Professional Documents
Culture Documents
1e151ae5dfc9a2b763004c0bdc5c33b2
1e151ae5dfc9a2b763004c0bdc5c33b2
م
حقوق الطبع حقوظة لمبرة الآل والآصحاب
إال لمن أراد التوزيع الخيري بشرط عدم التصرف في المادة العلمية
الطبعة األوىل
1440ـه ـ 2019م
فهرس الكتاب
الصفحة الموضوع
مقدمة مبرة اآلل واألصحاب7 ......................................
تقريظ11 ......................................................
مقدمة 13 ......................................................
حقوق المرأة في اإلسالم 21 .......................................
الحقوق المالية 23 ...............................................
1ــ سن الرشد وحصول أول العلم به؛ شرطَا تسلُّ ِمها مالَها23 ...... .
2ــ حقها في اإلرث 24 ....................................
3ــ الصداق حقها وركن من أركان الزواج 30 ...................
4ــ حقها في النفقة 38 .....................................
5ــ مفهوم الطاعة ومظاهرها 43 ..............................
6ــ معنى الدرجة التي فضل اهلل بها الرجل على المرأة 48 .......
7ــ النفقة ال تسقط عن الرجل بامتالك المرأة المال 49 ............
الحقوق المعنوية للمرأة في اإلسالم 54 ...............................
1ــ الحقوق السياسية 54 ...................................
2ــ حق العمل 58 ........................................
( )1بين سعة الشريعة وضيق بعض أتباعها 58 ...................
( )2مبدأ في الحياة أومن به ج ًّدا( :تعلم كل ما تظن أنك من
يوما) 63 ................................ الممكن أن تحتاجه ً
5
فهرس الكتاب
( )3لتختر المهنة التي تؤدي عبرها رسالتها وال تخالف طبيعتها
وأنوثتها وشرع ربها! 65 ....................................
) (4زوجها وأطفالها وبيتها أولى مسؤولياتها باالهتمام 68 ...........
( )5حق اهلل أولى أن يصان69 .............................. .
( )6تحقيق الذات ليس مشروطا بالخروج إلى العمل ،والتطوير ال
يقف ضده مكوث بالبيت 70 .................................
ضوابط االختالط76 .......................................
حق اختيار الزوج ورفض من ال تريده 80 .......................
هل يجب على المرأة خدمة زوجها؟ 89 .......................
ضرب المرأة بين التعسف والعالج 95 .........................
هل وصف النساء بناقصات عقل ودين :إساءة للنساء وانتقاص من
كرامتهن؟ 103 ...........................................
قراءة في حديث> :إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة
شيطان <...الحديث 109...................................
هل المرأة في حاجة إلى المساواة مع الرجل؟ 112 ......................
االستقاللية؛ قوة في الحق أم تمرد واستئساد؟ 117 ......................
التعدد ،إهانة للمرأة أم حرص على مصلحتها؟ 125 .....................
الطالق والترمل والعنوسة ،وصمات عار على جبين المرأة المعاصرة 143 .....
هل الطالق كسر أم انتصار؟ 149 .............................
مفهوم األنوثة والتقاؤه مع مفهوم الزوجة الصالحة 153 ....................
خاتمة الكتاب 172 ..............................................
ثبت المراجع 176 ...............................................
6
مقدمة مبرة اآلل واألصحاب
7
مقدمة مبرة اآلل واألصحاب
8
مقدمة مبرة اآلل واألصحاب
مؤسسة متخصصة في تراث اآلل واألصحاب حتى صار لها ــ بفضل اهلل ــ
الريادة في ذلك المجال.
وقد كان أصل هذا المشروع الذي بين أيدينا فكر ًة من قِبل رئيس
مجلس إدارة المبرة د .عبدالمحسن الجاراهلل الخرافي تتضمن توسيع
لتضم مجاالت جديدة ورحا ًبا ّ نطاق األبحاث المتعلقة باآلل واألصحاب
أوسع وال تقتصر على الموضوعات الدينية المألوفة ،ثم أوعز بهذه الفكرة
وبعض عناصرها إلى مركز البحوث والدراسات بالمبرة؛ فقام المركز
مشكو ًرا مأجو ًرا بوضع خطة طموحة تتضمن العديد من الموضوعات
الهادفة ،العلمية والعملية؛ التي نستهدف أن نستضيء فيها بتراث اآلل
واألصحاب ،ونكشف عن مالمح تطبيقهم الوحي على جميع األصعدة
واألنحاء ،بشكل يتجلّى فيه الجانب اإلبداعي من تخصص المبرة في
خدمة تراث اآلل واألصحاب ،و>التخصص يقود إلى اإلبداع< بحمد اهلل
وتوفيقه ،بحيث نقدم للمكتبة العلمية والدعوية تجمي ًعا غير مسبوق لبعض
الجوانب الدقيقة في تراث اآلل واألصحاب؛ و ِمن ثَ َّم َّنسق المركز مع
مجموعة من الباحثين ليقدموا جهودهم في تحويل تلك األفكار
والموضوعات إلى أبحاث علمية وفق منهجية مركز البحوث والدراسات
المنضبطة ،القائمة على التحقيق العلمي ،واالستدالل الصحيح،
واالسترشاد بكتب أهل العلم السابقين والمعاصرين ،واستمر جهد المركز في
متابعة األبحاث ومراجعتها وتعديل ما يحتاج منها إلى تعديل ،عبر خلية عمل
9
مقدمة مبرة اآلل واألصحاب
10
تقريظ
تقريظ
بقلم :د.ابلشيرعضاماملراكيش
بسم اهلل الرحمن الرحيم الحمد هلل ،والصالة والسالم على رسول اهلل،
وآله وصحبه.
تمجها المطابع كل سنة ..وقليلة هي الكتبكثيرة هي الكتب التي ّ
التي تنشأ من حاجة للفرد أو المجتمع أو األمة ،ثم هي تسعى لسد هذه
الحاجة بالبيان الذي يبث الوعي ،وينشر المعرفة بين الناس .وأقل القليل
من بين هذه الكتب :تلك التي تحقق هذه الغاية ،لجمعها بين صحة
المضمون ،وجمال األسلوب .وإنني أحسب أن كتاب األستاذة الباحثة
األديبة وصال تقة ،الموسوم بـ>قضايا نسائية< ،يحتل من ضمن هذه النخبة
عليا ،ومرتبة سامقة .أما تميز هذا الكتاب في المضمون،
المختارة ،مكا ًنا ًّ
فألن المؤلفة القديرة استطاعت أن تحقق فيه التوسط بين األطراف
المتناقضة في هذا المجال؛ وهو توسط عسير المأخذ ،ال يتأتى إال لمن
طالت خبرته ،وع ُظمت حكمته .وذلك أن قضايا المرأة اليوم صارت
تتجاذبها أهواء متفرقة ،ما بين علماني أو الديني يريد من خاللها هدم
الدين وتقويض أسسه؛ وتنويري يقصد إلى تحريف الشرائع لتوافق الثقافة
11
تقريظ
12
مقدمة
مقدمة
ليس ادعائي أن آتي فيما أرقمه بما لم يسبقني أحد إليه ،وال بتفردي
بإيجاد الحلول ،أو على األقل تحليل اإلشكاليات المتعلقة بها؛ وإنما
لرغبتي في مشاركة القارئ هموم المرأة التي تبدو في عيون الكثيرين
بسيط ًة ،ولكنها في الحقيقة عميقة بعمق ما تكابده أمتنا من شروخ،
وبحجم هذه المعاناة التي ما سلم منها زوج وال ابن وال هي قبلَهما،
ولتوقِي إلى أن أسل ِّط بعض الضوء على ما ينتظر المجتمع برمته من َ
ولح ْملِي
وج ْعلِها ُت ْنصف َمن َح ْولَهاَ ، ٍ
تحديات ،من أجل إنصاف المرأةَ ،
يمارس إما باسم الشريعة ،أو
َه َّم هذا التطاول على الحقوق الذي أصبح َ
باسم الحرية والمساواة.
ولعل َح ْس َبنا لتقرير هذا الواقع ،أن نعرض ما آلت إليه أوضاع المرأة
في عصر العولمة والتشدق بالحقوق؛ على عصر اآلل واألصحاب رضوان
اهلل عليهم ،ونُ ْس ِقط أحوالَها المزرية على أحوالهن ،وما كن يَ ْرفُ ْلن فيه من
النساء اليوم،
ُ حقو ٍق حقيقية ،وصيانة ورفعة ُ
وسؤدد ،قلَّ َما تحظى به
لنمك َِّن أعينَنا من االنبهار بما وصلت إليه المرأ ُة حينها من مكانةٍ ِعلمية
حوادث،
ُ ِ
وفقهية وأدبية ،ومن قيمةٍ ثابتة ال تغيِّ ُرها خطابات ،وال تزعزعها
و ِم ْن كرامةٍ مصونة ،وعقل مب َّجل ،وثراء معرفي ملهِم .ويكفينا انبها ًرا أن
نعلم أ َّن مكانة كثير منهن كانت تفوق مكانة كثير من الرجال ،بل حتى
مكانة بعض الخلفاء .ويكفينا تشري ًفا أن تكون من ّأمهاتنا إلى يوم الدين:
خديجة الكمال ،التي أثنى الشرع على عقلها ،وحكمتها ،ورصانتها،
وحنانها ،واجتمعت فيها من الصفات ما جعل ذكراها العبقة خالد ًة مخلدة
17
مقدمة
العظيمة ،والمبادئ السامية؛ لمناقشة واق ِعنا ومستجداته ونوازله ،وما آل
الم ْفرِط في الشريعة ،وجهة
إليه من إشكاالت على الجهتين ،جهة التشدد ُ
المفرط فيها.
االنفالت ِّ
تشبعت ولعل حسبنا كي نعيد للمرأة االعتبار ،سواء تلك التي َّ
بالخطاب الذكوري المجحف ،فصارت لديها قناعة بأن فحواه هو الحق
الملزم لها ،وما عليها إال االمتثال والخضوع له ،وإن كان يصادم فطرتها
تشبعت
وتكوينتها النفسية ،ويعطل دورها في االستخالف ،أو تلك التي َّ
بأفكار النسوية المتمردة ،فصارت ترى في الخطاب الديني ،كيفما كان،
خطا ًبا يدمر نفسيتها ،ويقعدها عن دورها وانطالقها في الحياة ،فيتم إعادة
بناء وعيهما (أي كال النوعين من النساء) على حد سواء بتعليمهما حقوقهما
التي تفضل عليهما به دينُنا الحنيف ،وتحديد مسؤوليتهما وواجباتهما،
وربطهما بما كانت عليه الصحابيات وأمهات المؤمنين من خالل الصحيح
من السنة المطهرة .وإعادة بناء وتشكيل وعي الرجل من نفس المنطلق،
وإحالته على الواقع في العهد النبوي من خالل الوقائع واألحداث التي
ترشده إلى دوره المشترك مع المرأة في االستخالف ،وواجباته تجاهها،
وحدود حقوقه ،وتبرز الدور الطالئعي للمرأة في عصر النبوة ،والذي قد
تجاوزه الخطاب المجحف بقصد أو بغير قصد ،فكان ما نراه اآلن من
ضياع وتشرذم ومعاناة حقيقة داخل البيوتات ،جراء الحيف والتسلط،
والقمع والتهميش الممارس من الرجال تجاه من َّ
والهم اهلل أمرهم ،ومن
تحد وصراعات قائمة على النوع ،وعلى محاولة استرداد الحقوق ،بترك
19
مقدمة
املؤلفة
20
حقوق املرأة في اإلسالم
وقحقارملأةفاإلالسم
جاء اإلسالم إلى شبه الجزيرة العربية ،و ِذكر المرأة العربية تتضوع
به األشعار ،فتطفح بالغزل والنسيب ،بل ال يكاد يخلو مطلع قصيدة وال
معلقة من ذكر محاسنها ،والتصريح بافتتان الشاعر بها ،وصدح األلسنة
ومساماتها مع الرجل في الكثير من المواقف، باالفتخار بها ،وبتمجيدهاُ ،
ذاكرا
حتى ما طابت للعربي بطولة ،وال نصر ،إال بتمادحه إلى النساءً ،
بسالته وقوته ومفاخره ،مستشه ًدا المرأة على نبله وجسارته ،ومكارم أخالقه،
معتبرا انبهارها بصنيعه أكبر جائزة له ،تفوق ما حازه من نصر وتبجيل.
ً
أسماء نساء برقت
َ التاريخ العربي بمدا ٍد من فخر ورفعة
ُ وقد د َّون
في شتى الميادين من شعر وخطابة وفصاحة ،وقوة وشجاعة وشرف
وحكمة وغيرها .لكنها في مقابل كل هذا االحتفاء وهذا التبجيل ،لم
ضا من الحيف والظلم ،فكانت طائر شؤم عند بعض القبائل، تسلم أي ً
ومجلبة نحس وعار وشنار ،وضحية الوأد أو اإلرث أو االسترقاق .فعمل
توغُّل اإلسالم إلى القبائل على ترسيخ المبادئ الجميلة ،والتشجيع على
مكارم األخالق السائدة وتكريسها ،وعلى تصحيح أو نبذ العادات
الجاهلية الممقوتة ،وتعويضها بتعاليم سمحة ،تحفظ للمرأة إنسانيتها
وكرامتها وحقوقها ،وتصونها من تسلط وعنجهية المجتمع حولها .فأمر
الرجل أن ينظر إليها من حيث النشأة كما ينظر ألخيه الرجل ،فقد ُخلقاَ
21
حقوق املرأة في اإلسالم
وحرم عليه س واحدة ،ومنع عنه وأدها خو ًفا من عار أو من إمالقَّ ، من نف ٍ
أن يرثها كما يرث المال والمتاع ،وأعطاها حق الميراث في المقابل أُ ًّما
صا لها، كانت أو زوجة أو أخ ًتا أو ابنة ،وأعطاها حق المهر ،وجعله خال ً
ال يمتنع عن تسليمه زوج ،وال يسلبه منها أب أو ولي ،ولم يحدده بقدر،
أمره للعادات وألعراف المثالء ،ومنحها كامل الحرية في بل َو َك َل َ
ترض هي َ التصرف في مالها ،دون حجر من الرجل ،أو تدخل منه ،ما لم
كامال في أحوال بذلك وتسمح عن طيب خاطر ،وشرع لها دستو ًرا ً
زواجها وطالقها ،وإرضاعها وعقمها ،وح َّدد لها حقوقها وواجباتها على
وجه الدقة في الحدود والعبادات والمعامالت ،وكلَّف وليها باإلحسان
إليها ،ورعايتها والحرص على تربيتها ،وتعليمها واإلنفاق عليها ،سواء
كانت فقيرة أو ذات مال ،إلى أن تنتقل المهمة إلى زوجها ،وجعل لها
حرية اختيار الزوج من غير إرغام أو إلزام من الولي.
رفع اإلسالم مكانتها وبوأها أسمى الدرجات ،وجعل مقامها أُ ًّما
مفض ًال على مقام األب بثالث درجات ،وواساها عن حملها الواهن، َّ
وتوجها زوج ًة؛ مقابال لهذا اإلرضاعَّ ،
ً وإرضاعها المتعب ،وجعل لها
سك ًنا للروح ،ومها ًدا للفؤاد ،وحض ًنا آم ًنا ،ومرفأ يحسن اإليواء ،فيه ُترمى
كل الحمول ،و ُتنسى ألواء الطريق .وأكرمها بشتى الحقوق المعنوية
والمادية والمدنية التي ميزتها عن باقي نساء المجتمعات األخرى ،ال
األحكام ،وأن ُت َرشَّ د
ُ النصوص ،وأن تف َّعل
ُ تطبق في حقها ينقصها سوى أن َّ
نصف بما أنصفها به موالها من المجتمع حولها، االستنباطات ،وأن ُت َ
نفسها قبل كل شيء. ومن الخطابات الموجهة إليها ،ومن أختها المرأة ،ومن ِ
22
الحقوق املالية للمرأة في اإلسالم
اوقحلقااملليةرمللأةفاإلالسم
َ
ِسن الرشد وحصول أو ِل العلم به؛ شرط تسل ِمها مالها:
البرزخ بين مرحلة الصبا ومرحلة النضج،
َ جعل اإلسالم س َّن الرشد
واالنطالقة الكبرى لرؤية الحياة بعيون الكبار ،والتصرف فيها تصرف
ذكرا كان أو
العاقلين المكلفين .فجعله شر ًطا لتسليم المال لمستحقهً ،
أنثى دون تفريق ،فما دام قد حصل أول العلم برشدهما؛ فإنه يدفع إليهما
مالهما دون تراخ وال مطل ،وقد جاء القرآن الكريم بذلك ،في آية
محكمة ،يقول اهلل تعالى{ :ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ
ﲽ ﲾ ﲿ ﳀﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇﳈ ﳉ ﳊ ﳋ
ﳌﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ} [النساء .]6 :وقد جاء تفسيرها
عن حبر األمة وترجمان القرآن ،الصحابي الجليل ،وابن عم النبي ‘
ــ فهو جامع من هذه الحيثية بين الصحبة والقرابة ــ ،فقال ابن عباس:
{ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ} ،قال :في حالهم ،واإلصالح في أموالهم(.)1
لربات البيوت ،ومدبرات
يفوض عاد ًة ّ
فيفوض الشر ُع للبنت ما َّ
ِّ
أموره ،ومديرات شؤونه ،والعالمات بما يصلح ألحوالهن ،حسب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تفسير الطبري.)406/6( ،
23
الحقوق املالية للمرأة في اإلسالم
حقها في اإلرث:
أنعم اهلل على إمائه بإنصافهن من أحكام الجاهلية الجائرة ،ففرض
ضا من كل خير ،يالئم طبيعتها األنثوية ،وحاجاتها نصيبا مفرو ً
للمرأة ً
النفسية ،فبعدما كانت المرأة في الجاهلية تورث وال ترث ،و ُتمنع من
وتعس ًفا واحتقا ًرا ،ويحاكمونها إلى أعرافهم
حقها في مال ذويها؛ ظل ًما ُّ
البائدة ،وأحكامهم الجائرة ،التي اقتضت ّأال يُ ْع َطى إال َم ْن قاتل على
وضارب بالسيف ،وحاز الغنيمة؛ جاء َ وطاعن بالرمح،
َ ظهور الخيل،
ذات ِذ َّمة مالية قد تفوق
عطيها من مال اهلل ،وأصبحت َ اإلسالم ُلي ِ
نص َفها ويُ َ ُ
أكثر منه ،أو ترث وال يرث هو ،أو ترث الرجل ،فتر ُِث َ
َ فيها أحيا ًنا كثير ًة
أقل منه ،فتحتفظ بمالها ،وتدخره ،وينفق عليها مما ورثه هو. َّ
وجعل معايير اإلرث ال تخضع لذكورة وال ألنوثة ،وإنما تنظمها
معايير أخرى ،متمثلة في درجة القرابة ،وقوامة الرجل الوارث، ُ
ومسؤوليته عن الوارثات معه من النساء ،وغيرها من المعايير المنطقية
الموضوعية ،التي ال يتحكم فيها ميل لجنس دون جنس.
فعن عن ابن عباس في قوله{ :ﲃ ﲄ ﲅ ﲆﲇ ﲈ
24
الحقوق املالية للمرأة في اإلسالم
العصبة :األب ثم األخ ثم العم وهكذا ،وكانوا يورثون بالتبني ،وهو أن
يتخذ الرجل ابن غيره ابن ًا له ،فتنعقد بين المتبني والمتبنى جميع أحكام
األبوة.
ضا بال ِح ْلف ،وهو أن يرغب رجالن في الخلة بينهما، ويورثون أي ً
فيتعاقدا على أن دمهما واحد ويتوارثان ،فلما جاء اإلسالم لم يقع في
مكة تغيير ألحكام الميراث بين المسلمين؛ لتعذر تنفيذ ما يخالف أحكام
سكانها ،ثم لما هاجر رسول اهلل ـ ‘ ـ ،وبقي معظم أقارب المهاجرين
المشركون بمكة ،صار التوريث بالهجرة ،فالمهاجر يرث المهاجر،
وبالحلف ،وبالمعاقدة ،وباألخوة التي آخاها الرسول ـ ـ بين
المهاجرين واألنصار ،ونزل في ذلك قوله تعالى { :ﲯ ﲰ ﲱ
ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ} ،اآلية من هاته السورة .وشرع اهلل وجوب
الوصية للوالدين واألقربين بآية سورة البقرة ،ثم توالد المسلمون ،ولحق
بهم آباؤهم وأبناؤهم مؤمنين ،فشرع اهلل الميراث بالقرابة ،وجعل للنساء
حظو ًظا في ذلك ،فأتم الكلمة ،وأسبغ النعمة ،وأومأ إلى أن حكمة
الميراث صرف المال إلى القرابة بالوالدة وما دونها.
وقد كان قوله تعالى{ :ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ} أ َّو َل
إعطاء لِ َح ِّق اإلرث للنساء في العرب.
ولكون هذه اآلية كالمقدمة ،جاءت بإجمال الحق والنصيب في
الميراث وتاله تفصيله ،لقصد تهيئة النفوس ،وحكمة هذا اإلجمال حكمة
27
الحقوق املالية للمرأة في اإلسالم
ورود األحكام المراد نسخها إلى أثقل ،لتسكن النفوس إليها بالتدريج.
روى الواحدي ،في أسباب النزول ،والطبري ،عن عكرمة ،وأحدهما
يزيد على اآلخر ما حاصله :إن أوس بن ثابت األنصاري توفي وترك امرأة
يقال لها أم كحة ،فجاءت رسول اهلل ـ ‘ ـ فقالت :إن زوجي قُتل معك
يوم أحد ،وهاتان بنتاه ،وقد استوفى عمهما مالهما ،فما ترى يا رسول
اهلل؟ فواهلل ما تنكحان أب ًدا إال ولهما مال .فقال رسول اهلل ـ ‘ ـ :يقضي
اهلل في ذلك .فنزلت سورة النساء ،وفيها {ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ} .قال
جابر بن عبد اهلل :فقال لي رسول اهلل :ادع لي المرأة وصاحبها .فقال
لعمهما :أعطهما الثلثين ،وأعط أمهما الثمن ،وما بقي فلك .ويروى :أن ِّ
ابني عمه سويد وعرفطة ،وروي أنهما قتادة وعرفجة ،وروي أن النبيء
ـ ‘ ـ لما دعا العم أو ابني العم قال ،أو قاال له :يا رسول اهلل ال نعطي
من ال يركب فر ًسا ،وال يحمل َك ًّال ،وال ينكي عد ًّوا .فقال :انصرف أو
انصرفا ،حتى أنظر ما يحدث اهلل فيهن .فنزلت آية {ﲙ ﲚ}
اآلية .وروي أنه لما نزلت هاته اآلية أرسل النبيء ـ ‘ ـ إلى ولي البنتين
نصيبا<( )1اهـ.
