقعة الفارسية)‪ .‬نشأت فرقَةٌ انتهازية من العرب استغلوا الفوضى السائدةَ على اجملتمع َ‬
‫وتقس َم إىل‬
‫َّ‬ ‫الذين أفسدوا العقيدة التوحيدية اخلالصة مبناقشاتم ومناظراتم وضجيجهم‪ ،‬فتجزأ اجملتمع‬
‫متنازعة بل إىل معسكرات متناحرةٍ كاملعتزلة‪ ،‬وال ُْم ْرِّجئَ ِّة‪ ،‬واألشعر ِّية واملاتريدية‪ ،‬والتشيع ِّ‬
‫وغريها‪ .‬فلم‬ ‫ٍ‬ ‫مذاهب‬
‫َ‬
‫يلبث حىت امتلك االنتهازيون ثروات طائلةً استولوا هبا على اجملتمع واحتكروا أمواله على غرار قارون‪.‬‬

‫أن األثرايء هم أقوايء يف كل ده ٍر‪ ،‬وال خيلو جمتمع من ٍ‬


‫خنبة من أصحاب األموال الطائلة‪،‬‬ ‫من املعروف قدميًا َّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫هلم أتثريٌ ابلغ على رجال السياسة‪ ،‬وأصحاب الكلمة النافذة‪ ،‬ألهنم يف األغلب األعم‪ ،‬هم السبب اخلفي‬
‫دور كبري يف صناعة القرار السياسي وتيئة القواعد الظاملة حبق اليد‬ ‫وراء انتهاج السياسات‪ ،‬كما أن هلم ٌ‬
‫كل عص ٍر (مبا يف‬ ‫النخبة وبني امللوك واألمرا ِّء تتميز ِّ‬
‫ابلس ِّريَِّّة يف ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫العاملة خاصةً‪ .‬وملا كانت العالقات بني هذه‬
‫ِّ‬
‫األثرايء الذين كانوا يُ َو ِّج ُهو َن‬ ‫ذلك عصر األمويني والعباسيني) فإنه من الصعوبة مبكان العثور على ِّ‬
‫أساء‬
‫ِّ‬
‫املتمردين‬ ‫الطُّغَ َم احلاكمةَ يف تلك املرحلة‪ .‬لكن جيب اإلشارةُ هنا ابملناسبة إىل أن األثرايء الذين كانوا ِّ‬
‫ميولون‬
‫عراب وف ًقا لقرائن‬ ‫على السلطة‪ ،‬خاصة الذين كانوا يدعمون الصوفية والشعوبيني يبدو أن أكثرهم كانوا ً‬
‫كسهولة وعضويَِّّة عالقاتم مع احلكام‪ .‬وهذا قد يبعث االستغراب‪ ،‬ولكن ال خيفى ذلك على رجال‬ ‫ِّ‬ ‫منطقية‪،‬‬
‫أن ظهور هذه الفرقة االنتهازية أدَّى إىل ِّ‬
‫نشوء فئتني اجتماعيتني تفصل بينهما‬ ‫البحث والدراسة احملرتفني‪ .‬كما َّ َ‬
‫فجوةٌ عميقة؛ قلةٌ ثرية تتنعم يف حب ٍر من الرفاهية‪ ،‬وكثرةٌ تعان من احلرمان الشديد والفقر املدقع‪ .‬بدأ الظلم‬
‫يف توزيع الدخل يسبب االضطراابت وقد سبقت نبذةٌ من ذكرها يف الفصول املتقدمة‪ .‬أدت نتائجها إىل‬
‫ٍ‬
‫أحداث مدمرة للغاية‪ ،‬خاصة خالل العصر العباسي (املعروف بثورة الزنوج)‪.‬‬

