Professional Documents
Culture Documents
Al Sharqa Al Thaqafia 60
Al Sharqa Al Thaqafia 60
ثــريـــا جــبــــران
الفنـانة والوزيرة المثقفة
معلـوال
الــــتـــاريــــخ الإ�ســبـــانـــي حكاية �سورية
واللـغـة العـربـيـة مــــ�ضـــيــــئــــة
مجالت دائرة الثقافة
عدد أكتوبر 2021
مجلة شهرية تُ ـعنى بالشعر واألدب الشعبي -السنة الثالثة -أكتوبر 2021م -العدد ()26
الرافــد نهــــــر نافذة الثقافة العربية ت�شدر �شهري ًا عن دائرة الثقافة بال�شارقة
مـــن العطــــــاء
الـ�شـنـة الخامـ�شـة-الــعــدد ال�شــتــون -اأكــتـوبـر ٢٠٢١م
ثــريـــا جــبــــران
مـــن شـــعـــراء مــنــطــقــة الــذيــد الفنـانة والوزيرة المثقفة
هــــــــــال الــــطــــنــــيــــجــــي.. معلـوال
وقصائـد على جنــاح "الـراعبي" الــــتـــاريــــخ االإ�ضــبـــانـــي حكاية �سورية
واللـغـة العـربـيـة مــــ�ضـــيــــئــــة
الــقــصــيــدة الــنــبــطــيــة وقــيــم
الحياة في المجتمع اإلماراتي
صحار العمانية
ُ الـقصــيدة العـــربية
ترنيمة الشعر والبحر الت معاصرة ورؤى تأملية
بتأوييال
رحـالت البـر
استجمام واستعادة للماضي
على رمال الصحراء
الـــزبـــارة ..حــضــارة منقوشة
عـــــلـــــى كـــــتـــــف جـــبـــلـــيـــن
1 السنة الثالثة -أكتوبر - 2021العدد ()25
وح�����س��ب ،وال ه ��ي م ��وروث ��ة ب��ي��ول��وج��ي� ًا الذي ي�ضيء بزيت العبقرية ال ينطفىء �أبداً، �إن �إب��داع��ات ال��ع��رب الأدب��ي��ة والفنية
واجتماعي ًا ،و�إنما متدفقة من بيئة ولغة وزهور الإب��داع التي ُت�سقى بماء العبقرية والعلمية ،و�إ�سهامات الأدب��اء في م�سيرة
وتاريخ ،وتكمن في القدرة على تثقيف الذات ال تذوي البتة ،لذلك خ ّلدت هذه الإبداعات الح�ضارة الإن�سانية ،لي�ست حدث ًا عابراً
و�إث ��راء الوعي والإي��م��ان بالحوار والت�أثر �أ�سماء �أ�صحابها و�ص ّناعها ،ومكنتهم من �أو �أمراً هام�شي ًا يمكن تجاوزه �أو تجاهله،
والت�أثير .وقد تحول الأدي��ب العبقري �إلى تغيير م�سار الب�شرية و�إحداث ثورة في العلم و�إنما هي �أح��د م�صادر قوتنا وح�ضورنا
ظاهرة في تاريخ الثقافة والأدب والفكر، والمعرفة ،فمازلنا �إلى اليوم نحتفي بما وتفوقنا وح�ضارتنا� ،إنها نتاج جهد وتعب
تميزت بالإبداع والفرادة والجمال والإقناع. قدموه و�أن��ج��زوه ،وننعم ببركة جهودهم، و�إب ��داع المئات من العباقرة والمبدعين
من هنا؛ نقر�أ عبقرية ابن ر�شد التي ننهل من ينابيعهم ،ون�ستظل ب�أجنحتهم، الذين ا�ستطاعوا �أن ي�صنعوا التاريخ بكل
تجلت في م�ؤلفاته الفل�سفية ،كذلك عبقرية فلوال ه��ذه العبقرية م��ا ا�ستطاع الأدب ثقة ،وي�سطروا �صفحاته ب�أحرف من نور،
المتنبي التي توهجت وه��درت �أمواجها العربي �أن ي�شكل ب�صمة ف��ي الح�ضارة وي�صدروا �إلى العالم ينابيع المجد والقيم،
ال�شعرية بكل جر�أة وخيال وحكمة ،وعبقرية والثقافة العالمية ،و�أن يلعب دوراً فريداً ب��ق��درات وط��اق��ات و�إن��ج��ازات ف��ي مجال
المعري التي ات�شحت ب�سعة خياله ولغته في �أن�سنة التاريخ والتراث والإن�سان ..هي العلم والأدب والفكر والفل�سفة ،كان لها
وبالغته المذهلة ،و�أي�ض ًا عبقرية جبران عبقرية م�ستمدة من �سحر ال�شرق ونورانية الف�ضل في التحول �إلى الح�ضارة والتطور،
وقدرته على �سبر �أغوار النف�س وتقديم �أجوبة الإ�سالم ور�سالته ،ومن فل�سفة ال�صحراء و�إلى الر�شاد وال�ضياء� ..إنها لي�ست مجرد
عن ت�سا�ؤالت فل�سفية للوجود ،وعبقرية طه وغناء واحاتها ،و�أبجدية النهر وترانيم �إبداعات و�إ�سهامات مرتبطة بزمن معين �أو
ح�سين التي توجت بغزارة �إنتاجه و�سعة �ضفافه و�أ�شجاره. مكان محدد ،فقد ُكتب لها �أن ت�ستمر بما
ف��ك��ره ،وك��ذل��ك ف��ي �إرادة التغيير الحرة، نجحت عبقرية الأدب العربي ،بتجلياتها حملت من تغيير وده�شة ،كما ُكتب لها
ين�س
وهناك العديد من العباقرة الذين لم َ الكبرى وم�ساراتها العطرة ،في �أن ت�صوغ �أي�ض ًا التجدد واالنبعاث بما امتزجت به من
النا�س �إبداعاتهم ونبوغهم بعد رحيلهم منذ ر�ؤى جديدة للعالم والحياة والم�ستقبل ،و�أن عبقرية وخيال ،فمن دون عبقرية ما كان
مئات ال�سنين ،بل ظلت كلماتهم �شامخة ت�سبك دوراً متقدم ًا في �صنع حالة �إبداعية لهذا الإبداع �أن يبقى وي�ستمر وينت�شر ،ومن
و�أفكارهم حية ونتاجهم خالداً خلود القمم. متوا�صلة في �شتى مجاالت الحياة قائمة دون خيال ما كان لهذه الح�ضارة �أن ترتقي
�إن��ن��ا ندين بكل �صدق وفخر له�ؤالء على الأ�صالة واال�ستك�شاف وتوليد الأفكار وترتفع وت�شع �أنوارها على العالم كله.
العباقرة ال��ع��رب ،م��ن �شعراء ومفكرين والتوا�صل ،وا�ستطاع �أن يم�شي عك�س الواقع من هنا يمكن القول �إن ف��رادة الأدب
وعلماء و�أدباء ومبدعين ،الذين تركوا �إرث ًا ويجتاز الحدود ويعبر بالح�ضارة العربية العربي وثراءه نابعان من تفجر العبقرية
علمي ًا ومعرفي ًا ثمين ًا ومبهراً �أثبت مكانته �إلى مراحل غير م�ستك�شفة ،والأهم �أن هذه الإن�سانية ف��ي �أع��م��اق ال��ت��اري��خ ،وتناثر
في التقدم الح�ضاري الإن�ساني والتوا�صل العبقرية ظهرت بقوة عندما تم ا�ستيعاب لآلئها في ف�ضاءات الزمن ،ف�سراج الأدب
الثقافي وال��م��ع��رف��ي ،تماهى م��ع الزمن ح�ضارات وثقافات العالم المختلفة ،و�أثرت
وات�سع مع المكان ،وفي كل محطة ومرحلة في العديد من ال�شعوب على مدار التاريخ، ا�ستطاع الأدب العربي �أن
تاريخية ،تتك�شف لنا مالمح جديدة من هذا لما �شكلته من مرونة وحيوية واندها�ش.
الإرث ،وتبزغ �أفكار لم تكن من قبل ،لتبقى � ّإن عبقرية الأدباء العرب ،لي�ست وليدة ي�شكل ب�صمة في الح�ضارة
هذه العبقرية منارة ت�شع �ألق ًا وقوة وحياة. الدرا�سة الأكاديمية وال�شهادات الدرا�سية والثقافة العالمية
مدير التحرير
نـواف يونـ�س
هيئة التحرير
عبد الكريم يون�س
عـــــزت عـــــمــــــــر
حــ�ســـــان الـعــبـــد
عبدالعليم حري�ص
فــــــوزي �صـــــالـــــح
الت�صميم والإخـراج
محـمـد �سـمــير
م�ساعد مخرج
الخوارزمي..
من �أعظم علماء الريا�ضيات في كل الع�صور
..و�إذاً؛ فقد بد�أ العلم العربي ال�صريح مع (جابر بن ح ّيان) في القرن الثاني الهجري ..وترادفت
ال�سل�سلة بدء ًا بذاك العقل العمالق ،ليت�صدرها تالي ًا الخوارزمي (232ه846/م) �أحد عباقرة
الع�صور كلها :الريا�ضياتي والفلكي والجغرافي؛ مبتدع (علم الجبر) م�ستق ًال عن الح�ساب
والهند�سة في كتابه ال ُع ْمدة (المخت�صر في ح�ساب الجبر والمقابلة) ،حتى لقد �صار هذا العلم
معروف ًا با�سمه العربي (الجبر) في جميع اللغات ..فيما بات الم�صطلح الت�أ�سي�سي لتقنيات
يقظان م�صطفى
الحا�سب ،بعد �أكثر من �ألف عام على غياب الخوارزمي ،هو (الخوارزمية) ،ا�شتقاق ًا من ا�سم ذاك
الألمعي؛ لتعني (التفكير المنطقي) في �إ�شارة �إلى تعليمات برمجية تَحدث ،وفق ًا لترتيب منطقي تف�صيلي �صارم.
�إل��ى �أن الخليفة الم�أمون هو ال��ذي طلب منه تغلِّب بع�ض الآراء �أن �أبا عبداهلل محمد بن
لا م��ن م�سائل الجبر المتناثرة ت�أليفه ،ج��اع� ً مو�سى الخوارزمي ،ولد بقرية ( ُق ْط ُر ُبل) بالقرب
في الح�ضارات القديمة ،علم ًا م�ستق ًال بذاته، من بغداد� ،أو ربما جاء مع �أهله �إليها من خوارزم،
له قواعد مقررة ثابتة؛ لي�ضع بذلك �أول كتاب حيث نال هناك تقدير الخليفة العبا�سي الم�أمون،
لحل منهجي للمعادالت الخطية والمعادالت وعينه للإ�شراف على (دار الحكمة) ،وعهد �إليه
التربيعية ،وفي ذهنه ت�سهيل �أعمال النا�س في بخزانة كتبه وجمع الم�ؤلفات اليونانية والهندية،
التعامالت؛ فحل الخلل في الم�سائل التجارية وترجمتها في �أزهى ع�صور الدار؛ بو�صفها بيت
�أ ّلف كتب (العمل والميراث والم�شكالت الناجمة عن م�سح الأرا�ضي العلم ومركز البحث العلمي والترجمة والت�أليف.
بالأ�سطرالب)، وتخ�صي�صها با�ستخدام عمليتين ،هما الجبر وعهد (الم�أمون) له بعمل �أزياج فلكية (جداول
و(الرخامة) لمعرفة والمقابلة :وق�صد بـ(الجبر) نقل الحدود من �أحد فلكية) لحركات الكواكب ،وتقدير محيط الأر�ض
طرفي المعادلة �إلى الآخر� ،أما (المقابلة)؛ فهي وحجمها ب�صورة �أدق ع��ن ذي قبل ،وبر�سم
الوقت عن طريق ما يمكن اخت�صاره من عملية الجبر للح�صول خريطة جغرافية كبيرة للأر�ض ،عمل فيها معه
ال�شم�س و�صيرهما �أدا ًة لحل الم�سائل
ّ على حل المعادلة، �أكثر من �سبعين جغرافي ًا وجيولوجي ًا.
الهند�سية لتن�ش�أ ب��ذرة (الهند�سة التحليلية)؛ في هذه البيئة العامرة بالعلم وبالمترجمين
مطلق ًا بهذا االبتكار مرحلة جديدة في تاريخ النابهين والعلماء الباحثين� ،أ ّل��ف هذا الرجل
المثلى
الريا�ضيات� ،سيعيد ديكارت �صياغتها ُ ال��ف� ّذ كتبه الكثيرة على م��دى ع�شرين عام ًا،
بعد نحو (� )800سنة! و�أ�شهرها كتابه �سابق الذكر ،م�شيراً في مقدمته
ق�سم الأع��داد في والخوارزمي هو �أول من ّ
الجبر ،و�أطلق عليها �أ�سماءها( :الجذر ،والمال،
والعدد الأ���ص� ّ�م) لتو�صيف العدد ال��ذي لي�س له
عالم مو�سوعي في ورو�ض الأرقام الهندية وجعل لها قيمة جذرّ ..
الريا�ضيات وعلوم ح�سابية �أكثر مما هي مجرد �أرقام تمثل رموزاً
مفردة ال قيمة لها عملي ًا ،و�أهمها �أنه منح تعبير
الفلك والجغرافيا (�سونيا) عند الهنود ،والذي يعني الفراغ ،قيمة
عددية؛ فكان ال�صفر وما ترتب عليه من ابتكار
المنازل الرقمية :الآحاد ،الع�شرات ،المئات ..وبذا
تحول الح�ساب �إلى النظام الع�شري ،وا�ستخدم
في �أوروب��ا ومختلف �أنحاء العالم بعد ترجمة
مخطوطاته �إل��ى الالتينية ،ليحل محل النظام
الروماني القديم ،واليزال هو النظام الم�ستخدم
حتى الآن .كما يرجع �إليه الف�ضل في تعريف
النا�س في العالم الغربي بالأرقام العربية ،من
خالل كتابه (الجمع والتفريق بح�ساب الهند)،
مبتدع علم الجبر والتي جهِ د الريا�ضياتي الإيطالي (ليوناردو
الم�ستقل عن فيبونات�شي) الذي در�س في الجزائر ،لتقديمها
الح�ساب والهند�سة لأوروب��ا في كتابه (ليبر �أبات�شي) المن�شور في
العام ( ..)1202كذلك طور الخوارزمي في �إطار
لي�صبح معروف ًا ا�شتغاله الريا�ضياتي� ،إج ��راءات ح�سابية في
با�سمه العربي العمليات على الك�سور.
(الجبر) في علم المثلثات ،الأ�سا�سي في الح�سابات
الفلكية ،و�ضع (الخوارزمي) كتاب ًا مميزاً �أر�سى
من خالله العديد من قواعد هذا العلم ،واحتوى
كتابه (زي��ج ال�سندهند ال�صغير) على الئحات
تحويل قيم دقيقة لدالتي الجيب وجيب التمام،
و�أطروحة ذات �صلة عن ح�ساب المثلثات الكروية،
والئحة لقيم دالة الظل ُتعتبر الأولى من نوعها.
مدريد الحديثة ومن مظاهر انت�شار التعريب في الأندل�س تطورت اللغة الإ�سبانية في الأ�صل من
في وقت مبكر �أي�ض ًا ،تعريب النقود؛ حدث ذلك اللغة الق�شتالية عن �أ�صولها الرومانية �أو
في والي��ة ال�سمح بن مالك الخوالني ،حيث الالتينية المحلية ،وهي اللغة التي كانت �سائدة
كانت النقود قبل ذلك تظهر منقو�شة بحروف في الع�صور الو�سطى ،وال �سيما في القواعد
التينية ،وكانت �أولى القطع النقدية الإ�سالمية الكبرى مثل قرطبة وبلن�سية وجيان و�إ�شبيلية،
الم�ست�شرقان الم�سكوكة في �إ�سبانيا في ال�سنوات الأول��ى وقد كان من الطبيعي �أن يقع التفاعل اللغوي
�إنجلمان ودوزي للفتح مكتوبة بالالتينية �أو ًال ع��ام (93ه��ـ بين العربية ،وهي لغة الأكثرية الم�سلمة ،وبين
ي�ؤكدان �أن الكلمات 711 -م) ،ثم �أ�صبحت بلغتين ع��ام (98ه��ـ الرومات�شي ،و�أن ينقل الم�سلمون بع�ض الألفاظ
العربية في اللغة 716 -م) ،و�أخ��ي��راً �أ�صبحت بالعربية عام الالتينية �إلى لغة التخاطب فيما بينهم ،فقد
الإ�سبانية تعادل (102هـ 720 -م). كانت اللغة الق�شتالية في حاجة �إلى اال�شتقاق
ويقدر ع��دد الم�ساجد في �إ�سبانيا بنحو من لغة �أ�صحاب هذه الح�ضارة ،للتعبير عن
ربعها ( )300م�سجد (عام 2001م) ،وهو ما ي�ؤكد كثير من الأ�شياء� ،سواء في النظم الإدارية� ،أو
مقولة �إن الدين الإ�سالمي ال يعود �إلى �إ�سبانيا، العلوم� ،أو ال�صناعة� ،أو الزراعة� ،أو العمارة� ،أو
والحقيقة هي �أن الإ�سالم لم يغادر �إ�سبانيا، غيرها .
فبعد خروج الم�سلمون
م���ن �إ���س��ب��ان��ي��ا ع��ام
(1492م) ،لم يعي�شوا
في �إ�سبانيا لعدة قرون،
يقال �إن الإ�سالم
ولكنهم عادوا في القرن
لم يغادر �إ�سبانيا التا�سع ع�شر ،وو�صل
بوجود ( )٣٠٠م�سجد ع�����ش��رات الآالف من
ومليوني م�سلم المهاجرين من �إفريقيا
وج���ن���وب ال�����ص��ح��راء
وال�����دول ال��م��غ��ارب��ي��ة،
ومن دول �آ�سيوية مثل
باك�ستان وبنغالدي�ش.
�أنطونيو غاال ليفي برونف�سال
مكان ًا مرتفع ًا بعيداً عن الرطوبة والتلوث، تعد ال��وث��ائ��ق الم�صدر الأول للكتابة
وو�ضعت لها الئحة فنية و�إداري���ة دقيقة، التاريخية ،لذا قال الم�ؤرخون( :ال تاريخ من
جميعها تتناول طرق حفظ الوثائق وما يحفظ دون وثائق) .ومنذ ع�صر النه�ضة الأوروبية
منها حفظ ًا دائم ًا وما يتم التخل�ص منه بعد الحديثة ،كانت الوثائق مو�ضع عناية الدول
عدة �سنوات ،والقواعد القانونية ال�صارمة الأوروبية ،وو�صل االهتمام بها لدرجة �أنها
التي تحدد مهمة �شاغلي الوظائف ممن �أ�صبحت �أحد المكونات الأ�سا�سية لل�شخ�صية
يعملون بـ(الدفترخانة) ،والتدرج في العقاب القومية ،وفي �سياق العناية بالأدب والفكر
لمن يخطئون �أو يتعمدون �ضياع بع�ض والفن ،كانت الوثائق �إحدى الق�ضايا المهمة
الوثائق ،ت�صل العقوبة �أحيان ًا لدرجة النفي التي اعتمد عليها الم�ؤرخون الأوروبيون،
يزور �أو يتعمد �ضياع �إلى الواحات لكل من ِّ لي�س في مجال الكتابة التاريخية فقط ،و�إنما
بع�ض الوثائق ،ل��ذا حفظت م�صر وثائقها في كل فنون المعرفة ،بما في ذلك الر�سم
ب�شكل دقيق ،وخ�صو�ص ًا �سجالت المحاكم والنحت والفل�سفة ،كل هذه المعارف ا�ستمدت
ال�شرعية التي يرجع ت��اري��خ بع�ضها �إل��ى �أفكارها من الوثائق.
ال تاريخ من دون الع�صر الفاطمي ،وهي توثق لكل العمليات لم تلتفت �أقطارنا العربية لهذا الر�صيد
وثائق لأنها من و�شراء وزواج� � ًا� ..إل��ى �آخ��ره.
ً الحياتية بيع ًا ال�ضخم من الخبرة الإن�سانية �إال في فترة
المكونات الأ�سا�سية وهذه ال�سجالت تعد ذات �أهمية عالية لأنها مت�أخرة من التاريخ المعا�صر ،لأ�سباب
لل�شخ�صية القومية توثق لكل �أن�شطة الحياة ،وقد اعتمد عليها عديدة ،في مقدمتها افتقاد التعليم والظروف
الباحثون وهم ي�ؤرخون لتاريخ االقت�صاد �أو العامة التي �أوقعت بالدنا العربية فري�سة
الق�ضاء �أو الحياة االجتماعية ،بما في ذلك لالحتالل الأجنبي ،وهو ما يف�سر االعتماد
ال�ضوابط الإدارية التي تنظم كل �ش�ؤون الحياة على الوثائق الأجنبية في كتابة تاريخ
خالل خم�سة عقود ،وقد ُجمعت �سجالت هذه العرب الحديث والمعا�صر ،ومنذ الن�صف
الوثائق من كافة المحاكم ال�شرعية في �أنحاء الثاني من القرن الع�شرين وحتى اليوم ،ال
القطر الم�صري� ،إال �أن م�شكلة كبيرة قد حدثت نجد درا�سة تاريخية ج��ادة لم تعتمد على
بعد �إن�شاء دار الوثائق القومية (١٩٥٤م)، الوثائق الأجنبية في غيبة الوثائق العربية.
والإب��ق��اء على (الدفترخانة) تابعة ل��وزارة في بداية القرن التا�سع ع�شر (١٨٢٨م)؛
المالية حتى اليوم ،وقد احتفظت بالكثير من ا�ستطاعت م�صر وبخبرة فرن�سية خال�صة �أن
الوثائق ،بعد �أن نقلت مجموعات متكاملة �إلى ت�ؤ�س�س (الدفترخانة الم�صرية) وقد اختار لها
دار الوثائق القومية. الفرن�سيون مكان ًا مميزاً (القلعة) باعتبارها
ما �أف�سدته ال�سيا�سة في حقبة تاريخية هي �أعتقد �أن كثيراً من �أقطارنا العربية قد
الأ�صعب في التاريخ العربي الحديث. �أدركت �أهمية الوثائق خالل حقبة مت�أخرة
�أعتقد �أن ق�ضية الوثائق يجب �أن تحظى م��ن ال��ق��رن الع�شرين ،و�أن�����ش ��أت �أر�شيفات
بمزيد من الرعاية واالهتمام ،وخ�صو�ص ًا بع�ضها على درج��ة عالية م��ن ال��دق��ة في
بعد �أن �أ�صبحت معظم الجامعات العربية فر�ص
ٍ محاولة ال�ستعا�ضة ما فاتها من
لديها �أق�سام متخ�ص�صة في علم الوثائق. حفاظ ًا على وثائقها وذاكرتها الوطنية،
ل��ذا؛ فمن الواجب �أن تتوا�صل الم�ؤ�س�سات وعملت بع�ض الدول العربية على اقتناء ن�سخ
التفتت �أقطار وطننا العربية المعنية ب��ال��وث��ائ��ق م��ع بع�ضها م�صورة ورقي ًا �أو �إلكتروني ًا من الأر�شيفات
العربي �أخيراً �إلى بع�ض ًا� ،سواء في الت�شريعات القانونية �أو الأجنبية ،وخ�صو�ص ًا البريطانية والفرن�سية
خطورة االعتماد نظم الإدارة ،واال�ستفادة من كل التجارب والأمريكية ،وو�صل الحر�ص ببع�ض �أقطارنا
الجديدة التي تحقق الحفاظ على الوثائق العربية؛ كالجزائر� ،إل��ى المطالبة ب�أ�صول
على الوثائق والعمل على حمايتها وترميمها .لذا ف�إن هذه الوثائق الجزائرية المحفوظة في الأر�شيف
الأجنبية في كتابة البوابة الإلكترونية يمكن �أن تحقق فائدة الفرن�سي ،بحكم �أن فرن�سا كانت تدير هذا
تاريخنا عظمى في برامج التدريب والإتاحة وقواعد القطر العربي ال�شقيق ،لما يقرب من مئة
الحفظ ،لعلها يمكن �أن تكون بمثابة مدر�سة وع�شرين عام ًا ،وه��و �أر�شيف �ضخم �سعت
متخ�ص�صة لكل علوم الأر�شيف. الدبلوما�سية ال��ج��زائ��ري��ة منذ ع��دة عقود
الم�شكلة الأك��ب��ر ه��ي �أن ك��ث��ي��راً من �إل��ى ا�ستعادته ،وم��ات��زال الق�ضية مو�ضع
الم�ؤ�س�سات المعنية بالوثائق قد بالغت في مفاو�ضات بين البلدين.
القواعد والإجراءات لكي تحجب الوثائق عن لعل م��ن المنا�سب �أن تعمل الجامعة
الباحثين من خالل �إجراءات �أمنية ال يمكن العربية على �إعداد بوابة �إلكترونية �ضخمة
العمل بها في الحياة المعا�صرة� .صحيح تعر�ض فيها كل دول��ة الوثائق المنا�سب
�أدركنا �أهمية الوثائق �أن كل دول العالم قد و�ضعت قواعد لإتاحة عر�ضها لكي تكون ف��ي خدمة الباحثين
ف�أن�شئت �أر�شيفات االط�لاع على الوثائق ت��ت��راوح بين ع�شر والدار�سين ،تزود بين وقت و�آخر بالوثائق
على درجة عالية من �إلى ع�شرين �أو حتى ثالثين عام ًا للوثائق المتاح عر�ضها ،والتي انتهت مدتها القانونية
الدقة ذات الطبيعة الأمنية ،بل �إن بع�ض الدول للحظر ،كما هو معمول به في الأر�شيفات
الأوروب��ي��ة قد حجبت تمام ًا الوثائق ذات الأجنبية .لي�س هذا فقط ،و�إنما يمكن عر�ض
الطبيعة الخا�صة ،ي�صل بع�ضها �إلى الحجب ن��وادر المخطوطات واللوحات الفنية وكل
النهائي .ك��ل ه��ذا �صحيح ،لكن الق�ضية المقتنيات ذات القيمة الفنية والعلمية ،بعد
تحكمها �ضوابط علمية وفنية و�أمنية� ..أما �أن �أ�صبح الف�ضاء الإلكتروني و�سيلة عملية
في عالمنا العربي؛ فالوثائق يتم حجبها و�سهلة للتعريف بتراث هذه الأمة.
من دون �إبداء �أية �أ�سباب ،كما هو الحال في كانت مكتبة الإ�سكندرية قد عملت على
م�صر مث ًال ،فوثائق حرب ال�سوي�س (،)١٩٥٦ تنفيذ هذه الفكرة في العقد الأول من هذا
وحرب ( ،)١٩٦٧و�صو ًال �إلى حرب (،)١٩٧٣ القرن ،و�أعدت موقع ًا تجريبي ًا لهذا الم�شروع،
جميعها غير م�سموح ب�إتاحتها ،بينما عر�ضت م��ن خ�لال��ه ن��م��اذج م��ن الوثائق
تبنت مكتبة �أت��اح��ت �إ�سرائيل الكثير من وثائق حرب والمقتنيات العربية ،وقد تبنت ال�شارقة دعم
الإ�سكندرية (.)١٩٧٣ هذا الم�شروع حينما تف�ضل �صاحب ال�سمو
الحديث عن الوثائق وكل ما يتعلق بها، ال�شيخ الدكتور �سلطان بن محمد القا�سمي
م�شروعها الح�ضاري يمثل ح�سا�سية خا�صة ،وال �أجد مبرراً لذلك، حاكم ال�شارقة ،بدعوة مجل�س �أمناء هذا
باالحتفاظ بتراث نع بعد �أهمية الوثائق في كتابة �إال �أننا لم ِ الم�شروع للتعريف بهذا العمل ،وما عا�شه
وتاريخ �أمتنا العربية التاريخ ،ومن غير الالئق �أن يذهب الباحثون الوطن العربي منذ عام (٢٠١١م) ،قد عطل
العرب في البحث عن تاريخ �أوطانهم في هذا الم�شروع ،بل ذهب �إلى عالم الن�سيان..
الأر�شيفات الأجنبية ،بينما الوثائق العربية �أعتقد �أن ع��ودة ه��ذا الم�شروع الح�ضاري
ُتحفظ ُمتحفي ًا ،وهو ما ي�ضاعف من �صعوبة الكبير يعد نقلة كبيرة في العالقات الثقافية
عمل الم�ؤرخ العربي. بين الأق��ط��ار العربية ،لعل الثقافة ت�صلح
معدداً ميادين العلم العربي المتنوعة بقوله والالتين و�ألفوا في الحكمة والمعرفة ،ما جعله
( فالذين يتهي�ؤون للعلم الديني المقد�س، يرى �أنه على الغرب �شكرهم الحتفاظهم بكثير
ف�إن لغتهم المقد�سة لن تكون كذلك ما من الم�صادر التي اندثرت �أ�صولها ،ب�سبب
لم يتعلموا اللغة العربية� ،أما الذين �إهمال �أهلها �أو لعوائق الزمن في الحفاظ
يكر�سون حياتهم لعلم الطب فمن عليها ،مثال ذل��ك م��ؤل��ف��ات (ل��ي��ف��ي) ،وكتب
المفيد لهم جدا �أن يحذقوا اللغة (بابو�س الإ�سكندراني) ذات ال�صلة بدقائق
العربية اللغة المفردة التي يمكن الم�سائل الريا�ضية وحلولها ،وم�ؤلفات (�أبو
�أن تقدم مجلدات في هذا العلم فنبه (توما�س) الغربيين �إلى قراط وجالينو�س)ّ ،
�أجود مما تقدمه اللغة الإغريقية، �إمكانية ا�ستعادة علوم الإغريق ال�ضائعة من
فبوا�سطة العربية يتمكنون من تراجمها باللغة العربية ،كما �أ�شار �إلى م�ؤلفات
االط�لاع على �أكثر من ثالثمئة العرب �أنف�سهم خا�صة بين الأع���وام (650
نوع من العالج المفيد.)... و )1250للميالد �أيام ازدهار �إمبراطوريتهم
كما وج��ه (�إرب��ن��ي��و���س) الذين ككتاب (ال��ح��اوي) ل��ل��رازي والمترجم �إل��ى
ي�ستهويهم علم التاريخ والجغرافيا، الالتينية في قرن �سابق ،حيث في هذا الكتاب
لأن ينفقوا الوقت لمعرفة اللغة الوحيدة وحده يجد القارئ �أن الرازي ،قد ذكر �أكثر من
التي �ألفت بها تلك العلوم المتقنة ،والتي كتبها ثالثمئة من م�شاهير الأطباء المهرة ،كما هو
�إتيان هيوبرت
رجال فاقوا حد الثناء ،من حيث الدقة وال�صدق الأمر لكتب الفقه والق�ضاء والت�شريع والعلوم
واتباع المنهج العلمي القويم .ويق�صد بهم الطبيعية والفل�سفية ،كما يده�ش طالبه
علماء العرب وم�ؤلفاتهم ب�أو�صافها الدقيقة بالحديث عن ال�شعر العربي بما فيه من جمال
للعالم. و�إبداع وعناية بالنظم وحالوة الإيقاع وت�آلف
وقد �أغرت فوائد اللغة العربية العلماء ،كما النغم وات�ساقه ،فت�أخذ اللغة العربية فيه القارئ
يذكر (�إربنيو�س)� ،سواء في القرون ال�سابقة ب�سحرها حتى و�صفه ليون الإفريقي بقوله:
�أو في ع�صره ،ب ��أن ينالوا �شيئ ًا من معرفة (�إن ال�شعر العربي يدخل في النف�س من الطرب
�أن�صف اللغة العربية رفيعة المقام ،فانطلق كثير منهم في رحالت وال�سرور ما ال ي�صدق ،وال ي�ضارعه في ذلك،
ورفع من �ش�أنها �شاقة على �سبيل المثال ال الح�صر( :نيكوال�س �شعر من اللغات الأخرى �أو ي�ضاهيه).
وعرف بقيمتها ّ كلينارت�س) ،و(�إت��ي��ان هيوبرت) ،و(ج��ي��رارد وقد �أ�شار توما�س �إلى �أن العرب لم ي�أخذوا
الح�ضارية الكريموني) ،و(�أندريا �ألباغو) وغيرهم كثير، من ال�شعوب الأخ��رى علومها مجرد نقل ،بل
وقد ظهر ذلك جلي ًا في كتاباتهم ال�سخية التي �أ�ضافوا و�أ�ضا�ؤوا وطوروا ما بلغهم من العلوم،
ن�شرت ،والتي لم تن�شر بعد. و�أث��روا الكثير من م�ؤلفات القدماء بهوام�ش
وم��ن خ�لال م��ا �سبق نجد �أن �إربنيو�س وتعليقات و�أنتجوا الكثير من المواد الجديدة
�أن�صف اللغة العربية ورف��ع من �ش�أنها ،بل التي عر�ضوها بمنهجية �صارمة دلت على �سعة
وو�صفها ب�أنها من �أ�سهل اللغات و�أنف�سها ،ما علمهم ،م�ؤكداً كل مرة بقدر ات�ساع علمه �أنه ما
يعني �أن الم�ست�شرقين اليزالون يعرفون قيمة من �شعب عرف عنه حفاظه على لغته وحر�صه
اللغة العربية كوعاء حوى عليها كما يفعل العرب.
�سعى �إلى ت�أكيد وعبر ع��ن معالم الح�ضارة وال��ح��ق��ي��ق��ة �أي�����ض � ًا �أن
�أن العرب ابتكروا العربية الإ�سالمية ومكوناتها (توما�س) برغم �شغفه باللغة
الإن�سانية والعلمية والفكرية ال��ع��رب��ي��ة ،ف����إن الأ���س��ب��اب
و�أ�ضافوا و�أ�ضا�ؤوا والثقافية. التي جعلته كذلك تنطوي
وطوروا الكثير من ول��ه��ذا ن���رى �أن جميع ع��ل��ى �سبب ع��م��ي��ق ومهم
العلوم ال���ح���ادب���ي���ن ع ��ل ��ى ال��ل��غ��ة وخ��ط��ي��ر ،م��دع��ات��ه تحذير
العربية ،حالي ًا يحتاجون قومه الم�سيحيين وعلماء
�إل��ى الأن��م��وذج ال��ذي طرحه ال�لاه��وت من تف�شي اللغة
�إربنيو�س على طالبه ،فيت� ّأ�سوا العربية دون فهمهم لها وما
بكد الغربيين ومثابرتهم ،في تحمله من معتقدات دينية
طلب علم اللغة العربية. لذلك �أ�صبح لزام ًا تعلمها،
كتاب الحاوي في الطب لأبي بكر الرازي
«دير القمر»
لوحة ت�شكيلية ب�ألوان الطبيعة
والمعنيين وال�شهابيين ،و�أهمهم الأمير فخر �أما �إذا كان لدير القمر ا�سم قديم ،فذكرت
الدين المعني الثاني ،فكيف ال تكون بلدة الكثير �إحدى الروايات ب�أن الفينيقيين كانوا ي�أتون من
من المثقفين كالأدباء وال�شعراء والم�ؤرخين بلدة الدامور القريبة من �شاطئ البحر ،لي�سهروا
والر�سامين وال�صحافيين وغيرهم ،وهي بلدة في (دير القمر) ف�أطلقوا عليها ا�سم (بيت �سهرو).
القمر التي �أقيم فيها �ألوف ال�سنين ومازال حتى وللفينيقيين في منطقة (بوار الدين) غربي
بلدة الكثير من اليوم؟ (دي��ر القمر) ،قبور عدة في ال�صخور ،مازالت
المثقفين والأدباء يكفي (دير القمر) فخراً �أن منها ف�ؤاد �أفرام ماثلة للعيان حتى اليوم .ويعود ا�سم (ب��وار
الب�ستاني �صاحب الكثير من الم�ؤلفات ،و�أهمها الدين)� ،إلى (ديانا) �آلهة ال�صيد ،وحبيبة الإله
والمبدعين ومنهم دائرة المعارف ،والكاتب �أمين �أفرام الب�ستاني، (�سين �أو القمر) ،كما � ّأن بلدة (بيت الدين) القريبة
�أفرام الب�ستاني الذي قال عنه ال�شيخ محمد عبده� ،إمام الأزهر، منها تعني بيت (ديانا).
وكرم ملحم �أنه (�أقدر الك ّتاب �إذا كتب) ،وخليل با�شا ثابت �إذا كانت (دي��ر القمر) بلدة الفينيقيين
(المقطم) ،ورئي�س نقابة
ّ رئي�س تحرير جريدة
المحررين كرم ملحم كرم ،والر�سام �أ�سعد رنو،
والفنان مو�سى المعماري الذي ا�ستقطب ق�صره
�شرقي (دير القمر) ال�سياح بالألوف من لبنان
وخارجه لكنوزه الفنية الرائعة ،وغيرهم الكثير.
ولع ّل حبة العقد في (دي��ر القمر) الم�ؤرخ
الفينيقيون �أطلقوا والأدي ��ب وال�شاعر جوزيف نعمة ،ال��ذي ترك
عليها �أ�سم «بيت مخطوطة مهمة عن (دير القمر) ومخطوطات كرم ملحم كرم ف�ؤاد �أفرام الب�ستاني
كثيرة غيرها تنوعت بين ال�شعر والأدب وال�سيرة..
�سهرو» وي�ؤمها الكثير
�إلخ ،حققها و�أ�صدرها ب�أغلبيتها بعد وفاته ابنه
من الأدباء والفنانين الم�ؤرخ �أدوني�س نعمة ،يتقن من اللغات؛ العربية
والفرن�سية والإنجليزية والإ�سبانية وال�سريانية،
حتى لقبوه (م�ؤ�س�سة في رجل) .ومما قاله �شعراً
بـِ(دير القمر) متمني ًا �أال يدفن �إال في �أر�ضها:
�أن يجعلوا في بلدتي (ال��دي��ر) وف��ي غاب �أدوني�س جوزف نعمة المارتين
ال�صنوبر تربتي وقبوري.
�أفتيخيو�س� ،شارك في المجمع الم�سكوني الأول الإن�سان على مر الع�صور .لقد ا�ستوطن الإن�سان
�سنة (٣٢٥م) ،الذي تم فيه االتفاق على قانون معلوال منذ الع�صر الحجري م�ستفيداً من
الإيمان الم�سيحي. طبيعتها ال�صخرية وغناها بالكهوف الطبيعية
ومنذ ذلك الحين و�إلى اليوم ،كانت معلوال والينابيع العذبة .معلوال تعني باللغة الآرامية
للن�ساك وبني فيها �أك��ث��ر م��ن ()٤٠ م��رك��زاً ّ فجيها (�شقيها الجبليين) «المدخل» �إ�شارة �إلى ّ
مقام ًا وكني�سة ودي���راً ،ه��ذا ما قاله حامل ال�شهيرين .ومعلوال هي �آخر القالع المتبقية
لواء الآرامية المحكية في معلوال بال منازع. في العالم للغة الآرامية لغة ال�سيد الم�سيح.
الراحل جورج حنا رزق اهلل ،بعد �أن بذل الكثير ت�شتهر بمناظرها الطبيعية الخالبة ،وهوائها
من الجهود لجمع �شتات هذه اللغة العريقة الجاف والبارد ،ما جعلها من �أ�شهر الم�صايف
الخالدة ،بحث ًا وتحلي ًال ،توثيق ًا وتدري�س ًا�( :إني في �سوريا .كما �أن غناها بالمواقع الأثرية،
جورج حنا رزق اهلل �أتوجه الى المخت�صين بعلوم اللغة والتاريخ، �سواء ما قبل التاريخ �أو التاريخية ،بما فيها
�أن يعملوا معنا ،ف�إنه لي�س لنا في حالتنا من عدد كبير من الأديرة والكنائ�س القديمة،
هذه من معين �سواهم ،بعد اهلل تعالى ،يقدموا والتي ترقى �إلى القرن الرابع الميالدي وتعتبر
الن�صح والم�شورة .ولأبناء معلوال �أقول :تعالوا الأقدم في العالم ،كل ذلك جعلها وجه ًة لل�سياح
تجمع بين الما�ضي نركب ال�صعب ،ونعمل مع ًا لدرا�سة خ�صائ�ص من كل انحاء العالم ،حيث يتوافد �إليها مئات
هذه اللهجة وما يميزها عن �سواها ،ونخطط الآالف كل ع��ام) .تقع معلوال على بعد نحو
والحا�ضر وهي مركز لتعليمها وتعلمها ،ون�سهر على ديمومتها ( )٥٥كم �شمال �شرقي دم�شق ،وعلى ارتفاع
�سياحي ي�ستقطب وتوثيقها ،ال ت�ستهينوا بقيمة هذه اللغة ،ف�ض ًال �أكثر من (١٥٠٠م) .يتميز �أهل معلوال بحبهم
النا�س من �شتى �أنحاء عن �أننا ندعم معرفتكم باللغة العربية وتعززها للزوار وترحيبهم الحار بهم ،ويميلون �إلى
العالم وحتى ال نترك للم�ستنزفين �أن ينهلوا منها ثم الب�ساطة والحياة الهادئة ،ويمتهن معظمهم
يردوها �إلينا على مزاجهم ويكتبوا تاريخ ًا كما الزراعة ،وقديم ًا كانوا ي�شتهرون بالكثير من
يحلو لهم ويتهمونا بالعداء لل�سامية. ال�صناعات المحلية ،وبخا�صة �صناعة الفخار
و�إنتاج الحرير الطبيعي من دودة القز ،والع�سل
من النحل ،والدب�س والزبيب من الكرمة ،وتعتبر
حتى الآن من �أجود الأنواع عالمي ًا.
