Professional Documents
Culture Documents
الحملة الثانية ضد الإسلام أو المسلمانية الفارسية
الحملة الثانية ضد الإسلام أو المسلمانية الفارسية
الحملة الثانية ضد الإسلام أو المسلمانية الفارسية
*** ***
PART-11
اإلسالم ،أو ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةُ الفارسيَّةُ
ِّ احلملةُ الثانيةُ ِّ
ض َّد
The second campaign against Islam or Persian Muslumanism
أتليف
فريد صالح اهلامشي
Copyright©2018 by
Feriduddin AYDIN
feriduddin@gmail.com
إسطنبول2018-م.
al_ibar.publishing@yahoo.com
اإلسالم ،أو ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةُ الفارسيَّةُ
ِّ احلملةُ الثانيةُ ِّ
ض َّد
ت نبذةٌ من ِّ
أخبارها احلنيف هي اليت أنزهلا بنو أميةَ يف الفرتة املبكِّ َرةِّ ،كما َّ
مر ْ ُ الدين
ف هبا ُ
إن َّأو َل ضر ٍبة أستُ ِّ
هد َ
القضاء على اهلامشيني فحسب ،بل أحلقت ِّ يف الفصول السابقة .هذه األسرةُ يف احلقيقة مل تقتصر على حماولة
وأقامت دولتَها على أساس
ْ ونظام الشورى، اخلالفة الر ِّ
اشدية ِّ خطريا عند ما ألغت مؤسسةَ تشويها ابإلسالم
َ ً ً
خلت هلا الساحةُ فيما بعد ْ ِّ
االستبداد الْ ِّوَراثِّ ِّي ،وذلك بعد انتهائِّها من مذحبة اهلامشيني وأنصارهم .هكذا
صبغة روحانية غامضةً على هذا الدين ِّ
إلضفاء ٍ جهودها فواصلت
ْ أوقعت يف اإلسالم من الشلل،
ْ لتعميق ما
َ
ِّ
وإشعاعاتا العلمية واألخالقية ِّ
وإهلاماتا جماالت احلياةِّ ِّحب ِّ
لوهلا ِّ مجيع ِّ
العاملي لقطع شرايينه اليت كان يُغَذي هبا َ
خاء ومتهيد البيئة املالئمة للتعايش متاح لتأسيس عالقات اإل ِّ رحب ٍ ٍ
أجواء ٍ فسيح ،و ِّ
خلق ٍ ِّ
لبناء مستقبل نَِّ ٍري
ِّ
املسجد واملقَبة سهُ بني ٍ ِّ ِّ ِّ
اإلسالم من كل جهة لتَ ْحب َ َ اجلاهلية اجلدد حتاصر والتعاون والسالم ...بدأت رموز
من بداية حكم بين أمية حىت تكون الساحةُ خالية للحكام يتصرفون بال وازع يردعهم عن أهوائهم.
اإلسالم لرييهم
ُ الشعب اآلري اإلير ِّانُّ َ
اليوم ،من امتداد الساسانيني الذين اعرتضهم ُ ابألمس هوِّ رس
إن ال ُف َ
من اآلايت يف عهد اخلليفة الراشدي عمر بن اخلطاب رضي للا عنه ( )644-581لكنه من الضروري يف
ٍ ابدئ األمر أن نُ ِّلق َي نظرةً سريعةً إىل ِّ
اإلسالم
َ اتريخ هذه األمة ولو يف سطوٍر وجيزة لكي َّ َ
نتبني كيف قابلت
وكيف تفاعلت معه.
موجات متتالية من ٍ أصول هندو أوروبية من العرق ِّ
اآلر ِّي ،احندرت يف ٍ قبائل من َّ
س ال ُق َد َماءَ كانوا َ
إن ال ُف ْر َ
ت يف املنطقة اليت تقوم عليها اليوم واستقر ْ
َّ الشمال منذ حواىل 2000عام قبل ميالد املسيح عليه السالم،
بالد فارس يف التاريخ .تطورت اللغةُ "اجلمهوريةُ اإلسالميةُ اإليرانية ".واملنطقة اليت انتشروا فيها ِّسيت َ
اللهجة البَ ْهلَ ِّويَِّّة
ِّ ِّ
األمخينية ،مث مبرور الوقت حتولت إىل الفارسيَّةُ القدميةُ اليت كانوا يتحدثون هبا خالل الفرتة
أخريا إىل الفارسية احلديثة اليوم .إن الشعب خالل الفرتة الساسانية إىل أن استحالت البهلويةُ فتحولت ً
اإليران اليوم هو من امتداد تلك القبائل اآلرية القدمية .هلم حضارةٌ تشهد َم َعالِّ ُم َها يف أحناء هذه املنطقة على
التحرِّر من قيودها ليتقبلوا عمق اترخيهم ،وهي اليت غلبت على ثقافتهم بصورة ُْحم َك َم ٍة حبيث مل َّ
يتمكنُوا من ُّ
ينفكوا عن جاهليتهم إالَّ إبخالص ،ويف إطار الكتاب والسنةَ .مثَ لُ ُه ْم َمثَل العرب الذين مل ُّ
ٍ الصحيح
َ اإلسالم
َ
ُ
لفرتة قصرية وحمدودةٍ يف عهد الرسول عليه السالم وعهد خلفائه الراشدين رضي للا عنهم فحسب ،كما أن
ضا ال يزالون متمسكني مبعتقدات آابئهم الذين كانوا ُمعتنقني هلا قبل بقية الشعوب وعلى ر ِّ
أسهم األتراك أي ً
اإلسالم.