فقال :ال تفرق من مال أبيهما شي ًئا ،فإن اهلل قد جعل لهن ً
وتعتبر آية {ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ} من أكثر اآليات التي اتخذها
أعداء اإلسالم مطية للتشنيع عليه ،والطعن في أحكامه ،واالعتضاد بها
ألجل إثارة الشبهات ،والخلوص إلى أن اإلسالم دين ذكوري ،وشر ُع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1التحرير والتنوير 248/4( ،ــ .)249
28
الحقوق املالية للمرأة في اإلسالم
تمايُ ٍز وإجحاف للمرأة ،واعتبارها أقل شأ ًنا وأهلية من الرجل ،ولو أنهم
ر ُّدوا األمر إلى الفقهاء ،وأولي العلم بالقرآن واإلسالم؛ لعلموا أن هذا
عاما ،وال قاعدة مطردة ،وبأنها خاصة بحاالت معينة .فكون الحكم ليس ًّ
ميراث المرأة نصف ميراث الذكر ليس على إطالقه ،بل هناك حاالت
تكون المرأة مساوية له ،بل وقد يزيد إرثها عليه ،بل وقد ترث هي وال
يرث الرجل ..انظر إلى إرث األم إن كان للوارث ولد ،أليست ترث
السدس مثلها مثل ميراث األب؟ وانظر إلى حالة الكاللة ،أال ترث
األخت السدس مثلها مثل األخ؟ وانظر إلى الحالة التي ترث فيها البنت
عماها إن كانا اثنين ،ولم يكن لها من يعصبها (البنت ضعف ما يرثه َّ
وعماها الربع لكل واحد).
النصف َّ
والحاصل :أنه في أربع حاالت فقط :ترث المرأة نصف ميراث
الرجل ،في حين في أضعاف هذا الرقم تكون إما وارثة مثله ،أو أكثر
منه ،أو مستفردة باإلرث دونه.
وحتى في الحاالت التي ترث فيها أقل منه؛ فإنها تكون تحت رعايته
وقوامته ،لها مال إرثها يخصها وحدها ،وعليه اإلنفاق عليها.
29
الحقوق املالية للمرأة في اإلسالم
وعن علي بن حسين قال :قال لي> :أُرخي عليك الستر ،وأُغلِق
عليك الباب؟ قلت :نعم ،قال :وجب عليك الصداق<(.)1
فهذه النصوص الشرعية ،متضافرة مع فقهها وفهمها من أئمة العلم
من السلف الصالح ،من الصحابة الكرام ،وأهل البيت األبرار؛ تثبت هذا
الحق وتدل عليه.
وجالها
وقد أ ّكد تفسير المحققين من أهل العلم على تلك المعانيّ ،
في أوضح بيان ،قال الطاهر بن عاشور في تفسير هذه اآلية:
>والمخاطب باألمر في أمثال هذا كل من له نصيب في العمل
بذلك ،فهو خطاب لعموم األمة على معنى تناوله لكل من له فيه يد من
األزواج واألولياء ،ثم والة األمور الذين إليهم المرجع في الضرب على
أيدي ظلمة الحقوق أربابها .والمقصود بالخطاب ابتداء هم األزواج،
لكيال يتذرعوا بحياء النساء ،وضعفهن ،وطلبهن مرضاتهم ،إلى غمص
حقوقهن في أكل مهورهن ،أو يجعلوا حاجتهن للتزوج ألجل إيجاد كافل
لهن ذريعة إلسقاط المهر في النكاح ،فهذا ما يمكن في أكل مهورهن،
وإال فلهن أولياء يطالبون األزواج بتعيين المهور ،ولكن دون الوصول
إلى والة األمور متاعب وكلف قد يملها صاحب الحق فيترك طلبه ،وخاصة
النساء ذوات األزواج .وإلى كون الخطاب لألزواج ذهب ابن عباس،
وقتادة ،وابن زيد ،وابن جريج ،فاآلية على هذا قررت دفع المهور وجعلته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(> )1سنن سعيد بن منصور<( ،رقم.)764 /
31
الحقوق املالية للمرأة في اإلسالم
شر ًعا ،فصار المهر رك ًنا من أركان النكاح في اإلسالم ،وقد تقرر في عدة
آيات كقوله{ :ﱞ ﱟ ﱠ} وغير ذلك.
والمهر عالمة معروفة للتفرقة بين النكاح وبين المخادنة ،لكنهم في
الجاهلية كان الزوج يعطي ما ًال لولي المرأة ،ويسمونه ُحلوا ًنا ــ بضم
الحاء ــ ،وال تأخذ المرأة شي ًئا ،فأبطل اهلل ذلك في اإلسالم بأن جعل
المال للمرأة بقوله{ :ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ}...
وس ِّميت الصدقات نِحل ًة إبعا ًدا للصدقات عن أنواع األعواض، ُ
ضا عن منافع المرأة عند وتقريبا بها إلى الهدية ،إذ ليس الصداق عو ً ً
التحقيق ،فإن النكاح عقد بين الرجل والمرأة قصد منه المعاشرة ،وإيجاد
آصرة عظيمة ،وتبادل حقوق بين الزوجين ،وتلك أغلى من أن يكون لها
جزيال ومتجد ًدا بتجدد المنافع،
ً عوض مالي ،ولو جعل لكان عوضها
وامتداد أزمانها ،شأن األعواض كلها ،ولكن اهلل جعله هدي ًة واجب ًة على
إكراما لزوجاتهم ،وإنما أوجبه اهلل ألنه تقرر أنه الفارق بين النكاح
األزواج ً
وبين المخادنة والسفاح ،إذ كان أصل النكاح في البشر اختصاص الرجل
بامرأة تكون له دون غيره ،فكان هذا االختصاص ينال بالقوة ،ثم اعتاض
الناس عن القوة بذل األثمان ألولياء النساء ببيعهن بناتهن ومولياتهن ،ثم
ارتقى التشريع وكمل عقد النكاح ،وصارت المرأة حليلة الرجل شريكته
في شئونه ،وبقيت الصدقات أمارات على ذلك االختصاص القديمُ ،تميِّز
عقد النكاح عن بقية أنواع المعاشرة المذمومة شر ًعا وعادة ،وكانت
32
الحقوق املالية للمرأة في اإلسالم
المعاشرة على غير وجه النكاح خالية عن بذل المال لألولياء ،إذ كانت
تنشأ عن الحب أو الشهوة من الرجل للمرأة على انفراد وخفية من أهلها،
فمن ذلك الزنى الموقت ،ومنه المخادنة ،فهي زنى مستمر ،وأشار إليها
القرآن في قوله{ :ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ} ،ودون
ذلك البغاء وهو الزنا باإلماء بأجور معينة ،وهو الذي ذكر اهلل النهي عنه
بقوله{ :ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ
ﱾ} ،وهنالك معاشرات أخرى ،مثل الضماد وهو أن تتخذ ذات الزوج
خليال لها في سنة القحط لينفق عليها مع نفقة زوجها ،فألجل ذلك رجال ً
ً
سمى اهلل الصداق نحلة ،فأبعد الذين فسروها بالزم معناها فجعلوها كناية
عن طيب نفس األزواج أو األولياء بإيتاء الص ُدقات ،والذين فسروها بأنها
عطية من اهلل للنساء فرضها لهن ،والذين فسروها بمعنى الشرع الذي
ينتحل أي يتبع<( .)1اهـ
وقال البغوي في تفسير اآلية نفسها> :قال الكلبي ومجاهد :هذا
الخطاب لألولياء ،وذلك أن ولي المرأة كان إذا ز َّوجها فإن كانت معهم
كثيرا ،وإن كان ز َّوجها غريب ًا
قليال وال ً
في العشيرة لم يعطها من مهرها ً
حملوها إليه على بعير ،ولم يعطوها من مهرها غير ذلك ،فنهاهم اهلل عن
ذلك ،وأمرهم أن يدفعوا الحق إلى أهله.
قال الحضرمي :كان أولياء النساء يعطي هذا أخته على أن يعطيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1التحرير والتنوير 229/4( ،ــ ،)231باختصار.
33
الحقوق املالية للمرأة في اإلسالم
اآلخر أخته ،وال مهر بينهما ،فنُهوا عن ذلك ،وأُمروا بتسمية المهر في
العقد .أخبرنا أبو الحسن السرخسي ،أنا زاهر بن أحمد ،أنا أبو إسحاق
الهاشمي ،أنا أبو مصعب ،عن مالك عن نافع ،عن عبد اهلل بن عمر :
أن رسول اهلل ‘ >نهى عن الشغار<.
والشغار :أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوج الرجل اآلخر ابنته،
وليس بينهما صداق<( .)1اهـ
وهذا الشارع الحكيم الذي جعل في صداق المرأة تكريم ًا لها،
وتفريق ًا في عالقتها بزوجها بين النكاح الحالل الطيب والمخادنة ،وجعله
ُركن ًا من أركان الزواج الذي ال يصح إال بوجوده؛ قد خبر اختالف
العادات ،وعلم تباين المجتمعات ،فكانت الحكمة أال يحدد المهر
وسماه فيبمقدار ،وإنما جعل ذلك محتكم ًا إلى العرف والعاداتَّ ،
مهر ال ِمثيلة. ٍ
حاالت َ
ولعل من عجيب ما ترسخ في أذهان الرجال ،أن الفتاة الملتزمة
تزف بمهر هزيل ،مقارنة مع بنات جنسها من يفترض أن ترضى دائ ًما بأن َّ
غير الملتزمات! ويُرجعون ذلك ــ ظلم ًا وعدوان ًا وقلة علم ــ إلى الشرع،
ويقرنون بين الزهد وحسن التدين وبين استقالل المهر ،يحاولون أن
يفرضوا عليها فرض ًا أن تكون زاهدة وأن تقبل بشظف العيش مع المتقدم
لها ،وإن كانت قلة ذات يده بسبب تقصيره في طلب الرزق ،أو بسبب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تفسير البغوي.)565/1( ،
34
الحقوق املالية للمرأة في اإلسالم
اقتناعه بوجوب تخلّيها عن مهر مثيالتها ،واالكتفاء بما يجود به عليها من
قروش ،فإن أبت؛ اتهمها في ديانتها وأخالقها!
ولو كان الصداق محدد ًا بال ِقلة؛ لما ّميزه اهلل بالقنطار في كتابه
الحكيم ،ولما هدى من لم يستطع الطول (أي القدرة والسعة) إلى أن
ينكح من ملك اليمين ،وإال لكان أمر النساء بالتنازل عن المهور أو
التخفيف منها قدر استطاعة الخاطب المعوز ،فال َّطول يستلزم المقدرة
على المناولة ،ومادامت هذه المقدرة مفقودة مع صنف من النساء،
فليبحث عند غيرهن.
صحيح أن أيسرهن صداقا أكثرهن بركة ،لكن ليس هناك نهي صريح
ظاهر عن اشتراط صداق معقول يشابه مثيالتها ،وليس هناك أمر بأن
يعتنقن الزهد ،ويتنازلن عما يرينه ح ًّقا لهن.
ولست هنا بصدد الدفاع عن المغاالة في المهور ،وال التحريض
على عدم القناعة ،ولكن أبين خطأ يقع فيه بعض الرجال بفهمهم أن
العروس الملتزمة هي التي يلفها والدها هدي ًة ،ويسلمها للخاطب ،ال
لشيء ،إال ألنه ملتزم ،أو ألنه سينقذها من العنوسة .في حين أن اهلل
كثيرا كثرة
سبحانه قد أشار في محكم كتابه إلى أن هذا المهر قد يكون ً
غير متعارفة وال محددة...{ :ﱇ ﱈ ﱉ} ــ اآلية،
ويستحيل أن يمثِّل اهلل بما ال يرضاه شرع ًا ،فلو طُلب من الزوج أن يؤتي
زوجته قنطار ًا ،وكان مقتدر ًا على منحه موافق ًا عليه ،فإنه يصبح في حقه
35
الحقوق املالية للمرأة في اإلسالم
صداق ًا ،فمات قبل أن يدخل بها ،فلم يقل فيها شيئ ًا ،فرجعوا ،ثم أتوه
فسألوه؟ فقال :سأقول فيها بجهد رأيي ،فإن أصبت ،فاهلل يوفقني
لذلك ،وإن أخطأت ،فهو منِّي :لها صداق نسائها ،ولها الميراث ،وعليها
العدة ،فقام رجل من أشجع ،فقال :أشهد على النبي ‘ أنه قضى بذلك،
قال :هلم من يشهد لك بذلك؟ فشهد أبو الجراح بذلك(.)1
خول لها الشرع أن تطالب بالتفريق (عند الشافعية ما لم يدخل
بل قد َّ
بها) بينها وبين زوجها لإلعسار بالصداق ،وفي أقل األحوال فإن لها منع
والنظرة إلى ميسرة ،ولها كامل نفقتها (كما هو الحال عند نفسها منهّ ،
الحنفية) .وفي األمر تفصيالت وتفريعات وشروط( )2يضيق المقام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( (1مسند اإلمام أحمد ،ح (.)4099
( )2يشترط لل ّتفريق باإلعسار شروط ،هي:
ال ،كأن
الزوج وجوب ًا حا ًال :فإذا لم يكن واجب ًا عليه أص ًالصداق واجب ًا على ّ أ ــ أن يكون ّ
ال كأن يشترط في العقد تأجيله ،لم يكن مؤج ً
كان العقد فاسد ًا ولم يدخل بها ،أو كان وجوبه ّ
افعية قوالن:
فللش ّ
لها طلب ال ّتفريق بسبب ذلك ،فإن سلّم البعض وأعسر بالبعض الباقيّ ،
المالكية والحنابلة.
ّ األقوى منهما :جواز ال ّتفريق ،وهو مذهب
الزوجة قد رضيت بتأجيل المهر قبل العقد ،أو بعده بطريق ال ّداللة ،فإذا ب ــ أن ال تكون ّ
تزوجته عالم ًة بإعساره بالمهر لم يكن لها طلب ال ّتفريق بذلك ،وكذلك إذا علمت بإعساره ّ
حق في طلب ال ّتفريق لإلعسار بعد العقد وسكتت أو رضيت به صراح ًة ،فإ ّنه ال يكون لها ّ
العنة.
بالمهر بعد ذلك قياس ًا على ّ
وقد ا ّتفق القائلون بال ّتفريق لإلعسار بالمهر على أ ّن ال ّتفريق ال ب ّد فيه من حكم قاض به ،أو
الرفع إليهما ،فإن عجزت عن الزوجة على ّ محكّم ،أل ّنه فصل مجتهد فيه ،هذا إن قدرت ّ
افعية .وإن ثبت إعساره طلّق القاضي عليه الش ّ نص عليه ّ
للضرورةّ ،
وفرقت بنفسها جاز ّ ذلكّ ،
فور ًا ،وقيل :ينظره م ّد ًة يراها مناسبة ،وإن لم يثبت إعساره أنظره ،وقيل :يسجنه ح ّتى يدفع
المهر ،أو يظهر ماله فين ّفذه عليه ،أو يثبت إعساره فيطلّق عليه.
37
الحقوق املالية للمرأة في اإلسالم
المروج لها باسم الدين ،والدين منها براء ،فجعلت القوامة مرادفة للتسلط
والتسيد واالستئثار بالرأي ،بل وبالعيش! فأعطت للرجل عموما
ُّ والتجبر،
أحقية إلقاء األوامر ،وأفهمته أن دور المرأة مقتصر على تلبية رغباته ،دون
أن تكون لها رغبات وتطلعات وآراء قد تكون مخالفة لرأيه ولنظرته
للحياة ،وارتأى أن دوره كرجل يقتصر على أخذ حقوقه ،وبأن الحياة
األسرية أحادية القطب ،يبدو فيه دور المرأة باه ًتا ،بل ال وجود لها وال
قيمة ،ما لم يتكرم ويمنحها فرصة إثباتها ،ولخص دورها في أن تكون
َأمة ذليلة ،تعيش ألجل لقمتها وكسوتها ،إن وجدت ،وألجل أن تسهر
على راحته وأبنائه في مقابل ذلك.
نبيه
وكرمه ،وأمر ُّ
والحق أن اهلل سبحانه حاشاه أن يهين خلق ًا خلقه َّ
باإلحسان إليه ،بل إن اعتبار القوامة تسل ًطا قدح في حكمة الحكيم
سبحانه ،وفي عدله .
فما القوامة؟ وبم فسرها العلماء؟
>القوام والقيم بمعنى واحد ،والقوام أبلغ وهو القائم بالمصالح
والتدبير والتأديب<( ،)1قاله البغوي .
>أي يقومون بالنفقة عليهن والذب عنهن<( ،)2قاله القرطبي .
القوام :الذي يقوم على شأن شيء ويليه ويصلحه ،يقال :قوام وقيام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تفسير البغوي.)611/1( ،
( )2تفسير القرطبي.)168/5( ،
39
الحقوق املالية للمرأة في اإلسالم
وقيوم ،ألن شأن الذي يهتم باألمر ويعتني به أن يقف ليدير أمره ،فأطلق
على االهتمام (القيام) بعالقة اللزوم ،أو شبه المهتم بالقائم لألمر على
طريقة التمثيل ،...،وقيام الرجال على النساء هو قيام الحفظ والدفاع،
وقيام االكتساب واإلنتاج المالي<( .)1قاله ابن عاشور .
فالقوامة إذًا مسئولية ،وإدارة ،وقيام بالمصالح ،وتدبير للحياة،
ونفقة وذب ،ووالية وإصالح.
وعلى هذا االعتبار ،ومن هذا المنطلق :يكون إنفاق األب على
ال
ابنته ،واألخ على أخته ،واالبن على أمه ،والزوج على زوجته؛ داخ ً
في قوامته { ...ﱋ ﱌ} ،بل إنه يأتي يوم القيامة بحق مه َدر ،وأمانة
أمورهن .فقوامته وقيوميته مضيعة ،إن قرر عدم اإلنفاق على من َّ
واله اهلل َ
عليها تقتضي إنفاقه عليها .وما كان تفضيل اهلل له عليها؛ إال لتلك المزية
الجبلية التي تستلزم احتياجها له لحمايتها ولإلنفاق عليها ،ال يتغير ذلك
بتغير زمان وال مكان ،وال بتطور في األحوال المجتمعية ،وال بامتالكها
خصها اهلل به ،فنخوة الرجلراتب ًا تشقى وتك ّد للحصول عليه ،أو ما ًال قد ّ
س راضية ،ولو ِمن قليل ما آتاه اهلل، في كرمه وفي قيامه بمتطلباتها بنف ٍ
وكمال أنوثتها في صبرها على ضيق ذات يده ،وإعانتها له بصبرها
ورضاها ،وتدبيرها على نوائب األيام ،بل إن هذه النفقة واجبة عليه حتى
في حال الشقاق ،فتجب عليه النفقة والسكنى للحامل المطلقة طالق ًا
رجعي ًا ،أو بائن ًا ،حتى تضع حملها ،وذلك باتفاق الفقهاء؛ لقوله تعالى:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1التحرير والتنوير.)38/5( ،
40
الحقوق املالية للمرأة في اإلسالم
{ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ} .
{ﱌ ﱍ ﱎ وقد جاء في تفسير اآلية؛ عن ابن عباس ،في قوله:
فيبت
ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ} :فهذه المرأة يطلقها زوجهاّ ،
طالقها وهي حامل ،فيأمره اهلل أن يسكنها ،وينفق عليها حتى تضع ،وإن
أرضعت فحتى تفطم ،وإن أبان طالقها ،وليس بها حبل ،فلها السكنى
حتى تنقضي عدتها وال نفقة ،وكذلك المرأة يموت عنها زوجها ،فإن كانت
ال أنفق عليها من نصيب ذي بطنها إذا كان ميراث ،وإن لم يكن ميراث
حام ً
أنفق عليها الوارث حتى تضع وتفطم ولدها ،كما قال اهلل { :ﲼ ﲽ
ال ،فإن نفقتها كانت من مالها(.)1
ﲾ ﲿ} ،فإن لم تكن حام ً
>وقد اتفق الفقهاء على أن المطلقة طالق ًا رجعي ًا لها السكنى والنفقة
ال ،لبقاء آثار
ال أم حائ ًوالكسوة ،وما يلزمها لمعيشتها ،سواء أكانت حام ً
الزوجية مدة العدة.
كما اتفقوا على وجوب السكنى للمعتدة من طالق بائن إذا كانت
ال حتى تضع حملها. حام ً
ال ،كما اختلفوا
واختلفوا فيما لو كانت المعتدة من طالق بائن حائ ً
في وجوب السكنى والنفقة للمعتدة عن وفاة.
فعن إبراهيم ،قال :كان عمر وعبد اهلل بن مسعود يجعالن للمطلقة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تفسير الطبري (.)62/23
41
الحقوق املالية للمرأة في اإلسالم
وفي حديث آخر( :أال إن لكم على نسائكم ح ّق ًا ،ولنسائكم عليكم
ح ّق ًا ،فأما حقكم على نسائكم فال يوطئن فرشكم من تكرهون ،وال يأذ ّن
في بيوتكم لمن تكرهون ،أال وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن
وطعامهن)(.)1
وعدم طاعته وعصيانه في هذه األمور هو ما اصطلح عليه بالنشوز.
والطاعة ال تعني الخنوع والسلبية واالنقياد األعمى ،وال االنسالخ من
الشخصية ،بل ليست مطالبة بأن تطيعه في كل ما يأمر به ،وال من حقه
أن يحركها بآلة تحكم ،فال ترى إال ما يراه ،وال تنطق إال بعباراته ،بل
لها حرية الرأي ،وحرية التعبير وحرية التصرف في مالها ،دون وصاية
منه ،وال تسلط عليه ،ولها كل الحريات التي ال تتنافى مع الشرع ،ومع
طبيعتها األنثوية .وإنما الطاعة الواجبة التي تأثم إن لم تقم بها؛ في ما تم
اإلشارة إليه ،وهي مع هذه الطاعة الواجبة ،منصوحة بأن تكون لينة هينة،
تبرع في قراءة عينيه والتذلل له .فخفض الجناح تواضع ومسارعة إلى
تلبية طلبات الشريك في غير ما معصية ،وتذلل ولين له حتى ال تمتنع
من شيء يريده ويحبه .وليس في هذا أدنى مهانة لها ،وال هو خنوع أو
سلبية أو انعدام شخصية .وهو أمر مطلوب في الرجل أيض ًا ،إذ ال معنى
ألجل استقرار العالقة الزوجية أن يكون الضغط أو الميل على طرف
واحد من الطرفين ،فبقدر األخذ يكون العطاء ،وبقدر التشوف إلى ما
ضا إلى إسعاده ،وإدخال السرور عليه. يمنحه الشريك ،تكون المسارعة أي ً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1رواه الترمذي في سننه ،ح ( ،)1163وقال :حديث حسن صحيح.
