Arabic Tunisia Final

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 29

‫مكافحة اإلرهاب في تونس‪:‬‬

‫طريق مم ّهدة بالنوايا الحسنة؟‬


‫تقرير من إعداد ‪:‬‬
‫لوال ألياغا (‪)Lola Aliaga‬‬
‫كلوي تريكو أوفاريل (‪)Kloé Tricot O›Farrell‬‬

‫ُنظر إلى تونس على أنها قصّة النجاح الوحيدة للثورات العربية‪ ،‬وعلى أنها ساحة‬ ‫من الخارج‪ ،‬ي َ‬ ‫المحتوى‬
‫معركة رئيسية في «الحرب على اإلرهاب» المدعومة دوليا‪ .‬وأصبحت تونس حاليا فضاء‬
‫تزدحم فيه الجهات الفاعلة الدولية ومنظمات المجتمع المدني‪ ،‬بعد أن سجّ لت معظم هذه األطراف‬ ‫القسم األول ‪ :‬ارتفاع حدّة المخاطر‬
‫حضورها في تونس بعد ثورة ‪ 2011‬لدعم عملية االنتقال الديمقراطي‪ ،‬إال أنّ تركيز العديد من هذه‬ ‫والتهديدات اإلرهابية في تونس‬
‫األطراف يصب اليوم أساسا بمعالجة «اإلرهاب» أو «التطرف العنيف»‪ .‬وانطالقا من الشهادات‬ ‫القسم الثاني ‪ :‬التحديات التي‬
‫والروايات المباشرة لممثلي منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية وكذلك لمسؤولين تونسيين‬ ‫تواجهها تونس‪ ،‬كما يرى التونسيون‬
‫ودبلوماسيين أجانب وساكني أحياء مدنين وسيدي بوزيد وسيدي حسين‪ ،‬يتناول هذا البحث المعمّق‬ ‫القسم الثالث ‪ :‬عمليات مكافحة‬
‫لمنظمة سيفرورلد («عالم أكثر أمنا») المخاطر التي تهدّد السلم في تونس والطريقة التي يت ّم بها‬ ‫اإلرهاب وانعكاساتها‬
‫التعامل مع هذه التهديدات‪.‬‬ ‫القسم الرابع ‪ :‬الدعم الدولي لمكافحة‬
‫اإلرهاب والتطرف العنيف في تونس‬
‫عندما تسأل الناس في تونس عن شواغلهم الرئيسية‪ ،‬فسيتبين لك في الحين أنّ استقرار البالد يتوقف‬ ‫مالحظات ختامية وسبل المضي قدما‬
‫في المقام األول على معالجة مظاهر اإلجحاف والالمساواة‪ .‬ومع ذلك فإن فشل الحكومة التونسية‬ ‫المنهجية‬
‫في التصدّي ألوجه التهميش والالمساواة واإلجحاف المزمن على المستوى االجتماعي والسياسي‬
‫واالقتصادي‪ ،‬وهي العوامل التي كانت وراء اندالع ثورة عام ‪ ،2011‬قد يؤدّي إلى تأجيج المزيد‬
‫من العنف ويم ّكن الجماعات المسلحة العنيفة من استغالل مشاعر السخط ض ّد الدولة‪ .‬وفي أعقاب‬
‫هجمات باردو وسوسة في عام ‪ ،2015‬أعلنت الحكومة «الحرب على اإلرهاب» مستندة في ذلك‬
‫إلى إجراءات تبدو في بعض األحيان صارمة وقمعيّة في مواجهة التهديدات األمنية‪ .‬وهو ما زاد‬
‫من حالة السخط الشعبي وقوّ ض شرعية الدولة في ظل االعتماد على سياسات قصيرة المدى تقوم‬
‫على ر ّد الفعل‪ ،‬وغياب استراتيجية طويلة المدى لمحاربة االرهاب‪.‬‬

‫وفي الوقت نفسه‪ ،‬قدّمت الجهات الفاعلة الغربية دعما ثابتا لجهود الحكومة التونسية للتصدّي‬
‫للتهديدات األمنية‪ ،‬واضعة أمن الغرب ُنصب عينيها بالدرجة األولى‪ .‬هذه المساعدات هي مح ّل‬
‫ترحيب لدى البعض في تونس‪ ،‬إالّ أنّ بعض األطراف من المجتمع المدني انتقدت التدخالت‬
‫محذرين من خطر مفاقمة‬ ‫الغربية في تونس بسبب افتقارها إلى التنسيق وغياب رؤية طويلة المدى‪ّ ،‬‬
‫الصورة المصاحبة للعنوان الرئيسي ‪:‬‬
‫المشاكل بدالً من معالجتها‪ .‬وتأمل العديد من الجهات الفاعلة الغربية أن تكون بصدد المساهمة‬ ‫تونس‪ ،‬سيدي بوزيد‪ .‬شبان تونسيون يمرّ ون‬
‫بشكل فعال في منع العنف من خالل تدخالتها في إطار مكافحة التطرف العنيف‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإنّ‬ ‫بجانب سيارة شرطة محترقة في سيدي‬
‫المحاوالت الرامية إلى جعل الحوكمة والعمل التنموي في خدمة أجندة مكافحة التطرف العنيف‬ ‫بوزيد‪ ،‬مسقط رأس محمد البوعزيزي‪،‬‬
‫تمليها اعتبارات أمنية يمكن انتقادها في تونس على أساس مجموعة من األسباب‪.‬‬ ‫الشاب الذي قام‪ ،‬يوم ‪ 17‬ديسمبر ‪،2010‬‬
‫بإضرام النار في جسده احتجاجا على‬
‫ي َُو ّثق هذا البحث أوجه القصور في المقاربات المعت َمدة لمكافحة اإلرهاب والتطرف العنيف‪ ،‬ويرسم‬ ‫مصادرة السلطات لعربة كان يبيع عليها‬
‫الخضار ومضايقتها له بشكل متواصل‪.‬‬
‫صورة دقيقة لتونس اليوم كما يراها مواطنوها والمتابعون المهتمون بشأنها‪ .‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬تشير‬
‫وقد أدى هذا الحادث إلى اندالع احتجاجات‬
‫وجهات نظر التي عبّر عنها األشخاص الذين تحدثنا إليهم إلى ضرورة قيام الحكومة بإعادة النظر‬ ‫عارمة في البالد انتهت باإلطاحة بالرئيس‬
‫في هذه المقاربات‪ ،‬مع تجديد التركيز على السلم من خالل االستجابة العاجلة لتعطش الجمهور‬ ‫زين العابدين بن علي‪ .‬وتعتبر هذه األحداث‬
‫إلصالحات حقيقية وبوتيرة أسرع‪.‬‬ ‫الحافز النطالق «الربيع العربي»‪.‬‬
‫الصورة لـ ‪Samuel Aranda/ :‬‬
‫ت ّم إجراء هذا البحث باالشتراك مع مركز الكواكبي للتحوالت الديمقراطية‪.‬‬ ‫‪Panos‬‬
‫القسم األول ‪ :‬رفع حدّ ة المخاطرة‪:‬‬
‫التهديدات االرهابية في تونس‬

‫في ‪ 18‬مارس ‪ ،2015‬وبينما كان عدد من السياح األجانب يكتشفون قيمة التراث الثقافي لتونس‬ ‫المحتوى‬
‫في متحف باردو الشهير في العاصمة‪ ،‬شرع ثالثة رجال في إطالق النار بشكل مكثف وعشوائي‪،‬‬
‫مما أدى بالعديد من األشخاص إلى البقاء محاصرين داخل المتحف لمدة ثالث ساعات‪ .‬لق َِي ‪22‬‬ ‫القسم األول ‪ :‬ارتفاع حدّة المخاطر‬
‫شخصا مصرعهم جرّ اء إطالق النار‪ ،‬وجميعهم كانوا من األجانب وأغلبهم من السياح األوربيين‪،‬‬ ‫والتهديدات اإلرهابية في تونس‬
‫كما أصيب ‪ 50‬آخرين‪ .‬وقد أعلن ما يسمى «تنظيم الدولة اإلسالمية» مسؤوليته عن هذا الهجوم‪،‬‬ ‫القسم الثاني ‪ :‬التحديات التي‬
‫معتبرا أنّ «[المهاجمين] نشروا الرعب بين الكفار التونسيين وضيوفهم من الصليبيين‪ ،‬وأراقوا دماء‬ ‫تواجهها تونس‪ ،‬كما يرى التونسيون‬
‫العشرات منهم»‪ ]1[.‬وقد استحوذ هذا الهجوم العنيف بشكل كبير على اهتمام المجتمع الدولي‪ ،‬إذ‬ ‫القسم الثالث ‪ :‬عمليات مكافحة‬
‫ش ّكل تهديدا مباشرا لالستقرار في تونس‪« ،‬قصة النجاح» في «الربيع العربي»‪.‬‬ ‫اإلرهاب وانعكاساتها‬
‫القسم الرابع ‪ :‬الدعم الدولي لمكافحة‬
‫وفي الوقت الذي انحدرت فيه ليبيا واليمن وسوريا إلى حالة من الفوضى والحرب األهلية وعادت‬ ‫اإلرهاب والتطرف العنيف في تونس‬
‫مصر إلى الحكم االستبدادي‪ ،‬تم ّكنت تونس بعد ثورة ‪ 2011‬من إجراء انتخابات متتالية وصياغة‬ ‫مالحظات ختامية وسبل المضي قدما‬
‫دستور جديد واالبتعاد عن نظام الحكم الديكتاتوري الذي سيطر على البالد لعقود‪ .‬وفي نظر الدول‬ ‫المنهجية‬
‫الغربية‪ ،‬تقيم تونس الدليل على إمكانية السير على درب الديمقراطية بالنسبة لدول العالم العربي‪ ،‬إالّ‬
‫أنّ المشاكل األمنية المتزايدة التي تسبّبها الجماعات العنيفة َحوَّ لت تونس إلى مصدر تهديد محتمل‬
‫لألمن بالنسبة للديمقراطيات األوروبية‪ ،‬وهو ما أربك المسار االنتقالي وطريقة تعامل الغرب معه‪.‬‬

‫كان لهجوم باردو صداه الواسع في كافة أرجاء المجتمع الدولي‪ ،‬والواقع أنّ التونسيين‪ ،‬ومنذ ‪2011‬‬
‫أصيبوا بصدمات عنيفة جرّ اء حدوث موجات متتالية من العنف‪ .‬فقد استهدفت الجماعات المسلحة‬
‫الدول َة في إطار استراتيجية واضحة تدفع السلطات نحو ردود الفعل القمعية‪ ،‬وبالتالي تنزع الشرعية‬
‫عن العملية الديمقراطية‪ ،‬وتزيد في «عزل» المج ّندين المحتملين‪ ]2[.‬كما استهدفت الجماعات أيضا‬
‫المدنيين الذين ي َ‬
‫ُنظر إليهم على أنهم يساعدون األجهزة األمنية‪ .‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬تعرّ ض الرعاة‬
‫المحليون في الجبال القريبة من الجزائر إلى هجمات انتقامية بعد أن اشتكوا للشرطة من أنّ أمنهم‬
‫وسبل عيشهم تضررت بسبب الجماعات العنيفة التي أقامت معاقل لها هناك أثناء االضطرابات التي‬
‫عقبت ثورة ‪]3[.2011‬‬

‫الصورة المصاحبة للعنوان الرئيسي ‪:‬‬


‫قوات معززة من الشرطة تقوم بدوريّة‬
‫على الشاطئ التابع لنزل «امبلاير مرحبا»‬
‫بسوسة‪ ،‬تونس‪.‬‬
‫الصورة لـ ‪Alpha Press :‬‬

‫تكريم لضحايا الهجوم على المتحف‬


‫الوطني بباردو‪ .‬رئيس البرلمان األوروبي‬
‫آنذاك مارتن شولتز ‪Martin Schulz‬‬
‫يزور المتحف الوطني بباردو‪.‬‬
‫الصورة لـ‪ :‬االتحاد األوروبي ‪– 2016‬‬
‫البرلمان األوروبي‪.‬‬
‫وفي عام ‪ ،2013‬تكثفت الهجمات ضد قوات األمن في جميع أنحاء البالد‪ ]4[،‬وبلغت أعمال العنف‬
‫المتصاعدة ذروتها باغتيال ك ّل من شكري بلعيد ومحمد البراهمي‪ ،‬وهما شخصيتان سياسيتان‬
‫بارزتان في الحركة اليسارية العلمانية في تونس‪ .‬وقد أعلن «تنظيم الدولة اإلسالمية» مسؤوليته‬
‫عن هذين االغتيالين [‪ ]5‬اللذين أشعال فتيل أخطر أزمة سياسية عرفتها تونس منذ ثورة ‪]6[.2011‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فقد حمل هجوم باردو في طيّاته بُعدا جديدا‪ ،‬وهو العنف على نطاق واسع ضد المدنيين‪،‬‬
‫وتحديدا السياح‪ ،‬وفي ذلك استهداف لصميم االقتصاد التونسي‪.‬‬

‫وبعد ثالثة أشهر‪ ،‬وبالتحديد في ‪ 26‬جوان ‪ ،2015‬حدث هجوم آخر واسع النطاق‪ .‬فقد ظهر‬
‫طالب تونسي على شاطئ البحر في مدينة سوسة يحمل شمسيّة يخفي بها رشاش كالشينكوف‪.‬‬
‫وفي بضع دقائق‪ ،‬حوَّ ل الشاطئ المشمس إلى ساحة لمجزرة مروّ عة‪ ،‬بعد أن أطلق النار على‬
‫المصطافين والمقيمين في الفندق القريب من ذلك المكان‪ .‬وقد لقى ‪ 38‬شخصا مصرعهم‪ ،‬وجميعهم‬
‫من األجانب‪ ،‬من بينهم ثالثون يحملون الجنسية البريطانية‪ .‬كما أصيب ‪ 39‬آخرون بجروح‪ .‬مرة‬
‫أخرى‪ ،‬أعلن «تنظيم الدولة اإلسالمية» مسؤوليته عن هذا الهجوم «ضد الصليبيين الذين يحاربون‬
‫حذر التنظيم أنه «يوجد في تونس الكثير‬ ‫الخالفة»‪ .‬وفي إشارة إلى استراتيجيته في االستقطاب‪ّ ،‬‬
‫من الرجال المسلمين الذين يهتمون اهتماما كبيرا بالجهاد في ليبيا والعراق والشام وغيرها‪]7[».‬‬

‫وقد ت ّم تقديم هذه الهجمات ضد األجانب كشكل من أشكال االنتقام ض ّد ما يقوم به الغرب في الشرق‬
‫األوسط‪ .‬وعلى غرار الهجمات التي تستهدف الدولة‪ ،‬يكون تأثيرها المباشر إضعاف عملية االنتقال‬
‫الديمقراطي‪ ،‬ومفاقمة السخط الشعبي ضد الحكومة‪ ،‬واالستفادة من المعاناة التي يعيشها الناس في‬
‫حياتهم اليومية‪ ،‬مما يؤدي في النهاية إلى مزيد تعميق االنقسامات واستقطاب المزيد من المج ّندين‪.‬‬
‫[‪]8‬‬

‫وفي ظرف ي ّتسم بازدياد حدّة البطالة‪ ،‬أدّى إضعاف قطاع السياحة‪ ،‬الذي و ّفر في عام ‪ 2014‬ما‬
‫يقرب عن ‪ 14‬في المائة من مواطن الشغل في تونس[‪ ،]9‬إلى تهديد العديد من مواطن الشغل‪.‬‬
‫ولئن عرفت السياحة في تونس تقهقرا منذ ثورة ‪ ،2011‬غير أنّ هجوميْ باردو وسوسة كانا بمثابة‬
‫الضربة القاصمة‪ :‬فقبل هجوم سوسة‪ ،‬كان ما ال يقل عن ‪ 440.000‬سائح بريطاني يزورون تونس‬
‫كل سنة؛ ث ّم بعد الهجوم‪ 90 ،‬في المائة منهم توقفوا عن زيارة تونس‪ ]10[.‬وقد استفادت الجماعات‬
‫العنيفة المسلحة من حالة عدم االستقرار في البالد‪ ،‬إذ توسّعت الدوائر التي يمكن لهم أن يستقطبوا‬
‫منها مج َّندين جدد‪ ،‬وفي هذا السياق‪ ،‬قيل لنا إنّ البعض ممّن فقدوا وظائفهم بعد هجوم سوسة‬
‫انضمّوا إلى جماعات عنيفة بحثا عن دخل‪]11[.‬‬

‫حدثت بعد ذلك هجمات أخرى واصلت في استهداف المؤسسة األمنية في تونس‪ ،‬إال أن بعضها كان‬
‫ذا نطاق أوسع‪ .‬ففي ‪ 24‬نوفمبر ‪ ،2015‬قتل انتحاري ‪ 12‬عنصرا من جهاز األمن الرئاسي التونسي‬
‫كانوا في حافلة وسط العاصمة‪ .‬وقد قام بهذا الهجوم شاب يقيم بتونس العاصمة يبلغ من العمر ‪28‬‬ ‫شاطئ ميناء القنطاوي‪ ،‬سوسة‪.‬‬
‫عاما‪ ،‬وأعلن «تنظيم الدولة اإلسالمية» مسؤوليته عن هذه العملية‪.‬‬ ‫الصورة لـ ‪Tony Hisgett :‬‬

‫وقد كان من الواضح في ذلك الوقت أنّ هذه الهجمات العنيفة مرتبطة بالوضع في ليبيا‪ .‬فعلى غرار‬
‫‪ 70‬في المائة من الم ّتهمين التونسيين في قضايا إرهاب‪ ،‬حسب ما أفاد به المركز التونسي للبحوث‬
‫والدراسات حول اإلرهاب [‪ ،]12‬قام المسلحون الذين ارتكبوا هجوميْ باردو وسوسة بتدريبات في‬
‫ليبيا [‪ ،]13‬حيث استغل «تنظيم الدولة اإلسالمية» وجماعات أخرى انهيار الدولة الليبية وتفككها‬
‫إلنشاء معسكرات تدريب للمقاتلين‪ .‬كما أنّ المتفجرات المستخدَ مة في الهجوم ضد األمن الرئاسي‬
‫قد ت ّم جلبها من ليبيا‪ ]14[.‬وفي الواقع‪ ،‬فقد اخترق عدد من األعضاء شبكات التهريب التي تدعم‬
‫االقتصاد الحدودي لتسهيل نقل األسلحة والمقاتلين بين البلدين‪ .‬واستغلوا كذلك التنافس على الموارد‬
‫بين الميليشيات وشبكات التهريب إلقامة قواعد على طول الحدود الليبية‪-‬التونسية‪]15[.‬‬

‫وتفاقم التهديد األمني اآلتي من ليبيا بشكل خطير في ‪ 7‬مارس ‪ ،2016‬عندما قامت قوات تابعة‬
‫لـ»تنظيم الدولة اإلسالمية» بهجوم في محاولة لالستيالء على مدينة بن قردان الحدودية‪ .‬وبعد دقائق‬
‫من استيالئهم على أحد المساجد في بن قردان‪ُ ،‬سم َِع مسلحون يعلنون عبر مكبرات الصوت عن بدء‬
‫الهجوم‪ .‬وانتشر المقاتلون في جميع أنحاء المدينة‪ ،‬حيث كانوا يتربّصون بثكنات الجيش ومراكز‬
‫الشرطة‪ ،‬بينما كان آخرون يهتفون قائلين إن «تنظيم الدولة اإلسالمية» جاء لتحرير البلدة من جيش‬
‫«الطاغوت»‪ ]16[.‬وكان المقاتلون يعوّ لون على دعم السكان المحليين لهم‪ ،‬إال أنّ السكان انحازوا‬
‫لقوات الجيش والشرطة الذين اشتبكوا مع المسلحين لمدة ثالثة أيام حتى تمكنوا من استعادة السيطرة‬
‫على المدينة‪ .‬وقد أدت هذه المواجهات إلى مقتل ‪ 7‬مدنيين و‪ 13‬من قوات األمن و‪ 46‬من مقاتلي‬
‫«تنظيم الدولة اإلسالمية»‪ ]17[.‬وروى سكان بن قردان الحقا أنهم تعرّ فوا على بعض المقاتلين‬
‫الذين قاموا بالهجوم من ليبيا وهم في الواقع من مواطني هذه المدينة الحدودية‪]18[ .‬‬