القبال الفارسيةُ فيما سبق حتت سيادة العيالميِّني وامليديِّني .مث َّ
متر َد أمريُها كورش ( 529-600قم). ُ كانت
على امليديِّني وأقام الدولةَ الفارسيةَ األوىل ،تسمى أي ً
ضا الدولةَ األمخينيةَ ،وهو أول ملوك هذه الدولة ،يسميه
گ) أي كورش العظيم .واإلمَباطوريةُ الساسانيةُ اليت ظهرت على مسرح الفرس ب اللغة الفارسية( :کور ِّ
ش بُ ُزر ْ
ضا ابسم اإلمَباطورية الفارسية ِّ
الفارسية اليت تُعرف أي ً التاريخ ما بني 651-226م ،هي امتدا ٌد لإلمَب ِّ
اطورية
الثانية.1
أهل ِّ
ظهور اإلسالم .وقد تناول ُ للداينة الزرادشتيَّ ِّة حىت
ِّ بشكل ٍ
عام ٍ الفرس (الساسانيون) معتنقني
ُ كان
اسة هذه الداينَةَ ابسهاب وتفصيل .وعلى رغم ما زعم بعضهم أن الزرادشتية تقوم على أساسالبحث والدر ِّ
ِّ
التوحيد ،إال أن تعاليمها خالية من التأكيد الصارم على وحدانية للا تعاىل ابملقارنة مع ما جاءَ يف القرآن
ص َرا ِّر على توحيده وتنزيهه ونفي األنداد عنه تبارك وتعاىل ،كما َّ
أن واإل ْ اإل ْح ِّ
كام ِّ الكرمي والسنة النبوية من ِّ
تستمد من الوحي ٍ
بوجه ،بل إهنا (أو اجملوسيةَ ابملصطلح اإلسالمي) إمنا هي داينةٌ غري معدودة ُّ الزرادشتيةَ ال
أهل اإلختصاصَّ :
أن هذه مجهور من ِّ
ٌ من األداين السماوية يف واقع األمر .يَبهن على ذلك ما ذهب إليه
ْم كورش الكبري عام 559قبل امليالد ،وانتهت مبقتل املك داريوس الثالث أثناء هروبه من اإلسكندر 1بدأت اإلمَباطورية الفارسية القدمية أو اإلمَباطورية األمخينية ِّحبُك ِّ
اطورا.
الكبري عام 330قم .قتله أحد رجاله املدعو بسوس .وقد توىل حكم هذه الدولة أربعة عشر إمَب ً
ضا ابسم اإلمَباطورية الفارسية الثانية ،قد أسسها أردشري األول (242-180م ).سنة 226م .واهنارت عندما قُتِّ َل امللك يزدغريد الثالث يف
وأما الدولة الساسانية املعروفة أي ً
فار ،قتله لص فارسي أايم زحف اجليش اإلسالمي بقيادة النعمان بن مقرن الذي انتصر على جيش الفرس يف معركة هناوند .وهو آخر ملوك طاحونة عام 652م .وهو ٌٍّ
الساسانيني الذين يبلغ عددهم تسعةً وعشرين ،وأبو السيدة (شهرابنو) ِّ
زوجة احلسني بن علي بن أيب طالب رضي للا عنهم ،الذي مل يره احلسني ومل يلتق به قط.