45
الحقوق املالية للمرأة في اإلسالم
ضمنيا على
ًّ منه موافق ًة ضمنية على هذه المعاهدة ،تمام ًا كما يوافق هو
أن يرعاها ،ويقوم بشؤونها ،ويحقق لها السكن كي تؤدي مهمتها التي
خلقت ألجلها.
متى يقع الخلل في هذا األمر؟ ومتى يخلق إشكا ًال ويجعل المرأة
حق ألحد أن
تتحدث عن حريتها ،وعن أنها شخص ناضج مكلف ،وال ّ
يأمرها أو ينهاها؟
* عند اختالل موازين الفطرة ،فتطالب المرأة بالندية ،وترى أنه
أمرها إلى رجل ،في حين أنها لوال عنادها العترفت من الظلم أن يوكل ُ
بأن هذه الوصاية مهمة لها كأنثى كي تشعر باألمان.
األمر في التسلط عليها ،كي يثبت لها
الرجل هذا َ
ُ * حينما يستغل
أنها ليس سوى امرأة وهو الذكر.
* عند عدم الفهم الصحيح لمناطات األحكام الشرعية ،إما بسبب
نفسه لضعف في االستيعاب ،أو من خالل ما يروجه بعض من الشخص ِ
المتصدرين للفتوى وللموعظة من أخطاء بسبب فهومهم القاصرة.
* عند عدم معرفة حدود ما ال يمكن مناقشته أو ر ُّده من الشرع،
بمعنى حينما ال يفهم الشخص أنه عندما يناقش أمر ًا ثابت ًا بالنص الصحيح،
أكثر من َر ِّد
يفعل َ
ويحاول رده ،وتجاوزه الى األحكام الوضعية؛ فإنه ال ُ
ُحكمِ اهلل.
47
الحقوق املالية للمرأة في اإلسالم
>ما أحب أن أستنظف جميع حقي عليها< ،ألن اهلل تعالى ذكره يقول:
{ﲎ ﲏ ﲐ} ،ومعنى >الدرجة< ،الرتبة والمنزلة..
وهذا القول من اهلل تعالى ذكره ،وإن كان ظاهره ظاهر الخبر ،فمعناه
معنى ندب الرجال إلى األخذ على النساء بالفضل ،ليكون لهم عليهن
فضل درجة<(.)1
ومن حديث عبد اهلل بن عمر أن رسول اهلل ‘ قال( :ال يحلبن
أحد ماشية امرئ بغير إذنه ،أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته
فينتقل طعامه؟ فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم ،فال يحلبن
أحد ماشية أحد إال بإذنه)(.)1
البر> :في هذا الحديث النهي عن أن قال اإلمام الحافظ ابن عبد ّ
يأكل أحد أو يشرب أو يأخذ من مال أخيه شي ًئا إال بإذنه ،وذلك عند أهل
العلم محمول على ما ال تطيب نفسه.
قال :وفي هذا الحديث أيض ًا ما يدل على أن من حلب من ضرع
الشاة أو البقرة أو الناقة بعد أن يكون في حرز؛ ما يبلغ قيمته ما يجب فيه
القطع ،أن عليه القطع؛ ألن الحديث قد أفصح بأن الضروع خزائن
للطعام ،ومعلوم أن من فتح خزانة غيره أو كسرها ،فاستخرج من المال
أو الطعام أو غيره ما يبلغ ثالثة دراهم أنه يقطع.)2(<...
وقال اإلمام الحافظ البغوي > :والعمل على هذا عند أكثر أهل
العلم أنه ال يجوز أن يحلب ماشية الغير بغير إذنه ،فإن اضطر في مخمصة
غير حاضر ،فله أن يحلبها ويشرب ويضمن للمالك ،وكذا سائرومال ُكها ُ
األطعمة.)3(<...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1رواه البخاري ،ح ( ،)2435ومسلم ،ح (.)1726
( )2التمهيد 206/14( ،ــ ،)212باختصار.
( )3شرح السنة للبغوي ،)233/8( ،حديث (.)2168
50
الحقوق املالية للمرأة في اإلسالم
وعن أبي حميد الساعدي أن النبي ‘ قال> :ال يحل المرئ أن
يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفسه<( ،)1قال >ذلك لشدة ما حرم اهلل من
مال المسلم على المسلم< بل ال حق للقائم على شأنها في أن يلزمها بدفع
حصة من مالها لمصاريف البيت إن لم يكن ذلك بطيب خاطرها ،فعن
أبي حرة الرقاشي ،عن عمه أن النبي صلى اهلل عليه وآله وسلم قال> :ال
يحل مال امرئ مسلم إال عن طيب نفس<(.)2
فهذا الذي يستحوذ على بطاقتها البنكية ،فيمنعها من التصرف في
عمن يرغمها على أن توقع لهفضال ّأموالها حسب إرادتها بالمعروفً ،
الشيكات بما يريده من مال ،ويسحب بها مالها من غير إذنها وال رضاها،
آكال للسحت؟ ألن بل وقد يساومها على ذلك ببقاء عيشها معه ،أليس ً
راتبها الذي يستحوذ عليه ــ من غير طيب خاطرها ،بل يضطرها إلى
جهال ،بأنها ليست عاصية إذا ما منعته
ذلك إما خو ًفا منه ،أو حيا ًء ،أو ً
حقها ــ هو من السحت ،فكم من زوج هو أقرب إلى السارق منه إلى
القوام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1رواه أحمد ( ،)23605وابن حبان ( ،)5978والطحاوي ( ،)2822وصححه الشيخ
األلباني والشيخ شعيب.
( )2أخرجه الدارقطنى ( ،)2886وأبو يعلى ( ،)1570والبيهقى ( ،)11545وصححه األلباني
في إرواء الغليل (.)1459
51
الحقوق املالية للمرأة في اإلسالم
أسرع نسائه لحو ًقا به ألنها أطولهن ي ًدا ،فعن عائشة قالت :قال رسول
اهلل ‘> :أسرعكن لحاق ًا بي أطولكن يد ًا< ،فكن يتطاولن أيتهن أطول
يد ًا .قالت :فكانت أطولهن يد ًا زينب ،ألنها كانت تعمل بيدها
وتتصدق ،وإنها كانت امرأة قصيرة ،ولم تكن أطولنا<( ،)1ولكنها كانت
أطولهن ي ًدا ،ليس بمقاييس الطول وإنما بما تتصدق به.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1صحيح مسلم (.)2452
53
الحقوق املعنوية للمرأة في اإلسالم
ل
اوقحلقا معنويةرمللأةفاإلالسم
الحقوق السياسية:
هل من حق المرأة ممارسة السياسة؟ هل كفل لها الدين اإلسالمي
هذا الحق؟
هذا واحد من جملة الموضوعات التي ألهبت الساحات الفكرية
والبحوث األيديولوجية المتخصصة في حقوق المرأة في اإلسالم ،ولم
ضا من مضيِّقين حرموا المرأة من أي مشاركة سياسية كيفما كان يسلم أي ً
نوعها ،واعتبروها ندي ًة للرجل ،وتطاو ًال على شرع اهلل ،وممن جعلوا من
نضاليا ،يمارسون من خالله البحث عن حريتها وكرامتها،
ًّ الموضوع ح ْق ًال
وحقوقها المزعومة ،ويتخذون من تمثيلية النساء في الحقل السياسي
أساسيا لتحقيق الديموقراطية ،وللترويج لبرامجهم السياسية، ًّ شر ًطا
والتهام اإلسالم بالتعسف في حق المرأة.
مجاال أن تضع فيه بصمتها ،لكن دون أن تنتهجه أحيا ًنا كثيرة ،فترك لها ً
بالشكل الذي يعيقها عن أداء مسؤولياتها .فالمرأة في صدر اإلسالم التي
النداء ،واختارت عن طواعية وطيبَ سمعت منادي الهجرة؛ قد ّلبت
قرارها السياسي واالستراتيجي في ترك موطنها قصد االستيطان في خاطر َ
مكان قد حدده لها النبي ‘ ،سواء في الهجرة األولى إلى الحبشة ،أو
الثواب على ذلك سواسية مع الرجل
َ الهجرة إلى المدينة .فر ّتب لها الشر ُع
({ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍﱎ
ﱏ ﱐ ﱑﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ
ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ
ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ} [آل عمران ،]195 :قال
صاحب التحرير والتنوير في تفسير اآلية> :ووجه الحاجة إلى هذا
البيان هنا أن األعمال التي أتوا بها أكبرها اإليمان ،ثم الهجرة ،ثم الجهاد،
ولما كان الجهاد أكثر تكر ًرا خيف أن يتوهم أن النساء الحظ لهن في
تحقيق الوعد الذي وعد اهلل على ألسنة رسله ،فدفع هذا بأن للنساء حظهن
في ذلك ،فهن في اإليمان والهجرة يساوين الرجال ،وهن لهن حظهن في
ثواب الجهاد؛ ألنهن يقمن على المرضى ،ويداوين الكلمى ،ويسقين
الجيش ،وذلك عمل عظيم ،به استبقاء نفوس المسلمين ،فهو ال يقصر عن
القتال الذي به إتالف نفوس عدو المؤمنين<(.)1
وهي نفسها المرأة التي سارعت إلى مبايعة نبيها عليه أفضل الصلوات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1التحرير والتنوير.)203/4( ،
55
الحقوق املعنوية للمرأة في اإلسالم
والتسليم بعد صلح الحديبية ،والمبايعة كما أخبر عنها ابن حجر في
ميت بذلك تشبي ًها بالمعاوضة المالية<(،)1 الفتح> :عبارة عن المعاهدةُ ،س ْ
الع ْهد على
وقال عنها ابن خلدون في >مقدمته<> :اعلم أ َّن البيعة هي َ
الطاعة ،كأن المبايع يعا ِهد أميره على أنه يسلم له النَّ َظر في أمر نفسه وأمور
من األمر
المسلمين ،ال ينازعه في شيء من ذلك ،ويطيعه فيما يكلفه به َ
والم ْك َره ،وكانوا إذا بايعوا األمير وعقدوا عهده ،جعلوا الم ْن َش ِط َ
على َ
فسمي ِ
أيديَهم في يده تأكي ًدا للعهد ،فأشبه ذلك ف ْعل البائع والمشتريُ ،
وصارت البيع ُة مصافَحة باأليدي ،هذا مدلولها في ِ بيعة ،مصدر باع،
ُعرف اللغة ومعهود الشرع ،وهو المراد في الحديث في بيعة النبي ـ ‘ ـ
ليلة العقبة وعند الشجرة ،وحيثما ورد هذا اللفظ<( .)2فهي إذن ميثاق
بين رئيس مطالب بالحكم بالكتاب والسنة والنصح للمسلمين ،وبين
مرؤوس ملزم بحسن الطاعة في المعروف دون شقاق وال منازعة.
وهي نفسها المرأة التي أشارت على نبيها بحل راجح ناجع بعد
ُصلح الحديبية ،متمثلة في أم سلمة رضي اهلل عنها وأرضاها ،والتي قال
عنها ابن حجر ـ ـ في اإلصابة> :وكانت أم سلمة موصوفة بالجمال
البارع ،والعقل البالغ ،والرأي الصائب ،وإشارتها على النبي ـ ‘ ـ يوم
الحديبية تدل على وفور عقلها ،وصواب رأيها<( ،)3فأفتت زوجها
ورسولها أن ينحر ويحلق فيتبعه الناس على ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1فتح الباري.)64/1( ،
( )2تاريخ ابن خلدون.)261/1( ،
( )3اإلصابة.)406/8( ،
56
الحقوق املعنوية للمرأة في اإلسالم
حق العمل:
1ــ بين سعة الشريعة وضيق بعض أتباعها:
جميل أن تكون المرأ ُة مصون ًة مقدسة ،يتعب الرجل ويشقى كي
ينفق عليها ،ويوفر لها حاجياتها ،بل وينفق على من يخدمها ،ويخدم
أبناءها .أميرة متوجة في بال ِط كري ٍم شهم قوامُ .
نؤوم الضحى ،تستيقظ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سير أعالم النبالء ،الصحابة ،أم عمارة.)279/2( ،
58
الحقوق املعنوية للمرأة في اإلسالم
متى أرادت ،وتنام حينما تود ذلك ،وتمضي وقتها ترعى أنوثتها ،وحق
من حولها عليها .أو لربما بانشغالها بطلب العلم ،وبصقل مواهبها،
وتثقيف نفسها ،ورعاية أنوثتها وجمالها ،فتتفرغ بذلك للتحصيل
ضا أن
ولإلنجاز ،وتحقيق ذاتها وأداء رسالتها ،وإن لم تخرج .وجميل أي ً
يكون الرجل ممن يقدرون مساهمة المرأة في بناء المجتمع ،وخدمة األمة،
بما حباها اهلل من مؤهالت علمية وشخصية ،تمنحها فرصة اإلسهام في
اإلنجاز واإلبداع ،ما دامت محافظة على حجابها الشرعي ،وعلى حيائها،
وال تعطي القيمة لعملها أو دراستها على حساب حقوق من حولها ،وما
سيسألها اهلل سبحانه عنه يوم القيامة.
جميلة ج ًّدا هذه المراعاة لظروف وميوالت كل شخص ،ما دام ال
يخرج باختياره عما شرع اهلل ،وال يتعدى حدوده .لكن المؤسف في
مقاربة موضوعات المرأة بصفة خاصة :إما هذا االنحالل الذي يرفع
قويا
شعارات حرية المرأة ،ومساواتها للرجل ،فيجعل منها َر ُجلة ون ًّدا ًّ
له ،أو هذا التزمت والورع البارد المميت الذي ينم عن ضحالة فكر،
وسوء فهم لألحكام ولمناطاتها ،وعن قَ ْد ٍح ِضمني في حكمة اهلل سبحانه
الذي أبدع خلقه مذ أنشأهم ،في اختالف وتباين وتنوع ،بل وتناقض
ضا .ناهيك عن اختالف البيئات ،واختالف العادات ،ومقابلتها بتعميم أي ً
األحكام ،انطال ًقا من زاوية رؤية المفتي أو المتصدر لهذه الموضوعات.
لست هنا كي أتحدث عن تفصيل ُحكم عمل المرأة شر ًعا ،فخالصة
59
الحقوق املعنوية للمرأة في اإلسالم
صارت إليه لوال أنها درست وتفوقت ،وأخذت على عاتقها مساعد َة
واجبا في حقها في بعض الحاالت ،كوفاة العمل ً
ُ الناس؟ وبأنه قد يصبح
المعيل ،أو انفصالها عن زوجها ،فتجد حينها شهاداتها المدرسية أو ُ
سببا ومو ِر ًدا لرز ٍق يُغنيها عن التك ُّفف ،ولوظيفةٍ محترمة تساعدها
الجامعية ً
على مواجهة الحياة.
ثم ها هي األيام تمر ألجدها تتعاطف مع أرامل ومطلقات ،وتبارك
عملهن في البيوتات ،وامتهانهن ــ الحتياجهن ــ لغسل أدراج العمارات،
ومساعدة ربات البيوت في عملهن ،وتحملهن في سبب ذلك أذى بعض
المتسلطات ــ بل والمتسلطين منعدمي المروءة ــ ،وإهانتهن مقابل بضع
المنطق األعوج ،والتعنت القاتل ،والتزمت والتنطع،
َ فاتهمت
ُ دريهمات،
الذي أصبح عند بعض الدعاة وسيلته ،ليقنعك بالتزامه وتمسكه بالدين،
ألف عالمةِ استفهام.
وربما ليضع أمام التزامك أنت َ
لألسف ،ما زلنا منهمكين في مقاربة قضايا المرأة؛ في محاولة
توصيف الداء ،وما زلنا ندور حول نفس القرص الذي تبنته الخطابات
التوعوية مذ نشوء الحركات اإلسالمية التحررية ،وما زال الدواء بعيد ًا
عن أن يقوم بدوره العالجي ،ما دامت هناك خطابات ،كلما ظننا أن وعي
المرأة قد تطور ،تعود به إلى الصراعات التي ِخ ْلنا لفترة أنه قد تم الحسم
فيها .فنجد أنفسنا مضطرين لتوضيح الواضحات ،ومحاولة إعادة بناء
وعي المرأة ،الذي تكالبت عليه مثبطات من نفسها ،ومن نوعية الخطابات
62
الحقوق املعنوية للمرأة في اإلسالم
الموجهة إليها ،والتي تركز إما على تسليعها ،أو على الحفاظ عليها من
التسليع بالتعليب ،وحصر كل الخطاب لها في كونها فتنة.
بالنفع عليها؟
القوام الذي يشترط عليها عدم العمل ،ورأت فيه إن جاءها َّ
مواصفات قد ال تجدها في غيره ،ووعدها بأنه سيكرم مثواها ،وسيكفيها
َه َّم الخروج والتعب ،فالشهادة إن حملتها معها لبيتها؛ فلن تثقل عليها.
ولن تحتاج منها إلى طعام وال إلى شراب أو فائق عناية .ووظيفتها :يكفيها
منها استقالة كي تستع َّد لحياتها الجديدة.
وإن جاءها من يريدها موظفة ألي سبب من األسباب؛ فشهادتها أو
وظيفتها معها.
وإن قدر اهلل فرا ًقا من زوج ،بسبب موت أو طالق ،وغاب السند
من األهل؛ فشهادتها تخول لها بإذن اهلل العمل والعيش الكريم.
فلتتعلم ولتتفوق ،ولتحصل على أعلى الشهادات والمراتب،
ولتجعل لها من دراستها رسالة في الحياة.
3ــ لتختر المهنة التي تؤدي عبرها رسالتها ،وال تخالف طبيعتها
وأنوثتها وشرع ربها!
دور المرأة في المجتمع دور حساس ،فهي جيل ،وهي صانعة أجيال.
فلتكن موسوعية ،ولتجعل بحثها واهتمامها بكل ما يدور حولها من
65
الحقوق املعنوية للمرأة في اإلسالم
66
الحقوق املعنوية للمرأة في اإلسالم
أن تتسمر بالشارع الساعات الطوال تنظم قوافل السير ،أو تلك التي
اختارت أن تكون سكرتيرة خاصة لرجل ،أو تلك التي زاحمت الرجال
في ورشة بناء ،أو غيرها من األعمال التي تنافي طبيعة األنثى الرقيقة
المعطاء ،وتجعلها مجرد شكل ال جوهر لها وال ُك ْن َه ،وال رسالة حقيقية
تؤديها عبر عملها ذاك ،يخدم المجتمع ،ويستثمر العقول ،ويقرب زلفى
من اهلل.
67
الحقوق املعنوية للمرأة في اإلسالم
الكريم ،وإلعمار الوقت بما ينفعها ،وينفع الناس حولها ،وبأنه ال يعدو
أن يكون وسيلة ،وليس غاية في ذاته ،وبأن تنسف تلك األفكار المستوردة
التي مفادها أنه مناسبة لتحقيق الذات ،ولصقل الشخصية ،ووسيلتها
لمنافسة الرجل في ميادينه..
حينما ستقتنع بكل هذا ،وبأن مسؤوليتها أشرف وأنبل من أن تضعها
في الميزان مع العمل؛ سترتاح وتريح ،وستنتج أفضل ،وستحتسب أكثر،
وستصنع مجتم ًعا يستحق االستخالف.
المشبوهة ،أو بالوظائف المحرمة ،وأن تستشعر رقابة المولى لها في كل
خطواتها ،واألمانة التي عليها رعايتها ،وماء وجه زوجها الذي عليها أن
تحفظه ،أو الثقة التي منحها إياها والداها بهذا الخروج.
هذه جملة من ضوابط ،إن استطاعت المرأة االلتزام بها؛ فقد مارست
حقها ،ولم تأت اهلل يوم القيامة بحقوق مهضومة ،وأمانات مضيعة.
6ــ تحقيق الذات ليس مشرو ًطا بالخروج إلى العمل ،والتطوير ال
يقف ضده مكوث بالبيت:
الخروج إلى العمل أو المكوث بالبيت يحدده باألساس ــ كما سلف ــ
اختيار المرأة ،وموازناتها المؤطرة بالضوابط الشرعية ،فليس المكوث
بالبيت في نفسه مزية ،وال الخروج مظنة للفاعلية وتحقيق مبادئ
االستخالف ،وإنما مناط األمر فيما ستؤديه هذه المرأة من موقعيها،
وكيف ستتعامل مع الظروف المحيطة بها ،كي ال تضيع ح ّق ًا ،وال تصنع
بحطام ما ستسأل عنه يوم القيامة.
مجد ًاُ ،
ولعل ربط تحقيق الذات والطموحات بالخروج إلى العمل ،إطالق
لحكم يفترض أن تقننه الوسائل واألهداف والنتائج ،فتحدده درجة يقظة
المرأة ،وفهمها لحاجياتها الروحية والفكرية ،وحدود طاقتها ،ووعيها
بمآالت ومقاصد دورها ،وأيض ًا بتحديدها بدقة معنى >تحقيق الذات<.
70
الحقوق املعنوية للمرأة في اإلسالم
أفصح منك يا رسول اهلل .فقال :وما يمنعني ،وأنا من قريش ،وأُرضعت
في بني سعد؟ فهذا ونحوه كان يحملهم على دفع الرضعاء إلى المراضع
األعرابيات .وقد ُذكر أن عبد الملك بن مروان كان يقول :أضر بنا حب
الوليد ،ألن الوليد كان ل َّحا ًنا ،وكان سليمان فصي ًحا ،ألن الوليد أقام مع
أمه ،وسليمان وغيره من إخوته سكنوا البادية ،فتعربوا ،ثم أُدبوا فتأدبوا،
وكان من قريش أعراب ،ومنهم َح َضر ،فاألعراب منهم بنو األدرم ،وبنو
محارب ،وأحسب بني عامر بن لؤي كذلك ،ألنهم من أهل الظواهر،
وليسوا من أهل البطاح< اهـ(.)1
إذن فدعوى أن األم تجحف بابنها إن هي سلمته لغيرها ألجل
التنشئة ،إن اختارت العمل ،أو الدراسة خارج البيت؛ دعوى باطلة
مبتورة ،مشروطة بأن تكون لم تحسن اختيار المربية ،ولم تفطن للتوازنات
تحرت فال لوم عليها،
والتنازالت التي عليها أن تخوضها بحكمة .أما إن َّ
ولو كان باألمر ما يعيبها ،أو ما يجعلها تخالف الشرع أو الفطرة ،لكان
سباق ًا إلى نهيها عن ذلك ،بل قد جعل اهلل عند تعسر الحياة بين
اإلسالم ّ
الزوجين ،وتعاسرهما في مسألة اإلرضاع ،أن ترضع له أخرى ،ولم يلم
األم إن رفضت اإلرضاع.