كانت معلوال في الفترة الآرام��ي��ة مركز ًا
لعبادة (ح��دد) ،كما �أن فيها نقو�ش ًا وتماثيل
لإله ال�شم�س ،تعود �إلى الفترة الهيلينية .وفي
الن�صف الثاني من القرن الأول الميالدي،
و�صل التب�شير الم�سيحي �إلى معلوال على يد
القدي�س توما� ،أح��د تالميذ ال�سيد الم�سيح،
فكانت بذلك من �أوائ��ل البلدان التي تعتنق
مهم ًا
الم�سيحية .وكانت معلوال مركزاً �أ�سقفي ًا ّ
للمنطقة ،حيث يخبرنا التاريخ �أن �أ�سقفها
�إطاللة لمدينة معلوال
¯ �أدبيات
¯ قا�ص وناقد
¯ ق�ص�ص ق�صيرة جد ًا -ق�صة ق�صيرة
¯ يمين ًا ...على الهام�ش -ق�صة ق�صيرة
¯ «المر�أة حاملة الأحزان» -ق�صة مترجمة
���م
����ن �أل���ي ُ
َ����ز ُع���� ُه َّ
�������س���ه���ام ون ْ َوقْ ُ
�������ع ال ِّ �ضت َو ْي�ل�ا ُه � ْإن نَ��ظَ ��رتْ و� ْإن ِه َ
��ي � ْأع َر ْ
�شب َه�ِ -ض ْمني ًاَ -ع ْي َن ْيها ّ
بال�سهام. ّ
وقول ابنِ ا ْل ُمعت ِّز:
ُ
�����رك ق����ا ِت����ل ْ
ُ����ه ِد ف�������������إ َِّن َ
������ص����� ْب َ �������س���و
���ح ُ ����ب����ر ع���ل���ى كَ����� ْي ِ
�����د ال َ ا�����ص ْ ْ
ُ����ه َ��������م َت������جِ ْ
������د م�����ا ت�����أكُ ����ل ْ � ْإن ل ْ ف������ال������ ّن������ا ُر ت���������أكُ ��������لُ َب��� ْع َ
�������ض���ه���ا
وك ْي ُد ُه�َ ،شبيهانِ بال ّنار.
�سود َ
فالح ُ
َ
وادي عبقر
ال ّل ْي ُل ومِ ْثلي
تدارك �أو ا ْل ُمحدث)
(بحر ا ْل ُم َ
ر�شيد � ّأيوب ُ
ق�صائد مغنّاة
(�سنرجع يوم ًا)
لحنها الأَ َخوان ّ
الرحباني ،وغ ّنتها فيروز عام ( )1956من مقام (العجم) �شعر هارون ها�شم ر�شيدّ ،
ِ
داف���ئ���ات ال ُ��م��ن��ى ْ����رقُ ف��يونَ����غ َ ج��ع َي��� ْوم��� ًا �إل����ى َح�� ِّي��ن��ا َ��ر ُ َ���س��ن ْ
�����س��اف��اتُ م��ا َب ْينَنا وت��ن���أى ال�� َم َ َّم��ان
َ��رج ُ��ع َم�� ْه��م��ا َي ُ��م ُّ��ر ال��ز ُ َ���س��ن ْ
ع��ل��ى َد ْر ِب َع��� ْو َد ِت���ن���ا ُم َ
��وه��ن��ا َ��رتَ��م��ي �ل�ا َوال ت ْ ���ب َم��� ْه ًفَ��ي��ا َق��� ْل ُ
���ن ُهنا َ���ح ُف�����وف ال��طُّ ��ي��و ِر َون ْ ُ ُر ���ز َع�� َل�� ْي��ن��ا غ����د ًا � ْأن تَ��ع��و َد َي��� ُع ُّ
َ�����ص��ح��و َع��ل��ى َع�� ْه��دن��ا تَ���ن���ا ُم وت ْ �ل�ال ���د ال���تِّ�ل�الِ ِت ٌ ��ك ِع��� ْن َُه��ن��ا ِل َ
��ي ال ِغنا ����دوء ان�� ِت��ظ��ا ٍر � َ��ش��جِ ُّ
ُ ُه ���ب� ،أ ّي��ا ُم�� ُه��م ال���ح ُّ
����م ُ ون���ا� ٌ���س ُه ُ
َع��ل��ى كُ ���لِّ م���اءٍ َو َه����ى فا ْن َحنى ُرب���و ٌع َم��دى ال�� َع�� ْي��نِ َ�ص ْف�صافُها
َع��ب��ي َ��ر ال��� ُه���دوءِ َو َ
���ص�� ْف�� َو ال َهنا ���ب ال��ظُ ��ه��ي��رات ف���ي ِظ��ل ِ
ّ��ه تَ��� ُع ُّ
غَ ����دا َة ا ْل��تَ��قَ�� ْي��ن��ا على ُم ْن َحنى َ���س��نَ��رج��ع خ�� َّب َ��رن��ي ال�� َع�� ْن َ��دل��ي ُ��ب
ُ
َ��ع��ي�����ش ب��� ْأ���ش��ع��ارِن��ا َ
ه���ن���اك ت ب�������� َّأن ال���� َب��ل�اب����لَ ل��� ّم���ا تَ������زَ لْ
���ان َل��ن��ا
ْ��ح��ن��ي��نِ َ ،م���ك ٌ ون���ا� ِ���س ال َ ��ن ِت�ل�ال ا ْل َ��ح��ن��ي��نِ وم�����ازالَ َب�� ْي َ
تَ����ع����الَ ����َ ،س���ن ْ
َ���رجِ ���ع ،ه�� ّي��ا بِ��ن��ا ���اح
َ���م ���ش�� َّر َدتْ��ن��ا ِري ٌ ْ��ب ك ْ فيا َق��ل ُ
فقه لغة
والحظِ :لما َير َت ِف ُع به
ّ والم ْكرو ِه؛
بوب َالم ْح ِ �صيب :في َ والح ّظ؛ ال ّن ُ �صيب َ
ُفروق لغويةَ :ب ْي َن ال ّن ِ
حظوظ
ٌ فالن َم
فيقالٌ : الم ْدحُ . ذكر على جِ ه ِة َ ظوظ ِ ،ألَ ّن � ْأ�ص َل ا ْل َح ّظ َ
من ا ْل َخ ْير ،و ِلهذا ُي ُ ا َل َم ْح ُ
الح ّق،
والب ْخ ُلَ :م ْن ُع َ
الخ ْيرُ .�ص على َم ْن ِع َ الب ْخ ُل مع ِح ْر ٍ والب ْخلِ ؛ ُّ
ال�ش ُّحُ : ال�ش ِّح ُ حظَ .ب ْي َن ُّ
ول ُه ٌّ
الع ْي�ش؛ قال الراعي: من َ
قير :الذي له ُب ْل َغ ٌة َ و�ضد ال َك َر ِم َ.ب ْي َن ال َفقي ِر ِ
والم ْ�سكينِ ؛ ال َف ُ ُّ
َوفْ����قَ ال��ع��ي��الِ فلم ُي��� ْت َ
���ر ْك ل��ه َ�س َب ُد �أ َّم����ا ال��ف��ق��ي ُ��ر ال���ذي ك��ان��ت َح��ل��و َب��ت ُُ��ه
من ا�س ِم الفاعل
�صير :على وزن « َفعيل»ْ ، والو ِل ّي؛ ال ّن ُ
أ�شد حا ًال ِم َن الفقيرَ .ب ْي َن ال ّن�صير َ ِ
والم ْ�سكينِ ُّ � :
ليِ :م َن الوِالي ِة ،وفيها والو ّ
يكن يعرفهَ . وي ِ
�ساع ُده ،ح ّتى َلو َل ْم ْ «نا�صر» ،وهو الذي َي ْن ُ�ص ُر َغ ْي َره ُ ِ
أ�ساء:
الظاهر ُة .والب� ُ الم َ�ض ّر ُة ّ
ال�ض ّر ُاءَ :
والب�أ�ساء؛ َّال�ض ّراء َالرعاي ِة وا ْل ِحماي ِةَ .ب ْي َن َّ َم ْعنى ّ
فيقال :ال َب� َأ�س َع َل ْي َك� ،أي ال وف؛ ُ وم َعها َخ ْو ٌف؛ لأ ّنها ِم َن َ
الب� ِأ�س ،وهو ا ْل َخ ُ ال�ض ّر ُاء ََّ
والمب َت ِئ ُ�س :الكار ُِه ا�سم ل ْل َح ْرب وا ْل َم َ�ش ّق ِة واالبتئا�سُ :
الح ْز ُنُ . َخ ْو َف َع َل ْي َك .وهي ٌ
بن ثابت: ان ُ قال َح ّ�س ُ
الحزينَ ،
منه و�أق ُعد كريم ًا ِ
ناع َم البالِ ُ
ما َي ْق ِ�س ِم اهلل �أقْ َبلْ غَ ْي َر ُم ْب َت ِئ ٍ�س
نقد
ال�سخرية الالذعة �إن �صح التعبير ،تتحدى الآخر �أم في تميزه (كزهرة �سوداء فوق رداء تطالعك من البداية لمحات وجودية
به بطلتنا ت�ألمها و�إيالمها من العجز عن �أبي�ض)� .ألي�س من حقها ك�أنثى �أن تعي�ش ت�سربل الق�صة ،وتطرح �أ�سئلتها الخا�صة عن
�إيجاد ن�صفها الآخر� ،أو تحقيق حلمها في حلمها؟ �أل�سنا نحن من�سوجين من ال�ساللة الوجود والماهية وال�صيرورة .البطلة امر�أة
عالمها العادي الأر���ض��ي .لكنه من جهة نف�سها التي ن�سجت منها �أحالمنا على تبحث عن ن�صفها الآخ��ر ،لأنها ت�شكو من
�أخرى يعد ر�سالة الكاتبة في �إعطاء النا�س/ حد تعبير �شك�سبير؟ وقد يكون الحلم �أقوى الوحدة والوح�شة وترى نف�سها غريبة ،منذ
ال��ق��راء حقيق ًة تتالعب بم�شاعرهم حتى من الخبرة كما يقول (غا�ستون با�شالر)؛ �أن كانت طفلة و�سط �أهلها الذين ت�صفهم
ين�سوا همومهم الحقيقية في هموم �أخرى فتكون له قوته المطلقة التي ال تفنى �إال بالق�ساة وك�أنها بينهم طفلة مختطفة �أو
لها وجاهتها في فل�سفة البحث عن الذات بفناء الحياة نف�سها .لقد �أخبرتها �أمها ابنة خطيئة لأح��د منهم ،فنت�ساءل :هل
والبحث عن الآخر في �آن مع ًا. حين �س�ألتها وهي طفلة( :هل �أنا جميلة؟). ن�صفها الآخ��ر الذي تتوق �إليه وتحلم به،
اعتمد ال�سرد في الق�صة على المونولوج، ف�أجابتها ب�أنها عادية ..وظل هذا الجواب وتكاد ت�شم رائحته في و�سادتها هو الرجل
ليكون �أق��رب للحالة النف�سية �أو المعاناة ي�ؤرقها؛ لأن العادي هو النمطي المت�شابه �أم �شيء معنوي كالحلم؟ �أم كائن روحي
التي تعي�شها البطلة ،ولربما كان المونولوج مع معظم خلق اهلل� ،أو (غير المرئي لأحد)، تجد في �أح�ضانه الأن�س و الأم��ان؟ ولنا
�أداة التعبير المف�ضلة في مثل هذا النوع من تمام ًا مثل (زهرة بي�ضاء على رداء �أبي�ض ال �أن نفتر�ض مع عدم التحديد الذي تعمدته
الق�ص�ص النف�سي ،فقد ا�ستغرق مونولوج يلحظها �سوى �شخ�ص �شديد التركيز يتمتع البطلة/الراوية �أن ما تبحث عنه هو التميز
�أحد �أبطال الروائي ال�شهير (جيم�س جوي�س) بب�صيرة روحية) .غير �أن ذروة م�أ�ساتها بعد �أن �أخفقت في جذب اهتمام �أي �أحد
�سبعين �صفحة في واحدة من �أهم رواياته حين تفقد الأمل في اللقاء بن�صفها الآخر برغم الجهد اال�ستثنائي الذي بذلته كونها
العالمية (عولي�س) .فالعبرة هي في التقنية في هذا العالم؛ فتتطلع �إلى لقائه في الطرف امر�أ ًة عادي ًة ليكون هو ن�صفها الآخر الذي
ال في ال��م��ادة ،في (�إزم��ي��ل مايكل �أنجلو) الآخ��ر من العالم� .إنها تحيلنا �إل��ى ر�ؤي��ة ينقذها من الوحدة والوح�شة .وحتى عندما
ال في الرخام ،في ري�شة (دافن�شي) ال في ميتافيزيقية تعزي بها �إخفاقها الذريع؛ كانت تظن ب�أنها عثرت عليه ،يتبين لها
(الجوكاندا) على ر�أي �أحد النقاد ،وح�سب لتوهم نف�سها �أنها غدت ام��ر�أة غير عادية �أنه لي�س ن�صفها الآخر المن�شود .لقد �أتعبها
ق�صتنا �أن��ه��ا ك��ان��ت ف��ي لغتها المميزة �أو متميزة ما دام الطرف الآخر من العالم البحث حتى (ت�سرب الزمن من بيد يديها
بت�شبيهاتها الرائعة كت�شبيه الراوية نف�سها الذي �ستلتقي فيه بن�صفها الآخر الو�سيم، و�أدركتها ال�شيخوخة �أو باتت على مقربة
بطفل فقد �أمه في الزحام فظل يبكي حتى غير عادي)�( .سوف �أكون امر�أة عادية في منها؛ فا�ست�سلمت لم�صيرها كامر�أة عادية
تحجرت حنجرته ،وف��ي ك�شفها لحقيقة عالم غير عادي� ،إذاً �أنا امر�أة مميزة كزهرة تعي�ش في عالم عادي ،وتموت ميتة عادية،
وجودية من حقائق النف�س الخالدة ،حافز �سوداء منقو�شة على رداء �أبي�ض)� .ألي�ست وظ��ل ن�صفها الآخ��ر و�سيم ًا ينتظرها في
لنا في البحث عن حقائق وت�سا�ؤالت �أخرى الزهرة ال�سوداء بلونها الفانتازي دلي ًال �آخر الطرف الآخر من العالم).
لم تتعر�ض لها الق�صة؛ ف�أي تجربة ال تبدع على الإحباط المريع وقد قذف به الال�شعور �إن م�أ�ساتها م��أ���س��اة ال��ك��ائ��ن الحي
في خلق ت�صورات وت�سا�ؤالت ال نهائية، في لحظة من لحظات ال�صدق مع ال��ذات الباحث عما يحقق �شرط وجوده ،عن حلمه
�ستتال�شى قبل التفكير فيها. النادرة؟ لعمري �إنه لون من (الغروتي�سك) �أي ال��ف��ردي الخا�ص� ،سواء تمثل في ن�صفه
الثقافي ،تلك المبادرة التي ت�شملها الرعاية البداية مع كلمة الدكتور ه�شام عزمي عقد ملتقى التكريم في دورته ال�ساد�سة
الكريمة ل�صاحب ال�سمو ال�شيخ �سلطان بن الأمين العام للمجل�س الأعلى للثقافة الذي بقاعة االحتفاالت بالمجل�س الأعلى للثقافة،
محمد القا�سمي ع�ضو المجل�س الأعلى حاكم قال� :أرحب بكم جميع ًا في المجل�س الأعلى وبح�ضور الدكتور ه�شام عزمي �أمين عام
ال�شارقة ،وت��أت��ي ه��ذه المبادرة ا�ستمراراً للثقافة ،بيت الثقافة الم�صري ،و�أه ًال و�سه ًال المجل�س الأع��ل��ى للثقافة ،ورا���ش��د ال�شحي
ل�سل�سلة من المبادرات الثقافية الواعدة التي ت�سعد بقدوم ُ ب�ضيوف قاهرة المعز التي ممثل �سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة
د�أب��ت عليها ال�شارقة في الآون��ة الأخيرة، الأ�شقاء من ال�شارقة الحبيبة ،ومرحب ًا بكم بالقاهرة ،وعدد كبير من الأدب��اء وال�شعراء
بداية من مهرجان الم�سرح الخليجي ،وملتقى في م�صر حا�ضنة الثقافة العربية على مدار وال�صحافيين ،وع��دد كبير من الإعالميين
الم�سرح العربي ،وم��روراً بمهرجان ال�شعر تاريخها ،م�صر التي تفتح ذراعيها دوم ًا بالقنوات التلفزيونية الم�صرية والعربية
العربي� ،إلى مهرجان ال�شعراء ال�شباب ،ون�صل لكل مثقف ومفكر وفنان ومبدع من كل التي نقلت االحتفالية على الهواء مبا�شرة،
�إلى ملتقى ال�شارقة الثقافي الذي ي�ستهدف بالد الوطن العربي ،نلتقي اليوم باحتفالية وت�صوير تامر جابر ،وقام بتقديم االحتفالية
تكريم قامات ثقافية من كافة �أرجاء الوطن متميزة في �إط��ار ملتقى ال�شارقة للتكريم ال�شاعر محمد المتيم.
الإ�سهامات وال��ع��ط��اءات الفكرية ف��ي الوطن العربي اعتراف ًا وتقديراً ب�إ�سهاماتهم و�إبداعاتهم
كر ُ�س دعائم م�شروع ال�شارقة الثقافي العربي ،و ُت ّ كل في مجاله للنهو�ض بثقافة مجتمعاتهم
ال��ذي ب��د�أ منذ �سنوات ،ونتابعه في م�صر بكل تقدير
ٌ والتكريم
ُ واالرت��ق��اء بوعي �شعوبهم،
اعتزاز وتقدير. �ستحق ِل َم ْن يقودون م�سيرة الفكر والإب��داع ٌ ُم
�إن االحتفالية ت�ؤكد دور المثقفين العرب في والتنوير ف��ي �أوط��ان��ه��م ،فهو ر�سالة وحافز
�إينا�س عبدالدايم: �إث��راء الواقع الح�ضاري في مختلف المجاالت لأقرانهم للمزيد من الت�ألق والإبداع.
مبادرة تكر�س دعائم الفكرية والثقافية والإبداعية في بلدانهم ،كما و�أكد عبداهلل العوي�س رئي�س دائرة الثقافة
�أنها ُتثمن دورهم في االرتقاء بالفعل الثقافي بال�شارقة ف��ي كلمته �أهمية العمل الثقافي
م�شروع ال�شارقة عد حافزاً الم�شترك قائ ًال :تتجدد البهجة وال�سعادة بتجدد
وال�ش�أن الإبداعي في الدول العربية ،و ُت ُّ
الثقافي ودافع ًا له�ؤالء المثقفين لمزي ٍد من العمل والت�ألق اللقاءات الأخوية ،وتتعزز �أوا�صر المحبة عندما
واال�ستمرار في �إمداد ال�ساحة الثقافية العربية تكتمل عنا�صرها ،التي يتوجها التوا�صل العربي
ب�أعمالهم الفكرية الجليلة خدمة لبلدانهم وال��ت��ع��اون الم�شترك ،وه��ذا م��ا يج�سده عمق
ومجتمعاتهم وق�ضايا �أمتهم� ..إننا اليوم ن�سعد العالقات التاريخية ،بين دولة الإمارات العربية
بتكريم �أربعة من الأدباء تقديراً لعطائهم الفكري المتحدة وجمهورية م�صر العربية ،ف��ي ظل
المتميز على م��دى عقود ول��دوره��م في خدمة ؤمن ب�أهمية ا�ستمرار التوا�صل قيادة ر�شيدة ُت� ُ
الثقافة العربية ،و�أتوجه بالتحية للمكرمين على العربي في المجاالت كافة ،واليوم ُنم ّث ُل مع ًا
ه�شام عزمي: م�سيرتهم الفكرية الحافلة بالعطاء ،وما يزيد نموذج ًا لهذه المبادئ من خالل ملتقى ال�شارقة
من �سعادتنا �أن يكون تكريم ُملتقى ال�شارقة للتكريم الثقافي ،وهو الملتقى الذي انطلق هذا
ال�شارقة تكرم قامات اليوم هو الثاني من نوعه للمبدعين الم�صريين يهدف �إلى تكريم القامات الثقافية ُ العام ،والذي
ثقافية �أ�سهمت خالل ب�ضعة �أ�شهر؛ لقد �سبق وفي الدورة الأولى٬ العربية التي �أثرت ال�ساحة الثقافية المعا�صرة
في االرتقاء بوعي وفي دار �أوب��را دمنهور بمحافظة البحيرة تم بالإبداع في مجاالت الآداب بحقولها المتعددة؛
�شعوبهم تكريم الناقد والمترجم الكبير ال�سيد �إمام تقديراً ولقد حر�ص الملتقى على �أن يتخ َذ من م�صر
لإ�سهاماته المتميزة في العمل الثقافي ،و�أوجه ُمبتد�أً النطالق فعالياته ،ومنها للدول العربية
التحية ل�صاحب ال�سمو ال�شيخ الدكتور �سلطان كافة ،حيث �شهدت مدينة (دمنهور) في �أبريل
بن محمد القا�سمي ع�ضو المجل�س الأعلى حاكم الما�ضي تكريم ابنها ال�سيد �إمام خالل الدورة
الملتقى
ال�شارقة على رعايته الكريمة؛ لهذا ُ الأول��ى ،وبعد �أن جاب الملتقى الدول العربية،
وعلى جهوده الم�ستمرة والحثيثة في دعم م�سيرة نعود اليوم بتوجيه كريم من �صاحب ال�سمو
ال�شيخ الدكتور �سلطان بن محمد القا�سمي ع�ضو
الملت َقى،
المجل�س الأعلى حاكم ال�شارقة ،راعي ُ
لتكريم كوكبة جديدة من �أدب��اء م�صر ،حيث
تجتمع في ه��ذا الحفل� :أ�سيوط والإ�سكندرية
وكفر ال�شيخ والمنيا؛ لتكريم :ال�شاعر دروي�ش
الأ�سيوطي ،والروائي م�صطفى ن�صر ،والروائي
�سمير المنزالوي ،والكاتب �سعيد نوح.
ورحبت الدكتورة �إينا�س عبدالدايم وزيرة
الثقافة ب�ضيوف م�صر قائلة� :أرح��ب بكم في
م�صر العربية قبلة المثقفين والمبدعين العرب
لن�شهد هذه
َ وف��ي المجل�س الأع��ل��ى للثقافة؛
االحتفالية الثقافية الكبيرة التي ت�أتي في �إطار
مبادرة واعدة انطلقت من �إمارة ال�شارقة برعاية
كريمة من �صاحب ال�سمو ال�شيخ الدكتور �سلطان
بن محمد القا�سمي ع�ضو المجل�س الأعلى حاكم
ال�شارقة وتحت�ضنها القاهرة تحت عنوان (ملتقى
ال�شارقة للتكريم الثقافي)� ..إنها مبادرة ثقافية
جديدة ومتميزة ت�أتي ا�ستمراراً وت�أكيداً لجهود
المثقفين و�أ�صحاب حاكم ال�شارقة في رعاية ُ
وزيرة الثقافة تحتفي بمجلة ال�شارقة الثقافية مع عبداهلل العوي�س
هو النب�ش عن الجمال حتى في �أ�سو�أ الأماكن، العربية ،وحاملي ر�سالتها وهويتها ،وهي �أكثر
�أن تبدع في قرية بعيدة عن الأ�ضواء ،فعليك �أن من مجرد مبادرة لتكريم ه�ؤالء الذين �أ�سهموا في
تكتفي ببهجة الكتابة وال تنتظر المقابل. خدمة الثقافة واالحتفاء ب�إنجازاتهم ،ونتاجهم
التكريم كالإفاقة من التخدير ،والعودة �إلى الفكري والأدب���ي ،و�إن��م��ا ر�سالة عميقة ت�ؤكد
م�صطفى ن�صر: الحياة قوي ًا ُمفعم ًا بالأمل� ،أ�شكر ال�شيخ الدكتور المعاني الإن�سانية والقيم ال�سامية ،التي ينادي
م�شروع ال�شارقة �سلطان القا�سمى حاكم ال�شارقة المكرم ،و�أقر بها م�شروع ال�شارقة الثقافي ،وتعبر عن الحب
الثقافي يقدم �أن هذا التكريم بالن�سبة لي عالمة فارقة على والوفاء من �سموه للذين قادوا النه�ضة ،ومل�ؤوا
ر�سالة ت�ؤكد المعاني م�ستوى �إبداعي وم�شروعي الفكري� ،إذ ك�شف لي الأفق ،و�أثروا طريق الثقافة في �صمت بال معين
تر�صد مجهودك طوال ُ �أن عيون ًا ثاقب ًة ُمخل�ص ًة �أو كلل .واهتمام م�شروع ال�شارقة الثقافي في
الإن�سانية والقيم الوقت وت��ق��دره ،وت��أت��ي كتيبة محبة للثقافة ن�شر الكتاب ،ومنح الجوائز في مناحي الثقافة
ال�سامية والإب����داع متحملة عناء ال�سفر ك��ي تقول لك المختلفة ،وتنفيذ المبادرات الثقافية الرائدة،
ا�ستمر� ،سيكون لكتابتي بعد التكريم مذاق جديد، مثل بيوت ال�شعر في �أرجاء الوطن العربي الكبير
و�سيكون لنظرة من حولي �أي�ض ًا عمق �آخر ،هذه وهي مبادرة غاية في الجمال والرقي؛ لتعميم
لمحة ذكية ومقدرة� ،أتمنى �أن ت�ستمر وتتوا�صل. بيوت ال�شعر في �أرجاء الوطن العربي كله مبادرة
و�أ�شاد الكاتب �سعيد نوح في كلمته بمبادرات مهمة في وقتنا الحالي ،ودور ال�شارقة الثقافي
ال�شارقة الثقافية قائ ًال� :إن ملتقى ال�شارقة في ت�أ�سي�س المجالت الثقافية النوعية ،دور غاية
�سمير المنزالوي: للتكريم الثقافي مبادرة �أطلقتها دائرة الثقافة في الأهمية ،فالمجالت والجرائد الأدبية في
التكريم عالمة بال�شارقة برعاية �سامية وكريمة من �صاحب الوطن العربي تعاني مطاردة الن�شر الإلكتروني
فارقة على م�ستوى ال�سمو ال�شيخ الدكتور �سلطان بن محمد القا�سمي لها ،ومبادرتكم الكريمة هذه حتم ًا �ستقويها
الإبداع الثقافي ع�ضو المجل�س الأعلى حاكم ال�شارقة ،مبادرة وتخفف عنها ،ومبادرتكم الثرية في ملتقى
تدرك قيمة المثقف ودور المثقفين في ت�شكيل ال�شارقة الثقافي لتكريم ال�شخ�صيات العربية في
عقول الأمة وبناء منظومتها القيمية ،وها هو �أوطانها توطيداً للأوا�صر القومية والح�ضارية
�سلطان الخير يعي �أن الثقافة هي �سفينة النجاة بين المثقفين على امتداد الوطن العربي الكبير.
من التراجع التاريخي الذي تعي�شه الأمة العربية ال��روائ��ي �سمير المنزالوي ،ي�سرد تجربته
وفي القلب منها مثقفوها ،ها هو يطلق مبادرة وفرحة التكريم قائ ًال :كانت الكتابة والت��زال
ليلملم �شتات الأمة ويعيد رتق َ التكريم الثقافي؛ متعتي الكبرى ،تليها القراءة الدائمة في كل
�سعيد نوح :ما تقوم ثقوبها بتقوية ع�ضد هويتها الثقافية ،وتقوية ما تقع عليه يداي ،وهكذا اجتمع م�صدران من
به ال�شارقة ثقافي ًا ع�ضد مبدعيها. م�صادر ال�سعادة ،جعال لحياتي طعم ًا طيب ًا،
يعلي من قيمة لا :ال��ن��داء
و�أوج� ��ه كلمتي للمبدعين ق��ائ� ً الكتابة قدر كالعمر والحظ ،وقد �أمدني المكان
المثقف ودوره في الحقيقي يجد من يتلقفه ولو بعد حين ،وعلى الذي �أعي�ش فيه ،بزخم عميق ،فالماء يحيط بنا
ال ُك ّتاب الحقيقيين �أن ي�ستمروا في �إبداعهم وال من ثالث جهات :البحيرة والنيل والبحر ،في
بناء مجتمعه ثمة مثل تلك البيئة تنمو الحكايات وتم�س وجدانك
ي�شغلهم عن م�شاريعهم �أحد ،وفي وقت ما َّ
�سيلتفت لها ويقدمها.
ُ َم ْن فتوقظه ُم��ب��ك��راً ،لقد كتبت ع��ن ال��ق��رى التي
ت�شبه قريتي ،وعن الب�شر الذين ي�شبهون �أهلي،
وتعودت على وهج يخرج من قلبي ،في�ضيء
الجمادات وي�شركها في الحركة ،تتحرك ال�سواكن
في ق�ص�صي ورواي��ات��ي ،وتف�صح عن �أ�شواقها
و�أ�سرارها ،فيبدو العالم بهيج ًا وغام�ض ًا في �آن
،تتخفى قريتي (منية المر�شد) في كل �سطر،
وتعي�ش معي حين �أر�سم خريطة عمل جديد،
ويتردد في �ضميري �صدى �صوت المرحومة
(زم ��زم) ج��دت��ي ،حين �أك ��دت �أن القرية تظهر
للطيبين والمر�ضى والم�ساكين ،على هيئة �شابة
جميلة ،تمنحهم نقوداً وفاكهة.
في م�شروعي �أم��زج الإن�سان والمكان ،وال
�أكف عن تناول الجدلية بينهما ،هدفي الرئي�س
الأدباء المكرمون
الأدب والـفـــن
ودورهما االجتماعي
الدكتور (بن باين) الزنجي العرق ،وال�صحافية ذات ي��وم لي�س ب��ع��ي��داً ،ا�ستقبل الرئي�س
الم�صورة (�آليك�س نوك�س) في مطار (�سولت الأمريكي �أبراهام لنكولن ،الروائية الأمريكية
ليك �سيتي) الدولي ،عندما تم �إلغاء رحلتيهما هيرييت �ستو مرحب ًا�( :أه ًال بالروائية ال�صغيرة
وكالهما حري�ص على الو�صول �إل��ى وجهته، التي �أح��دث��ت ث��ورة كبيرة ج ��داً) ،ال��ث��ورة التي
حيث لدى (بن) مر�ضى ينتظرونه ،ولدى �آليك�س ح�صلت بعد ع�شر �سنوات من ن�شر روايتها عام
عر�سها وزواجها في اليوم التالي ،فا�ضطر بن (1852م)( :كوخ العم توم) ،والتي �أ�سهمت في
ال�ستئجار طائرة خا�صة ،وعر�ض على �آليك�س �صدور ال��ق��رار التاريخي بتحرير العبيد في
مقعداً فيها ،ف�أقلعت الطائرة وطارت بعد هدوء �أمريكا ،وتلتها دول كثيرة ،والذي �شكل �أعظم
الطق�س قلي ًال ،لكنها لم ت�صل وجهتها لإ�صابة ق��رار في تاريخ كفاح الب�شرية لنيل ال�شعوب
الطيار ب�سكتة دماغية ،و�سقطت على قمة جبل حريتها.
يونيتا�س ويلدرني�س ،ونجا ال�شابان برغم لم يكن قول الرئي�س الأمريكي المقت�ضب
�إ�صابة �آليك�س ب�صدمة بالر�أ�س جعلتها تغيب عن جداً �سوى ت�صوير لحقيقة دور الثقافة والأدب
وعيها ثالثة �أيام ،وك�سر في �ساقها ،و�إ�صابة بن عموم ًا ،والرواية خ�صو�ص ًا ،في تقدم الب�شرية
ت�ستطيع الفنون بك�سر في �أ�ضالعه. نحو �أن�سنتها� ،سواء في انتزاع الحرية �أو في
والآداب مندمجة ثالثة �أيام بلياليها الطويلة كانت فا�ص ًال نيل الحقوق� ،أو في ك�شف الأوهام والأ�ضاليل،
زمني ًا بين الموت والحياة ،وفا�ص ًال جغرافي ًا و�إظهار الحقائق للب�شر� ،أو في �صحوة الب�شر،
�أن ت�شكل �أداة وروحي ًا بين ذاك العالم ال��ذي غ��ادراه ،وبين ودفع الح�ضارات لت�صويب م�ساراتها الخط�أ..
تغيير وتنوير ع��ال��م مخيف وم��ده�����ش� ،أع��اده��م��ا �إل ��ى عالم ولعلنا نتخيل كم �أ�صبح دور ذاك الأدب والرواية
البدايات الأول��ى لجدنا الإن�سان الأول ،ثالثة �أك��ث��ر فاعلية وانت�شاراً حين تحول ال��رواي��ة
�أي ��ام والطبيب ب��ن يعالج ويعتني بال�صبية الإبداعية �إل��ى فيلم �سينمائي يج�سد الأفكار
الغائبة عن وعيها ،بعد �أن فرد لها مقعد الطائرة والأح���داث والأ�شخا�ص ،ويو�صلها بال�صوت
ال��ج��ل��دي ،ول��ف ج�سدها باللحاف ال�صوفي وال�صورة الحية المتحركة ،والحركة المعبرة،
الوحيد ،و�ضمد لها جرح ر�أ�سها و�ساقها ،وتمدد وده�شات الجمال ،وبزمن مكثف� ،إلى ماليين
بنومه على �صفيح الطائرة مجاوراً مقعدها، الب�شر من مختلف فئات و�شرائح المجتمعات،
وقاب�ض ًا على راحة يدها ليطمئن �إلى نب�ضها وفي مختلف �أ�صقاع الأر�ض ،ولعل الفيلم الذي
وحرارتها وحركاتها ..ا�ستيقظت �آليك�س من �شاهدته �أخيراً مترجم ًا بعنوان (الجبل بيننا)
غيبوبتها وا�ستعادت ذاكرتها بعد ثالثة �أيام the mountain between usالم�أخوذ
بلياليها الطويلة ،ك�أنها كانت رمزاً �أو اخت�صاراً من رواية الكاتب ت�شارلز مارتين التي كتبها
لثالثمئة �ألف �سنة تف�صلهما عن جدنا الإن�سان عام ( ،)2011وتم �إنتاج الفيلم ب�إخراج المبدع
الأول ،وتو�صلهما ب�أ�سئلته الكبرى عن الكون الفل�سطيني هاني �أبو�سعد في ع��ام ()2017
والخلق ،والعالم ،ومعنى الحياة ..وت�ضع �أمام وب�����أدوار بطليه الممثلين :كيت وين�سليت،
ناظريهما نموذجين لعالمين مختلفين جداً، و�إدري�س �ألبا.
يتيحان لعقليهما المقارنة والمناظرة بين عالم يبد�أ الفيلم في ليلة �شتوية عا�صفة علق فيها
النهر في �أ�سفل الجبل الثلجي ،و�شعرا بالكثير جدنا الإن�سان الأول و�أ�سئلته و�إجاباته ،وبين
من الأم��ان في الحياة والبقاء ،و�أ�ضحى من عالم ما �سمى بالح�ضارات والحداثة و�أ�سئلتها
الطبيعي �أن ي�س�أال نف�سيهما ذات ال�س�ؤال :ما و�إجاباتها على ذات الأ�سئلة ،وليتبين لهما بعد
معنى حياتنا هنا اليوم على �سطح هذا الكوكب ح��ادث �سقوط الطائرة في الأي��ام والأ�سابيع
المده�ش الجمال؟ ولماذا لم ن�س�أل �أنف�سنا ذات الأولى خط �سير رحلة الجماعات الب�شرية ،وما
ال�س�ؤال في ذاك العالم الذي غادرناه منذ �أيام؟ �آل �إليه عقل جموع الب�شر �إلى متاهات م�ضللة،
ترى هل لأننا كنا غارقين هناك في اللهاث و�إل��ى �أنفاق منحدرة ،وف��ي نهاياتها �أ�ضواء
وراء �أمجاد متوهمة ال معنى لها والرك�ض وراء و�آمال زائفة..
فيلم «الجبل بيننا» �أمجاد امتالك �أدوات القوة ،و�سباق ال�سيطرة ها هي �آليك�س وقد اكت�شفت بمرارة �صفعة
م�أخوذ عن رواية والتحكم� ،أم تكري�س نزوع التفوق والعن�صرية الخيبة ،لعدم اهتمام عري�سها وزوجها المرتقب
والكراهية البغي�ضة ،التي �أف�ضت �إل��ى تدمير بفقدانها واختفائها ،وعدم اهتمامه بالبحث
للكاتب ت�شارلز ن��زوع المحبة والعي�ش الم�شترك بين الأف��راد عنها ،و�س�ؤال المطار الذي و�صلته عن م�صيرها،
مارتين والجماعات والأم ��م؟ تلك الأوه ��ام والأمجاد �أو طلب النجدة والبحث عن طائرتهما التي
الفارغة ،واالنت�صارات المزعومة التي �أقنعتنا انقطع االت�صال بها ،وتكت�شف اليوم بالمقابل
بها و�ضللتنا فيها الحكومات المت�صارعة، حقيقة هذا الرجل الغريب عنها ،ال��ذي رف�ض
وجعلتنا �ضحاياها ،وقد خ�سرنا فيها �أرواحنا الهرب بجلده باحث ًا عن مخرج له ،بل �آثر البقاء
وطفولتنا ،و�إن�سانيتنا ،وهي ت�شعل حروب ًا في والعناية بها طوال �أيام غيبوبتها ،وها هو ي�سند
كل مكان ،وتعمم الفقر والجوع لدى ال�شعوب، خطواتها العرجاء بكتفه تارة� ،أو يحملها بين
وتحافظ على الجهل وتجهيل العقول؟ ترى �إلى �ساعديه مثلما يحمل ابنته وطفلته تارة �أخرى،
�أين ت�سير تلك الح�ضارات الزائفة الم�ضللة؟ ليو�صلها �إلى �أ�سفل الجبل الثلجي� ،أو �أي مكان
�آليك�س ،ال�صحافية الم�صورة التي غطت �أكثر �أمن ًا و�سالمة..
�أحداثه تبد�أ بالجمع �أحداث ًا كثيرة ،وهي اليوم تغطي �أكبر حدث في ف��ق��در �آليك�س �أن ت�ستعيد مفهوم الحب
بين الطبيب «بن» حياتها ،ا�ستمرت بتلك الأ�سئلة البليغة التي الحقيقي القائم على معيار �إدراك قيمة ال�شريك
وال�صحافية «�أليك�س» �أيقظت لديها وعي ًا �إن�ساني ًا عميق ًا ،وتتماثل والحبيب ف��ي ج��وه��ره ،وعلى معيار احترام
لل�شفاء ،م�ستمتعة باكت�شاف الحقائق المهمة قيم ورج��ول��ة ه��ذا ال��رج��ل ،و�شهامته ونزوعه
تباع ًا ،وهي الأنثى التي وج��دت بيت ًا خ�شبي ًا الإن�ساني..