الشر) وهي عقيدةٌ وثنيةٌ، وإله ِّ إله اخلري ِّ وإله الظلمة؛ أو ِّ
النور ِّ اثنني ِّ
(إله ِّ إبهلني ِّ ِّ
اإلعتقاد ِّ الداينةَ تعتم ُد على
مستمر ،وهذا ٌّ بذاته ،وبينهما صراع يستقل ِّ ُّ ومتضاد ِّ
ان ،كلٌّ منهما َّ ِّ
متقابالن ِّ
أصالن ِّ
للوجود زعم معتنقوها َّ
أن
محلة من الصراع كل ٍ مفرغةٌ تستوجب اهنزام أحد اإلهلني يف ِّ يَتداعى مفهوم الكون والفساد ،وهي حلقةٌ َّ
يهما ِّ
آهلَةٌ إَِّّال َّ ِّ
س َد َات
اَّللُ لََف َ ابطل ال حمالةَ .قال تعاىل" .ل َْو َكا َن ف ِّ َ املتواصل بينهما إىل ما ال هناية له .وهذا ٌ
2 ش َع َّما ي ِّ
ص ُفون". ب ال َْع ْر ِّ فَسبحا َن َِّّ
اَّلل َر ِّ
َ ُْ َ
ضد كسرى الساسانيني خوسرو برويز الثان ( ،)628-590قام جنله ِّش َرَويْه يف عام 628م .انفجرت ثورةٌ َّ
ابنقالب عليه وخلعه وقتله .من املثري جدا .أن رسول للا صلى للا عليه وسلم كان يبعث ُر ُسلَهُ إىل امللوك ٍ
ِّ
السهم َّي ِّ
أن كلَّف عب َد للا َ
بن حذافةَ واألمر ِّاء املعاصرين قبل هذه الواقعة بقليل يدعوهم إىل اإلسالم ،فاتفق َّ
النب عليه ئ عليه رسالةُ ِّ نجه َّي استشاط غضبًا عند ما قُ ِّر َ امللك العُ ِّ
لكن هذا َ رسالته إىل كسرىَّ 4 ، ِّ بتبليغ
ِّ
وأطال لسانهُ عليه وطرد رسوله من بلده .فلما سع الرسول ما حدث من تصرفاته دعا َ السالم ،فمزقها
الواقعة يف مصادر ِّ
الس َِّري مفصلةً. ِّ عليه ،فما لبث حىت قُتِّ َل .لقد وردت َّ
قصةُ هذه
هذه كلمات الرسول عليه الصالة السالم ،الواردة يف رسالته الشريفة إىل امَباطور الساسانيني خوسرو برويز الثان واليت محلها إليه عبد للا بن حذافة السهمي: 4
"بسم للا الرمحن الرحيم ،من حممد رسول للا إىل كسرى عظيم فارس ،سالم على من اتبع اهلدى وآمن ابهلل ورسوله ،وشهد أن ال إله إال للا وحده ال شريك له وأن حممدا
عبده ورسوله ،أدعوك بدعاية للا ،فإن أان رسول للا إىل الناس كافة ،ألنذر من كان حيا وحيق القول على الكافرين ،أسلم تسلم ،فإن أبيت فعليك إمث اجملوس" قال الطَبي
يف اترخيه " :وقد اختلف تلقي امللوك هلذه الرسا ئل ،فأما هرقل والنجاشي واملقوقس ،فتأدبوا وتلطفوا يف جواهبم ،وأكرم النجاشي واملقوقس رسل رسول للا -صلى للا عليه
وسلم ،-وأرسل املقوقس هدااي إىل رسول للا صلى للا عليه وسلم ...وأما كسرى ملا قريء عليه الكتاب مزقه ،فعن ابن عباس .رضي للا عنهما" :أن رسول للا صلى للا
عليه وسلم بعث بكتابه إىل كسرى مع عبد للا بن حذافة السهمي ،فأمره أن يدفعه إىل عظيم البحرين ،فدفعه عظيم البحرين إىل كسرى ،فلما قرأه مزقه ".وقد وقع ما دعا
به رسول للا صلى للا عليه وسلم .فقد استوىل على عرش كسرى ابنه قباذ امللقب ب شريويه ،وقُتِّل كسرى ذليالً مهاانً ،ومتزق ملكه بعد وفاته وأصبح لعبة يف أيدي أبناء
األسرة احلاكمة ،فلم يعش شريويه إال ستة أشهر ،وتواىل على عرشه يف مدة أربع سنوات عشرة ملوك ،وهكذا حتقق دعاء النب صلى للا عليه وسلم.
ساسانَّ الْم َك َّون من ٍ
بن فَ ُّر ْخ َذاد ،وذلك يف معركة ألف ٍ
مقاتل ،كان يقوده ُر ْستَ ُم ُ مائة وعشرين َ يش ال ِّ ُ اجل َ
عاصمة ا ِّ
لدولة ِّ ِّ
املدائن ( مؤزًرا ،ودخل املسلمون حاضرة نصرا َّ جنوب العراق اليوم ،وأحرز ً َ القادسية الواقعة
ِّ
اإلسالم ُّي مرةً اثنيةً اجليش التقى ٍ ِّ ِّ
ُ الساسانيَّة) .ويف سنة 642م .أي بعد ست سنوات من معركة القادسية َ
ِِّّ
الساسان يف موقعة بقيادة النعمان بن عمرو بن ُم ْق ِّرن ال ُْم َزِّن ،وقوامه ثالثون ألف جماهد ،التقى ابجليش
ٍ ِّ ِّ
معظم ُهم يف ساحة اجليش الساسان هبزمية ساحقة قُت َل ُ ُ وقوامهُ مائةٌ ومخسون أل ًفا يقوده فريوزانُ .م ِّ َ
ين هنَ َاونْد ُ
األعمال اجلهاديَّةُ كذلك يف عهد
ُ املعركة فاهنارت الدولةُ الفارسيةُ ومل تقم هلا قائمةٌ بعد هذه الكارثة .دامت
ت ِّ
الفارسية وأُ ْحلَِّق ْ ِّ
البالد عثمان بن عفان رضي للا عنه ( ،)656-574ومل يلث طويالً حىت فُتِّحت معظم
ابملنطقة اإلسالمية.