‫وتشير التقارير إلى أنه منذ سقوط نظام بن علي‪ ،‬انض ّم ما بين ‪ 3000‬و‪ 7000‬شخصا تونسيا إلى‬
‫جماعات مقاتلة في سوريا والعراق وليبيا على وجه الخصوص‪ ]19[،‬وهم ّ‬
‫يمثلون واحدة من أكبر‬
‫كتائب «المقاتلين األجانب»[‪ ]20‬في تلك البلدان‪ ]21[.‬وقد كان حجم هذه الظاهرة مذهال لدرجة أنّ‬
‫زعيم جماعة أنصار الشريعة المسلحة في تونس أعرب عن أسفه ألن الحروب في سوريا ومالي‬
‫قد «أفرغت تونس من شبابها»‪]22[.‬‬

‫إن حجم الهجمات األخيرة في تونس وتجنيد اآلالف من الشباب التونسيين للقتال في بلدان أخرى‬
‫يعكس مدى القوة التي أصبحت عليها الجماعات العنيفة في البالد‪ ،‬وباألخص جماعة أنصار‬
‫الشريعة‪ .‬ورغم أنه ليس لهذه الجماعة ارتباطات رسمية مع الجماعات العنيفة األخرى في تونس‪،‬‬
‫إالّ أنه يسهل اختراق عضويتها‪ ،‬ويمكن في بعض األحيان لجماعات مختلفة أن تعمل معا‪ ]23[.‬وقد‬
‫وُ لِدت جماعة أنصار الشريعة من رحم نظام السجون التونسي‪ ،‬حيث بدأ السجناء التخطيط إلنشائها‬
‫في عام ‪ ،2006‬وبعد إطالق سراحهم في إطار عفو عام صدر في أعقاب ثورة عام ‪،]24[2011‬‬
‫وضعوا خطتهم موضع التنفيذ‪ .‬واستطاعت جماعة أنصار الشريعة أن تعمل ِبحُريّة نسبية في‬
‫السنوات األولى من وجودها وج ّندت بحسب زعمها‪ 70000 ،‬عضوا في الفترة ما بين أفريل ‪2011‬‬
‫وجانفي ‪ ،2014‬بفضل عملها الخيري وقدرتها على االستفادة من حالة اإلحباط المنتشرة بين الناس‬
‫تجاه الحكومة التونسية‪ ]25[.‬فالعديد من األشخاص الذين التقينا بهم أبرزوا القدرات التنظيمية لهذه‬
‫المجموعات‪ ،‬فالبعض يرى أنهم يعملون «كدولة داخل الدولة»‪ ،‬في حين اعتبر آخرون أنهم أفضل‬
‫تنظيما من الدولة وأثاروا تساؤالت بشأن مصادر تمويلهم‪]26[.‬‬

‫إن حجم الهجمات األخيرة في تونس وتجنيد اآلالف من الشباب‬


‫التونسيين للقتال في بلدان أخرى يعكس مدى القوة التي أصبحت‬
‫عليها الجماعات العنيفة في البالد‪.‬‬

‫ولئن كان عمل جماعة أنصار الشريعة في البداية غير عنيف إلى ح ّد كبير[‪ ،]27‬إال ّ أنّ ذلك تغيّر‬
‫أنصار الشريعة مسؤولية اغتيال شكري بلعيد ومحمد‬ ‫َ‬ ‫بعد ‪ .2011‬فقد حمّلت الحكوم ُة التونسية‬
‫البراهمي‪ ،‬وصنفتها كمنظمة إرهابية‪ ]28[.‬ثم في ‪ ،2013‬أعلنت جماعة أنصار الشريعة والئها‬
‫لتنظيم القاعدة‪ ،‬والعديد من قادتها أعلنوا في ‪ 2014‬والئهم لـ»تنظيم الدولة اإلسالمية»‪ ]29[.‬ورغم‬
‫وقوع عدد من الهجمات‪ ،‬يرى العديد من الخبراء أن تونس هي بشكل رئيسي أرض دعوة وتجنيد‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬فقد كانت لهذه الهجمات العنيفة آثارا حقيقية في تونس‪ ،‬وكذلك على عالقات تونس مع‬
‫ل من المملكة المتحدة وألمانيا مواطنيهما بتج ّنب السفر‬
‫الدول الغربية‪ .‬فبعد هجوم سوسة‪ ،‬نصحت ك ّ‬
‫إلى تونس إال ّ ألمر ضروري[‪ ،]30‬وهو ما عجّ ل بحدوث تراجع كبير في السياحة التونسية‪ .‬هذه‬
‫النصائح المتعلقة بالسفر‪ ،‬والتي تهدف لحماية السياح‪ ،‬ش ّكلت ضغوطا اقتصادية كان من شأنها أن‬
‫شجعت الحكومة التونسية على اتخاذ «تدابير جديّة» لمعالجة التحديات األمنية القائمة‪ ]31[.‬وقد‬
‫أيّدت الحكومات الغربية هذه التدابير من خالل تكثيف مساعدتها األمنية لتونس‪]32[.‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬يعكس الدعم األمني الغربي لتونس وجود مخاوف في أوروبا بشأن التهديد الذي‬
‫يش ّكله األفراد الذين يمارسون أعمال العنف ولهم الجنسية التونسية أو هم من أصول تونسية‪،‬‬
‫خصوصا بعد الهجمات التي وقعت في عدد من العواصم األوروبية‪ .‬ففي ‪ 14‬جويلية ‪ ،2016‬قام‬
‫سائق شاحنة فرنسي‪-‬تونسي بدهس حشد من الناس في مدينة نيس الفرنسية‪ ،‬مما أسفر عن مقتل‬
‫‪ 86‬شخصا وإصابة ‪ 458‬آخرين‪ .‬وفي ‪ 19‬ديسمبر من نفس السنة‪ ،‬اقتحم رجل يحمل الجنسية‬
‫التونسية وهو يقود شاحنة أحدَ أسواق أعياد الميالد في برلين‪ ،‬ممّا أسفر عن مقتل ‪ 12‬شخصا‬
‫وإصابة ‪ 56‬آخرين‪ .‬صحيح أنّ الحكومات الغربية كانت داعمة لالنتقال الديمقراطي في تونس منذ‬
‫عام ‪ ،2011‬إال أنّ األحداث األخيرة أثبتت أنّ لها مصلحة كبرى في استقرار تونس‪.‬‬

‫وعموما‪ ،‬شعر الناس الذين تحدثنا إليهم في سيدي بوزيد ومدنين وسيدي حسين وتونس العاصمة‬
‫بأن الوضعية األمنية قد تحسنت[‪ ،]33‬فمنذ أوائل عام ‪ ، 2016‬لم تشهد تونس هجمات واسعة‬
‫النطاق‪ .‬لكنهم الحظوا أيضا أن ردود الحكومة التونسية المدعومة من الغرب كانت لها آثارا تحمل‬
‫في طياتها عديد االشكاليات فيما يتعلق بالتحديات الهيكلية الرئيسية للبالد‪ .‬هذه التحديات تشكل‬
‫تهديدا فوريا وطويل المدى للسلم في البالد ولك ّل من لهم مصلحة فيه‪ .‬ويتناول القسم التالي من هذا‬
‫ويخلُص إلى أنّ معالجتها تتطلب انتهاج مقاربة مختلفة ت ّتسم‬
‫البحث التحديات التي تواجه تونس‪ْ ،‬‬
‫بطابع أكثر استراتيجية لتحقيق السلم واالستقرار المستدامين‪ ،‬مقاربة توازن بين الضرورات األمنية‬
‫على المدى القصير وزيادة التركيز على االنتقال السلمي على المدى الطويل‪.‬‬

‫حاشية سفلية‬

‫[‪Tunisie. Attaque du Bardo : une double‘ ,)2015( Courrier International ]1‬‬


‫‪.March 20 ,’revendication‬‬

‫[‪Jihadist Violence in Tunisia: The Urgent Need for a‘ ,)2016( International Crisis Group ]2‬‬
‫‪.June 22 ,50 .National Strategy’, briefing n‬‬

‫[‪.June 14 ,’Tunisia’s poor population face death by terrorists‘ ,)2017( Nadhif A ]3‬‬

‫[‪ ]4‬انكيفادا (‪ ،)2015‬اإلرهاب في تونس ‪ :‬خارطة التسلسل الزمني لألحداث بعد ‪ 14‬جانفي‪.‬‬

‫[‪.December 18 ,’Killings 2 Tunisia: ISIS Fighters Claim‘ ,)2014( Gall C ]5‬‬

‫[‪ ]6‬تزامن هذا مع اإلطاحة بحكومة اإلخوان المسلمين في مصر‪.‬‬

‫[‪" Hakaek online )2015( ]7‬في بيان منسوب لـ"تنظيم الدولة اإلسالمية"‪ ،‬أعلنَ التنظيم مسؤوليته عن هجوم سوسة‬
‫اإلرهابي ون َشرَ صورة جديدة للجاني"‪ 27 ،‬جوان‪.‬‬

‫[‪Market for‘ ,)2015( op. cit.; Fahmi G, Meddeb H ,)2016( International Crisis Group ]8‬‬
‫‪October; Meddeb 15 ,Jihad: Radicalization in Tunisia’, Carnegie Middle East Centre‬‬
‫‪Les caractéristiques de la violence jihadiste en Tunisie’, text of presentation‘ ,)2016( H‬‬
‫‪.made at the workshop ‘Prévenir la violence extrémiste en Tunisie’, Tunis‬‬

‫[‪:2015 World Travel and Tourism Council, ‘The Economic Impact of Travel & Tourism ]9‬‬
‫‪4 .Tunisia’, p‬‬

‫[‪months after Sousse beach 18 Tunisia urges UK tourists to return‘,)2016( Wintour P ]10‬‬
‫‪;December 6 ,’attack‬‬
‫في أعقاب هجوم سوسة‪ ،‬نصحت المملكة المتحدة مواطنيها بتج ّنب السفر إلى تونس عبر صفحة النصائح المتعلقة بالسفر‬
‫للخارج الصادرة عن وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث البريطانية‪ .‬وت ّم رفع التوصية بتجنب السفر في شهر أوت ‪.2017‬‬

‫[‪ ]11‬مقابالت مع ممثلي المجتمع المدني – تونس‪ ،‬أكتوبر ‪.2016‬‬

‫[‪4 ,’? Terroristes” en Tunisie : Que révèlent les dossiers judiciaires“‘ ,)2017( Inkyfada ]12‬‬
‫‪.January‬‬
‫[‪ ]13‬نفس المصدر‪.‬‬

‫[‪Tunisia says suicide bomber carried out bus attack claimed by‘ ,)2015( Amara T ]14‬‬
‫‪.November 25 ,’Islamic State‬‬

‫[‪Precarious resilience: Tunisia’s Libya predicament’, Middle East‘ ,)2017( Meddeb H ]15‬‬
‫‪.7 April, p 5 ,and North Africa Regional Architecture‬‬

‫[‪Border attack feeds Tunisia fears of Libya jihadist‘ ,)2016( Amara T, Markey P ]16‬‬
‫‪.March 13 ,’spillover‬‬
‫[‪jihadistes et un soldat tués dans des opérations 10 :Agence France Presse, ‘Tunisie ]17‬‬
‫‪.March 9 ,’à Ben Guerdane‬‬

‫[‪.op. cit ,)2016( Amara T, Markey P ]18‬‬

‫[‪ ]19‬حسب معظم التقديرات‪ ،‬يبلغ العدد حوالي ‪ .5500‬انظر على سبيل المثال ‪:‬‬
‫‪March; Malka H, Balboni 3 ,’Tunisia: Why foreign fighters abandon ISIL‘ ,)2016( .Souli S‬‬
‫‪.Tunisia: Radicalism abroad and at home’, June‘ ,)2016( M‬‬

‫[‪ ]20‬عبارة "المقاتلين األجانب" غير دقيقة‪ ،‬ألنها ال تميّز بين أولئك الذين يقاتلون فعالً وأولئك الذين سافروا إلى المناطق التي‬
‫يسيطر عليها "تنظيم الدولة اإلسالمية" من أجل المشاركة في إنشاء الخالفة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإننا نستخدم هذه العبارة في هذا التقرير‬
‫لغرض الوضوح ألنه المصطلح األكثر شيوعا لإلشارة إلى األشخاص الذين سافروا لالنضمام إلى جماعات عنيفة في الخارج‪.‬‬

‫[‪Foreign fighters: Urgent measures needed to stop flow from Tunisia‘ ,)2015( OHCHR ]21‬‬
‫‪.July 10 ,’– UN expert group warns‬‬
‫[‪’Tunisia: Extremism and Counter-Extremism‘ ,)2017( Counter-Extremism Project ]22‬‬

‫[‪ ]23‬توجد جماعات تحمل اسم أنصار الشريعة في ليبيا ومصر واليمن‪ ،‬إال أ ّنها ليس لها ارتباط رسمي وال تملك هيكل قيادة‬
‫مركزي‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد ثبت أنّ تنظيميْ أنصار الشريعة في تونس وأنصار الشريعة في ليبيا يرتبطان بصالت عملياتية ومالية‬
‫ولوجستية‪ .‬انظر ‪:‬‬
‫‪September 21 ,’Know your Ansar al-Sharia‘ ,)2012( Zelin A‬‬

‫[‪ ]24‬ت ّم في ‪ 2011‬إصدار قانون للعفو العام شمل عددا من سجناء نظام بن علي‪.‬‬

‫[‪.op. cit ,)2017( Counter-Extremism Project ]25‬‬

‫[‪ ]26‬مشاركون في حلقات نقاش مع الشباب ‪ -‬سيدي حسين‪ ،‬فيفري ‪.2017‬‬

‫[‪Going “Glocal”: Jihadism in Algeria and Tunisia’, in Steinberg G‘ ,)2015( Werenfels I ]27‬‬
‫‪and Weber A (eds.), Jihadism in Africa. Local causes, Regional expansion, International‬‬
‫‪.63 alliances (Stiftung Wissenschaft und Politik), p‬‬

‫[‪.August 27 ,’Ansar al-Sharia blamed for Tunisia killings‘ ,)2013( Al Jazeera ]28‬‬

‫[‪.op. cit ,)2017( Counter-Extremism Project ]29‬‬

‫[‪One year after Sousse, it’s the economy—not security—that‘ ,)2016( Yerkes S ]30‬‬
‫‪.June 30 ,worries Tunisians’, Brookings Institution, Foreign Policy Trip Reports‬‬

‫[‪ ]31‬مقابالت مع ممثلي المجتمع المدني ومسؤولين دوليين – تونس‪ ،‬أكتوبر ‪.2016‬‬

‫[‪ ]32‬على سبيل المثال‪ ،‬انظر‪ :‬تطور المساعدات األمنية األمريكية إلى تونس‪.‬‬
‫لمزيد من التحليل حول الدعم الدولي لألمن في تونس‪ ،‬يرجى االطالع على القسم الرابع من هذا التقرير‪.‬‬

‫[‪ ]33‬حلقة نقاش – سيدي بوزيد ‪ ،‬جانفي‪ -‬مارس ‪.2017‬‬


‫القسم الثاني ‪ :‬التحديات التي تواجه تونس ‪..‬‬
‫كما يراها التونسيون‬

‫كثيرا ما سمعنا أنّ تونس فضاء يزدحم بالجهات‬ ‫المحتوى‬


‫الفاعلة الدولية وبمنظمات المجتمع المدني‪ .‬وقد‬
‫سجّ لت معظم هذه األطراف حضورها في تونس‬ ‫القسم األول ‪ :‬ارتفاع حدّ ة المخاطر‬
‫بعد ثورة ‪ 2011‬لدعم عملية االنتقال الديمقراطي‪،‬‬ ‫والتهديدات اإلرهابية في تونس‬
‫إال أنّ شواغل العديد من هذه األطراف ترتبط‬ ‫القسم الثاني ‪ :‬التحديات التي‬
‫اليوم أساسا بمعالجة «اإلرهاب» أو «التطرف‬ ‫تواجهها تونس‪ ،‬كما يرى التونسيون‬
‫العنيف»‪ .‬ولكن عندما تسأل الناس في تونس‬ ‫القسم الثالث ‪ :‬عمليات مكافحة‬
‫عن شواغلهم الرئيسية‪ ،‬فسيتبين لك في الحين‬ ‫اإلرهاب وانعكاساتها‬
‫أنّ استقرار البالد يتوقف في المقام األول على‬ ‫القسم الرابع ‪ :‬الدعم الدولي لمكافحة‬
‫معالجة أوجه الالمساواة واإلجحاف‪.‬‬ ‫اإلرهاب والتطرف العنيف في تونس‬
‫مالحظات ختامية وسبل المضي قدما‬
‫في مدنين‪ ،‬وهي مدينة قريبة من الحدود مع‬ ‫المنهجية‬
‫ليبيا‪ ،‬وفي سيدي بوزيد‪ ،‬حيث انطلقت الشرارة‬
‫األولى للثورة في ديسمبر ‪ ،2010‬وفي سيدي‬
‫حسين‪ ،‬وهي من األحياء المهمّشة في ضواحي‬
‫ُدرج الناس الذين تحدثنا‬
‫تونس العاصمة‪ ،‬لم ي ِ‬
‫«التطرف العنيف» ضمن‬
‫َ‬ ‫«اإلرهاب» أو‬
‫َ‬ ‫إليهم‬
‫اهتماماتهم الرئيسية‪ ،‬بل ر ّكزوا على التهميش‬
‫االجتماعي واالقتصادي وعلى أداء المؤسسات السياسية للدولة‪ ،‬وهي األسباب التي دفعت التونسيين‬
‫للنزول إلى الشوارع قبل ست سنوات‪ .‬غير أنه وكما قيل لنا في سيدي بوزيد‪« ،‬مهد الثورة‬
‫التونسية»‪« ،‬لم يتغير شيء»[‪ .]34‬وفي مدنين‪ّ ،‬‬
‫حذر البعض من أنّ إمكانية قيام ثورة ثانية ينبغي‬
‫أن تؤخذ على محمل الج ّد إذا لم يتم رفع المظالم عن الجهات المهمشة والمحرومة‪ .‬هذه المظالم أدّت‬
‫إلى بروز موجات جديدة من االحتجاجات‪ ،‬أحيانا عنيفة‪ ،‬خالل عامي ‪ 2016‬و ‪ ]35[.2017‬وعلى‬
‫الرغم من أن الجماعات العنيفة ال تحظى بدعم شعبي واسع في تونس‪ ،‬إال أنها تمكنت من االستفادة‬
‫من شعور الناس باإلحباط الستقطاب أعضاء جدد‪ ،‬خاصة من بين الشباب التونسي‪]36[.‬‬