الشاهد ،لست هنا بصدد تشجيع األمهات على عدم إرضاع أبنائهن،
وال عن استغنائهن عن أحضانهن لهم ،وإنما أنا بصدد تصحيح مفهوم من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1الروض األنف (.)168/2
74
الحقوق املعنوية للمرأة في اإلسالم
جعل أن غياب األم عن بيتها في حالة طلب رزق ،أو علم ،أو حتى
وجرمها؛ ألنها
الهتمام بأمورها الشخصية أو الزوجية؛ مجح ًفا باألبناءّ ،
سلمت تربيتهم لغيرها .ستكون ظالمة لهم مقصرة معهم إن لم تحسن
اختيار من يتولى المهمة في غيابها ،وليس ألنها اختارت لهم المربيات.
عهدنا في مجتمعاتنا ،واألمر قائم إلى حد اآلن ،أن يعهد بتربية األوالد
حتى في وجود األم بالبيت إلى >الدادا< ،وفي مجتمعات بعينها يتم اختيار
يوما على
المربية بمواصفات معينة ،كي تحسن هذه التربية ،ولم يعب أحد ً
أب وال على أم أن فعال ذلك .ثم في سن معينة ،يسلم األطفال إلى
ال
>المؤ ِّدبين< الذين يعلمونهم مبادئ الحياة ،والسلوكيات القويمة ،فض ً
عن تلقينهم العلوم المختلفة ،لكن دأب بعض المتصدرين للدعوة على
دغدغة المشاعر بتجريم المرأة إن هي اختارت أن تجعل ألبنائها من
يرعاهم في غيابها ،ولجأوا إلى االبتزاز العاطفي ،كي يروجوا لفكرتهم،
واختيارهم لذويهم من النساء عدم االنخراط في العمل أو التعلم ،بدعوى
سد الذرائع ،ليخرجوها في النهاية مقصرة مارقة من الدين.
العمل بريء من االتهامات الملحقة به؛ والشهادة األكاديمية لم
تجرم في شيء ،وال يمكن بحال أن نمنع المرأة من التعلم ،ومن تحقيق
طموحاتها ،فقط للخوف من التقصير ،وس ًّدا للذرائع ،وإنما دورنا أن
نعلمها كيف توازن بين المسئوليات ،وأن نمدها بما يعلمها حقوقها
وواجباتها أمام اهلل ،ونساعدها على عدم السقوط في تضييع األمانات.
75
الحقوق املعنوية للمرأة في اإلسالم
تستطيع بما حباها اهلل من قدرات أن تجمع بين الكثير من األشغال ،ومن
الرساالت ،دون إفراط أو تفريط .إن نحن نجحنا في جعلها تميز بين
األولويات ،وربيناها على تقوى اهلل وخشيته بالغيب ،وعلى استشعار أنها
مسئولة على ما استرعاها موالها ،وفتحنا أمامها المجال كي تبدع ،وكي
تيم ًنا بأمهات المؤمنين ونساء
تخدم مجتمعها بما أوتيت من مؤهالتّ ،
اآلل واألصحاب ،وربيناها على ثقافة الحق والواجب ،فقد كسبناها وكسبنا
مجتم ًعا متواز ًنا ال قمع فيه لجنسها ،وال هضم فيه لحقها في العطاء ،وال
تهميش لدورها الفعال الذي لن تتقنه إال إن استرجعت ثقتها في مقوماتها،
وفي دورها في االستخالف الفعال.
إن أزمة هوية المرأة ،وتحقيق ذاتها ،هي أزمة وعي قبل كل شيء،
وأزمة خطاب يرى الحل في تقوقعها ،وفصلها عن الواقع ،وعن األدوار
الطالئعية ،التي تميزت بها نساء اآلل واألصحاب رضوان اهلل عليهن.
ضوابط الختالط:
هل صار ذكر >عدم االختالط< كضابط من ضوابط عمل المرأة
المتحدث إليه وخز ُة الضمير كي يقنع نفسه بأنه
َ مجرد ِذكر صوري ،يدفع
َ
قد قال على كل حال ما يجب أن يقال ،وأزاح عنه َه َّم األمر بالمعروف،
ضا إلى ضابط ،وإعادة والنهي عن المنكر؟ أم أن هذا الضابط يحتاج أي ً
76
الحقوق املعنوية للمرأة في اإلسالم
تعريف ،ودقة في َو ْضع َح ِّده ،فال يدخل فيه من المفردات ما ليس منه؟
وهل إطالق الحديث عن ضبط إباحة عمل المرأة بعدم االختالط؛
بالمفهوم المطلق لالختالط؛ سائغ واق ًعا ،خاصة في عصرنا الذي
تضاعفت فيه الكثافة السكانية ،وتغيرت مناهج الحياة ،وتكاثرت
الوظائف ،وازدادت الحاجة إلى وجود المرأة في مجاالت متعددة ،هي
تحر ًزا من اللجوء إلى الرجل فيها؟
من تخصصها ،أو ُّ
ضا ،في مقابل مجتمع نِسوي
ذكوريا مح ً
ًّ هل نستطيع أن نصنع مجتم ًعا
محض ،بكل مرافقه ،وشوارعه ،ومنشئاته ،ومصانعه ،ومستشفياته،
ومدارسه ،ودكاكينه ،وإداراته ،وأسواقه...؟؟
لو استطعنا فعل ذلك ،فسيكفينا ساعتها الحديث عن االختالط
المذموم ،وأضراره وحدوده وما إلى ذلك.
إنما نحن نتعامل مع قضايا مجتمعاتنا بما هو كائن ،موجود ،سائد،
مثاليا،
ال بما ينبغي أن يكون .ومجتمع أفالطون المثالي يبقى على الدوام ًّ
فلنكف عن المناداة بالمثالية والخيال،
َّ وال فرصة له أن يُ ْن َجز على الواقع،
ولنتعامل مع القضايا بما يفرضه علينا الواقع ،وبما جاءنا من أحكام شرعية
وتسي َبها.
تنظم الحياة ،وتقنِّن فوضويتها ُّ
مجتمع النبي ‘ كان مختل ًطا ،بمعنى أن المرأة كانت تخرج لحاجتها
بقدر الحاجة ،وكان الرجل يصادفها في طريقه ،فحثهما الشرع على ضبط
77
الحقوق املعنوية للمرأة في اإلسالم
سببا في إزهاقها.
ً
يفضل جن ًسا على آخر، دين عدل وإنصاف ،لم ِّ اإلسالم َ
ُ ولما كان
ّ
يفرق بين الذكر واألنثى في األحكام الشرعية العامة ،عدا ما يختص ولم ِّ
به نوع دون آخر للفطرة والجبلة الخلقية والرسالة في الحياة ،فقد أعطى
المرأة الحق في اختيار الزوج ،والقبول به أو رفضه ،حسب األحوال،
خول ذلك للرجل ،ولم يحجر على اختياراتها وال ألزمها ــ كما تماما كما َّ
ً
ص معين، يحلو للكثير أن يلصقوه بالدين ،والدين منه براء ــ بقبول شخ ٍ
بحجة الخشية عليها من الفتنة ،أو إلزامها بالقبول بأول متق ِّدم ،وإن كان
ال يمأل عينها ،ولم ترتح له ،ولم تتقبل شكله أو روحه ،وجعلوها آثمة رادة
لشرع اهلل ،باطرة للنعمة ،إن هي رفضته ،وقد استدلوا على ما ذهبوا إليه
بالحديث المتداول ــ وهو ضعيف ــ:
ضا ،إنما يُرجع في ذلك إلى أهل الصنعة .ومع ذلك ،وبغض النظر عن أي ً
صحته أو ضعفه؛ فإنه ال يفيد الوجوب ،وال يلزم المرأة بقبول من لم تتقبل
غيرها من
شكله ،أو مستواه الفكري ،أو المادي ،أو االجتماعي ،أو َ
المواصفات التي ال تحبذها في شريك حياتها ،وترى أنه لن يمأل عينها وال
قلبها ،وال يناسبها وال يوافقها.
فالدين اإلسالمي الذي جعل من الزواج سك ًنا لألرواح ،ومها ًدا
للتآلف ،ولتحقيق السكينة وإشباع العواطف ،وصرف القلب والنظر عن
الحرام ،يستحيل أن يعضل المرأة ــ وكذا الرجل ــ على العيش مع من ال
يحقق لها ما ألجله شرع الزواج .فالكفاء ُة بين الزوجين معتبرة عند الفقهاء،
كما أن المرأة إذا لم تطمئن للخاطب ولم ترتح له؛ لم يجبرها الولي على
الزواج به ،وليس ألحد أن يجبرها على ذلك ،وأن يضع تدينها وخوفها من
المولى في الميزان لهذا السبب.
ولعل امرأة تشفَّع عندها رسول اهلل ــ صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم ــ
المتيم بها ،المكلوم على فراقها ،فرفضت أن تبقى معه؛ رحم ًة بزوجها ّ
ألبلغ مثال على عظمة هذا الدين الذي منح المرأة واسع النظر ،وكامل
الحرية في اختياراتها التي ال تخالف الشرع .جارية ،قد كانت منذ لحظات
ترفل في قيود االستعباد ،بمجرد ما حصلت على عتقها ،وعلمت أنها في
زواجها بالخيار ــ بمقتضى الشرع ــ بين أن تبقى على ذمة زوجها العبد
وكل مبررِها؛ ّأال حاجة
المملوك ،وبين أن تتركه؛ اختارت نفسها وتركتهُّ ،
82
الحقوق املعنوية للمرأة في اإلسالم
جميلة بنت عبد اهلل بن أبي ـ ـ لما أتت النبي ‘ تخبره ببغضها
لزوجها من غير سبب يُذكر ،سوى أنها رأته مع غيره من الرجال ،فنفرته
روحها( ،)1وهو خطيب األنصار ،البليغ المفوه ،جهير الصوت ،وأحد
نجباء أصحاب النبي ـ ‘ ـ ،وممن شهدوا أُح ًدا وبيعة الرضوان ،وممن
قال عنهم الرسول عليه أفضل الصالة والتسليم> :نِعم الرجل<( ،)2وهو
محب الجمال الذي قال من بين ما قاله للرسول ‘ وهو يبثه خشيته أن
يكون قد هلك ...> :وإني امرؤ أحب الجمال<( ،)3ومع اجتماع كل هذه
المواصفات فيه ،إال أ ّن أمر القلب عجيب ،وشأن الروح غريب ،تألف
من غير قوانين ،وكذا تفعل إذا ما أَنِ َفت ونفرت.
لم يناقشها في أسباب طلبها الفراق ،وال ذ ّكرها بمناقبه وصفاته التي
قلَّما اجتمعت في شخص ،وال نهرها أوعاتبها على ازدراء خلق اهلل،
وإنما سألها أن تختلع ،وترد على زوجها ماله ،بفطنة المحنك في أحوال
األرواح والقلوب ،التي قال عنها فيما قاله عليه أفضل الصالة والتسليم:
مجندة ،فما تعارف منها ائتلف ،وما تناكر منها اختلف<(،)4
األرواح جنود ّ
ُ >
وبرحمة الولي الحريص على أال تضطر موليته إلى أن تعاشر على مضض من
تأنفه روحها ،وتزدريه عينُها ،أو أن يضطر شريكها أن يعيش معها وهي
حال للمعضالت. التطيقه ،وبكل البساطة التي جعل ألجلها الفراق ًّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابن ماجه.)2056( ، ()1
الترمذي.)3797( ، ()2
معجم الطبراني الكبير.)67/2( ، ()3
مسلم ،)2638( ،وأبو داود.)4834( ، ()4
88
الحقوق املعنوية للمرأة في اإلسالم
ويتأكد القول بلزوم الخدمة على المرأة إذا جرت العادة به،
وتزوجت دون أن تشترط ترك الخدمة؛ ألن زواجها كذلك يعني قبولها
الخدمة؛ ألن المعروف عر ًفا كالمشروط شر ًطا ،وقد رجح جماعة من
أهل العلم القول بوجوب خدمة الزوجة لزوجها ،وهو مذهب الحنفية
وجمهور المالكية كما تقدم ،وذكروا أدلة ذلك.
قال ابن تيمية > :وتجب خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله،
ويتنوع ذلك بتنوع األحوال ،فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية،
وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة .وقاله الجرجاني من أصحابنا ،وأبو
بكر بن أبي شيبة<(.)1
وقال ابن القيم > :فصل في حكم النبي ‘ في خدمة المرأة
لزوجها :قال ابن حبيب في >الواضحة< :حكم النبي ‘ بين علي بن أبى
طالب ،وبين زوجته فاطمة حين اشتكيا إليه الخدمة ،فحكم على
فاطمة بالخدمة الباطنة ،خدمة البيت ،وحكم على علي بالخدمة الظاهرة،
ثم قال ابن حبيب :والخدمة الباطنة :العجين ،والطبخ ،والفرش ،وكنس
البيت ،واستقاء الماء ،وعمل البيت كله .فاختلف الفقهاء في ذلك،
فأوجب طائفة من السلف والخلف خدمتها له في مصالح البيت ،وقال أبو
ثور :عليها أن تخدم زوجها في كل شيء .ومنعت طائفة وجوب خدمته
عليها في شيء ،وممن ذهب إلى ذلك مالك ،والشافعي ،وأبو حنيفة،
وأهل الظاهر ،قالوا :ألن عقد النكاح إنما اقتضى االستمتاع ،ال االستخدام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1اختيارات ابن تيمية للبعلي ،ضمن الفتاوى الكبرى.)233/3( ،
91
الحقوق املعنوية للمرأة في اإلسالم
وبذل المنافع ،قالوا :واألحاديث المذكورة إنما تدل على التطوع ومكارم
األخالق ،فأين الوجوب منها؟ واحتج من أوجب الخدمة بأن هذا هو
المعروف عند من خاطبهم اهلل سبحانه بكالمه ،وأما ترفيه المرأة ،وخدمة
الزوج ،وكنسه ،وطحنه ،وعجنه ،وغسيله ،وفرشه ،وقيامه بخدمة
البيت ،فمن المنكر ،واهلل تعالى يقول{ :ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ}
[البقرة ،]228 /وقال{ :ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ} [النساء ،]34 :وإذا لم
ضا :فإنتخدمه المرأة ،بل يكون هو الخادم لها ،فهي القوامة عليه .وأي ً
المهر في مقابلة البضع ،وكل من الزوجين يقضي وطره من صاحبه ،فإنما
أوجب اهلل سبحانه نفقتها وكسوتها ومسكنها في مقابلة استمتاعه بها
ضا :فإن العقود المطلقة إنما وخدمتها ،وما جرت به عادة األزواج .وأي ً
تنزل على العرف ،والعرف خدمة المرأة ،وقيامها بمصالح البيت الداخلة، ّ
وقولهم :إن خدمة فاطمة وأسماء كانت تبر ًعا وإحسا ًنا ير ّده أن فاطمة
كانت تشتكي ما تلقى من الخدمة ،فلم يقل لعلي :ال خدمة عليها ،وإنما
هي عليك ،وهو ‘ ال يحابى في الحكم أح ًدا ،ولما رأى أسماء والعلف
على رأسها ،والزبير معه ،لم يقل له :ال خدمة عليها ،وإن هذا ظلم لها،
بل أقره على استخدامها ،وأقر سائر أصحابه على استخدام أزواجهم مع
علمه بأن منهن الكارهة والراضية ،هذا أمر ال ريب فيه .وال يصح التفريق
بين شريفة ودنيئة ،وفقيرة وغنية ،فهذه أشرف نساء العالمين كانت تخدم
زوجها ،وجاءته ‘ تشكو إليه الخدمة ،فلم يشكها ،وقد سمى النبي
‘ في الحديث الصحيح المرأة عانية ،فقال> :اتقوا اهلل في النساء،
92
الحقوق املعنوية للمرأة في اإلسالم
وما أحسن ما قاله اإلمام ابن قدامة ،جام ًعا زبدة المسألة ،إذ يقول:
>ولهذا ال يجب على الزوج القيام بمصالح خارج البيت ،وال الزيادة على
ما يجب لها من النفقة والكسوة ،ولكن األولى لها فعل ما جرت العادة
بقيامها به؛ ألنه العادة ،وال تصلح الحال إال به ،وال تنتظم المعيشة
بدونه<(.)1
فخالصة األمر ،أن تكون العشرة مبنية على الفضل واإلحسان،
والتضحيات واالهتمامات المتبادلة .وكما ذهب بعض العلماء إلى وجوب
خدمتها زوجها ،فقد جعلوا في مقابل ذلك وجوب نفقة العالج على
الزوج؛ ألن ذلك داخل في المعاشرة بالمعروف ،وألن الحاجة إلى الدواء
قد ال تقل عن الحاجة للطعام والشراب.
قال الدكتور وهبة الزحيلي> :قرر فقهاء المذاهب األربعة أن الزوج
ال يجب عليه أجور التداوي للمرأة المريضة ،من أجرة طبيب ،وحاجم،
وفاصد ،وثمن دواء ،وإنما تكون النفقة في مالها إن كان لها مال ،وإن
لم يكن لها مال وجبت النفقة على من تلزمه نفقتها ،كاالبن واألب ،ومن
يرثها من أقاربها؛ ألن التداوي لحفظ أصل الجسم ،فال يجب على
مستحق المنفعة ،كعمارة الدار المستأجرة ،تجب على المالك ال على
المستأجر ،...ويظهر لي أن المداواة لم تكن في الماضي حاجة أساسية،
غالبا إلى العالج ،ألنه يلتزم قواعد الصحة والوقاية،
فال يحتاج اإلنسان ً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المغني.)296/7( ،
94
الحقوق املعنوية للمرأة في اإلسالم
فاجتهاد الفقهاء مبني على عرف قائم في عصرهم .أما اآلن فقد أصبحت
الحاجة إلى العالج كالحاجة إلى الطعام والغذاء ،بل أهم؛ ألن المريض
غالبا ما يتداوى به على كل شيء ،وهل يمكنه تناول الطعام وهو
يفضل ً
يشكو ويتوجع من اآلالم واألوجاع التي تبرح به ،وتجهده وتهدده
بالموت؟! لذا فإني أرى وجوب نفقة الدواء على الزوج كغيرها من
النفقات الضرورية ،...وهل من ُحسن العشرة أن يستمتع الزوج بزوجته
حال الصحة ،ثم يردها إلى أهلها لمعالجتها حال المرض؟<(.)1
الحساسة التي تخدشها النظرة قبل الكلمة وقبل الفعل ،والتي ترعوي من ّ
مجرد التنبيه ،والتي تحتاج إلى المواعظ كي تستفيق كلما أ َّز بها ضع ُفها
إلى األخطاء المتكررة ،والتي ترتدع بالهجر فال تطيق األرض تحتها ْإن
زوجها فعل ،والمستعصية العنيدة المتجبرة التي ال يردعها إال الحزم، ُ
هذا إن ارتدعت! واهلل سبحانه بحكمته ،كما َّفرق بين خلقه؛ ّفرق في
التدرجات حتى مع المرأة المستعصية الناشز، وسائل التعامل ،وأعطى ُّ
فق َّدم الموعظة والتذكير بخشية اهلل ،وبما له عليها من حقوق ،والتخويف
بعقابه سبحانه للعاصية ،ثم ثنَّى بالهجر في المضجع ،وهذا على المرأة
السوية أشد من أي عقاب آخر ،ففطرتها اقتضت أن تحب أن تكون مرغوبة
ال يُ َو َّالها ظ َْهر ،وال يُقطع عنها ُود أو كالم ،فإن حصل؛ ُكسرت وضاقت
عليها األرض بما رحبت ،واتهمت أنوثتها .فكان ذلك أدعى لها أن تبحث
عن حل لمعضلتها ،وأن تسارع للتودد لزوجها ،ولإلقالع عن نشوزها.
ضرب إصال ٍح ،من أجل إقامة العشرة بين َ الضرب ،وجعله
َ وأخ َرَّ
تجبر المرأة وعصيانها الذي يستحيل معه أن تستقيم الزوجين ،في حال ُّ
الحياة الزوجية ،بل أخبر رأي العلماء أن هذا الضرب خاص بمن أتت
مغبةِ النشوز من جهة، بفاحشة .وقد حكمه الشارع الحكيم بحصول سوء َّ
مبر ًحا من جهة وبالترتيب من بعد الموعظة والهجر من جهةَّ ،
وبأال يكون ِّ
ثالثة ،وبأن يكون بقدر رجوعها إلى الطاعة من بعد النشوز ،وعدا هذا
الكي للمستشفي ،والذي هو ِّ فهو اعتداء .ولعل هذا الضرب هو بمثابة
آخر العالج .وقد ذكر بعض العلماء أن هذا الضرب جائز عند من دأبوا
96
الحقوق املعنوية للمرأة في اإلسالم
ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟﱠ ﱡ ﱢ
ﱣ ﱤ ﱥ ﱦﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ} [النساء:]34 :
>{ﱘ ﱙ ﱚ} :هذه بعض األحوال المضادة
للصالح ،وهو النشوز ،أي الكراهية للزوج ،فقد يكون ذلك لسوء ُخلُق
المرأة ،وقد يكون ألن لها رغب ًة في التزوج بآخر ،وقد يكون لقسوة في
خلق الزوج ،وذلك كثير .والنشوز في اللغة الترفع والنهوض ،وما يرجع
إلى معنى االضطراب والتباعد ،ومنه نشز األرض ،وهو المرتفع منها.