ِّ
الفارس َّي الشعب ت ِّ
الصدمة اليت أصاب ِّ الباحث مدى شدة ُ ففي ضوء ما سبق من املعلومات امللخصة يُ ْد ِّر ُك
َ
قروان على مسرح التاريخ َتَ ُاهبا بقيةُ الدول ،حىت الدولةُ البيزنطيةُ اليت ِّ
العمالقة اليت دامت ً اهنيار دولتِّ ِّه
عقب ِّ
طويال ،وقارع ْتها يف معارك عديدة .فرغم ذلك مل والتوس ِّع عه ًدا ً ِّ
االستيالء انفس ْتها يف
ُّ كانت أمَباطوريةً قويةً َ
تذوب عادةً ت الفاحتني املسلمني ،وإذا جبيوشها العارمة تستطع هذه الدولةُ العمالقةُ أن تصم َد أمام َمحَالَ ِّ
ُ ُ
ضم األراضي الفارسية إىل اجلغرافيا حتت ضرابت اجليش اإلسالمي الذي كان أقل من ثلثها .وهكذا ،مت ُّ
اإلسالمية يف ٍ
أمد قصري ج ًدا.
ِّ
اخللفاء الراشدين كانوا ِّ
اإلسالم ِّي يف عهد اجلش األساسي وراء كسب هذه االنتصارات؛ َّ
أن قادةَ ِّ أن احلافز
َّ
أصحاب الرسول صلى للا عليه وسلم ،يتحركون على أساس احلكمة يف نضاهلم وجهادهم ِّ من أجالَِّّء
والقتل
َ القمع
َ ضهم االستيالءَ على األراضي وال وتعاملهم مع األعجام املواطنني اجلدد ،إذ مل يكن غر ُ
ِّ
اإلسالم لتكو َن والتشري َد وال سلب األموال واملمتلكات أب ًدا .وإمنا كانوا ِّ
مهتمني ابالمتثال لدعوة للا ِّ
بنشر َ
ِّ
االسالم ِّ ِّ ِّ
كلمةُ للا هي العليا ،ولتَ عُ َّم العدالةُ واملساواةُ واإلخاءُ والسالم ،ليدرك أهايل األوطان املفتوحة عظمةَ
وكمال نظامه الفريد...
هؤالء العباقرةِّ املخلصني مل تستطع جيوش ِّ ات اإلسالميةُ يف العهد املبكِّ ِّر حتققت على يد وملا كانت الفتوح ُ
ٍ
بسهولة ،كما أن سكا َن الفتح ٍ ِّ ِّ ِّ ِّ
ويتم ُ بسرعة ُّ تنهار
اجليوش اإلسالمية ،بل ُ مواجهة الدفاع يف
ِّ األعجام مواصلةَ
البالد مل يواجهوا صعوبةً يف التناغم مع النظام اجلديد ،ملا كانوا يتمتَّعو َن يف ظلِّ ِّه بقصى قد ٍر من احلرية،
هذه ِّ
العدل والسماح ،وحسن املعاملة ،والفضائل اإلنسانية احلميدة .لذا مل وما يلقون يف القادة اجلدد من ا ْحلُ ْك ِّم ِّ
إجيايب ابل ٌغ يف ِّ
حفظ أثر ٌّ ِّ الفارسي امتازوا ِّ
ابلعلم والفضيلة ،وكان هلم ٌ ِّ جيل من العنصر يلبس طويالً حىت نشأ ٌ
مة جيب االهتمام وآاثرهم القيِّ ِّ ِّ
الرفيعة ِّ اث املنبثق من الكتاب والسنة .هؤ ِّ
الء األعالم املعروفون بخالقِّهم الرت ِّ
وعدم ِّات ِّامهم أب ًدا مبجرد أهنم
هتمام بتمييزهم عن غريهم من الصوفية املشعوذين والشعوبيِّني اجملوسُ ،
كل اال ِّ
واملؤرخني والدارسني للعلوم ِّ كانوا من ِّ
أبناء الشعب الفارسي .هذه نقطةٌ مه َّمةٌ جدا ابلنسبة للباحثني
االجتماعية واتريخ األداين واملذاهب على وجه اخلصوص.