‫اجلو القامت إمنا بدأ منذ عهد األمويِّني‪ ،‬ولكن احملتكرين لكتابة التاريخ قد حاولوا إخفاءَ هذه الصورة‬
‫هذا ُّ‬
‫ٍ‬
‫املرحلة ابإلكثار من ذكر الفتوحات‬ ‫املليئة ابلظلم والقهر‪ ،‬واستطاعوا أ ْن مينعوا االنتباهَ إىل حقائق هذه‬
‫ِّ‬
‫اآلفاق بدبياتم اخلادعة وأساليبهم يف‬ ‫ِّ‬
‫اإلسالم على‬ ‫ِّ‬
‫وإعالء راية‬ ‫ِّ‬
‫والبطوالت واالنتصارات حتت سة اجلهاد‬
‫وتدمريُه ْم‬ ‫ِّ‬
‫وجناايتم اليت ارتكبوها‪( ،‬خاصةً َح ْرقَ ُه ْم‬ ‫ألوطان األتر ِّ‬
‫اك‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫غسل األدمغة‪ .‬فإن احتال َل األمويِّني‬
‫َ‬
‫القوم) قد تركت جروحا غائرة يف نفوسهم وأرواحهم ما زالت تنزف إىل اليوم‪ ،‬وظلت تداعياته‬ ‫ألصنام هذا ِّ‬
‫ِّ‬
‫تثري مجاعةً منهم يصبون جام غضبهم على أحكام القرآن منذ أن تعلَّموا الكتابة والقراءة يف السنني األخري‬
‫األعمال الوحشيةَ اليت ارتكبتها اجليوش األمويةُ مل ترتك‬
‫َ‬ ‫حبكم انتشار الثقافة املعاصرة‪ .‬يبدوا بوضوح‪َّ ،‬‬
‫إن هذه‬
‫ِّ‬
‫احملمدي الصحيح يف تلك املرحلة‪.‬‬ ‫القرآن‬ ‫ِّ‬
‫اإلسالم ِِّّ‬ ‫التعر ِّ‬
‫ف على‬ ‫لقدماء األتراك فرصةً ُمتَكِّنُ ُه ْم من ُّ‬

‫والص ِّ‬
‫غد‪،‬‬ ‫الرت ِّك‪ُّ ،‬‬
‫فلما وضعت احلروب أوزارها ومضت قرو ٌن على احتالل تركستان أقبلت مجاعات من ُّ‬
‫سسونه‪ ،‬لكنهم أخطأوا‬ ‫واهلياطلة من سكان املنطقة أقبلوا على اإلسالم‪ ،‬فبدأوا يتح َّ‬ ‫ِّ‬ ‫والصقا ِّ‬
‫لبة‪،‬‬ ‫والد ِّ‬
‫ايملة‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫القرآن الصحيح إىل ٍ‬
‫داينة‬ ‫صد ْتم عن اإلسالم ِِّّ‬ ‫س‪ ،‬فأسفرت حماوالتم هذه عن ٍ‬
‫كارثة َّ‬ ‫الطريق أن استعانوا ابل ُف ْر ِّ‬
‫وان‪ ،‬وكثري من غريمها‪ .‬إن املعتقدات اليت كانت‬‫اخلالق الغُ ْج َد ِِّّ‬
‫وعبد ِّ‬‫اليسو ِّي ِّ‬
‫ِّ‬ ‫رسها هلم الكهنةُ من أمثال ِّ‬
‫أمحد‬
‫ض عليهم ابسم اإلسالم كانت يف الواقع مغايرةً لتعاليم الدين احلنيف‪ ،‬بل كانت من امتداد عقائد‬ ‫تُ ْف َر ُ‬
‫ذكرهم‬
‫مر ُ‬ ‫الفرس املختزلة من االسالم بطريق التشويه والتحريف‪ .‬وهذه األقوام الذين َّ‬‫ِّ‬ ‫الصوفية والشعوبيني‬
‫الكثري من دايانتم القدمية‬
‫َ‬ ‫الفرس يف كث ٍري من معتقداتم‪ ،‬ولكنهم أضافوا إليها الشيءَ‬‫َ‬ ‫آن ًفا كانوا يقلِّدون‬
‫أخريا ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّة الرتكيةُ ‪ ،Müslümanlik‬ومتايزت عن عقائد الشيعة‪،‬‬
‫كالشامانية والبوذية نشأت منها ً‬
‫ِّ‬
‫اهلندي والشعوذة الشامانية‪.‬‬ ‫حيث انصبغت ابلتصوف‬

‫ع الذي حدث يف األصل كنتيجة ألنشطة الصوفية‬ ‫التحول املرو َ‬


‫َ‬ ‫فال بد إذن أن نؤك َد يف النهاية؛ َّ‬
‫أن هذا‬
‫استُ ْه ِّد َ‬
‫ف هبا‬ ‫ظهور الْمسلُمانِّيَّ ِّة ُّ ِّ ِّ‬
‫الرتكيَّة بقرون)‪ ،‬هو الضربةُ الثانيةُ اليت ْ‬
‫ْ‬ ‫ِّ ُ ْ َ‬ ‫املستعربني ال ُف ِّ‬
‫رس (قبل‬ ‫َ‬ ‫والشعوبيِّني‬
‫سالم بعد عودةِّ األمويون إىل العهد اجلاهلي‪ ،‬الذين أنزلوا الضربة األوىل ابلدين احلنيف يف وقت مبكر‪.‬‬ ‫اال ُ‬

You might also like