�أ�ضحى بالن�سبة لها وطن ًا ومقراً تت�شبث فيه، جراح �أع�صاب الدماغ (بن باين) ّ هو وها
وتنتظر ب�شوق و�شغف عودة ذاك الرجل الذي ملأ يكت�شف ب��م��رارة الخديعة �أي�ض ًا ،بحياته مع
عقلها ،وهز كيانها ،لتتحدث معه وت�ستنطقه، زوجته التي �أر�سلت له �آخر ر�سالة و�صلته على
وتت�شاجر معه ككل الزوجات ،وت�شكل كيمياءها موبايله ،ب�أنها غادرت بيتهما الزوجي �إلى غير
الخا�صة تجاهه ،كيمياء الحب ال��ذي لي�س له رجعة� ،ضاربة بعر�ض الحائط �سنوات زواجهما
حدود ،و�أحالم ًا ب�إقامة عر�سها هنا في عالم التي �أحاطها بحبه ،وبكل طاقة لديه ..دون �أن
مختلف ،ومع رجل مختلف ،وبطقو�س �شديدة تدرك قيمته وقيمة حبه لها ،في�صاب بالحزن
االختالف والب�ساطة ،ي�شبه �صدقها نقاء ذاك العميق ،والبغ�ض ل��ذاك العالم المنافق ،لقد
الثلج المحيط بهما ،فالحقائق نا�صعة البيا�ض اكت�شفت �آليك�س تلك الر�سالة حين اختل�ست نظرة
فكرة الفيلم تقول
�أي�ض ًا ،لكن اكت�شافها قد يحتاج �إل��ى �صدمة �إليها لدى تفح�ص ر�سائله في غيابه ،وتفهمت
�إن الحقائق وا�ضحة و�صحوة ت�شبه �صدمة �سقوط طائرة. �أ�سباب حزنه العميق ،لكنها ت�ساءلت بذات
�أمامنا ولكن تحتاج قدم ذاك العمل الروائي ال�سينمائي الإبداعي، الوقت :هل �أعتبر نف�سي محظوظة ،حين �سقطت
�إلى �صدمة الكت�شافها �أفكاراً في غاية الأهمية ،لت�شهده وتتفاعل معه طائرتي هنا ونجوت مع ه��ذا الرجل في هذا
لا ب�إدها�شها قطاعات وا�سعة من الب�شر� ،أم� ً الف�ضاء الرحب من الحرية؟ ونجوت في الوقت
ج��م��ا ًال ،وب�صدمتها لتكون بمثابة �صدمة ذات��ه من كارثة العي�ش ط��وال عمري مخدوعة
ال�صحوة� ..صدمة القوة الناعمة (من اندماج مع ذاك الرجل المنافق؟ وخانعة كالعبيد لعالم
ال�سينما والأدب والجمال) ،لتخلق وعي ًا جديداً، ال�سلع والتعليب ،ولكل تلك الأطر الخادعة فيه؟
وقوى جديدة ت�سهم في تغيير العالم �إلى عالم كان فرحهما انت�صاراً ال ي�ضاهيه انت�صار
�أقل قهراً ،و�أكثر �إن�سانية. حين وج��دا بيت ًا خ�شبي ًا مهجوراً على �ضفة
الأخطل ال�صغير..
�أولى النغم المو�سيقي جل اهتمامه ال�شعري
وم��ن ق��ول ال�شاعر ن ��زار قباني عنه:
(ب�شارة الخوري كان مع ّلم ًا كبيراً ،تع ّلمت
منه الطراوة والطالوة ،وطريقته المده�شة
ف��ي م��زج الإي��ق��اع��ات والأل�����وان)� .إل��ى قول
الأخطل ال�صغير عن نف�سه�( :س�أكون َغ ِز ًال ولو
في الم�آتم)� .إلى مراجعة ديوانه؛ نجد �أ ّنه قد
�أولى النغم المو�سيقي ُج ّل اهتمامه ،باختياره
الألفاظ المتقاربة المتجان�سة ،ثم و�ضعها في
ميزه عن غيره من قالب توالفي خا�ص به ّ
ال�شعراء ،لتبدو في غاية اللين والمرونة .ما
جعل الكثير من الملحنين والمطربينُ ،يقبلون
على �شعره ذي المو�سيقا ،والتعابير ال�سهلة.
فالمو�سيقار محمد عبدالوهاب قال عنه:
لحن ًا، (ب�شارة الخوري كان �شعره ي�أتيني ُم ّ
ومو�سيقية
ّ غنائية
ّ ل ّأن ما في هذا ال�شعر من
وع��ذوب��ة ،لم يجعله ُمحتاج ًا �إل��ى جهد في
فلحن من �شعره ق�صائد( :الهوى تلحينه)ّ .
وال�����ش��ب��اب) ،المنظومة م��ن بحر الخفيف،
والملحنة من مقام العجم (ماجور) .ومطلعها: ّ
وال�شبـاب والأ َمـلُ المنـ ُ الهوى
ال�شعر ح ّيا فتبعثُ ي ِ
ُوح ت د
ُ �شو مقرب ًا من ال�سلطة
�إذا كان الأخطل التغلبي (الكبير)ّ ،
َ
والهوى وال�شباب والأمل المنـ الأم���و ّي���ة ف��ي دم�����ش��ق ،ف���� ّإن ب�����ش��ارة ال��خ��وري (الأخ��ط��ل
�شو ُد �ضاعت جميعها من يد ّيا ال�صغير) ،ك��ان هارب ًا ومتن ّق ًال على ال��دوام بين بيروت
(ال�صبا والجمال)، �أي�ض ًا لحن له ق�صيدة ِ وك�سروان في جبل لبنان ،من ظلم ال�سلطنة العثمان ّية،
والملحنة من ّ وهي �أي�ض ًا من البحر الخفيف:
التي ك��ان �شغلها ال�شاغل اب��ت��زاز الأم���وال من الواليات
مقام الكرد .ومطلعها: علي الب�شلي
يديكِ ال�صبا وال��ج��م��الُ ُم��ل ُ
��ك و�سوق �أبناء تلك الواليات �إل��ى الجند ّية، التابعة لهاَ ،
ِّ
��ك ت����اج �أع�����زُّ م���ن ت��اج��ي ِ ٍ � ُّأي ولذلك كان للهرب والتن ّقل �أثر كبير في �شعر ب�شارة الخوري� ،إلى درجة �صدق
الح ْ�س ُن عر�شَ ه ف�س�ألنا ن ََ�ص َب ُ (رب �ضارة نافعة)؛ �إذ �إنه خالل تلك الفترة ،عكف على معه المثل القائلّ :
ِ
عليك َ���راه���ا ل���ه؟ ف���دلَّ ���ن ت َ م ْ عد مو�سوعة ال�شعر العربي القديم ،ما �أثّر درا�سة كتاب (الأغاني) ،الذي ُي ّ
ولحن له ق�صيدة (جفنه ع ّلم الغزل) ،من ّ ت�أثير ًا كبير ًا في ثقافته ال�شعر ّية؛ �إذ لم يكتف ب�أخذ لقب (الأخطل ال�صغير)
مجزوء الخفيف ،ومن مقام العجم (ماجور).
ومطلعها: مد يده �إلى عوالم الطبيعة تي ّمن ًا بالأخطل التغلبي ،بل اقتفى �أث��ره في ّ
���م ال���ـ���غَ���ـ���زَ لْ
َج��� ْف���ـ���نُ���ـ���هُ َع���لّ���ـ َ المتفلّقة ب�آالف الأل��وان والأ�شكال ،وك َْم�ش تلك العوالم الرقيقة العذبة،
���م م��ـ��ا َق��تَ��ـ��لْ ����ـ����ن ال��� ِع���لْ���ـ ِ
َو ِم َ و�إنزالها منازل الق�صيدة .وعدا عن ذلك ،كان لبيروت المدينة ال�ساحرة
ن����ف����و�����س����ن����ا
َ ف�����ح�����رق�����ن�����ا �آن��ذاك �أثر في �شعره؛ �إذ �أخذ منها الترتيب والنظام والحداثة ..هذا هو
َ ����لْب ُ����ق ���� ل ا م����ن ج���ح���ي���م
ٍ ف����ي ب�شارة الخوري ،الذي ولد في بيروت �سنة ( ،)1885ومات فيها �سنة (.)1968
و�إذا ما وقفنا في محراب هذه الق�صائد
ب��ع��دك
ْ �����ت ِع ْ
�������ش �أن������تَ �إن�����ي ُم ُّ بق�صدية، ّ الثالث ،نجد �أن عبدالوهاب اختارها
���ص��د ْكّ و�أط�������لْ �إل����ى م���ا ���ش��ئ��تَِ لأنها ق�صائد من البحر الخفيف ،الذي ُيقال عنه
ك������ان������ت ب�����ق�����اي�����ا ل�����ل�����غ�����را ِم معبرة جداً عن بحر الحكماء .وق�صائد هذا البحر ّ
ْ
ب���ع���دك ب��م��ه��ج��ت��ي ف���خ���ت���م���ت �شخ�صية عبدالوهاب في التلحين من هذا البحر ّ
هاتان الق�صيدتان تنا�سبان طبيعة فريد ال�صعب!
الأطر�ش ،وطبيعة مو�سيقاه الحزينتين ،لذلك �أبدع لحن له ق�صيدة: وتذكر المراجع �أي�ض ًا �أنه ّ
في تلحينهما من مقام بياتي ،المقام ال�شرقي (كفاني يا قلب ما �أحمل) المنظومة من المتقارب،
الأ�صيل .و�إذ ُنلقي ال�ضوء على (ع�ش �أنت) ،نجد ومطلعها:
�أن الأخطل ال�صغير قد �صاغها ببراعة؛ وذلك ق���ل���ب م����ا �أح����مِ����لُ
ُ ك���ف���ان���ي ي����ا
بالمفا�ضلة بين روعة الطبيعة ،وروعة المحبوب؛ ه�������وى �أ ّولُ
ً ي�������وم
ٍ �أف�������ي ك�����لِّ
ت�ستمد بهاءها من جمال ّ �إذ � ّإن الطبيعة هي التي ك��ف��ى نَ��� َه���م��� ًا ل���ن ي��� ِف��� َّر ال��ج��م��الُ
المحبوب: ي���رح���لُ
َ وت�����رح�����لُ �أن��������تَ والَ
��وك�أن���ق���ى م���ن ال��ف��ج��ر ال�����ض��ح ِ و�أي�����ض � ًا ل� ّ�ح��ن ل��ه ق�صيدة (ي ��ا ورد مين
الأعمال الكاملةلل�شاعر ق�صة عذبةُ :يقال � ّإن
�����د ْك وق�����د �أع��������رتَ ال���ف���ج���ر خ ّ ي�شتريك) ولهذه الق�صيدة ّ
ال��ن�����س��ي��م
ِ أرق م�����ن ط���ب���ع و� ُّ عبدالوهاب طلب من الأخطل ال�صغير �أن يكتب
ْ
�������ردك ف���ه���ل خ���ل���ع���تَ ع���ل���ي���ه ُب العامية ،فانفعل ال�شاعر ّ له �أغنية باللهجة
هذا الهيام يتوافق وطبيعة فريد الأطر�ش، وقال لعبدالوهاب بغ�ضب( :كيف تطلب مني �أن
تفرد فيهما؛ و�أ�سلوبه في التلحين والغناء اللذين ّ �أتنازل� ،أنا ب�شارة الخوري ،و�أكتب لك باللهجة
نجح في اختيار �إذ �أبدع فريد الأطر�ش في مقدمة الأغنية بالعزف هد�أ عبدالوهاب من روع �شاعره العامية) .عندها ّ
الألفاظ المتقاربة المنفرد على العود ،وك�أنه ي� ّؤكد ا�ستلهامه لهذه تعرفت طبقات الأدب��اء قائ ًال( :يا �سيدي ،لقد ّ
المتجان�سة ف�أقبل الفرادة في العزف من المحبوب �أي�ض ًا .و� ّأم��ا والمثقفين �إلى �شعرك العظيم ومكانتك العالية
الكثير من الملحنين محمد الق�صبجي ،فقد اختار ق�صيدة: المو�سيقار ّ ف��ي ال�شعر الف�صيح� ،ألي�س م��ن ح��ق الطبقات
(ا�سقنيها ب�أبي �أن��ت و� ّأم ��ي) .وه��ذه الق�صيدة تتعرف وتتذوق �شعر ب�شارة ال�شعبية الأخرى �أن ّ
على �شعره المو�سيقي أندل�سية، منظومة على طريقة المو�شحات ال الخوري �أي�ض ًا؟) .عندها �أط��رق ال�شاعر لحظ ًة
ّ
وه��ي من بحر الرمل .واختار الق�صبجي في ثم �أجاب بعد حجة عبدالوهاب المقنعة؛ ّ يت�أمل ّ
العربية،ّ تلحينها مقام الر�ست؛ مقام المو�سيقا لحظات بتح ّفظ ظاهر( :ا�سمع يا �صديقي� ،س�أقطع
أرج��ح اختياره لهذا المقامُ ،ليظهر براعته و� ّ معك ن�صف الم�سافة فقط بهذا ال�ش�أن الجديد على
المو�سيقية من ّ �أي�ض ًا في التن ّقل بين المقامات م�سيرتي الأدبية� ،س�أكتب لك �أغنية ذات وجهين،
خالل الر�ست .واختار ئلت ُتقر�أ بالف�صحى و ُتغ ّنى بالعامية ،و�إن ُ�س ُ
�صوت �أ�سمهان القدير كتبت لعبدالوهاب �أغنية بالف�صحى ُ �س�أقول �إنني
لي�شدو بها ،ل ّأن هذا وغناها بالعامية! ومطلعها:
اللحن البديع ال�صعب، ي�����ا ورد م�����ن ي�����ش��ـ��ـ��ـ��ـ��ت��ري��ك
كان �سيكون م�صيره ول���ل���ح���ب���ي���ـ���ـ���ـ���ب ي��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ه��دي��ك
ال��ف�����ش��ل ،ل ��وال �صوت ي�����ه�����دي �إل����ي����ـ����ـ����ك الأم����������لْ
�أ���س��م��ه��ان ال��ق��وي ذو وال���ه���وى وال��قُ��ب��ـ��ـ��ـ��لْ ....ي��ا ورد
الم�ساحة الوا�سعة. عبقرية ّ ف��ي لحن ه��ذه الق�صيدة تج ّلت
فريد الأطر�ش ريا�ض ال�سنباطي
وق��������د اخ����ت����ار قربها ببراعة م��ن جميع ع��ب��دال��وه��اب؛ �إ ّذ ّ
ال��م��و���س��ي��ق��ار ري��ا���ض الأذواق ،على عك�س الق�صائد الأولى ال�صعبة
ال�سنباطي ،ق�صيدة: أداء وتلحين ًاّ � .أم��ا فريد الأطر�ش؛ فقد اختار � ً
(ن��م � ّإن قلبي) ،وهي ق�صيدتين هما :ق�صيدة (�أ�ضنيتني بالهجر)،
م��ن ال��ب��ح��ر ال��ك��ام��ل. وهي من البحر ال�سريع .ومطلعها:
لحن ال�سنباطي هذه ��ك �أ�ضنيتني ب��ال��ه��ج��ر م��ا �أظ��ل��م ْ
الق�صيدة م��ن مقام يرحمكْ فارحم ع�سى الرحمن �أن
الر�ست ،و�أب���دع فيه، وق�صيدة (ع�ش �أنت) ،وهي من البحر الكامل،
ل��ك��ن��ه ل��م ي��خ��رج عن ومطلعها:
الرحابنة
وم��ن �أه��م رواياتها ال�صادرة رواي��ة عنوان الرواية جاء بغر�ض الت�أكيد على وفاء عبد الرزاق الكاتبة ال�شمولية التي
الم ْحكم) بين الأن�سجة االجتماعية (رق�����ص��ة الجديلة وال��ن��ه��ر) وت���دور حول (ال َف ْتل ُ طرقت كل �أب��واب الإب��داع الأدب��ي وبرعت
البطلة (ري��ح��ان��ة) التي الق��ت م�صيرها العراقية ،ورف�ض الروائية رف�ض ًا قاطع ًا فيه��� ،س��واء ف��ي مجال الق�صة �أو ال�شعر
على يد عملية تخريبية في العراق ،وهي الم�سا�س بمكونات ال�شعب العراقي ،كذلك �أو الرواية �أو الترجمة وحتى في ال�شعر
من الأع��م��ال الفكرية التي ت�أتي محملة اختارت الروائية رمز (ال�سنبلة) لمكانتها ال�شعبي� ،شاعرة وقا�صة وروائية عراقية
بالر�سائل الإن�سانية؛ ت��أت��ي على �شكل في البلدان العربية والإ�سالمية ،وت�شير �أبحرت في رحلة العطاء الثقافي والت�ألق،
�صرخة يظل �صداها ي��ت��ردد على مدى �إلى العي�ش والتجديد و�إلى الأدوار الكونية وهي من مواليد الب�صرة (1952م) ،تركت
الأجيال .فعبر ف�صولها الت�سعة و�صفحاتها للأر�ض الأم المخ�صبة والكريمة ،وفي العراق وتعي�ش غربتها في مدينة ال�ضباب
الـ ( ،)142ت�سحب هذه الرواية القارئ من الطقو�س التموزية ،كان االحتفال بالعودة لندن ،وهي رئي�سة وم�ؤ�س�سة رابطة الإبداع
ت�شده من �إن�سانيته بعيداً حام ًال معه حزم القمح ،وبه يتحول من تالبيب روحهّ ، من �أج��ل ال�سالم ومقرها لندن ،و�سفيرة
عن � ّأي انتماءات جغرافية �أو عرقية �أو الظالم �إلى النور. النوايا الح�سنة في ال�شرق الأو�سط ،ونائبة
تتوالى الأح ��داث في ال��رواي��ة ،وتكبر دينية ،لأن الحبر مهما كان قوي ًا ،ينحني رئي�س البيت الثقافي العربي في الهند.
معاناة �سكان القرية من فقدان بناتهم �أمام نقطة دم �أُريقت بغير حق. �صدرت لها ع�شرات الكتب في مجاالت
الروائية لم تخترع �شخو�ص روايتها و�أبنائهم على يد التنظيمات الإرهابية ال�شعر والق�صة وال��رواي��ة ،منها :المطر
(رق�صة الجديلة والنهر) ،و�إن �صاغتها والمتواطئين معها� ،إن ريحانة وع��ادل الأعمى ،حاموت� ،إذن الليل بخير ،حاموت،
ب ��أ���س��ل��وب ف��ان��ت��ازي وغ��رائ��ب��ي ،ب��ل هم و�شيرين وحامد (عازف الناي) وروناهي ام����ر�أة ب ��زي ج�����س��د ،ف��ي غ��ي��اب ال��ج��واب،
�شخو�ص حقيقيون عا�شوا محنة العراق وب��ري��ف��ان� ،أب��ط��ال ال��رواي��ة ،ب��رغ��م �أنهم الآخ��رون ،وجوه و�أ�شباح و�أخيلة ،للمرايا
من �إبادة جماعية و�سبي وتهجير ومجازر ،يج�سدون �شباب ال��ع��راق ،ال��ذي��ن كانوا �شم�س مبلولة الأه� ��داب ،امنحني نف�سي
دوت �صرختها �ضد يحلمون بالحب وبالعي�ش الكريم لكنهم ومن خالل م�أ�ساتهم ّ والخارطة ،مدخل �إلى ال�ضوء ،هذا الم�ساء
الإرهاب ،فجاءت الرواية كوثيقة تاريخية �صحوا على الكابو�س المرعب ،ف� ّأجلوا ال يعرفني ،نافذة من جدران البيت ،البيت
ت�سجل للأجيال القادمة دموية التنظيمات الحلم و�ألغوا قلوبهم ،ثم تطوعوا للدفاع يم�شي حافي ًا� ،صمغ �أ�سود وغير ذلك الكثير.
المهجرين والالجئين َّ الإرهابية والمتواطئين معها وجرائم الع�صر عن الأر���ض وع��ن
م��ن �أب��ن��اء ال��وط��ن ،فق�ضوا ع��ل��ى �أي ��دي في �سبايكر و�سنجار والمو�صل وغيرها.
و�أما معنى عنوان الرواية؛ فالجديلة مجرمي الع�صر� ،إنهم �شهداء الجرائم التي الروائية لم تخترع
تعني ال�شعر الم�ضفور ،المجموع والمن�سوج �ستبقى و�صمة عار على جبين الإن�سانية �شخو�ص روايتها و�إن
مروالجدل هو الف ْتل و�سيتحملها ال�ضمير الإن�ساني على ّ ْ بع�ضه على بع�ضه الآخر، �صاغتها ب�أ�سلوب فانتازي
المحكم ،فالتوظيف لكلمة (جديلة) في التاريخ. وغرائبي
علي الدوعاجي..
رائد الأدب الق�ص�صي التون�سي
�أو ًال �سنة ( ،)1935ثم �أعيد ن�شرها في مجلة ينتمي �إلى �أ�سرة من الطبقة البرجوازية،
المباحث �سنة ( .)1944وهي من فرائد �أدب وقد مات وال��ده وهو في �سن مبكرة ،فعرف
الرحلة ،فائقة رائقة. اليتم وذاق حرمان الأب ،ف�سعت والدته �إلى
وكان ن�شر ف�صول تلك الجولة ،منطلق رحلة تربيته ،وق��د تعلم العربية والفرن�سية ،في
�أدبية زاخ��رة بالإبداع الق�ص�صي والم�سرحي المدر�سة العرفانية القر�آنية ،وما لبث �أن انقطع
توا�صل مع كبار
وال�شعري ،و�ساعده عمله مع بيرم التون�سي في عن الدرا�سة وهو في �سن الثانية ع�شرة ،لكنه
الأدباء وانفتح على جريدة (الزمان) على ت�أ�سي�سه جريدة (ال�سرور) وبرغم عمله في الحرف المهنية ،والتجارة ،فقد
الثقافة الغربية �سنة ( ،)1936والتي عرفت بمقاالتها المتفردة وا�صل تكوين نف�سه بنف�سه ،فاطلع على الكثير
والعربية ور�سوماتها الكاريكاتيرية ال�ساخرة. من الروايات والدواوين ال�شعرية.
وك ��ان علي ال��دوع��اج��ي غ��زي��ر الإن��ت��اج، وتوا�صل الدوعاجي مع كبار �أدباء ع�صره
�صاحب قلم �سخي معطاء ،وقد برع ك�أح�سن في حا�ضرة تون�س ،كزين العابدين ال�سنو�سي
ما يكون في كتابة الأق�صو�صة ،وتدل �أعماله �صاحب مجلة العالم الأدب���ي ،وك��ان يتردد
في هذا المجال على �أنه تمكن من �أ�صول هذا على المجال�س والمقاهي الأدب��ي��ة ،وات�صل
الفن و�أتقن �أ�سراره ،فجاءت ب�أبي القا�سم ال�شابي والطاهر ح��داد ..ورافق
كل �أق�صو�صة من �أقا�صي�صه لمدة طويلة القا�ص محمد العريبي ،والكاتب
ق��ط��ع��ة م ��ن خ��ال�����ص ال��ف��ن الم�سرحي عبدالرزاق كرباكة ،فنمت ثقافته
وكيان ًا من �صميم الإب��داع، �شيئ ًا ف�شيئ ًا ،حتى �أ�صبح من �أع�لام الأدب
وهي ُتعد اليوم نماذج ُمثلى التون�سي المعا�صر بداية من عام (.)1933
في فن الق�صة الق�صيرة ،مثل وانفتح الدوعاجي على الثقافات الفرن�سية
(الم�صباح المظلم) و(مجرم والإنجليزية والعربية القديمة ،حيث كان يقر�أ
رغم �أنفه) و(العا�شق الأعمى) لنيت�شه وعمر الخيام و�شك�سبير والجاحظ
�رت م��ن��ه ال��ل��ي��ال��ي)
و(� ��س ��ه � ُ وط��اغ��ور وال��م��ع��ري ،فمكنته ه��ذه الثقافة
وغيرها كثير.. العالمية من اكت�شاف طريق خا�ص في الكتابة
�أم���ا �أزج ��ال ��ه و�أغ��ان��ي��ه جعلته يت�صدر عر�ش الأدب التون�سي.
و�أ� ��ش ��ع ��اره؛ ف��ظ��ل��ت ت��ران��ي��م �أم���ا دخ��ول��ه ع��ال��م الأدب؛ ف��ك��ان �شبه
خ��ال��دة ف��ي ال��ذاك��رة الفنية م�صادفة� ،إذ فاز الدوعاجي �سنة ( )1933في
وال�شعبية ،وقد �أتقن مختلف م�سابقة للر�سم ،وكانت جائزة الفائز رحلة
�ألوان الكتابة في فن الأغنية، بحرية متو�سطية .وقد خطر له �أن يدون رحلته
كما لحن له كبار �أ�ساطين تلك التي قادته من كور�سيكا �إل��ى ني�س ،ثم
المو�سيقا ف��ي ت��ون�����س ،من من نابولي �إلى �أثينا ف�إ�سطنبول و�إزمير ،في
�أمثال خمي�س ترنان ومحمد ن�صو�ص �سماها (جولة بين حانات البحر
التريكي. المتو�سط) ن�شرتها مجلة (ال��ع��ال��م الأدب ��ي)
د .نبيل فاروق فتحي غانم نهاد �شريف يو�سف عزالدين عي�سى رفاعة الطهطاوي
ولقد ت�أثر الكتاب العرب بالترجمات؛ وبد�أ عنوان (مواقع الأف�لاك في وقائع تيليماك)
كثيرون يكتبون على نمط على هذه الروايات؛ بين عامي (1854-1851م) .ويعتبر هذا �أول
منذ �أوائل ال�ستينيات ومن ه�ؤالء رواية العالم كتاب عربي مترجم في الخيال العلمي.
الم�صري د .م�صطفى محمود (العنكبوت ،ورجل كما قدم الروائي نهاد �شريف مجموعته
عرفه (معجم ّ ال�صفر) .وم��ن الكتاب الأوائ���ل في هذا تحت ّ الق�ص�صية( :قاهر الزمن)؛ وروايات( :ال�شيء)؛
المعاني) ب�أنه نوع المجال يو�سف ال�سباعي ،في روايته (ل�ست وحدك (ال���ذي ت��ح��دى الإع�����ص��ار)؛ (ت��ح��ت المجهر)؛
1970م) .كما قدم الدكتور �أحمد خالد توفيق (بالإجماع)؛ (�سكان العالم الثاني)؛ ورواية
�أدبي �أو �سينمائي
العديد من الروايات في �أدب الخيال العلمي؛ وفي (رقم 4ي�أمركم) وغيرها .ويعتبر نهاد �شريف
تكون فيه الق�صة رواد �أدب الخيال العلمي ،حيث يلقب
�أدب الرعب العربي .وهناك عالقة عميقة بين أهم ّ
�أحد � ّ
الخيالية مبنية على المجالين .ومن �أ�شهر رواياته رواية (يوتوبيا)، بعميد �أدب الخيال العلمي العربي (-1930
االكت�شافات العلمية وهي رواية اجتماعية في الخيال العلمي تدور 2011م) .وكذلك د .طالب عمران الذي كتب
�أحداثها في الم�ستقبل؛ وكذلك د .نبيل فاروق �سبعين رواي��ة في ه��ذا المجال منها�( :ضوء
وغيرهم .وتوالت الأعمال في هذا المجال بكثرة الدائرة المعتمة)؛ (�أ�سرار من مدينة الحكمة)؛
لدى ال ُك َّتاب ال�شباب؛ في الع�صر الحالي. (م�ساحات للظلمة)؛ (ال�سبات الجليدي)؛ (ثقب
ال بد من الإ�شارة هنا �إل��ى �أن هذا ال ّنوع في جدار الزمن)؛ (الخروج من الجحيم)؛ (بئر
من الأدب ،كما �أ�سميه� ،أدب اال�ست�شراف الجديد العتمة)؛ (طيور و�سط النيران)؛ وغيرها.
يقوم على وقائع و�صل �إليها العلم ؛ ويتو ّقع وفي الأربعينيات ،برزت محاوالت يو�سف
ت�أثر الكتاب العرب طورها ،عبر التخييل ،وهذا عزالدين عي�سى؛ ال��ذي يعتبر �أول من �أذاع
ال ُك ّتاب � ّأن يتم َت ّ
بالترجمات وبد�أ �سيمنح الب�شرية نواتج الخيال الجيدة؛ لتطوير الق�ص�ص في الخيال العلمي في الراديو ،ون�شر
الكثيرون يكتبون هذه الأفكار المتخيلة؛ والتي قد ت�صبح حقيقة، مقاالته العلمية في جريدة الأهرام تحت عنوان
على نمط هذه يوم ًا ما ،عبر ا�ستلهامات المخيال الكوني؛ (مع الفكر والخيال) ،وبعد من �أوائل من كتبوا
وت�شابكاته مع الالميتافيزيقا؛ والتقدم التقني في هذا المجال الروائي المفكر الم�صري توفيق
الروايات منذ �أوائل العالمي؛ وهذا من �ش�أنه �أن ي�ؤ�س�س وي�ؤطر للعلم الحكيم في رواي��ات��ه�( :سنة مليون 1953م،
ال�ستينيات نتائجه الم�ستقبلية؛ وين�شط الخيال؛ ويربط ورحلة �إلى الغد 1958م ،ولو عرف ال�شباب،
الأدب والفنون بالعلم وفر�ضياته؛ وابتكاراته وتقرير قمري ،واالخ��ت��راع العجيب) .وكذلك
ال��ج��دي��دة ؛ خا�صة ل��دى الأط ��ف ��ال؛ ُ�ص َّناع كتب فتحي غانم رواية (من �أين) والتي طبعت
الم�ستقبل الجديد. عام (1959م).
متـاهـة الـزمن
�سو�سن محمد كامل
في الرواية الحديثة
بد�أ الزمن كعن�صر �أ�سا�سي في ال�سرد عبر �أ�صبحت نظرية الأبعاد الثالثة التي تقول:
الموروث ال�سردي العربي من جملة (يحكى �أنه �إن كل الأ�شياء لها ثالثة �أبعاد؛ الطول والعر�ض
في �سالف الع�صر والأوان)� ،أو (كان يا ما كان واالرتفاع ،قديمة وال يعتد بها ،منذ �أن طرح
في قديم الزمان) التي ت�ضع القارئ في �أجواء العالم �آين�شتاين مبد�أ (الزمن) كبعد راب��ع له
ما�ض قديم غام�ض بالأ�سرار والأ�سطورة� ،إلى ٍ امتداده وعمقه وقيمته ،مثل �أي بعد من الأبعاد
الزمن المعا�صر ال��ذي تتمحور فيه الأح��داث، الثالثة الأخ����رى ،فقد بقي ال��زم��ن قبل هذه
خالل �ساعات �أو لحظات محدودة من اليوم، النظرية فراغ ًا وهمي ًا ابتدعه الإن�سان .ومما �أثار
مروراً بالزمن المختلط �أو الملتب�س ،الذي يقفز الب�شري ،مالحظة
ّ فكرة البعد الرابع في الذهن
بين الما�ضي والحا�ضر والم�ستقبل ،وهو ما �أن احتفاظ �أي �شيء ب�أبعاده الثالثة �أمر �شبه
ا�صطلح عليه بالبعد الرابع ،ولتو�ضيح �أثر فكرة م�ستحيل ،فالنا�س ينمون ويكبرون ،والجغرافيا
البعد الرابع في الآداب الحديثة ،نذكر م�سرحية تتغير ،ما يجعل فكرة الأبعاد الثالثة ناق�صة،
اتخذت الرواية
(الزمن و�آل كونوي) للكاتب الم�سرحي المعا�صر تحد الأ�شياء كلها في لحظة زمنية واحدة، لأنها ّ
الحديثة الزمن بري�ستلي ،التي كانت مثا ًال تطبيقي ًا ناجح ًا ربما كانت �أق�صر من لمح الب�صر ،ما يجعلنا
مو�ضوع ًا لها �إلى لبع�ض الإمكانيات النظرية ،حيث �إن الزمن �أحوج �إلى �أبعاد �أخرى �أكثر ثبات ًا و�أو�سع �شمو ًال،
جانب الحبكة فيها قد ا�ستحال �إلى بعد رابع ،و�أن بري�ستلي بحيث تنطوي تحت جناحيها هذه التغيرات
وال�شخ�صيات منحه حركة طولية ممتدة ،تحولت معها لحظات كلها ،ومنها ننتهي �إل��ى �أن ن��درك الأ�شياء
الزمان �إلى محطات كبيرة ،ي�سير قطار النف�س ب�أبعادها الحقيقية.
على امتدادها كيفما �شاء ذهاب ًا و�إياب ًا ،انفعا ًال ومنذ نظرية البعد الرابع� ،أ�صبحنا ن�ستطيع
وتفاع ًال. �أن نرى الزمن بجزئياته ،و�سرعان ما �شغفت
ويعد الزمن المادة المعنوية المجردة ،التي فكرة البعد الرابع رجال الفكر والأدب ،فعكفوا
يت�شكل منها �إطار كل حياة ،وحيز كل فعل ،وكل عليها يدر�سون �إمكانياتها الأدبية ،وكان �أحد
حركة ،فكل خطاب روائي يرتبط بالزمن الذي المفكرين الذين افتتنوا بها ( )Dunneالذي
ي�شكل بنية �أ�سا�سية في العمل الروائي ،لأنه ال �أ�صدر �سل�سلة كتب مبنية عليها نالت �شهرة
يمكننا �أن نت�صور ق�صة �أو رواي��ة� ،أو حكاية كبيرة بين الأدباء .ويدين الأدب الحديث بالكثير
خيالية خالية من هذه البنية المحورية في للروائي البريطاني لورن�س �ستيرن (-1713
العملية ال�سردية ،فالفنون ال�سردية من �أكثر 1768م) ،فهو الكاتب الأول ال��ذي تو�سع في
الفنون الت�صاق ًا بالزمن ،فهو حا�ضر بحركته اللحظة ،م��ن خ�لال تعمقه ف��ي التفا�صيل،
وان�سيابه و�سرعته وبطئه ،وهو الإيقاع الناب�ض لي�ستغرق زمن قراءة اللحظة عنده ،ما يزيد على
في الرواية ،وهذا ما جعل الزمن من �أهم العنا�صر قراءة زمن اللحظة الحقيقي.
الأ�ساليب ف��ي عمله ال��روائ��ي ،م��ن خ�لال بث الروائية �إث��ارة الهتمام الدار�سين ،فبوا�سطته
�إ�شارات وعبارات تعمل على تبطيء الزمن تارة، يمكن التعرف �إلى النظام الزماني ،الذي تجري
�أو ت�سريعه ت��ارة �أخ��رى� ،أو �أن يقوم ب�إيقاف فيه �أح��داث الن�ص الروائي ،بالنظر �إلى القدر
النظام الزمني والنف�سي والتاريخي للرواية ،كما الذي ي�سهم به في ت�شكيل الن�ص ال�سردي.
نادى بذلك جورج لوكات�ش ،حين قال�( :إن العمل ه��ن��اك اخ��ت�لاف بين ال��رواي��ة التقليدية،
الأدبي انعكا�س لمنتج الحركة ،خا�صة �أن الزمن والرواية الحديثة في التعامل مع الزمن؛ فالرواية
مع طرح �آين�شتاين بحركته وان�سيابه و�سرعته وبطئه ،هو الإيقاع التقليدية تقوم على تطور الحبكة وال�شخ�صيات،
مبد�أ الزمن �أ�صبح الناب�ض في الحياة). في ما ي�شبه �سيرة الحياة� ،أما الرواية الحديثة؛
للأ�شياء ُبعد رابع الكاتب �أم��ي��ر ت��اج ال�سر ،طبيب وروائ��ي فهي ت�أخذ الزمن مو�ضوع ًا للرواية ،ال مجرد دليل
���س��ودان��ي ،نالت �أع��م��ال��ه اهتمام ًا كبيراً في على نمو الأحداث وتطور ال�شخ�صيات ،وهو ما
الأو�ساط الأدبية والنقدية ،كما حققت �شهرة ينعك�س على الأ�شكال الجديدة للرواية الحديثة،
عالمية ،بعد ترجمة معظمها �إل��ى الكثير من لذا �أ�صبح الزمن ي�شكل ال�شخ�صية الرئي�سية في
اللغات العالمية ،منها :الإنجليزية والفرن�سية كثير من الأعمال الروائية الجديدة ،التي انبثقت
والإيطالية ..وو�صلت روايته (�صائد اليرقات) على يد نخبة من الروائيين والكتاب العرب،
�إلى القائمة الق�صيرة لجائزة البوكر العربية الذين نزعوا �إلى التجديد ،من خالل التالعب على
(2011م) ،حاول تطبيق �أق�سام الزمن الروائي، م�ستوى النظام الزمني للن�ص الروائي؛ فقد عمد
من الزمن الداخلي �إلى الزمن الخارجي؛ وذلك كل من (�إميل حبيبي) ،و(حنا مينة) ،و(وا�سيني
بتتبع المفارقة ال�سردية في الرواية ،فقد كان الأع���رج) ،و(�إدوارد ال��خ��راط) ،و(عبدالرحمن
تعمق لورن�س �ستيرن عن�صر الزمن ،من العنا�صر الرئي�سية في التقنيات منيف) ،و(�إبراهيم ن�صراهلل) و�آخرون ..بوا�سطة
في تفا�صيل الزمن ال�سردية للرواية ،حيث اعتمد على مجموعة من �أعمالهم الروائية �إل��ى اتباع �أ�ساليب تعك�س
وافتتن الأدباء به التقنيات الزمنية ،كالترتيب ،والمدة ،والتواتر، حداثة تجاربهم الروائية ،ذلك �أن رواية التجريب
وكل هذه التقنيات تم توظيفها في رواية (�صائد ما�ضٍ �شكلت ث��ورة على الترتيب الن�سقي من
فوظفوه في �أعمالهم اليرقات) بن�سب متفاوتة ،حيث ي�أخذنا �أمير تاج وحا�ضر وم�ستقبل� ،إذ �إنها �سعت �إل��ى خلخلة
ال�سر ،من خالل هذا العمل� ،إلى �أرا�ضي ال�سودان الت�سل�سل الزمني ،الذي طالما التزمته الرواية
ومقاهيها ،ب�أ�سلوب �سردي ب�سيط وجميل دقيق التقليدية؛ فالترتيب الزمني الذي يميز رواية
الو�صف ،عبر ل�سان بطل الرواية (عبداهلل فرفار) التجريب �أو الرواية العربية الجديدة ،مختلف
�أو (حرف�ش) ،وهو �ضابط �أمن ا�ضطر �إلى التقاعد عما �ألفناه لدى رواد الرواية الكال�سيكية ،وهذا
في �سن مبكرة من الخدمة ،بعد حادثة �أفقدته ما عبر عنه الناقد ال�سوري مر�شد �أحمد بقوله:
رجله ومن�صبه في الخدمة والمجتمع ،ليقع في (�إن ن�سق الترتيب الزمني في الرواية التقليدية،
الروتين والملل والفراغ� .إلى �أن ظهرت له يوم ًا ينه�ض على نظام التعاقب الزمني).
فكرة كتابة رواية ،وهو الذي لم يقر�أ رواية في اختلف النقاد في تق�سيم الزمن الروائي،
حياته �أو رافق كتاب ًا. و�أبرز هذه التق�سيمات :الزمن الداخلي ،والزمن
كل خطاب روائي وهكذا ن�ستنتج �أن تقنية البعد الرابع تقوم الخارجي ،ثم التمييز بين زمن الق�صة وزمن
على ك�سر الترتيب ال�سردي االطرادي ،والغو�ص الخطاب ،من خالل ثالث عالقات ،وهي :عالقة
يرتبط بالزمن
خط�إلى الداخل وتحطيم �سل�سلة الزمن ال�سائر في ٍ ّ الترتيب وعالقة المدة ،وعالقة التواتر .وجاء
وي�شكل بنية �أ�سا�سية م�ستقيم ،حيث يتحول الزمن �إلى �أحد عنا�صر ا�ستخدام ه��ذه التقنيات م��ن قبل الروائيين
في العمل الأدبي بنية الن�ص ،ويكون الزمن مرتبط ًا ب�شكل رئي�سي لم�ساعدتهم؛ لأن فعل الكتابة وفعل القراءة
بالذاكرة ،من خالل مطاردة �أح��داث الما�ضي من الميادين التي تعددت �أزمنتها وت�شكالتها،
لل�شخ�صية والهيمنة عليها� ،أو فقدها الت�سل�سل فحين تبحث مو�ضوعي ًا يغيب التج�سيم في فهم
الزمني ل�ل�أح��داث التي م��رت بها ،فتعجز عن الزمن ،ويتال�شى في الزمن االجتماعي والنف�سي
التمييز بين الحا�ضر �أو الما�ضي �أو الم�ستقبل، والتاريخي للرواية ،خا�صة �أن ال�سرديات كما
فلكل فن زم��ن يتم فيه تلقيه ،فزمن الكتابة يعدها الباحثون �أخ�صب ميدان للفعلين مع ًا؛
محدود بعك�س زمن القراءة غير المحدود. ولذلك ي�سعى الكاتب �إل��ى اتباع مجموعة من
جيد ،ب�سبب فا�صلة �أو بحرية �أ�شعر ب�أن هناك �آخر يحركها ولي�س �أنا
قو�س �أو عالمة تعجب مبدعها ،في كثير من الأحيان تجد �شخ�صياتي
�أو ا�ستفهام ل��م ينتبه بدون �أ�سماء وبدون مالمح� ،أخاف �إن منحتها
ل��ه��ا ال ��ك ��ات ��ب ،ك��ذل��ك �أ�سماء �أو مالمح من �أن تهرب مني� ،أن تهاجر
ت��وج��د ل��ه��ج��ة ع��ام��ي��ة عن وطنها ال��ذي هو �أن��ا ،لذلك �أح��ب �أن يجد
ف��ي رواي��ات��ي وكلمات القارئ فيها نف�سه ،ب�أن يمنحها ا�سمه ومالمحه
�إبراهيم الكوني ال�صادق النيهوم
غير مقبولة في الو�سط �أن وجدها تعبر عنه فع ًال ،ا�سم م�ؤقت ومالمح
المحافظ� ،إ�ضافة �إلى م�ؤقتة �إلى حين ينتهي من قراءة الكتاب.