اإلجبار لتغيري معتقدات املواطنني اجلدد ،بل كانوا ملتزمني َ العنف (إالَّ يف حاالت استثنائية) وال
َ مل يستعملوا
ك ِّاب ْحلِّكْم ِّة والْمو ِّعظَ ِّة ا ْحلسنَ ِّة وج ِّ
اد ْهلُ ْم ِّابلَِّّيت ِّه َي يل َربِّ َ
يف إرشاداتم وتوجيهاتم بقوله تعاىل" :ا ْدعُ إِّ َىل َسبِّ ِّ
ََ ََ َ َ َْ
مجاعات غفريةٌ من ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ك ُه َو أَ ْعلَ ُم ِّمبَ ْن َ
س ُن إِّ َّن َربَّ َ
أبناء ٌ أقبلت
ْ ض َّل َع ْن َسبيله َو ُه َو أَ ْعلَ ُم ِّابل ُْم ْهتَد َ
ين 5".لذا َح َ أْ
س على الدين احلنيف يف هذه احلقبة ،لِّما وجدوا يف ِّ
هؤالء القادةِّ من أصحاب الرسول عليه السالم من ال ُف ْر ِّ
َ
بيع عن ذكر للا رجال ال تُلهيهم جتارةٌ وال ٌ إسالمهم ،ونشأ فيهم ٌ ُ س َناألسوة احلسنة والسلوك الرفيع ،ف َح ُ
س تركوا وراءَهم أجياالً صاحلني محلوا رسالة اخلِّريةَ من ِّ
أبناء ال ُف ْر ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
وإقام الصالة وإيتاء الزكاة ...إن هؤالء ْ ََ
ي لَ َّما انتهى ووثب أن العه َد الر ِّ
اشد َّ احلذر من التعميم! غري َّ اإلسالم طوال العصور على قِّلَّتِّ ِّه ْم .لذا جيب
ُ
ت السلطةُ السلطة وعادت اجلاهليَّةُ مبساويها ،انقلب األمر رأسا على عقب؛ فَب َرت ِّ ِّ بن أيب سفيان على
ََ ُ ً معاويةُ ُ
سب أهل بيت الرسول، َّت َّ
وسن ْ ِّ ِّ
نظام الشورى ،وأحكمت استبدادها فضيَّقت اخلنا َق على الرعيةَ ، األمويةُ َ
يتخف ْوا وراءَ التصوف والشعوذة الناس أن َّ وألزمت املسلمني من األعجام بدفع اجلزية ،فاضطر فريق من ِّ
هؤالء الزاندقةَ قد أدرجهم التاري ُخ ِّ ب أعناقُ ُهم( ،واي لألسف أن ٍ َّهموا ٍ
ض َر َسياسية فتُ ْ مبيول خمافة أن ال يُت َ ُ
األخالق والعقيدةِّ
ِّ ِّ
إلفساد أساليب من املروق ِّ
اختالق الكاذب يف عداد الصاحلني!) وفريق منهم جلئوا إىل
َ ُ
عب الفارسي يف ِّ
فعل أبناء الش ِّرد ِّ أن َّ والشعر املاجن (وهم الشعوبيون!) .إالَّ َّ ِّ األدب املتهتِّ ِّ
ك ِّ حتت ِّ
ستار
حتقار واالزدر ِّاء (ومل
مكرا وخدعةً؛ إهنم كانوا أصال ينظرون إىل العنصر العريب بعني اال ِّ ِّ
معظم ِّه ْم كان أش َد ً
عاجز عن فهم ثقافتهم الراقية ،وال
ي جاهل ٌ ختتلف نظرُتُم هذه إىل اليوم!) كانوا يرون العرب "أهنم قوم ِّ
بدو ٌّ
إن سلسلةً يستطيع مواكبة احلضارة الفارسية" ،ومن جر ِّاء هذا النوع من التفكري كانوا يعانون من حزن عميقَّ .
التارخيية -املؤثرة يف حتويل اإلسالم إىل الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة – إمنا تبدأ بشكل أساسي من هذه النقطة.
ِّ من األحداث
الشعب الفا ِّ
رس ِّي أسر ُارَها ال تزال ِّ قت ابإلسالم على ِّ
يد فإن قصةَ الضر ِّبة ال ِّ
عنيفة اليت حل ْ ويف الوقت نفسهَّ ،
خمفيَّةً يف أسباب هذه الصدمة ،وهذا الكَبايء ،وهذا احلزن...
***
س ،والساسانيِّني ،هلم ألخرى بساء خمتلفة ،كال ََْب ِّسيِّني ،واألمخينيِّني ،وال ُف ْر ِّ ِّ
إن اإليرانيني الذين ُع ِّرفُوا من حقبة ََّ
حضارةٌ ُمتَ َج ِّذ َرةٌ يف عمق التاريخ ال تقل عن ثالثة آالف سنة .لقد أسسوا إمَباطوريتني عظيمتني ،وحكموا
جيوش قويةٌ على مدار ٌ شبكة بريديٍَّة ،وكانت هلم
ٍ مناطق واسعةً من هنر السند إىل مقدونيا ،وابتكروا َّأو َل
أطالل برسيبوليس
ُ اترخيهم فأصبحوا بفضل ذلك واحدةً من القوى العظمى يف العصور الوسطى .تُ ِّ
قد ُم
مهمةً حول هذه احلضارةِّ هبندستِّها املعماريَِّّة الرائعة .أما العرب، رياز أدلةً َّ ِّ ِّ
ابلقرب من مدينة ش َ األثريةُ الشهريةُ
حضور كبريٌ يف نوع من الصناعات ،ومل يكن هلم ات يف ٍ االسالم مل يكونوا قادرين على إظهار مهار ٍ
ِّ فإهنم قبل
ٌ
اجليوش ،واألعمال العمرانية ..بل مل يكن هلم حىت نظام ِّ