‫األغنياء والفقراء في تونس‪ :‬عالمان مختلفان‬

‫يعاني الناس في المقام األول من غياب فرص العمل وفرص الوصول إلى الموارد والخدمات‪،‬‬
‫ويتر ّتب عن ذلك تنامي الشعور بالتهميش‪ ،‬خصوصا في المناطق الداخلية للبالد والتي عانت من‬
‫اإلهمال على امتداد عقود‪ ،‬على عكس المدن الساحلية مثل تونس العاصمة وصفاقس وسوسة‪.‬‬
‫[‪ ]37‬وقد أدّى نقص االستثمارات العمومية والخاصة وضعف البنية التحتية في الجهات الداخلية‬
‫إلى تقويض التنمية االقتصادية وارتفاع مستويات البطالة وتصاعد معدالت الفقر‪ .‬قبل الثورة‪ ،‬قامت‬
‫السلطات بتنمية المناطق الساحلية على حساب الجهات الداخلية والحدودية‪ ،‬إال أنّ حكومات ما بعد‬
‫الثورة فشلت في معالجة هذا التفاوت‪]38[.‬‬ ‫الصورة المصاحبة للعنوان الرئيسي‪:‬‬
‫مظاهرة من أجل الحريات وض ّد العنف‪.‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬أشار األشخاص الذين تحدثنا إليهم إلى ضعف التعليم في المناطق المهمشة‪،‬‬ ‫تونس‪ ،‬جانفي ‪.2012‬‬
‫معتبرين أن البرامج الدراسية والتدريبية المتوفرة ال تتناسب مع متطلبات سوق الشغل في تونس‪.‬‬ ‫الصورة لـ‪ :‬أمين الغربي‬
‫في عام ‪ ،2017‬بلغت نسبة البطالة على المستوى الوطني ‪ 15.3‬في المائة‪ ]39[،‬وهي أعلى بكثير‬
‫في الجهات الداخلية‪ :‬ففي عام ‪ ،2015‬بلغت هذه النسبة ‪ 26.6‬في المائة في الجنوب الشرقي و‬
‫‪ 22.3‬في المائة في الجنوب الغربي‪ ]40[.‬وح ّتى سكان منطقة سيدي حسين لم يستفيدوا من التنمية‬
‫االجتماعية واالقتصادية في تونس العاصمة‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬قال لنا أحد األشخاص الذين تحدثنا‬
‫إليهم‪« :‬عندما أذهب للعمل في ‹ميتيال فيل› [حي في شمال العاصمة]‪ ،‬أشعر وكأنني أدخل عالما‬
‫مختلفا»‪.‬‬

‫يؤثر على الشباب بوجه خاص‪ :‬فحوالي ‪ 33‬في المائة من الذين تتراوح أعمارهم‬ ‫هذا الوضع ّ‬
‫بين ‪ 15‬و ‪ 29‬سنة – أي أكثر من مليون شخص – هم خارج دائرة التعليم والتشغيل والتدريب‪.‬‬
‫[‪ ]41‬وحسب البنك الدولي‪ ،‬يش ّكل الشباب غير الملتحقين بالتعليم أو العمل أو التدريب الفئة‬
‫األكثر تعرّ ضا لإلقصاء في المجتمع‪« ،‬فهم يرمزون إلى الخمول واالحباط لدى الشباب‪ ،‬وهي‬
‫حالة أكثر إثارة للقلق من بطالة الشباب‪ ،‬والتي ال تشمل الشباب غير المنخرط‪ ]42[».‬وفي سياق‬
‫َيعتبر فيه العديد من الشباب أنفسهم بمثابة «األموات األحياء»‪ ،‬أدى هذا الوضع إلى تفاقم ظواهر‬
‫االنتحار وإيذاء النفس وتعاطي المخدرات واإلدمان‪ ]43[.‬وفي إشارة إلى األفراد الذين انضموا إلى‬
‫الجماعات العنيفة في الخارج‪ ،‬قال لنا أحد المختصّين في مجال الصحة‪« :‬بالفعل لقد عانى هؤالء‬
‫الشباب كثيرا؛ لقد كافحوا كثيرا حتى قبل أن يقرّ روا مغادرة البالد»‪]44[.‬‬

‫وعموما‪ ،‬فقد قيل لنا إنّ العديد من الشباب الذين يفتقرون إلى الفرص االجتماعية أو المهنية‬
‫يشعرون وكأنهم واقعون بين شِ ّقيْ الرحى‪ ،‬إذ ال خيار لديهم سوى الهجرة بشكل غير قانوني (بما‬
‫أنّ الخيارات القانونية ليست متاحة لمعظمهم)‪ ،‬أو االنخراط في شبكات اإلجرام‪ ،‬أو االنضمام إلى‬
‫جماعات عنيفة إلعالة أنفسهم‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬قال لنا أحد الشباب من سيدي حسين‪« :‬ليس أمامنا‬
‫سوى االنضمام إلى «تنظيم الدولة اإلسالمية» أو الهجرة بشكل غير قانوني»‪ .‬وأضاف شاب آخر‪:‬‬
‫«نحن أمام مصيرين‪ :‬إما أن نسلك طريق المخدرات أو طريق اإلرهاب»‪]45[.‬‬

‫العديد من الشباب الذين يفتقرون إلى الفرص االجتماعية أو المهنية‬


‫يشعرون وكأنهم واقعون بين شِ ّق ْي الرحى‪ ،‬إذ ال خيار لديهم سوى‬
‫الهجرة بشكل غير قانوني أو االنخراط في شبكات اإلجرام أو االنضمام‬
‫إلى جماعات عنيفة‪.‬‬

‫هذه التصريحات تعكس مدى نجاح الجماعات العنيفة في تجذير نشاطها في السياق التونسي‪ ،‬مما‬
‫عزز استراتيجيتها في مجال االستقطاب عبر منح فوائد مالية ومادية لمن يمكن تجنيدهم‪ .‬قال لنا‬‫ّ‬
‫أحد الشبان في هذا اإلطار‪« :‬سأكون مستعدا لالنضمام لجماعة إرهابية مقابل المال؛ أنا مستع ّد‬
‫ح ّتى لقتل والدي مقابل المال‪ .‬لذلك تر ّكز هذه الجماعات على التجنيد في األوساط الفقيرة على وجه‬
‫التحديد»‪ .‬وأضاف شاب آخر‪ »:‬إذا كانت [الجماعات العنيفة] تو ّفر لك ما تحتاج إليه‪ ،‬فال يمكنك‬
‫إالّ أن تطيع أوامرهم‪ ،‬إذ ستستفيد منهم أنت وأسرتك بشكل مباشر»‪ ]46[.‬ولم يتم استخدام األموال‬
‫وغيرها من المنافع المادية الستقطاب أعضاء نشطين فحسب‪ ،‬وإنما لتجنيد مخبرين من بين السكان‬
‫المحليين أيضا‪]47[.‬‬

‫مظاهرة في تونس خالل ثورة جانفي‬


‫‪.2011‬‬
‫الصورة لـ ‪ :‬وسيم بن رحومة‬
‫اإلحباط والحرمان من الحقوق السياسية‬

‫ُعزى الشعور باإلحباط لدى الشباب أيضا إلى عدم وجود حيّز يم ّكنهم من المساهمة السياسية في‬‫وي َ‬
‫تنمية البالد‪ .‬ورغم الدور المحوري الذي لعبه الشباب خالل ثورة ‪ ،2011‬يشعر الكثير منهم اآلن‬
‫بقلّة الحيلة وخيبة األمل‪ ،‬وذلك ألن التغيير الذي طالبوا به في ‪ 2011‬لم يتحقق بعد‪ .‬فهم يشعرون‬
‫بخيبة أمل لعدم قدرة الحكومة‪ ،‬أو عدم رغبتها كما يعتقد البعض‪ ،‬على الوفاء بتعهداتها‪ ،‬خاصة فيما‬
‫يتعلق بخلق فرص العمل وتوفير الخدمات‪ .‬عاد الناس للنزول إلى الشوارع‪ ،‬إالّ أن وصم المحتجين‬
‫من قبل الحكومة زاد من شعور العداء تجاه الدولة‪ ]48[.‬وقد ت ّم في عام ‪ 2016‬تنظيم مؤتمر‬
‫وطني للشباب بهدف إقامة حوار بين الحكومة والشباب في مختلف أنحاء البالد‪ ]49[.‬غير أنّ هذه‬
‫المبادرة‪ ،‬وفقا للبعض‪ ،‬لم تنجح في تشجيع مشاركة هادفة من قبل الشباب‪ ،‬ولم ُتسْ فر عن أيّة نتائج‬
‫ملموسة‪ ]50[.‬هذا الشعور باإلحباط وخيبة األمل يفسر السبب الذي جعل الشباب ال يمثل سوى ‪3.3‬‬
‫في المائة من مجموع ‪ 5.4‬مليون شخص سجلوا للمشاركة في أول انتخابات بلدية حرة تنتظم في‬
‫البالد‪ ،‬والمزمع إجراؤها في ديسمبر ‪]51[.2017‬‬

‫ً‬
‫حقيقة أو تصورً ا – إلى السبل السياسية لتحسين حياة الناس وتحقيق‬ ‫وفي المقابل‪ ،‬أدى االفتقار –‬
‫وعود الثورة إلى زيادة جاذبية الجماعات العنيفة‪ ]52[.‬وفي هذا السياق‪ ،‬قال لنا ممثل للمجتمع‬
‫المدني في سيدي بوزيد‪« :‬بعض الناس يتعاطفون مع المنظمات اإلرهابية ألنهم مستاؤون من غياب‬
‫الدولة‪ ،‬وهذا يؤدي أحيانا إلى أنّ بعض األفراد ال يستنكرون الهجمات التي تستهدف الدولة‪ ،‬بل‬
‫تراهم يسعدون بها «‪]53[.‬‬

‫جيل بال مستقبل يبحث له عن هدف‬

‫أدى التهميش االجتماعي واالقتصادي والسياسي للشباب التونسي إلى جعل الناس يتحدثون عن‬
‫«جيل بال مستقبل»‪ ،‬مُعرّ ض بشكل خاص للوقوع في شرك الجماعات العنيفة‪ ]54[.‬وهو ما يؤكد‬
‫نتائج دراسة أجرتها مؤسسة سيريت ‪ CIRET‬حول سجالت المحاكم المتعلقة بألف «إرهابي»‬
‫مشتبه به من أصل تونسي‪ ،‬إذ تشير الدراسة إلى أنّ ثالثة أرباعهم تتراوح أعمارهم بين ‪ 18‬و‬
‫‪ 34‬سنة‪ ]55[.‬وحسب أحد الخبراء المختصين التونسيين‪ ،‬فإن اللجوء إلى العنف يرمز إلى رفض‬
‫المجتمع الفاسد والظالم‪ ،‬ويمنح أولئك الذين ح ُِرموا من فرص في حياتهم صف َة الضحايا العظماء‪.‬‬
‫[‪ ]56‬والعديد من الشباب المهمّشين في تونس ليس لديهم شعور كبير باالنتماء أو إحساس بأنّ لهم‬
‫هدف في حياتهم‪ ،‬بل هم يشعرون بالوصم لكونهم على هامش المجتمع‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬أعرب‬
‫معظم الذين تحدثنا إليهم عن قلقهم إزاء غياب أنشطة اجتماعية وثقافية وترفيهية يمكن أن ُتسهم‬
‫بشكل إيجابي في تنمية الشباب وبناء هويتهم‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬فإن من عناصر استراتيجية االستقطاب التي ت ّتبعها الجماعات العنيفة اللعب على أوتار‬
‫الشباب الرّ اغب في أن تكون له مكانة ودور في المجتمع والرّ افض للدولة والمجتمع اللذيْن حرماه‬
‫من هذه األمور‪ ]57[.‬وهو ما قد يفسّر نجاح هذه المجموعات في استغالل الدين الستقطاب أعضاء‬
‫جدد يبحثون عن هوية ذات معنى ومؤسسات دولة «أخالقية»‪]58[.‬‬

‫االستجابة الباهتة من الدولة‬

‫سعت الدولة التونسية جاهدة لمعالجة المظالم االجتماعية القائمة‪ ،‬إالّ أنّ األزمة االقتصادية الخطيرة‬
‫والوضع السياسي الهش عرقال تنفيذ اإلصالحات المطلوبة بشدة وأخمدا حالة الحماس التي ميّزت‬
‫فترة ما بعد الثورة‪ ]59[.‬وقد ساعد التوافق بين «نداء تونس»‪ ،‬الحزب الذي تولى السلطة في‬
‫‪ 2014‬وهو يض ّم في صفوفه نخبا من عهد بن علي‪ ،‬وحزب «النهضة» اإلسالمي‪ ،‬والذي فاز في‬
‫أول انتخابات ُتجرى بعد ثورة ‪ ،2011‬على استمرارية المسار االنتقالي في تونس‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يقول‬
‫أحد الصحفيين المتابعين للمسار االنتقالي في البالد‪ ]...[« :‬فيما عدا بناء بعض االئتالفات النخبوية‪،‬‬
‫لم يتحقق أيّ تقدّم حقيقي في محاربة الفساد‪ ،‬أو في إصالح البيروقراطية عديمة الفعالية‪ ،‬أو في‬
‫التحفيز على خلق مواطن الشغل وتحفيز االستثمارات في البنية التحتية»‪ ]60[.‬وفي اآلونة األخيرة‪،‬‬
‫ازداد هذا الوضع تعقيدا جراء الخالفات الداخلية لـ»نداء تونس»‪]61[.‬‬

‫وفي هذا السياق‪ ،‬يعتبر الكثيرون أنّ الفساد المستشري في البالد سبب رئيسي من أسباب بطء‬
‫المسار االنتقالي‪ .‬والفساد هو الذي دفع العديد من التونسيين للنزول إلى الشوارع خالل ثورة‬
‫‪ ،2011-2010‬وبعد مرور ست سنوات‪ ،‬ال تزال ممارسات الفساد قائمة الذات‪ .‬فحسب مؤشر‬
‫مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية‪ ،‬انتقلت تونس من المرتبة ‪ 59‬من بين ‪ 178‬دولة في عام‬
‫‪ ،2010‬إلى المرتبة ‪ 75‬في عام ‪ ]62[.2016‬لكن وبعد انتخاب يوسف الشاهد رئيسا للحكومة في‬
‫عام ‪ ،2016‬شرعت الحكومة في اتخاذ خطوات لمعالجة ظاهرة الفساد‪ .‬ووفقا لخبراء مكافحة‬
‫الفساد‪ ،‬يعود هذا التحرّ ك ضد الفساد‪ ،‬في جانب منه‪ ،‬إلى العمل الذي تقوم به الهيئة الوطنية‬
‫لمكافحة الفساد التي يرأسها شوقي الطبيب‪ ،‬والتي اعتمدت استراتيجية وخطة عمل وطنية للتصدي‬
‫للفساد[‪ ،]63‬وكذلك إلى نشاط منظمات المجتمع المدني التي تحرّ كت لتعبئة الرأي العام ضد الفساد‪.‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬ازداد الضغط على الحكومة للتحرّ ك‪ ،‬وت ّم مؤخرا اعتقال عدد من الموظفين ورجال‬
‫األعمال بتهم تتعلق بالفساد‪ ]64[.‬ومع ذلك‪ ،‬ال يزال القلق قائما إزاء استمرار انعدام الشفافية في‬
‫سياسات الحكومة‪ ،‬ودور الجيش في مكافحة الفساد بدال عن المؤسسات المدنية‪ ،‬وعدم القدرة على‬
‫التصدّي للمنظومة الذي تسمح للفساد باالستشراء‪ ،‬وليس فقط لمجموعة صغيرة من الضالعين في‬
‫الفساد‪]65[.‬‬

‫الواقع أنّ اإلصالحات مازالت بطيئة‪ ،‬كما أنّ الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ليس لها مخالب‪ .‬ث ّم إنه‬
‫توجد جهات فاعلة قوية ستكون خاسرة نتيجة جهود مكافحة الفساد‪ .‬وبعد محاوالت دامت أكثر من‬
‫عامين‪ ،‬تمكنت رئاسة الجمهورية في ‪ 13‬سبتمبر ‪ 2017‬من تمرير «قانون المصالحة االقتصادية»‬
‫المثير للجدل‪ .‬هذا القانون يعفي من المالحقة الجنائية مسؤولي الدولة ورجال األعمال المتهمين‬
‫بالفساد واالختالس خالل عهد بن علي إنْ ُه ْم قاموا بإرجاع األموال المستولى عليها‪ ]66[.‬يرى‬
‫مؤيدو القانون أنّ هذه األموال ستولّد عائدات للدولة خصوصا في ظل األزمة اإلقتصادية التي‬
‫تشهدها البالد‪ ،‬في حين يطالب معارضو القانون بالمساءلة والمحاسبة ويتساءلون عن الطريقة التي‬
‫سيت ّم بها التصرّ ف في األموال المسترجعة‪]67[.‬‬

‫رسم على الحائط لمطرقة العدالة ومعها‬


‫عبارة‪" :‬مانيش مسامح"‪ ،‬وهو شعار‬
‫حركة نشأت احتجاجا على قانون‬
‫المصالحة االقتصادية‪.‬‬
‫الصورة لـ‪Kloé Tricot O’Farrell, :‬‬
‫‪Saferworld‬‬

‫وفي ماي ‪ ،2017‬تعرّ ض مؤسس ومدير الموقع اإلخباري التونسي "نواة" للمضايقات وت ّم استنطاقه‬
‫لمدة ست ساعات حول مقال يتضمّن تسريبات عن تفاصيل مشروع القانون‪ ،‬وهو أمر‪ ،‬حسب‬
‫منظمة العفو الدولية‪" ،‬يُرسِ ل إشارة مقلقة بأنّ السلطات التونسية لديها رغبة في قمع الحق في حرية‬
‫التعبير"‪]68[.‬‬

‫وفي حين مازال معظم التونسيين مؤيّدين لعملية االنتقال الديمقراطي[‪ ،]69‬تشير دراسة حديثة‬
‫أجرتها "مجموعة األزمات الدولية" إلى أنّ الفساد المتنامي يدفع بعدد متزايد من الناس إلى الرغبة‬
‫في عودة الحكم االستبدادي‪ ،‬معتقدين أنّ ذلك من شأنه الح ّد من هذه الممارسات‪ ]70[.‬وقد برزت‬
‫هذه المسألة أيضا في مطالبات الجماعات العنيفة بالشرعية‪ .‬يقول خبير دولي معني بالفساد في هذا‬
‫السياق‪ ]...[" ،‬ستستغل الجماعات المتشددة حالة عدم معالجة المظالم االجتماعية‪ ،‬وستسعى إلى‬
‫تطبيق منظومة سلوك صارمة ومتشددة‪ ،‬معتبرين ذلك بمثابة األفق الممكن الوحيد إلنشاء الحكومة‬
‫ّ‬
‫الملذات "‪]71[.‬‬ ‫التي تخدم مصلحة المجتمع‪ ،‬وليس مصلحة قلّة منغمسة في‬

‫الكثير ممن تحدثنا إليهم إلى‬


‫َ‬ ‫وقد دفع األداء المتواضع للحكومة في معالجة شواغل المواطنين‬
‫تحميلها مسؤولية ظهور الجماعات العنيفة‪ ،‬والبعض اتهمها باستغالل التهديدات االرهابية لتحويل‬
‫انتباه الناس بعيدا عن مشاكلهم الجوهرية‪ ]72[.‬وفي هذا السياق‪ ،‬قال أحد ممثلي المجتمع المدني‬
‫في مدنين‪" :‬إن غياب الدولة في المنطقة أدى إلى تهميشها وتخلّفها‪ ،‬وهو ما يدفع الشباب إلى سلوك‬
‫طريق العنف والوقوع فريسة سهلة للجماعات العنيفة"‪ ]73[.‬وتؤكد ذلك الدراس ُة التي أجرتها‬
‫مؤسسة سيريت ‪ ،CIRET‬والتي أشارت إلى أنّ نسبة عالية من المشتبه بتورّ طهم في اإلرهاب‬
‫ينحدرون من المناطق المهمشة‪]74[.‬‬