بع�ض الر�ؤى ال�سيا�سية
التي ت�ضع المحكم في ¯ هل ا�ستطاع النقد �أن ي�ضع تجربتك الإبداعية
ح���رج م��ع ال��م��م��ول لو في مكانها الالئق كما يجب ،وهل لدينا �أزمة
مرر العمل ،في النهاية نقدية؟
قيمتي الفنية �أعرفها -كثير من النقاد في ليبيا والوطن العربي
ج���ي���داً وم��ق��ت��ن��ع بها وف��ي ع��دة دول �أجنبية كتبوا عن تجربتي ،
والقيمة المادية للجوائز وتناولوها ب�شكل �إيجابي و�أ�شكرهم على ذلك،
تول�ستوي ت�شيخوف
ال تمثل لي �أي �أهمية. وكتاباتهم عن تجربتي ا�ستفدت منها الحق ًا،
وكذلك منحتني بع�ض الر�ضا على نف�سي،
¯ �أخيراً ،لماذا الكتابة؟ وهل تجد الفن والإبداع و�أي�ض ًا و�ضعتني �أم��ام تح ٍد �أكبر كي �أجعل
والكتابة �ضرورة لك وللمجتمع؟ وهل تعتقد �أعمالي الجديدة ذات جودة �إبداعية ،في البداية
أدب والف َّن لهما دور في تغيير الواقع، � َّأن ال َ لم �أكن �أراجع �أي عمل ،لم �أكن �أهتم بعالمات
ويحافظان على الذاكرة الجماعية للوطن؟ الترقيم ،حالي ًا �أكتب بدقة و�أراج��ع كل �سطر
-نعم الكتابة لها دور في تغيير المجتمع �أكتبه �أكثر من مرة ،المجتمع الذي �أعي�ش فيه
ا�ستفدت كثيراً من نحو الأف�ضل ،القراءة ينبغي �أن تتحول �إلى حالي ًا �أث��ر ف� ّ�ي� ،أ�سلوب حياته انعك�س على
النقاد الذين كتبوا ثقافة ع��ام��ة ،منذ ال�صغر ينبغي �أن تكون كتاباتي.
عالقة الطفل بالكتاب كعالقته بقنينة اللبن،
عن تجربتي الأدبية
المجتمعات التي لم تهتم بالكتب تظل متخلفة، ¯ برغم �أعمالك الكثيرة ،لم نر لك ح�ضوراً في
في �ألمانيا مث ًال وقت جائحة كورونا قفلوا كل الجوائز الأدبية العربية ،كيف ترى الأمر؟
�شيء �إال المكتبات و�أك�شاك ال�صحف ومحالت ـــــ �أ���ش��ارك بين حين و�آخ��ر في الجوائز
بيع الزهور ،في كل حديقة تجد مكتبة �صغيرة بمخطوطات لكن ال �أوفق ،لجان التحكيم الذين
بها كتب مجانية ،في الحافلة �أو المترو �أو �أغلبهم �أ�ساتذة جامعات لهم معايير خا�صة ال
القطار ،قلما تجد راكب ًا لي�س في يده كتاب، بد �أن تكون متوافرة في العمل الروائي حتى
حتى المت�شردون منهم تجدهم يطالعون ير�ضون عنه ،هذه المعايير �أعترف �أنها غير
الكتب ،في الأ�سواق الكبيرة تجد كتب ًا مجانية متوافرة في رواياتي ،لم �أغ�ضب من �أي خ�سارة
القراءة يجب �أن للقراءة ،بل هناك بع�ض البيوت و�ضعت في ودائ��م� ًا �أق��دم التهاني للفائزين ،لعبي لكرة
تتحول �إلى ثقافة مدخلها مكتبة �صغيرة �أنيقة يمكن لأي مار �أن القدم في النادي جعل لدي روح � ًا ريا�ضية،
عامة وعالقة الطفل ي�أخذ منها كتاب ًا يقر�ؤه ويعيده .وبخ�صو�ص �أتقبل الخ�سارة و�أبد�أ في اليوم الثاني التمارين
بالكتابة كعالقته الحفاظ على الذاكرة الجماعية للوطن؛ �أي نعم، من جديد ،الخ�سائر لي�ست نهاية العالم ،نهاية
فكل �شيء منذ الأزل و�صلنا عبر الكتب ،لوال العالم �أن تي�أ�س ،ذات يوم �سيكون في لجان
بقنينة اللبن الكتب لوجد الإن�سان �صعوبة في حياته ،الكتب التحكيم من تعجبهم كتاباتي و�س�أفوز ،الأمر
اخت�صرت له الزمن طوت له عدة مراحل ،جعلته تح�صيل حا�صل ال �أكثر.
ينجح وي�صل �إلى م�ستويات علمية راقية في كل �صديق ف��ي لجنة تحكيم ق��ال ل��ي �إنهم
المجاالت مكنته حتى في الو�صول �إلى القمر يقر�ؤون كل عمل ويمنحونه درج��ة ،والن�ص
والمريخ ،وحالي ًا لي�س �أمامنا �سوى الكتاب الذي يتح�صل على درجات �أكبر يفوز ،من �ضمن
ب�شكله الورقي �أو الرقمي ،كي نواكب الع�صر الدرجات هناك درج��ات تمنح على عالمات
ونت�شبث به قلي ًال لينت�شلنا من الظالم. الترقيم في الن�ص ،يعني يمكن ا�ستبعاد ن�ص
علي �أبوالري�ش
ورحلته الملحمية
في �أعماق الإن�سان علي كنعان
و�صل �إلى الثورة الزراعية واختراع �أدواتها. يمتاز ال��روائ��ي الكبير علي �أبوالري�ش،
وي�شير الباحث �إل��ى (فرن�سي�س بيكون) الذي بمنجزه الروائي المتفرد في ر�ؤاه ومو�ضوعاته،
ن�شر في العام (1620م) بيان ًا علمي ًا بعنوان وف�ضائه الإبداعي المتنوع� ،إ�ضافة �إلى عمق
(الأداة الجديدة) �أو�ضح فيه (�أن المعرفة قوة، درا���س��ات��ه الفكرية ،وذل��ك م��ن خ�لال درا�سة
والتجربة الحقيقية للمعرفة لي�ست فيما �إذا الفل�سفة وتخ�ص�صه في علم النف�س وعوالمه
كانت �صحيحة ،بل ما �إذا كانت ممكنة) .ومن الباطنية الوا�سعة ،وهذا ما نجده في كتابه
هنا ننتقل �إلى (�إرادة القوة) عند نيت�شه ،وتبرز المو�سوم بـ(الإن�سان ذل��ك الكائن الخيالي:
(الأنا) بقوة مدعومة بالخيال ،لنقفز فج�أة مع الألعاب ال�شعبية نموذج ًا) .وي�شير الكاتب في
العالم (�آين�شتاين) في لحظة مف�صلية ،تخلى المقدمة �إلى �أن الإن�سان عا�ش ماليين ال�سنين
فيها عن عقالنيته ليب�شر (ترومان) قائ ًال له: وهو يطرح على نف�سه ال�س�ؤال الأزلي (من �أنا؟)،
(الآن ن�ستطيع �أن ن�صنع القنبلة الذرية) ،وا�ضع ًا مبين ًا �أن �س�ؤا ًال كهذا ال جواب له في الواقع..
�أمام الب�شرية و�سيلة جهنمية فظيعة للتدمير وا�ستجابة لطموح الإن�سان باالرتقاء ،عمد �إلى
ي�ستعر�ض �س�ؤال والإبادة الجماعية! اختراع اللعبة ،كمعادل مو�ضوعي لما يحدث
ونتابع الكاتب في رحلة الإن�سان ،عبر تراكم وراء العقل الواقعي.
الوجود وما يمثله الأزمنة ،و�إمعان النظر في م�سار الح�ضارات، الكتاب رحلة ملحمية في �أعماق الإن�سان
من قلق دائم على فنرى �أن حاجة الإن�سان �إلى الت�أريخ دفعته �إلى عبر م�سيرته الأزلية ،فكراً وعاطفة و�شعوراً
الم�ستويين الفردي اال�ستنجاد بالريا�ضيات ،لكن التاريخ متخم ظ��اه��راً� ،أو ف��ي غياهب الال�شعور ،والبحث
ب��الأك��اذي��ب ،فالإن�سان ا�ستطاع �أن يطم�س حافل بما يقارب الثالثين عنوان ًا ،من م�صادر
والجماعي حقائق ويبرز �أخرى ،وما الحروب الطاحنة �إال الفل�سفة والت�صوف ومراجعهما في الغرب
نتيجة لعبة مراوغة ،مار�سها الخيال للدفاع وال�شرق .وي�شعر القارئ ب�أنه ي�سير في غابة
عن (الأن��ا) .وانطالق ًا من �سطوة هذه (الأن��ا) ظليلة غام�ضة م��ن الأف��ك��ار واال���س��ت��ن��ارات،
المريبة� ،صنفت �شريعة حمورابي النا�س وي�ستثير كثيراً من الأ�سئلة ،وال تخلو رحلته
�إلى نوعين (ن�ساء ورج��ال) ،و�إلى ثالث فئات الفكرية ه��ذه من رهبة ،برغم ثقته الكبيرة
(�سادة ،وعامة ،وعبيد) ولكل من هذه الفئات بمكانة الدليل ومعارفه الفل�سفية المعمقة.
حقوق مختلفة وواج��ب��ات مختلفة .ويو�ضح وبعد �أن ي�شير �أبوالري�ش ب�أ�سطر معدودات
الباحث �أن ه��ذا الت�شريع يندرج �ضمن علم �إلى المراحل التاريخية الم�ضنية التي قطعها
البيولوجيا الذي ينطلق من فكرة �أن النا�س الإن�سان ،م�سلح ًا بالخيال وتراكم التجربة لفهم
تطوروا ولم يخلقوا .وتم اختراع الحرية ت�أكيداً معنى الحياة ،منذ �أن نزل عن ال�شجرة وتجاوز
لهذه الفكرة ،وتمادى الإن�سان بخياله لي�سيطر حدودها ،يرى �أنه التقط ر�أ�س حبل التطور حتى
النا�س وا�ستالبهم �أمامه .وبذلك ال تكتفي اللغة على الطبيعة ويخ�ضعها لإرادته حتى ا�ستنزف
بالتعبير ،و�إنما تغدو �أداة للتغيير. خيراتها .وك��ان ال بد من الأ�سطورة ملفوفة
وبعيداً عن الخرافات ال�شعبية ،تو�صل بالحب لت�ستكمل (الأنا) لعبتها المراوغة� ،سواء
(فرويد) �إل��ى �سبر العالم الباطني للإن�سان، بالهروب �إلى �إيديولوجيا التطرف� ،أو التفنن
وا���س��ت��ن��ط��اق ال�لا���ش��ع��ور بالك�شف ع��ن تلك بو�سائل قهر الطبيعة ،برغم مقولة �سقراط
تناول م�سيرة التراكمات التي يطمرها كل واح��د منا في (من يعرف الحب يعرف الحقيقة) .ولعل غابة
الإن�سان و�س�ؤاله �أعماقه ،خوف ًا �أو خج ًال ،لتن�سرب من بين الأ�سئلة التي تواجه الإن�سان لفهم ذاته وفهم
�شفتيه قطرة قطرة في جل�سات العالج النف�سي، ما حوله ،هي التي دفعت الفيل�سوف الوجودي
الأزلي وطموحه في لأن الإن�سان هو الكائن الوحيد الذي ي�صاب كيركجارد� ،أن يقول (�إن الحياة حفلة تنكرية).
االرتقاء بمر�ض نف�سي .ومن هنا �أبدع (فرويد) كتابه وتجدر الإ�شارة هنا �إلى م�سرح (النو) الياباني
(تف�سير الأح�لام) .ويركز الباحث على �أهمية الذي ي�ستخدم القناع ،ومن الغريب �أن الوجه
اللعب ،وحتى خوف الإن�سان من الحرية يدفعه والقناع مع ًا لهما �شكل هيروغليفي واحد في
�إلى اللعب ،مبين ًا �أن اللعبة فن ،كما �أنها حيلة اللغة اليابانية.
دفاعية� ،إذ يقول فرانز ليز( :الفنون �أ�سلم و�سيلة �إن ���س��ؤال ال��وج��ود (م��ن �أن���ا؟) ،هو القلق
للهروب من العالم ،و�أ�سلم و�سيلة لاللتحام به). الرهيب الدائم� ،سواء الأنا الفردية �أو الجماعية،
ونمر بع�صر التنوير والثورة ال�صناعية و�سواء في نظرة الإن�سان الداخلية الموجهة �إلى
ومحاولة قهر الطبيعة� ،إلى جانب ردة الفعل ذات��ه� ،أو نظرته الكونية �إلى كل ما يحيط به
الرومان�سية ،التي انتقدت التنوير ،لأنه تجاهل من �أر�ض و�سماء .وظل التناق�ض بين الآخذين
اختراع اللعبة معادل الم�شاعر والعواطف .لكن ال�صوفية الهندية، بفكرة الخلق وال��م��أخ��وذي��ن بفكرة التطور.
ت�ؤكد �أهمية �أن نرى ال�شجرة في نواة البذرة، وت��زداد رهبة القارئ كلما تقدم في ارتياد
مو�ضوعي لما يحدث
ون��رى النار داخ��ل حجر ال�صوان ،كما ت�ؤكد ه��ذه الأر� ��ض البكر ،المحفوفة بالمنزلقات
وراء العقل الواقعي البوذية ،في معظم بلدان جنوبي �شرق �آ�سيا، والألغام ،و�إن زودنا الكاتب ب�إ�ضاءات مقتب�سة
فكرة الخواء التي تبعد الإن�سان عن فاعليته في من ع�شرات الفال�سفة في الغرب ،ف�ض ًال عما
الحياة ،ويتغلب الهروب والجانب ال�سلبي على يقابلهم من �أعالم ال�صوفية في ال�شرق ،لكنها
الت�صدي لال�ستالب ومقاومته. لي�ست �إ�ضاءات جلية مطمئنة� ،إنما نجد فيها
ويقول �أبوالري�ش عن الجمال( :في داخل كثيراً من االختالف والجدال بين �أعالمها.
كل منا كائن جمالي ،ويختبئ في داخله ح�س وي��وم لج�أ الإن�����س��ان �إل��ى اللعب ،ل��م يقت�صر
جمالي) .والحكمة ال�شرقية تقول( :عندما تفهم انغما�سه في اللعب على الت�سلية وح�سب ،برغم
ال�شيء تدركه ،وعندما تدركه تحبه ،وعندما �أهمية الت�سلية والترويح عن النف�س ،و�إنما ليدير
تحبه تكونان� ،أنت وهو ،في الوجود واحداً) .لكن �ش�ؤون واقعه ولو ب�أمان ن�سبي ،دون �أن يتخلى
يزودنا ب�إ�ضاءات الإن�سان منذ الطفولة مثقل بركام من الأفكار عن الحلم ،و�إن كانت الأحالم لعبة ال �شعورية.
والقيم ،ومعظمها �أ�شبه بالنفايات التاريخية. وتظل (الأنا) م�شطورة بين ما حولها من ظواهر
مقتب�سة من ويخ�ص�ص الكاتب ف�ص ًال كام ًال عن الألعاب وم��ا يكمن في باطنها ،من عوالم وخبرات
الفال�سفة والمفكرين ال�شعبية في الإمارات ،وي�ستعر�ض العديد منها، و�أحداث ورغبات مكبوتة ،بفعل التربية البيتية
الم�أخوذين بفكرة مبين ًا �أن اللعبة ال�شعبية لغة القلب ،ولي�ست لغة ال�صارمة والمحيط االجتماعي القاهر.
العقل ،وهي مرتبطة بالحب وتخفيف القلق وانطالق ًا من �صرخة (م��ن �أن��ا؟) ت�شكلت
التطور الداخلي .ويو�ضح �أن (الخيال الفردي لعب اللغة ،وكانت درجة ارتفاع ال�صوت دلي ًال على
دوراً جوهري ًا في االرت��ق��اء ب��ال��ذات ،وكانت ال�سيطرة والتحكم بال�ضعفاء الم�ستلبين .ويلج�أ
اللعبة ال�شعبية �صورة من �صور تجاوز الراهن، الإن�سان �إل��ى ه��ذه اللعبة اال�ستعرا�ضية في
للمرور �إلى م�ستقبل يراه الفرد �أكثر �إبهاراً من جل�سات الزار وال�شامانية ،التي توهم الب�سطاء
الحا�ضر) .والكتاب جدير ب�أن تعتمده كليات بات�صالها بقوى خفية ما ورائية .وي�ستعر�ض
العلوم الإن�سانية ف��ي الجامعات العربية، �أبوالري�ش ،ق�صة الراعي البارع وكيف يتحكم
حلقات بحث لطلبة الدرا�سات العليا. بالقطيع من خالل ال�صوت ،ومن ثم ت�أثيره في
عمر �أبوري�شة..
�شاعر الجمال و�سفير الكلمة
و(باء) في ( )8مجلدات ،والمتوقع �أن ي�صل عدد -لدينا هذه ال�سنة م�شاريع ن�سميها م�شاريع
مجلدات المعجم التاريخي �إلى ( )61مجلداً. القرن ،منها (المعجم التاريخي للغة العربية)،
واللغة العربية �أكثر لغات العالم ثراء بالألفاظ، وال��ج��زائ��ر �أ�سهمت فيه م��ع ات��ح��اد المجامع
يبلغ ر�صيدها ( )12332912لفظ ًا .احتفينا اللغوية ومع مجمع اللغة العربية بال�شارقة،
في ال ��دورة ( )39لمعر�ض ال�شارقة الدولي ولدينا م�شروع �آخر حول (الطوبونيميا) ،علم
قامت ال�شارقة للكتاب ب�صدور ثمانية �أج ��زاء منه ،وك��ان م�سميات الأماكن ،و�أي�ض ًا م�شروع (معجم �ألفاظ
بتمويل الم�شروع الحدث الثقافي الأبرز في المعر�ض. الحياة العامة) ،هذه تدخل في �إطار الم�شاريع
النه�ضوي للغة الكبرى ،وهناك م�شاريع عادية �سنوية مثل
العربية وم�صر ¯ ما الم�ساحة الزمنية التي يغطيها الت�أريخ (المجلة ،والملتقيات ،والأيام الدرا�سية).
لهذا المعجم؟
بالمراقبة اللغوية -الم�ساحة الزمنية ( )21قرن ًا تبد�أ من ¯ متى بد�أ التفكير بت�أليف معجم تاريخي للغة
والجزائر بالذكاء ع�صر ال�ساميات �إل��ى ع��ام ( .)2026لدينا العربية؟
ال�صناعي خم�سة ع�صور؛ الع�صر الجاهلي (� )150سنة -ت��ع��ود ف��ك��رة المعجم التاريخي للغة
قبل الإ�سالم ،الع�صر الأموي من الإ�سالم �إلى العربية �إل��ى عام ( ،)1936وع��رف الم�شروع
(132هجري750 /م) ،الع�صر العبا�سي من تعثراً لعقود .في ع��ام ( )2004ق��ام اتحاد
(132هـ750 /م232 -هـ847/م) ،ثم ندخل المجامع اللغوية ب�إحيائه ،ومحاولة �أخرى في
في ع�صر الدويالت �إلى الع�صر الحا�ضر ،وهو عام ( ،)2009ثم توقف حتى عام (،)2016
من عام (� )1900إلى اليوم .ينتهي هذا العمل حيث التقت م�ؤ�س�سات اتحاد المجامع اللغوية
كله عام (.)2026 في القاهرة ،ومجمع اللغة العربية في ال�شارقة،
والمجل�س الأعلى للغة العربية بالجزائر ،وبعثنا
الم�ساحة الزمنية ¯ لماذا اللغة العربية ،رغم ثرائها بالألفاظ، هذا الم�شروع من جديد.
للمعجم ( )21قرن ًا لي�ست في �صدارة اللغات العالمية؟
تبد�أ بع�صر ال�ساميات -كانت اللغة العربية في �صدارة اللغات، ¯ ما دور �إم��ارة ال�شارقة في �إنجاز المعجم
�إلى العام ()2026 والق�ضية ظرفية تعود �إلى مجموعة عوامل، التاريخي للغة العربية؟ وكيف تم توزيع
منها اال�ستعمار ،و�إلى �أن �أهلها �أخذتهم بهرجة العمل والت�سيير؟
اللغات الأجنبية ،ثم في �أ�شياء داخلية في ذات -قامت ال�شارقة ،م�شكورة ،بتمويل هذا
تترق
اللغة ،تتعلق بالجوانب التقنية لأنها لم َّ الم�شروع النه�ضوي للغة العربية ،بينما دور
تقني ًا ،ولهذا لي�ست في ال�صدارة ،ولكن ال نقول م�صر المراقبة اللغوية ،ونحن عملنا الذكاء
عاجزة كما يحلو للبع�ض و�صفها ،بل لها ال�صناعي .وقد توزع العمل على ع�شر م�ؤ�س�سات
مكانتها. عربية؛ الأردن والجزائر وال�����س��ودان وليبيا
وتون�س وال�شارقة وال��ع��راق و�سوريا وم�صر
وموريتانيا ..وزعنا الجذور فيما بيننا ،وجذور
اللغة العربية ( )16800ج��ذر ،في كل دولة
لجنة وطنية ،في الجزائر لجنة وطنية مكونة
من ( )42ع�ضواً ،كل واح��د نعطي له �أربعة
جذور في البداية ،وعندما ينهي عمله ن�ضيف
�إليه �أربعة جذور �أخرى ،وهكذا ..وهناك لجنة
ت�صحيح ،وعدد العاملين على م�ستوى الوطن
العربي ( )300باحث ،الجزائر رقم واحد ،ت�أتي
بعدها م�صر.
ويتولى مجمع اللغة العربية في ال�شارقة
�إدارة لجنته التنفيذية برئا�سة �صاحب ال�سمو
ال�شيخ الدكتور �سلطان بن محمد القا�سمي
ع�ضو المجل�س الأعلى ،حاكم ال�شارقة .انتهينا
في عام ( )2020من الت�أريخ لحرفي (�ألف)
جانب من معر�ض الكتاب الوطني
¯ هل للمعجم التاريخي للغة العربية ت�أثير ¯ �ألي�س لمجامع اللغة العربية دور في تطوير
في ترقية اللغة العربية؟ لغة ال�ضاد وفق معطيات الع�صر العلمية؟
-للتو�ضيح؛ المعجم التاريخي للغة العربية -طبع ًا ،دور مجامع اللغة العربية ممكن،
�أو ًال :هو مدونة لغوية لكل الأثر المنتوج منذ ولكن �أعمالها الآن تعي�ش بع�ض التراجع في
ع�صر ال�ساميات �إلى الآن للغة العربية .ثاني ًا: م�س�ألة ترقية اللغة العربية ،م��ازال البع�ض
المعجم التاريخي هو الذي يحل م�شاكل تعليمية اللغة العربية. منها ما�ضوي التفكير ،والبع�ض الآخر ورقي ًا،
للغة العربية مدونة ثالث ًا :هو ال��ذي يق�ضي على م�شكلة فو�ضى وبع�ض منها افترا�ضي ًا لي�س �إال ،ه��ل كل
لغوية لكل الأثر الم�صطلح .رابع ًا :هو الذي يعطي لنا الت�صور المجامع ت�شتغل؟ هذه هي الم�شكلة.
الذهني لتطور اللغة العربية عبر الع�صور. اليون�سكو طرحت هذه ال�سنة (� )2021شعاراً
المنتوج عبر مراحله خام�س ًا :كيف تطورت ثم يعيد اللغة العربية �إلى جيداً رحبنا به (مجامع اللغة العربية� :ضرور ٌة
التاريخية �أ�صولها� .ساد�س ًا :يحميها من االندثار .بهذه �أم ترف؟) ،يعني غمزت من قناة �أخرى؛ ما دور
العوامل ال�ستة ال تندثر العربية ،لأن اللغة �إذا لم خم�سة ع�شر مجمع ًا عربي ًا لم تعمل على تطوير
يحمها المعجم التاريخي� ،سوف ت�صبح �شتات اللغة العربية؟ �شعار اليون�سكو جيد واحتفينا
لغات مثل الالتينية ،التي �أ�صبحت التينيات وقدمنا �أفكاراً حوله .نعم �س�ؤال مطروح: بهّ ،
و�أ�صبحت �ست لغات �أو �سبع لغات. لماذا مع هذه الم�ؤ�س�سات الموجودة التزال
اللغة العربية تعي�ش هذا التراجع؟ ال نقول �إنها
¯ كيف ترون مبادرة المعر�ض الوطني للكتاب متخلفة ،ال �أبداً ،اللغة العربية لي�ست كذلك ،ثم
في ظل جائحة فيرو�س كورونا؟ �إن المنتوج المادي ي�أتينا الآن من اللغات
-المبادرة ت�أتي في ظرف �صحي خا�ص، الأجنبية ،وي�أتي بت�سميات �أجنبية ،لكن الآن
ال بد من توظيف العام الما�ضي �ألغي معر�ض الجزائر الدولي توجد نظرة جديدة في البرمجة باللغة العربية،
التقنيات لالرتقاء للكتاب ب�سبب تف�شي فيرو�س كورونا الم�ستجد، الذكاء ال�صناعي موجود باللغة العربية ،تغلبنا
باللغة العربية واليوم ُن�شارك في المعر�ض الوطني للكتاب على الكثير من الأ�شياء ومازالت بع�ض الأ�شياء
وفق البروتوكول ال�صحي لوزارة ال�صحة .علينا تتعلق بعالمات الت�شكيل.
ك�سر حاجز الخوف من هذه الجائحة ،و�أذكر
هنا ما قامت به �إمارة ال�شارقة بتنظيم معر�ض ¯ �أال تعتقد �أن قلة الترجمة من لغات �أخرى
ال�شارقة الدولي للكتاب ،كانت �أول من ك�سر �أحد عوامل تقهقر اللغة العربية علميا؟
طوق جائحة كورونا ،فهي مبادرة �شجاعة -ال��ت��رج��م��ة ع��ام��ل م��ن ع��وام��ل تطوير
تح�سب لها ،وال �شك �أنها ت�شجع تنظيم معار�ض اللغة العربية ،لكن اللغة ال تترقى بالترجمة
دولية للكتاب في دول عربية �أخرى. وحدها ،ترقية اللغة نعم في البداية تكون
في الترجمة ،ولكن الإنجليزية مث ًال الآن رقم
واحد بين اللغات ،لماذا؟ هل معناها تترجم؟
�أبداً ،اللغة تترقى عندما يعود الم�ستعملون لها
�إلى الترجمة منها �إلى اللغات الأخرى ،وهكذا
ارتقت اللغة العربية في الما�ضي .العربية
ف��ي ال��ب��داي��ة منذ ت�أ�سي�س بيت الحكمة في
بغداد ،ترجمت من كل اللغات في الريا�ضيات
والجيولوجيا والجغرافيا والفل�سفة وغيرها،
ثم ارتقت و�أ�صبحت لغة عالمية عندما �أ�صبح
النا�س يعودون �إليها ويترجمون منها ،وارتقت
و�أ�صبحت لغة العولمة ..عرفت اللغة العربية
تطوراً حتى ع�صر الأندل�س ،كل العلوم كانت
باللغة العربية ،وك��ان��ت لغة العولمة مثل
الإنجليزية اليوم ،لماذا؟ لأن النا�س يعودون
�إليها ،الآن المحتوى الرقمي بما تنتجه اللغة
ولي�س بما تترجمه.
جناح الأطفال
�سكينة ف�ؤاد:
الق�صة لي�ست حكر ًا على الغرب
ممدوح عدوان
الأكثر مرح ًا وجدية
فرحان بلبل
المعبر الحقيقي عن الألم النف�سي العربي من ِّ َمن عرف ممدوح عدوان– رحمه اللـه–
النك�سة التي جاءت �صاعقة ،فجاء ال�شعر فيها كان يعجب من �أمور فيه ،ف�ضحكته المجلجلة
�صاعق ًا ،وكان ممدوح في هذه المرحلة من كانت تنبئ عن وج��وده في �أي مكان توجد
�أكثر ال�شعراء ق�سوة وعنف ًا في الحديث عن فيه ،وم�سارعته �إل��ى النكتة البريئة التي
النك�سة وم�سببيها ،فكانت �صاالت المراكز تدعوك �إل��ى ال�ضحك كانت ت�شد �أ�صدقاءه
الثقافية تمتلئ بالح�ضور في تجاوب هائل �إل��ي��ه ،وتلبيته لكل م��ن يطلب منه حاج ًة
مع �شعره ،ولعب �إلقا�ؤه الجميل دوراً مهم ًا في م�شهور ٌة بين من يعرفه ،وكان يحب ال�سهر
تعزيز معانيه وغر�سها في النفو�س والعقول، مع الأ�صدقاء في �سمر قد يمتد �إلى �ساعات
و�أنا �شاهد على ت�أثيره ال�صاعق هذا. ال�صباح الأولى ،لكن ما ال يعرفه الكثيرون،
ويبدو �أن ال�شعر وحده لم يكن قادراً على �أن هذا الرجل المرح من �أكثر الرجال جِ ِّدي ًة
�أن ي�ستوعب غ�ضبه و�ألمه من النك�سة ،فالتفت في عمله ،ف�أنجز في حياته �شعراً وم�سرح ًا
�ضحكته المجلجلة منذ ع��ام (� )1970إل��ى الم�سرح مع ال�شعر، وترجمات وف��ي��رة ،وع ��دداً م��ن الم�سل�سالت
كانت تنبئ عن وكانت (محاكمة الرجل ال��ذي لم يحارب) التلفزيونية ،فلما مر�ض مر�ضه الخطير غاب
وجوده في المكان �أول م�سرحية كتبها ،ثم �أتبعها بم�سرحية في العالج ،ثم �إذا بي �أ�سمع �ضحكته ال�صاخبة
(كيف تركت ال�سيف) ،ثم تتالت م�سرحياته في �أبهاء المعهد العالي للفنون الم�سرحية،
فيما بعد حتى وفاته ،وكان م�سرحه نموذج ًا وكنا �أ�ساتذة فيه ،ف�أ�سرعت �إليه ،والتقينا
كام ًال عن (الم�سرح ال�سيا�سي) الذي �شاع في ك�أنه لم يمر�ض وك�أنني لم �أ�سمع بمر�ضه،
�أول �سبعينيات القرن الع�شرين وا�ستمر فيه وعندما �أقيم حفل تكريمه في المركز الثقافي
في جميع ما كتبه ،ودليل ذلك �أن مو�ضوع في م�صياف ،كنت واحداً من المتكلمين عنه،
الندوة الفكرية في الدورة الثالثة �أو الرابعة تبادلنا الغمزات واالبت�سامات ،وبعد �أ�سبوع
لمهرجان دم�شق الم�سرحي ،كانت عن (م�سرح قيل :مات ممدوح عدوان.
الطليعة) ،لكن ال�ضيوف العرب رف�ضوا هذا و�إذا كان قد بد�أ حياته الأدبية بمحاولة
المو�ضوع مع �أنهم كانوا قد كتبوا �أبحاثهم م�سرحية �شعرية في (المخا�ض) ،ف�إن نك�سة
فيه ،وطلبوا �أن يكون (الم�سرح ال�سيا�سي) حزيران ع��ام ( )1967جعلته يكتب ال�شعر
مو�ضوع ًا ل��ل��ن��دوة ،وك��ان ذل��ك ،وك��ان ذلك فقط ،ي�صول فيه ويجول غا�ضب ًا متمرداً �ش�أنه
�أي�ض ًا دلي ًال على �أن الم�سرح العربي في ذلك �ش�أن �أقرانه من ال�شعراء ال�سوريين والعرب.
العقد الفريد من القرن الع�شرين كان غارق ًا و�شعر هذه المرحلة عند ممدوح وغيره ،كان
من هرمية الحكم� ،صحيح �أن عدداً كبيراً من في ال�سيا�سة �إل��ى �أذن��ي��ه ،وم��ع �أن الم�سرح
الم�سرحيات ،تاريخية ت�ضيع �صراحتها �ضمن ال�سيا�سي بزخمه الذي كان له قد تراجع بعد
�سل�سلة من الت�أويالت حتى تتطابق مفرداتها عدة �سنوات ،ف�إن ممدوح عدوان ظل متعلق ًا
مع مفردات الواقع� ،أما هذه الم�سرحية؛ فذات به حتى نهاية حياته.
كتب ال�شعر بعد حدث واقعي ا�ستمد �أحداثه من وقائع حياتية وال �أع���رف ك��ات��ب� ًا ع��رب��ي� ًا ق ��ارع ب��ج��ر�أة
نك�سة (� )١٩٦٧صائ ً
ال هي ذاتها التي تجري في ال�سراديب ..ومع �أن وق�سوة ودخل في تفا�صيل الإج��راءات التي
جائ ً الكاتب جعلها ت�سبح في العمومية ،فلم يحدد ت�ؤدي �إلى اال�ضطهاد والتجويع والإفقار كما
ال متمرداً �ش�أنه بلداً ولم يحدد عدواً ،ف�إن هذه العمومية ت�ضع فعل ممدوح عدوان.
�ش�أن �أقرانه الجميع في قف�ص الو�صف والتحليل. وق���د ك��ت��ب ج��م��ي��ع �أن�����واع الم�سرحية:
وب��ع��دم��ا خ��ا���ض م��م��دوح ف��ي ال�����ش ��أن من المونودراما ذات الممثل ال��واح��د� ،إلى
الفل�سطيني والأنظمة موزع ًا غ�ضبه على من الم�سرحية ذات الح�شود ال�ضخمة .وا�ستفاد من
ي�ستحق ،التفت �إلى الواقع االجتماعي ،وكما التاريخ العربي ومن التراث الأجنبي ،ومن
ك��ان جريئ ًا ف��ي ت�صوير واق��ع الأم ��ة ،كان �أح��داث الواقع وا�صطناع واقع متخيل ،وقد
جريئ ًا في ت�صويره للواقع االجتماعي بما ي�صب غ�ضبه َّ نوع في م�صادره و�أ�ساليبه لكي َّ
فيه من فقر وف�ساد ،وقد تناول هذا المو�ضوع الذي لم يفتر �أو ي�ضعف ،ومع �أنه ترك مو�ضوع
في م�سرحياته (حكايات الملوك) و(الخدامة) النك�سة في م�سرحياته التي تلت (كيف تركت
و(الزبال) و(�أكلة لحوم الب�شر). ال�سيف) ،ف�إنه ال تكاد م�سرحية له تخلو من
�أول م�سرحية كتبها وعندما كتب (كيف تركت ال�سيف) و(ليل الإ�شارة �إليها ،وال تكاد هذه الإ�شارة تخلو من
كانت (محكمة العبيد) كان يق�صد �إلى ما يق�صده الك ّتاب �ألم يوجعه ويوجع المهزومين ،فك�أنها الجرح
الرجل الذي لم ال��ع��رب منذ ب��داي��ة ن�ش�أة الم�سرح العربي الذي لم يندمل عنده �أبداً.
يحارب) �أتبعها �إلى اليوم حينما ي�ستمدون مو�ضوعهم من و�إذا كانت النك�سة هي التي �أعادت ممدوح
التراث �أو التاريخ ،وهذا الق�صد كان من�صب ًا عدوان �إلى الم�سرح؛ فمن الطبيعي �أن يلتفت
بم�سرحية (كيف
في نقطة واح��دة هي جعل التاريخ �أمثولة �إلى ق�ضية فل�سطين التي هي مدار الحرب ،وقد
تركت ال�سيف) للحا�ضر ،وكانت هذه العودة مقت�صرة على تناول هذا المو�ضوع في م�سرحيتين( ،لو كنت
�أمر واحد هو التحري�ض على اليقظة القومية فل�سطيني ًا) ،و(القيامة).
ومقارعة الم�ستعمر الأجنبي ،ثم تحولت �إلى وجرته فل�سطين والخراب الداخلي �إلى
معالجة ق�ضايا المجتمع ،وبذلك لم يق�صد ت�صوير الواقع ال��ذي �أدى �إل��ى هذا الخراب،
الك ّتاب الم�سرحيون العرب �إلى �إعادة النظر فر�صد هذا الواقع في �أرب��ع م�سرحيات هي:
ف��ي �أح ��داث ال��ت��اري��خ ،وم��م��دوح ف��ي هاتين (هملت ي�ستيقظ مت�أخراً) و(زي ��ارة الملكة)
الم�سرحيتين ك��ان يق�صد الق�صد نف�سه، و(الوحو�ش ال تغني) و(القب�ض على طريف
لكنه ر�أى �أن طريق الو�صول �إلى المعا�صرة الحادي).
تم�سك بق�ضية تكون في �إعادة كتابة التاريخ نف�سه ،و�إذا في هذه الم�سرحيات الأربع تتجلى �أبلغ
ب��ه ينت�صر لفئة م��ن الم�ؤرخين وي�ستنكر مظاهر الم�سرح الواقعي عنده ،وه��و فيها
فل�سطين ونجح فئة ،وهو لم يق�صد من ذلك �أن ينت�صر لر�أي ال يتحدث ع��ن �أ���ش��ك��ال الحكم وخ�صائ�ص
في ت�صوير الواقع مذهبي �أو �سيا�سي قديم ،بل كان يريد �أن الحكومات ،بل ير�صد الأفعال و�أثر ذلك في
العربي الأليم يجرح كل انتماء ،و�أن يف�ضح �أخطار التفاوت الرعية ،وفي هذا الق�سم تبلغ جر�أته وو�ضوحه
الطبقي في تعنيف وت�شهير يدالن على مدى ذروت��ه��م��ا ،فيك�شف �أم��ام��ك ال��واق��ع ع��اري� ًا
�ألمه من من الفقر والجوع. مف�ضوح ًا .
رحم اللـه �صديق العمر ممدوح ع��دوان، وم�سرحية (زي��ارة الملكة) ،تكاد تكون
فقد كان �شهاب ًا المع ًا في ال�شعر والم�سرح. الوحيدة بين الم�سرحيات العربية التي اقتربت
محمد الطوبي..
ال�شاعر المتفرد المن�سي
لقد َت َم َّكن الراحل عنا ُم َب ِّكراً (-1955 ُي��� َ��ش��كِّ��ل ���ص��وت ال�����ش��اع��ر ال��م��غ��رب��ي م��ح��م��د ال��ط��وب��ي
)2004ابن مدينة القنيطرة التي �أنجبت
الأدب��اء والق�صا�صين والنقاد ،من �أمثال
وح�����ده ات���ج���اه��� ًا ���ش��ع��ري�� ًا ا���س��ت��ث��ن��ائ��ي��اً ،ف���ي ���ص��دى
محمد زف�����زاف ،و�إب��راه��ي��م ال�����س��والم��ي، الق�صيدة العربية المعا�صرة ،نظر ًا لعزفه المنفرد
والعربي بن جلون ،وعبدالرحيم م��ودن، المتميز بالتراكم ال�شعري الملحوظ ،ال��ذي يناهز
و�إدري�س ال�صغير ،ومحمد �سعيد �سو�سان، �سبعة ع�����ش��ر دي���وان��� ًا ن��ذك��ر م��ن��ه��ا (���س��ي��دة التطريز
والم�صطفى كليتي ،م��ن ف��ر���ض �صوته د .يحيى عمارة
بالياقوت� ،صعود ًا �أن��ادي��ك �سهواً� ،صبوات المجنون،
ال�شعري في الم�شهد الإبداعي العربي ،حيث
ن�شر في عدة مجالت عربية ذائعة ال�صيت،
تجربة الإك��ل��ي��ل ف��ي كمنجات ال��خ��ري��ف) ،ول��وف��ائ��ه الجمالي الملتزم
بمكونات ال�شعر ال��ح��ر ال��م��وزون ببنيات �شكلية وجمالية مختلفة .م��ن �أم��ث��ال الآداب ،وم��واق��ف ،والكرمل،
و�آفاق ،و�إبداع الم�صرية؛ و�شارك في �أعظم
المهرجانات ال�شعرية العربية ،على الرغم
من عدم االلتفات �إلى تجربته في مجموعة
م��ن ال��درا���س��ات والأب��ح��اث ،التي ناق�شت
خ�صائ�ص جيله� ،إما �إغفا ًال مق�صوداً ب�سبب
حبه للحياة الم�شاك�سة التي تحيا جنون
الإب��داع في كل تفا�صيل الحياة اليومية،
كما هو م�شهور لدى عظماء الإبداع والفن،
و�إم��ا وجود �صعوبة في ا�ستيعاب مفهوم
ال�شعر لدى �شاعرنا نتيجة اكتفائه طوال
حياته ب�إبداع الق�صيدة ،دون الحديث عن
تحديد مرجعياته المعرفية والمفاهيمية
والجمالية التي كانت وراء كتابته للق�صيدة
بالطريقة التي ك��ان يريد �أن تولد بها.
فمن نوادر محمد الطوبي� ،أنه لم يكن
متهافت ًا على التوا�صل مع القارئ العربي،
�إال عبر الكتابة ال�شعرية المتدفقة ،ثم كذلك
ع��دم االلتفات �إل��ى �شخ�صيته الإبداعية،
من ل��دن المهتمين بالتجارب ال�شعرية.