سياس ٌّي متَّ َف ٌق عليه ميتاز ِّ جمال السياسة ،وتنظيم
ٌ
وتوح ُد صفوفَهم ،وحتميهم من التهديدات ...هلذا السبب منا يف دولة تُوفِّر هلم األمن واالستقرارِّ ،
مبقومات ٍ
َ َ َُ
ان البادية اندفعوا من الصحاري ابالستعالء ،فكانوا يرون العرب َّأهنم فلول من قُطَّ ِّ ِّ شعور نفوس ال ُف ِّ
ِّ
َ رس ال ُ
النحل125: 5
ب لقوميتهم، التعص ِّ
ُّ طمعا يف السلب واالغتنام ،فرسخت فيهم نزعةُ اندفاع الَبكان واهنالوا عليهم ً
َ القاحلة
صدورُه ْم من الكراهية للعرب مل
ُ َّت
ذمرون من اخلضوع حلكم العرب .لكنَّهم على رغم ما أكن ْ وأصبحوا يت َّ
أحكامهُ
َ ِِّّ
اإلنسان الذي طب َق جرؤوا (يف عهد اخلالفة الراشدة) على التمرد لضرب هذا النظام الطبيعِّ ِّي يت َّ
تصورهم ،فلم يتجاسروا على االنتقام منهم بي حيلة ،خاصة ابستخدام العنف. حد ِّ هؤالء "البدو" على ِّ
املتبحرين مبعارفهم الغزيرة وآفاقهم املتَّسعة .لقد كان هلؤالء العباقرة وأمثاهلم ِّ
العلماء ِّ نشأ من بينهم أعدا ٌد من
ضا ِّ
هؤالء نشأ من بينهم أي ً أثر ابل ٌغ يف تطوير العلوم اإلسالمية وثقافتها .لكن على عكس من ِّ
أبناء ال ُف ِّ
رس ٌ
جلود الضأن على قلوب الذائب متسرتين مبواالة أهل البيت ،ومنهم من كانوا البسني َ زاندقةٌ منهم من كانوا ِّ
للناس يف لباس أهل الزهد والتقوى ويُبطنون أشكاالً من الكفر والنفاق والزندقة ،ومنهم من كانوا يَظهرون ِّ
اإلسالم من قلبه وقد مشَّروا
َ متخفني وراءَ األدب والشعر ،كلهم كانوا يريدون من ور ِّاء هذه ُّ
الس ُِّرت أن يَطعنوا ِّ
ِّ
إلفساد اجملتمع اإلسالمي منذ عصر التابعني. عن ساعد اجلد
***
أايم األمويني وأكثرهم ظهروا يف العهد األول من
أقدم ُه ْم يف أواخر َ
"الزَهاد" الذين نشأ ُ َّ
إن الطائفة املعروفة ب ُّ
بني
القشريي يف رسالته الشهرية إبسهاب ،كانوا زمرةً غريبةً خمتلفني َ
ُّ حكم العباسيني ،وقد ذكرهم أبو القاسم
ٍ
بشيء من ختالف عن األجيال الثالثة األوىل يف سلوكهم وتصرفاتم وأقواهلم .كانت أدبيا ُتُ ْم تتوارى ِّ اال
وهبا املراوغةُ ،والشطط ،واملغالطةُ ،والشطحيةُ ،واالزدراء ِّ
ابلقي ِّم املقدسة .معظمهم ُ ش َُالغموض ،ووجدانيا ُتُ ْم تَ ُ
هؤالء تلقوا تعليمهم بشكل خاص يف مدينيت البصرة والكوفة ،واشتهر عد ٌد منهم الفارسيِِّّ .ِّ كانوا من العِّ ْر ِّق
ِّ
البسطاميِّ ...ذاع صيتهم يف مثل اجلنيد البغدادي ،وأيب بكر الشبلي ،وحسني بن منصور حلالج ،وأيب يزيد
ٍ
حساب .وقام بعض ِّ
والبسطاء فاضطرت الدولةُ أن حتسب هلم ألف الرعاع
ِّ ِّ
اآلفاق وتافت عليهم مجاهري
حتول
املشعوذين جبمع ترامجهم يف جملدات بعنوان "طبقات األولياء" زادت يف تفخيم شأهنم ،فما لبث حىت َّ
وقت مبكِّر من التاريخ اإلسالمي ،ذلك َّ
ألن كلٌّ منهم إىل شبه إ ٍله يف مفهوم العامة ...حدث هذا التطور يف ٍ
وأحكام جائرةٌ ،كما فحل حمله عقائ ُد وثنيةٌ ع القلوب واألوطا َن وارحتل من غري ٍ
رجعةَّ ، اإلسالم كان قد ود َ
ٌ َ َ َ
هلؤالء الصوفِّيَّ ِّة أتثريٌ ابلغ على عواطف الناس ِّ ِّ
العلماء .كان خ الصوفِّيَّ ِّة َحم َّل
ين وشيو ُ رجال ِّ
الد ِّ ُ حل
َّ
العقول ،كقول أيب يزيد َ كوضمائرهم ،فكانت أدبيا ُتم منسوجةً من ألْغا ٍز ،وهفوات ،وسقطات تُ ْربِّ ُ
الطاعات فلم جتبين ،فمنعتُها املاء سنةً" 6وكانت لِّم ِّ
قوالتِّ ْم جاذبيةٌ ِّ يء من دعوت نفسي إىل ش ٍ البسطاميُ " :
َ َ
أمناط رجل الشارع .كانت هلؤالء الصوفية مهارات استخدموها يف تفسري ال ِّقيَ ِّم تنسا ُق وراءها مجاهري من ِّ
َ
غريوا وجهة نظر اجملتمع إىل مفهوم الدين ،إذ جنحوا يف غرس معتقداتٍ ٍ
السامية لإلسالم بِّطُُرق خمالفة ف َّ
اليهود ،وأانجيل النصارى ...تكيفوا مبهارةٍ وفق األساليب الروحية ِّ اقتبسوها من الفلسفة اليواننية وقبَّ ِّ
الة
للبوذيني اهلنود.