‫وبشكل عام‪ ،‬يتبين مما تقدم الحاج ُة إلى معالجة أوجه اإلجحاف والالمساواة وإلى توفير الخدمات‬
‫والتعليم ومواطن الشغل لتغيير واقع الحياة في العديد من المناطق التي عانت من التهميش‪ ،‬ويكون‬
‫ذلك بالتشاور مع السكان المحليين‪ .‬ينبغي أن يش ّكل ذلك أولوية إذا ما أريد لتونس أن تتطور بأسرع‬
‫ما يمكن إلى مجتمع أكثر سِ لما وشموال واستقرارا‪ .‬إن الهوّ ة القائمة بين الدولة وهذه المناطق‬
‫ال تهدّد فقط "بإدخال البالد في دوامة من العنف"‪ ،‬بل وكذلك "ب [تهيئة] مزيد من الظروف‬
‫التي تزدهر فيها الجماعات المتطرفة‪ ،‬نظرا للقدرة الفائقة لهذه الجماعات على استغالل الغضب‬
‫سيرد شر ُح ُه في القسم التالي‪ ،‬فإن األساليب التعسفية والقمعية الم ّتبعة في‬
‫االجتماعي"‪ ]75[.‬وكما ِ‬
‫"الحرب على اإلرهاب" قد زادت من شعور الناس بانعدام الثقة واالستياء من الدولة والمؤسسة‬
‫استفزت الحكومة الستعمال مثل‬ ‫ّ‬ ‫األمنية على وجه الخصوص‪ .‬أما بالنسبة للجماعات العنيفة التي‬
‫هذه الممارسات‪ ،‬فقد استغلتها الستقطاب أعضاء جدد‪.‬‬

‫حاشية سفلية‬

‫[‪ ]34‬حلقة نقاش مع المجتمع المدني – سيدي بوزيد ‪ ،‬جانفي ‪.2017‬‬

‫[‪January; 22 ,’Tunisia unemployment protests spread to capital‘ ,)2016( Al Jazeera ]35‬‬


‫‪January; 14 ,’Protests mark Tunisian revolution’s sixth anniversary‘ ,)2017( Al Jazeera‬‬
‫‪Blocked Transition: Corruption and Regionalism in‘ ,)2017( International Crisis Group‬‬
‫‪.May 10 ,177 Tunisia’, Report‬‬

‫[‪.op. cit ,)2016( op. cit.; Meddeb H ,)2015( Fahmi G, Meddeb H ]36‬‬

‫[‪.March 10 ,Tunisia: after the revolution’, Financial Times‘ ,)2016( Saleh H ]37‬‬

‫[‪Peripheral vision: How Europe can help preserve Tunisia’s fragile‘ ,)2017( Meddeb H ]38‬‬
‫‪.2.January, p 13 ,democracy’, European Council on Foreign Relations‬‬

‫[‪ ]39‬المعهد الوطني لإلحصاء‪ ،‬نسب البطالة ‪.2017-2016‬‬

‫[‪ ]40‬وكالة تونس افريقيا لألنباء (‪ ،)2016‬نسبة البطالة ‪ 26.6 :‬في المائة في واليات الجنوب الشرقي‪ 18( .‬فيفري)‪.‬‬

‫[‪Tunisia: Breaking the Barriers to Youth Inclusion’, Report‘ ,)2014( The World Bank ]41‬‬
‫‪.8-7 .TN, pp -89233 .No‬‬
‫[‪ xiv ]42‬نفس المصدر‪ ،‬ص‪.‬‬

‫[‪ ]43‬مشارك في ورشة عمل مع منظمات المجتمع المدني ‪ -‬تونس‪ ،‬مارس ‪.2017‬‬

‫[‪]44‬نفس المصدر‬

‫[‪ ]45‬مشارك في حلقة نقاش مع الشباب ‪ -‬سيدي حسين‪ ،‬فيفري ‪.2017‬‬

‫[‪]46‬نفس المصدر‬

‫[‪ ]47‬مقابلة مع ممثل عن المجتمع المدني – مدنين‪ ،‬جانفي ‪.2017‬‬

‫[‪,’The Geographic Trajectory of Conflict and Militancy in Tunisia‘ ,)2017( Boukhars A ]48‬‬
‫‪.July 20‬‬

‫[‪22 ,’Notes from the Ground: Tunisia’s National Youth Dialogue‘ ,)2016( Siebert L ]49‬‬
‫‪.December‬‬

‫[‪ ]50‬مقابلة مع ممثل عن المجتمع المدني – الهاي‪ ،‬جويلية ‪]50[2017‬‬

‫[‪Municipal elections: youth abstain, women to participate in greater‘ ,)2017( Dhouib H ]51‬‬
‫‪.August 22 ,’numbers‬‬

‫[‪Radicalisation et mouvements sociaux : même contexte,‘ ,)2017( Chennaoui H ]52‬‬


‫‪.April 5 ,différents combats’, Nawaat‬‬
]53[2017 ‫ جانفي‬، ‫] مشارك في حلقة نقاش مع المجتمع المدني – سيدي بوزيد‬53[

.January 23 ,’Tunisia’s ticking time bomb‘ ,)2017( .For instance, see: Mersch S ]54[

.‫ المرجع السابق ذكره‬،)2017( ‫] إينكفادا‬55[

.op. cit ,)2016( Meddeb H ]56[

Beyond Closing Mosques and Shutting Down Facebook Pages –‘ ,)2016( Fatafta M ]57[
How Tunisia Can Address the Threat of Online and Offline Terrorist Recruitment’, DGAP
.December ,24 Kompact

3 Precarious resilience: Tunisia’s Libya predicament’, op. cit. p‘ ,)2017( Meddeb H ]58[

.op. cit ,)2017( International Crisis Group ]59[

Tunisia’s unwritten story: The Complicated Lessons of a Peaceful‘ ,)2017( Marks M ]60[
March 14 ,Transition’, The Century Foundation

Tunisia’s risky war on corruption’, Carnegie Endowment for‘ ,)2017( Cherif Y ]61[
July 18 ,International Peace

‫ الصادر عن منظمة الشفافية الدولية؛‬2010 ‫] مؤشر مدركات الفساد لعام‬62[


.‫ جانفي‬25 .‫ الصادر عن منظمة الشفافية الدولية‬2016 ‫مؤشر مدركات الفساد لعام‬
.‫] الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد‬63[

,’Corruption : trois arrestations en Tunisie‘ ,)2017( op. cit. ; Le Figaro ,)2017( Cherif Y ]64[
.May 25

Corruption en Tunisie : “Les‘ ,)2017( op. cit. ; Chaouch R ,)2017( Cherif Y ]65[
arrestations coup de poing ne suffisent pas, il faut s’attaquer au système”’, Jeune
.June 30 ,Afrique

14 ,’Tunisia: Amnesty Bill Would Set Back Transition‘ ,)2016( Human Rights Watch ]66[
Tunisia parliament passes controversial economic reconciliation ,)2017( July; Saleh H
.2017 September 13 ,law

.2016 ‫ ديسمبر‬،‫] مقابلة مع ممثل عن المجتمع المدني – تونس‬67[

Tunisian authorities must end harassment of‘ ,)2017( Amnesty International ]68[
.May 5 ,independent media’, News

.op. cit ,)2017( Marks M ]69[

.op. cit ,)2017( International Crisis Group ]70[

Thieves of State: Why Corruption Threatens Global Security’, W.‘ ,)2015( Chayes S ]71[
67 .Northon & Company, p

2017 ‫ جانفي – مارس‬، ‫ مدنين وسيدي حسين‬،‫] حلقات نقاش – سيدي بوزيد‬72[

2017 ‫ جانفي‬،‫] مقابلة مع ممثل عن المجتمع المدني – مدنين‬73[

.‫ المرجع السابق ذكره‬،)2017( ‫] إينكفادا‬74[

Peripheral vision: How Europe can help preserve Tunisia’s fragile‘ ,)2017( Meddeb H ]75[
.2 .democracy’, op. cit. p
‫القسم الثالث ‪ :‬عمليات مكافحة اإلرهاب وآثارها‬

‫في عام ‪ ،2015‬وفي أعقاب هجمات باردو وسوسة‪ ،‬أعلنت الحكومة التونسية «الحرب على‬ ‫المحتوى‬
‫االرهاب» واتخذت سلسلة من االجراءات لمعالجة التحديات األمنية الملحّ ة‪ ،‬وخصّصت ‪ 20‬في‬
‫المائة من ميزانيتها الوطنية للدفاع واألمن الداخلي‪ ]76[.‬غير أنّ العديد من هذه التدابير انطوت‬ ‫القسم األول ‪ :‬ارتفاع حدّ ة المخاطر‬
‫على أساليب أمنية صارمة وقمعية‪ ،‬وهي اآلن وبعد مرور عامين ال تزال قائمة‪ ]77[.‬في هذا‬ ‫والتهديدات اإلرهابية في تونس‬
‫السياق‪ ،‬عبّر العديد ممّن تحدثنا إليهم عن استياءهم إزاء سياسة الحكومة القائمة على ر ّد الفعل‪،‬‬ ‫القسم الثاني ‪ :‬التحديات التي‬
‫وغياب استراتيجية سياسية للتصدي للتحديات التي تواجهها البالد‪ .‬وقد شعر الناس بآثار اآللية التي‬ ‫تواجهها تونس‪ ،‬كما يرى التونسيون‬
‫اعتمدتها الحكومة لمحاربة اإلرهاب على نحو مباشر وغير مباشر في جميع أنحاء البالد‪ ،‬مما زاد‬ ‫القسم الثالث ‪ :‬عمليات مكافحة‬
‫من حالة االستياء العام‪ ،‬وأضعف الشرعية التي تعتمد عليها الحكومة في ممارسة سلطاتها‪ ،‬وأوجد‬ ‫اإلرهاب وانعكاساتها‬
‫بيئة استقطاب مالئمة للمنظمات العنيفة‪.‬‬ ‫القسم الرابع ‪ :‬الدعم الدولي لمكافحة‬
‫اإلرهاب والتطرف العنيف في تونس‬
‫تجاوزات في الخط األمامي لمكافحة اإلرهاب‬ ‫مالحظات ختامية وسبل المضي قدما‬
‫المنهجية‬
‫في جويلية ‪ ،2015‬اعتمدت الحكومة قانونا لمكافحة اإلرهاب يمنح قوات األمن سلطات مراقبة‬
‫واسعة‪ ،‬ويسمح باالحتجاز االنفرادي للمشتبه بهم في قضايا «إرهابية» لمدة تصل إلى ‪ 15‬يوما‪،‬‬
‫كما يسمح بأن تكون جلسات االستماع في المحاكم مغلقة‪ ،‬وبعدم الكشف عن هوية الشهود‪ .‬وبعد‬
‫بضعة أشهر‪ ،‬أعادت الحكومة من جديد فرض حالة الطوارئ التي ت ّم إعالنها بعد ثورة ‪.2011‬‬
‫وهو ما يسمح للحكومة بفرض الرقابة على الصحافة وحظر التجمّعات التي من شأنها «اإلخالل‬
‫بالنظام العام»‪ .‬وقد ت ّم التمديد أكثر من مرة في حالة الطوارئ‪ ،‬وال تزال سارية المفعول إلى غاية‬
‫نشر هذا التقرير‪.‬‬

‫هذه الممارسات ت ّم تصويرها على أنها ضرورية لمواجهة التهديدات األمنية‪ .‬وقد ت ّم في هذا اإلطار‬
‫إيقافُ العديد من األشخاص وأفراد أسرهم واحتجا ُزهم بطريقة تعسفية‪ ،‬غالبا بسبب مظهرهم‬
‫الخارجي أو انتمائهم الديني‪ ،‬وتعرّ ضوا للمعاناة على أيدي األجهزة األمنية التي نادرا ما تتم‬
‫محاسبتها‪ ]78[.‬وحسب ما قيل لنا‪ ،‬فإنّ أحد الشبان تم القبض عليه سنة ‪ 2014‬بتهمة اإلرهاب بعد‬
‫أن داهمت الشرطة منزل والديه بشكل عنيف‪ .‬هذا الشاب قال بأنه تعرّ ض للتعذيب أثناء احتجازه‬
‫وأ ّنه تقدم بشكوى في ذلك‪ .‬ثم في ‪ ،2016‬أُسقطت عنه ُتهم اإلرهاب‪ ،‬إالّ أن شكواه لم يت ّم النظر‬
‫فيها بتاتا‪ ]79[.‬حدث ذلك رغم أنّ الحكومة أعلنت أنها وضعت سجالت تحتوي على معلومات عن‬
‫الشكاوى المقدّمة بشأن أعمال التعذيب‪ ،‬وذلك لضمان متابعتها بجدّية‪]80[.‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬منعت السلطات عددا من األشخاص من التنقل داخل البالد وخارجها‪ .‬وفي داخل‬
‫البالد‪ ،‬فرضت السلطات أوامر باإلقامة الجبرية وقيودا على السفر من منطقة إلى أخرى (يشار‬
‫إليها باإلجراء ‪ .)S17‬وفي حين قالت الحكومة بأنّ هذا اإلجراء يستهدف أفراد الجماعات العنيفة‬
‫ً‬
‫تمييزية‪ ،‬بما أنها تقوم‬ ‫و»المقاتلين في الخارج» العائدين‪َ ،‬تعتبر منظمة العفو الدولية هذه اإلجراءات‬
‫«على أساس المظهر الخارجي أو المعتقدات الدينية أو اإلدانات الجنائية السابقة [‪ ]...‬مع تجاهل‬
‫اإلجراءات القانونية الواجبة»‪ ]81[.‬ت ّم كذلك استهداف أعضاء أُسر األشخاص المشتبه بهم‪ ،‬وقد‬
‫حدثونا في هذا اإلطار عن أحد اآلباء الذي أعلم الشرطة بأنّ ابنه يخطط لمغادرة البالد واالنضمام‬
‫إلى إحدى الجماعات العنيفة‪ ،‬ففُرض على األب ذاته حظر تنقل داخلي‪]82[.‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬ال يعلم المشمولون بحظر التنقل أو السفر عموما بأنّ حريتهم في التحرك مقيّدة‪.‬‬
‫وبما أنهم ال يحصلون على نسخة مكتوبة من قرار الحظر‪ ،‬فهم غير قادرين على الطعن فيه‪]83[.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬أفاد عدد من الشبان بشكل خاص أنه جرى استجوابهم من قبل الشرطة عند‬
‫تنقلهم خارج بلداتهم األصلية رغم أنهم ال يخضعون لحظر تنقل أو سفر‪ ]84[.‬وفي ممارسة تذ ّكر‬
‫بعهد بن علي‪ ،‬ت ّم منعهم بشكل تعسفي من السفر خارج البالد في إطار الجهود الرامية إلى منع‬
‫األفراد من االنضمام إلى الجماعات العنيفة في الخارج‪]85[.‬‬

‫وقد كان لهذه الممارسات آثارا كبيرة على حياة الناس‪ ،‬إذ أنها عرقلت فرص الحصول على العمل‬
‫والتعليم والصحة‪ ،‬تاركة الكثيرين منهم يواجهون المزيد من التهميش والوصم‪ .‬لذلك خلّفت هذه‬
‫الممارسات حالة من الغضب الشديد واالستياء تجاه الدولة وقوات األمن‪ .‬وقد حدثنا ممثل للمجتمع‬
‫المدني في تونس عن رجل تم ايقافه بتهم تتعلق باإلرهاب دون أن يتم إعالم أسرته بذلك‪ .‬وقبل‬

‫رسم على الحائط في مدينة تونس يحمل‬


‫عبارة‪« :‬حرية ‪( 2‬كلم)»‪ .‬بعد الثورة‪،‬‬
‫شعر العديد من التونسيين بأن الحرية ال‬
‫تزال هدفا بعيد المنال‪.‬‬
‫الصورة لـ ‪Kloé Tricot O’Farrell, :‬‬

‫إطالق سراحه‪ ،‬توفيت والدته جرّ اء نوبة قلبية وهي تعتقد أن ابنها ذهب للقتال في سوريا‪ .‬يضيف‬
‫محدثنا‪« :‬ك ّل هذا يزيد في إثارة مشاعر الغضب تجاه األجهزة األمنية»‪]86[ .‬‬

‫األمن مقابل حقوق اإلنسان‬

‫وتستند هذه الممارسات إلى ذلك الخطاب الذي يقول بأن حماية حقوق اإلنسان وتحقيق األمن هما‬
‫بديالن متعارضان‪ .‬مثل هذه اآلراء تبقى مؤثرة ‪ :‬فقد عاش التونسيون على مدى عقود في ظل نظام‬
‫استبدادي ولكنه مستقر‪ ،‬لذلك وكما قال أحد النشطاء البارزين في المجتمع المدني‪« ،‬التونسيون‬
‫متعوّ دون على األمن‪ ،‬ال على حقوق اإلنسان»‪ ]87[.‬وتبعا لذلك‪ ،‬ت ّم اتهام منظمات حقوق اإلنسان‬
‫في وسائل اإلعالم بدعم الجماعات العنيفة وتقويض جهود أجهزة األمن من خالل «استغالل»‬
‫حقوق اإلنسان إلطالق سراح «اإلرهابيين»‪ .‬كما أنّ بعض الناس يعتقدون أن المشتبه بهم في‬
‫قضايا إرهابية يجب أال يتمتعوا بحقوق اإلنسان‪ ،‬وأن التعذيب وااليقاف التعسفي والمداهمات من‬
‫قبل أعوان الشرطة هي ممارسات ضرورية لمنع وقوع تهديدات في المستقبل‪ .‬وفي هذا السياق‪،‬‬
‫قال أحد القضاة في سيدي بوزيد إن معظم ضباط الشرطة مازالوا يفكرون ويتصرفون مثلما كانوا‬
‫يفعلون زمن بن علي‪ ،‬ذلك أن العديد منهم ظلوا بعد الثورة في وظائفهم‪ ]88[.‬وعموما‪،‬على الرغم‬
‫من المكاسب الديمقراطية التي تحققت خالل المرحلة االنتقالية‪ ،‬إال أ ّنه من الواضح أن ثقافة حقوق‬
‫اإلنسان لم تترسخ بع ُد‪.‬‬

‫ومن أجل حشد التأييد لجهودها في مكافحة اإلرهاب‪ ،‬عملت الحكومة على استنهاض الشعور‬
‫بالوطنية لدى الشعب‪ .‬ففي مارس ‪ ،2016‬دعت الحكومة جميع التونسيين إلى المساهمة في‬
‫صندوق وطني لمكافحة اإلرهاب ودعم جهود المؤسسة األمنية‪ ]89[.‬كما ت ّم تنظيم عديد الحمالت‬
‫حول ضرورة دعم جهود الحكومة في حربها ض ّد اإلرهاب‪ .‬و ُتظهر إحدى هذه الحمالت عددا من‬
‫المدنيين يؤدون التحية العسكرية وشعارهم ‪« :‬الشعب التونسي يُحيّي أجهزة األمن والجيش»‪]90[.‬‬
‫كما حدثونا عن حملة في سوسة ُتظهر صورة ألحد عناصر فرقة مقاومة اإلرهاب يحمل شعار‪« :‬‬
‫جميعنا منخرطون في مكافحة اإلرهاب»‪]91[.‬‬
‫وحسب عدد من جمعيات حقوق اإلنسان‪ ،‬تحمل هذه الممارسات في طياتها إشارات مثيرة للقلق‬
‫بشأن العودة إلى الحكومة المركزية ذات القبضة األمنية القويّة‪ .‬ويبدو أن التطورات السياسية‬
‫األخيرة تؤكد هذا االتجاه‪ .‬فقد استأنف البرلمان مؤخرا النظر في «مشروع القانون عدد ‪2015/25‬‬
‫المتعلق بزجر االعتداء على القوات المسلحة» والذي يمكن بموجبه تجريم أي شخص ينتقد‬
‫الشرطة‪ ]92[.‬هذا المشروع تم تقديمه في أعقاب الهجمات اإلرهابية التي حدثت سنة ‪ 2015‬ولكن‬
‫لم يت ّم النظر فيه بسبب ردّة الفعل القوية من جانب المجتمع المدني والهيئات الدولية‪ .‬وبعد نحو‬
‫سنتين‪ ،‬أعربت مجموعة من المنظمات غير الحكومية عن استيائها إزاء إعادة طرح مشروع‬
‫القانون‪ ،‬وانشغالها من كونه «يمنع جميع االنتقادات الموجهة للقوات المسلحة ويعزز ثقافة اإلفالت‬
‫من العقاب الراسخة أصالً في المنظومة األمنية والقضائية التونسية التي مازالت‪ ،‬منذ الثورة‪ ،‬تفتقر‪،‬‬
‫إلى ح ّد كبير‪ ،‬لإلصالح الشامل «‪]93[.‬‬