فالمتفق عليه في الم�شهد النقدي ال�شعري
العربي عامة والمغربي خا�صة �أن تجربة
ال�شاعر الإبداعية ،لم تنل ما ت�ستحقه من
عناية واهتمام ،على الرغم من المرتبة
العالية والمكانة المتميزة ،التي تحتلها
ن�صو�ص تجربته على الم�ستويين التراكمي
والجوهري .في هذا ال�سياق ،ن�شير �إلى �أن
�أعماله ال�شعرية من�شورة في �ستة �أج��زاء،
ق�صيدته ترتكز
على �إ�شكالية الذات
في عالقتها بالوطن
والمر�أة واالغتراب
فرويد..
وثقافة االختالف
�شعيب ملحم
واتهمهما بالخيانة ،منتقداً توجهاتهما اتجهت �أبحاثه حول هذا المر�ض ،و�أي�ض ًا قليلون ه��م العلماء ال��ذي��ن يثيرون
الجديدة في التحليل النف�سي ،وي�ستدل من �شلل العمود الفقري والنخاع ال�شوكي ب�آرائهم وا�ستنتاجاتهم الجريئة ،عا�صفة
�آرائ��ه في الكتاب ،مدى �سخطه وانتقاده لدى الأطفال ،و�أدى به ذلك �إلى التدقيق من الأ�سئلة الم�ؤيدة والمعار�ضة لهم،
الحاد وال�ل�اذع ،لمن خ��رج من عباءته، في نتائج تجارب البروفي�سور (بروير) وم��ن ه���ؤالء بالت�أكيد �سيجموند فرويد
وهذا ما يو�ضحه (�أري��ك فروم) في مقال لمعالجة اله�ستيريا عن طريق التنويم (1939 -1856م) ،ال��ذي يعتبر الأب
بعنوان (نزعة الت�سلط لدى فرويد) ،ومنها المغناطي�سي� ،أي ا���س��ت��ع��ادة المري�ض الحقيقي ،والم�ؤ�س�س لعلم التحليل النف�سي
�أن فرويد لم يتقبل �إطالق ًا �أية اقتراحات وتعرفّ لما�ضيه ،بعدها �سافر �إلى باري�س، الحديث ،والذي التزال �أبحاثه وكتاباته
مهمة للتغيير في جهده النظري ،ف�إما �أن �إلى البروفي�سور (�شاركو) ،وا�ستفاد من كل حتى الآن مثار جدل دائم بين الباحثين
يكون الإن�سان محب ًا تمام ًا لنظريته ،وهذا ه�ؤالء بنقلته الثورية في معالجة الأمرا�ض واالخت�صا�صيين ،وبرغم هذا الجدل ،ف�إنه
يعني المحبة له هو� ،أو �أن يكون �ضده، النف�سية ،من التنويم المغناطي�سي� ،إلى ما ال �أحد من معار�ضيه ي�شكك في كل نتائج
وي�ست�شهد (ف��روم) بكاتب �سيرته ,الذي �أ�سماه بـ(الم�شاركة الحرة) ،وفي �أثنائها �أبحاثه ،وال في ريادته ،وحتى لأبوته لهذا
يقول (لقد عرفت �أن الم�س�ألة كانت �صعبة كتب نظريته في كتاب (تف�سير الأحالم). النهج الجديد في ميدان التحليل النف�سي،
بالن�سبة له �أن يتمثل �آراء الآخرين ،بعد �أن ل��م تكن �أب��ح��اث��ه تثير االه��ت��م��ام في و�إن اختلفوا معه في ق�ضايا كثيرة.
يكون قد ا�ستخل�ص �آراءه من تجاربه.).. البداية ،وكان بعد �أكثر من ع�شر �سنوات ولد في فرايبورغ في ت�شيكيا حالي ًا،
ال �شك �أن ب�صمة فرويد التزال بارزة وب��ال��ت��ح��دي��د ف��ي ع��ام (1908م) ،ظهر ولكنه ومنذ الرابعة من عمره ،ارتحل مع
وم�ؤثرة في عالم التحليل النف�سي� ،سواء ع��دد م��ن الأط��ب��اء ال�شباب ،ف��ي �أوروب ��ا، �أهله �إلى فيينا ،وفي �أثناء درا�سته الأولى،
في ما �أ�صاب فيه� ،أو �أخط�أ ،و�أي�ض ًا مع يلتفون حوله ،وي�ستخدمون تقنياته في كتب في مذكراته التي ترجمها مجاهد
م ��ؤي��دي��ه �أو م��ع��ار���ض��ي��ه ،ف��ال��ب��اح��ث في الطب النف�سي ومن �أ�شهرهم �ألفريد �أدلر �سيد مجاهد� ،أن��ه (�إث ��ر ق��راءت��ي لمقالة
علوم ال�سلوكيات� ،أو علم النف�س ،والعلوم وف��رن��زي ،و�أرن�ست جونز ،وك��ارل يونغ ج��وت��ه ال��رائ��ع��ة ع��ن الطبيعة ،ق ��ررت �أن
الإن�سانية ب�شكل ع��ام ،يرى �أن��ه ال توجد وغيرهم ،وعقد �أول م�ؤتمر علمي للتحليل �أتحول �إلى درا�سة الطب) ،ولم يكن قد �أتم
فيها معادالت علمية دقيقة كالفيزياء النف�سي ف��ي م��دي��ن��ة ���س��ال��زب��ورغ ،وزار ال�سابعة ع�شرة ،تفوق في التعليم وتخرج
والريا�ضيات و�أمثالها ،لهذا ف�إنها عر�ضة الواليات المتحدة و�ألقى في جامعاتها في الجامعة ،و�أج��رى �أبحاث ًا في درا�سة
للنق�ص والإ�ضافة ،والجتهادات متباينة، خم�س م��ح��ا���ض��رات ،قوبلت ب�إيجابية، الجهاز الع�صبي ل��دى �سمكة ،وم��ن ثم
ولكنها ت�ضيف �إلى الإن�سانية ف�ضاء رحب ًا ما دفعه �إلى ت�أ�سي�س الجمعية العالمية
للبحث والتدقيق واالجتهاد ،وهذا ما فعله للتحليل النف�سي ،لكن بعد فترة ،اختلف
فرويد الذي �أجبره االحتالل النازي للنم�سا معه �أغلبية رف��اق��ه ،ويتبين من كتابه التزال �أبحاثه وكتاباته
على الرحيل منها ،بعد حرق كتبه ودفع (م�ساهمة ف��ي ت��اري��خ ح��رك��ة التحليل حتى الآن تثير جد ً
ال
فدية كبيرة ،وا�ستقر مع ابنته (�آن) ،التي النف�سي) الذي ترجمه جورج طرابي�شي،
�سلكت طريقه في الطب ،وتوفي ودفن في كم ك��ان م�ستاء من ه���ؤالء ،وهاجم في
دائم ًا بين الباحثين
حي هامب�ستيد اللندني. الكتاب ك ًال من (�أدل��ر) ،و(يونغ) بق�سوة واالخت�صا�صيين
الكمامة..
بين الأنف والفن
من�صف المزغ ّني
«الكمامة والحيوان» ال��م��ت��ن� ّ�ب��ي ف��ي ع�����ص��ر (ك��وف��ي��د )19من «كمامة المتنبي»
ف ّكر االن�سان منذ قديم ال��زم��ان ،في المهوو�سين بحمل اللثام (ال ِكمامة) التي المتنبي �أ���ش��ه� ُ�ر من ّ الطيب
ل��ع� ّل �أب ��ا ّ
�صناعة الكمامة للحيوان؛ فقد ر�آها الف ّالح باتت م��أل��وف��ة ،ب��ل ومطلوبة ف��ي � ّأيامنا تحدث عن اللثام ال��ذي يلتفع به الفار�س ّ
�ضرورية للح�صان والجمل والثور والكلب للتجمع الب�شري،
ّ الوقائية هذه ،في � ّأي مكان في ال�صحراء ،اتقاء لفح الهاجرة ،فقبل
يهتم ب�شيء �آخ��ر غير الم�شي في
ّ حتى ال ولقد توافقت دول العالم على � ّأن الكمامة �أ ْز َي���د م��ن �أل��ف ع��ام ،ك��ان �شاعر العربية
االتجاه الذي يختاره مالك الحيوان. ت�صد هذه الجرثومة.(قد) ّ الف�صحى ي�سرج ح�صان الهروب من م�صر
�ضد
ولكن لثام المتنبي لم يحملها ّ وحاكمها كافور الإخ�شيدي ..فقد اعتزم
«كمامة ال�صحراء والفداء» جرثومة كوفيد ،ولكن �ضد رمل ال�صحراء، الهروب وال�سفر الطويل عبر الفالة ..ولأن
اعتادت قبائل (الطوارق) في �صحراء وتنكراً حتى يتفادى �شرطة كافور. يخب ب�صاحبه ّ ح�صان المتنبي �سوف
ال�شمال الإفريقي �أن يرتدوا اللثام ،تفادي ًا وال منا�ص من التعقيب على �أن ا�سم لا وراءه رم��ل ،فقد ممتدة رم� ً
ّ على �أر���ض
لذرات رمال ال�صحراء. ال�شاعر المتنبي كان كمامة تغطي ا�سمه ج��اء على خاطر ال�شاعر �أن ي�صف حاله
كما ك��ان الفدائي الفل�سطيني ي�ضع الحقيقي� :أحمد بن الح�سين بن الح�سن بن في هذه الرحلة ،وا�سته ّل ق�صيدته مخاطب ًا
اللثام ،من ب��اب التو ّقي ،حتى ال تعرف عبد ال�صمد الجعفي. الميمية الجميل ِة
ّ متخي ْلين) في هذه
ّ (رفيقين
ْ
هويته عند القيام ب�أعمال وطنية لتحرير ّ والأدب العربي ،كما باقي �آداب العالم، ومطلعها:
ُ الح ّمى)ُ (ق�صيدة با�سم المعروفة
الأر�ض. مغطى ب�أ�سماء و�ألقاب�ضم �أكثر من ا�سم ّ ّ َملو ُمكما يجلُّ عن المال ِم
ت�شبه الكمامة ،مثل (الخن�ساء ،والجاحظ، ووقع فعا ِله فوق الكال ِم ُ
«الكمامة والكلب» والمتنبي ،وابن المقفع ،والأخطل) والقائمة ذَراني والفال َة بال دليلٍ
وفي المجتمعات الأوروبية والأمريكية �أطول من م�ساحة المقال. والهجير بال لثا ِم َ ووجهي
َ
خا�صة( ،وغيرها من تلك التي تولي اهتمام ًا
وولع ًا بتربية الكالب والقطط) ،ف� ّإن الكمامة «الكمامة والوقاية» فهم البيت الثاني وق��د ال ي�ستطاب ُ
�صحة الحيوان من نهمه �ضرورية لحماية ّ ّ لم تكن الكمامة خا�صة ،في البداية، بمعزل عن المتنبي ،ودون ا�ستح�ضار روحه
الغريزي بك ّل ما يلقاه في الطريق وال�شارع. بالإن�سان� ،إال بالن�سبة �إلى بع�ض المهن التي ال�صماء
ّ المتحدية حتى للطبيعة ّ المعاندة
والكمامة تو�ضع على مخطم الكلب يتعر�ض فيها المهني للروائح غير المرغوبة، الخر�ساء العمياء ،فهو يريد �أن يحارب لفح
�درب المر ّتب ال�شبعان عندما يرافق ال��م� ّ مثل :عمال البلدية من جامعي القمامة، الجو
ّ الهاجرة ،ورمال ال�صحراء ،وح�شرات
�صاحبه للنزهة والتجوال في المدينة، والأطباء والممر�ضين الذين يقومون ب�إجراء ال�سامة دون لثام!ّ
يع�ض الكلب �أحدّ من باب االحتياط ،فقد عمليات جراحية تفادي ًا للعدوى والرائحة، المتنبي،
ّ الطيب أبي � روح عا�شرنا إذا � و
مدرب،المارين في ال�شارع ،بالرغم من �أنه ّ ّ بالتدخل لتفريق
ّ ومثل رجال الأمن المكلفين كما حملها �شعره الذاتي ،وا�ستح�ضرناها
بالع�ض والنه�ش
ّ �زي� ًا
لك ّنه م ��أم��ور غ��ري� ّ العام في
ّ ال�شارع �شمل المتظاهرين في للعي�ش ف��ي نهاية العقد الثاني وبداية
والنباح ،كما � ّأن �أ�صحاب الكالب عادة ،هم العالم الحديث ،دون ن�سيان رجال المطافئ العقد الثالث من القرن الحادي والع�شرين
وكلبي ًا) يعرفون �أن
ّ ومدني ًا
ّ (مثقفون بيئي ًا لإخماد الحرائق وتفادي دخ��ان النيران. ال��م��ي�لادي ،ف ��إن م��ن ال��م�� ّؤك��د �أن ال يكون
ويع�ض ،وينه�ش بال هاربين من الم�صحات والم�ست�شفيات ،وكاد ّ الكلب هو ابن كلب وكلبة،
بواجب يتداخل داخل ال�شارع بداخل الم�ست�شفى. ٍ ٍ
هدف �آخر غير الوفاء لمهنة والقيام
الع�ض والنباح. ّ �أ�صلي:
بالفن»
ّ «كمامة تتز ّين لمثل هذه الأ�سباب وغيرها ،باتت كمامة
�أل��ط��ف م��ا ف��ي ق�صة الكمامة ف��ي الزمن إلزامية،
كلب المدينة الحديثة واجبة ،بل و� ّ
نتخيل الكوفيدي؛ هو ت�ساوي النا�س في ك� ّل �شيء ّ وقانونية ،ح ّتى بات من الممكن �أن
بد�أت الكمامة مع الكلب في هذه المرحلة الكوفيدية قد يت�ساءل باللون الأزرق� ،أو الأبي�ض� ،أو الأ�سود ،وبدا هذا
يقلدني اللون باعث ًا على الملل ،وبد�أ االن�شقاق وانطلقت �سره :لماذا �صاحبي الإن�سان �صار ّ في ّ
انت�شار الجائحة حركة الع�صيان ،ال على الكمامة الواقية، في ارتداء الكمامة؟!
�أمراً وقائي ًا ب�ألوان الموحد ،وك��ان ال�س�ؤال :لماذا بل على اللون
ّ
وت�صميمات متنوعة الت�صحر الجمالي على م�ستوى المنظر ّ ه��ذا «كمامة �سارق النحل»
عندما يهجم العامل الفالحي على قفير الخارجي؟
وبد�أ ال�س�ؤال :هل الأزرق الفيروزي هو اللون النحل بهدف َجني الع�سل ،ف�� ّإن النحل يعتبر
ل�ص ًا يعتدي على خيرات الوطن الإلزامي الوحيد الفريد الأكيد الذي ال ي�صاحبه هذا العامل ّ
(الم ْنحلة) لذلك يت�سلح ه��ذا العامل باللثام �أو يناف�سه� ،أو يقا�سمه� ،أو يع ّكر �صفاءه لون �آخر َ
ال�شامل خوف ًا من لدغات جي�ش الدفاع في مناف�س في هذه الكمامة الكونية؟
البع�ض حاول الإجابة بالخروج عن النظام النحلي عند اقترابه من المنحلة ،فما ّ الوطن
الموحد،
ّ ال�سماوي
ّ يراه الإن�سان جني ًا للع�سل ،يراه النحل جناية( ،الكمامي) العالمي الأزرق
جمالي ،وهكذا �صارت ّ وذل��ك ب�إ�ضفاء بعد لذلك يدافع النحل عن الع�سل بالل�سع.
(الفن) و(مو�ضة الكمامة مو�ضوع ًا من موا�ضيع ّ
ات�سم الأدب العربي الفن و�صانعي ّ تجار
اللبا�س) ،و�صار على ّ «الكمامة في الزمن الكوفيدي»
ب�أ�سماء و�ألقاب مغطاة ب��د�أت الكمامة مع انت�شار الجائحة �أم��راً الكمامات �أن يدخلوا ال�سوق الرائجة ،ويطرحوا
ت�شبه الكمامة �سماوي ،رهيف� ،س�ؤا ًال يمكن و�ضعه في خانة (�ضرورة ّ
الفن). ّ وقائي ًا ،وظهرت في لون �أزرق
وردي ًا� ،أو �أ�سود،
ماذا لو �صار لون الكمامة ّ وي��وح��ي ه��ذا الأزرق بال�صحة وال�سالمة،
�صح ّية �أو �أحمر� ،أو �أبي�ض� ،أو �أ�صفر� ،أو �أزرق داكن ًا ،بدل
ّ م�صممة وف��ق معطيات ّ فالكمامة
ال�سماوي� ،أو البرتقالي؟ بل ما ال�ضير لو وجدت ّ ومن�سوجة من �أل��ي��اف مدرو�سة وف��ق قواعد
�أل��وان متما�شية مع باقي �أل��وان ب�شرة وجه و�صح ّية.
ّ مهنية
ّ
والكمامة الم�ستخدمة في �أيامنا هذه ،حامل الكمامة ،ومتنا�سقة مع �ألوان البدالت
خفيفة ،وغير مع ّقدة ،ويمكن لأفقر الفقراء �أن الرجالية والن�سائية وال�صبيانية ،ل�ضرب
ع�صفورين (الوقاية والجمال) بحجر واحد؟ ْ ي�صنعها بنف�سه ،فال م�شكل في �شكلها الب�سيط،
هكذا قفزت الكمامة من عالم ال�ضرورة �إلى وال �إبداع فيها ،وال تعقيد في ف�صالتها ،كما في
الفن.
عالم ّ خياطتها.
يت�سلح عامل خاليا «من كمامة دافن�شي �إلى بيكا�سو» «التبا�س النا�س في الم�ست�شفى وال�شارع»
الع�سل باللثام خوف ًا العاديين ،ال يرجون
ّ و�إذا كان عموم النا�س لقد �أ�صبحت (الكمامة ال�صحية) ذات اللون
من ل�سعات النحل غير النجاة ،بكمامة زرقاء �سادة� ،أو بي�ضاء� ،أو عامة �شاملة ،وال
ال�سماوي (�أو غيره) ّ
ّ الأزرق
�سوداء� ،أو �صفراء ،ف� ّإن عالم المو�ضة �آلى �إال �أن هدف لها �سوى �أن تكون مثل كمامة الطبيب
يدلي بدلوه �أو بكمامته ،حتى يتدخل في ال�سوق، الجراح� :آلة للتو ّقي من عدوى الجراثيم ،ولقد ّ
فتم ت�صميم كمامات خا�صة :عليها كلمات ّ بدت ال�شوارع في ج ّل العالم ،وك�أنها تظاهرة
�أو �شعارات� ،أو �أبيات �شعر ،كما �سعى البع�ض يقودها الأطباء والممر�ضون والممر�ضات..
�إلى تزيين الكمامة ب�إ�ضفاء بعد ت�شكيلي ،من وك���� ّأن ال��ف��رق ب��ات �ضئي ًال بين الم�ست�شفى
خالل تفا�صيل من �أعمال فنية عالمية ،مثل: وال�شارع .ولقد بدا هذا ال�شارع العالمي مجرد
لوحة الموناليزا لليوناردو دافين�شي� ،أو لوحة منظر �سوريالي في م�ست�شفى الالمعقول!
غورنيكا بيكا�سو. كما بدا جميع النا�س ،مثل �أطباء وممر�ضين
تبجح ،ب�شقيقي
ووطني ًة قومي ًة دون �ضجيج �أو ُّ �شقيقي الأكبر وهو يحملني فجراً و�أنا لم �أبلغ
�داء للأمة العربية ،بالمتنبي ومايا
الأكبر ف� ً الثالثة والن�صف �إلى ال ُك ّتاب وثالثة �أرباعي
�آنجلو �شعراً ،بكل الأطفال ،بكل المت�صوفين، نائمة ،لي�سلمني �إلى �شيخي ُم�ضغ ًة في رحم
بكل الذين ال يكتبون ِ�شعراً لكنهم َي�سرون �أورك�سترا ُتردد كالم ال�سماء ،وتالميذ يمي�سون
في عروقه على ر�أ���س كل لحظة في حياتهم جلو�س ًا وب�أيديهم لوح ممحاته طين وقلمه يراع
االعتيادية ،بوحدتي المقد�سة التي ناولتني ُمثخن ب�صمغ من ال�سحر المبين ،لم �أكن �أدرك
�أمي باعت حليها الكون في كا�سات ا�ستغراقاتي في ذاتي وبها حتى و�أن��ا من�ضمة �إلى تلك الفرقة ال�صوفية
ومعها. العفوية ما ك ّنا نردده ،بينما كانت روحي تعي
كي �أوا�صل و�إخوتي الم َلهمة بذلك التجاوب العذب ذبذبات عالقتها ُ
درا�ستنا مازلت تحلمين؟ �أم �صدمات الواقع �أثقلت ِ ال�شعر مد�سو�س ًا في كل زوايا ¯ هل مع ج�سدي .كان ّ
عرابات البيت جناحيك عن التحليق؟ ّ فيه، ترعرعت
ُ بيت العز ال��ذي
� -أح�لام��ي! �أح�لام��ي؟ ال �شك �أ ّنها �أجمل كنالمختلفات في لغاتهن وتقاليدهن ،وما ّ
وحكم عاليات الأخالق .كان و�أعلى مني بكثير ..بكثير. يرددنه من �أمثال ِ
المتقد بالهدوء ال�شعر �ضرب ًا من حقيقة خيالي ُ
تمي ٍز عالمي
ّ على ِ
ح�صلت �سنوات خم�س قبل ¯ هواء كانت التي والمو�سيقا العربية والعالمية
باختيارك �ضمن مئة �شاعر في �أنطولوجيا البيت.
�أول �شاعرة عربية ا�ستطعت تحقيق هذاِ ال�شعر العالمي ،كيف
¯ �إلى �أي ح�ضنٍ كانت ر�شيدة محمدي الطفل ُة الإنجاز؟
يتم اختيارها �ضمن
-الف�ضل يرجع لل�شاعر الإ�سباني الكبير �أقرب؟ الأم �أم الأب �أم المعلمة �أم الوطن؟
�أنطولوجيا ال�شعر علي �أن �أبرر المخ�ضرم خو�سيه لوي�س �آلباري�س ،وهو من -الأم ،الأم ،الأم ..و�إِن كان ّ
العالمي ِل َم؛ فلأ ّنها هي من دفعني �إلى اكت�شاف نف�سي ،جيل لوركا ،حين دعاني للم�شاركة في �أم�سية
و�س ّلمتني مبلغ ًا من المال وقالت لي( :هذا لي�س �شعرية بو�صفه مديراً لنادي ال�شاعر العمالق
الأول ولكنه الأخير ،طيري �إلى الخارج �إلى رفائيل �آلبيرتي ،بف�ضوله الأنيق قال خو�سيه
عالمك يا بِنتي �سلم ُتك بيد اهلل) .وكان الأمر ما لوي�س �ألباري�س وهو ُيمازحني( :ال بد � ّأن من
كان ،ومن يومها فهمت � ّأن �أية رحلة باتجاه يتك ّلم �ست لغات من �أ ّنه يكتب �شعراً مختلف ًا)،
�أجمل الجمال (الحرية والمعرفة) لن تتحقق �إ ّال م�ضيف ًا با�ستدراك لحوارنا( :لي�س في تاريخ
باال�ستقالل المادي للإن�سان ،وخا�صة عندما الإن�سانية ما ُيح�صى على عدد �أ�صابع اليد
يتع ّلق الأمر بالمال ،فكانت � ّأمي تبيع ُحليها
كي �أوا�صل �أنا و�إخوتي الأربعة درا�ستنا.
ر�شيدة محمدي
مررت بمخا�ضات ع�سيرة وتنقلت من بلد �إلى ِ ¯
¯ منذ �سنين و�أن��ت مغتربة ،ماذا �أ�ضاف لك ودر�ست فيبلد حتى ح�صلت على الدكتوراهّ ،
االغتراب وماذا �أعطاك؟ �أمريكا وحالي ًا في جامعات �إ�سبانيا� ،شي ٌء عن
-في كل البالد هناك رب وعباد ،ال�صفات كفاحك العلمي و�أنت مغتربة ووحيدة؟
التي كانت ت�ضايقني في البالد العربية هي -ي��م��ك��ن ت��ل��خ��ي�����ص ه���ذه ال��رح��ل��ة في
هند�ست بها عنا�صر نجاحي في
ُ نف�سها التي االن�ضباط في الوقت ،ال�صبر ،حبي وترحيبي
�داء من ان�ضباطي بالوقت� ،إلىال��غ��رب ،اب��ت� ً بالإن�سان دون التفكير في ِعرقه ،دينه ،لونه،
حقق ديوانها الأخير ابتعادي عن ال�سلبيين. �أو حتى توجهاته الفكرية ،لم �ألتقِ �أح��داً من
�أ�ساتذتي �أو طالبي �أو ال�ساهرين على نظافة
(�ضباب بلوري) تحرك فيك الأ�سماء الآتية( :الجزائر- مكتبي �إ ّال باعتبارهم قطعة من ال�سماء ت�ؤدي
¯ ماذا ِّ
�أعلى المبيعات بغداد -مدريد -لوركا -المتنبي -القد�س- مثلي دورها على هذه الب�سيطة� ،أتنازل ل�صغار
ككتاب �إلكتروني في بيروت -غرام�شي). النف�س .خالل كل هذه التنقالت حملت المعرفة
(�أمازون) -الجزائر :مقدمة لكل قوامي�س الج ّنة، �صديق ًة لي وط ّالبي رفاق ًا لي.
يجمعني بها الميالد ،و�أرب��ع نخالت في واد،
وعيبها ك�أجمل الأوطان �أ ّنها ال تعتذر لأبنائها (ر�ضاب بلّوري) �أعلى
ٌ ¯ حقق ديوانك الأخير
�أبداً .مدريد :رائحتي في ال ّلغة ،مر�آتي المت�شظية المبيعات في �أمازون ،بماذا تعللين ذلك؟ وهل
مما �أطيق لأداء
في الوادي الكبير ،تركيز �أعلى ّ مازال لل�شعر قرّاء في زمن الرواية؟
الجمال� ،أطرافي عمقي و�أعرافي .لوركا :قمح -على الرغم من �أنه � ّأول ديوان لي ُيكتب
ال�شعر الأ�سمر لكل الع�صافير التي �أتت بعده.. ّ بالإ�سبانية ،فقد ُكتب في فترة كنت فيها
ُغ� ّ�رة النهار على جبين غرناطة وق�لادة ُلغز التقاء بنف�سي ،كتبته بن�سيان ِلمن �أكتب؟
ً �أكثر
في جيد الرائحين بال �سبب .المتنبيِ :
ال�شعر ومن �أنا؟ ومن �أكون؟ كتبته لأغفر لنف�سي كل
�إجادتي ل�ست لغات ثني ِة
قدم .القد�سُ :ملتقانا في ّ حيث �سارت به ُ الأخطاء التي ارتكبتها في حق قلبي(ُ .ر�ضاب
حية �إلى جانب نحدر ولو كره �أعداء العدل، الم َ
�آخر هذا الزقاق ُ �سام لحوا�س روحي ب ّلوري) بالن�سبة �إلي ،نمو ٍ
العربية �أ�سهمت في العدالة ،ال�سلم وال�سالم ذلك! بيروت :لن �أن�سى بر�ؤية �أكثر تحرراً و�أنا في �ضيافة الكون.
انت�شاري عالمي ًا ف�ضلها علي .بغداد :ورقة
اعتماد الأر� ��ض و�سفيرة
فوق العادة ومحور القراءة
اللنهائي.
في كتاب ّ
و�صراعات معلنة وخفية داخ��ل الأكاديمية في الذكرى المئة والع�شرين ،التي ت�صادف
وخارجها� ،أدت في الختام �إل��ى اللجوء �إلى هذا ال�شهر ،ت�ستعيد �إدارة الجائزة �أنفا�سها،
المحكمة .وقد �أحدث قرار الأكاديمية حينذاك، وتقوم بمنح جائزة نوبل ،كعادتها ،نهار
حجب جائزة الأدب �صدم ًة �شغلت ال�صحافة الخمي�س في الأ�سبوع الأول من �أكتوبر ،وتحيي
العالمية والمواقع الإلكترونية والأو���س��اط برنامج ًا خا�ص ًا� ،أدب��ي� ًا وثقافي ًا ،ينبع من
حجبت الأكاديمية الأدب��ي��ة في العالم .لكنها نجحت في و�ضع �صميم مفهومها للأدب وللر�سالة التي تحملها
حد لهذه الإ�شكاليات و�سوت الق�ضية قانوني ًا الجائزة ،بح�سب م�ؤ�س�سها �ألفرد نوبل ،ومفادها
ال�سويدية الجائزة وتجاوزت كل الآثار التي نجمت عنها. �أن الجائزة تمنح ال�سم �أدى خدمات كبيرة
ق�سراً خالل الحربين وواجهت الأكاديمية العام ( )2020حملة للإن�سانية ،بف�ضل عمل �أدبي يج�سد مثا ًال �أعلى.
العالميتين الأولى كبيرة قام بها �صحافيون وك ّتاب ،معتر�ضين وم�ضمون هذه الر�سالة كان ربما وراء ا�ستثناء
والثانية مغن
على منحها جائزة الأدب للمرة االولى �إلى ٍّ �أدباء كبار ،و�صفوا بالمت�شائمين ،ومنهم على
ومو�سيقي و�شاعر �أغنيات هو الأمريكي بوب �سبيل المثال :فرانز كافكا ،و�أوغ�ست �سترندبرغ،
ديلن ،وانتقدوا هذا الخيار الذي ُيفقد ،بر�أيهم، وجورج باتاي ،و�أنطونان �أرتو ،وهنريك �إب�سن
الجائزة الراقية ثقلها الأدب���ي ورمزيتها، و�أن��دري��ه ب��روت��ون ،و�آخ���رونُ ..و ِ�سموا بتهمة
خ�صو�ص ًا �أن الئحتها �ضمت �أكبر نجوم الأدب الال�سامية ،مثل :عزرا باوند ،وفردينان �سيلين،
في العالم .لكن الأكاديمية لم ترد على الحملة �صاحب الرواية البديعة (ال�سفر حتى �أطراف
وتولى ال��رد عنها جمع من المعجبين ببوب الليل).
ديلن ،ب�شعره الغنائي و�صوته ومو�سيقاه .وهذه ت ��ؤك��د الأك��ادي��م��ي��ة ه��ذا ال�شهر� ،أكتوبر
نجحت بتر�سيخ الحملة االعترا�ضية تذكر ب�إقدام الأكاديمية ( ،)2021تخطيها العقبات التي واجهتها
�صورتها الفريدة العام ( )1953على منح جائزتها الأدبية على م�ستويات عدة ،وتحتفل بذكرى ()120
لرئي�س ال��وزراء البريطاني ون�ستون ت�شر�شل، عام ًا على ت�أ�سي�سها ،مر�سخة �صورتها الفريدة
بو�صفها �أهم جائزة مبررة ه��ذه ال��ب��ادرة بكون خطبه ال�سيا�سية بو�صفها �أهم جائزة �أدبية في العالم ،وبكونها
�أدبية في العالم تحمل في عمقها ر�سالة �أدبية .ولم يقنع هذا الج�سر الذي ي�سلكه الأدباء �إلى الخلود الأدبي.
التبرير خروج الأكاديمية عن نهجها الرا�سخ وال ين�سى ج��م��ه��ور ن��وب��ل م��ن الأدب����اء
وم�سارها التاريخي. والمثقفين وال��ق��راء ،الجدال ال��ذي ق��ام العام
غ��ي��ر �أن ال��م ��آخ��ذ ال��ت��ي ي�سجلها نقاد (2018م) لإث ��ارة بع�ض الإ�شكاليات حول
و�صحافيون م��ن ال��ع��ال��م على الأك��ادي��م��ي��ة الأكاديمية ،ما �أرب��ك��ت �أع�ضاء الأكاديمية
ال�سويدية ،ال تح�صى منذ ت�أ�سي�سها قبل ()120 والمثقفين ال�سويديين ،و�أ�سفرت عن اتهامات
بيرل باك بوري�س با�سترناك �أولغا توكار ت�شوك بوب ديلن نجيب محفوظ
ومن الم�آخذ �أي�ض ًا ،ت�أخر الجائزة كثيراً عام ًا ،ومن هذه الم�آخذ ،انحياز الجائزة �إلى
في و�صولها �إلى القارة الإفريقية ،ف�أول كاتب �أوروب��ا ،ال �سيما في عهدها الأول الممتد �إلى
�إفريقي فاز بها هو النيجيري وول �سوينكا العام ( ،)1929الذي منحت الجوائز كلها خالله
�أُخذت عليها بع�ض العام ( ،)1986وبعده فاز كاتبان من جنوب �إلى �أوروبيين .ولم تقدم الأكاديمية على ك�سر
الم�آخذ لمنحها �إفريقيا هما :نادين غورديميه ( )1991وجي. �سيا�ستها الأدبية هذه �إال عام ( )1930عندما
الجائزة لكتاب غير �أم .كويتزي ( ،)2003وهما من بي�ض جنوب قررت منح الجائزة �إلى �أول كاتبة �أمريكية
معروفين �إفريقيا� .أما العالم العربي؛ فقد ت�أخرت الجائزة هي �سينكلر لوي�س .وتبعتها بعد ثمانية �أعوام
في الو�صول �إليه ففاز بها العام ()1988 الكاتبة الأمريكية بيرل باك ( ،)1938ليفوز
الروائي الم�صري الرائد نجيب محفوظ ،واليزال بعد �أح��د ع�شر عام ًا ال��روائ��ي الكبير ويليام
فوجنر (.)1949
هذه النزعة الأوروبية التي ت�سم الأكاديمية،
ي�ؤكدها عدد البلدان الأوروبية الفائزة حتى
الآن ،والتي تبلغ ( )81من �أ�صل ( )113بلداً �آخر
من البلدان كافة .وهذه ن�سبة كبيرة جداً على
م�ستوى التمثيل الأوروبي العالمي .ووا�ضح جداً
انحيازها الأوروب��ي الذي اليزال قائم ًا حتى
اليوم ،وال ين�سى موقف ال�سكرتير العام ال�سابق
وول �سوينكا ون�ستون ت�شر�شل فردينان �سيلين والمعروف بت�شدده وبهواه الأوروبي (هورا�س
�أنغدال) ،فقد قال ذات مرة( :من الم�ؤكد �أن هناك
كتاب ًا �أقوياء في كل الثقافات الكبيرة ،ولكن ال
يمكننا �إنكار حقيقة �أن �أوروبا هي دوم ًا مركز
العالم الأدب��ي) .ويحمل على �أدب��اء الواليات
المتحدة خ�صو�ص ًا قائ ًال( :الأدباء الأمريكيون
منعزلون وال يترجمون كثيراً وال ي�شاركون في
حوار الآداب) .وقد يكون هذا الر�أي على مقدار
نادين غورديميه جي �أم كويتزي ويليام فوجنر كبير من الخط�أ.
عزت القمحاوي
وكتابه «غرفة الم�سافرين» اعتدال عثمان
يلتقط القمحاوي �إ�شارات تجمع بين (دون الأ�صلي ،وذل��ك عبر ا�ستدعائهم هنا في ك��ت��اب (غ��رف��ة الم�سافرين) للروائي
كيخوته) للإ�سباني ثيربانت�س ،و(موبي قراءة جديدة ومبتكرة. وال�صحافي الم�صري ع��زت القمحاوي،
ديك) للأمريكي هرمان ملفيل ،ورواية (مدن وما دمنا نتحدث عن ال�سفر �إلى ممالك يتيح لع�شاق ال�سفر فر�صة مفتقدة في زمن
ال مرئية) للإيطالي �إيتالو كالفينو ،وغير الخيال ،فمن المتوقع �أن ي�أخذنا ب�ساط كورونا� ،إذ يجوب بقرائه في بقاع العالم،
ذلك من ع�شرات اللقطات الم�ستخرجة من الريح �إلى عالم (�ألف ليلة وليلة) ،فهو ِ
ال�س ْفر دون �أن يبرحوا �أماكنهم .وربما لأن ال�سفر
�أعمالٍ لت�شيخوف ،ود�ستويف�سكي ،ونجيب لل�س َفر في الحكايات ،وم��ن دون العمدة َ يمثل ولع ًا طاغي ًا لدى الكثير من الب�شر،
محفوظ ،والطيب �صالح ،ولطيفة الزيات، الرحلة الخارقة للزمان والمكان ي�سقط فقد القى الكتاب ا�ستجابة وا�سعة ،تتمثل
ويو�سف �إدري�س ،وغيرهم من �أجيال �أحدث.. العجائبي ،العمود الفقري لليالي الذي في �صدور �أرب��ع طبعات متوالية� ،آخرها
نجد �إ�شارات �إلى الولع بال�سفر في �أعمالهم، اعتمدت عليه تيارات الواقعية ال�سحرية منذ �شهور ،كما و�صل الكتاب �إلى القائمة
مثل عبدالحكيم قا�سم ،ومحمد الب�ساطي، والأدب العجائبي ف��ي ال��ع��ال��م كم�صدر الق�صيرة لجائزة ال�شيخ زايد لهذا العام.
ور�ضوى عا�شور ،وجوخة الحارثي ،و�إيمان رئي�سي ،كما �أن �شهرزاد ا�ستطاعت الت�سلل ينتمي هذا العمل �إلى الكتابة العابرة
مر�سال ،وغيرهم من �أدباء العالم ..بينما �إلى مخيلة كتاب من جميع �أرج��اء الدنيا ل�ل�أن��واع ،ال��ت��ي �أ�صبحت �شائعة عربي ًا
يحر�ص الكاتب على توثيق م�صادره في عبر الزمان. وع��ال��م��ي� ًا ف��ي الآون����ة الأخ ��ي ��رة ،فيجمع
الهوام�ش. �أما عزت القمحاوي ،هنا في هذا العمل، مزيج ًا من �أدب الرحلة ،وفل�سفة ال�سفر،
ومن بين اللمحات الذكية التي يلتقطها ف�إنه ال يتورع عن الغرق في قراءة ن�صو�ص واالنطباعات ال�شخ�صية المحيطة بفنون
الكاتب ،ويقدمها للقراء للم�شاركة بالر�أي، تمثل رحالت ميثولوجية و�أدبية متعددة، العمارة وال�سينما والم�سرح والغناء في
نجد مقارنة بين عملين �شهيرين ،يعود من بينها �أ�سطورة (�أودي��ب) ،وق�صة النبي م��دن ك��ب��رى م��ع��روف��ة ،وع��ل��ى الم�ستوى
�إليهما الم�ؤلف في �أكثر من مو�ضع في �سليمان وملك الموت ،وم��روراً بجلجام�ش المحلي �أي�ض ًا.
الن�ص بو�صفهما رفيقين �أثيرين في ال�سفر، وعولي�س ،وو�صو ًال �إلى ال�شاعر اليوناني وهذا المزيج المده�ش ،ف�ض ًال عن ات�ساع
ظال ي�شغالنه ،وظل هو يحملهما في �أ�سفاره. ال�سكندري ال�شهير ق�سطنطين كفافي�س رقعة الكتاب ،وق��درة كاتبه على ت�شبيك
العمل الأول هو (الموت في فين�سيا) للكاتب الذي �أ�شار في ق�صيدة له �إلى �أن( :الرحلة �أطرافه ب�سال�سة �أ�سلوبية جذابة ،اكت�سبها
الألماني (توما�س م��ان) ال��ذي تحول �إلى �إلى �إيثاكا �أجمل من �إيثاكا) .غير �أن الغرق من خبرته ال�صحافية الممتدة� ،إنما يتداخل
فيلم �سينمائي �شهير ،والرواية الثانية هي في القراءة ُيك�سب الكاتب قدرة على تغذية مع َ�س َفر �آخ��ر ،ي�أخذ ال��ق��ارئ �إل��ى ممالك
(الأمير ال�صغير) للكاتب الفرن�سي �أنطوان خبرته في التقاط عالمات �أدبية ب��ارزة الخيال عبر �سياحة في ع�شرات الأ�ساطير
دو �سانت �إك��زوب��ري .بطل الرواية الأول��ى تتخللها الإ�شارة �إلى مغزى ال�سفر ،فيجعلها والمالحم والأعمال الروائية والق�ص�صية
كاتب متحقق م�شهور� ،سافر �إلى فين�سيا تدخل في ن�سيج الكتابة ب�صورة طبيعية العالمية والعربية المرتبطة بال�سفر ،فيخرج
حيث غرق في غواية غام�ضة ملكت عليه في معظم الأح��ي��ان ،ع��دا بع�ض الإط��ال��ة، �أبطال هذه الأعمال ال�شهيرة ،والأقل �شهرة
حوا�سه دون �أن يبادر �إل��ى �أي فعل ،لأنه خ�صو�ص ًا في الف�صول الأخيرة من الكتاب. من �سياقهم الخيالي الأول ،ليدخلوا في
كان ممتلئ ًا بذاته ،ي�شعر ب�أنه بلغ كمال م��ن بين ال��ع�لام��ات الأدب��ي��ة ال��ب��ارزة �إهاب �سردي �آخر ،دون �أن يفقدوا �سحرهم
�أنه يخ�صه ،هنا �أو هناك ،لي�س مهم ًا �أن يجده، المعرفة التي ال بد �أن تفر�ض ح�ضورها ،فظل
يتيح لنا القمحاوي �إذ تبقى الف�ضيلة الكبرى لل�سفر �أن ي�صالحنا �ساكن ًا �إلى �أن لحقه الموت في المدينة التي
ال�سفر في زمن على �أماكن عي�شنا الأ�صلية ،لأننا نعود منه �أ�صابها الطاعون� .أم��ا بطل رواي��ة (الأمير
الكورونا ويجوب بنا (م�شتاقين �إلى �سريرنا الأ�صلي ،عملنا الذي ال�صغير)؛ فقد �آمن ب�ضرورة ال�سعي �إلى المعرفة
ن�ستمد منه المعنى ،وطعم قهوتنا المعتاد). واكت�شاف المجهول في �أفق مفتوح .وهكذا تعد
بقاع العالم
يبرع عزت القمحاوي في التقاط التفا�صيل هذه الرواية معار�ضة �أدبية لرواية توما�س
ال�صغيرة الم�صاحبة لحاالت اال�ستعداد لل�سفر، مان الجميلة المقب�ضة.