قال جمهور الفقهاء :النشوز عصيان المرأة زوجها ،والترفع عليه،
وإظهار كراهيته ،أي إظهار كراهية لم تكن معتادة منها ،أي بعد أن
عاشرته ،كقوله{ :ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ} .وجعلوا
مرتبا على هذا العصيان ،واحتجوا
اإلذن بالموعظة ،والهجر ،والضربً ،
بما ورد في بعض اآلثار من اإلذن للزوج في ضرب زوجته الناشز ،وما
ورد من األخبار عن بعض الصحابة أنهم فعلوا ذلك في غير ظهور
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1التحرير والتنوير 41/5( ،ــ ،)44باختصار.
97
الحقوق املعنوية للمرأة في اإلسالم
الفاحشة ،وعندي أن تلك اآلثار واألخبار محمل اإلباحة فيها أنها قد
روعي فيها ُع ْر ُف بعض الطبقات من الناس ،أو بعض القبائل ،فإن الناس
متفاوتون في ذلك ،وأهل البدو منهم ال يعدون ضرب المرأة اعتدا ًء ،وال
ضا اعتدا ًء ،قال عامر بن الحارث النمري الملقب بجران النساء أي ً
ُ تع ُّده
العود:
وللكيس أمضى في األمور وأنجح ــت جرانــه
فالتحي ُ
ْ عمــدت لعــود
ُ
رأيت جـران العـود قـد كـاد يَ ْصـلُ ُح خـــذا حـــذ ًرا يـــا خلتـــي فـــإنني
قشرت ،أي قَ َد ْد ُت ،بمعنى :أنه أخذ جل ًدا من باطن عنق
ُ الت َح ْي ُت:
َ
بعير ،وعمله سو ًطا ليضرب به امرأتيه ،يهددهما بأن السوط قد جف
وصلح ألن يضرب به.
معشر المهاجرين
وقد ثبت في الصحيح أن عمر بن الخطاب قال :كنَّا َ
األنصار قوم تغلبهم نساؤهم ،فأخذ نساؤنا يتأدبن
ُ نساءنا ،فإذا
قوما نغلب ًَ
بأدب نساء األنصار .فإذا كان الضرب مأذو ًنا فيه لألزواج دون والة
األمور ،وكان سببه مجرد العصيان والكراهية دون الفاحشة؛ فال جرم أنه
أذن فيه لقوم ال يعدون صدوره من األزواج إضرا ًرا ،وال عا ًرا ،وال بد ًعا
من المعاملة في العائلة ،وال تشعر نساؤهم بمقدار غضبهم إال بشيء من
ذلك.
وقوله{ :ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ}؛ مقصود
منه الترتيب ،كما يقتضيه ترتيب ِذ ْكرها ،مع ظهور أنه ال يراد الجمع بين
98
الحقوق املعنوية للمرأة في اإلسالم
وتحليال.
ً التي تستدعي تركي ًزا وضب ًطا وفه ًما
قال النووي في شرح الحديث> :قال اإلمام أبو عبد اهلل المازري
ـ ـ :قوله ـ ‘ ـ( :أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة
رجل)؛ تنبيه منه ـ ‘ ـ على ما وراءه ،وهو ما َّنبه اهلل تعالى عليه في
كتابه بقوله تعالى{ :ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ} ،أي أنهن
قليالت الضبط .قال :وقد اختلف الناس في العقل ما هو؟ فقيل :هو
العلم ،وقيل :بعض العلوم الضرورية ،وقيل :قوة يميز بها بين حقائق
المعلومات .هذا كالمه.
قلت :واالختالف في حقيقة العقل وأقسامه كثير معروف ،ال حاجة
هنا إلى اإلطالة به ،واختلفوا في محله .فقال أصحابنا المتكلمون :هو في
القلب ،وقال بعض العلماء :هو في الرأس .واهلل أعلم.
وأما وصفه ـ ‘ ـ النساء بنقصان الدين لتركهن الصالة والصوم في
زمن الحيض؛ فقد يُ ْس َتشكل معناه ،وليس بمشكل ،بل هو ظاهر؛ فإن
الدين واإليمان واإلسالم مشتركة في معنى واحد ،كما قدمناه في مواضع،
ضا في مواضع أن الطاعات تسمى إيما ًنا ودي ًنا ،وإذا ثبت
وقد قدمنا أي ً
هذا ،علمنا أن من كثرت عبادته زاد إيمانه ودينه ،ومن نقصت عبادته
نقص دينه .ثم نقص الدين قد يكون على وجهٍ يأثم به ،كمن ترك الصالة،
أو الصوم ،أو غيرهما من العبادات الواجبة عليه ،بال عذر ،وقد يكون
على وجه ال إثم فيه كمن ترك الجمعة ،أو الغزو ،أو غير ذلك مما ال
106
الحقوق املعنوية للمرأة في اإلسالم
يجب عليه ،بال عذر ،وقد يكون على وجه هو مكلف به ،كترك الحائض
الصالة والصوم .فإن قيل :فإن كانت معذورة ،فهل تثاب على الصالة في
زمن الحيض ،وإن كانت ال تقضيها ،كما يثاب المريض المسافر ،ويكتب
له في مرضه وسفره مثل نوافل الصلوات التي كان يفعلها في صحته
وحضره؟ فالجواب أن ظاهر هذا الحديث أنها ال تثاب .والفرق أن
المريض والمسافر كان يفعلها بنية الدوام عليها مع أهليته لها .والحائض
ليست كذلك ،بل نيتها ترك الصالة في زمن الحيض ،بل يحرم عليها نية
الصالة في زمن الحيض .فنظيرها مسافر أو مريض كان يصلي النافلة في
وقت ،ويترك في وقت ،غير ناو الدوام عليها ،فهذا ال يكتب له في سفره
ومرضه في الزمن الذي لم يكن ينتفل فيه .واهلل أعلم<(.)1
فليس الحديث إذن تقري ًعا ،وال قد ًحا في المرأة ،وال إهانة لها،
بقدر ما هو بيان لطبيعتها وفطرتها التي فطرها اهلل عليها ،بل مجرد قياسها
خصه اهلل
على فطرة الرجل ،ومقارنتها به ،والطمع في مساواتها به ،فيما َّ
به ،هو القدح في جمال خصوصيتها .فعاطفتها جمال ،وضعفها الفطري
استرجاال ون ًقصا في أنوثتها
ً جمال ،ورقتها جمال .وأي نقص في هذا يعد
التي فطرها اهلل عليها ،لخلق التوازن والتنويع .بل إنها مع كل ما يعتريها
من ضعف ،ومن تغيرات ،ومن نقص؛ فإنها بكل هذا الضعف قد صنعت
ش الرجل مفارقة عجيبة مذهلة معجزة ،إذ تهزم ــ وهي كما هي ــ رباط َة جأ ِ
الحازم المحترز ،الذي يُ ْض َرب به المثل في العقل والرصانة والقوة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1شرح النووي على مسلم 67/2( ،ــ .)68
107
الحقوق املعنوية للمرأة في اإلسالم
108
الحقوق املعنوية للمرأة في اإلسالم
مليا المرأة وضيئة من خثعمالفضل بن العباس ،وهو رديفه ،ينظر ًّ َ
تستفتيه ‘ ،فطفق يصرف وجهه إلى الشق اآلخر( ،)1وقد علم أمر الفتنة
فخشي عليه منها ،وهو البصير ‘ بما ُر ِّكب في الرجال من ميل للنساء،
وإعجاب وافتتان بهن .ولهذا السبب أيض ًا أمر النبي عليه وعلى آله وصحبه
عليا أال يُ ْتبِع النظر َة النظر َة( ،)2فنظرة الفجاءة ال
أفضل التسليم ًّ
يحاسب عليها اإلنسان؛ ألنها غير مقصودة ،لكنه محاسب على التي تليها.
ولعل هذه المرأة التي أقبلت بتلميع الشيطان لصورتها ،وأدبرت
الرجل
ُ بكشف ضعف الرجل أمام طيفها ،فكانت جز ًءا من داء يتحمل
النصيب األوفر فيه إن استرسل مع تخيالته ،وما ينمق الشيطان ويزين من
َ
وم َالذ سكينته ،بأن يصلهاصورتها؛ لعلها هي نفسها الدواء والبلسمَ ،
بالحالل ،أو بأن يأتي أهله ،فإن معها مثل الذي معها .وهي نفسها ،التي
إن قيل لها بأن سحرها قد أفل ،وبهاءها قد محل ،ولم تعد تغري الرجال،
فتقبل وتدبر بما يمدها الشيطان من تسطيع وزخرفة؛ لكان ذلك َش ًّجا
وس َّبة في حقها.
ألنوثتها ،وقد ًحا في كمالهاُ ،
فهل الحديث تقزيم لها ،وتشبيه لها بالمسوخ ،أم إثبات ضمني
لصفاتها األنثوية الساحرة؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1صحيح البخاري.)6228 ،1855 ،1854( ،
( )2لفظ الحديث> :يا َعلِي ال ُت ْتب ِْع النَّظْر َة النَّظْر َة ،فَ ِإ َّن ل َ َك األُولَىَ ،ولَيس ْت ل َ َك ِ
اآلخ َر ُة< ،رواه َْ َ َ َ ُّ
الترمذي ،)2701( ،وانظر :صحيح الجامع ،رقم (.)7953
111
هل املرأة في حاجة إلى املساواة مع الرجل؟
هلارملأةفاحجةإىلااسملواةعمارللج؟
إن الدعاوى المتزايدة إلى هدم الخصوصية بين جنسي الذكور
القا من أن الدينواإلناث ،وإلى تكريس المساواة المطلقة بينهما ،انط ً
اإلسالمي متحيز ضد النساء ،واختزال كل هموم المرأة ومعاناتها
ال ممسوخ ًا
وحاجياتها في ضرورة مساواتها مع الرجل ،قد أفرزت لنا جي ً
مشوه ًا من النساء ،قد غابت عنهن المرجعية الشرعية في استقاء األحكام،
ّ
وانطلت عليهن قيمة أدوارهن في المجتمع ،ونظرن إلى أي اختالف بينهن
وبين الرجل سواء في األحكام الشرعية ،أو في المسؤوليات الموزعة
بينهما ،أو التخصصات التي يتفرد بها جنس دون جنس ،بل وحتى الفطر
التي شاء اهلل لها أن تكون مختلفة متباينة ألجل التكامل = حي ًفا في
ال للرجل عليهن ،فصارت الحياة البشرية والزوجية بشكل حقهن ،وتفضي ً
خاص حلبة للصراعات ،ومرت ًعا للمقارنات ،ومناسبة لالستئساد والتمرد
والتطاول على المهمات.
ولعل نظر ًة متع ِّقلة لكل المتباينات حولنا ،كفيلة بأن تجعلنا نفهم
َّ
الحكمة من هذا االختالف ،وبالتالي الخلوص إلى أن أية دعوة مطالبة
بتسوية المختلفين ،وتوحيد األنداد ،هي دعوات رعناء ،تفتقر للحكمة
والتعقل ،فشأنها شأن من يطالب بأن تكون النار من جنس الماء ،وأن
112
هل املرأة في حاجة إلى املساواة مع الرجل؟
يكون للظالم نفس خواص الضياء ،وأن يصبح لألبيض ولألسود نفس
الصبغة ،ونفس المنظر ،ونفس االستعماالت ،ولو شاء اهلل لخلق جنس ًا
واحد ًا ،ولما خلق من كل شيئين زوجين اثنين ،ينشدان التكامل بينهما،
ويمتاز كل واحد منهما بحكمه لمعنى خاص قام به دون نظيره .فلخلق
إما صنف الرجال ،وإما جنس النساء ،ولما جعل في الحياة سعيين
متفرقين ،وشكلين متباينين ،وفطرتين مختلفتين ،وحاجيات ال تلبى إال
في وجود الجنس اآلخر .لكن حكمته ،اقتضت أن يكون هناك رجل،
له خصائص بيولوجية ،وأحكام تكليفية ،منها ما يشترك فيها مع المرأة،
ومنها ما يتفرد بها دون ًا عنها ،ومنها ما تتفرد به دو ًنا عنه .وهناك امرأة،
شكلها البيولوجي ،وحاجياتها ،وفطرتها ،وطاقة تحملها ،تختلف اختالف ًا
فطري ًا ِج ِبلي ًا طبيعي ًا عنه .فيساوى بينهما في مكان الخلقة والتكوين ،وفي
التنشئة والرعاية ،ثم تبدأ التفردات تكبر بينهما ،رويد ًا رويد ًا ،إلى أن
يصبح له من سمات الرجولة ما يميزه عن سماتها األنثوية ،التي يأبى
العقل والميزان الشرعي والقدري أن يقبل أي تسا ٍو بينهما .ويباين بينهما
في األحكام الفتراقهما فيما يوجب الحكم أو يمنعه .بل لو خلقهما
سبحانه ــ وال اعتراض على مراده لو كان قدر ًا ــ بشكلين مختلفين،
وبأحكام متطابقة ،حذو القدة بالقدة ،لغابت معاني الحكمة عن هذا
الخلق المتباين ،تعالى وتنزه سبحانه عن أن تغيب حكمته عن إرادته .بل
ال ببنية فيسيولوجيةلكان ظلم ًا في حق أحدهما .فهذا الرجل الذي خلق مث ً
وسيكولوجية غير مهيأة للحمل والوالدة ،لو أُمر ،في إطار المطالبة
بالمساواة ،أن يحمل ويضع ويرضع ويسهر ويراعي ،لكان ذلك حيف ًا
113
هل املرأة في حاجة إلى املساواة مع الرجل؟
وظلم ًا في حقه ،بل لكان مطالبة بالمستحيل .ونفس الشيء بالنسبة للمرأة
التي ال تفتأ تطالب بالمساواة .فقد جربت امتهان ِح َرف الرجالُ ،
وامتحنت
خصهم اهلل به ،فما جنت على نفسها غير الوبال والتعب، بخوض ما َّ
واإلرهاق النفسي والجسدي ،والتوتر والتشنج واألمراض ،وشربت من
سموم التفلت بدعاوى التحرر ،ومن الكدح والتعب والمشقة بدعاوى
مضاهاة الرجل.
ولو أن المرأة فهمت أن هذه المطالبة بالتسوية رفض ضمني لحكم
اهلل الذي اقتضى بحكمته ومشيئته أن يجعلها أنثى مساوية للرجل في معاني
العبودية ،وفي الجزاء والثواب والعقاب ،مخالفة له فيما عدا ذلك ،وبأن
تكليفها بما ُكلف به الرجل دو ًنا عنها؛ ظلم وحيف في حقها لالعتبارات
فضل اهلل الرجل عليها في أحوال معروفة؛ السابقة ،ونظرت إلى أن ما ّ
بمقتضى مفهوم القوامة اآلنف الذكر في باب سابق ،هو محض تكليف
مستقال متفرد ًا بحاجياته
ًّ وليس تشريف ًا له عليها ،ووعت أنها ليست كيان ًا
وحياته ،منعز ًال عن باقي مكونات المجتمع ،بل شطر من شطري النوع
اإلنساني المكلف بإعمار األرض ،واالمتثال لعبودية القهر ،وعبودية
التكليف ،ولبنة من لبناته ،وركيزة من ركائزه ،ومصلحتها ال تشوبها
األنانية ،وال يغلفها حب الذات؛ الرتاحت ،وعوض أن تتحدث عن
المساواة التي هي ظلم في حقهما م ًعا؛ ألنها ليست في مكانها المطلوب،
المكرسة للعدل،
ِّ الستماتت من أجل تفعيل وأجرأة النصوص التشريعية
المطالبة للرجل بقوامته وبسهره على حمايتها ،والذوذ عنها ،والتعب
114
هل املرأة في حاجة إلى املساواة مع الرجل؟
فآمنا بك وبالهدى الذي جئت به ،وإن اهلل قد فضلكم علينا ــ معشر
الرجال ــ بالجماعة ،والجمعة ،وعيادة المرضى ،واتباع الجنائز ،وأفضل
من ذلك الجهاد في سبيل اهلل ،وإن أحدكم إذا خرج غازي ًا ،أو حاج ًا ،أو
معتمر ًا؛ حفظنا أموالكم ،وغزلنا أثوابكم ،وربينا لكم أوالدكم ،وإنا
ــ معشر النساء ــ مقصورات ،محصورات ،قواعد بيوتكم ،أفما نشارككم
في هذا األجر؟ فأقبل رسول اهلل ‘ على أصحابه بوجهه كله فقال:
>سمعتم بمثل مقالة هذه المرأة؟< ،قالوا :ما ظننا أن أحد ًا من النساء
تهتدي إلى مثل ما اهتدت إليه هذه المرأة! فقال رسول اهلل ‘:
>اعلمي ــ وأعلمي من وراءك من النساء ــ أن ُح ْس َن َت َب ُّعل المرأة
لزوجها ،واتباعها موفقته ومرضاته؛ يعدل ذلك كله<.
فانطلقت تهلل وتكبر وتحمد اهلل استبشارا<(.)1
هكذا هي الهمم حينما تعلو ،وحينما تسمو النفوس الكوثرية
الفردوسية عن صلصال الدنيا ونعيمها اآلفل ،وتحلق بعي ًدا عن أوحال
المادية واألنانية ،وطلب خلود اللذة في مواطن الذبول ،فتسأل عن حقها
تحصله بالبدائل .ليس ر ّد ًا لحكم اهلل ،وال مراجعة
في األجر ،كيف ِّ
ألمره ،وال منافسة للرجل في المناصب أو األشغال ،وإنما تشو ًفا لما
أجر أخيها الرجليجعلها تحرز ،من موقعها ومكانها ومهمتها الموكلة بهاَ ،
الذي تنوعت عنده أبواب تحصيل غنائم اآلخرة ،وجوائز االمتثال
والعبودية ،ورتب الشارع له عنها األجور العظيمة والفوز الخالد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1رواه بحشل في تاريخ واسط ،)75( ،وأبو نعيم في المعرفة.)7512( ،
116
الستقاللية :قوة في الحق أم تمرد واستئساد؟
االالقتسلية
قوة في الحق ،أم تمرد واستئساد؟
هل االســتقاللية ،بمفهومها الشــائع المراد تكريســه من مناصــرات
النســـوية ،مرادفة لحضـــور الشـــخصـــية ،وحرية التصـــرف ،أم للندية
واالسترجال ،أم لالستغناء المطلق عن الرجل؟
وهل تأتي كمقابل لالستعمار ،أم للخنوع والمسكنة واالستضعاف،
أم للتبعية واالنهزامية ،أم للتشارك والتعاون؟
يفضل المرأة المتمردة المستأسدة؟
هل الرجل ِّ
وهل المرأة الخنوع السلبية هي المثال المنشود لمقابلة التمرد؟
وهل نستطيع الحديث عن استقاللية مطلقة ،واستبداد في اتخاذ
القرارات ،وبناء لعالم موا ٍز لعالم الشريك في شراكة تستلزم من بين ما
تستلزمه ،الشورى والتعاون ،وتبادل اآلراء ،وتشارك المسؤوليات،
واالنصهار أحيا ًنا من أجل بلوغ الرقي؟
في المعنى اللغوي لالستقاللية:
1ــ استقل باألمر :انفرد بتدبيره.
117
الستقاللية :قوة في الحق أم تمرد واستئساد؟
في كسرها ،وتحديها ،واالنتصار عليها ،وإقناعها بأن الذكورية قادرة على
اإلخضاع ،أو أنه راغب في تغييرها ،فيمضي عمره في تعديل ما ال ينعدل؟
وفي كال الحالتين :فشل ذريع ،وزواج ال تتحقق فيه السكينة،
وتغيب عنه المودة والرحمة ،وال يؤدي ما ألجله شرع الزواج.
إن مفهوم االستقاللية ،كما كل المفاهيم المستحدثة التي ترد على
مجتمعاتنا المسلمة ،البد من عرضها على ميزان الشرع ،وعلى مجتمعات
اآلل واألصحاب ،لكي ال نخرج من ظلم إلى حيف أشد ،وكي ال نسقط
في مشاكل جديدة ونحن نبحث عن حل لألزمات المستشرية.
تحتاج المرأة إلى حريتها ألجل اإلبداع ،وإلى استقالليتها ألجل
مواكبة تطور المجتمع ،وألجل استطاعة أداء مهمتها المنوطة بها ،لكن
هذه الحرية وهذه االستقاللية ليست انتقائية ،بل وحده الشرع من يكفلها
لها ،ويقننها بالشكل الذي يخدمها ،ويخدم مجتمعها ،فحياتها مرتبطة
بالمجتمع ،وتحركاتها تحكمها من بين ما تحكمها ليس فقط الخصوصيات،
ضا المساحات المشتركة ،فال تطغى إحداها على األخرى ،وال وإنما أي ً
تلغي األولى دور الثانية.
استقالليتها؛ قوة في الحق ،وفي فهم دورها ،وحدود مسؤولياتها،
وتوفيقها بين حقوقها وواجباتها بمقتضى الشرع ،وتصالحها مع ذاتها،
واستيعابها للتوازن في مختلف شؤونها ،والتوفيق بين متطلباتها الشخصية،
وحاجيات من حولها ،وتطوير وعيها وشخصيتها ،وصقل مواهبها
119
الستقاللية :قوة في الحق أم تمرد واستئساد؟
مرحبا بأم هانئ .فلما فرغ من غسله ،قام فصلى ثمانيً طالب ،فقال:
ابن أمي علي
فقلت :يا رسول اهلل ،زعم ُ
ركعات ملتح ًفا في ثوب واحدُ ،
ال قد أجر ُته؛ فالن بن هبيرة ،فقال رسول اهلل ‘ :قد أجرنا
أنه قاتل رج ً
ِ
أجرت يا أ َّم هانئ<(.)1 من
وقد بوب البخاري على هذا فقال> :باب أمان النساء وجوارهن<.
وهذه خنساء بنت خذام األنصارية قد زوجها والدها وهي ثيب،
فكرهت ذلك ،فصدحت به لرسول اهلل ‘ ،واشتكت له أباها ،ورفضها
حجره عليها الزواج ممن ال تريد ،فرد النبي ‘ زواجها(.)2
وقد شاركت المرأة ،بمحض اختيارها ،في الهجرة سواء إلى مكة
أو إلى المدينة ،في معزل عن قرارات محارمها ،وقد رفض النبي ‘
ردهن إلى ذويهن من المشركين.
وقد سبق التعرض في فقرة سابقة إلى حديث الفتاة التي رفضت
مبدئي ًا أن يفرض عليها أبوها الزواج ،فتركت مقولتها الشهيرة التي تنم عن
رجاحة عقل ،وقوة شخصية ،واستقاللية في القرار> :قَ ْد أَ َج ْز ُت َما َصنَ َع
اء أَ ْن ل َ ْي َس ِإلَى ْاآلبَ ِاء ِم ْن ْاألَ ْمرِ َش ْيء<، ِ
أَبِيَ ،ولَك ْن أَ َر ْد ُت أَ ْن َت ْعلَ َم الن ِّ َس ُ
وقد نقلناها وعلَّقنا عليها في موضع سابق.