‫وفي نفس الوقت‪ ،‬لم يتم إرساء الضمانات الالزمة لمنع تجاوز السلطة‪ ]94[.‬فلئن تم ّتع التونسيون‬
‫بقدر كبير من حرية التعبير والتجمّع وتكوين الجمعيات منذ ثورة ‪ ،2011‬إال أنّ الحكومة زادت‬
‫مؤخرا من رقابتها على منظمات المجتمع المدني‪ .‬ففي شهر جوان‪ ،‬طالبت الحكومة الجمعيات‬
‫بالكشف عن مصادر جميع األموال التي تتلقاها من الخارج أو أن تتعرض للح ّل في حالة عدم‬
‫االمتثال‪ .‬كما اقترحت الحكومة تعديل المرسوم الحالي المتعلق بالجمعيات لمعالجة بعض أوجه‬
‫القصور فيه‪ ،‬إال أنّ منظمات المجتمع المدني تخشى أن يتحول ذلك إلى محاولة لفرض قيود على‬
‫حرية العمل المدني‪ ]95[.‬وقد ت ّم‪ ،‬منذ ‪ ،2011‬إنشاء العديد من آليات مساءلة الدولة بشأن مسائل‬
‫تتعلق بحقوق اإلنسان‪ ،‬والتعذيب‪ ،‬والفساد‪ ،‬ومكافحة اإلرهاب‪ ،‬إال أنّ هذه اآلليات والهيئات تصارع‬
‫من أجل القيام بعملها بسبب افتقارها إلى الدعم السياسي والمالي‪ .‬وهو ما يعكس‪ ،‬في نظر البعض‪،‬‬
‫عدم رغبة من جانب السلطات في رؤية هذه الهيئات تقوم بدور رقابي فاعل ‪:‬‬

‫«يقولون [أي الحكومة] لدينا مصاعب مالية كبرى‪ ،‬لكننا نعرف أن األموال موجودة‪ .‬وفي الوقت‬
‫نفسه‪ ،‬يزعمون أنه ال يوجد تعذيب ‪ ..‬ربما ال يريدون أن تكون الهيئة قادرة على العمل على النحو‬
‫األمثل «‪]96[.‬‬

‫الظروف الصعبة لسكان المناطق الحدودية‬

‫المناطق الحدودية هي من بين المناطق التي تأثر سكانها سلبا ً بالتدابير األمنية التي ت ّم اتخاذها في‬
‫إطار مكافحة اإلرهاب‪ .‬فقد اتخذت الحكومة التونسية اجراءات للتصدي للخطر الذي تشكله أكثر‬
‫من ‪ 1400‬كلم من الحدود التي يسهل اختراقها‪ .‬وفي المناطق الحدودية الشرقية‪ ،‬سعت الحكومة‬
‫إلى عسكرة الحدود من أجل التصدي لتداعيات النزاع في ليبيا ومنع توغل الجماعات العنيفة في‬
‫التراب التونسي‪ .‬وقد أدى ذلك إلى فرض قيود شديدة على التجارة غير الرسمية عبر الحدود‪ ،‬والتي‬
‫يعتمد عليها العديد من الناس في تلك المناطق لكسب رزقهم‪ ،‬وهو ما أسفر عن حدوث مواجهات‬ ‫قوات األمن التونسي تواصل مالحقة‬
‫بين المواطنين وقوات األمن خالل احتجاجات تتسم بكثير من التوتر‪ ]97[.‬وبسبب الشلل االقتصادي‬ ‫إرهابيين مرتبطين بتنظيم القاعدة في جبل‬
‫َ‬
‫إغالق الحدود‬ ‫والعنف الذي تسببه هذه االجراءات‪ ،‬اعتبر األشخاص الذين تحدثنا إليهم في مدنين‬ ‫الشعانبي‪.‬‬
‫كمصدر لالحتقان وانعدام األمن‪ ]98[.‬هذه الهواجس‪ ،‬باإلضافة إلى عدم قدرة الحكومة على توفير‬ ‫الصورة لـ‪ :‬مغاربية‬

‫وعلى مقربة من الحدود التونسية الغربية مع الجزائر‪ ،‬قامت الحكومة بعمليات قصف جوي وأعلنت‬
‫ً‬
‫منطقة عسكرية مغلقة‪ ،‬بحيث ال يمكن دخولها‬ ‫المنطقة التي أقامت فيها الجماعات العنيفة معاقل لها‬
‫إالّ بترخيص‪ ]100[.‬ومع تقويض سبل عيشهم وتعرضهم لمخاطر انعدام األمن بشكل كبير‪ ،‬زاد‬
‫شعور السكان المحليين باإلحباط واالستياء‪ ،‬بسبب غياب اإلرادة السياسية لتلبية احتياجاتهم ومعالجة‬
‫مشاغلهم‪ ]101[.‬وعلى الرغم من أنّ المجتمعات المحلية ال تدعم عاد ًة هذه الجماعات العنيفة ‪،‬‬
‫إالّ أن بعضها أقام عالقات سلمية مع هذه الجماعات لضمان سبل عيشهم وأمنهم‪ .‬وكما قال أحد‬
‫الصحفيين المتابعين عن كثب لألحداث الجارية في هذا الجزء من البالد‪« :‬ستبقى جميع الحلول‬
‫األمنية والعسكرية عاجزة ما لم تكن مصحوبة بحلول اقتصادية تعزز النسيج االجتماعي في الجبال‬
‫من أجل مكافحة اإلرهاب»‪]102[.‬‬

‫والحاجة إلى مثل هذه التدابير ال تخفى على الحكومة التونسية‪ .‬فقد أقرّ وزير الخارجية خميس‬
‫الجهيناوي مؤخرا بالحاجة إلى «مقاربة شاملة ضد «تنظيم الدولة اإلسالمية» ُت ِّ‬
‫عزز النمو‬
‫االقتصادي والتشغيل‪ ،‬خصوصا بالنسبة إلى الشباب»‪ ]103[.‬غير أنّ المنافع االجتماعية‬
‫تأخر وصولها وسط أزمة‬ ‫واالقتصادية والسياسية التي يتعين أن تكون جزءا من هذه المقاربة ّ‬
‫اقتصادية حادّة ووضع سياسي هش‪]104[.‬‬

‫كسب القلوب والعقول ؟‬

‫سعت الحكومة إلى تطوير خطاب يمنح الشباب إحساسا بالهدف وشعورا باالنتماء كبديل عن خطاب‬
‫الجماعات العنيفة‪ ]105[.‬فقد سلّطت إحدى الحمالت الضوء على التجارب اإليجابية ألصحاب‬
‫مشاريع وك ّتاب وفنانين تونسيين كلّهم من الشباب‪ .‬وكان الهدف من ذلك إلهام الشباب مع تمرير‬
‫رسالة مفادها ضرورة االعتماد على النفس لتحقيق النجاح‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬قال لنا أحد المسؤولين‬
‫في الدولة‪« :‬في السياق الحالي‪ ،‬ال يمكنك التعويل على الدولة لمعالجة مشاكل الشباب‪ .‬هذا ليس‬
‫ممكنا «‪ ]106[.‬غير أنّ مِثل هذه الرسائل ال يمكن أن تصل إلى الفئات المستهدفة ما لم تصاحبها‬
‫جهود متظافرة من أجل توفير فرص حقيقية لهؤالء الشباب‪.‬‬

‫من ناحية أخرى‪ ،‬تنطوي بعض الجهود الرامية إلى منع الشباب من االنضمام إلى الجماعات‬
‫العنيفة على خطر مزيد تهميش األفراد والجماعات الذين هم أصالً على هامش المجتمع‪ .‬ولئن كان‬
‫الكثيرون يتطلعون إلى الدين بحثا عن هوية ذات معنى‪ ،‬فقد سعت الحكومة إلى استعادة السيطرة‬
‫على المجال الديني من خالل إغالق الجمعيات الدينية والمساجد التي يسيطر عليها المتطرّ فون أو‬
‫استبدال األئمة الذين يُع َتبر خطابهم متطرفا‪ ،‬عوض العمل على تعزيز التنوع الديني السلمي‪ .‬وفي‬
‫المقابل‪ ،‬يرى البعض أن التصدي لرجال الدين والمؤسسات التي تحرّ ض على العنف صار مطلوبا‬
‫بعد الثورة التي فتحت مجاال سياسيا واسعا وسمحت حتى لدعاة العنف بالتعبير عن أنفسهم‪ .‬ومع‬
‫ذلك‪ ،‬فمن الضروري التمييز بين المعالجة القضائية للتحريض على العنف واعتماد سياسة شاملة‬
‫تقمع الفكر والمعتقد والممارسة الدينية‪ .‬وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن أولئك الذين يش ّككون في شرعية‬
‫الدولة من المحتمل أيضا أن يشككوا في صيغة اإلسالم التي تحاول الدولة تعزيزها في ظ ّل غياب‬
‫جهد أوسع لكسب الثقة من خالل التوجه نحو اإلصالح واتخاذ التدابير الرامية إلى معالجة التهميش‪.‬‬
‫هذه الجهود قد تؤدي إلى «عزل» قطاعات السكان المحافظة أو الدينية التي يمكن بدورها أن تتطلع‬
‫إلى دعم أو االنضمام إلى مجموعات «أكثر ترحيبا»‪]107[.‬‬

‫معضلة العائدين من جبهات القتال‬

‫عديد القضايا التي تناولناها أعاله ت ّتخذ أبعادا جديدة نظرا للقلق الذي يساور السلطات التونسية إزاء‬
‫مسألة عودة المقاتلين من جبهات القتال بالخارج‪ .‬ويُعت َقد أنّ ما بين ‪ 600‬و ‪ 800‬من التونسيين الذين‬
‫كانوا قد انضموا إلى جماعات عنيفة في سوريا وليبيا والعراق قد عادوا فعال إلى تونس‪]108[.‬‬
‫ّ‬
‫وينظموا عمليات عنيفة‬ ‫ومن المحتمل أن يعود مقاتلون آخرون من هذه الجماعات بأعداد متزايدة‬
‫في تونس‪ ،‬فاألفراد واألسر الذين سافروا إلى الخارج للمساهمة في إقامة الخالفة يمكن أن يسعوا‬
‫لتحقيق نفس الهدف في وطنهم‪]109[.‬‬

‫وقد أثار النقاش حول أفضل السبل لمواجهة هذا التحدي جدال واسعا‪ .‬وفي نهاية ‪ ،2016‬أعلن‬
‫رئيس الحكومة يوسف الشاهد أن «[العائدين من جبهات القتال] سيت ّم ايقافهم فور وصولهم إلى‬
‫التراب التونسي وستت ّم محاكمتهم بموجب قانون مكافحة اإلرهاب»‪]110[.‬‬

‫وهذا أمر يثير القلق على عديد مستويات‪ ،‬ليس أقلّها أن السجون التونسية تحتاج إلى إصالح وأنها‬
‫أثبتت في السابق أنها تش ّكل أرضية خصبة لنموّ الحركات العنيفة‪ ]111[.‬فبسبب اإلفراط في سياسة‬
‫االيقاف التحفظي‪ ،‬والتي تعززت بعد اعتماد قانون عام ‪ 2015‬بشأن مكافحة اإلرهاب‪ ،‬تعرف‬
‫السجون التونسية اكتظاظا شديدا ‪ .‬وفي هذه البيئة‪ ،‬ال يت ّم الفصل بين السجناء المحكوم عليهم‬
‫والموقوفين الذين ينتظرون المحاكمة‪ ،‬وكلهم يعيشون في ظروف مزرية‪]112[.‬‬

‫هذه العوامل‪ ،‬المثيرة للقلق في ح ّد ذاتها‪ ،‬سهّلت عمليات االستقطاب التي تقوم بها الجماعات العنيفة‪.‬‬
‫[‪ ]113‬فحسب اإلدارة العامة للسجون واإلصالح‪« :‬سيتسبّب االكتظاظ في الشعور باإلحباط وتنامي‬
‫العنف والتوتر‪ ،‬وهو ما سيؤدي بالسجناء إلى البحث عن الحماية عبر االنضمام أو االنتماء إلى‬
‫الجماعات المتطرفة العنيفة‪ ،‬بما أنها تو ّفر الرعاية النفسية والمادية التي ال تو ّفرها إدارة السجن»‪.‬‬
‫[‪ ]114‬وكما قال لنا أحد األشخاص الذين تحدثنا إليهم‪« :‬البعض يدخلون السجن بسبب ارتكابهم‬
‫لمخالفات بسيطة‪ ،‬ويخرجون منه إرهابيون»‪ ]115[.‬وعالوة على ذلك‪ ،‬ورغم أنه من الصعب‬
‫إثبات ما إذا كان األفراد قد ارتكبوا جرائم بالفعل[‪ ،]116‬تم وضع بعض العائدين تحت اإلقامة‬
‫الجبرية وإخضاعهم لمراقبة دقيقة من قبل الشرطة‪ ،‬وهي ممارسة يرى البعض أنها مثيرة للقلق‬
‫نظرا لكونها تت ّم خارج إطار القانون وضمن اإلطار األوسع للتدابير األمنية الطارئة‪.‬‬

‫خطوات في االتجاه الصحيح ؟‬

‫ومع ذلك‪ ،‬فقد ت ّم مؤخرا اتخاذ بعض الخطوات التقدمية لمعالجة بعض العوامل المسبّبة لعدم‬
‫االستقرار في تونس‪ .‬ومن بين هذه الخطوات تعديل القانون القمعي المتعلق بالمخدرات (قانون‬
‫عدد ‪ )52‬الذي يفرض عقوبة السجن لمدة عام على أي شخص يتم القبض عليه في حالة تعاطي‬
‫أو حيازة المخدرات‪ ،‬ولو لكمية صغيرة‪ ،‬بما في ذلك القنب الهندي‪ ،‬ويفرض عقوبة السجن لمدة‬
‫خمس سنوات على األقل للذين يتم القبض عليهم مجددا‪ ]117[.‬هذا القانون العقابي ساهم بشكل‬
‫كبير في حالة االكتظاظ داخل السجون التونسية وله آثار مدمرة على الشباب بوجه خاص‪]118[.‬‬
‫وقد تم مؤخرا اعتماد تعديل يمنح القضاة سلطة فرض أحكام بديلة عن السجن‪ ]119[.‬وهذا في ح ّد‬
‫ذاته أمر بالغ األهمية‪ :‬فالسجناء السابقون ال يمكنهم الحصول على التعليم والعمل في وظائف معيّنة‬
‫إنْ هم قضّوا أكثر من ثالثة أشهر في السجن؛ وحتى بعد إطالق سراحهم‪ ،‬يمكن أن يمنع الوصم‬
‫السجناء السابقين من الشباب من التمتع بحياتهم االجتماعية واألسرية‪ ،‬ومن الزواج وإنشاء أسرة‪.‬‬
‫هي خطوة إيجابية بالفعل‪ ،‬إال أنّ البعض داخل الجهازين القضائي واألمني‪ ،‬حسب ما قال لنا خبير‬
‫في مكافحة الفساد‪ ،‬يعارضون الجهود الرامية إلى إصالح قانون المخدرات ألنهم يستفيدون منه‪ ،‬بما‬
‫في ذلك في شكل رشاوى ُتد َفع ليت ّم غضّ الطرف عن بعض القضايا‪]120[.‬‬

‫وعلى الرغم من الضغوط المتزايدة على منظمات المجتمع المدني‪ ،‬فقد لعبت هذه المنظمات دورا‬
‫هاما في مراقبة عمل الحكومة ومساءلتها‪ .‬وقد قال البعض ممن تحدثنا إليهم أنه على الرغم من‬
‫وجود بعض التردد الحكومي حول مشاركة منظمات المجتمع المدني بشكل جوهري في مناقشة‬
‫المسائل الحساسة‪ ،‬توجد رغبة في إشراك المجتمع المدني في كيفيّة معالجة الشواغل األمنية للبالد‪.‬‬
‫وفي المقابل‪ ،‬يرى آخرون أن هذا ال يعكس استعدادا من جانب الحكومة للسماح لمنظمات المجتمع‬
‫المدني بالمساعدة في صياغة المقاربات األمنية‪ ،‬بقدر ما يعكس سعي الحكومة الستمالة المجتمع‬
‫المدني لخدمة استراتيجياتها في مكافحة اإلرهاب‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬تساءل البعض عمّا إذا كانت‬
‫مشاركتهم في الندوة التي نظمتها مؤخرا اللجنة الوطنية لمكافحة اإلرهاب حول إعادة اإلدماج‬
‫المجتمعي للمقاتلين العائدين من بؤر التوتر ال تعدو أن تكون مجرد مشاركة شكلية‪]121[.‬‬

‫المضي قدما في مكافحة اإلرهاب‬


‫ّ‬ ‫سبل‬

‫على الرغم من الخطوات اإليجابية التي ت ّم اتخاذها‪ ،‬ال يزال هناك الكثير مما ينبغي القيام به‬
‫من أجل معالجة ممارسات الدولة المثيرة للجدل والتصدّي للعوامل الرئيسية لعدم االستقرار في‬
‫المستقبل‪ .‬وقد ُبذِلت بعض الجهود في إطار المسار االنتقالي‪ ،‬ولكن على ما يبدو ت ّم استغالل‬
‫التأخر في القيام باإلصالحات المطلوبة‪ .‬فقد أشار الكثيرون ممّن تحدثنا‬ ‫ّ‬ ‫الوضعية األمنية لتبرير‬
‫إليهم إلى عدم رغبة البعض داخل الحكومة‪ ،‬وخاصة داخل وزارة الداخلية‪ ،‬في السير على درب‬
‫اإلصالحات‪ ،‬وهو ما يؤدّي إلى عودة الممارسات القمعية‪ .‬وبشكل أكثر تحديدا‪َ ،‬يعتبر البعض أنّ‬
‫مقاومة التغيير تعود إلى الخشية من أن يهدّد االنتقال الديمقراطي االمتيازات التي يتيحها الفساد‬
‫واإلفالت من العقاب‪.‬‬

‫بعد الثورة‪ ،‬ت ّم إطالق مسار للعدالة االنتقالية من أجل التحقيق في االنتهاكات الجسيمة لحقوق‬
‫اإلنسان التي ارتكبتها الدولة التونسية في الفترة من ‪ 1955‬وحتى ‪ .2013‬وكان الغرض من ذلك‬
‫القطع مع الماضي‪ ]122[.‬غير أنّ المنظمات التي ترصد هذا المسار تؤكد أن ممارسة التعذيب‬
‫ال تزال قائمة‪ ،‬خصوصا ضد المشتبه بهم في قضايا إرهابية‪ ]123[.‬وفي حين يُشِ يد المسؤولون‬
‫بانخفاض حاالت التعذيب‪َ ،‬تعتبر هذه المنظمات أنّ انخفاض عدد الشكاوى المقدّمة إ ّنما يعكس مناخ‬
‫اإلفالت من العقاب والخوف من االنتقام‪]124[.‬‬

‫مسألة أخرى لها عالقة جوهرية بالسلم واألمن في تونس هي الفساد‪ ،‬إذ أ ّنه يؤثر سلبا ً على نظرة‬
‫الناس للجهاز األمني وعالقتهم به‪ ،‬ويمكن أن يقوّ ض بسهولة فعالية الجهود الرامية إلى التصدي‬
‫للعنف‪ .‬وعلى الرغم من االعتراف بالفساد باعتباره مسألة بالغة األهمية بالنسبة للبالد‪ ،‬فثمّة نزوع‪،‬‬
‫حسب ما قال لنا أحد الفاعلين في المجتمع المدني‪ ،‬إلى التغاضي عن الفساد داخل المؤسسة األمنية‬
‫بالنظر إلى دورها كحصن أساسي ضد «اإلرهاب» و»التطرف العنيف»‪ ]125[.‬أما بالنسبة‬
‫ُمثل الفساد نعمة لهم على أكثر من صعيد‪ .‬يقول أحد الخبراء التونسيين‬ ‫للمجموعات العنيفة‪ ،‬ي ّ‬
‫في مجال مكافحة الفساد‪« :‬تعتمد الجماعات العنيفة على التهريب من أجل ضمان بقاءها المالي‬
‫والمادي‪ ،‬وال يمكن أن تت ّم عمليات التهريب دون وجود فساد في أجهزة الدولة»‪ .‬وفي إشارة‬
‫إلى ترسانات األسلحة التي ت ّم العثور عليها في تونس في السنوات األخيرة‪ ،‬أضاف الخبير قائال‬
‫‪« :‬توجد عديد نقاط المراقبة من أجهزة الديوانة والجيش واألمن‪ ،‬لذلك ال يمكن القيام بذلك دون‬
‫تواطؤ رسمي»‪]126[.‬‬