�سواء ك��ان ذل��ك عبر المطارات �أو الموانئ. يت�أمل الكاتب فل�سفة ال�سفر والترحال
ويولي عناية فائقة الختيار حقيبة ال�سفر بو�صفها م��ع��اد ًال للحياة ،يقول في مفتتح
ومحتوياتها ،وداللة ذلك ،فالحقيبة هي رفيق الكتاب( :من لم ي�سافر ولو عبر ق�صة في كتاب،
الرحلة الم�ؤن�سن� ،أو هي ذات الم�سافر الأخرى لم يع�ش) .لكنه يتوقع رد فعل القارئ الذي
ينتمي العمل �إلى
المحمولة معه ،والكا�شفة عن طبيعته ،ونوع يتوجه �إليه بالحديث ،فيعدل من �صوغ العبارة
ما ي�سمى الكتابة �شخ�صيته ،ور�ؤيته للحياة المختزلة في هيئة م�ضيف ًا ..( :لم يع�ش �إال حياة واحدة ق�صيرة).
العابرة للأنواع ما الحقيبة ومحتوياتها ،ما ي�ضفي على الكتابة لكن الأمر لي�س بهذه الب�ساطة ،فالحياة مليئة
بين �أدب الرحلة هنا طابع ًا رمزي ًا �ساخراً ،يراه الم�ؤلف ع�صب ب ��الآالم والم�آ�سي ،والأع��م��ار مهم ًا طالت،
وفل�سفة ال�سفر الخيال .كذلك يتطرق الكاتب ،بتنويعات على محدودة في �سياق الزمن الممتد ،لذلك ف�إن
النبرة ال�ساخرة نف�سها� ،إلى تفا�صيل اال�ستقبال ال�سفر ن��وع من العي�ش الكثيف �أو المكثف،
واالنطباعية
والمغادرة في المطارات والموانئ ،والعالقات طالما �أن وقتنا على الأر�ض محدود.
المت�شابكة خالل الإقامة في الفنادق ،وغير وال�سفر �أي�ض ًا نوع من الموت اللذيذ الذي
ذلك من تفا�صيل التجول في المدن ،واختيار يغيبنا م�ؤقت ًا عن مجرى حياتنا المعتادة،
المعالم التي �سيركز عليها في الكتابة. لكننا نعود منه بعد وقت طال �أم ق�صر� ،إلى
وي��ذك��ر هنا �أن الكاتب ي��ن��زع ع��ن هذه ُ المجرى الم�ألوف .وال�سفر �أي�ض ًا يرتبط بالحلم..
يرتبط ال�سفر لديه التفا�صيل طابعها المتكرر المعتاد ،الذي �إننا نحلم بالمدن التي نت�شوق لزيارتها ،وتلك
ي�ألفه الم�سافر ،لتدخل في �أبعاد �ساخرة بلطف، التي ع�شنا فيها تجارب �سعيدة .وعلى م�ستوى
بالحلم نحو المدن و�سبحات ت�أملية جديدة وطريفة ،ال يمكن �أعمق فل�سفي ًا (ربما كانت الحياة كلها مجرد
التي نت�شوق �إليها توقعهاُ ،تك�سب ال�سرد حيوية مده�شة. حلم ،والموت هو ا�ستيقاظ الحالم ،وال�سفر
وتكثيف الإح�سا�س في �أعمال �أخ��رى للكاتب ،عابرة �أي�ض ًا والعودة هما مجاز الحياة والموت).
بالحياة للأنواع الأدبية ،مثل كتاب (الأيك في المباهج �أما على الم�ستوى ال�شخ�صي ،الذي يحر�ص
والأح��زان) ( ،)2002يبدو القمحاوي محتفي ًا الكاتب على م�شاركته مع قرائه ،فينقل �إليهم
بالحوا�س ومباهجه ًا ك�أحد مداخل المعرفة �شغفه المتوا�صل بالترحال وال�سفر ،لي�س
الإن�سانية .وهو في هذا الكتاب ال يتخلى عن لتكثيف الإح�سا�س بالحياة فقط ،ولكن ال�سفر
الحوا�س في دقة ر�صد التفا�صيل ،لكنه يبدو يتيح �أي�ض ًا فر�صة لخلق حالة من الم�صارحة
هنا وك�أنه قد قرر �أن يتحول ،كلما تراءى له، والمكا�شفة مع الذات التي تن�سل خارج نف�سها
ينقلنا بين الأمكنة بحرية بين الأماكن، �إلى كائن من �شعاع ،يتنقل ّ لكي تتمكن من معرفة هذه الذات على حقيقتها،
والفنون والمدن والآث��ار ،والفنون ،ومعالم المدن ،والأفكار، والإح�سا�س بها ب�صورة ملمو�سة وعلى نحو
والحكايات ،ويمحو الحدود والفوا�صل بين �أ�شمل ،بعيداً عن ال�ضغوط المعتادة في الحياة
والأفكار والحكايات الواقع والخيال ،بين ال�سفر الفعلي ،والكتابة اليومية .وقد ي�ؤدي ذلك �إلى خلق حالة حوارية
وهو حافل بالإمتاع عن ال�سفر. تتعدد فيها الأ�صوات داخل الذات الكاتبة التي
والمعرفة وما بين ال�سفر في ربوع الأر�ض ،وال�سفر تتجاهل وحدتها ،وت�شارك قراءها ،مجاوزة
�إل��ى ممالك الخيال ،يحظى القارئ بفر�صة الفردي �إلى الإن�ساني .والكاتب هنا ،يف�ضي �إلى
حافلة بالإمتاع والم�ؤان�سة ،والمعرفة �أي�ض ًا. القارئ ب�أنه يبحث في ال�سفر عن �شيء يتوهم
ف ��ي ال ��وط ��ن ال��ع��رب��ي، االهتمام بما يريد الجمهور الياباني) ،فهو �صاحب
مدنه وحوا�ضره �أريافه منهج فريد في ترجمة الرواية العربية.
وب��وادي��ه ،ط��وال �أربعين وي��رى العديد من الباحثين� ،أن��ه الم�ستعرب
لا ر�ؤي ��ة
ع ��ام�� ًا ،م�����س��ج� ً الياباني الوحيد ،ال��ذي ي�ستحق ا�سم مترجم،
ع����ارف وخ��ب��ي��ر يحمل ف�صفة المترجم �صفة ثابتة بالن�سبة �إليه ،بينما
ر�ؤية الآخر غير العربي هي �صفة م�ؤقتة بالن�سبة �إلى غيره ،فهو يترجم
للداخل ال��ع��رب��ي ،حيث بدوافع داخلية �شخ�صية جداً ،و�إال فالترجمة لي�س
ت�ضمن كتابه ه��ذا �آراء لها معنى بالن�سبة �إليه ،حيث يقول (قبل كل �شيء
ج��ري��ئ��ة وم��و���ض��وع��ات حاولت �أن �أكون �أحد قراء الأدب العربي المعا�صر،
�صنع اهلل �إبراهيم محمد �شكري متنوعة ،ح��ول الثقافة وفي هذا ال�سبيل قابلت الكثير من الكتاب ،ومن
العربية� ،أب��رزه��ا ثقافة الإنتاج الأدبي ،و�إرادتي هذه �أن �أكون قارئ ًا للأدب
الأنا وموقفها من ثقافة العربي المعا�صر� ،أريد لها �أن ت�ستمر في الم�ستقبل،
الآخر ،و�سجل انطباعاته بعد متعة القراءة ت�أتي الترجمة ،وفي هذه الحالة،
حول ال�شخ�صية العربية، اخترت الإنتاج وفق اهتمامي ال�شخ�صي بالدرجة
وقدرتها على التحديث الأول��ى قبل االهتمام بالجمهور الياباني) ،كما
وال��ت��ط��ور ،وق ��د و�صف عبر من خالل ترجماته للرواية العربية� ،أنه لم
تجربته وانطباعاته هذه يكن م�ستعج ًال لإنجاز الترجمة ،فقد كان يقوم
عن الحياة العربية بقوله بزيارة الأماكن ،التي حدثت فيها �أحداث الروايات،
(فما قدمته ال يمثل �سوى فيفح�صها بدقة ،ويطوف في �أرجاء البلد ،يلتقي
غ�سان كنفاني يحيى الطاهر عبداهلل
وج��ه��ة ن��ظ��ر �شخ�صية الأدب��اء فيه ،وي�سعى للتعرف �إل��ى حياة النا�س
و�صغيرة حول بع�ض البلدان العربية ،وعزائي �أن اليومية ب�صورة مبا�شرة ،وعلى نطاق وا�سع ،وكانت
كنت �صادق ًا فيما كتبت ،و�أنني �أعتبر �أن ما قدمته �أولى ترجماته للرواية العربية �إلى اليابانية ،رواية
في هذا الكتاب هو بمنزلة رد الجميل لأ�صدقائي (عائد �إلى حيفا) ،لغ�سان كنفاني عام (1969م)،
من العرب) ،حيث جمعته �صداقات كبيرة ،بعدد ورواية (الأر�ض) لعبدالرحمن ال�شرقاوي ،التي لم
كبير من ال�شعراء والروائيين والكتاب العرب، يخف �إعجابه ال�شديد بها ،وكيف عا�ش بنف�سه في
در�س العربية وقد تطرق للحديث عنهم في هذا الكتاب ،نذكر الريف الم�صري ،حتى يعاي�ش �أجواء الرواية ،كما
في م�صر و�سوريا منهم� :أدوني�س ،محمد برادة ،عبدالكريم الخطيبي، ترجم العديد من ق�ص�ص وروايات الأديب الكبير
نذير نبعة ،الفنانة الت�شكيلية الم�صرية �شلبية يو�سف �إدري�س ،الذي ج�سد ح�سب قوله ب�أ�سلوبه
والمغرب وزار �أغلب الرائع ع��ادات فالحي م�صر وتقاليدهم ،وهذه
�إبراهيم ،غ�سان كنفاني� ،إبراهيم الكوني ،نجيب
المدن والعوا�صم محفوظ ،يو�سف �إدري�س ،محمود دروي�ش ،محمد الأعمال هي�( :أرخ�ص ليالي ،الحرام ،الع�سكري
العربية �شكري وغيرهم ،حيث و�صف تلك القامات الأدبية الأ�سود ،بيت من لحم ،حادثة �شرف) ،و�أعجب كثيراً
العربية ،ب�أنهم كتاب عالميون ،وي�ستحقون الكثير بروايات الأديب الليبي �إبراهيم الكوني ،التي تج�سد
من التقدير ،والأمر الذي يدعو للده�شة� ،أنه كتب روح ال�صحراء العربية ،وعادات البدو ،حيث بذل
م�ؤلفه هذا بلغة عربية ف�صيحة ،في �سابقة لم يجر�ؤ جهداً كبيراً في ترجمة ودرا�سة �أعماله الروائية
عليها �أحد من الم�ست�شرقين الأوروبيين ،على مدى وتقديمها للقارئ الياباني.
تاريخهم الطويل في درا�سة الثقافة العربية والأدب ومن �أعماله التي ترجمها �إلى اليابانية رواية
العربي ،وقد عرف عن �سبب كتابة هذا الم�ؤلف (التبر) ،والتي ح�صلت على جائزة اللجنة اليابانية
باللغة العربية بقوله (كتبت باللغة العربية لأعبر للترجمة عام (1997م) ،ومن ترجماته �أي�ض ًا
عن محبتي للثقافة العربية ،فقد �أعطيتها عمري رواية (تلك الرائحة) ،للأديب �صنع اهلل �إبراهيم،
كله ،وجهدي كله ،وعملي كله ،وهذا ب��ر�أي �أرفع و(الخبز الحافي) لمحمد �شكري ،و(�ستة �أيام) لحليم
تقدير و�أكبر محبة ،وال�س�ؤال الذي �أقلقني دائم ًا، بركات ،و(الوباء) للكاتب ال�سوري هاني الراهب،
هو لماذا �أرى �أن واجبي �أن �أكتب باللغة العربية وله العديد من الدرا�سات النقدية ،عن �أدباء عرب،
مبا�شرة �إلى القارئ العربي ،و�أنا �أعرف �سلف ًاَ ِ ،
لم �أمثال ال�شاعر علي الجندي ،والروائي حيدر حيدر،
�سترهقني الكتابة بالعربية ،لكنني قلت في نف�سي والروائي �إميل حبيبي ،ومحمد �شكري وغيرهم ،ثم
كتبت للقارئ الياباني باليابانية وبقليل من جاء كتابه المهم (الغرب وجهة نظر يابانية) قدم
الإنجليزية ،فلماذا ال �أكتب للقارئ العربي بلغته؟). خالله ح�صيلة درا�سته للثقافة العربية ،والحياة
البنى الم�ؤ�س�سة
لطبيعة الأدب
د .مازن �أكثم �سليمان
لغة الحياة اليومية �أو اللغة الر�سمية �أو غيرها، ال ب��د �أن يمر �أي ا�شتغالٍ معرفي محكم
ب�أنها تنظم وت�شد معطيات اللغة ،لتجعل منها لفهم طبيعة الأدب بتحديد م�ستويين له� ،شك ًال
�أداة ت�ضع المتلقي في حالة من الوعي والمتعة وم�ضمون ًا ،حيث ينطوي الم�ستوى الأول على
الخا�صين. تعيين حقل الأدب ،ومادة الأدب ،وغاية الأدب،
لكن هذا التف�سير ،ال يعني �أن يتحول الأدب �إلى في حين ينطوي الم�ستوى الثاني لفهم طبيعة
�صنعة لغوية ،ف�إذا كان الأدب عمل في اللغة ،فهو الأدب ،على تعيين المكون المرجعي ،والمكون
الفن الأكثر قدرة على ا�ستيعاب الوقائع وماهيات الفكري ،والمكون الجمالي الفني.
ال��وج��ود ،وتحويلها �إل��ى كيفيات جمالية ،لأن ي�شتمل حقل الأدب على كل ما يقوم به
طبيعة الأدب بو�صفها مت�صلة بالعمل ،تقدم نوع ًا الإن�سان من فعاليات ون�شاطات؛ �أي �أن الأدب
راقي ًا من �أن��واع العمل ،الذي يختلف عن العمل ن�شاط عملي تتحدد طبيعته بنوع ما يعك�سه من
النفعي البحت� ،إذ تكون مادته الكلمة (اللغة)؛ عالقة بين الإن�سان وعالمه عبر العمل ،وجوهر
�أي ال�شكل المتميز للوعي في عالقته الوطيدة العمل ،هو خلق االن�سجام والوحدة بين الإن�سان
ي�شمل حقل الأدب بالخيال ،لإ�سباغ الأب��ع��اد الجمالية .ف��الأدب والطبيعة ،فالعمل الأدب ��ي ن��وع من الإب ��داع،
كل ما يقوم به يتخذ مكان ًا و�سط ًا بين المعرفة النظرية والن�شاط نما فيه الح�س الجمالي ليغدو حاجة �إن�سانية
الإن�سان من �إبداع المادي العملي ،والكلمة هي التي تحقق للأدب تت�ضمن النافع ،وال تتناق�ض معه.
كتابي مهمته التبليغية والتوا�صلية والمعرفية. وتنه�ض طبيعة الأدب عبر العالقة الوطيدة
ولعل هذا الكالم ي�ؤدي ،مبا�شر ًة� ،إلى الت�سا�ؤل بينه وب��ي��ن العمل على معيار ت��ط��ور الوعي
عن العن�صر الثالث والأخير في الم�ستوى الأول، والمعرفة ،ف ��الأدب �شكل م�ستقل م��ن �أ�شكال
الذي يتم عبره تعيين طبيعة الأدب ،وهو :غاية الوعي ،يعك�س على نح ٍو دقيق ،نمط العالقة بين
الأدب؛ والتي هي الإن�سان وتكوينه الروحي الفرد والمجتمع في كل ع�صر ،ذلك �أن ا�ستيعاب
والفكري والجمالي ،ف��الأدب مت�صل بالوجود العالم و�إدراك��ه �إدراك� ًا جمالي ًا ،ترافق مع �أولى
الإن�ساني كله ،وهو يتيح للب�شر �أن يفهموا الحياة لحظات العمل وت�شكل الوعي وتطور المعرفة.
ب�صورة �أف�ضل ،وهو �أي�ض ًا ،كما يقول �سارتر: ويقود هذا الترابط في حقل الأدب بين العمل
(ك�شف للإن�سان والعالم) .ويعد (كونديرا) الأدب ٌ والوعي ،تلقائي ًا� ،إلى ال�صلة المحورية للأدب
محاولة لك�شف (ج��ان��ب مجهول م��ن الوجود بالمجتمع ،حيث �إن الأدب م�ؤ�س�سة اجتماعية
الإن�ساني) ،فهو ال يتوقف ،في اعتقاده ،عن البحث �أداته اللغة التي هي من خلق المجتمع؛ بمعنى
في حقيقة الإن�سان والحياة والوجود ،فطبيعة �أن طبيعة الأدب تتعلق بمادة الأدب بو�صفها
الأدب تكمن في غايته الهادفة �إل��ى �صياغة م�ؤ�س�سة اجتماعية ،وتمييز الأدب عن غيره بفهم
موقف �إن�ساني ،وال يعني ذلك �أن الأدب تعبير طبيعته ال يمكن �أن يتم �إال عبر فهم المادة التي
عن الحياة الإن�سانية ،فح�سب؛ �إنما هو �إ�ضافة يت�شكل منها؛ فلغة الأدب تتميز عن لغة العلم �أو
و�إذا كان الأديب يعك�س التطور الم�ستمر في وتنمية لها في الآن نف�سه ،وهو ،في قرارته ،كما
حياة الإن�سان وحياة الع�صر ،فال بد له من �أن (نقد للحياة).
حدد طبيعته ماثيو �أرنولدٌ :
يعك�س حياة الفكر وتطوره �أي�ض ًا؛ وبهذا يتحدد و�أنتقل بعد �أن حاولت تحديد طبيعة الأدب،
ارتباط المكون المرجعي بالمكون الفكري ،ذلك عبر �شرح حقله ومادته وغايته� ،إلى الم�ستوى
�أن المبدع الأ�صيل ال ي�ستطيع �أن يعي�ش منزوي ًا الثاني في تعيين هذه الطبيعة ،عبر فهم مكونات
الأدب �شكل م�ستقل عن قيم ع�صره ،وما تن�ش�أ فيه من حركات فكرية الأدب التي ه��ي :المكون المرجعي ،والمكون
�أو اجتماعية �أو �سيا�سية .فالمكون الفكري الفكري ،والمكون الجمالي الفني.
من �أ�شكال الوعي في طبيعة الأدب هو ال��ر�ؤى التي ي�صوغ فيها ونق�صد بمرجع الأدب؛ العالم المو�ضوعي
يعك�س نمط العالقة الأدي���ب تجاربه وعالقته بالمرجع والعالم ال ��ذي يتناوله الأدب بمعزل ع��ن ال�صياغة
بين الفرد والمجتمع ينهم بها وتدفعه �إلى المحيط ،وهو الق�ضية التي ّ الجمالية لهذا العالم المو�ضوعي ،فالمرجع في
الإبداع ،فالفكرة عندما تتحقق فني ًا؛ �أي عندما الأدب مفهوم معقد ،ذلك �أن العالم المو�ضوعي
يتم التعبير عنها �إبداعي ًا ،ال تت�ساوى مع الفكرة ي�صعب تحليله بكل جوانبه و�شموليته و�سعته،
نف�سها عندما يعبر عنها منطقي ًا. لكن يمكن فهمه على �أنه ذلك العالم الطبيعي
�إن الفكر والفن لي�سا عدوين مطلق ًا؛ فالفكر المادي الذي نحتك به على الدوام ،بما في ذلك
هو العامل الرئي�س والحتمي في جميع الأفعال وجود الإن�سان ،و�أ�شكال عي�شه اليومي.
الإن�سانية� .أما الإبداع؛ فهو تج�سيد لفكر ما في ف���الأدب مرتبط ب�شروط الحياة الفعلية
�صور حية ،و�إذا كان من الطبيعي �أال يعد كل ومعطياتها ،ومت�صل بالن�شاطات الإن�سانية
�أديب مفكراً كبيراً؛ لكن هذا ال ينفي حاجة كل المنبثقة عنها ،وه��ي التي ت�شكل بمجموعها
مبدع �إلى امتالك ر�ؤي��ة �شمولية وفهم ًا فكري ًا مرجعية الأدب التي ت�ؤكد انطالقه من �شروط
الإبداع هو تج�سيد عميق ًا للحياة والوجود ،وعدم و�ضوح مثل هذه ال��واق��ع المو�ضوعي ،وال يعني ه��ذا الفهم �أن
لفكر ما في �صورة الر�ؤية ال�شمولية ،على نح ٍو مبا�شر ،في الكثير من الواقع المو�ضوعي يحول دون �أن ننظر �إليه نظرة
الأعمال الإبداعية ال ينفي ،في الوقت نف�سه� ،أن جمالية ،فهو حا�ضر دائم ًا في الإب��داع الأدبي،
ح ّية نظرة ه�ؤالء المبدعين الفكرية لم تكن ذات �أهمية غير �أنه ي�صاغ عبر هذا الإبداع �صياغة جمالية.
جوهرية بالن�سبة �إلى ممار�ساتهم الفنية. كما �أن المرجع ال يعني ،فقط ،كل ما هو مرئي
و�أخيراً ،يثير المكون الثالث الذي تت�شكل منه ومكت�شف بو�ساطة العلم والفن والأدب؛ �إنما
طبيعة الأدب ،وهو المكون الجمالي الفني ،في ي�شتمل �أي�ض ًا على م�سارات حركة العالم وتطوره
المتلقي �إح�سا�سات جمالية� ،أو انفعاالت �شعورية، والتعدد غير المحدود لأ�شكال الواقع وتغيراته
�أو كليهما م��ع� ًا ،بف�ضل خ�صائ�ص ال�صياغة الم�ستمرة.
الأدبية التي تعني ال�شكل الفني؛ �أي بنية العمل �إن نظرة الأديب العامة �إلى العالم ،المتكونة
الأدبي و�صورته وخ�صائ�صه اللغوية وطبيعته عبر �سيرورة الممار�سة الحياتية في ظروف
بمعنى �آخر :جماليات ال�شكل. ً الت�شكيلية� ،أو اجتماعية تاريخية ملمو�سة ،هي التي ت�ضفي
فالإح�سا�سات الجمالية ،تعني �أن الأدب على ت�صوراته ومالحظاته التحديد النوعي،
جميل؛ �أي �أن خ�صائ�صه الفنية تقوم على قيم والمنهجية؛ فهذه العالقة بين الأدب والمرجع� ،أو
جمالية مميزة له ،وقادرة على �إثارة انفعاالت بقولٍ �آخر بين الأديب والعالم ،هي التي يف�سرها
يعبر الأدب عن وعي �شعورية عند المتلقي ،ذل��ك �أن ان��ط��واء الأدب محمد زكي الع�شماوي ،ب�أنها عالقة بين الذات
م�ستقل ومتطور على قدرة بث ال�شحنات ال�شعورية� ،إلى جانب والمو�ضوع ،وعندما يقوم الأديب بدرا�سة الحياة
معرفي ًا ما يحمله من فكر يقوم ب�إي�صاله ،هو ما يمنح وتج�سيدها في �صور فنية ،ف�إنه يقوم ب�أدق عمل
الأدب طبيعته ،و�إال انقلب �إلى حقائق علمية �أو و�أعقده في مجال ا�صطفاء ما هو مهم وممتع
ريا�ضية ،تخرجه عن كونه فن ًا ،لهذا تبدو العالقة عبر تحليل ظواهر الواقع و�إعادة تركيبها� ،إذ �إن
في الأدب بين المكون الفكري والمكون الجمالي خ�صائ�ص اال�ستيعاب الإبداعي للواقع ،ال تنك�شف
الفني معقدة� ،إذ �إن المتطلبات الجمالية لمجتمع في تحديد جوانبه والظواهر التي ين�شد �إليها
معين ،وف��ي ع�صر معين ،ت ��ؤث��ر ف��ي مختلف بو�ضوح �أكبر فيماٍ الأدي��ب فح�سب؛ بل تنك�شف
جوانب الإبداع ،وتنعك�س ،بجال ٍء ،على خ�صائ�ص يعده الأديب جوهري ًا ومميزاً في الحياة ،وفيما
الطريقة الفنية نف�سها. يراه رفيع ًا �أو و�ضيع ًا ،هزلي ًا �أو م�أ�ساوي ًا.
مكتبتي..
والم�صير المنتظر غ�سان كامل ونو�س
ي�سروا عن �أوقاتهم المديدة ،و�أفكارهم ّ �أن أتوغل في عالمها المختلف، �أدل��ف �إليهاّ � ،
ال�ضاغطة ،ويخ ّففوا وق��ع ال� َ�ح� ْ�ج��ر ال�ضاري �أرن��و �إل��ى ال��رف��وف المو ّزعة ح�سب الأجنا�س
�روج مفتر�ض ،وتحليق م��رغ��وب ،وط��واف ب��خ� ٍ الأدب� ّ�ي��ة ،والعلوم الأخ���رى� ،أت��ق� ّ�رى عنوانات
اليقيني �أ ّننا ال ن�ستطيع �أن ن�شكر
ّ م�شتهى! ومن المتنوعة الم ّتكئة بع�ضها �إل��ى بع�ض؛ ّ الكتب
وال�س ْج َن ومنا�سباته؛ َّ والم ْجبِرين،
ُ ال�سجانين ّ واقفة �أو مائلة القوام ،متقاوية �أو متوا�سية..
� ّأي � ًا كانت ،وال �أن نحتفي بالفيرو�س� ،إلى � ّأي �أتم ّلى �أغلفتها المتباينة ق� ّ�داً ولون ًا ،و�أغم�ض
ف�صيلة انتمى ،معروفة �أو طارئة �أو م�ستحدثة؛ عيني متف ّكراً في الم�صير الذي ينتظرها! �أكاد ّ
لكن يمكنني القول الآن ،وفي ك ّل وقت م�ضى، ربما� ،أ�صداءّ أ�سمع، � و واللوم، العتب مالمح �أرى
�أو �آت� :شكراً لمن كتب ،و�شكراً لمن ن�شر ،ولمن أح�س بها،
ّ � الذي أنا � أم � ات.. وغ�ص
ّ ات ن
ّ �
أ و زفرات
الم�شاهد والر�ؤى والأفكار طبع ،وو ّزع ،و�أثرى َ �أو ت�صدر ع ّني ،ك ّلما � َأم ْم ُتها عر�ض ًا� ،أو ق�صدتها
والميول ،و�ش ّذب الأوقات والظروف والعواطف تعبر ع��ن نف�سها ،بمحاولة برغبة دف��ي��ن��ةّ ،
وو�شى،والحاالت والعالقات ،وع ّزى ،ووا�سىّ ، أجرب �إثارة القب�ض من ا�ستعادة ما كان بيننا ،و� ّ
ربما كنت من مر،
وزين ،وعر�ض ،وح ّفز ..في ك ّل ما ّ و�أفا�ضّ ، تترمد ،عبر ال�سنين جديد على جمراتها ،التي لم ّ
الكائنات القليلة التي �سيمر من ُمناخات واحتماالت. ّ وما ال�شح والحرمان وال ّأيام ،على الرغم من ظروف ّ
فرحت في �أثناء وم��اذا بعد؟! ك�أ ّنها ت�س�ألني :م��اذا بعد؟! أهرقت نب�ض ًا ،وبذلت مررنا بها مع ًا! لقد � ُ التي ْ
و�أ�سائل نف�سي :كيف تنظر الآن �إلى هذه الأوراق المادة والكثافة؛ للح�صول على ك ّل ّ متعدد ّ نزف ًا
الحجر على ذمة وال�سطور والكلمات؟! هل مازلت تحتاج �إليها؟! كتاب ،رغبت في م�صاحبته ومرافقته ،وكم هي
(كورونا) ربما؟! تح�س �إزاءها بم�شاعر �أخرى متناق�ضةّ ، �أال ّ يت�سن لي ولها متعة القرب ّ المدونات ،التي لم ّ
حيز
ّ ّ إلكتروني ل ا الف�ضاء دخل وقد متقاطعة؟! �أو وح�سن الو�صال؛ لمهرها الغالي!
ودخلت ف�ضاءه ،ال��ذي ب��د�أ يهيمن، َ االهتمام، كنت من الكائنات القليلة وربما ُ فرحتّ ،ُ لقد
والت�شهي
ّ والتلمظ
ّ وب��دت �آف��اق��ه قيد الرغبة الح ْج ِر
النية ،التي ف��رح� ْ�ت ،في �أث��ن��اء َ طيبة ّ ّ
والتخير؟!
ّ الملح؛ فقدّ �ا) � �ورون � (ك �ة
� ذم
ّ على ، االحتياطي
ّ
تحن �إل��ى ال ��ورق ،ي�شاغلك، ّ لتعترف! �أال
ْ ان�شغلت بع�شرات من هذه الكتب ،التي كنت قد ُ
وي�ستثيرك ،وهو يع ّز حالي ًا على كثيرين في �أرج���أت مراودتها عن م�ضامينها ومدياتها،
المكتبات والمكاتب والمطابع والدوائر..؟! �أال �إل��ى �أج��لٍ جاء موعده ،بال ترتيب وال تخطيط
تدعوك ال�سرعة وال�سال�سة وال�سهولة �إل��ى �أن ذات��ي ،وق��ر�أت �آالف ال�صفحات خ�لال ب�ضعة ّ
تخط ما لديك مبا�شرة ،من على لوحة مفاتيح، ّ �أ�شهر ،وهو ما لم يحدث في وقت محدود ملزم
وعبر �صفحات من ورق ،ال يتعب ،وال ين�ضب؟! و�سررت باكت�شافات ُ كهذا ،الذي �أُ ْر ِغمنا عليه،
عبرت كثيراً ،في ما م�ضى ،عن �ألفة الورق لقد ّ ورحالت و�أحداث ومواقف ومكا�شفات وم�شاعر
المنوع؛ ق��راء ًة وكتابة و�أم��ان � ًا؛ فهو ّ ي �اد ّ ال��م� ّ وانفعاالت ..كحال ال�سجناء� ،أو �أولئك الذين
ال ينطفئ ،وال يختفي ،وال ينكفئ ل��دى عطل �ري��ة ،وبا�ستطاعتهم يقبعون ف��ي �إق��ام��ة ج��ب� ّ
ولفت اهتمامهم �إليها .وكنت ت�ستغرب :كيف ال يتكرر في ّ طارئ �أو �سبب مجهول� ،أو انقطاع
ين�شدون �إليها؟! كيف ال ي�ستمتعون بمكنوناتها، ّ ال�ضرورية! وال يبخل بالملم�س والقرب ّ الطاقة
وال ين ّقبون في مناجمها ،وال تعنيهم كنوزها، والود ،ما يبعث على الراحة والن�شوة والإح�سا�س ّ
ف�شلت َ تح�س؟! هل ّ يح�سون كما ربما؟! لماذا ال ّ ّ بالم�شاركة؛ ل ّأن �أن��ام��ل كثيرين ع��ب��رت� ،أو
ربما كانوا ي�ستغربون ّ �سواك؟! في هذا؛ كما ف�شل �رددت ،وت�سارعت، �ستعبر ،و�أنفا�س عديدين ت� ّ
وترددك انغما�سك فيها ،وان�شغالك الحميم بهاّ ، �أو �ستتكاثف فوقه ..وما لديه ب��اقٍ وبالحفظ
خالل �أ�شهر من العزل في االهتمام ب�أجهزتهم ،ب�أدواتهم؛ �أن�سيت �أ ّنهم وال�صون؛ � ّإل لدى ا�ستعارة لئيمة� ،أو فق ٍد عزيز،
�سررت باكت�شافات �أوالد الحياة؟! وقد (خلقوا لزمان غير زمانكم)؟! �أو كارثة ال منجى منها!
يتعهد ب�إفراغ المكان، وماذا بعد؟! ومن الذي ّ لتعترف :ق ّلت زياراتك �إليها ،لوال (كورونا)،
ورحالت و�أحداث �أو تنظيفه من هذه المتروكات ،بعد عمر طويل �أو وعامة بـ(كورونا) ّ خا�صة
ّ ومكتبات �أخ��رى
عبر القراءة �ستت�صرف؟! هل تحجز مكان ًا لها ّ ق�صير؟ وكيف ومن دونه ،وق ّلت م�شاك�سة الأغلفة والأوراق،
يكتظ بمكتبات الثقافي � ّإياه ،قبل �أن ّ ّ في المركز ومطايرة ومغالبة الأ�سطر والمقاطع والفقراتُ ،
ربما ترغب� ،أو ت�أمل، ّ او ت�شترط، هل �آخرين؟! ال��خ��ي��االت ،وم��ط��اردة ال��ت ��أوي�لات ،ومعاذبة
ي�ضم �آث��ارك ّ �أن يكون لك جناح با�سمك فيه، المفردات وال�صياغات.
و�صيتك ،التي قد ّ تدون هذا في المنقولة؟! وهل ّ لتعترف! ي�ستهويك البحث عن الأح��دث،
تكتفي به ،ح ّتى ال ُيختلف عليها� ،آن تحين �ساعة والأقرب زمن ًا ،والأق ّل كلفة ،والمتوافر ك ّل حين،
المغادرة التي ال رجعة بعدها؟! وماذا عن كتبك مغبة /متعة البحث في وك ّل لحظة ،من دون ّ
ال�شخ�صية ،ومخطوطاتك ،التي طبعت ،والأخرى ّ المكتبات ،وانتظار المعار�ض والمنا�سبات
التي لم تطبع ،وقد ال َتفعل؟! ومن هو المغامر الدورية ،ومهرجاناتها و�إيقاعات ّ الحولية �أو
ّ
فعلت �إلى َ �سيق ِدم على المجازفة؟! كما ال��ذي ُ المثرية ،وهي تحفل باللقاءات وتبادل ُ أن�شطتها �
ان�شغلت بع�شرات متفهمة ،تفا�صيل أ�سبابه � و ا�ستقرى، الآن؟! �أم والتعرف من كثب والمبا�شرة، ة والحيوي أفكار ل ا
َّ ّ ّ
الكتب التي كنت قد واطلع على مرارة انتظار الفوائد ،التي المغامرةّ ، ور�ؤية ،و�سالم وكالم وم�شاعر.
�أرج�أت قراءتها �ست�أتي؛ قد ت�أتي ،بعد حين وزمن ،وقد يتع ّثر الم�س ال�ساحر ،الذي ي�أتي �إلى �أال ي�ستهويك ُّ
تحول الع�صر ،واختالف االهتمامات ذلك ،مع ّ �شا�شتك ب�أغنى المكتبات و�أبعدها ،و�أغلى الكتب
وال��ر�ؤى ،و�ضيق من يقر�أ ،من كان يقر�أ� ،أكثر ورقي:ّ و�أحدثها؟! �أال تقول ،ناظراً �إلى كتاب
تي�سر ،على �سارعت �إلى طباعة ما ّ َ ف�أكثر� .ألهذا وماذا عن جديد ن�صو�ص هذا الكاتب؟! وماذا عن
تتريث ّ ثت، وتري
ّ �رى؟! � أخ � عزيزة أ�شياء ح�ساب � حديث �أفكاره وحواراته و�آرائه؟! فتترك ما لديك،
ي�ستجد؟!ّ يتجدد وما ّ في �أمر طباعة ما تب ّقى ،ما وقد �صار بائت ًا ،بعد �أن كان مع ّتق ًا م�ستل ّذاً؛
ت�صر على متابعة الكتابة واال�ستزادة ّ ولماذا ب��ارداً ،وك��ان دافئ ًا؛ بعيداً ،وقد كان مالزم ًا
منها ،وتغبط لدى ك ّل �إنجاز ،ق ّل �أو كثر؟ ولماذا ورفيق ًا؛ فهل �صار عبئ ًا ،بعد �أن كان في�ض ًا؟!
ت�ستمر في محاولة �إنجاز الطباعة �إذاً؟! هل ّ ال وهل �صار كومة من الكائنات ،التي تنقر�ض،
�أقول �شكراً لكل من ت�ستطيع؟ كيف �ستو ّزعها؟ ولمن؟! وهل لديك ولمة ُ�ألفة؟!
بعد �أن كان رفقة �أن�سّ ،
ما يكفي لذلك كلفة وجهداً وعمراً؟ وما هو عدد �صت من عدد كبير وماذا بعد؟ لتعترف! تخ ّل َ
كتب ون�شر وطبع الذين �سيقتنعون ،ويقتنون ،و�سيقر�ؤون؟! و�أنت والمجلت العريقة ب�سال�سلها �دوري��ات
ّ من ال� ّ
ووزع و�أثرى الم�شاهد تعاني ق ّلة ما بات يطبع على ح�ساب م� ّؤ�س�سات أهم ّيتها؛
ّ � وب بها، تفاخر كنت التي المتتابعة،
والر�ؤى والأفكار و�شح
ونوعية ما يطبعّ ، ّ خا�صة، ر�سمية �أو ّ ّ ودور ثقافي
ّ م�شكوراً بوثيقة م��و ّق��ع��ة� ،إل��ى مركز
الحالي؛ مع ّ القارئ به يهتم
ّ ما ةلّ وق ن�سخه، عدد ومحج ًا ،في مرحلة ّ قريب ،كان موئ ًال ور�صيداً
�شح الموارد ،وندرة الورق ،وتعاظم كلف الطباعة ّ البدايات ،ومراحل �أخرى!
والن�شر والتوزيع والت�سويق ،والم�شاركة في من ال��ذي ي�شكر الآخ ��ر؟! وم��ن قد ي�شكرك
المعار�ض والمنا�سبات داخل البلدان وخارجها، بعد� ،أو ت�شكر بعد؟! �أوالدك ..لديهم ان�شغاالتهم
وبت تعاني �أكثر مع الراغبين باالقتناء� ،أو ح ّتى ّ وهواج�سهم وطموحاتهم البعيدة ،عن اال�ستقرار
باالطالع؟ هل كنت غاف ًال عن هذا �أو متغاف ًال ّ وال��ق��راءة الم�ستكينة ،والكتابة الم�ستنزفة!
ف�سكت
َّ �أو �ساهي ًا؟! وهل �أدركتك اليقظة القار�سة، و�صارت الم�سافة بينهم وبينها متباعدة �أكثر،
عن الكالم المع َّذب؟! ع�صية على م�شاك�سة ب�صرهم، ّ وقد كانت بعيدة
�ألي�سا جانيفا
تتربع على قائمة �أكثر
الكتب مبيعـ ًا في رو�سـيا
�ألي�سا ج��ان��ي��ف��ا ..واح��دة
من �أكثر المواهب الأدبية
ال��واع��دة في رو�سيا ،وهي
�أول ك��ات��ب��ة داغ�ستانية
تترجم �أعمالها �إلى اللغة
�أحمد الماجد الإنجليزية ..نالت ال�شهرة
العالمية برغم م�شوارها الغ�ض ،عبر فوزها
بجائزة البوكر الرو�سية في العام (.)2015
ووفق ًا ل�صحيفة الغارديان ،فقد تم ت�ضمين ا�سم
(جانيفا) في قائمة �أكثر ال�شباب الموهوبين
في رو�سيا في ذات العام ،وهي �أي�ض ًا تربعت
على عر�ش قائمة �أكثر الكتب مبيع ًا في رو�سيا.