وليس بخاف موقف أسماء ـ ـ من الحجاج ،وقد ن َّكل بابنها،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1رواه البخاري.)3171( ،
( )2رواه البخاري.)5138( ،
121
الستقاللية :قوة في الحق أم تمرد واستئساد؟
وأراد إرغام أنفها ،فما كان منها إال أن وقفت أمام ظلمه بكل عنفوان
وكبرياء ،غير مبالية ببطشه.
َع ْن أَبِي نَ ْوفَ ٍل ،قالَ :رأَ ْي ُت َع ْب َد اهلل ِ ْب َن ال ُّزبَ ْيرِ َعلَى َع َق َبةِ ا ْل َم ِدينَةِ،
اسَ ،ح َّتى َم َّر َعلَ ْيه ِ َع ْب ُد اهلل ِ ْب ُن ُع َم َر، قَ َال :فَ َج َعلَ ْت قُ َر ْيش َت ُم ُّر َعلَ ْيه َِ ،والنَّ ُ
الس َال ُم َعلَ ْي َك أَبَا ُخ َب ْي ٍب، الس َال ُم َعلَ ْي َك ،أَبَا ُخ َب ْي ٍب َّ فَ َوقَ َف َعلَ ْيه ِ فَ َق َالَّ :
الس َال ُم َعلَ ْي َك أَبَا ُخ َب ْي ٍب ،أَ َما َواهلل ِ ل َ َق ْد ُك ْن ُت أَ ْن َها َك َع ْن َه َذا ،أَ َما َواهلل ِ ل َ َق ْد َّ
ُك ْن ُت أَ ْن َها َك َع ْن َه َذا ،أَ َما َواهلل ِ ل َ َق ْد ُك ْن ُت أَ ْن َها َك َع ْن َه َذا ،أَ َما َواهلل ِ ِإ ْن ُك ْن َت،
وال لِ َّلر ِحمِ ،أَ َما َواهلل ِ َألُ َّمة أَ ْن َت أَ َش ُّر َها َألُ َّمة َما َعلِ ْم ُتَ ،ص َّو ًاما ،قَ َّو ًاماَ ،و ُص ً
اج َم ْوقِ ُف َع ْب ِد اهلل ِ َوقَ ْول ُ ُه، َخ ْير ،ثُ َّم نَ َف َذ َع ْب ُد اهلل ِ ْب ُن ُع َم َر ،فَ َبلَ َغ ا ْل َح َّج َ
فَأَ ْر َس َل ِإل َ ْيه ِ ،فَأُ ْنز َِل َع ْن ِجذْ ِعه ِ ،فَأُ ْل ِقي ِفي قُبو ِر ا ْل َي ُهودِ ،ثُ َّم أَ ْر َس َل ِإلَى أُ ِّمه ِ
ُ َ
ول :ل َ َت ْأتِ َينِّي أَ ْو
الر ُس َ ت أَبِي بَ ْك ٍر ،فَأَبَ ْت أَ ْن َت ْأتِ َي ُه ،فَأَ َع َاد َعلَ ْي َها َّ اء بِ ْن ِ
أَ ْس َم َ
يك َح َّتى ك ،قَ َال :فَأَبَ ْت َوقَال َ ْتَ :واهلل ِ َال آتِ َ ك بِ ُق ُرونِ ِك َم ْن يَ ْس َحب ِ
ُ
َألَ ْب َع َث َّن ِإل َ ْي ِ
َت ْب َع َث ِإل َ َّي َم ْن يَ ْس َح ُب ِني بِ ُق ُرونِي ،قَ َال :فَ َق َال :أَ ُرونِي ِس ْب َت َّي فَأَ َخ َذ نَ ْعلَ ْيه ِ ،ثُ َّم
ا ْن َطلَ َق يَ َت َوذ َُّفَ ،ح َّتى َد َخ َل َعلَ ْي َها ،فَ َق َالَ :ك ْي َف َرأَ ْي ِت ِني َصنَ ْع ُت بِ َع ُد ِّو اهلل ِ؟
ول آخ َر َت َك ،بَلَ َغ ِني أَنَّ َك َت ُق ُ قَال َ ْت :رأَي ُت َك أَ ْفس ْد َت َعلَيه ِ ُد ْني ُاهَ ،وأَ ْفس َد َعلَي َك ِ
َ ْ ْ َ َ َ ْ
ات النِّطَاقَ ْي ِن ،أَ َّما أَ َح ُد ُه َما فَ ُك ْن ُت أَ ْرفَ ُع ات النِّطَاقَ ْي ِن ،أنا َواهلل ِ َذ ُ ل َ ُه :يَا ْاب َن َذ ِ
ابَ ،وأَ َّما ْاآل َخ ُر فَ ِنطَ ُاق بِه ِ ط ََع َام َر ُسو ِل اهلل ِ ‘َ ،وط ََع َام أَبِي بَ ْك ٍر ِم َن ال َّد َو ِّ
يف ول اهلل ِ ‘ َح َّدثَنَا> ،أَ َّن ِفي ثَ ِق ٍ ا ْل َم ْرأَ ِة ال َّ ِتي َال َت ْس َت ْغ ِني َع ْن ُه ،أَ َما ِإ َّن َر ُس َ
122
الستقاللية :قوة في الحق أم تمرد واستئساد؟
124
التعدد :إهانة للمرأة أم حرص على مصلحتها؟
ادعتلد
إهانة للمرأة ،أم حرص على مصلحتها؟
بين من شيطنوه ،وجعلوه موضو ًعا للهجوم على اإلسالم ،واعتباره
دي ًنا ذكوريًّا ،وأعلنوه شعا ًرا للدفاع عن حقوق المرأة ،وإلنقاذها من
التسلُّط والحيف ،الذي يمارسه عليها هذا التشريع ــ زعموا ــ ،وبين من
توسعوا في حكمه ،وجعلوه من اإلباحة إلى االستحباب ،وجعلوا منه َّ
طلبا لألجر
لخطَبهم ،ولحمالتهم التوعوية ،للتشجيع عليه؛ ً موضو ًعا ُ
وإلحياء السنة = تتم مقاربة التعدد.
وصب جام حنقه على من يرى مشروعيته َّ فريق عطَّل الحكمة منه،
ِ
االتهامات للمرأة الثانية ،وألحق بها أشنع ال ،فحاربه ،وكالقو ًال أو فع ً
التوصيفات ،وسماها ــ في أفضل أحوالها ــ سارق ًة للرجال ،والم األولى،
التعدد ،ونظر
َ زوجها
واتهمها بالتقصير ،وبعدم الكفاءة ،وإال لما اختار ُ
إليها ككائن متجاوز ،وجرد الرجل من إنسانيته ،واعتبره فارغ العين،
منابر
خائ ًنا للعشرة ،نه ًما عديم الوفاء .واتخذ من الدراما ،ومن اإلعالمَ ،
يأل جه ًدا في ص ِّدهم عنه،
لتشويه صورته ،وللتلبيس على الناس ،ولم ُ
وتشكيكهم في مشروعيته ،والقدح في غائيته ،واعتبر الزنا والعالقات غير
125
التعدد :إهانة للمرأة أم حرص على مصلحتها؟
126
التعدد :إهانة للمرأة أم حرص على مصلحتها؟
هل التعدد تعسف وظلم وقهر للمرأة؟ وهل ُشرِع مراعا ًة لفطرة
الرجل ،دون مراعاة فطرة المرأة في الغيرة ،وفي ُك ْر ِهه؟
إ ّن دي ًنا يبني أحكامه الشرعية على علَّةٍ دفعت إلى التشريع ،وحكمة
مقصودة أو متغياة ،سواء ارتبطت العلة بالحكمة أو استقلتا؛ ال يمكن أن
يستثني من ذلك ُحك ًما دو ًنا عن باقي األحكام .تشريع التعدد غير مستثنى
ضا ،ومراعاة فوارق من هذه األساسيات ،فالعلة موجودة ،والحكمة أي ً
غيبة ،بل إ َّن اشتراك المرأة في هذا الميل كزوجة رديفة يبرره.
الميول غير ُم َّ
فالشرع قد راعى حاجة الرجل إلى التعدد ،ألن ميله إلى المرأة ،وإلى
تعديد عالقاته بالنساء ،وعدم اكتفائه في الغالب بواحدة ،سواء لحاجة
الواقع
ُ حسية ،أو معنوية؛ شيء فطري ،ال يناقش فيه إال مكابر ،يفند
اعتراضه ،فجاء التعدد كحل حال ٍل لهذا األمر .والشارع الحكيم الذي َ
وكع ْو ٍن على فطرته ،كي ال يقع في
حال لميول الرجل للنساءَ ، جعل التعدد ًّ
الحرام؛ لم يغفل حاجة المرأة إلى الزواج ،ولو بشكل مشترك ،وإلى
تكوين أسرة ،والحصول على فرصة لإلنجاب ،وإشباع أمومتها ،وعلى
االهتمام والرعاية التي تحتاجها ،فأباح لها الزواج من رجل متزوج .ولم
يتجاهل حاجة الزوجة األولى إلى االستقرار ،وعدم التعرض إلى الظلم،
فجعل العدل شر ًطا فيه وقي ًدا ،وأسس له ضوابط وشرو ًطا ،ور َّتب
عقوبات لمن يخوضه بغير حقه ،فال يراعي حق كل الزوجات .وهو نفسه
حق طلب الطالق ،في حالة خول للزوجة السابقة َّ
الشارع الحكيم الذي َّ
عدم إطاقتها أمر زواج زوجها ،وأباح لها االشتراط عليه قبل العقد أال
127
التعدد :إهانة للمرأة أم حرص على مصلحتها؟
يتزوج عليها .فجمع بذلك بين إباحة ما يرضي رجولة الرجل ،ويساعد
فطرته ،كي ال يقع في الزلل ،وبين كفالة حق األولى في االستقرار
والعدل ،وحق الالحقة في أن تحظى بزوج.
التعدد إذن كشرع ،قد اجتمعت فيه الحكم ُة والغاية ،وانتفى عنه
الظلم والقهر ،وإنما ينبعث الظلم من ممارسيه ،لقلة ديانتهم ،وإيمانهم،
وأخالقهم ،ومروءتهم ،ولجهلهم أو تجاهلهم معاني القوامة ،ولعدم العدل
بين الزوجات ،واالعتماد على صبر األولى وصمتها ،أو على تضحيات
وبدنيا وماديًّا لزواج جديد ،أو الفتقادهم
ًّ نفسيا
الثانية ،أو لعدم التأهل ًّ
وسائل إدارة تحديات التعدد ،وتف ُّهم غيرة المرأة الجبلية ،وانعدام
الحكمة وقوة الشخصية في إدارة المشاكل وحلها ،وجعل السكينة تستتب
في كال البيتين ،وعدم فهم للمسؤولية التي تنتظرهم أمام اهلل.
وغيرة المرأة فطرة فيها ،ومقدارها يتفاوت من امرأة ألخرى .فقادرة
وم ْن تجد حلَّها األمثل كي تستقيم
على الالمباالة والتعايش مع الوضعَ ،
إحداهن حماقاته أو متطلباته ،وغيورة
ُ حياتها مع زوجها أن تقتسم معها
ج ًّدا ال تستطيع تقبل فكرة أن يشاركها غيرها في زوجها.
أن تبقى على ذمة زوجها ،وال تمانع أن تهب نصيبها منه إلى أخرى ،لما
تراه من مصلحتها الدينية والدنيوية في البقاء مع هذا الزوج.
ضا ،نجد فيه الزوجة
و ّثمة نموذج آخر ،من البيت النبوي الشريف أي ً
إباء من يرفضه بالكلية ،وال من ينكر
تغار ،وإن كانت ال تأبى التعدد َ
إباحة اهلل له ،والحكمة الجليلة في تشريعه .وذلك في حديث قصعة الثريد
مع أم المؤمنين عائشة .
فعن أنس ،قالَ :كا َن النَّبِي ‘ ِع ْند بعض نِ َسائِه ِ ،فَ ْأرسلت ِإ ْح َدى
ِ ِ
ين بصحفة ف َيها ط ََعام ،فَضربت ال َّ ِتي النَّبِي ‘ في بَ َ
يتها يَد أُ َّم َهات ا ْل ُمؤم ِن َ
ا ْل َخادِم ،فَ َس َقطت الصحفة فانفلقت ،فَجمع النَّبِي ‘ فلق الصحفةَّ ،
ثم
جعل يجمع ِف َيها الطَّ َعام ال َّ ِذي َكا َن ِفي الصحفةَ ،ويَ ُقول> :غارت أم ُكم<،
ِ
يتها ،فَدفعثم حبس ا ْل َخادِم َح َّتى أَ َتى بصحفةٍ من ِع ْند ال َّ ِتي ُه َو في بَ َ َّ
ورة ِفي بَيت الص ِح َ
يحة ِإلَى ال َّ ِتي ُكسرت صحفتهاَ ،و ْأمسك ا ْل َم ْك ُس َ الصحفة َّ
ال َّ ِتي كسرت(.)1
وما تصريح عائشة بغيرتها من خديجة رضي اهلل عنهما وأرضاهما
بمغفول عنه.
فعن َعائِ َش َة قَال َ ْتَ :ما ِغ ْر ُت َعلَى ْام َرأَة لِلنَّبِي َما ِغ ْر ُت َعلَى ْ
يج َةَ ،هلَ َك ْت قَ ْب َل أَ ْن يَ َت َز َّو َج ِني ،لِ َما ُك ْن ُت أَ ْس َم ُع ُه يَذْ ُك ُر َهاَ ،وأَ َم َر ُه اهللُ أَ ْن
َخ ِد َ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1البخاري ،)5225( ،أبو داود.)3567( ،
130
التعدد :إهانة للمرأة أم حرص على مصلحتها؟
()1
كثيرا ما نالحظ أن
المعتمد ــ االقتصار على واحدة ال يزيد عليها .بل ً
هؤالء الذين يفعلون التعدد متذرعين بمجرد السنية وإحياء السنة؛ إذا
سرا ،ولم يخبروا عنه حتى أقرب المقربين؛ أرادوا أن يعددوا؛ فعلوا ًّ
توخيا لعدم إشعار زوجاتهم ،ولم يصبغوا فعلهم بتسنن وال باستحباب، ً
وال شك أن هذا مخالف لما يُ َّدعى أنه إحياء السنة ،فإن إحياء الشعائر ال
يكون بالسر ،فهذا يدل أن ذلك التصرف ال يكون منهم في الغالب إال
نزوة عابرة ،أو مجرد رغبة أكيدة جبلية في الزواج من أكثر من امرأة،
فينبغي أن يقتصر توصيف الحالة على ذلك المعنى ــ وهو معنى مباح في
الشريعة ،ليس ممنو ًعا ما دام يتوخى العدل فيه ــ دون ادعاء التلبس
السنَّة.
بشعارات كاالقتداء أو إحياء ُّ
ًّ
هل التعدد حقا حل للعنوسة؟
نظريا ،يعتبر التعدد من أنجع الحلول للعنوسة ،ولحاالت الطالق،
ًّ
ٍ
مجتمعات لم عمليا في
حال ًّ
والترمل ،بل قد كان على مدار قرون خلت ًّ ُّ
الرئيس؛ تدعو إليه في خطب الجمعاتَ تجعل منه موضو َع خطاباتها
واألعياد ،وتقيم ألجله حلقات علم ومذاكرة ،وفي نفس الوقت ،لم تنظر
واقعيا ،أصبح التعدد ،كغيره من
ًّ ألطراف التعدد النظرة إليه اليوم .ولكن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :اإلنصاف للمرداوي.)16/8( ،
134
التعدد :إهانة للمرأة أم حرص على مصلحتها؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1رواه البخاري ،)2967( ،ومسلم.)715( ،
135
التعدد :إهانة للمرأة أم حرص على مصلحتها؟
136
التعدد :إهانة للمرأة أم حرص على مصلحتها؟
أحدها :ما يلزم الوفاء به ،وهو ما يعود إليها نفعه وفائدته ،مثل أن
يشترط لها ّأال يخرجها من دارها ،أو بلدها ،أو ال يسافر بها ،أو ال يتزوج
عليها ،وال يتسرى عليها ،فهذا يلزمه الوفاء لها به ،فإن لم يفعل ،فلها
فسخ النكاح.
يروى هذا عن عمر بن الخطاب ـ ـ ،وسعد بن أبي وقاص،
ومعاوية ،وعمرو بن العاص ـ ـ ،وبه قال شريح ،وعمر بن عبد العزيز،
وجابر بن زيد ،وطاوس ،واألوزاعي ،وإسحاق.
وأبطل هذه الشروط :الزهري ،وقتادة ،وهشام بن عروة ،ومالك،
والليث ،والثوري ،والشافعي ،وابن المنذر ،وأصحاب الرأي...
ولنا قول النبي ‘> :إن أحق ما وفيتم به من الشروط ،ما استحللتم
به الفروج< ،رواه سعيد ،وفي لفظ> :إن أحق الشروط أن توفوا بها ،ما
ضا قول النبي ‘> :المسلمون استحللتم به الفروج< ،متفق عليه ،وأي ً
سمينا من الصحابة<(.)1
قول َمن َّ
على شروطهم< ،وألنه ُ
وقال ابن تيمية> :ومقاصد العقالء إذا دخلت في العقود ،وكانت
عفوا ،ولم تهدر رأ ًسا،
من الصالح الذي هو المقصود؛ لم تذهب ً
كاآلجال في األعواض ،ونقود األثمان المعينة ببعض البلدان ،والصفات
في المبيعات ،والحرفة المشروطة في أحد الزوجين ،وقد تفيد الشروط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المغني البن قدامة.)93/7( ،
138
التعدد :إهانة للمرأة أم حرص على مصلحتها؟
تعسفي ،قد جعلوا منه وسيلتهم لإلزراء بها ،ولظلمها ،ولممارسة الذكورية،
والتسلط عليها ،وسال ًحا يرفع في وجهها من أجل التنكيد عليها ،وتكدير
صفو حياتها ،وإرغام أنفها ،وإشعال لهيب غيرتها ،وعدم أمانها.
صحيح أ ّن َو ْق َع ذلك على القلب يُذ ِهب اللُّ َّب ،ويجعل المرأ َة أحيا ًنا
الحق حق ،والحكمة مطلوبة ج ًّدا في هذا األمر. لكن َّ
بحمقّ ، تتصرف ُ
َّ
فال تخلو الحال من أن تكون:
ال تطيق ذلك ،وترى أنها ستضيع حقوق ربها؛ فعليها أن تختلع،
أو تطلب الطالق.
أو ارتأت أنها ال تستطيع الفراق ألي سبب من األسباب؛ فلتحاول
أن تسيطر على الوضع ،وعلى غيرتها بالدرجة األولى ،وأن تتعايش مع
هذه الحياة الجديدة.
وخالصة األمر
مستحب ،بل
ّ * أ َّن التع ُّد َد ِمن شرع اهلل ،وهو ُمباح ،ال سنة وال
مجرما ،والزوجة الثانية ليست
ً تعتريه األحكام الخمسة .ومن يع ِّد ْد ليس
خاطفة ،وال سارقة ،وال عديمة أصل ووفاء ،كما يحلو للمجتمع أن
ينعتها به ،بل تمارس حقها الذي شرعه اهلل لها في الحصول على زوج،
متجاوزة.
َ واألولى ليست بالضرورة مقصرة ،وال
140
التعدد :إهانة للمرأة أم حرص على مصلحتها؟
تدميرا
ً * الشارع الحكيم ال يبيح شي ًئا ويجعله َخ َرا ًبا للبيوت ،أو
للنفسيات ،بل ال يشرع إال ما يصلح المجتمع ،من غير محاباة جنس
على حساب جنس ،وإنما جاء اإلزراء من الممارسات الخاطئة له،
وتحامل وسائل اإلعالم عليه ،وإن كان ُ والتعسفات في حق المرأة بسببه،
ُّ
مصغرا لما يحصل في بيوت ً في الكثير من األحيان إنما يقدم نموذ ًجا
المع ِّددين ممن ال يحسنون التعامل معه.
ضا منه ،أليست
* هذا التشريع لم يُ ِه ِن المرأ َة باعتبار استفادتها أي ً
ضا؟ أم أن كلمة >امرأة< ال يقصد بها سوى الثانية والثالثة والرابعة نساء أي ً
الزوجة األولى؟
* الحكمة من تشريعه ،إذ راعت حاجة الرجل الفطرية إليه؛ راعت
ضا حاجة الزوجة الرديفة في الحصول على فرصة إضافية للزواج ،وراعت أي ً
حق المرأة السابقة في العدل ،وفي مراعاة غيرتها ،وأخذها بعين االعتبار.
* مفاسد منع الرجل من التعدد أعظم من الغيرة التي تجدها المرأة،
ومنع لحق امرأة أخرى في الحصول على زوج .ففطرتها الغيرة ،وفطرته
التعدد ،فليتعلم كالهما كيف يتعامل مع فطرته ،دون مساس بفطرة الشريك.
التعسف ض َّد فطرة أخرى،
* فرق بين الغيرة التي هي فطرة ،وبين ُّ
وهي فطرة الرجل في التعدد (فطرة تحارب فطرة).
تهذ ُب الفطر ُة لتوا ِك َب الشر َع.
* التعدد شرع ،والغيرة فطرة ،وإنما َّ
* الغيرة وسيل ُة المرأة في التعبير عن حبها لزوجها .فامرأة ال تغار
141
التعدد :إهانة للمرأة أم حرص على مصلحتها؟
على زوجها؛ مدعية للمحبة ،لكن لتكن غيرتها >عليه< ،ال >من< ضرتها.
* إثابة الرجل إنما هو على الحرص على شرع اهلل ،وعلى إقامة
العدل ،والحرص على أال يأتي يوم القيامة بشق أعوج ،وليس على التعدد
في حد ذاته.
لحكم اهلل ،وبُغضها
* َم ْن ال تقبل بزواج زوجها عليها ليست را َّد ًة ُ
ليس للتشريع ،وإنما لزواج زوجها عليها.