موهوم .فكانت من نتائج ثورة التشويه اليت فجرها صوفية الفرس املستعربني ٍ بدأ الناس يعيشون يف عا ٍمل
اجملتمع ابحلياةِّ انبتار عالق ِّة ِّ ِّ
ِّ ابستخدام اللغة العربية وحتريف الْقيَ ِّم واملصطلحات اإلسالمية ،كانت من نتائجها ُ
هنماك يف القبورية ،واإلميا ُنوقطع األمل ،واال ُ
ُ واعتياد املسكنة،
ُ ِّ
األرض، النشيطة املثمرة ،والركو ُن إىل
ابألساطري واخلرافات ...ومن أفاعيل صوفية الفرس املستعربني َّأهنم ملئوا القلوب ابحلرية والقلق والفزع من
حلظة ألخرى "ألهنم سوف يصريون إىل عامل غامض مظلم حيتاجون إىل اخلوف من ٍ ينتاهبم
الناس ُ ِّ
ُ املوت ،جعلوا َ
أبو عبد للا زكراي بن حممد بن حممود القزويين األنصاري ،آاثر البالد وأخبار العباد ص ،307 :دار صادر للطباعة والنشر -بريوت بال اتريخ. 6
األعراف32: 7
انتاجهم يف الوعظ واإلرشاد والتأليف كلُّهُ يتميز ِّ
األولياء لينقذوهم من خمالب الزابنية إىل ضياء اجلنة" ،فكان ُ
تعاليم اإلسالم
ُ بسلو التخويف وأدب الرعب .أدَّى ذلك إىل اضمحالل املعان السامية اليت كانت تتَّ ِّس ُم هبا
ِّ
لت إىل
وحتو ْدت هذه العُ َم ُد الرئيسةُ من معانيها األصيلة َّ واحلج والزكاةِّ والنوافلَّ ،
فتجر ْ ِّ والصوم من الصالة
ٍ
منعطفات خطرية حىت اإلسالمي املستقيم إىل
ِّ العدول من ِّ
اخلط ُ امتد هذا متارين روتينية ٍ
اتفهة ال روح هلا .مث َّ
ايانت عند الصوفية ،كما يقول أح ُد متأخريهم: موضوع االستهزا ِّء والسخر ِّية واهلز ِّ ذكر للا
َ أصبح ُ
ِّ
ابحلصانة يف القلوب .كما حتول موضوعا لالزدر ِّاء واهلزل بعد أن كانت َّ
مقوَمةً ً املقد َسةُ هكذا غدت ِّ
القيَ ُم َّ
ِّ اإل َهلِّيِّ" ِّ
مقولة "العِّ ْش ِّق ِّ ٍ "حمَبَّ ِّة ِّ
اهلامسة عن الشهوة َّل يفتصوٍر ساقط يتمث ُللا" بطريق التمييع إىل ُّ مفهوم َ
الصواب فبعدت الشقةُ بني موقف الناس وبني تعاليم الدين احلنيف ِّ العدول عن جادة
ُ اجلنسية .وتطور هذا
أحكامها تبدو ملعظم ِّ
الناس قاسيةً بل مدمرةً ُ إىل أن أسفر عن شيوع الكراهية للشريعة اإلسالمية ،وأصبحت
العلماء وأزالت مهابتَهم عن القلوب .وهذا ِّ ووحشيةً وساحقةً لكرامة اإلنسان ،فزعزعت هذه النظرةُ مكانةَ
الناس على اهلفوات والقصص ارتقاء مكانة املشعوذين ورجال الدين والقصاصني والكهنة .فأقبل ِّ أدى إىل
ُ
حمل املعارف والتدليس والز ِّ
ندقة َّ ِّ الوضع
ِّ ت ثقافةُ واألساطري اليت بدأ يتسابق ِّ
هؤالء يف ِّ
نسجها وترتيبِّها ،فحلَّ ْ
اجملتمعات الشرق أوسطيةُ ُر ْش َد َها ونشاطَها وحيويتَها ودخلت يف سبات
ُ القرآنية العاملية النرية إىل أن فقدت
عميق طوال قرون.
***
الفارسية) يف غضون ذلك يواصلون أنشطتهم من اجتاه آخر ِّ لقد كان الشعوبيون (املتعصبون للعنصرية
ِّ
هؤالء أتقنوا اللغةَ العربيةَ واكتسبوا حماوالت تدمري ِّ
القيَ ِّم االسالمية .لقد كان ِّ ابلتوازي مع صوفية ال ُف ِّ
رس يف
انطباعا عمي ًقا يف عواطف املثقفني ً ٍ
مستوايت ،فرتكوا اللغة بعلى وأروعدب هذه ِّ ِّ
استخدام أ ِّ مهار ٍ
ات يف
إعجاب وتقدير .وهكذا ٍ وتقديرهم َّأميا إعجاهبم
َ العرب بعماهلم اجلذابة اخلالبة يف النظم والنثر ،فنالوا
َ
ٍ
مرحلة رس أن يستول َْوا على ضمري اجملتمع العريب يف استطاع الفريقان (الصوفيةُ والشعوبيون) املستعربون ال ُف ُ
يغريوا اجتاهَ تفكريهِّ ونظرته إىل الكون مبكِّرةٍ من التاريخ اإلسالمي ،وأن ي ِّ
فسدوا عقيدته وثقافتَهُ وعقليتَهُ ،وأن ِّ ُ َ
جذراي وغري قابل الرجوع.