المفاج�أة التي �أذهلت المجتمع الأدبي في في عمق الأعراف والتقاليد ،فم�سقط ر�أ�سها لم يكن قرارها في التخفي تحت جبة
رو�سيا ،ب�أن الن�ص الفائز هو لفتاة �شابة اليزال ينظر �إلى المر�أة على �أنها لم تخلق (غوال خيرا�شيف) ،وهو ا�سم م�ستعار �شائع
التزال في ع�شرينياتها. �إال للمنزل وتربية الأط��ف��ال ،ناهيك عن في داغ�ستان ،م�سقط ر�أ�سها مع الكاتب الكبير
ولدت �ألي�سا �أركادييفا جانيفا ،في العام التحيز الدائم �ضد �أدب المر�أة لمجرد كونها ر�سول حمزاتوف ،فقط لإخفاء هويتها ،بل
( ،)1985ون�ش�أت وتخرجت في جمهورية ام��ر�أة .غير �أنها وبعد فوز ق�صتها (�سالم كان خياراً فني ًا �أي�ض ًا في نظرها ،باعتبار
�صغيرة ،تقع �شمالي القوقاز هي داغ�ستان، لك ،دالغات) في العام ( ،)2009كان على �أن الكتابة تحت ا�سم م�ستعار تخرج جوهر
لغتها الأم هي الأفارية ،غير �أنها تتحدث الكاتب الح�ضور ليت�سلم الجائزة ،لتكون الكاتب ،حيث �إن��ه بذلك يتنقى من عقدة
ال�شهرة� ..أم��ا اختيارها االخ��ت��ب��اء وراء
�شخ�صية رج��ل؛ فذكرت �ألي�سا �أن ق�صتها
الطويلة الأول ��ى التي كتبتها حملت من
ال�صدق والق�سوة ومن الأفكار والطروحات
ما ال يمكن المر�أة �شابة �أن تفكر بكتابته،
�إ�ضافة �إل��ى �أن الدخول �إل��ى عالم الأدب
عبر بوابة الرجال �أ�سهل بكثير ،ويحظى
باعتراف �سريع من الو�سط الثقافي في
بلدتها داغ�ستان ،تلك الجمهورية الجبلية
التي تقع على ح��دود ال�شي�شان ال�ضاربة
ر�سول حمزاتوف ماركيز
«القوة»
ّ في بالغة
مقترحات وبدائل
د .حاتم الفطنا�سي
الطفرات التي اله َّبات �أو ّ مادام مجموعة من َ التي عثرنا عليها هنا وهناك ،نزعم � ّأن يه ُز ْز َك عند �سماعه ..ف َل ْي َ�س ال�شعر لم ْ ُ �إذا
العربية �إلى ّ قافية
لم تخ�ضع في البيئة ال ّث ّ ْ معياراً يتراءى في �أف��ق المعايير حام ًال خليق ًا �أن ُيقال له �شعر..
إبداعية
وفل�سفي وممار�سة � ّ ّ فكري
ّ مهاد (القوي)،
ّ معه ُح ّجي ًة ووجاه ًة ،هو معيار لع ّله م��ن قبيل المجازفة �أن نبادر
طويلة. حا�صل ان�صهار بين الأحكام ،تخ ّلق فيما ُ بمجموعة من المقترحات والبدائل التي
دميرية
ّ يكت�سب ( ُق� ّ�وت��ه) ال ّت ُ �إ ّن��ه بهذا انطباعية ،لك ّنه يح ّقق ّ نقديةاع ُتبِر ن�صو�ص ًا ّ ن�سميهن�شرع بها لت�أ�سي�س ما ُيمكن �أن ِّ ّ
قوته في �إباقه عن وليديةَّ ، والبنائية ال ّت ّ ّ الم�شهدي في
ّ ح�ضوراً ونجاعة في ال ّنقد )القوة( ،لذلك ال ّبد من االنطالق من ّ بالغة
ِ ِ
ال�سلطة وال ّنموذج وفي غمو�ضه وا ْلت َبا�سه، ّ خا�صة.
أوروباّ ، � ّ وفل�سفية �صلبة ُت�ساعدنا ّ جمالية
ّ قاعدة
وفي ( ُل َعبِه) المت�شابكة في ال ّتركيب وفي فكيف يتج ّلى وم ��ا ه��ي م�ستويات في االقتناع بما نحن ب�صدده ،من ذلك
الداللة وفي الإيقاع ،في عالقات ال ّلغة وفي ّ ح�ضوره؟ ما خا�ض فيه (غ��ادام��ر) في حديثه عن
(ال ّذوات) داخله وفي المجاالت المتجاورة ث� ّ�م ما ه��ي �أوا���ص��ر عالقته بالحداثة الن�ص ،وهي من ّ البنائية) في ّ (القوة
ّ تلك
(ال�شعور ،ال ّال�شعور ،الحلم، المت�صارعة فيه ّ العربية؟
ّ عريةال�ش ّ ّ تحدث فيها عن ّ التي القليلة المنا�سبات
الواقع ،ال ّتاريخ ،الم�ستقبل .)...يت� ّأبى عن الن�ص
ّ في ،ً ا إذ � ة، القو
ّ مفهوم ى ل
ّ يتج (القوة) ،لك ّنه ربطها ب�شعور الإمتاع الذي ّ
(المعيار) ال ّتقليدي ،وع��ن ال ّتو�صيف ،ال عري ،بك ّل خ�صائ�صه ،وبالمقوالت ال�ش ّ ّ فعل
ال�صدم ُة �إ ّال ُ ّ وما دمة، ال�ص
ّ تلك عن ينتج
�وي) ا�سم �إ ّال �أ ّن��ه (ق� ّ ر�س َم وال َ �صفة له وال ْ ظري الذي إطار ال ّن ّ تغير ال ُ المحركة له .فلقد ّ ّ الن�ص.
ّ ة ُ قو
ّ هي ما، ة ارتطام و ّلد ُته ُق ّو ٍ
بح َي ِله وا ْلت َبا�سه ،ب َلعبِه المتوا�صل
ِ ِ ِ (مفترِ�س) ِ ُ ال�شعر ب�شكل حا�سم فعل ّ مار�س خالله ُ ُي َ بع�ض ال�سياقات في كتابات �إ�ضافة �إلى ِ
اخلية ،مع العوالم ّ ّ الد ناته مكو
ّ مع ع المتنو
ّ وتراجعت الحدود الفا�صلة بين �أجنا�س Jean Grenierوف��ي �سياق درا�سته
من يقترب منه ْ ومع أويالت، �تّ وال الالت والد
ّ الن�ص بدي ًال عن الأن��واع، ّ الكتابة ،وق��ام (للجميل) ،و(ال ّنافع) ،و(القبيح) ،ومختلف
لل َّت َف ُّر ِ�س فيه �أو ر�صده �أو َف ِّك َ�ش ْفرته .هكذا م� ِّؤ�س�س ًا لف�ضاء تنتهي �إليه مختلف الأ�شكال، وتتنا�سل.
ُ الأحكام التي تتفاعل
ال�شعراء جمهور ّ ُ نظرت الحداث ُة وهكذا طفق ّ ال�شعر. تعريف ّ ُ لذلك ي�صعب اليوم ف�ض ًال عن ح�ضور هذا المعيار ب�صورة
ال��ر ّواد
ُ �ا � أم
ّ � فات)، (الو�ص
ْ �ذه� ه تطبيق في عريّ ّ ال�ش بالن�ص
ّ نق�صد ل��ك� ْ�ن م ��اذا الدرا�سات التي وباطراد في ّ ّ �أكثر و�ضوح ًا
�أو (ال ُفحول) (وال ن�ستعمل الم�صطلح في الحديث �أو ًال؟ ال�سينما، الم�شهدية (الم�سرحّ ، ّ ُت ْعنى بالفنون
هجينية� ،أو حنين ًا �إلى القديم ،بل ّ �صيغته ال ّت ن�ص ،في مرجعه بناء على ما �سبق ،هو ٌّ ً ال�سيناريو ،ال ّت�شكيل ،)...يتج ّلى ذلك في ّ
اللية التي �أ�شرنا �إليها) ف�ش�أ ُنهم الد ّ ب�صيغته ّ الغربي ،ي�سعى �إل��ى �إف ��راغ الأ�شكال من ّ الم�سرحي
ّ الن�ص
ّ عن فيها ث يتحد
ّ مقابلة،
�ش�أن �آخر. أدبية في تجاوز الأجنا�س ال ّ ُ تاريخها و�إلى ويعتبر ال��ق� ّ�وة كامنة ف��ي ذلك ُ (ال��ق��وي)
ّ
تقبل، الم ّ (القوي) بال ّن�سبة �إلى ُ ّ يتج ّلى وتجاوز ما ُيعرف عادة ُ �شكلها الكال�سيكي، ال ّت�شابك وال ّتع ُّقد وال ّتو ّتر والغمو�ض في
(ال�سحر)� ،أو (الو ْقع)� ،أو (الإرباك)، في ذلك ّ بمحددات الجن�س� ،أو ال ّنوع التي على �أ�سا�سها ّ الباث
ّ متبادل بين َ عب فيه الن�ص ،حيث ال ّل ُ ّ
�أو (ال ّتخدير)� ،أو (ال ّتهييج)� ،أو (ال ّتخييل) ال�شعر، ُت ْب َنى ال ّتعريفات ومن �ضمنها تعريف ّ (الن�ص). ّ به والملعوب والمتقبل
ّ
�سحبه �إل��ى عا َلم �آخ��ر ،وفي غيرها من �أو ْ الم�ستع�صي على (ال ّتحييز) وال ّتعريف، وهو ُ انطالق ًا من هذه الإ�شارات والأ�سانيد
البوابات� ،أطلقوا (بالون َة) االختبار ،لك ّنهم لم ّ ت�ضر ُِبه الحاالت واالنفعاالت وال ّتغييرات التي ْ
نوا كو َنهم وب ْ فنوعواَ ، نظروا �إليهّ ، يلتزموا بما ّ وتلعب به في ال ّلحظة �آالف ُ م ْق َت ًال ف ُت َغ ِّي ُره
لم
الخا�صة ،كما ْ ّ وم ْن َج َزهم على طريقتهم ُ المرات.
ّ
قبل ولل ّتمييز ولل ّتقريب ،عدا ّ تّ لل ا
ً ح قتر
ُت ِّ ْ ُ َ
م م قد بينت ّ �ا� م على ، �ص ّ � �� � �ن � ال �ي � ف يكمن وه��و
مقترح (الحديث) ،بما يحيل �إليه من (غليانِ َ العربية ،ولك ّنه ّ ة عري
ال�ش ّ �والت الحداثة ّ م��ق� ُ
ي�ستمد (القوي) حد عبارة �لاط في ِم ْر َجل مجهول) على ّ ال ْأخ ِ يكمن �أي�ض ًا ف��ي مجموعة م��ن الم�ستويات
�شرعيته من قدرته �أهل الكيمياء. والتاريخية
ّ وال�سو�سيولوجية
ّ ال�سيكولوجية
ّ
على التعامل مع �شرعي َته َّ (القوي)
ّ ي�ستمد
ّ وبناء على ذلك، الن�ص
ّ ة بقوّ ، ال
ً أو � يرتبط فهو ة، عام
والح�ضارية ّ ّ
الن�صو�ص المتعاي�شة من ُق��در ِت��ه على ال ّتعامل مع ك� ّل ال ّن�صو�ص المتقبلة، ّ ات ذّ وال ف�س ن
ّ ال في بفعله أي الحديث� ،
من�صة الح�ضور، اعتالء ّ َ المتعاي�شة التي تتبادل يع َب َث ّ َ ْل ى ت ح عليها ه ِ�سُ ُ ر ما ي الذي أثير وفي ال ّت�
اريخي ،وبح�سب ّ الح�ضاري وال ّت
ّ الظرف بح�سب ّ بها ،وتتراوح بين مختلف الحاالت والأحوال
المتقبل ذات ًا� ،أو جماعة ،على الم�ستوى ّ حالة وتعي�ش �إيقاعاته وتناق�ضاته وه ّزاته.
وحركية ّ و�ضعية المجتمع ّ ف�سي ،وبح�سب ال ّن ّ الن�ص ّ ارت��ب��اط
َ كما نعني ب��ه ،ث��ان��ي � ًا،
الأفكار. بالر ِحم التي يتخ ّلق فيها ،فتتعا ُلق بالمجتمعَّ ،
بد لنا ،من طرح �س�ؤال الجدوى ،ونحن ال ّ الب�صمات ،ب�صمة ال ّذات المدقوقة في تاريخها
دارج في معايير ُنجازف باقتراح معيارٍ غير ٍ الهوية في ّ والمنف�صلة عنه ،الحاملة لـ(جينات)
ال�ضبط ال ّنقد ،بطريقة تحتاج �إل��ى كثير من ّ وال�ساعية �إلى ال ّتغيير وال ّتثوير ك ّل م�ستوياتهاّ ،
ف�سندعيه الآن ،ون ِع ُد ال ّن َ واالختبار ،الذي ال ّ في ك � ّل المجاالت ،ب � ْ�دءاً من تثوير الكتابة
ب�إتمامه في م�ستقبل �أعمالنا. مروراً بتغيير ال ّذائقة وتثوير الوعي ،بق�ص ٍد �أو
ت�ستمد بع�ض
لج ْ�سر أهلي ُة (القوي) في �أ ّنه ُم� َّؤهل َ تكمن � ّ دون ق�ص ٍد ،و�صو ًال �إلى تغيير الإن�سان ،وبما
الن�صو�ص قوتها من اد ا�ستبدا َلها
العمودية، ّ اله ّوة بين ق�صيدة ال ّنثر والق�صيدة ُ ف�ض َل ال ُن ّق ُ الن�ص من �أ�سئلةّ ، يحمله ّ
لحظتها التاريخية وق�صيدة ال ّتفعيلة ،ف�لا �إق�����ص��اء ب��ـ(دع��وى ومغالبة وع َن ٍت ّ ُ ة ا�ستمراري من له لما بال ِّت ْ�س�آل،
عدد، قبول باالختالف وال ّت ّ الحداثة)� ،إذ الحداث ُة ٌ قوتها في هذا ت�ستمد ّ ّ بع�ض ال ّن�صو�ص و�إ�صرارُ ،
قبل موجوداً� ،ستظ ّل هذه ال ّن�صو�ص ومادام ال ّت ّ الن�ص(ا�ستقاللية) ّ ّ ومنه ،مهما قيل عن الإطار ِ
را�سخة ناب�ض ًة. إبداعي وانغالقه ،باعتباره (نظام ًا). ّ ال
توافق ًا مع مقوالت وهو جدير ب�أن يكون ُم ِ بع�ض ُ ه ت�ستمد
ّ �ا
� م ، ا
ً � �ث� �ال � ث ب��ه، ونعني
ظرية الحداثة ،وهو جدير بتقويم تع ّثراتها ال ّن ّ ال ّن�صو�ص م��ن ( ُق� � ّ�و ٍة) مت�أ ِّتية م��ن لحظتها
إق�صائية) لل َقدامة� ،أو (لل ّن�صو�ص الحديثة) ّ (ال اريخية ،برغم كونها ،في ُع ْرف الحداثة ،ال ّ ال ّت
�ف ٌء ب ��أن ُي��ك� ِّون مع في القديم ،مثلما هو ُك � ْ ق�ضي ُة القدامة والحداثة، ّ زمنية ،وهنا ُتطرح ّ
يد عنه �أبداً (نق�صد معيار المعيار الذي ال َم ِح َ تمام ّ أبي � و ي المتنب
ّ ن�صو�ص فماذا نقول عن
(جمالية
ّ «الجميل») ،عندها يمكن الحديث عن ؟ وكيف نحكم على ن�صو�ص عبد ال��ر ّزاق عبد
بع�ض الن�صو�ص قوي ًا /جمي ًال� ،أو جمي ًال/ القوي) ،وبهذا يكون ّ ّ وبم نحكم الجواهري ؟ َ ّ ومحمد مهدي ّ الواحد،
ت�ستمد قوتها من �وي في ٌّ � ق �ه، � �ل� داخ في �وي
ٌّ � ق ن�صٍّ ل
ّ ك ُ ف ، ا
ً �وي�
ق� ّ على ن�صو�ص محمود دروي�ش و�سعدي يو�سف
ا�ستقاللية الن�ص وتقبله... ّ ح�ضوره وغيرهما؟
�وازن ،بل ّ َ � ت � ال ) القوي
ّ (معيار
ُ ق ق
هكذا يح ّ العربية ّ عريةال�ش ّ لقد ن� ّ�ظ��رت ال��ح��داث��ة ّ
الإبداعي عدد وال ّتكاثر وال ّتمايز،
حري) بين (الجميل) و»ال ّنافع»، ال�س ّ (ال ّتع�شيق ّ لالختالف والقبول بال ّت ّ
�ص ت�س َتبِد بنا غواية (ال ّن ّ ِ َي َ�س َع ُهما مع ًا .هكذا ْ تلغي
لك ّنها لم ت�ستطع على م�ستوى الواقع �أن َ
�وي) والبحث ع��ن ب�لاغ��ة �أخ ��رى ُتغرينا ال��ق� ّ تتحا�ضر في َ عرية التي تتعاي�ش �أو ال�ش ّ أنواع ّ ال َ
أخ�صُ ،يمكن و ُت��راودن��ا ،للبحث في م�شروع � ّ العمودية وق�صيدة ّ واقع الإبداع� ،أي الق�صيدة
�وي) ،وه��و م��ا يحتاج ت�سمي ُته بـ(بالغة ال��ق� ّ ال ّتفعيلة وق�صيدة ال ّنثر ،لم ُت ْع ِدم � َّأي واحدة
وتطبيقي ًا �أو�سع و�أعمق من هذه ّ ت�أ�سي�س ًا نظري ًا تمح�ض لق�صيدة ّ ب�شير
منها ،برغم � ّأن ال ّت َ
أولية.
المقترحات ال ّ ال�شعراء) ،فتحوا َ ّ ة (�صاغ ال ّنثر ،وقد �أ�شرنا � ّأن
دون كي�شوت
النبيل
ت�صوره الخا�ص الذي تدفعه ولعل تناولي الآن لبنية الن�ص ال�سردي
�إل��ي��ه �أوه��ام��ه المتعاظمة ونظام التفكير الإبداعي ل�سرفانت�س ،م�ساهمتي
بما ي�شبه ج��ن��ون العظمة ال�شخ�صية في هذا اليم ال�شا�سع الوا�سع من هذه
لفار�س مقاتل �شجاع يتوهم الدرا�سات ،وذلك لأجل مو�ضعتها في المكانة
ط��واح��ي��ن ال��ه��واء وح��و���ش� ًا التي ت�ستحقها.
خرافية ،والخراف التي ترعى نظام التفكير الإبداعي ،منذ العتبات الأولى
في الحقل �أعداء فيهاجمها، للرواية� ،سيبدو �سرفانت�س (ثربانت�س) �أنه على
ب��ال��رغ��م م��ن تحذير تابعه ثقافة فنية و�إبداعية عالية ،تعبران عن وعي
(�سان�شو) من �أنها طواحين فكري متقدم في نظام التفكير وطرائق بناء
ه���واء و�أغ ��ن ��ام ،ول��ك��ن��ه لن الن�ص ال�سردي ،ف�ض ًال عن توجيه المتلقي الوجهة
ي�صغي �إليه ،بل لعله لم يكن الأم��ث��ل لتقبل العمل عبر اجتراحه جملة من
ي�سمعه ،وقد ف�سر الباحثون التقنيات المت�صلة بالعملية ال�سردية من حيث
ه��ذه العالقة المرتبكة ما بناء ال�شخ�صية و�إقامة الحبكات اللطيفة ،ولوال
بينه وبين (�سان�شو) تف�سيرات ذلك ما تمكن �أحد من قراءة ما يزيد على �ألف
عديدة ،ومنها رغبة (�سان�شو) �صفحة �شملت المغامرات والحوارات الفائ�ضة
�سان�شو مع معلمه دون كي�شوت ف��ي �سماع الق�ص�ص التي بذكاء لماح يعرف ما يريد �أن يو�صله لقارئه.
يرويها دون كيخوته� ،أو ربما حلمه كفالح في وبذلك ف�إن هذا العمل الخالد لم ي�أت م�صادفة،
امتالك �أر�ض يعده �سيده بها ،مع �أن (�سان�شو) كما ظن بع�ض الدار�سين ،لأن من يعود �إلى
كان يرى الأ�شياء على حقيقتها ،ولي�ست لديه الخطبة في م�ستهل الرواية� ،سيكت�شف ذلك الوعي
�أوه��ام الفرو�سية ،حيث �إن عهد الرمح والدرع الذي �أ�شرنا �إليه.
الحديدية انتهى من زمان بعيد ،فمع اكت�شاف يقدم �سرفانت�س بطله النبيل (دون كيخوته
الأ�سلحة النارية ،ف�إن مفهوم ال�شجاعة قد تغير دي المن�شا) ،وهو في الخم�سين من عمره ،ولي�س
عالقة مرتبكة كلي ًا ،بل �إن منظومة القيم الأر�ستقراطية نف�سها ثمة معلومات �إ�ضافية عن ما�ضيه وعن عالقته
بين البطل وتابعه قد تال�شت في �أو�ساط المدنية الجديدة ،وعلى بالنبالة والفرو�سية� ،سوى �أن��ه يمتلك رمح ًا،
(�سان�شو) ترتبط حد تعبير �أحد النقاد :بات ب�إمكان الجبان قتل والإ�شارة �إلى نبالته التي كانت قد انتهى زمانها
بالبطوالت النبيل ال�شجاع بر�صا�صة تخترق درع��ه الذي منذ حرب (المئة عام) ما بين فرن�سا وبريطانيا.،
يثقل حركته. �سارد الحكايات� ،سوف يركز في م�ستهل
والإحباطات وجنون وفي هذا ال�صدد� ،أرى �أن �سرفانت�س ،لعب الرواية على �أو�ضاع (دون كيخوته) المعا�شية
العظمة بذكاء على هذه المفارقة الفكرية والزمنية كرجل فقير متق�شف في طعامه وملب�سه ،وعن
ببراعة ،مكنته م��ن ال�سيطرة على قارئه م�����ص��ادر دخ��ل��ه ،ف�ض ًال ع��ن بع�ض تفا�صيله
وت�شويقه لتتبع �سل�سلة الحكايات والحوارات الج�سدية ومكان �إقامته في مجتمع ريفي �صغير
المتفرعة� ،سواء كان من قراء ذلك الزمان �أو يعرف النا�س بع�ضهم بع�ض ًا فيه.
من المعا�صرين� ،إذ مازال مخرجو الم�سرح وما يميز (دون كيخوته) عن هذا الجوار،
وال�سينما ،ي�شتغلون ب�شغف على تقديم قراءات هو �إدمانه ال�شديد على مطالعة كتب الفرو�سية
جديدة لهذا العمل ،ف�ض ًال عما �أبدعه الفنانون وال�سحر وال�شعوذة القديمة ،وكنتيجة لهذا
الكبار من لوحات عنه وعن تابعه �سان�شو. الإدمان المبالغ فيه ،تجمد عقله وما عاد يفكر
رواية من روائع وم��ن هنا يمكننا ت�صور مقدار المفارقة �سوى بالمغامرات البطولية ورومان�سية الفر�سان
الأدب العالمي �إلى البارعة ،التي �أقامها (�سرفانت�س) وهو يطلق الذائدين عن ال�ضعفاء وتحقيق العدالة وفق
جانب (الإلياذة) بطله (دون كيخوته دي المن�شا) النبيل بهده
و(الكوميديا الإلهية) ال�صورة الهزلية ،التي قدمتها ال�سينما �أو الفن
الت�شكيلي تحديداً.
و(فاو�ست) ولعله �أي�ض ًا �أراد من قارئه �أن يت�أمل نف�سه
ويتب�صر �أوهامه حول ذاته ،وال �سيما في النظرة
أعداء يرفع عليهم
�إلى الآخرين ،قبل �أن يتخيلهم � ً
�سيفه �أو يحاربهم ،لمجرد ظنه �أنهم �أعداء كما
فعل دون كيخوته (النبيل)!
غالفا الإلياذة والأودي�سة
�أحمد نجيب..
من رواد الكتابة في �أدب الطفل
لأول مرة في عام (1968م) ،وقد عمل �أ�ستاذاً ال�شاعر والناقد �أحمد نجيب (-1928
لمواد الأط��ف��ال� -أدب الأط��ف��ال في معظم واحد من �أبرز كتاب �أدب الأطفال ٌ 2003م)،
الجامعات الم�صرية. في م�صر ،و�أحد �أهم ال�شعراء الذين كان لهم
ح�صل الكاتب والأدي ��ب (�أحمد نجيب) ال�سبق في تقديم مادة تراثية عظيمة للأطفال
على �إجازة معهد الدرا�سات العليا للمعلمين من خ�لال ال�شعر ،وه��و �صاحب ب��اع طويل
رويدا محمد بالقاهرة ع��ام (1952م) ،ثم ح�صل على في هذا الجانب بكثرة ق�ص�صه وم�سرحياته
الماج�ستير من كلية الآداب بجامعة القاهرة، ال�شعرية وغيرها� ..أما �شعره الذي غطى كثيراً
�شعرية ،وهذه الأقا�صي�ص ال�شعرية عبارة عن ف��ي م��و���ض��وع (درا� ��س ��ة دي��م��وج��راف��ي��ة في من نتاجه الأدب��ي ،ففيه زاد وفير للأطفال،
�شكل �أدبي ،يدرب الأطفال على معنى التذوق. التخطيط الب�شري) عام (1972م) ،وح�صل لبنائهم ،و�إعدادهم �إعداداً ديني ًا ووطني ًا .وقد
وف��ي ق�صيدة عنوانها (ب�سم اهلل) يبين �أن على �شهادة معهد التخطيط القومي عام تناول في مو�ضوعاته ال�شعرية للأطفال مادة
الب�سملة واجبة في كل �شيء من حياتنا ،في (1963م) ،و�شهادة �أكاديمية العلوم التربوية �شائقة بعدة �صور وجوانب مختلفة تتواءم
الم�أكل والم�شرب ،وكذلك في الجري واللعب، الألمانية من معهد القيادة والتخطيط ببرلين مع ظروفهم وحياتهم .ولأن لغة �أدب الأطفال
وفى القراءة والكتابة ،وعند دخ��ول البيت، ع��ام (1972م) ،و���ش��ه��ادة المعهد الدولي لها خ�صائ�ص تميزها ،فقد جاءت لغة �أحمد
وهذا �أول ما يقدم للطفل ويعرفه في حياته للتخطيط التربوي بباري�س ،ث��م عمل في نجيب ،متفقة مع ما قرره علماء اللغة في
حتى ي�شب عليه. مجال �أدب الطفل ،فكان مديراً لمركز الطفل لغة الأطفال من خ�صائ�ص �صوتية و�صرفية
ثم تبع ذلك ق�صيدة بعنوان (الحمد هلل)، بدار المعارف ،وع�ضواً في لجنة ثقافة الطفل ومعجمية وتركيبية وداللية ،وات�سمت الألفاظ
وفيها ي�ؤكد �أن الحمد واج��ب في كل وقت بالمجل�س الأعلى للثقافة بالقاهرة ،وع�ضواً عنده بعدة �سمات ،منها :ال�صحة وال�شيوع
من �أوق ��ات الحياة اليومية للأطفال :بعد بالمجل�س العالمي لكتب الأطفال ،و�أ�ستاذاً ي�ضيق الفجوة بين الف�صحى على الأل�سنة مما ّ
الم�أكل والم�شرب ،والجري واللعب ،والقراءة لأدب الأطفال بمعظم جامعات م�صر. والعامية ،والبعد عن الألفاظ الغريبة وال�صعبة
والكتابة ..ثم يقول في ق�صيدة �أخرى عن الأم، �أما �إنتاجه الأدبي؛ فقد و�صل �إلى ثالثمئة ف��ي نطقها ،وم��خ��ارج ح��روف��ه��ا ،كما كان
م�صوراً الحوار بين الطفل والأم ب�صورة فيها كتاب للأطفال .ومن �أ�شهر �أعماله( :مجموعة حري�ص ًا على الإتيان بالألفاظ التي يجمعها
حنين وحب ،فيها قرب وعطف ،وحوار دافئ، ال�سيرة النبوية للأطفال)�( ،سل�سلة حكايات حقل داللي واحد كالألوان والحيوانات.
وهذا الحوار متعدد يمكن �أن يكون بين الأم في كليلة ودمنة)�( ،سل�سلة حكايات الع�صفور وال�شاعر �أحمد نجيب ،ينتمي �إلى الجيل
والطفل� ،أو بين الطفل والجدة. الأزرق) ،و(�سل�سلة م��اذا تعلم ع ��ن؟) .كما الذي واكب مرحلة التقنين العلمي لهذا الأدب،
هذا ال�شعر له �أ�شكاله وقواعده ،ومناهجه، �أ�صدر اثنتين من دوائ��ر المعارف للأطفال بعد �أن و�ضع جيل الرواد اللبنات الأولى ،بما
وما يت�صل باللغة ويتواءم معها ،وهذا يتجه من ت�أليفه ،وا�شترك في ثالث دوائر معارف فيها من عيوب البداية وميزاتها ،فكان ممن
لمراحل الطفولة ،بما فيها من مو�ضوعات تهم للأطفال ،منها :دائ��رة المعارف العالمية �أخل�صوا لأدب الطفل وثقافته ،ف�أوقف ن�شاطه
وتخدم الأطفال .وفي ات�صال الأطفال بهذا الم�صورة للأطفال والنا�شئة ،كما �أ�شرف وطاقته الفكرية والمعرفية والإبداعية على
الأدب ،ت�شكيل لوجدانهم و�صقل لم�شاعرهم، على (دائرة معارف م�صر للأطفال -م�صر �أم كل ما يخ�ص الكتابة للطفل ،فكان �أول من
وتن�شئتهم تن�شئة �سوية� ،إذ ي�ألفون الحق الدنيا) ال�صادرة عن الهيئة الم�صرية العامة �أ�صدر كتب ًا علمية �أكاديمية عن �أدب الأطفال،
والجمال والحب والخير ،وذلك �أف�ضل �أ�سا�س لال�ستعالمات ،و�صدر منها ما يزيد على مئة وكتب الأطفال على م�ستوى الوطن العربي،
لحياتهم ،ال �سيما �إذا ا�ستمر ات�صالهم ال�سوي كتاب من ت�أليف �أحمد نجيب .وق��دم ()12 منها كتاب (فن الكتابة للأطفال) الذي �صدر
به ،وارتباطهم بقيم الدين ال�صحيحة. كتاب ًا ح��ول �أدب الأط��ف��ال موجهة للكبار.
ن��ال الكاتب والأدي ��ب �أحمد نجيب من و�أ���ش��رف �أحمد نجيب على �سل�سلة ق�ص�ص
التكريمات الكثير م��ن ال��ج��وائ��ز المحلية عالمية للأطفال كانت ت�صدر من جنيف، في �أدبه زاد وفير لل�صغار
والعربية ،منها :جائزة الدولة الت�شجيعية في ومدريد ،وباري�س ،والدار البي�ضاء ،وبيروت،
متفق مع ما قدمه علماء
�أدب الطفل مرتين (1972م و1989م) ،و�سام وال��ق��اه��رة .كما ا�شترك ف��ي تحرير مجلة
العلوم والفنون من الطبقة الأولى (1973م)، (المختار) التي �أ�صدرها المجل�س العربي اللغة من خ�صائ�ص �صوتية
نوط االمتياز من الطبقة الأولى (1991م). للطفولة والتنمية عام (1989م). و�صرفية ومعجمية
كما فاز بجائزة الملك في�صل العالمية في ولأن �شعر الأطفال يعنى باحتياجات
�أدب الأطفال (1991م). الطفل الوجدانية ،وهي في معظمها �أقا�صي�ص
وتركيبية وداللية
م��ن قبيل (عبدال�صمد الكنفاوي) و(ع��ب��داهلل ومنحها ا�سمه الذي �أ�صبحت ت�شتهر به فني ًا. ال�سعدية قريطيف (ثريا جبران) ول��دت ّ
�شقرون) وغيرهما ..لتتوج م�سيرتها الدرا�سية تلقت ثريا ج��ب��ران درا�ستها االبتدائية في (� 16أكتوبر 1952م) ب��درب بو�شنتوف
بح�صولها على دبلوم التخ�ص�ص الم�سرحي. والثانوية في مدينة ال��دار البي�ضاء ،وكانت بمدينة الدار البي�ضاء ،ترعرعت يتيمة الأب،
ب��د�أت ثريا م�شوارها الفني وهي في �سن �ضمن الفوج الأول من التلميذات المغربيات، ال�شيء ال��ذي جعل والدتها تلتحق بم�ؤ�س�سة
العا�شرة ،حيث ان�ضمت �إل��ى فرقة (الأخ ��وة اللواتي تخرجن في المرحلة االبتدائية ،مع خيرية للعمل فيها كمربية ،وهناك فتحت
العربية) التي كان يديرها المخرج (عبدالعظيم فجر ا�ستقالل المغرب ،والتحقت بعد ح�صولها ثريا عينيها على عوالم مجتمعية ه�شة� ،أثرت
ال�شناوي) ،و�شاركت حينها في م�سرحية (�أوالد على �شهادة البكالوريا بالمعهد الوطني ،التابع في م�سارها الفني وموقفها الإن�ساني ،وكان
ال��ي��وم) ،وبعدها اخ��ت��اره��ا المخرج (محمد ل ��وزارة ال�ش�ؤون الثقافية والتعليم الأ�صلي زوج �أختها (محمد ج��ب��ران) بمثابة م�ؤطر
الت�سولي) للم�شاركة في م�سرحية (يو�سف بن بالرباط ،الذي تلقت فيه تكوينها الفني ما بين تربوي في الم�ؤ�س�سة ذاتها ،الذي لعب دوراً
تا�شفين) التي نالت عنها جائزة �أح�سن �أداء (1972-1968م) على يد كبار �أ�ساتذة الم�سرح، مهم ًا في توجيهها نحو ع�شق (�أبو الفنون) ،بل
ن�سائي ،في الإق�صائيات الإقليمية لم�سرح
الهواة في الدار البي�ضاء ،وبف�ضل ذلك التتويج
تم انتدابها للم�شاركة في �أحد تدريبات ال�شبيبة
والريا�ضة بغابة المعمورة �صيف (1968م)
حيث التقت بعمالقة الم�سرح ،م��ن �أب��رزه��م
المخرج (فريد بنمبارك).
وبعدها انطلقت في تجربة م�سرحية ممتدة،
عبر عقود من الزمن ،مرت من خاللها بمجموعة
من التجارب والفرق الم�سرحية ،حيث �شاركت
في النجاحات التي حققتها فرق (ال�شهاب)
و(ال��م��ع��م��ورة) و(ال��ق��ن��اع ال�صغير) و(م�سرح
النا�س) ،وهذه الأخيرة كان يديرها المخرج
(الط ّيب ال�صديقي) ،الذي
الم�سرحي المعروف ّ
�أبانت معه ثريا جبران عن علو كعبها ،خا�صة
ف��ي م�سرحيتي (دي���وان �سيدي عبدالرحمن
المجدوب) و(�أبو حيان التوحيدي).
وبعدها د�شنت محطة جديدة متميزة من
م�سيرتها الفنية كممثلة� ،ضمن �أع�ضاء فرقة
(م�سرح اليوم) بقيادة زوجها الم�ؤلف والمخرج
الم�سرحي (عبدالواحد ع��وزري) ،ال��ذي حاول
�إعادة االعتبار للم�سرح المغربي ورفع م�ستواه،
ليمنح الجمهور المغربي �أعما ًال م�سرحية خالدة،
و الفنان الراحل محمد ب�سطاوي ومع الفنان الجزائري ال�شاب خالد ثريا جبران مع عادل �إمام في مهرجان مراك�ش لل�سينما
تكريمها من وزير الثقافة الأ�سبق محمد الأعرج ومع المخرج الراحل الطيب ال�صديقي ومع الفنان المغربي ه�شام بهلول
كما دعت �إلى �إحياء الم�سارح والمراكز الثقافية من بطولة ثريا جبران ،ووج��وه �شابة �أ�صبحوا
الجهوية بعيداً عن المركزية. نجوم ًا فيما بعد� ،أمثال المرحوم (محمد ب�سطاوي)
�إن ت�ألق ثريا جبران في �أعمالها المحترفة، خمولي) و(ر�شيد الوالي) و(محمد و(عبداللطيف ّ
تعد عالمة بارزة في جعلها تح�صل على العديد من الجوائز والأو�سمة، خيي) ،الذين �شخ�صوا �أعما ًال فنية مازالت خالدة،
داخل المغرب وخارجه ،فهي حا�صلة على و�سام من قبيل( :حكايات بال ح��دود)( ،نركبو لهبال)،
تاريخ الفن ووجدان اال�ستحقاق الوطني ،من طرف العاهل المغربي (بوغابة)( ،ال ّنمرود في هوليود)�( ،أيام العز)�( ،أربع
المغاربة الراحل الح�سن الثاني ،وعلى و�سام اال�ستحقاق �ساعات في �شاتيال)( ،طير الليل) ،و(امر�أة غا�ضبة).
ال��وط��ن��ي ،م��ن درج ��ة ف��ار���س م��ن ط��رف العاهل و�إل��ى جانب تجربتها الم�سرحية الناجحة،
المغربي محمد ال�ساد�س ،وعلى و�سام الجمهورية اقتحمت ثريا جبران عالم ال�سينما والتلفزيون،
الفرن�سية للفنون والآداب ،من درجة فار�س ،كما من خالل م�شاركتها في م�سل�سالت و�أفالم عربية
فازت بجائزة ال�شارقة للإبداع الم�سرحي العربي من �أ�شهرها( :بامو)( ،الناعورة)( ،غراميات)( ،ق�صر
بدايات مبكرة مع في دورتها الثانية (2008م) ،من قبل الهيئة ال�سوق)( ،عود ال��ورد)�( ،شفاه ال�صمت)( ،الفرا�شة
العربية للم�سرح. ال�سوداء)( ،عط�ش)�( ،صقر قري�ش)( ،ربيع قرطبة).
الطيب ال�صديقي وهكذا رحلت ثريا نجمة الم�سرح المغربي، وف�ض ًال عن م�سارها الفني ،فقد تقلدت الراحلة
والكنفاوي و�شقرون تاركة وراءه��ا ر�صيداً فني ًا حاف ًال بالإبداعات مهمة وزيرة الثقافة ما بين (2009 -2007م)،
والإن ��ج ��ازات ،جعل ا�سمها م��ح��ف��وراً ف��ي ذاك��رة التي �سعت من خاللها �إلى تن�شيط الحياة الفنية
المغاربة ،بكونها �أيقونة الخ�شبة من دون منازع. والثقافية ،و�إل ��ى االهتمام ب�ش�ؤون الفنانين،
عبداهلل �شقرون عبد الواحد عوزري عبدالعظيم ال�شناوي فريد بنمبارك ثريا جبران في �أحد �أعمالها الم�سرحية
نف�سها في حالة �سيرورة ،تتغير مكوناتها، ال �شك في �أن �أية مقاربة لمو�ضوع الهوية،
وتتجدد مفاهيمها ،ويكون للغة دور كبير في والهوية الثقافية بوجه خا�ص ،تنطوي على
وتعرف وتقارب ّ ذلك؛ وذلك �أكيد لأنها ت�صف تف�صيالت وتنويعات ت�ستدعي الت�أمل في ما
الأ���ش��ي��اء؛ ليكون ال��خ��ط��اب مجلي ًا للهوية، تحمل من وجهات نظر مختلفة ،وتباينات في
ومعر�ض ًا لمفرداتها التي تكونها. مفهومها الم�ستمد من �إيديولوجيات و�أفكار
وال��م�لاح��ظ �أن المنفيين وال��غ��رب��اء في تعمل على ت�شغيلها .لكن ما يمكن االتفاق
مجتمعات الآخ ��ر� ،أك��ث��ر �إح�سا�س ًا بالمكون عليه منطلق ًا لهذه المقاربة ،هو ت�أكيد الجانب
الثقافي ،واللغوي خا�صة ،للهوية .وفي تفح�ص الثقافي ،ودوره في تر�سيخ الهوية وتجددها
مو�ضعهم الهوياتي ف��ي تلك المجتمعات مع ًا ،وفق معطيات الع�صر وتياراته الفاعلة في
التي يفتر�ض �أن يندمجوا فيها ،لي�س بمعنى الحياة.