‫وفي الوقت الذي قدّم فيه المجتمع الدولي دعما أمنيا للحكومة التونسية خالل هذه الفترة التي تنطوي‬
‫على تحديات جمّة‪ ،‬برزت عديد أوجه القصور في المقاربة التونسية لمكافحة اإلرهاب‪ ،‬وهو ما كان‬
‫له أثره على عديد المسائل التي من شأنها أن تش ّكل خطرا على استقرار البالد‪ .‬يجب أن تستخدم‬
‫الجهات الفاعلة الدولية نفوذها كشركاء استراتيجيين لتعزيز ودعم الجهود الرامية إلى احترام حقوق‬
‫اإلنسان والتصدي للفساد وضمان عملية المساءلة‪ ،‬وأن تقوم بكل ما في وسعها لتشجيع الحكومة‬
‫والمجتمع المدني على بناء توافق بشأن التقدّم المطلوب إحرازه في هذه المجاالت‪.‬‬

‫حاشية سفلية‬

‫[‪Aid Remains Key to a Counter-ISIS Plan, Tunisia Says’, USIP‘ ,)2017( Strasser F ]76‬‬
‫‪.March 16 ,Analysis and Commentary‬‬

‫[‪Precarious resilience: Tunisia’s Libya predicament’, op. cit.‘ ,)2017( Ibid. ; Meddeb H ]77‬‬
‫‪.6 p‬‬

‫[‪We want an end to the fear”: Abuses under Tunisia’s“‘ ,)2017( Amnesty International ]78‬‬
‫‪February 13 ,’state of emergency‬‬

‫[‪ ]79‬مقابلة هاتفية مع ممثل عن المجتمع المدني – جوان ‪.2016‬‬

‫[‪/27/6.ref A/HRC/WG ,)2017( Tunisian Report to the UN Human Rights Council ]80‬‬
‫‪.13 February, p 20 ,1/TUN‬‬

‫[‪We want an end to the fear”: Abuses under Tunisia’s“‘ ,)2017( Amnesty International ]81‬‬
‫‪.state of emergency’, op. cit‬‬

‫[‪ ]82‬مقابلة مع ممثل عن المجتمع المدني – تونس‪ ،‬أكتوبر ‪.2016‬‬

‫[‪.October 24 ,’Tunisia: Abusive House Arrests‘ ,)2016( Human Rights Watch ]83‬‬

‫[‪ ]84‬مقابلة مع ممثل عن المجتمع المدني – تونس‪ ،‬ديسمبر ‪.2016‬‬

‫[‪July 10 ,’Tunisia: Arbitrary Travel Restrictions‘ ,)2015( Human Rights Watch ]85‬‬
‫[‪ ]86‬مقابلة مع ممثل عن المجتمع المدني – تونس‪ ،‬أكتوبر ‪.2016‬‬

‫[‪ ]87‬مقابلة مع ممثل عن المجتمع المدني – تونس‪ ،‬أكتوبر ‪.2016‬‬

‫[‪ ]88‬مقابلة مع قاضي من سيدي بوزيد – جانفي ‪.2017‬‬

‫[‪Tunisie: les autorités appellent aux dons pour la‘ ,)2016( Agence France Presse ]89‬‬
‫‪.March 12 ,’lutte contre le terrorisme‬‬

‫[‪.July 23 ,’Les médias lancent une campagne contre le terrorisme‘ ,)2014( Kapitalis ]90‬‬

‫[‪ ]91‬مقابلة – تونس‪ ،‬مارس ‪.2017‬‬

‫[‪ ]92‬مشروع قانون عدد ‪ 2015/25‬يتعلق بزجر االعتداءات على القوات المسلحة‪.‬‬
‫ " نداء إلى نوّ اب الشعب إللغاء النظر في مشروع القانون‬،)2017( ‫] رسالة موجهة إلى أعضاء مجلس نواب الشعب‬93[
.‫ جويلية‬26 ،" ‫المتعلق بزجر االعتداء على القوات المسلحة‬

.April 28 ,’No to Terrorism, Yes to Human Rights‘ ,)2016( Human Rights Watch ]94[

,Civic Freedom Monitor: Tunisia ,)2017( International Centre for Not-for-Profit Law ]95[
.June 23 ,’Tunisia cracks down on NGOs‘ ,)2017( July; Nadhif A 27

.2016 ‫ ديسمبر‬،‫] مقابلة – تونس‬96[

.7 Precarious resilience: Tunisia’s Libya predicament’, op. cit. p‘ ,)2017( Meddeb H ]97[

.2017 ‫ جانفي‬،‫] حلقات نقاش ومقابالت – مدنين‬98[

Tunisia’s borders: Jihadism and Contraband’,‘ ,)2013( International Crisis Group ]99[
.November 28 ,148 Report

Tunisie : Arrêté républicain déclarant zone militaire‘ ,)2014( Tunisie Afrique Presse ]100[
Tunisia bombs Islamist militants in‘ ,)2013( April; Amara T 16 ,’fermée les monts Chaambi
.August 12 ,’mountain hideouts

.op. cit ,)2017( Hamza Meddeb ]101[

.Tunisia’s poor population face death by terrorists’, op. cit‘ ,)2017( Nadhif A ]102[

.op. cit ,)2017( Strasser F ]103[

.op. cit ,)2017( International Crisis Group ]104[

.2017 ‫ مارس‬،‫] مقابلة مع مسؤول حكومي تونسي – تونس‬105[

.‫] نفس المصدر‬106[

.op. cit ,)2015( Fahmi G, Meddeb H ]107[

Tunisian foreign fighters to be dealt with under anti-terrorism‘ ,)2016( Argoubi M ]108[
.December 30 ,’law: PM

.2016 ‫ أكتوبر‬،‫] مقابلة مع ممثلي المجتمع المدني – تونس‬109[

.op. cit ,)2016( Argoubi M ]110[

Tunisia: Returning jihadists highlight desperate need for prison‘ ,)2017( Djilali E ]111[
.February 28 ,’reform

Detention in Tunisia: Sanctions that go beyond‘ ,)2015( Avocats Sans Frontière ]112[
,)2016( April; Euro-Mediterranean Human Rights Monitor 13 ,’deprivation of liberty
.October 6 ,’Tunisia guilty of medieval practices in prisons, detention centers‘

.op. cit ,)2017( Djilali E ]113[

Handbook on the Management‘ ,)2016( United Nations Office on Drugs and Crimes ]114[
of Violent Extremist Prisoners and the Prevention of Radicalization to Violence in
12 Prisons’, p

.2016 ‫ أكتوبر‬،‫] مقابلة مع ممثلي المجتمع المدني – تونس‬115[

25 ,’Tunisia Fears the Return of Thousands of Young Jihadists‘ ,)2017( Gall C ]116[
.February

.January 19 ,’Tunisia: Amend Draft Drug Law‘ ,)2017( Human Right Watch ]117[

.World Report ,’2016 Tunisia: Events of‘ ,)2017( Human Rights Watch ]118[

a été amendée: “Une étape 52 Tunisie - La loi‘ ,)2017( HuffPost Tunisie ]119[
.April 25 ,’considérable franchie” se félicite l’avocat Ghazi Mrabet

.2017 ‫ جويلية‬،‫] مقابلة مع ممثل عن المجتمع المدني – الهاي‬120[


.’Returning Foreign Terrorist Fighters Workshop in Tunisia‘ ,)2017( Hedayah Centre ]121[

.’Tunisia launches Truth and Dignity Commission‘ ,)2014( UNDP ]122[

L’impunité, pourquoi ? Analyse des‘ ,)2016( Organisation mondiale contre la torture ]123[
.21-20 pp ,2016 dossiers juridiques’, Annual report, December

.2016 ‫] مقابلة هاتفية مع ممثل عن المجتمع المدني – جوان‬124[

.2016 ‫ ديسمبر‬،‫] مقابلة مع ممثل عن المجتمع المدني – تونس‬125[


‫القسم الرابع‪ :‬الدعم الدولي لمكافحة اإلرهاب‬
‫والتطرف العنيف في تونس‬

‫ترتبط تونس بالديناميكيات العالمية‪ ،‬وتلعب الجهات الفاعلة الدولية دورا في تشكيل مسار البالد من‬ ‫المحتوى‬
‫عطى األولوية لمكافحة‬‫خالل المساعدات التي تقدمها للحكومة ومنظمات المجتمع المدني‪ .‬وعندما ُت َ‬
‫اإلرهاب والتطرف العنيف في تونس[‪ ،]127‬فإن الدعم الدولي‪ ،‬حسب محلل مقيم في تونس التقينا‬ ‫القسم األول ‪ :‬ارتفاع حدّة المخاطر‬
‫به خالل قيامنا بهذا البحث‪« ،‬يؤثر في فهم هذه الظاهرة وطرق التصدي لها ومعالجتها»[‪]128‬‬ ‫والتهديدات اإلرهابية في تونس‬
‫القسم الثاني ‪ :‬التحديات التي‬
‫وعالوة على ذلك‪ ،‬فإن جهود الجهات الفاعلة الغربية للتعامل مع التهديدات األمنية عن بُعد تؤثر‬ ‫تواجهها تونس‪ ،‬كما يرى التونسيون‬
‫على نوع الدعم المقدَّم وكيفية تقديمه‪ .‬وبالتالي‪ ،‬تهدف تدخالتهم إلى بناء قدرات المؤسسات األمنية‬ ‫القسم الثالث ‪ :‬عمليات مكافحة‬
‫والقضائية في تونس‪ ،‬مع دعم الكيانات الحكومية وغير الحكومية التي ُتعتبر ذات صلة بالجهود‬ ‫اإلرهاب وانعكاساتها‬
‫الرامية للح ّد من االستقطاب في الجماعات العنيفة‪.‬‬ ‫القسم الرابع ‪ :‬الدعم الدولي لمكافحة‬
‫اإلرهاب والتطرف العنيف في تونس‬
‫مالحظات ختامية وسبل المضي قدما‬
‫المنهجية‬

‫رئيس البرلمان األوروبي آنذاك مارتن‬


‫شولتز يلقي خطابا أمام مجلس نواب‬
‫الشعب‪ ،‬تونس‪.‬‬
‫الصورة لـ‪ :‬االتحاد األوروبي ‪– 2016‬‬
‫البرلمان األوروبي‪.‬‬

‫األمن أوال‬

‫منذ ‪ ،2015-2014‬زادت الجهات الفاعلة الغربية‪ ]129[،‬على غرار الواليات المتحدة والمملكة‬
‫المتحدة وفرنسا وألمانيا واالتحاد األوروبي‪ ،‬من مساعداتها األمنية لتونس‪ ]130[.‬فقد ت ّم توفير‬
‫التدريب والمعدات للشرطة والجيش التونسيين‪ ،‬عالوة على مساعدات تتعلق بمراقبة الحدود‬ ‫الصورة المصاحبة للعنوان الرئيسي ‪:‬‬
‫حواجز وأبراج مراقبة وخنادق أنشأتها‬
‫واالستخبارات والتخطيط االستراتيجي‪ ،‬وذلك بهدف تعزيز قدرات الحكومة على مكافحة اإلرهاب‬
‫تونس على طول حدودها مع ليبيا لمنع‬
‫والتصدي لتداعيات النزاع في ليبيا‪ .‬وفي حين رحّ ب الكثيرون في تونس بهذه المساعدة‪ ،‬انتقد عدد‬ ‫تسلل األسلحة واإلرهابيين‪.‬‬
‫من الفاعلين من المجتمع المدني تدخالت الجهات الفاعلة الغربية في تونس بسبب غياب التنسيق‬ ‫الصورة لـ‪Anadolu Agency/ :‬‬
‫والرؤية طويلة المدى‪ ،‬مما قد يؤدي بها‪ ،‬عن غير قصد‪ ،‬إلى تعزيز بعض الممارسات التي هي في‬ ‫‪Getty‬‬
‫األصل تسعى لمعالجتها‪ .‬فالمساعدات األجنبية في رأيهم ال ينبغي أن تقتصر على تعزيز قدرات‬
‫ّ‬
‫تحث الحكومة على أن ت ّتسم بأكثر شفافية وقابلية‬ ‫الحكومة التونسية فحسب‪ ،‬بل ينبغي لها أيضا أن‬
‫للمساءلة وأن تحترم حقوق اإلنسان وتمتثل لسيادة القانون‪ ]131[.‬على هذا النحو‪ ،‬أشار العديد منهم‬
‫حث الدولة التونسية على اإلقدام على إصالحات حقيقية في إطار‬‫إلى فشل المجتمع الدولي في ّ‬
‫استراتيجية سياسية متماسكة‪.‬‬

‫وبإعطائها األولوية لبناء القدرات على حساب اإلصالحات‪ ،‬فإن تدخالت الجهات الفاعلة الغربية قد‬
‫تؤدي إلى تشديد أو التغاضي عن السلوك المثير للجدل لبعض الجهات الحكومية‪ ،‬والذي أدّى إلى‬
‫تفاقم التوتر واالحتقان‪ ،‬ومن َث ّم اللجوء إلى أعمال العنف‪ .‬وهذا ال يعني أن تعزيز قدرات الدولة‬
‫لحماية مواطنيها وشعبها على أراضيها ليس باألمر الضروري‪ ،‬بل هو ضروري بالفعل‪ ،‬مثلما برز‬
‫ذلك من خالل التصدّي غير الناجع لهجوم سوسة‪ ]132[.‬ومع ذلك‪ ،‬ينبغي على المجتمع الدولي أن‬
‫يدرك أيضا مسؤولية الدولة التونسية في عدم معالجة المظالم االجتماعية والتي تكون سببا للجوء‬
‫إلى العنف‪ ،‬سواء كان ذلك من خالل الممارسات األمنية واجراءات مكافحة اإلرهاب القمعية‪ ،‬أو‬
‫بسبب ضعف الجهود المبذولة لمعالجة التهميش والفقر وعدم المساواة‪.‬‬

‫ولألسف‪ ،‬فإن الدعم «االستثنائي» الذي تقدّمه الجهات الفاعلة الغربية لتونس[‪ ]133‬يُضفي إلى ح ّد‬
‫ما الشرعية على أعمال الحكومة‪ .‬فالمؤسسات األمنية‪ ،‬على وجه الخصوص‪ ،‬التي تتلقى مساعدات‬
‫كبيرة‪ ،‬تستفيد من هذا الدعم رغم أنها من أكثر المؤسسات التي تقاوم اإلصالح‪ .‬فعلى سبيل المثال‪،‬‬
‫أفادت التقارير بأن العديد من برامج إصالح القطاع األمني التي تحظى برعاية دولية قد توقفت‬
‫جراء العوائق الحكومية‪ .‬ويرى البعض أن ذلك يعود إلى أن وزارة الداخلية تستفيد من الوضع‬
‫الراهن و»لها القوة الكافية لإلبقاء عليه»‪ ]134[.‬وقد حدثنا البعض عن وجود انقسامات داخل‬
‫الوزارة‪ ،‬حيث يسعى ك ّل شِ ّق لحماية مصالحه وتحقيق أهدافه الخاصة‪]135[.‬‬

‫وقد شدّد الكثيرون‪ ،‬بما في ذلك الجهات الفاعلة الغربية‪ ،‬على أهمية إصالح وزارة الداخلية من أجل‬
‫ضمان قدر أكبر من الشفافية والمساءلة واحترام حقوق اإلنسان‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ففي السياق الحالي الذي‬
‫«إصالح المؤسسة األمنية بالمعنى األعمق يتصدّر‬
‫َ‬ ‫يُعت َبر فيه تأمين البالد أولوية قصوى‪ ،‬ال نجد‬
‫ُ‬
‫جدول أعمال أي طرف»‪ ]136[.‬وعلى هذا النحو‪ ،‬وحسب العديد ممّن أجريت معهم المقابالت‪ ،‬فإن‬
‫المجتمع الدولي «يوفر المعدات والتجهيزات بقطع النظر عن إصالح المؤسسة األمنية من عدمه‪،‬‬
‫ألن المساعدات ُتقدَّم أوال وبالذات العتبارات استخبارية»‪ ]137[.‬وكما أشار أحد المحللين األمنيين‪،‬‬
‫فإنّ «توفير التدريب والمعدات‪ ،‬وهو ما تحتاجه الحكومة التونسية‪ ،‬هو وسيلة للمجتمع الدولي‬
‫لشراء النفوذ‪ ،‬وهو أمر ينطوي على عديد اإلشكاليات «‪]138[.‬‬

‫وهذا ال يعني أنه لم ُت َبذل أية جهود إيجابية‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬تم دعم برامج الشرطة‬
‫المجتمعية[‪ ]139‬ومشاريع مبتكرة لبناء السلم[‪ ]140‬في مناطق مختلفة من البالد‪ ،‬وهي طريقة‬
‫جيّدة لتعزيز توفير األمن على نحو أكثر قابلية للمساءلة وأكثر ارتباطا بشواغل الناس‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬
‫فإن الضغوط غير الكافية على الحكومة للقيام باإلصالحات الهيكلية الضرورية يجعل الدعم الدولي‬
‫مفتقرا إلى اال ّتساق المطلوب‪ .‬وال يمكن للتدخالت الفردية أو المحلية الرامية إلى تغيير سلوك‬
‫المؤسسة األمنية أن تحجب الدعم الكبير الذي تقدمه الجهات الفاعلة الغربية للوضع الراهن‪ .‬وبما‬
‫أن االستجابات األمنية قصيرة المدى عاد ًة ما تكون لها األولوية‪ ،‬فال ُتعطى األهمية القصوى لبناء‬
‫السلم وتعزيز التنمية طويلة األمد‪ ،‬بما في ذلك توفير الفرص االقتصادية‪ .‬وهو ما من شأنه أن‬
‫يؤدي إلى نتائج عكسية على المدى البعيد‪ ،‬كما هو الحال في أنحاء أخرى من العالم‪]141[.‬‬

‫وفي حين أثنى العديد من المسؤولين التونسيين والدبلوماسيين األجانب على إدماج االعتبارات‬
‫المتعلقة بحقوق اإلنسان ضمن التدخالت الدولية [‪ ،]142‬أعرب عدد من خبراء مناهضة التعذيب‬
‫عن قلقهم من أنّ «تقديم بعض العروض ‪ PowerPoint‬حول حقوق اإلنسان لن يحدث التغيير‬
‫المطلوب لدى األجهزة األمنية»‪ ]143[.‬ولئن ت ّم اإلقرار على نطاق واسع بأن الفساد يشكل تحديا‬
‫حاسما في «مكافحة اإلرهاب»[‪َ ،]144‬يعتبر خبير تونسي في مكافحة الفساد أنّ الجهات الفاعلة‬
‫الغربية فشلت في وضع مكافحة الفساد في صدارة وفي صميم تدخالتها‪ ]145[.‬وبالنسبة لبعض‬
‫الفاعلين في المجتمع المدني‪ ،‬فإن عدم التنسيق هذا يرقى إلى مستوى النفاق‪ .‬يقول خبير من‬
‫المجتمع المدني متخصّص في مناهضة التعذيب مقيم في تونس‪« :‬ما الفائدة من دعم الشباب في‬
‫المناطق المهمشة والحال أنّ هؤالء الشباب ال يمكنهم التنقل خارج جهاتهم ألن تحركاتهم مقيّدة‬
‫باإلجراء ‪ ،S17‬أو يمكن أن يجدوا أنفسهم في السجن بسبب تدخين سيجارة مخدّرة ؟ [‪]146‬‬
‫تواجد عسكري وسط العاصمة التونسية‪.‬‬
‫الصورة لـ‪ :‬وسيم بن رحومة‪.‬‬