تغيريا ً
واحلياة بتأثريهم العميق ً
ِّ
الصوفية نشاطات
ُ ت كانت هلذه التغريات والتطورات عواقب وخيمةٌ ِّ
للغاية يف العديد من اجملاالت .لقد أد ْ ُ
النظام ِّ
رس املستعربني إىل اهنيارات كبرية ،خاصة يف البناء السياسي والتعامل االقتصاد و ِّ
والشعوبيني ال ُف ِّ
ٍ
تشويهات خطرية يف هذه املرحلة (عقب فتح األخالقِّ ِّي والسلوكيات ...تعرضت عقيدة السلف الصاحل إىل
فور ظهور الكالميني ِّ
الرقعة الفارسية) .نشأت فرقَةٌ انتهازية من العرب استغلوا الفوضى السائدةَ على اجملتمع َ
وتقس َم إىل
َّ الذين أفسدوا العقيدة التوحيدية اخلالصة مبناقشاتم ومناظراتم وضجيجهم ،فتجزأ اجملتمع
متنازعة بل إىل معسكرات متناحرةٍ كاملعتزلة ،وال ُْم ْرِّجئَ ِّة ،واألشعر ِّية واملاتريدية ،والتشيع ِّ
وغريها .فلم ٍ مذاهب
َ
يلبث حىت امتلك االنتهازيون ثروات طائلةً استولوا هبا على اجملتمع واحتكروا أمواله على غرار قارون.
اجلو القامت إمنا بدأ منذ عهد األمويِّني ،ولكن احملتكرين لكتابة التاريخ قد حاولوا إخفاءَ هذه الصورة
هذا ُّ
ٍ
املرحلة ابإلكثار من ذكر الفتوحات املليئة ابلظلم والقهر ،واستطاعوا أ ْن مينعوا االنتباهَ إىل حقائق هذه
ِّ
اآلفاق بدبياتم اخلادعة وأساليبهم يف ِّ
اإلسالم على ِّ
وإعالء راية ِّ
والبطوالت واالنتصارات حتت سة اجلهاد
وتدمريُه ْم ِّ
وجناايتم اليت ارتكبوها( ،خاصةً َح ْرقَ ُه ْم ألوطان األتر ِّ
اك، ِّ غسل األدمغة .فإن احتال َل األمويِّني
َ
القوم) قد تركت جروحا غائرة يف نفوسهم وأرواحهم ما زالت تنزف إىل اليوم ،وظلت تداعياته ألصنام هذا ِّ
ِّ
تثري مجاعةً منهم يصبون جام غضبهم على أحكام القرآن منذ أن تعلَّموا الكتابة والقراءة يف السنني األخري
األعمال الوحشيةَ اليت ارتكبتها اجليوش األمويةُ مل ترتك
َ حبكم انتشار الثقافة املعاصرة .يبدوا بوضوحَّ ،
إن هذه
ِّ
احملمدي الصحيح يف تلك املرحلة. القرآن ِّ
اإلسالم ِِّّ التعر ِّ
ف على لقدماء األتراك فرصةً ُمتَكِّنُ ُه ْم من ُّ
والص ِّ
غد، الرت ِّكُّ ،
فلما وضعت احلروب أوزارها ومضت قرو ٌن على احتالل تركستان أقبلت مجاعات من ُّ
سسونه ،لكنهم أخطأوا واهلياطلة من سكان املنطقة أقبلوا على اإلسالم ،فبدأوا يتح َّ ِّ والصقا ِّ
لبة، والد ِّ
ايملةَّ ، َّ
القرآن الصحيح إىل ٍ
داينة صد ْتم عن اإلسالم ِِّّ س ،فأسفرت حماوالتم هذه عن ٍ
كارثة َّ الطريق أن استعانوا ابل ُف ْر ِّ
وان ،وكثري من غريمها .إن املعتقدات اليت كانتاخلالق الغُ ْج َد ِِّّ
وعبد ِّاليسو ِّي ِّ
ِّ رسها هلم الكهنةُ من أمثال ِّ
أمحد
ض عليهم ابسم اإلسالم كانت يف الواقع مغايرةً لتعاليم الدين احلنيف ،بل كانت من امتداد عقائد تُ ْف َر ُ
ذكرهم
مر ُ الفرس املختزلة من االسالم بطريق التشويه والتحريف .وهذه األقوام الذين َِّّ الصوفية والشعوبيني
الكثري من دايانتم القدمية
َ الفرس يف كث ٍري من معتقداتم ،ولكنهم أضافوا إليها الشيءََ آن ًفا كانوا يقلِّدون
أخريا ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّة الرتكيةُ ،Müslümanlikومتايزت عن عقائد الشيعة،
كالشامانية والبوذية نشأت منها ً
ِّ
اهلندي والشعوذة الشامانية. حيث انصبغت ابلتصوف