* حمالت > َز ِّو ِجي َز ْو َجك< ،دعوة إلى جحود فطرة المرأة في
الغيرة ،وربما إلى جعلها آل ًة جامدة ،غير متفاعلة مع الحدث المؤلم،
خاصة في غياب النضج والقدرة على تحليل األمر بعقل .فلو استطاعت
أن تستفرد بالسعادة حين وجوده معها ،وأن تقنع نفسها أنها ليس عليها
الحجر على رغباته ،وأنه حينما يخرج من بيتها فال تملك من أمره شي ًئا
كثيرا بأمره مع غيرها ما دام في الحالل ،وما دام
وأنه ليس عليها أن تنشغل ً
يضمن لها حقها ،وال يقصر معها في شيء ،ويعدل بينها وبين ضرتها.
التعدد حل لمشاكل عديدة في المجتمع ،وهو حل أمثل للعنوسة،
ُ *
ولزواج المطلقات واألرامل ،لكن يبقى هذا الحل مجرد مأمول ال يجد
تطبي ًقا على أرض الواقع ،حتى ممن ينادون به ،ويمارسونه ،اعتقا ًدا في
استحبابه أو ُسنيته.
* الغيرة فطرية في المرأة ،وليس ألحد أن يعيب عليها فطرتها ،أو
أن يلزمها بما لم يلزمها به الشرع.
142
الطالق والترمل والعنوسة
ُّ
وارتلموالعنوسة االطلق
وصمات عارعلى جبين املرأة املعاصرة
كم كانت صدمتها قوي ًة وهي تح ِّد ُث صديقتها عن مشاريعها ،وعن
طموحاتها ،وعن تخطيطها ،مستعين ًة باهلل ،ألن تحقق فيمن حولها ما لم
يُق َّدر أن يتحقق لها هي ،وعن إرادتها الحقيقية في االنطالق ،وفي تلوين
ما تبقى من حياتها بألوان القوس؛ فإذا بها تر ُّد عليها ،وكأنها تعاتبها على
إخالفها وع َدها مع األحزان:
خيرا فيهم<.
> َك ِّرسي ما تبقى من حياتك ألبنائك ،عوضك اهلل ً
ترتيب أورا ٍق بعثرها ُ
دعاء َ يومها ،غرِقت في ل ُ َجج الصمت ،تحاول
صديق ِتها ..تف ِّكك َش َع َث ما اختلط في أعماقها ،والحيرة تلجم لسانها...
أتتظاهر بعدم سماع ذلك الدعاء ،وهو دعاء ،وتعفي نفسها من سبر أغوار
مرامي صديقتها ،وما يحمله أبعاد الكالم؟ أم ُت َؤ ِّمن عليه ،وهي تفهم ما
يعنيه أن تكون ذات استقاللية في الحياة ،وذات طموحات ،ومشاريع،
وأحالم شخصية ،فكيف سترضى أن تجعل كل نجاحها ،وعوضها،
ومنتهى آمالها ،رهي ًنا بما سينتج فقط من أبنائها ،وما ستثمره سنوات ك َدها
فعال تحتاج إلى نجاح أبنائها كي تحس بالنجاح؟ ألجلهم؟ هل المرأة ً
143
الطالق والترمل والعنوسة
هل يكون قيامها بواجبها أمام اهلل معهم ،وتضحياتها وتفانيها ألجلهم،
َمدعاة النتظار تحقيق ذاتها عبرهم؟ ألم يخلقها اهلل مستقلة عنهم ،كما هم
مستقلون عنها؟ نعم ،تحب تفوقهم ونجاحهم ،وتحثهم على ذلك،
غر ِسها وسقيها بتحقيق ذواتهم،
ثمار ْ
وتتفانى ألجلهم ،ويسعدها أن ترى َ
ولكن ال يجب بحال أن تتجرد منها بالكلية ألجلهم ،وال أن تجعل كل
همها ،ومبلغ آمالها ،ومنتهى طموحاتها ،نجاحهم هم.
فيا ليتهم يك ّفون عن بعث هاته الرسائل السلبية لها ،والتي مفادها:
(قد انتهت حياتك فيك أنت ،وإنما بقاؤك واستمرارك :فيهم وألجلهم...
وفقط ،)...والحق أن حياتها تنتهي بخروج الروح ،ال بتغير األحوال
الشخصية ،وإنما أحالمها وطموحاتها ونجاحاتها رهينة بها ،وليس ألحد
أن يحجر عليها في تحقيقها.
وتضحيات ،ونذرت عمرها والجفونٍ صبرا
م َّزعت روحها ،ونثرتها ً
تصيرها أخادي َد
كي تألم ُص ُدو ًعا في بيتها ،أبت الظروف حولها إال أن ّ
وفجا ًجا تبتلع الفؤاد ،ومقابر موحشة لدفن ما تبقى من الروح .هطلت
ضا صلداء ُم ْج ِدبة ،حتى إذا ما
بكل ما في سمائها من مطر ،تسقي أر ً
استفرغت كل قطرها ،وطال انتظارها للطلع ،فلم تجد غير ذات الشوك
كوم خلف الكثبان ،وأغصان العوسج المتناثرة قرب الصخر، الم َت ِّ
ُ
استجمعت كل أنفاسها ،ومخزون الصبر المتيبس بين أضالعها ،فرحلت
تكفكف أحالمها ،وبريق عينيها قد غاب بين رديم األشواق.
144
الطالق والترمل والعنوسة
كلوألنها ظنَّت أ َّن َم ْن حولها قلو ًبا رحيمة مشفقة ،ال تحب لغيرها إال َّ
انتظرت أن يباركوا لها عودتها للحياة ،وأن يعزفوا لها مقاطع ْ خير،
ضا عن ذلك مليو َن لكنهن أل َّ ْف َن ِع َو ً
ّ الفرحة ،ومعزوفات التبريكات...
قصة عن هذا الزواج ...خائنة هي في عيونهن ،قد خانت عهدها مع
األحزان ...أنانية ،ألنها فكرت في نفسها ،وسلَّمت لطليقها األوالد،
وما حكم الشرع سوى انتقال الحضانة إلى الوالد ،إذا ما تم للطليقة الزواج.
ات ،ولم ترحمها النظرات ،وال بارك خطاها من الو ْش َو َش ُ
لم تعذرها َ
مفعوال بها ال فاعل ...مطلَّقة ال مختلعة ،متخلى
ً اعتادوا أن يروا المرأة
عنها ال متخلية ...ألفوا أساطير في أسباب الفراق ،وأرجعوا سبب الخلع
أو الطالق إلى رعونتها ونزقها ،وإلى خلوها من صفات تجعل زوجها
يتحسن ألجلها ...اخترعوا األسباب ،وخمنوا النتائج ،وسفهوا حلمها،
نبينا ‘ ــ بأبي هو وأمي ــ على
مهب الريح ...ما عاب ُّ وجعلوا سمعتها َّ
امرأة ثابت( )1ما جاءت تسأله ،وال استنطقها عن تفاصيل األسباب ،ولكن
هداها إلى الحلول العملية بعدما فهم أن األمر فوق ما تطيقه ،وأن األولى
لها أال تعود في الكفر بعد اإلسالم..
إن كان من َه ْدي؛ فبه ــ عليه أفضل الصالة والتسليم ــ فلنهت ِد،
ولندع الشزرات تؤنس من ال يملك من دنياه غيرها ،وال يتقن من الحديث
سوى الوشوشات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سبقت اإلشارة إلى قصتها في نقطة سابقة.
146
الطالق والترمل والعنوسة
فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل ،فلم تنشب أن وضعت حملها
للخ ّطاب ،فدخل عليها أبو
تجملت ُبعد وفاته ،فلما تع ّلت من نفاسها ّ
السنابل بن بعكك فقال لها :ما لي أراك متجملة؟ لعلك ترجين النكاح،
إنك واهلل ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر .قالت سبيعة:
علي ثيابي حين أمسيت ،فأتيت رسول اهلل
فلما قال لي ذلك جمعت َّ
ـ ‘ ـ فسألته عن ذلك ،فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي،
وأمرني بالتزويج إن بدا لي(.)1
هكذا! بكل ما في األمر من عفوية وبساطة واتباع للفطرة ،انتهت
فتجملت لل ُخطّاب ،وفتحت أبوابها لرز ٍق قد يجعل اهلل لها فيه ّ عدتها
العوض .انتهت حياة زوجها على األرض بموته ،بل هو حي عند ربه
يرزق ،لكن حياتها لم تنته ،ولم ُت َقبر معه أنوثتها ،وال انقضى عنها اسم
بالترمل ،وال عابتها فطرتها التي فطرها اهلل عليها من احتياج للسكن،
ُّ ٍ
امرأة
ورغبة في األنس ،واضطرار للمعيل.
وهكذا ،بكل البساطة التي ُجعلت كي تستمر الحياة البشرية ،وكي
يتحقق االستقرار والسكينة ،يُفتيها نبي الرحمة ــ عليه وعلى آله وصحبه
أفضل الصالة والتسليم ــ أن تتزوج إن بدا لها ذلك .وحتى تعقيب أبي
أصال كان من
السنابل لم يكن عن رغبتها في الزواج في حد ذاتها ،فهو ً
ُخطَّابه ،وإنما كان تحفظه في مقام تحديد مدة انتهاء عدتها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1رواه البخاري ( ،)3770ومسلم (.)1484
148
الطالق والترمل والعنوسة
149
الطالق والترمل والعنوسة
وظلم ،أو ربما الجتماعها كلها وغيرها مما ينكد على الحياة الزوجية،
ال.
ويجعل االستمرار مستحي ً
عوامل كثيرة تجعل القرار يتأخر ،وإن كان صاحبه مدر ًكا بأنه سيكون
تأزما :عادات حياتية كثيرة ستتأثر
يوما ما ال محالة ما دامت األمور تزيد ً
ً
باالنفصال ،وإقدام على مجهول ،إن لم يكن صاحبه متسل ًحا بالصبر،
وبالرضا باألقدار ،وباليقين والثقة فيما عند اهلل ،فسيصبح فريسة للتوجس
والخوف ،والفوضى وعدم االستقرار واالكتئاب .عالقات ستتغير ولألبد
طريقة إدارتها ،نظام حياتي جديد سيخضع له األطفال ،وقواعد مستحدثة
ستخضع لها العالقة مع عائلة الطرف اآلخر ،واألصدقاء المشتركين،
وخصوصيات ستصبح طي الذكريات ،وذكريات يفترض التخلص منها
ألجل إقامة الحداد على هذا الزواج...
القرار سليم ،واتخاذه هو الحل األسلم ،لكن حيثياته وتبعاته تحتاج
إلى قوة إيمان وتقوى وصالبة ودرجة عالية من الوعي ،والثقة بالنفس،
والعدل واإلنصاف ،والقدرة على مواجهة المجتمع ،وتحمل أذاه (خاصة
بالنسبة للمرأة).
اتخاذ هذا القرار إذن والمضي فيه ،من غير حسرة وال ندامة،
والقدرة على استئناف الحياة بتفاؤل = انتصار ،بل هو النجاح في هذه
الحالة؛ ألن االستمرار في وضع مستنزف غير صحي ،وعدم القدرة على
الحسم فيه هو الفشل بعينه.
152
مفهوم األنوثة والتقاؤه مع مفهوم الزوجة الصالحة
ما األنوثة؟
ما ماهيتها؟ وما حقيقتها؟ ومن أي جذر لغوي خرجت هذه العبارة؟
وهل تخضع ــ شأنها شأن المصطلحات المراد شرحها ــ إلى معنى لغوي
وآخر اصطالحي؟ أم أن مجرد كلمة >أنثى< توحي بكنهها ،وتحدد معالم
هويتها؟
جاء في لسان العرب:
أنَث الشيء :الن .وأنَّث في األمر :تساهل .وامرأَة أُ ْن َثى :كاملة
األُنوثة(.)1
وعرف معجم اللغة العربية المعاصر األنوثة :بـ >مجموعة الصفات
التي تميِّز األنثى<(.)2
عرجت في بحثي عن معنى هذه العبارة ،بما يقابلها في اللغة
ُ وقد
الفرنسية ،فخلصت إلى ما يلي:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :لسان العرب.)112/2( ،
( )2انظر :معجم اللغة العربية المعاصرة.)128/1( ،
153
مفهوم األنوثة والتقاؤه مع مفهوم الزوجة الصالحة
بالضبط على خطوة تحديد معالم كينونة األنثى .وما سيأتي ،فإنما هو
تأكيد وتحليل للمفردات .وتحديد لحقيقة أزمة المرأة المسلمة ،والمتمثلة
في وضوح معالم هويتها :ما قيمتها؟ ما دورها؟ ما التحديات التي
تواجهها؟ وكيف تستعيد مشعل االستخالف في األرض الذي كلفت به
ال مع الرجل؟تكام ً
إن حديثنا عن األنوثة من منظور إسالمي ،ال يمكن مقاربته في
معزل عن الحديث عن الصالح.
فكيف تحقق األنثى أنوثتها الحقة؟
وما الصالح؟ وما معناه كمعيار على أساسه ُتختار الشريكة؟ وما
الذي على المرأة أن تكونه كي تعتبر صالحة؟
الصالح بأنه ضد الفساد ،قال صاحب اللسان: َ عرف اللغويون َّ
>الصالح ضد الفساد ،تقولَ :صلَح الشيء يَ ْصلُح ُصلو ًحا ،واإلصالح:
نقيض اإلفساد<(.)1
الصالح جام ًعا لكل خير،
َ واعتبر شيخ اإلسالم ابن تيمية ـ ـ
مستغر ًقا فيه ،فقال> :فإذا أطلق الصالح تناول جميع الخير ،وكذلك
الفساد يتناول جميع الشر<(.)2
الصالح في >أصول عظيمة من
َ في حين قرن الشيخ السعدي ـ ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1لسان العرب.)516/2( ،
( )2مجموع الفتاوى ،)83/7( ،كتاب اإليمان.
155
مفهوم األنوثة والتقاؤه مع مفهوم الزوجة الصالحة
فأن تكون
قواعد اإلسالم< بالكمال واالعتدال ،حيث قالَّ > :أما الصالحْ ،
األمور كلها ظاهرها وباطنها ،دينها ودنيويها ،معتدل ًة كاملة مكملة،
ُ
ال لها من األوصاف الصالحة ،والنُّعوت المصلحة ،ما يُوصلها إلىحاص ً
الصالح الحقيقي ،وبذلك ينتفي عنها الفساد<(.)1
فإن كان الصالح في عموم معناه يناقض الفساد ،ويتناول الخير
والكمال واالعتدال ،فإنه بإضافته توصي ًفا للمرأة ال يبتعد عن هذا المعنى،
بل يستغرقه ويزيد عنه في التفاصيل والخصوصية .فيأتي مراد ًفا للطاعة
ومقابال للنشوز .وهو ما أشار إليه المفسرون في تفسيرً وطلب الرضى،
آية{ :ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ} [النساء .]34 :قال
القرطبي ـ ـ> :ومقصوده األمر بطاعة الزوج والقيام بحقه في ماله وفي
نفسها في حال غيبة الزوج<(.)2
وقال صاحب البحر المحيط :قال ابن عباس :الصالحات المحسنات
أحس َّن ألزواجهن فقد صلح حالهن معهم .وقال ابن
ألزواجهن ،ألنهن إذا َ
المبارك :المعامالت بالخير .وقيل :الالئي أصلحهن اهلل ألزواجهن ،قال
تعالى{ :ﲱ ﲲ ﲳ} .وقيل :اللواتي أصلحن أقوالهن
وأفعالهن .وقيل :الصالح الدين هنا .وهذه األقوال متقاربة ،والقانتات:
المطيعات ألزواجهن ،أو هلل تعالى في حفظ أزواجهن ،وامتثال أمرهم،
أو هلل تعالى في كل أحوالهن ،أو قائمات بما عليهن لألزواج ،أو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أصول عظيمة من قواعد اإلسالم)67( ،
( )2تفسير القرطبي)170/5( ،
156
مفهوم األنوثة والتقاؤه مع مفهوم الزوجة الصالحة
ُّتسره إذا نظر إلى ملبسها وزينتها ،ومبسمها وخفة روحها ،وأخالقها.
ال للطلب، طلبا ،بل ال تحوجه أص ً
وتطيعه ما لم يأمرها بإثم ،فال ترد له ً
وإنما تقرأ ذلك ــ بفطنتها وذكائها الذي جبلها اهلل عليه ــ في عينيه،
مضطرا
ًّ ال عما سأله ــ ولم يجد نفسه
فتسارع إلى تلبية ما لم يسأله ــ فض ً
إلى طلبه تصري ًحا أو تلمي ًحا .تقترب من مساحة تفكيره ،وتعلم ــ بفطنتها
وحنكتها ــ ما يريده وما يزعجه ،دون أن تضطره إلى المباشرة في الكالم،
فالرجل يكره أن يوضح الواضحات ،ويمل من لعب دور المدرس أو
الموجه أو الواعظ.
وتحفظه إن غاب في نفسها وماله ،فال تهدر ماء وجهه فيما ال ترضاه
رجولته ونخوته ،وغيرته وقوامته ،وال تقبله على نفسها ُحرة .وال تبذِّر
ماله فيما يأنفه وال يصلح حاله ،وحال أوالده .وال ُت ْر ِعي سمعها لصديقات
السوء ،وجارات األذى ،وقريبات التحايل والنصائح المسمومة؛ بأن
تؤمن مستقبلها ومستقبل أوالدها بالسرقة من ماله ،واالدخار من حقه، ِّ
خو ًفا على نفسها في حالة طالق أو موت .أو بأن تبذر ماله ،وتنقش
مستأمنة
َ ريشه ،وتكسر جناحيه ،كي ال يقوى على الطيران إلى غيرها.
هي على فتات الخبز الذي ببيتها ،وعلى القرش األزرق الذي يأتمنها
عليه .ال حق لها في االدخار منه ،وال في إهدائه ،وال حتى الصدقة منه،
ما دام ماله وحقه وعرق جبينه ،إال بإذنه .وتحسن إليه وتصلح أقوالها
وأفعالها ،فإذا فعلت ذلك؛ صلح حالها معه ،وصلح حاله معها.
فكل أمورها ،ظاهرها وباطنها ،دينها ودنيويها ،معتدلة كاملة مكملة؛
158
مفهوم األنوثة والتقاؤه مع مفهوم الزوجة الصالحة
في صراع مع زوجها ،ودون أن تتعالى عليه ،ألنها تعلم حدود مسؤوليتها،
وأهداف سعيها ،وحدود طاقتها ،وحدود طبيعتها األنثوية .ال ترى فيه
خص ًما وال مناف ًسا وال نِ ًّدا ،إنما تلزم نفسها بما ألزمها به اهلل ورسوله،
وتعفي نفسها مما أعفاها اهلل منه وكلفه هو به .ترعي سمعها ،و ُتعمل عقلها
فيما يدور حولها ،وتطلق بصرها على العالم حولها في ذكاء وتوقد ،لتعود
بمزيد أفكار ،ومزيد خبرات ،وما به تساير المستجدات.
تكامل بين ُحسنهكذا هي المرأة الصالحة ،واألنثى الحقيقيةُ ،
الصورة ،وجمال الروح ،وعذوبة المنطق ،ورجاحة الفكر .ال تقبل بتلك
األفكار الهدامة التي تعطي القيمة ألحدها على حساب اآلخر .ال لتلك
التي جعلت منها مجرد ثليجة ،البد أن تحفظ في البراد كي ال تذوب،
أو يتراكم عليها الذباب ،وال لتلك التي أخرجتها من رقتها وأنوثتها،
وزجت بها في معتركات الرجال،
رياضياّ ،
ًّ وألبستها سروال جينز ،وحذاء
وحشت رأسها بالنسوية والندية ،ودعاوى المساواة والنشوز ،وحقها في
االسترجال .وسط هي بين استكمال فضائل النفس ،وترميم ثقب الروح،
تماما بما تتغذى به عقول األفذاذ من الرجال ،وبين بهاء
وتغذية العقلً ،
شكلها ،وتعلمها أبجديات الزينة والنظافة والجمال .ال يعذرها في ترك
ذلك حمل ،وال إنجاب ،وال تربية أوالد ،وال غيرها مما تتحجج به عادة
بعض النساء اللواتي هجرن زينتهن ،وغب َّن أنفسهن وأزواجهن ،والذريعة؟
انشغال بطلب رزق ،أو تربية أوالد ،أو أشغال البيت والدوام .والحق أن
مرجع إهمال أنفسهن وزينتهن في األساس ،إلى عجز أو كسل ،أو عزوف
163
مفهوم األنوثة والتقاؤه مع مفهوم الزوجة الصالحة
عن طلب الجمال .أو إلى عدم فتحهن أعينهن في بيت أهاليهن على
النموذج والمثال المنشود المتمثل في األم ،وعلى خبرة حياتية تختصر
عليهن مسافات البحث ،وتعفيهن من التخبط في رحلتهن ،لنحت
تماثيلهن ،ورسم صورهن ،فتخبرهن ّأو ًال وقبل كل شيء بأنهن إناث،
وبأنه عليهن التضوع من عطر األنوثة ،ومن سحر األنوثة ،ومن غموض
األنوثة ،ومن فطرتهن ،ومنة المعطي سبحانه القدير ،الذي قدر لهن أن
يكن مخالفات للرجل ،وأن ينشئهن في الحلية ،وفي الزينة ،وفي حب
وطلب الجمال.
وقد أثبتت التجربة أ ّن جز ًءا من األنوثة فطري ،وجز ًءا منها مكتسب
من الموروثات الثقافية ،ومن تبادل الخبرات ،ومن االجتهاد في رسم
صورة مميزة للذات ،والرقي بها ،كي تكون دائمة الحضور والتألق.
ولهذا ،فحتى تلك التي لم تترعرع في بيت يحفظ لألنوثة قيمتها ،ويعلم
بأنها منهج حياة ،وطريقة المرأة الخاصة في تحسس العالم حولها،
واإلحساس بما يحيط بها ،ووسيلتها إلثبات وجودها وتميزها ،وورقة
ضغط رابحة في كسب قلب زوجها ،حتى تلك ،فإنها تستطيع تدارك ما
عال زوجة صالحة، تترب عليه ،وتتعلم من مبادئ األنوثة ما يجعلها ِف ً
لم َّ
بكل المعايير السابقة التي تمت اإلشارة إليها ،في تحديد معنى الصالح
الذي توصف به عادة الزوجة الصالحة.