‫التنافس بين الجهات الفاعلة الغربية‬

‫وإلى جانب تعريض استقرار تونس للخطر على المدى البعيد من خالل إعطاء األولوية لالستقرار‬
‫على حساب االصالحات المُجدية‪ ]147[،‬فإن الدول الغربية التي لها حضور في تونس تقوّ ض أيضا‬
‫تماسك جهودها من خالل التنافس فيما بينها‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬يجد الدبلوماسيون أنفسهم َ‬


‫ملزمين باالمتثال "للمقتضيات السياسية" القادمة من‬
‫عواصمهم‪ ،‬ال سيما بسبب الضغوط الداخلية‪ ]148[.‬ويبرز ذلك بوضوح في التوتر بين الوحدات‬
‫المعنية بالشؤون السياسية والوحدات المعنية بالعمليات في البعثات األجنبية في تونس‪ ،‬حيث يُمكِن‬
‫أن تتحكم الضرورة السياسية (أي األمن) في عملية تصميم التدخالت‪]149[.‬‬
‫كما أنّ الضغوط القادمة من العواصم الغربية ُتعتبر من العوامل المساهمة الرئيسية في تزايد‬
‫حدّة المنافسة وعدم التنسيق بين الجهات الفاعلة الدولية‪ ]150[.‬وبما أن المساعدات األمنية هي‬
‫وسيلة للحصول على معلومات قيّمة‪ ،‬فإن المانحين غالبا ما يتنافسون على ربط عالقات مميّزة مع‬
‫الحكومة التونسية‪ .‬فقد ت ّم إنشاء عدّة وحدات‪ ،‬مدعومة من جهات خارجية متنوعة‪ ،‬ضمن وزارة‬
‫الداخلية ووزارة الدفاع‪ ]151[.‬وفي الواقع‪ ،‬فإن "المساعدات الدولية المجزأة" ومحاوالت مختلف‬
‫الجهات الفاعلة أحيانا "تقويض مشاريع اآلخرين"‪ ،‬ك ّل ذلك من شأنه أن يؤدي لالزدواجية وعدم‬
‫االستدامة‪]152[.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬فقد زاد التنسيق بفضل إنشاء آلية ‪ +G7‬عقِب هجمات سوسة‪ .‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬يرأس‬
‫االتحاد األوروبي والمملكة المتحدة وألمانيا فرق عمل معنيّة على التوالي بـ‪ :‬أ‪ -‬مكافحة اإلرهاب‬
‫والتطرف العنيف؛ ب‪ -‬السياحة وحماية البنية التحتية الحيوية؛ ج‪ -‬أمن الحدود‪ .‬ومن المثير لالهتمام‬
‫أن البعض داخل الحكومة يشعرون باإلحباط إزاء هذه الخطوة‪ ،‬إذ لم يعد بإمكانهم الذهاب إلى عديد‬
‫الدول محمّلين بـ"قائمة طلبات"‪]153[.‬‬

‫ولكن بالرغم من هذه الجهود التنسيقية‪ ،‬ساهمت التغيّرات السريعة والمتواترة في السياق‬
‫مربكة وغير شفافة‪ ]154[.‬كما أنّ تعدّد الجهات الفاعلة المتدخلة وتقلب‬
‫والمسؤولين في خلق بيئة ِ‬
‫البيئات والمصالح المحلية‪ ،‬ك ّل ذلك دفع الفاعلين في المجتمع المدني إلى التشكيك في شفافية‬
‫المساعدات الدولية‪ ،‬وانتقاد غياب الشفافية لدى الحكومات األجنبية التي تعمل مع الوكاالت المشرفة‬
‫على التنفيذ نظرا لغياب التنسيق مع الجهات الفاعلة المحليّة في المجتمع المدني‪]155[.‬‬

‫مكافحة التطرف العنيف ‪ :‬معالجة األسباب الدافعة للعنف‪ ،‬أو تعزيزها‪ ،‬أو تجاهلها ؟‬

‫بعض الجهات الفاعلة الغربية تحاول اتباع مقاربة أكثر وقائية‪ ،‬خصوصا من خالل دعم إجراءات‬
‫مكافحة التطرف العنيف‪ .‬وكثيرا ما يت ّم تقديم هذه االجراءات على أنها مقاربة أق ّل صرامة لمكافحة‬
‫اإلرهاب‪ ،‬ألنها ال تر ّكز على التدابير األمنية المشدّدة‪ .‬وتتكثف عمليات مكافحة التطرف العنيف في‬
‫تونس بفضل "ارتفاع التمويالت التي تقدّمها المملكة المتحدة والواليات المتحدة واالتحاد األوروبي‪،‬‬
‫والتي تدفع عددا متزايدا من المنظمات للتركيز على ما يسمى 'بدائل لإلرهاب'"‪ ]156[.‬إالّ أنّ هذا‬
‫أدّى إلى اعتبار سياسة مكافحة التطرف العنيف وكأنها سياسة مفروضة من الخارج‪ ،‬مما يولّد‬
‫حالة من عدم الثقة‪ .‬يقول خبير تونسي في إدارة المجتمع المدني في هذا السياق‪" :‬يبدأ األمر مع‬
‫المنظمات غير الحكومية الدولية ومن َث ّم يؤدي بالمنظمات التونسية إلى التركيز على مِثل هذه‬
‫البرامج "‪]157[.‬‬

‫ومن نتائج المقاربة المتعلقة بمكافحة التطرف العنيف إضفاء طابع أمني على الحوكمة والعمل‬
‫ُنظر للبرامج غير األمنية على أنها إحدى سبل تحقيق أهداف مكافحة اإلرهاب‬ ‫التنموي‪ ،‬حيث ي َ‬
‫عتبر بعض الجهات الغربية مكافح َة التطرف العنيف مجرد نتيجة‬ ‫والتطرف العنيف‪ .‬وفي حين َت ِ‬
‫إضافية "لنوع العمل الذي ك ّنا سنقوم به على أي حال"[‪ ،]158‬فإنه ليس من المؤكد أنّ التركيز على‬
‫مكافحة التطرف العنيف يُسهم بالفعل في تحقيق األهداف المتعلقة بالحوكمة أو التربية أو حقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬ألن مثل هذا التركيز من شأنه تضييق نطاق المشاريع‪ .‬إنّ معالجة مشاكل الناس "بقدر‬
‫ارتباطها فقط بمنعهم من االنضمام إلى جماعات عنيفة" ال يمكن إالّ أن يزيد من حالة التهميش‬
‫والوصم التي يعاني منها األفراد والجهات‪]159[.‬‬

‫طلِب منه المشاركة في مشروع ثقافي للشباب الفقراء‬‫وفي هذا السياق‪ ،‬روى لنا إطار صحّ ي أنه ُ‬
‫والمهمشين‪ ،‬ولكنه اكتشف أنّ "مساهمته في هذا المشروع كانت تهدف إلى تحديد سمات شخصية‬
‫عدد من الشبان التونسيين‪ ،‬من أجل معرفة األشخاص الذين يُمكن أن ينزعوا نحو ممارسة العنف‬
‫"‪ ]160[.‬هذا النوع من التشويه لألنشطة الهادفة يمكن أن يؤدي إلى انعدام الثقة والغضب من جانب‬
‫المستفيدين‪ ،‬و أن يضرّ بصورة من يقف وراء تنظيمها‪ .‬كما قيل لنا إن بعض المنظمات تفتقر إلى‬
‫الخبرة الالزمة لتنفيذ أنشطة متعلقة بمكافحة التطرف العنيف ولكنها مع ذلك تتلقى تمويالت للقيام‬
‫بهذه األنشطة‪ .‬وهذا أمر يدعو للقلق‪ ،‬بالنظر إلى المخاطر واألضرار التي يمكن أن تتسبب فيها‬
‫برامج "خرقاء" لمكافحة التطرف العنيف‪.‬‬

‫وبالنظر إلى األموال الضخمة المتاحة اآلن لألنشطة المتعلقة بمكافحة التطرف‪ ،‬ينتاب البعض شيء‬
‫من القلق إزاء استمالة منظمات المجتمع المدني لدعم مقاربات أمنية تعتمدها الدولة ومفروضة من‬
‫الغرب‪ ،‬عوضا عن معالجة عوامل عدم االستقرار التي تش ّكل مصدر انشغال کبیر للتونسيين‪ .‬ولئن‬
‫ازداد انخراط المجتمع المدني مع الحكومة فيما يتصل بالقضايا األمنية وخاصة في سياق الحوار‬
‫الثالثي بين االتحاد األوروبي والحكومة التونسية والمجتمع المدني لمناقشة مسائل تتعلق باألمن‪،‬‬
‫ضمن مسائل أخرى‪ ،‬الحظ العديد من الناس أنّ منظمات المجتمع المدني غير قادرة على المشاركة‬
‫على نحو فعّال ومج ٍد في المناقشات األمنية‪ .‬وكما قال لنا ناشط في مجال حقوق اإلنسان‪" :‬الحكومة‬
‫ال تفهم المجتمع المدني‪ ..‬هي فقط تريد السيطرة عليه"‪]161[.‬‬

‫وقد أدّى التركيز الضيق على مكافحة التطرف العنيف إلى استهداف أعراض المشكلة بدال من‬
‫معالجة أسبابها‪ .‬فالسّعي إلفشال عمليات التجنيد واالستقطاب‪ ،‬بما في ذلك على المستوى الفردي‪،‬‬
‫ال ّ‬
‫تمثل بالضرورة استجابة للقضايا الكبرى التي يعتبرها الناس عوامل محتملة لعدم االستقرار في‬
‫المستقبل‪ .‬توجد بعض المشاريع المتصلة بمكافحة التطرف العنيف تر ّكز بالفعل على إنتاج "خطاب‬
‫بديل" لتوجيه الناس بعيدا عن "الخطاب الراديكالي"‪ ]162[.‬ومع ذلك‪ ،‬وفي إشارة إلى أحد المشاريع‬
‫التي تحظى برعاية دولية‪ ،‬قالت لنا ناشطة تونسية‪" :‬المشاريع التي تهدف لحماية الشباب من‬
‫التطرف ليست مُجدية‪ ..‬ال يمكنك تعزيز القدرة على الصمود عبر توزيع بعض األكياس"‪ .‬وتضيف‬
‫قائلة ‪":‬ينبغي أن تر ّكز هذه المشاريع على توفير الفرص االجتماعية والتعليمية واالقتصادية‬
‫للشباب"‪ ]163[.‬وفي نفس السياق‪ ،‬تساءل أحد الناشطين عن مدى جديّة فكرة أن تكون حملة على‬
‫الفايسبوك قادرة على منع الشباب من االنضمام إلى المجموعات العنيفة التي تبذل الكثير من الجهد‬
‫في إطار استراتيجيتها لالستقطاب‪]164[.‬‬

‫"المشاريع التي تهدف لحماية الشباب من التطرف ليست ُمجدية‪..‬‬


‫ال يمكنك تعزيز القدرة على الصمود عبر توزيع بعض األكياس‪".‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬حتى وإن كانت مصمّمة بشكل جيد‪ ،‬فإن إجراءات مكافحة التطرف العنيف‪ ،‬عندما تكون‬
‫بالتوازي مع التدخالت المتعلقة بمكافحة اإلرهاب‪ ،‬مثلما هو الشأن في تونس‪ ،‬ال يمكن أن تمحو‬
‫سلبيات المقاربة الخاصة بمكافحة اإلرهاب‪ .‬فدون معالجة الجوانب القمعية في أسلوب الحكم‪ ،‬لن‬
‫تكون الجهود الرامية إلى معالجة التهميش والبطالة‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬كافية بالمرّ ة‪.‬‬

‫غضب إزاء سياسات الحكومات الغربية في تونس وخارجها‬

‫يعتقد العديد من التونسيين ممن أجريت معهم المقابالت أنّ االنتهاكات التي ترتكبها الدول الغربية‬
‫في البلدان اإلسالمية في ظل اإلفالت من العقاب‪ ،‬وخاصة في سياق "الحرب على اإلرهاب"‪،‬‬
‫تش ّكل سببا من األسباب التي تدفع بعض الناس في تونس لتأييد الجماعات العنيفة واالنضمام لها‪:‬‬
‫"فطالما أن قواعد اللعبة الدولية لم يقع تحديدها‪ ،‬ستستمرّ مشاعر الظلم والغضب "‪ ]165[.‬وإذا‬
‫كانت الجهات الفاعلة الغربية غير راغبة في التصرّ ف وفقا للقواعد والمعايير الدولية واالعتراف‬
‫بأخطائها وتوفير سبل جبر الضرر والسعي إلى إيجاد حلول عادلة للتحديات التي يواجهها الناس‬
‫في بلدان الشرق األوسط وشمال أفريقيا‪ ،‬ستجد ادّعاءات الجماعات العنيفة بأنها توفر الطريق‬
‫نحو العدالة آذانا صاغية داخل تونس وخارجها‪]166[ .‬يجب أن يؤخذ االستياء ضد الغرب على‬
‫محمل الجدّ‪ ،‬حيث أنّ هذا البُعد العالمي للمشكلة يمكن أن يستمر طويال‪ ،‬مهما كانت الجوانب‬
‫اإليجابية للتدخالت الدولية في تونس‪ .‬لذلك من الضروري أن تسعى الجهات الفاعلة الغربية إلى‬
‫ضمان المزيد من االتساق والشفافية والمساءلة في تدخالتها الخارجية‪ .‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬اقترح‬
‫خبير تونسي أن يقوم الفاعلون الغربيون بمعالجة مسألة تمويل الجماعات العنيفة‪ ،‬ومنع الشركات‬
‫والمؤسسات من المساهمة في تلك التدفقات‪ ،‬وممارسة الضغط السياسي على بلدان المنشأ‪ ،‬وكذلك‬
‫زيادة تبادل المعلومات المالية‪.‬‬

‫تحتاج تونس إلى انخراط طويل المدى وشامل ومتناسق لدعم السلم المستدام فيها‪ .‬غير أنه من‬
‫الواضح‪ ،‬كما هو مبيّن في هذا القسم‪ ،‬أنّ المقاربة التي اعتمدتها الجهات الفاعلة الدولية كانت‬
‫قصيرة المدى وضيقة النطاق وتر ّكز بشكل مفرط على مكافحة اإلرهاب والتطرف العنيف‪ ،‬وهي‬
‫مقاربة أعاقتها كذلك تلك "الجرعة غير الصحية" من التنافس‪ ،‬في الوقت الذي كان فيه التعاون هو‬
‫المطلوب وليس التنافس‪ .‬وباعتمادها لهذه المقاربة‪ ،‬تكون الجهات الفاعلة الدولية في أفضل األحوال‬
‫عززت‪ ،‬عوامل عدم االستقرار في المستقبل‪ .‬ويعرض القسم‬ ‫قد تجاهلت‪ ،‬وفي أسوأ األحوال قد ّ‬
‫التالي سلسلة من التوصيات المستقبلية من أجل الحفاظ على مجتمع سلمي في تونس‪.‬‬

‫حاشية سفلية‬

‫[‪ُ ]127‬تستخدَم عبارة "منع التطرف العنيف" على نحو متزايد عوضا عن‪ ،‬أو إلى جانب‪ ،‬عبارة "مكافحة التطرف العنيف"‪.‬‬
‫غير أننا نعتقد أنه عملياً‪ ،‬كلتا العبارتين تطرحان نفس المسائل وتنطويان على نفس المخاطر‪ .‬لذلك‪ ،‬ولغرض اإليجاز‪ ،‬يستخدم‬
‫هذا التقرير عبارة "مكافحة التطرف العنيف"‪.‬‬

‫[‪ ]128‬مشارك في ورشة عمل مع منظمات المجتمع المدني – تونس‪ ،‬مارس ‪.2017‬‬

‫[‪ ]129‬توجد كذلك جهات فاعلة غير غربية تنشط في تونس‪ ،‬خصوصا تركيا والجزائر ودول الخليج‪ .‬وال يتسع المجال في‬
‫هذا التقرير لتحليل الدور الذي تلعبه هذه األطراف في تونس‪ ،‬حيث ير ّكز البحث أساسا على الجهات الفاعلة الغربية‪ ،‬ال سيما‬
‫االتحاد األوروبي والواليات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فال بد من اإلقرار بالدور الذي تلعبه جهات‬
‫فاعلة أخرى وبضرورة أن تقوم الدول الغربية بتنسيق جهودها معها من أجل ضمان التناسق في الدعم الدولي لتونس‪.‬‬

‫[‪October; 14 ,’2017-2016 UK Support for Tunisia‘ ,)2016( British Embassy Tunis ]130‬‬
‫‪The Federal Budget and Appropriations for Fiscal‘ ,)2016( McInerney S, Bockenfeld C‬‬
‫‪Democracy, Governance, and Human Rights in the Middle East & North :2017 Year‬‬
‫‪.2016 Africa’, Project on Middle East Democracy (POMED), April‬‬

‫[‪ ]131‬مقابالت مع ممثلي منظمات المجتمع المدني – تونس‪ ،‬أكتوبر ‪ – 2016‬مارس ‪.2017‬‬

‫[‪8 ,’Cowardice” to blame for delayed response at Sousse attack”‘ ,)2017( Grierson J ]132‬‬
‫‪February‬‬

‫[‪ ]133‬مقابالت مع مسؤولين حكوميين تونسيين – أكتوبر وديسمبر ‪.2016‬‬

‫[‪ ]134‬مقابلة مع ممثل عن المجتمع المدني – تونس‪ ،‬أكتوبر ‪.2016‬‬

‫[‪Tunisia at Risk: Will counter-terrorism undermine the revolution?’,‘ )2015( Aliriza F ]135‬‬
‫‪.November 16 ,Legatum Institute‬‬

‫[‪ ]136‬نفس المصدر‪ ،‬ص‪.13 .‬‬

‫[‪ ]137‬مقابالت مع خبير أمني – تونس‪ ،‬أكتوبر ‪.2016‬‬


‫[‪ ]138‬مقابلة مع ممثل عن المجتمع المدني – تونس‪ ،‬ديسمبر ‪.2016‬‬

‫[‪.June 5 ,’Model police stations launched in Tunisia‘ ,)2014( UNDP ]139‬‬

‫[‪ ]140‬انظر على سبيل المثال العمل الذي قامت به منظمة ‪ International Alert‬في تونس‪.‬‬

‫[‪ ]141‬انظر عمل منظمة ‪ Saferworld‬حول معضالت مكافحة اإلرهاب‪.‬‬

‫[‪ ]142‬مقابالت مع مسؤولين حكوميين تونسيين ومانحين دوليين – تونس‪ ،‬ديسمبر ‪.2016‬‬

‫[‪ ]143‬مقابالت مع ممثلين عن المجتمع المدني – تونس‪ ،‬أكتوبر ‪.2016‬‬

‫[‪Tackle instability and terrorism by fighting‘ ,)2015( Transparency International ]144‬‬


‫‪To fight terrorism, fight corruption first’,‘ ,)2015( February; Ndung’U I 4 ,’corruption‬‬
‫‪October 9 ,Institute for Security Studies‬‬

‫[‪ ]145‬مقابلة – جويلية ‪.2017‬‬

‫[‪ ]146‬مقابالت مع ممثلين عن المجتمع المدني – تونس‪ ،‬أكتوبر ‪2016‬‬


‫ورد هذا التعليق في أكتوبر ‪2016‬؛ ومنذ ذلك الحين‪ ،‬تم تعديل قانون المخدرات (القانون عدد ‪ )52‬بعد أنشطة دعوة متعلقة‬
‫بهذه المسألة قامت بها منظمات المجتمع المدني على امتداد سنوات‪.‬‬
‫لمزيد من المعلومات‪ ،‬انظر القسم الثالث من هذا التقرير‪.‬‬

‫[‪19 ,’How foreign aid could hurt Tunisia’s transition to democracy‘ ,)2016( Kubinec R ]147‬‬
‫‪.December‬‬

‫[‪ ]148‬مقابالت مع مانحين دوليين – تونس‪ ،‬أكتوبر ‪ – 2016‬مارس ‪.2017‬‬

‫[‪ ]149‬مقابلة مع ممثل عن المجتمع المدني – تونس‪ ،‬مارس ‪2017‬‬

‫[‪ ]150‬مقابلة مع أحد المانحين الدوليين – تونس‪ ،‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫[‪ ]151‬مقابلة مع ممثل عن المجتمع المدني – تونس‪ ،‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫[‪ ]152‬نفس المصدر‪.‬‬

‫[‪ ]153‬مقابلة مع أحد المانحين الدوليين – تونس‪ ،‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫[‪ ]154‬مقابلة مع أحد المانحين الدوليين – تونس‪ ،‬أكتوبر ‪.2017‬‬

‫[‪ ]155‬مقابلة مع ممثل عن المجتمع المدني – تونس‪ ،‬أكتوبر ‪.2016‬‬

‫[‪ ]156‬مقابلة مع ممثل عن المجتمع المدني – تونس‪ ،‬أكتوبر ‪.2016‬‬

‫[‪ ]157‬مقابلة مع ممثل عن المجتمع المدني – تونس‪ ،‬أكتوبر ‪.2016‬‬

‫[‪ ]158‬مقابلة مع أحد المانحين الدوليين – تونس‪ ،‬مارس ‪.2017‬‬

‫[‪14 ,Shouldn’t YOU be countering violent extremism?’, Saferworld‘ ,)2017( Attree L ]159‬‬
‫‪.March‬‬

‫[‪ ]160‬مقابلة مع ممثل عن المجتمع المدني – تونس‪ ،‬مارس ‪.2017‬‬

‫[‪ ]161‬مقابالت مع ممثلي المجتمع المدني – تونس‪ ،‬أكتوبر ‪.2016‬‬

‫[‪ ]162‬مقابالت مع ممثلين عن المجتمع المدني ومانحين دوليين – تونس‪ ،‬مارس ‪.2017‬‬

‫[‪ ]163‬مقابالت مع ممثلي المجتمع المدني – تونس‪ ،‬أكتوبر ‪.2016‬‬

‫[‪ ]164‬مقابالت مع ممثلي المجتمع المدني – تونس‪ ،‬أكتوبر ‪.2016‬‬

‫[‪ ]165‬مقابلة مع ممثل عن المجتمع المدني – تونس‪ ،‬أكتوبر ‪.2016‬‬

‫[‪ ]166‬مقابالت مع ممثلي المجتمع المدني – تونس‪ ،‬أكتوبر ‪.2016‬‬


‫مالحظات ختامية وسبل المضي قدما‬

‫وحتى تبقى تونس مثاال إيجابيا لما تسعى لتحقيقه الثورات العربية‪ ،‬ثمة عمل كبير ينبغي القيام بها‪.‬‬ ‫المحتوى‬
‫وكما قال لنا أحد الفاعلين في المجتمع المدني التونسي‪« :‬المسار مستمر والعناصر المطلوبة موجودة‪،‬‬
‫ولكن ال يزال هناك الكثير مما ينبغي فعله لضمان أن يحقق االنتقال أهدافه الديمقراطية»‪ .‬لذلك يجب‬ ‫القسم األول ‪ :‬ارتفاع حدّة المخاطر‬
‫على الحكومة التونسية‪ ،‬بدعم من المجتمع الدولي والمجتمع المدني‪ ،‬أن ُتر ّكز على أن تكون عملية‬ ‫والتهديدات اإلرهابية في تونس‬
‫االنتقال الديمقراطي وسيلة لمعالجة المظالم االجتماعية للتونسيين التي طال أمدها‪ ،‬وكذلك أن ُت ْث ِبت أنّ‬ ‫القسم الثاني ‪ :‬التحديات التي‬
‫التغيير باإلمكان تحقيقه من خالل ثورة سلمية وليس فقط عبر الوسائل العنيفة‪ .‬وعلى هذا النحو‪ ،‬ينبغي‬ ‫تواجهها تونس‪ ،‬كما يرى التونسيون‬
‫أن تكون أولويات الجهات الفاعلة الغربية في تونس هي تعزيز االنتقال الديمقراطي وبناء مستقبل‬ ‫القسم الثالث ‪ :‬عمليات مكافحة‬
‫مستدام‪ ،‬وليس مكافحة اإلرهاب فحسب‪.‬‬ ‫اإلرهاب وانعكاساتها‬
‫القسم الرابع ‪ :‬الدعم الدولي لمكافحة‬
‫معالجة المظالم االجتماعية نهائيا‬ ‫اإلرهاب والتطرف العنيف في تونس‬
‫مالحظات ختامية وسبل المضي قدما‬
‫على مدى أكثر من ست سنوات منذ ثورة ‪ ،2011‬هناك شعور قوي بخيبة األمل تجاه الحكومة‪ ،‬حيث‬ ‫المنهجية‬
‫ي َ‬
‫ُنظر إليها على أنها غير قادرة أو غير راغبة في الوفاء بوعود الثورة‪ ،‬بما في ذلك الح ّد من أوجه‬
‫التفاوت االقتصادي وتعزيز العدالة االجتماعية وضمان كرامة اإلنسان‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فالحكومة‪ ،‬وهي‬
‫تصارع في ظل أزمة اقتصادية خطيرة ووضع سياسي هش‪ ،‬عليها أن ُت ْثبت أنها جادّة في التغيير‬
‫وعازمة على تحسين حياة الناس بشكل ملموس‪ .‬وللقيام بذلك‪ ،‬عليها أن تنخرط بصورة فاعلة مع‬
‫األفراد والمجتمعات المحلية في جميع أنحاء البالد وأن تعتمد استراتيجيات تعالج بها احتياجاتهم‬
‫ومطالبهم معالجة شاملة‪َ .‬ف َشلُها في القيام بذلك يحمل في طياته خطر تفاقم السخط الشعبي وعدم‬
‫االستقرار‪ .‬وكما يتبيّن من خالل تاريخ تونس الحديث‪ ،‬فإن السخط الشعبي يمكن أن يؤدي إلى عدم‬
‫االستقرار‪ ،‬وهو ما يوفر الظروف التي تم ّكن الجماعات العنيفة من تحقيق المزيد من التقدّم‪.‬‬

‫وعلى وجه التحديد‪ ،‬هناك حاجة ماسة إلى إجراء إصالحات اجتماعية واقتصادية لمعالجة أوجه‬
‫التفاوت بين مختلف الجهات في تونس‪ ،‬وضمان تنمية المناطق المهمشة مثل مدنين وسيدي بوزيد‬
‫وسيدي حسين‪ .‬ويتطلب ذلك من الحكومة أن تستثمر وتشجع االستثمار في هذه المناطق‪ ،‬من خالل‬
‫اعتماد سياسات التمييز اإليجابي على سبيل المثال‪ ،‬وكذلك أن تعمل على تحسين نوعية التعليم وتوفير‬
‫فرص التدريب بطريقة تراعي الواقع المحلي وتتوافق مع احتياجات سوق الشغل‪.‬‬

‫كما أك ّد العديد ممن أُجريت معهم المقابالت على الحاجة إلى خدمات عامة ذات جودة أفضل‪ ،‬وأعرب‬
‫البعض عن أملهم في أن يتحقق ذلك بانتخاب وإنشاء مجالس جهوية عقب االنتخابات البلدية المزمع‬
‫إجراؤها في ديسمبر ‪.2017‬‬

‫وينبغي أن تكون هذه التدابير مصحوبة بجهود ترمي إلى توفير فرص حقيقية لسكان المناطق‬
‫المهمشة‪ ،‬خاصة منهم الشباب العاطل عن العمل‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬يُع ّد تعديل قانون المخدرات خطوة‬
‫في االتجاه الصحيح لتغيير أنماط التمييز‪.‬‬

‫من الضروري كذلك إجراء إصالحات على مستوى األمن والحوكمة‪ ،‬وذلك لتحسين العالقة بين الدولة‬
‫والمجتمع‪ .‬فسواء كان يساورهم قلق إزاء سلوك الشرطة أو كانوا يطالبون بتعزيز الحضور أمني‬ ‫الصورة المصاحبة للعنوان الرئيسي‪:‬‬
‫المستجوبين على الحاجة إلى إصالح المؤسسة األمنية‪ .‬كما دعوا‬
‫َ‬ ‫لمنع الجريمة والعنف‪ ،‬أ ّكد معظم‬ ‫فسيفساء ثالثية األبعاد‬
‫بالخصوص إلى وضع ح ّد للفساد واإلفالت من العقاب عندما يت ّم ارتكاب تجاوزات‪ ،‬وإلى أن يكون‬ ‫الصورة لـ ‪ :‬وليد محفوظ‬
‫توفير األمن أكثر ارتباطا بشواغل الناس وانسجاما ً مع متطلبات حقوق اإلنسان‪ .‬وفي هذا الصدد‪،‬‬
‫أبرز البعض ممن تحدثنا إليهم أهمية تعزيز دور المجتمع المدني في مراقبة ومسائلة األجهزة األمنية‬
‫والحكومة‪.‬‬

‫دعم عوامل التغيير اإليجابي‬

‫لقد كانت لنقاط الضعف والتجاوزات في الحوكمة آثارا سلبية على ديناميكيات السلم في تونس‪.‬‬
‫وفي هذا السياق‪ ،‬ينبغي على الفاعلين الغربيين التفكير بشكل استراتيجي حول كيفية تقديم الدعم‬
‫للمؤسسات الحكومية وغير الحكومية‪ .‬ويمكن أن تتعزز مشاركتهم في المستقبل عن طريق االنخراط‬
‫في رؤية مشتركة طويلة المدى للسلم‪ ،‬تستند إلى تقييم واقعي للقدرات والحوافز‪ .‬وينبغي أن يشمل‬
‫ذلك «محطات بارزة» في إحراز تقدم يت ّم االستناد إليه للحصول على المزيد من الدعم‪ .‬وباعتبار أنّ‬
‫بعض األطراف في الحكومة ال ترغب في إجراء اإلصالح‪ ،‬اقترح عدد من منظمات المجتمع المدني‬
‫التونسي أن يكون الدعم على مستوى «التدريب والتجهيز» مثالً مرتبطا بمدى جديّة مسؤولي الدولة‬
‫في اتخاذ خطوات حقيقية للوفاء بتعهداتهم فيما يتعلق بالديمقراطية وحقوق اإلنسان وسيادة القانون‪،‬‬
‫وذلك في إطار مقاربة «أكثر مقابل أكثر»‪ ،‬وسيكون لذلك أهمية خاصة عندما يتعلق األمر بالدعم‬
‫َ‬
‫تركيز المجتمع الدولي على معالجة الفساد المستشري‬ ‫المقدّم إلى وزارة الداخلية‪ .‬هذه الطريقة تضمن‬
‫وأوجه القصور في ممارسات الشرطة وعمليات مكافحة اإلرهاب‪ ،‬والظروف السيئة في السجون‪،‬‬
‫وغيرها من المسائل‪.‬‬

‫وتعزيزا لعملية االنتقال الديمقراطي‪ ،‬ينبغي على الجهات الفاعلة الغربية في تونس أن تنظر في سبل‬
‫دعم وتقوية آليات «الضبط والتوازن» ‪ ،‬مثل الهيئات المستقلة التي تعمل على دعم أجندة اإلصالح‪.‬‬
‫حذر بعض الفاعلين في المجتمع المدني من أنّ الضمانات الضرورية ليست متوفرة َبعْ ُد في‬ ‫وقد ّ‬
‫تونس‪ ،‬وكثيرون منهم عبّروا عن أسفهم إزاء غياب اإلرادة السياسية لدى بعض األطراف داخل‬
‫الحكومة لرؤية آليات المساءلة هذه تعمل بفعالية‪ .‬لذلك‪ ،‬ينبغي للتدخالت الدولية في تونس أن تدعم‬
‫تعزز إمكانياتها لالنخراط بشكل هادف مع الحكومة والمساهمة في‬ ‫إنشاء تلك الهيئات المستقلة‪ ،‬وأن ّ‬
‫تحسين العالقة بين الدولة والمجتمع‪.‬‬

‫عالوة على ذلك‪ ،‬يمكن للجهات الفاعلة الغربية أن تلعب دورا بنا ًء من خالل تمكين المجتمع المدني‪،‬‬
‫وهو أمر بالغ األهمية لضمان نجاح االنتقال الديمقراطي في تونس‪ .‬فعِوض فرض منظور يقتصر‬
‫على مكافحة التطرّ ف العنيف‪ ،‬والذي يمنع المجتمع المدني من أن يكون محايدا وأن يضغط على‬
‫الدولة من أجل تحسين أدائها‪ ،‬يجب على الجهات الفاعلة الغربية أن تضاعف االستثمار في الجهود‬
‫الرامية لتعزيز السلم والحقوق والحوكمة ولدفع التقدم نحو معالجة القضايا األه ّم التي تشغل المجتمع‬
‫التونسي‪.‬‬

‫وينبغي أن تسعى التدخالت الغربية في تونس إلى توسيع نطاق النقاشات حول األمن‪ ،‬مع العمل على‬
‫دعم مشاركة مجموعة متنوعة من مكونات المجتمع المدني والجهات الفاعلة في المجتمعات المحلية‬
‫في النقاش حول طبيعة االستجابة للتهديدات األمنية وكيفية تحسين أداء المؤسسة األمنية‪ .‬إنّ ضمان‬
‫إجراء مناقشات أمنية أكثر شموال أمر بالغ األهمية لوضع حلول مالئمة ومستدامة للتحديات األمنية‬
‫التي تواجهها تونس‪.‬‬

‫ُبرز هذا البحث حرص شباب المناطق المهمشة على المساهمة في تشكيل مستقبل‬ ‫من ناحية أخرى‪ ،‬ي ِ‬
‫بالدهم‪ .‬فقد تقدم لنا المشاركون في حلقات النقاش بالشكر على منحهم الفرصة لمناقشة قضايا هامة‪،‬‬
‫مؤكدين على «ضرورة االستماع إليهم»‪ ]167[.‬ونظرا لتنامي الشعور بخيبة األمل والعداء تجاه‬
‫الدولة‪ ،‬فإن التواصل مع الشباب وإبراز أنّ آرائهم مهمة ويت ّم أخذها بعين االعتبار‪ ،‬ينبغي أن يش ّكل‬
‫األولوية القصوى لك ّل من الحكومة وأصدقائها الدوليين‪ .‬وفي المقابل‪ ،‬يُعتبر اإلقصاء السياسي أحد‬
‫المظالم الرئيسية التي يعاني منها الشباب التونسي المهمش‪ ،‬واستعداد هؤالء الشباب للمساهمة في بناء‬
‫مجتمع أكثر عدالً هو أحد نقاط القوة الرئيسية لتونس في السياق الحالي‪.‬‬
‫وعموما‪ ،‬ال توجد طرق مختصرة لتحقيق األهداف األمنية التونسية والغربية‪ .‬وبما أنه ال تزال هناك‬
‫قاعدة شعبية قوية داعمة للتغيير ومساحة واسعة للنقاش‪ ،‬يجب أن ينصبّ التركيز على معالجة دوافع‬
‫عدم االستقرار والتي تش ّكل أولوية بالنسبة للتونسيين‪ .‬وعلى هذا النحو‪ ،‬ينبغي على األطراف المعنية‬
‫التونسية والدولية أن تسعى جاهدة من أجل وضع استراتيجيات أكثر ا ّتساقا تدعم السلم واالستقرار في‬
‫تونس على المدى الطويل‪ .‬التونسيون ال يستحقون أق ّل من ذلك‪.‬‬

‫حاشية سفلية‬
‫[‪ ]167‬حلقات نقاش ‪ -‬سيدي بوزيد‪ ،‬مدنين وسيدي حسين‪ ،‬جانفي – مارس ‪.2017‬‬
‫المنهجية‬

‫خالل الفترة من سبتمبر ‪ 2016‬إلى جويلية ‪ ،2017‬أجرت منظمة سيفرورلد ‪ Saferworld‬بحثا‬ ‫المحتوى‬
‫نوعيا في تونس استند إلى استعراض مستفيض لك ّل ما يتصل بموضوع البحث ومقابالت مع‬
‫المستجوبين الرئيسيين وعدد من حلقات النقاش‪ .‬وهو ما م ّكننا من جمع آراء ووجهات نظر عدد من‬
‫َ‬ ‫القسم األول ‪ :‬ارتفاع حدّ ة المخاطر‬
‫التونسيين وكذلك مجموعة من النشطاء في منظمات من المجتمع المدني الذين يعملون معهم بشكل‬ ‫والتهديدات اإلرهابية في تونس‬
‫وثيق‪.‬‬ ‫القسم الثاني ‪ :‬التحديات التي‬
‫تواجهها تونس‪ ،‬كما يرى التونسيون‬
‫في أكتوبر ‪ 2016‬وديسمبر ‪ 2016‬ومارس ‪ ،2017‬أجرينا ‪ 38‬مقابلة في تونس مع أعضاء‬ ‫القسم الثالث ‪ :‬عمليات مكافحة‬
‫بارزين‪ ،‬تونسيين ودوليين‪ ،‬في المجتمع المدني‪ ،‬وفاعلين في السياسة الغربية ومسؤولين حكوميين‬ ‫اإلرهاب وانعكاساتها‬
‫تونسيين‪ .‬خالل هذه االجتماعات‪ ،‬طرحنا أسئلة تتعلق بالطريقة التي تعاملت بها تونس مع مسألة‬ ‫القسم الرابع ‪ :‬الدعم الدولي لمكافحة‬
‫العنف وعدم االستقرار‪ ،‬وطبيعة الدعم الذي يقدّمه أو يمكن أن يقدّمه المجتمع الدولي في هذا‬ ‫اإلرهاب والتطرف العنيف في تونس‬
‫الصدد‪ ،‬والدور الذي تلعبه أو يمكن أن تلعبه منظمات المجتمع المدني‪ ،‬بما في ذلك المساهمة في‬ ‫مالحظات ختامية وسبل المضي قدما‬
‫معالجة دوافع العنف وعدم االستقرار‪.‬‬ ‫المنهجية‬

‫كما أجرينا خالل شهريْ جانفي وفيفري ‪ ،2017‬بالشراكة مع مركز الكواكبي للتحوالت‬
‫مستجوبين رئيسيين في سيدي بوزيد ومدنين‬
‫َ‬ ‫الديمقراطية‪ ،‬تسع حلقات نقاش وثمان مقابالت مع‬
‫وسيدي حسين‪ .‬تحدثنا إلى ‪ 114‬شخصا في المجموع‪ ،‬بمن فيهم الشباب والنساء والرجال من‬
‫المجتمعات المحلية وممثلي السلطات ومنظمات المجتمع المدني على المستوى المحلّي‪ ،‬وذلك بهدف‬
‫جمع المعلومات في كل منطقة عن نظرة الناس وتجاربهم بشأن انعدام األمن وعدم االستقرار؛‬
‫ونظرة الناس وتجاربهم بشأن تأثير تدابير مكافحة اإلرهاب والتطرف العنيف على حياتهم؛‬
‫وتوصياتهم من أجل تحقيق انتقال تونس نحو الديمقراطية بصورة فعّالة‪.‬‬

‫في مارس ‪ ،2017‬نظمنا ورشة عمل لتبادل ومناقشة النتائج األولية للبحث مع مجموعة من ممثلي‬
‫المجتمع المدني‪ .‬هذا اللقاء أثرى التحليل والتوصيات الواردة في هذا التقرير‪.‬‬

‫الصورة المصاحبة للعنوان الرئيسي لـ ‪:‬‬


‫‪Dennis Jarvis‬‬

You might also like