حريصة على ترتيب األولويات ،فال شيء يسبق المسؤولية التي
كلفها اهلل بها ،والتي ستسأل عنها أمام ربها ،من حسن تبعل ،وطيب
164
مفهوم األنوثة والتقاؤه مع مفهوم الزوجة الصالحة
عشرة ،وحسن تربية ألوالدها .ال عملها ،وال مشاريعها الدعوية ،أو
العملية ،أو المادية ،وال طموحاتها الشخصية ،ال شيء من ذاك يستحق
أن تضيع ألجله كيان أسرتها ،وال أن ترجحه ،في حالة تعارض ،على
مجتمعها المصغر الذي إذا انهدم ،انهدم معه صرح المجتمع الكبير.
حريصة على نيل األجر الكبير ،والغنيمة الباردة ،بتعلم حسن
التدبير ،وبراعة التخطيط ،والتفنن في إدارة بيتها ،وعلى اإلبداع في تعلم
صنع اللقمة التي تضعها في فيه زوجها وأبنائها .تنفخ فيما حولها من
ألواح
َ روحها ومن لمساتها ،فتصيِّر القفر جنا ًنا ،وتصنع من الالشيء
عب ًقا
حبها له وللتفوق ولإلبداع في إرضائه؛ يضخ في أنفاسها َ إبداعُّ .
جميال متجد ًدا تتجدد به عطاءا ُتها ،ويجعلها تحب ما تفعله .الطبخ يصبح
ً
لديها هواية جميلة ،ووسيلة للتودد لزوجها ،ولجعل المركبة تسير في
استقرار وأمان.
وليس المجال هنا للتحريرات الفقهية فيما إذا كان الطبخ وخدمة
الزوج من واجبات المرأة ،وقد تقدمت اإلشارة السريعة إلى تلك المسألة
فقهيا ،في سياق سابق من هذا الكتاب ،ومن ثَ َّم سأكتفي بالرد على هذا
ًّ
األمر بنقطتين:
أوال :ما دامت العادة ُمحك ََّم ًة ،وعادة مجتمعاتنا مراعاة المرأة شؤون
ً
البيت ،وإدارته من كل النواحي ،بغض النظر عن مشاركة الزوج في ذلك
أو غيره؛ فإن ذلك يصبح بالعادة مسؤولية المرأة ،ما لم يكن من عادة
165
مفهوم األنوثة والتقاؤه مع مفهوم الزوجة الصالحة
تشارك في مباحثة الحلول ،وعبقرية في طرح ما يزعج ويقف حاج ًزا أمام
السعادة ،وذكاء عاطفي وقلب واع .ال خنوع واستكانة وسلبية ،فذلك ال
يليق بحرة ،وال يصحح األخطاء والمسارات ،وال يغير الواقع ،وال يسمو
والبحث
ُ التغيير الفعالي ُة واإليجابي ُة،
َ باألسرة ويشمخ بها ،وإنما يحقق
تماما كما أ ّن الصبر
الدائم عن التطوير والتغيير ،والحرص على التقويمً .
واسترجاال ،واعتبار بقائها على ذمته من ً ليس تسل ًطا واستبدا ًدا ،وبذاءة
غير أن تطلب منه الطالق ،رغم كل ما تتطاول عليه به ،ورغم كل ما
صبرا.
صً ، ترتكبه في حقه من معا ٍ
تفرق بين االسترجال وقوة الشخصية ،فقوة الشخصية ثقة بالنفس،
وفهم جيد لما تريده ،وهذه اإلرادة تابعة إلرادة اهلل ورسوله من خالل
حراما ،وال تتعدى ح ًّدا ،وال تأخذ حقًّا بدعوى
التشريعات ،فال تحلل ً
المساواة .فتعلم المرأة جي ًدا ما لها وما عليها ،فتقف عند ما ُحرم عليها
ونهيت عنه ،ألن الشارع الحكيم جعل لها حدو ًدا إن تجاوزتها دخلت في
الندية مع الرجل .وتميز بشكل دقيق حدود األنوثة التي إذا تجاوزتها
وقعت في االسترجال ...حرة أبية ،تختار حياتها بما ال يخالف الشرع،
وال يهمها في ذلك لومة الئم ،ما دامت تعلم أنها لم تتجاوز المطلوب
منها ،وال تنضوي تحت لواءات القواعد المجتمعية التي تخالف الشرع،
وال تسمح لآلخرين أن يختاروا ِع َو ً
ضا عنها ،وتوقن أن قراراتها ما دام
يحكمها الشرع ،فليس ألحد أن يملي عليها خالفها ...تطور ذاتها
باستمرار ،وال تستكين إال بطلب المعالي ،إرادتها تناطح السحاب،
167
مفهوم األنوثة والتقاؤه مع مفهوم الزوجة الصالحة
من وجدها ذات شخصية قوية بالمعايير المذكورة آن ًفا ،وبعد في النظر،
وحرية في االختيارات ،ثم النت له وخضعت في شموخ.
مفارقة ذكية ال تحسنها إال كاملة أنوثة ،وصفة راقية ال يفقهها إال
كامل رجولة.
وهي تفرق بين الطاعة وخفض الجناح ،وبين الخنوع والسلبية.
فالطاعة انقياد لربان سفينة ،قد كلفه اهلل أن يقودها ،بمقتضى قوامته التي
تعني من بين ما تعنيه :مسئولية وإدارة ،وقيام بالمصالح ،وتدبير للحياة،
ونفقة وذب ،ووالية وإصالح .مواصفات تكليفية ال تشريفية ،تحتاج
ممن تولى أمرهم أن يعينوه على أداء مهمته في قيادة السفينة إلى بر
األمان ،والمجيء يوم القيامة بحقوق محفوظة ،وأمانات غير مضيعة.
تطيعه ،ال ألنها األدنى ،وال ألنها األقل شأ ًنا ،بل قد كرمها ربها،
نبيها ،وجعل من بين ما استوصى بها فيه أن يعتني بها الرجل، وأوصى بها ُّ
وأن ينفق عليها ،وأن يحميها ،ويحقق لها السكن ،ويحمل عنها ما ال
تتحمله طبيعتها األنثوية الرقيقة ،وبنيتها الجسمانية الضعيفة .وفي
المقابل ،تسهل عليه مأموريته بأال تقف أمام فوهة البركان ،فترفض طلباته
التي ال تتنافى مع الشرع ،ومع الخلق القويم ،ومع حدود الطاقة .تطيعه
في فراشه في حدود الشرع ،وتطيعه في خروجها ،فال تخرج إال بإذنه ما
دخل إلى بيته منلم يمكنها من إذن مطلق غير منتهي الصالحية ،وال ُت ِ
يكرهه ،ولو كان من أهلها( ،وليس هنا مجال مباحثة حل وسط لهذا األمر
169
مفهوم األنوثة والتقاؤه مع مفهوم الزوجة الصالحة
في هذا المقام ،وإنما الحديث عنه في عمومه قبل إيجاد الحلول) ،وتطيعه
في زينتها ،فال تتزين إال بما يحب؛ على األقل أمامه وفي حضوره ،وإال
بما تعلم يقي ًنا أنه سيسعد قلبه وسيمأل عينه ،وسيزيدها قر ًبا منه .وتطيعه
في أمور تربية أوالدهما ،وتدبير معيشتهما ،وإنفاق ماله .وعدم طاعته
وعصيانه في هذه األمور هي ما اصطُلِح عليه بالنشوز .والطاعة ال تعني
الخنوع ،والسلبية واالنقياد األعمى ،وال االنسالخ من الشخصية ،بل
ليست مطالبة بأن تطيعه في كل ما يأمر به ،وال من حقه أن يحركها بآلة
تحكم ،فال ترى إال ما يراه ،وال تنطق إال بعباراته ،بل لها حرية الرأي،
وحرية التعبير ،وحرية التصرف في مالها ،دون وصاية منه ،وال تسلط
عليه ،ولها كل الحريات التي ال تتنافى مع الشرع ،ومع طبيعتها األنثوية.
وإنما الطاعة الواجبة التي تأثم إن لم تقم بها؛ فيما تم اإلشارة إليه .وهي
مع هذه الطاعة الواجبة ،منصوحة بأن تكون لينة هينة ،تبرع في قراءة
عينيه ،والتذلل واللين له ،حتى ال تمتنع من شيء يريده ويحبه ،وخفض
جناحها له ،والذي يعني من بين ما يعنيه :التواضع والمسارعة إلى تلبية
طلباته في غير ما معصية .وليس في هذا أدنى مهانة لها ،وال هو خنوع
ضا ،إذ الأو سلبية أو انعدام شخصية .وهو أمر مطلوب في الرجل أي ً
معنى في استقرار العالقة الزوجية؛ أن يكون الضغط أو الميل على طرف
واحد من الطرفين .فبقدر األخذ يكون العطاء ،وبقدر التشوف إلى ما
ضا إلى إسعاده ،وإدخال السرور عليه. يمنحه الشريك ،تكون المسارعة أي ً
فالسفينة الزوجية تحتاج إلى الرقة والبذل ،والتضحيات ،والتفاني،
170
مفهوم األنوثة والتقاؤه مع مفهوم الزوجة الصالحة
171
خاتمة الكتاب
خاتمة الكتاب
سر ربَّاني قد وضعه اهلل في نساء الرعيل األول ،واصطفاء إلهي
لهاته الزمرة الطيبة الشريفة التي تضوعت من عطر النبوة ،وسنت من بهاء
سيد البشر وكماله ــ عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصالة والتسليم ــ
فضربن أبهى وأعبق األمثلة في االمتثال والتسليم ،والتضحية والتفاني،
وقوة الشكيمة ،ورجاحة العقل ،وصالدة الرأي ،وحرية االختيار.
سحر جعل الصحابية تسارع إلى شق ردائها ،وااللتحاف به ،امتثا ًال
آلية الحجاب ،بمجرد ما نزلت ،فوعت أن األمر للوجوب ،وتهرع إلى
حليها تتبرع بها تصديق ًا إلرشاد النبي ـ ‘ ـ لهن إلى كثرة الصدقات،
وتحمل السيف في جرأة وشجاعة وتحد ،دفا ًعا عنه ــ بأبي هو وأمي ــ
فتبلي أحسن البالء ،وتسأل عن حقوقها وواجباتها ،وتفاصيل عبادتها،
بكل حرية ،ال يثنيها عن ذلك خجل وال حياء ،وتتفرد باختياراتها
وقراراتها ،فنبي الرحمة المهداة سند وعون لها ،ونعم الناصح المعين لها
على من يريد اإلجحاف بها.
أنوار وأسرار ال َّ
حظ للمرأة اليوم منها ما لم تهتد بهديهن ،وما لم
تجعل من سيرتهن منارة تفيء إليها روحها المتعبة كلما حاصرتها النظرات
والشزرات ،والتقاليد والعادات ،أو كبلها فقه محدث ،يفتقد ألولى
172
خاتمة الكتاب
خولها لها الشرع ،وليس ألحد عليها فيه منة أو جميل ،فنلقنها ثقافة الحق
والواجب ،فنعلمها ما لها وما عليها ،ونربطها في ذلك بخشية المولى
وتقواه ،ونهيئ لها المحافل التربوية التي تعنى بروحها ،وتعزز فيها
أنوثتها ،ونحصنها عقدي ًا وإيماني ًا ضد الواردات والثقافات الغريبة،
ونزودها بالعلوم والثقافات كي تساير عصر العولمة ،وتتابع أبناءها في
مختلف مراحلهم العمرية ،تلقين ًا وتربي ًة وتكوين ًا متوازن ًا ،كي يكونوا ممن
سيباهي الرسول عليه أفضل الصالة والتسليم األمم يوم القيامة.
والبأس أن نعرج بين هذا وذاك على التأسيس لثقافة رجولية بالموازاة،
نزود الرجل من خاللها أيض ًا بثقافة الحق والواجب ،وبمعاني القوامة التي
من دونها تضطر المرأة إلى االسترجال ،ونروي جدب روحه بمعين
النبوة ،وأخالق السادة ،في التعامل مع المرأة ،ونمثل له باألحداث التي
جعلت من اآلل واألصحاب منارات يقتدى بها ،وبوصالت يهتدي بها
من غابت عنه معالم الطريق .إذ ال يمكن أن نصنع مجتمع ًا نسوي ًا حافظ ًا
للحقوق ،عالم ًا بالواجبات ،لكنه يفتقد إلى األرضية الصالحة لزرع بذور
ما تم تلقيه ،ويواجه من ال حظ له في معرفة ما له وما عليه ،فيتعسف
عليها ،ويضيع بذلك حقها.
175
ثبت املراجع
ثبت املراجع
1ــ أحمد بن الحسين البيهقي :السنن الكبرى ــ تحقيق :محمد عبد القادر عطا ــ دار
الكتب العلمية ــ بيروت ــ ط 3ــ 1424هـ ــ 2003م.
2ــ أحمد بن شعيب النسائي :السنن الكبرى ــ تحقيق :حسن عبد المنعم شلبي ــ مؤسسة
الرسالة ــ بيروت ــ ط 1ــ 1421هـ ــ 2001م.
3ــ أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية :مجموع الفتاوى ــ تحقيق :عبد الرحمن بن قاسم ــ
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ــ المدينة النبوية ــ 1416هـ ــ 1995م.
4ــ أحمد بن عبد الحليم بن تيمية :الفتاوى الكبرى ــ دار الكتب العلمية ــ ط 1ــ
1408هـ ــ 1987م.
5ــ أحمد بن عبد اهلل األصبهاني (أبو نعيم) :معرفة الصحابة ــ تحقيق :عادل بن يوسف
العزازي ــ دار الوطن للنشر ــ الرياض ــ ط 1ــ 1419هـ ــ 1998م.
6ــ أحمد بن علي العسقالني (ابن حجر) :اإلصابة في تمييز الصحابة ــ تحقيق :عادل
أحمد عبد الموجود ،علي محمد معوض ــ دار الكتب العلمية ــ بيروت ــ ط 1ــ 1415ه.
7ــ أحمد بن علي العسقالني (ابن حجر) :فتح الباري بشرح صحيح البخاري ــ أشرف
عليه :محب الدين الخطيب ــ ومعه تعليقات العالمة عبد العزيز بن باز ــ دار المعرفة ــ بيروت
ــ 1379ه ــ.
8ــ أحمد بن علي بن المثني التميمي (أبو يعلى الموصلي) :مسند أبي يعلى ــ تحقيق:
حسين سليم أسد ــ دار الثقافة العربية ــ دمشق ــ بيروت ــ ط 2ــ 1412هـ ــ 1992م.
9ــ أحمد بن عمرو العتكي (أبو بكر البزار) :البحر الزخار بمسند البزار ــ تحقيق:
محفوظ الرحمن زين اهلل ــ مكتبة العلوم والحكم ــ المدينة المنورة ــ ط 1ــ 1418هـ ــ 1997م.
10ــ أحمد بن محمد بن حنبل :المسند ــ تحقيق :شعيب األرناؤوط ،عادل مرشد،
آخرون ــ مؤسسة الرسالة ــ بيروت ــ ط 1ــ 1421هـ ــ 2001م.
176
ثبت املراجع
11ــ أحمد بن محمد بن سالمة الطحاوي :شرح مشكل اآلثار ــ تحقيق :شعيب
األرناؤوط ــ مؤسسة الرسالة ــ بيروت ــ ط 1ــ 1415هـ ــ 1994م.
12ــ أحمد مختار عبد الحميد عمر وآخرون :معجم اللغة العربية المعاصرة ــ عالم الكتب
ــ ط 1ــ 1429هـ ــ 2008م.
13ــ أسلم بن سهل الرزاز :تاريخ واسط ــ تحقيق :كوركيس عواد ــ عالم الكتب ــ
بيروت ــ ط 1ــ 1406ه ــ .محمد الطاهر بن محمد ابن عاشور :التحرير والتنوير ــ الدار
التونسية للنشر ــ تونس ــ 1984م.
14ــ إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي :البداية والنهاية ــ تحقيق :عبد القادر
األرناؤوط ،د .بشار معروف ــ دار ابن كثير ــ دمشق ــ بيروت ــ ط 1ــ 1428هـ ــ 2007م
15ــ إسماعيل بن عمر بن كثير :تفسير القرآن العظيم ــ تحقيق :سامي بن محمد سالمة
ــ دار طيبة للنشر والتوزيع ــ 1420هـ ــ 1999م.
16ــ الحسين بن مسعود البغوي :شرح السنة ــ تحقيق :شعيب األرناؤوط ،زهير
الشاويش ــ المكتب اإلسالمي ــ دمشق ،بيروت ــ ط 2ــ 1402هـ ــ 1983م.
17ــ الحسين بن مسعود البغوي :معالم التنزيل في تفسير القرآن (تفسير البغوي) ــ
تحقيق :عبد الرزاق المهدي ــ دار إحياء التراث العربي ــ بيروت ــ ط 1ــ 1420ه ــ.
18ــ سعيد بن منصور :سنن سعيد بن منصور ــ تحقيق :حبيب الرحمن األعظمي ــ الدار
السلفية ــ الهند ــ ط 1ــ 1403ه ــ 1982م.
19ــ سليمان بن أحمد اللخمي الطبراني :المعجم الكبير ــ تحقيق :حمدي عبد المجيد
السلفي ــ مكتبة العلوم والحكم ــ الموصل ــ ط 2ــ 1402هـ ــ 1983م.
20ــ سليمان بن األشعث السجستاني :سنن أبي داود ــ تحقيق :محمد محيي الدين
عبد الحميد ــ دار الفكر ــ سوريا.
21ــ عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي :تاريخ الخلفاء ــ تحقيق :حمدي الدمرداش ــ
مكتبة نزار مصطفى الباز ــ ط 1ــ 1425هـ ــ 2004م.
177
ثبت املراجع
22ــ عبد الرحمن بن عبد اهلل السهيلي :الروض األنف في شرح السيرة النبوية البن هشام
ــ تحقيق :عمر عبد السالم السالمي ــ دار إحياء التراث العربي ــ بيروت ــ ط 1ــ 1421هـ ــ
2000م.
23ــ عبد الرحمن بن محمد ابن خلدون :تاريخ ابن خلدون ــ تحقيق :خليل شحادة ــ
دار الفكر ــ بيروت ــ ط 2ــ 1408هـ ــ 1988م.
24ــ عبد الرحمن بن ناصر السعدي :أصول عظيمة من قواعد اإلسالم ــ اعتنى به:
عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر ــ من إصدارات موقع الشيخ السعدي.
25ــ عبد اهلل بن أحمد ابن قدامة :المغني ــ مكتبة القاهرة ــ د .ط ــ 1388هـ ــ 1968م.
26ــ عبد اهلل بن محمد بن إبراهيم العبسي (أبو بكر بن أبي شيبة) :اإليمان ــ تحقيق:
محمد ناصر الدين األلباني ــ المكتب اإلسالمي ــ بيروت ــ ط 2ــ 1983م.
27ــ عبد اهلل بن محمد بن إبراهيم العبسي (أبو بكر بن أبي شيبة) :المصنف في الحديث
واآلثار ــ تحقيق :حمد بن عبد اهلل الجمعة ،محمد بن إبراهيم اللحيدان ــ مكتبة الرشد ــ
الرياض ــ ط 1ــ 1425هـ ــ 2004م.
28ــ علي بن الحسين بن هبة اهلل (ابن عساكر) :تاريخ دمشق ــ تحقيق :عمرو بن غرامة
العمروي ــ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ــ بيروت ــ ط 1ــ 1419هـ ــ 1998م.
29ــ علي بن سليمان المرداوي :اإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف ــ دار إحياء
التراث ــ ط 2ــ د .ت.
30ــ علي بن عمر الدارقطني :سنن الدارقطني ــ تحقيق :شعيب األرناؤوط ،وآخرون
ــ مؤسسة الرسالة ــ بيروت ــ ط 1ــ 1424هـ ــ 2004م.
31ــ علي بن محمد بن عبد الملك الفاسي (ابن القطان) :بيان الوهم واإليهام في كتاب
األحكام ــ تحقيق :الحسين آيت سعيد ــ دار طيبة ــ الرياض ــ ط 1ــ 1418هـ ــ 1997م.
32ــ محمد بن أبي بكر بن أيوب (ابن القيم) :زاد المعاد في هدي خير العباد ــ مؤسسة
178
ثبت املراجع
179
ثبت املراجع
43ــ محمد بن يزيد القزويني :سنن ابن ماجه ــ تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي ــ دار
الفكر ــ بيروت.
44ــ محمد بن يوسف بن علي األندلسي (أبو حيان) :البحر المحيط في التفسير ــ
تحقيق :صدقي محمد جميل ــ دار الفكر ــ بيروت ــ 1420ه ــ.
45ــ محمد ناصر الدين األلباني :إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل ــ
المكتب اإلسالمي ــ بيروت ــ ط 2ــ 1405هـ ــ .1985
46ــ محمد ناصر الدين األلباني :صحيح الجامع الصغير وزياداته ــ المكتب اإلسالمي.
47ــ مرعي بن يوسف الكرمي :دليل الطالب لنيل المطالب ــ تحقيق :نظر الفريابي ــ دار
طيبة ــ الرياض ط 1ــ 1425هـ ــ 2004م.
48ــ مسلم بن الحجاج القشيري :صحيح مسلم ــ تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي ــ دار
إحياء التراث العربي ــ بيروت ــ ط 1ــ 1374هـ ــ 1955م.
49ــ منصور بن يونس البهوتي :دقائق أولي النهى لشرح المنتهى (شرح منتهى
اإلرادات) ــ عالم الكتب ــ ط 1ــ 1414هـ ــ 1992م.
50ــ الموسوعة الفقهية الكويتية ــ وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية ــ الكويت ــ دار
السالسل ــ الكويت ــ ط 2ــ مطابع دار الصفوة ــ مصر ــ ط.1
51ــ وهبة الزحيلي :الفقه اإلسالمي وأدلته ــ دار الفكر ــ دمشق ــ ط 4ــ د .ت.
52ــ يحيى بن شرف النووي :المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ــ دار إحياء
التراث العربي ــ بيروت ــ ط 2ــ 1392ه ــ.
53ــ يوسف بن عبد الرحمن المزي :تهذيب الكمال في أسماء الرجال ــ تحقيق:
د .بشار معروف ــ مؤسسة الرسالة ــ بيروت ــ ط 1ــ 1400هـ ــ 1980م.
54ــ يوسف بن عبد اهلل ابن عبد البر :التمهيد لما في الموطأ من المعاني واألسانيد ــ
تحقيق :مصطفى بن أحمد العلوي ،ومحمد بن عبد الكبير البكري ــ وزارة عموم األوقاف
والشؤون اإلسالمية ــ المغرب ــ 1387م.
180