المحو واال�ستالب المتمثل في احتالل البلدان لقد كانت الهوية في �أ�صلها اال�صطالحي
الثقافة والح�ضارة وم�����ص��ادرة ح��ري��ات ال�����ش��ع��وب ،ب��ل التفاعل مثا ًال على ترحيل الم�صطلحات واقترا�ضها،
ت�ضيفان �إلى التقارب الإيجابي و�ضمان �سيرورة الحياة بكرامة ف��ه��ي ف��ي الأ� ��ص ��ل م��ن م�صطلحات الفكر
وح��ري��ة ،لكن ذل��ك ال يتم �إال بخ�سائر يمكن االجتماعي ،لكن �إجراءها في الثقافة ي�ؤكد
الإن�ساني عنا�صر
تفاديها بتقوية الهوية ،عبر ا�ستذكار منجزها �أهمية العامل الثقافي في الوجود الهوياتي
القوة واالنفتاح الإن�ساني في الح�ضارة والموروث الثقافي، لل�شعوب .فالثقافة والح�ضارة كمنجزين
والتحرر والغنى و�إمداد الذات بعنا�صر من المعا�صرة التي تجعل روحيين ي�ضيفان للتقارب الإن�ساني مبررات
وجودها فاع ًال ومتفاع ًال �أي�ض ًا مع العنا�صر تجعل ذلك التقارب عن�صر قوة وانفتاح وتحرر
الثقافية واللغوية للآخر ،ويكون المكان هذه وغنى .ك��ان باختين يقول ب�صدد التثاقف
المرة عام ًال �إ�ضافي ًا في اختبار قدرة الذات الأوروبي مع ثقافات ال�شعوب خارج القارة� :إن
على موازنة �إ�شكالية الهوية في الوجود الذي النظر �إلينا بعين الآخر يزيدنا قو ًة وانفتاح ًا.
يهيمن عبر اللغة على �إجراءات المثاقفة معه، من جهتنا ك��ان يجب النظر �إل��ى الهوية
وه��ذه معاي�شة مبا�شرة ام ُتحن من خاللها بكونها غير ثابتة العنا�صر .ال بمعنى م�سخ
مثقفون كثر .يب�سط ت� ��ودوروف ف��ي كتابه ما حملت من م�ؤ�شرات على الغنى الروحي
(نحن والآخ���رون) طرف ًا منها .كما يت�أملها لل�شعب وح�ضارته ،بل بمعنى �أنها تتجدد
بعمق �إدوارد �سعيد يدخل عميق ًا في دالالتها وتت�سع ال�ست�ضافة عنا�صر �أخرى ذات �أهمية
الوجودية و�إمكانات التوازن التعاي�شي الممكن في تعميق الهوية ،وزيادة الحاجة للإح�سا�س
في حالته و�سواه ممن ي�ؤرقهم �س�ؤال الهوية. بها وتم ُّثلها في الثقافة .فهي تتغير بتغير
وتكون الترجمة كمعطى تثاقفي مع الآخر المعطيات ،وتتنوع لتكون ملهمة للذات و�سط
جديرة �أن ترد في �س�ؤال الهوية كفعل ثقافي تحديات الواقع ،وم�ستجدات الحياة من حول
ي�سهم في التقارب الإن�ساني ،وه��و يقارب الفرد ..يرى �إدوارد �سعيد �أن الثقافة والهوية
�أجله ،بل التب�صر في مكونات ثقافته وتلبية ثقافة الآخر عبر مدوناته ال وجوده المكثف
خطابها اللغوي لتلك الخ�صو�صية المتاحة اجتماعي ًا كما في حال المنفيين والمهاجرين.
للمعاينة ،واال�ستزادة المعرفية مما في الخبرات وت��ك��ون اللغة ف��ي الفعل الترجمي مظهر ًا
والن�صو�ص التي تتيحها تلك المعاينة ..فهي لالختالف عن الآخ��ر .ولنا في ترجمة العرب
منا�سبة للتثاقف معه ،وتقوية الذات بما َ �إذاً مبكراً لكتاب �أر�سطو عن ال�شعرية المترجم
حري باالهتمام، تجد في ذلك الآخر من جديد ٍّ دال ،فقد نقلوا م�صطلحات بـ(فن ال�شعر) مثا ًال ّ ً
الهوية تتنوع لتكون ي�ضيف للهوية مالمح �ساند ًة وم�ؤثرة. كالكوميديا والتراجيديا ب�أنهما رديف لغوي
ملهمة للذات و�سط �إن ال��ج��ذر اللغوي للهوية ينطوي على ومفهومي للهجاء والمديح اللذين ُعرفا في
تحديات الواقع �إ�شارة وا�ضحة للـ(هو) بكونه خ��ارج ذاتنا، الكتابة ال�شعرية العربية والفنون النثرية
وم�ستجدات الحياة ولكن بح�ضوره في ت�شكل الهوية الخا�صة بنا، المتداولة ..كما �أهملوا الف�صل الخا�ص بال�شعر
و(نحن) ك�ضمير للجماعة المتكلمة عن ذاتها، الدرامي ،والمالحم الحربية والتاريخية التي
�ستحمل معها �سمات االختالف عن الآخر بعد ر�أوا �أنها تتحدث عن (تخاريف) ال يجدر بنا
معرفته ،ثم بال�ضرورة ابتكار نقاط اللقاء به. مطالعتها ،ذلك �أن عن�صر االختالف في جوهر
وذلك هو جوهر عملية المثاقفة. محركهالهوية غاب عن العقل الترجمي ،لأن ِّ
�إن �س�ؤال الهوية يواجه اختبارات كثيرة يعد
الفكري والمتمثل في الخطاب اللغويُّ ،
حول �أ�س�سه ومبادئه وقناعاته .ومن �أبرزها ما في الم�سرحيات والمالحم اليونانية �شيئ ًا
العولمة القائمة على تقنيات الحداثة والقوة غريب ًا عن ثقافتنا ،لما فيها من وقائع و�أحداث
الإ���ض��اف��ي��ة لإزال����ة ال��ف��روق وال ��ح ��دود عبر متخيلة ،وتقوم على تحوالت تختلط فيها
التكنولوجيا التي تعدت �أ���س��وار الم�صانع الحقيقة والخيال ،ولذا ي�صبح �إق�صا�ؤه �ضرورة
والمختبرات واالختراعات ،لت�صل �إلى يوميات (خوف ًا) على هويتنا .لكنها في الواقع �أفقدتنا
المكان (عامل الفرد وثقافته .وظهر �أثرها حتى على الأ�شكال ر�ؤية ما تم التنظير له من مزايا ،كان يمكن �أن
�إ�ضافي) في اختبار الأدبية والأ�ساليب .وهذا يف�سر ميل الن�صو�ص تنقل ذلك التقليد الأدبي عبر الأنواع ال�شعرية
قدرة الذات على اليوم �إلى االختزال وال ِق�صر ،والن�شر الرقمي �إلى ثقافتنا مبكراً ،لتزيد هويتنا في تلك الفترة
وال��ت��ط��وي��ع الإل��ك��ت��رون��ي للكتابة والتعليم من التعرف �إلى الآخر تنوع ًا وغنى.
موازنة �إ�شكالية
وال�صحافة وال��ق��راءة .ولكن ال��رد على هذه و�إذا كان الإيطاليون قد �أ�شاعوا مقولة (�إن
الهوية الهجمة التقنية ال يتم بدعوات العزلة واالنكفاء الترجمة خيانة) ،م�ستدركين ب�أنها مع ذلك
�إلى الذات والتقوقع في ثوابتها التي ال تجعل �ضرورة .ف�إن هذا يعك�س �أو ًال الريبة اللغوية
التكيف ممكن ًا للذات التي تريد �أن تظل فاعلة من الآخ��ر ،والت�شكيك في قدرة لغة الجماعة
في الوجود الإن�ساني ،ال على هام�شه� ،أو في على ا�ستيعاب� ،أو تم ُّثل ثقافة الآخر عبر لغته..
حوا�شيه .وفي حديث ت��ودوروف عن تجربته (من تع ّلم لغة
ولدى العرب قول �شائع �أي�ض ًا ب�أن َ
مهاجراً بلغاري ًا ومواطن ًا فرن�سي ًا ،تحذير من قوم � ِأم َن غدرهم) ،فهو مما �شاع ثقافي ًا واتخذ
�أن فقدان الثقافة كارثة تزيد المهاجر �شرا�سة. �شكل قاعدة في التعامل الح�ضاري ،ويمثل
وه��ذا ت�صويت �ضد محاولة الثقافة الأخ��رى �صورة لتنميط الآخ��ر بكونه ع��دواً ماكراً �أو
محو هوية المهاجر تمام ًا ،بدل الإفادة منها �شريراً .وكذلك ال تتطابق بح�سب المثل الإيطالي
الترجمة كمعطى ف��ي �إغ��ن��اء ال ��ذات والتفاعل معها �إيجابي ًا. مقوالت الآخر ومتونه مع ما ُينقل عنه �إلى لغة
بالمقابل فاالنعزالية ال تعي مفهوم الهوية �أخرى .كل هذا لقطع طريق التقارب الإن�ساني
ثقافي مع الآخر والحفاظ عليها �إال بال َذ ِّب عنها وت�سويرها ِ
م�ستعمراً �أو الذي ال �شك في �أن ح�ضور الآخر
جديرة �أن ترد في بالثوابت ،وذلك َتراجع ح�ضاري يعيد الإن�سان محت ًال �أو معادي ًا في هيئته الر�سمية ،قد �أ�سهم
�س�ؤال الهوية كفعل �إلى االنتماءات ال�ضيقة ،ويزيد من نقابية الذات في تكري�س �إق�صائه من الوعي الثقافي ،ومن
ثقافي وانحيازها لنف�سها ،برعب من الآخر تحت �أي ت�شكالت عنا�صر الهوية .هنا ت�صبح اللغة
م�سمى كان ،وللحروب دور خطير في تكري�س فاع ًال �سالب ًا في الهوية ،وتحرم ال��ذات من
االنعزال الب�شري ،ما يزيد الخوف من التقوقع فر�صة االغتناء �أو القوة بمنجز �سواها.
وتوهم المبررات للذعر من ال�صلة الح�ضارية �إن الهوية بمعنى م��ن المعاني لي�ست
بالآخر وثقافته ،التي ال بد �أن تتوافر على اختالف ًا (م��ع) الآخ���ر ،ب��ل عنه ،فهي لي�ست
منجز يجعل التثاقف معها ذا جدوى وفاعلية. (خالف ًا) يجب ح�سمه بنبذه �أو محو ذاتنا من
و�أك��م��ل� :إذ تتحول بمثل ه��ذه المجالت مفتتح ال��ق��ول الت�أطيري ل��م��ب��ادرات �إم��ارة
الثقافية �إل ��ى ح��اج��ة يومية وخبز ال�شارقة الثقافية ،التي م��ن �ضمنها هذه
ط��ازج على ك��ل ال��م��وائ��د.. المجلة العربية ال��رائ��دة على ام��ت��داد ربوع
وي�صبح ال�س�ؤال ال��وط��ن العربي الكبير جنب ًا �إل��ى جنب مع
ال��ث��ق��اف��ي مجالت �شارقية بهية �أخرى� ..إال متمث ًال م�أزق
هو المحدد خرا�ش في البيت العربي ال�شهير:
ا أل و ل ت��ك��اث��رت ال��ظ��ب��اء ع��ل��ى خ��را���ش
لإج��اب��ات كل ي�صيد
ُ ف��م��ا ي����دري خ��را���ش م��ا
قطاعات الدولة �إنه م�أزق االختيار واالخت�صار لعطاء ال
وم�ؤ�س�ساتها� ..إنها ي�سعنا حده ،وال يمكننا في هذا الحيز التعبيري
ن ��م ��وذج ب��ي��ن على عده ..وال يخفى على الباحث المن�صف ق�صده..
مفهوم �سلطة الثقافة، عطاء ي�سعى لتكري�س قوة الثقافة �ضداً عن
ح��ي��ن��م��ا ت�����ص��ي��ر ثقافة ثقافة القوة بتعبير �إدوارد �سعيد في غير
لل�سلطة فتتحول الجغرافيا المح�صورة �إلى هذا ال�سياق ..بو�صف المعرفة كما و�صفتها
فكرة تخترق الأنف�س وتملأ الآفاق ..وتتحول منظمة الثقافة العالمية الحم�ض النووي
الثقافة �إل��ى ق��وة ناعمة �أعتى من الأ�سلحة لهوية المكان نف�سه ..ت�أ�سي�س ًا لمملكة العلم
الفتاكة الثقيلة في فر�ض قيم العدالة والحرية والثقافة والإبداع والقيم الإن�سانية ال�سمحة،
والأخوة والمحبة والمعرفة والإبداع والرفاه. بوعي متقدم لحاكم هذه الإم��ارة اال�ستثناء
محمد الم�شايخ �أمين ال�شاعر العراقي خالد الح�سن ي�ؤكد� :إن على الم�ستوى العربي� ،صاحب ال�سمو ال�شيخ
يحيي هيئة التحرير كمدينة تعد من �أه��م ال��م��دنِ ،التي ٍ ال�شارقة الدكتور �سلطان بن محمد القا�سمي ..الذي جعل
والعاملين فيها ودعم تحمل الإرث الأدبي العربي على كتفيها ،فال من ال�شارقة �أم ًا للر�ؤيا و�أخت ًا للحرف و�سليلة
ي�أتي ا�سمها �إال ويقترن بالجمال والإب��داع، الينابيع ال�صافية الأول��ى ..وبنت ًا للمجازات
دائرة الثقافة في
ارة و�إ�شراف مبا�شر من قبل �سمو جب ٍ بجهود ّ الق�صية.
ال�شارقة ال�شيخ الدكتور �سلطان القا�سمي ،لذا فال غراب َة وت��اب��ع :فال�شارقة ه��ي التجلي الأم��ث� ُ�ل
�أن تكون مجلة ال�شارقة الثقافية غ�صن ًا مثمراً أكمل للذات العربية المبدعة ،المتكئة على وال ُ
في �شجرة �سموه ،وما نجاح ال�سنوات الما�ضية تاريخ هويتها الأ�صيل ،هذه الهوية النامية
�إال نتيجة طبيعية لعمل اكتملت �أركانه ر�ؤي ًة بالعمل والجهد وال��ب��ذل والتدبير المحكم
الحكيم الناعم ال�صلب� ..إذ ك�أنها ترتقي
ب�صورة العربي في معراج الت�شكيل والت�أثيل.
و�أو�ضح� ،أنها الج�سر الأدبي والأبدي القائم
على عمد النبل بين المغرب والم�شرق ..حيث
تنقل لنا في مجلتها �صوراً من الحياة الأدبية
العربية ،في �أناقة تحريرية و�إخراجية الفتة،
هذه الإ�ضافة التي ت�شكل امتداداً حراً ورحب ًا
مت�سامح ًا ،ومحب ًا في �آفاق الوجود الإن�ساني
خالد الح�سن د� .أحمد الحري�شي د .محمد خليل
لمجلة ���ص��ارت ال��م�لاذ الحقيقي ل�ل�أق�لام
والأح�ل�ام ..مج�سدة مفهوم عبقرية المكان
ونبوغ المكانة ،حيث القيادة المثقفة الواعية
بدورها الر�سالي ،القائم على الر�ؤية المبنية
على �أ�س�س ،جعلت منها بحق وبهاء عا�صمة
�أدبية و�أبدية ،لكل من ارتبط بها وب�أياديها
البي�ضاء الطولى ب�سبب� ،أو ارتبط ب�أخوة ال�شعر
ون�سب الأدب ال�شريف ..حيث الرهان الأنبل
على الثقافة والمعرفة ،بو�صفها الخال�ص
روعة �سنبل محمد ح�سن محمد الم�شايخ الفردي والجماعي لكبوتنا الح�ضارية العربية.
و�إنما هي لوحات تجعل ال�شواهد والعنا�صر لزيادة روابط العالقة مع المدينة القديمة ،وهي
التراثية قابلة لطواعية التغيير ،وه��ذا ي�ضفي تمد لوحاتها بثمرات خبراتها التقنية المتراكمة
الناحية الأ�سلوبية ،ويظهر قدرة على التالعب للو�صول �إلى العجائن اللونية الكثيفة ،القادمة
بال�سطح الت�صويري ،من خالل ا�ستخدام اللم�سة من الإح�سا�س الحيوي بجمالية اللوحة الت�شكيلية
والأج���واء اللونية وخطية التعبير ال��ذي تريد الحديثة والمعا�صرة ،والإم�ساك ب�صياغة عفوية
�إي�صاله �إلى الم�شاهد عبر ا�ستعادتها المتوا�صلة قابلة للبوح التعبيري ،الذي يك�سر ر�صانة البنى
لثنائية التراث والحداثة ،وهي في ذلك ال ت�سعى الهند�سية� ،سواء انح�صرت داخل م�ساحة لونية
من خالل هذه اال�ستعادة لتداعيات الما�ضي� ،إلى زخرفية� ،أم معمارية �أم نباتية ،على �أ�سا�س �أن
لغة و�صفية �أو نمنمة تف�صيلية� ،إنما تر�سم بحرية هواج�س التركيز على مظاهر اللم�سة اللونية
ت�سهم في ت�سعير الحالة الوجدانية داخل م�ساحة التلقائية ،ت��درج �ضمن �إي��ق��اع��ات البحث عن
اللوحة. جمالية ت�شكيلية ع�صرية ،تلغي الرتابة والرزانة
�إن ال�شاعرية التي نجدها في المدى الت�شكيلي، الزخرفية ،وتبقي فقط على الإيقاعات الب�صرية
الذي تراه العين داخل اللوحة ،تجعلنا ن�ؤكد مرة المعبرة عن �إ�شراقة الحالة الداخلية المج�سدة
ليلى طه جديدة ابتعاد ليلى طه عن ال�صفاء التزييني بالتعبير اللوني الحر ،الذي يف�سح المجال لإثارة
ال�صادم للعين الخبيرة ،ذلك ال�صفاء الم�ألوف في الت�سا�ؤالت والت�أويالت ،وذلك لأن الكثافة اللونية
�أعمالها لي�ست لوحات الزخارف القديمة ،من منطلق المفاهيم الثقافية التي ت�صوغها في م�ساحات لوحاتها ت�شكل
ت�ؤر�شف �أو ت�ؤرخ الجديدة ،التي تعطي اللوحة دالالت ال متناهية ف�سحة للت�أمل ولترداد �صدى الإيقاعات التي
من المعاني المرتبطة بمو�سيقا اللون و�إيقاع تولدها تقنية و�ضع المادة اللونية الزيتية في
للعمارة والزخرفة
الخط و�أثر الحالة الداخلية ،و�إلى �آخر ما هنالك المدى الت�صويري ،الذي يعمل يوم ًا بعد �آخر على
ال�شرقية من تعابير جمالية وت�شكيالت وجدانية. تر�سيخ الح�ضور الفني على النطاق الت�شكيلي
ت�ستخدم ليلى طه �إذاً؛ زخرفة لونية على في �أبجديته التعبيرية ،وذلك للحد من الرزانة
قدر من الحرية والتنويع التقني ،فمرة ت�ستخدم الهند�سية الدقيقة ،حيث تعمل في كل لوحة من
الم�ساحات ال�شفافة �أو الم�سطحة ،ومرة ثانية لوحاتها لت�صل بالم�شهد المعماري �إلى انفالتات
في لوحاتها عنا�صر الناتئة �أو النافرة ،وم��رة ثالثة تعتمد حركة خيالية مفتوحة على جماليات ت�شكيلية وثقافية
م�ستمدة من التراث اللم�سة العفوية واللم�سة �شبه ال�صافية ،وهي في معا�صرة.،
العربي الإ�سالمي ذلك ت�ستخدم مواد لونية بدرجات متفاوتة من و�أه��م ما في �أعمالها� ،أنها لي�ست لوحات
ال�سماكة في اللوحة الواحدة ،بل �أكثر من ذلك ت�ؤر�شف �أو ت��ؤرخ للعمارة والزخرفة ال�شرقية،
من �أعمالها
بين واقع
التوا�صل الب�صري والذهني
مخل�ص دافن�شي� ،إال �أن �شيئ ًا من الم�سرحة الحركية تكاد الأدوات اللغوية لل�صورة �أن ت�سبق
والتق�سيمات الجزئية للون والأداء �أ�ضاءت ببراعة المالمح و�آنية اللون ،مع �صلب الم�شهد الحار�س
وواقعية وحيوية �أي�ض ًا و�صدق (خادمات ال�شرف)، والمراقب لفئات الحركة والعنا�صر ،التي تحرك
وهي لوحات من مجموعتها �أخذت ال�شهرة بعيداً ال��ح��دث ،تتوثق ال�صورة فيتحرك ح� ّ�دا الب�صر
عن را�سمها ،عك�س (فتى دافن�شي) التي قفز والتخيل الذهني ،لي�شمال المدى المحاط �أو ما
نجوى المغربي �سعرها قبل الإعالن عن تميزها في اللون والخط ي�ستطيعا منه وتنه�ض به �أيديولوجيا الرائي ،الذي
والمو�ضوع ،فـ(ديجو) �صاحب البراعة واال�ستثناء يك�شف عن ماهيات تجربة الرا�سم وت�سا�ؤالته
ومقراً بعجزه الجئ ًا لتوليد الم�شاعر وال�صخب والأبعاد الدقيقة والمزج الرقيق بين الأ�ضداد وعقده وافترا�ضاته و�صوالته بين الأ�سطورة
و�إ�شعال الفكرة باللون ،بعثها من الغفوة داخ ًال بهدف بعث �إنارة حقيقية لب�صر الم�شاهد ،عالوة والفكرة والبيئة ،انتهاء بممار�سة ذلك واخراجه
عن عمد مرحلة االنك�سار والقفز على الزخم النائم على �سوق ق�صة تثير ال�شفقة �أو الوجدان والهواج�س في منحوتة تلتزم البناء التراكمي �أو التفكيك
في الحياة؛ ليوقظه حام ًال قريته الفكرية الخا�صة في نظر الرائي ،وهو نف�سه بخط مواز لجوفاني في البنائي ،ح�سب طبع اللوحة و�سحنة توظيفها،
وتداعياتها. طفله الباكي ببراءته و�إثارة ال�شفقة والإن�سانية ف�إزاحة العواطف �إلى اللغات العقائدية �أو جر
�إن وظيفة الفنان ترتبط بال نهائية مطلقة حوله وعند كل من ي�شاهده ،كما ا�ستخدم الظل الم�شاهد التجاه التعاطف مع الكوارث وتوظيف
في كل ما يتعلق بالعمل ،وق��د يتجاوز �أزمنة واللون الباهت والليل والعتمة والتواري لإثارة القيم الجمالية لت�ضمينها حقيقة �أو �أ�سطورة
اللوحة و�أماكنها �إلى ما يحيكه الرائي لي�صل به ال�شغف والف�ضول والبحث والتمحي�ص. وربما �سراً ك�أعمال ر�سالة دافن�شي في الع�شاء
العمل من ت�أويل وتحليل يظل م�ضمون ًا مال�صق ًا ك��ان لـــ(�أجوناثان وكنكيد وف��ان جوخ الأخير ،والتوزيع الهرمي لل�شكل ما يخلق انطباع ًا
كلما ا�ستح�ضرته الذاكرة ،كليلة «جوخ» المر�صعة وب��دري��ك) لغات مقد�سة في ال�ضوء وم��ن �أل��وان يظفر به الذهن والب�صر.
بالنجوم ب�سماء نهر الرون ،ومع اختالف موقع الطبيعة ال��زاه��ي��ة الدقيقة �أغ��ن��ي��ت اللوحات �أما ال�سقوف المعلقة للكنائ�س والكاتدرائيات،
ال�ضوء على الزجاج عن ال�ضوء في البحر بين جوخ وا�ستطاعت �أن تنال نف�س درج��ات الإعجاب التي حظيت ب�سفر التكوين وتالمذة المنح والدراما
وفتاة (مانيه) وبين طبيعة ومقتنيات الب�شر ،ف�إن والفعل ال�شعوري ف��ي الم�شاهد ،ع�لاوة على وم�شاهد المج�سدات الأر�ستقراطية ،فتظل �إلى الآن
حيدا وجهة نظرهما و�أنابا عنها اللون كليهما ّ ح�صدها للجوائز ،و�إن كان ذلك يثير الجدل بين غام�ضة تتجاذبها قوى الفكر الأ�سطوري و�إعادة
الم�ضيء العاك�س البراق الالمع �شديد الكثافة ،ما �أ�صحاب االهتمام ح��ول ارتباط �أهمية العمل الت�أويل مع الحقب والأزمنة للم�شاهد ،وتنوعات
جعل البراقة والزيف يت�سيدان الت�أويل ويت�صدرن بالمال وال��ج��وائ��ز ،وه��م في ذل��ك بين راف�ض بواعثه الفكرية والب�صرية والح�سية ،وعلى اعتبار
الق�صد وهو التوهج ال��ذي ت�ألفه النف�س وتميل وم�ؤيد ،فما هو الفرق بين �أن ت�صنع مجداً بلوحة �أن مخزون م�شاهدة الأ�شكال وال��ر�ؤى الت�شكيلة
�إليه ،ومع اعتقاد النقاد �أن فناني ال�ضوء يحملون وبين �أن ت�سكن ق�صراً بلوحة ؟� ،إن دقة ت�صوير على اختالفها وتنوع محتواها في ذهن المتابع
ق��دراً عظيم ًا من ال�سخرية والتندر على �أو�ضاع الم�شاهد هي ما يجعلها �أكثر تالم�س ًا مع متلقيها تربي ال��ذوق وتكد�س خبراته ،وبع�ض الأل��وان
الم�أ�ساة بتعدد �أنواعها ،وهو ما كان من هزل وان�سجاماً ،حتى في اللوحات التي ال يتعدى تدلل المتلقي وتجعله مفتاح ًا لمفاهيم محددة
ومبالغات وتجاوزات قفزت على الواقع ،وجعلت مداها الت�صوير الب�صري ،فعائالت دالي الفنية ق�صد الرا�سم �أن يلقيها في عينه ووعيه ،تمام ًا
الكثيرين يتفردون كـ(نيك�سون) وحدائق خلف ال�شهيرة بفنتازياتها وا�ضطراباتها وجنوحها كلعبة ال�ضوء والم�سافات والإيغال في قوى الرمز
بوابة الخريف ،راق�صات (رينوار) برغم نفورهن للجنون �أحياناً ،بدت برغم كثير من نرج�سيتها المثالي .تتدلى الفكرة من لحى التماثيل كما تبرز
وع��دم ات�ضاح ال�سعادة على الوجه والكميات محببة للرائي ولو عند من هو ن�صف ت�شكيلي، في الجداريات بما ي�صعب التفريق بينها �إال من
المبالغة من ال�شحنات المزعجة التي �أحاطت تبدو �ساعاته �أم ًا للوقت بمثالية �شديدة ،تميل معه خالل رمزيتها وحاملها ،وعملها كفكرة الكرة
ب�صرخة مونك بحالتها التي �صرعت الت�شا�ؤم وتنثني وتلين وترتخي لتمرره �أو لتمرر �أفعاله، المتدحرجة �إلى عقل الم�شاهد تج�سد حكمة �أو
ك�أقل ما يلحقها من و�صف ،تتركب لغة الترميز وقد تفعل ذلك لتك�سر �صالبته .وقد يجمعنا التف�سير تكون رباطة ج�أ�ش على الأغلب.
وال�سمات ال�شكلية باللوحة وتعد �أحد �أهم �أعمدتها، مع دالي على القوة وال�صالبة من جهة الإن�سان وعلى الجانب الآخر من المهارة في ت�سجيل
وبرغم �شعبية بع�ضها يظل معتم ًا ويعطي انطباع ًا وك�سر حدة هذا الع�صي (الوقت ،ال�ساعات) ،ولعله مخل�ص العالم ،دافن�شي ،فيما يريد �أن يدون بعد
معقداً ب�شيء ما غير اعتيادي ،مع تحقق عنا�صره بالغ في ده�شتنا و�إقرار ما ي�ؤكد �أن ال �شيء يقف عن�صر الجذب وال�صنعة المبا�شرة ،ويلتقي فيها
الفنية كاملة ،ك�أعمال (تيتيان) ،وتعبيرية �أمام موهبته و�إبداعه ،جدال و�سجال ال يتحرر منه مع ال�صورة ال�شخ�صية ،التي �أنجزها (ج��وخ)
(بيكون و�أرن�ست وروبنز وموناليزا فيرمر)� ،أما متلقوه فعتبات �أفياله وقدي�سيه ومالئكته ووجوه لنف�سه بمبا�شرة حادة ،خالف ًا للمنظور الرمزي في
�أ�صحاب المحافظة على قواعد الر�سم كما در�ستها ح��روب��ه ف��ي اللوحات وف��ي ذم ال��دم��ار وه�لاك
الأكاديميات المخت�صة ،فين�صفونهم ويرون �أن المجتمعات ،والرف�ض القاطع و�صراخ المجنون �ألوان الطبيعة الزاهية
ح�شو اللون في الأ�شكال الهادئة ال�ساكنة وحيدة في الم�سخ ،كانتعا�ش قاطع لنظرية الرف�ض عنده، �أغنت اللوحات ونالت
الحركة ،ي�ضغط على الفعل ويحقق اهتزازاً متباد ًال عك�س ما وقف بين ماتي�س والطبيعة من حاجز
بين ال�صورة والمتلقي. الخوف لتقديمه ولو ن�سخة باهتة منها ،معترف ًا درجات الإعجاب نف�سها
«الفار�س الأخ�ضر»
�أ�سطورة ملحمية لق�صيدة عن الفرو�سية
العدد ال�ستون � -أكتوبر - ٢٠٢١ 130
�أفالم
بيرم التون�سي
�شاعر ال�شعب
وعندما اندلعت ثورة (� ،)1919أن�ش�أ بيرم ثائر ط� ّ�وع كلماته و�أ�شعاره لتكون نقداً
�صحيفة (الم�سلة) ،و�أخذ ين�شر فيها العديد من �صارخ ًا ونبرا�س ًا �إ�صالحي ًا ،ومنحها �أي�ض ًا بعداً
الأزج��ال واالنتقادات لالحتالل الإنجليزي، فل�سفي ًا ،مقتب�س ًا ذلك من معاناة الفقراء الذين
وظف �أ�شعاره لنقد وفي العدد الثالث ع�شر ن�شر بيرم زجله الم�شهور قهرتهم ظروف الحياة الم�صرية حينها.
الواقع االجتماعي (البامية الملوكي والقرع ال�سلطاني) ولم ت�ستمر رحلة ن�ضال وطنية طويلة ل�شاعر �أخل�ص
من�شداً �إ�صالحه ال�صحيفة فقد �صادرتها �سلطات االحتالل، لقلمه وفكره من �أجل الدفاع عن وطنه ،هروب
ف�أن�ش�أ �صحيفة �أخرى با�سم (الخازوق) ،ولم ومنفى وعالم مليء بالكثير من الغمو�ض في
ت�صدر �سوى عددين فقط ثم عطلتها ال�سلطات جوانب كثيرة من حياته .ولكن عندما نت�أمل
�أي�ض ًا. كلماته التي الت�صقت بال�شارع الم�صري ،نجد
فيها الب�ساطة وت�صويرها الفني الدقيق ،طعم
مياه النيل ،ورائحة الحواري في �أحياء م�صر
القديمة ،وعتمة الأزقة والدروب في ريف م�صر.
ولد محمود محمد م�صطفى بيرم الحريري
(بيرم التون�سي) بمدينة الإ�سكندرية ()1893
بحي الأنفو�شي ،لأ�سرة ذات �أ�صول تون�سية،
م�شهد لمدينة الإ�سكندرية كانت تقيم بالإ�سكندرية .في بداية حياته
التحق بكتاب (جاد اهلل) لحفظ القر�آن الكريم،
ثم المعهد الديني بم�سجد �أبي العبا�س ،وعندما
توفي والده ،وهو في الرابعة ع�شرة من عمره،
انقطع عن الذهاب للمعهد و�أرتد �إلى (حانوت)
�أبيه ،ولكنه خرج من التجارة �صفر اليدين .كان
بيرم منذ �صباه يحب القراءة والمطالعة ،وبد�أت
�شهرته عندما كتب ق�صيدة (بائع الفجل) التي
انتقد فيها المجل�س البلدي في الإ�سكندرية،
لفر�ضه ال�ضرائب الباهظة على �سكان الحي
بحجة تطوير العمران فيه.
وفي �صدر �شبابه ،ربط الفن بينه وبين
ال�شيخ �سيد دروي�ش من خالل ال�سهرات التي
كانت ت�شهدها الإ�سكندرية �آن���ذاك ،وزادت
الروابط بينهما بعد �أن كتب بيرم بع�ض الأغاني
والأوبريتات الم�سرحية التي لحنها وغناها
�سيد دروي�ش ،ومن بينها م�سرحية (�شهرزاد)،
و�أوب��ري��ت (دوق��ة جيرول�ستين الكبيرة) وهي
مقتب�سة من الفرن�سية ،وت�ضمن الأوبريت �أغنية
(�أنا الم�صري كريم العن�صرين).
�إيجابية االختالف
في «ال�ضفيرة والألوان»
ظهر ذلك كله جلي ًا منذ اختيار العنوان بما يك�شف المعجم
يالئم ذلك كله ،فجاء مكون ًا من مفردتين ال����دالل����ي ل��ل��ك��ات��ب��ة
�إيمان ال�شيمي
محببتين للطفل وعالمه في ه��ذه ال�سن ( ال�شابة �إيمان ال�شيمي
ر�أ�سه ،ولكن �أقرانه ي�ضحكون وي�سخرون من ال�ضفيرة والألوان) م�شبعتين بالمرح والبهجة في ق�صتها (ال�ضفيرة
�ضفيرته المزيفة. والروح الطفولية ،و�إن ظلتا �أيقونتين لل�صراع والأل��وان)ال�����ص��ادرة
وتطل علينا الألوان في العمل من جديد وم��ح��وري��ن ف��ي الأح� ��داث داخ��ل العمل من ح��دي��ث�� ًا (2020م)
م�صطفى غنايم
بما يج�سد تمايز تلك ال�شخ�صية المختلفة ،التي بدايته �إل��ى نهايته ،بما يخلب لب الأطفال ع ��ن م��رك��ز ليفانت
تقاوم التنمر ،وتتفاعل ب�إيجابية ،وتوظف ويدفعهم �إلى الإثارة والده�شة ،كما جعلتنا للدرا�سات الثقافية والن�شر بالإ�سكندرية،
موهبتها ،وت�ؤكد اختالفها /تميزها تارة الم�ؤلفة نتعرف منذ البداية �إل��ى �شخ�صية ور�سوم الفنانة هبة مجدي عن روح الطفولة
بر�سم لوحات جميلة ب�ألوان بديعة ،وتارة البطل ،ذلك الطفل ال�صغير المختلف عن �سائر المغلفة ل�شخ�صيتها ،وال غرابة في ذلك فقد
�أخرى ب�صنع مفاج�أة لأهل القرية جميعها �أطفال المدينة :هيئة وقامة ،ما جعله يت�أمل انعك�س عملها اخت�صا�صية لمكتبة الطفل
بتلوين البيوت ب�ألوان مبهرة :خ�ضراء وزرقاء �شعره الق�صير منده�ش ًا من طول �شعورهم بمكتبة الإ�سكندرية على �إبداعها الذي ات�سم
وحمراء و�صفراء ،ومن ثم يتمكن من تغيير التي يغزلونها �ضفائر تزين ظهورهم بنات ًا بب�ساطة المفردات ،وت�سل�سل الروح الحكائية،
نمطها ،وك�سر اقت�صارها على لونين فقط، و�أوالداً� ،إ�ضافة �إلى تج�سيد ال�صراع منذ بداية ون�ضج الحبكة الدرامية المنا�سبة لعقلية
ليتجدد ال�صراع ويت�أزم باعتبار �أهل القرية العمل بحيرة وت�سا�ؤل ذلك الولد ال�صغير( :لم الطفل ،ف�ض ًال عن ر�سم �شخ�صيتها الأ�سا�سية
ذلك جريمة نكراء يقررون على �إثرها الحكم �أنا مختلف عن �أهل المدينة؟). نامية متطورة� ،إ�ضافة �إلى اختيار مو�ضوع
عليه بال�سجن في بيته وانتزاع �ألوانه. وتجيد الم�ؤلفة ر�سم �شخ�صيتها البطلة، منا�سب لهم وكثيراً ما يعانيه معظمهم� ،أال
ولأن ال�شيمي تريد �أن تغر�س الإيجابية فتجعل منها �شخ�ص ًا مت�أم ًال ،م��ب��ادراً� ،إذ وه��و اال�ستهزاء وال�سخرية من قبل بع�ض
وت��ع��م��ق م��ن دوره� ��ا ال��ف��اع��ل ف��ي ال��ح��ي��اة، ينظر متعجب ًا �إلى �شوارع المدينة الباهتة، زمالئهم ،والتنمر على �شخ�صيتهم ،بما قد
وت��ؤك��د تميز �شخ�صيتها البطلة ،وتماهي ًا وي�ستغرب من طالئها باللونين الأبي�ض يحقق لهم االنك�سار والإحباط واالن�سحاب
مع عقلية الأطفال الذين تحتك بهم ،والذين والأ�سود فح�سب ،و�إحكام ًا للعقدة نجد ال�صراع واالنهزام ،وي�صيبهم باالغتراب واالنعزالية،
ينتظرون الفرحة والبهجة ،ويتوقعون النهاية يت�أزم داخلي ًا في نف�س الطفل ،وخارجي ًا ول��ك��ن ال�شيمي ا�ستطاعت �أن تعالج هذا
المده�شة؛ فقد جعلت التوفيق محالف ًا الجتهاد في بنية الن�ص؛ فنراه يحاول التقرب من ال��م��و���ض��وع بمنظور ج��دي��د مختلف ..وقد
الطفل المثابر المبادر المقاوم� ،إذ ابت�سمت له الأطفال� ،أو يتحدث معهم،
الأح��داث في النهاية؛ �إذ تبرز لنا المفاج�أة ف��ي��رف�����ض��ون وي��ب��ت��ع��دون
المدوية في ختام العمل ب�إعجاب ال�سلطان ويتهام�سون :هذا ولد غريب
وموكبه ب�ألوان المدينة ،ويقرر منح المدينة ومختلف ورب��م��ا مري�ض،
على قدر جمالها ذهب ًا ومرجان ًا ،وي�س�أل كذلك وتطل علينا ال�ضفيرة تارة
عن الفنان الذي قام بدهان المدينة ب�أجمل �أخ��رى رم��زاً ل�صراع خفي
الألوان ،ويعينه ر�سام ًا للق�صر ،ويخلع عليه لأن���ه ال يمتلكها مثلهم،
مالب�س جديدة ،وي�أمر بمكاف�أته بق�صر فخم وم���ن ث ��م ي�����ص��اب الطفل
يعي�ش فيه ،لينتهي العمل بانت�صار الطفل بالألم والحزن ،وال �سيما
وت�أكيد تميزه ،وتغلبه على التنمر وال�سخرية �أمام �صيحاتهم المتكررة:
بالعمل والإ�صرار ،حتى تمكن من �أن يحفر مختلف وغ��ري��ب ..مختلف
ا�سمه بحروف من نور ،ما جعل �أهل المدينة وغريب ،الأم��ر ال��ذي جعله
يتعجبون من تبدل حاله ،ويتهام�سون هذه يفكر وي��ب��ت��ك��ر ف��ي �صنع
المرة من جديد ب�إعجاب وانبهار قائلين :ولد �ضفيرة من �أوراق الأ�شجار
�صغير مختلف عنا ،وهو موهوب. وي��غ��زل��ه��ا وي��ث��ب��ت��ه��ا على
منير ال�شعراني..
في يمين الفنان ينب�ض العالم
خو�سيه ميغيل بويرتا
وه��و ك��وك��ب خطي وا���س��ع الن�سيان عند وال�شكلية للتراث الخطي ،وهو ّ الثقافية
ّ الخطاط
ّ عند ت�أمل لوحة من لوحات
خطاطين معا�صرين كثر ،غدا بف�ضل �شغله مجال تخ�ص�ص فيه وكتب عنه ول ّقنه. ال�����س��وري الكبير منير ال�شعراني للمرة
خط ًا مميزاً للع�صر .ما �أروع لوحته (�أ�سماء فبعد ع��ق��ود م��ن نهجه ه��ذا المنهج الأول����ى ،ي�شعر ال��م��رء ب���أن ع�����ص��وراً من
اهلل الح�سنى)٢٠١٠( ،م) �ش ّكلها بالكوفي الحروفية
ّ الفني ،الفاتح لدرب ثالث بين الإبداع الخطي العربي ،تمثل �أمام عينيه
ال�شطرنجي �أو المربع والتي تمتزج فيها العثمانية ،يظل (ال�شعراني) في
ّ والمدر�سة م��ج��دداً ب ��ذوق ح��داث��ة ،تحلى ب��الأن��اق��ة
المكون
ّ �أ�صالة المعاني وحداثة الت�صميم �صدارة الخط العربي المعا�صر ،على الرغم الفنية والقيم الإن�سانية وحب الوطن� .أفلح
ب�شبكة ( )١٠x١٠مربعات ،تحتوي كل من بزوغ خطاطين �آخرين في هذه النزعة، (ال�شعراني) في الحفاظ على هوية الخط
واحدة منها على ا�سم من �أ�سمائه تعالى �أمثال جمال الب�ستاني وع�صام عبدالفتاح العربي وا�ستقالله حيال فنون �أخرى ،دون
الت�سعة والت�سعين م��ا ع��دا ا�سم ًا واح��داً و�سواهما .ويبني (ال�شعراني) لوحاته حرية الف ّنان في الخلق، �أن يتنازل عن ّ
يحتل مربعين!! والنقاط الحمراء للحروف وي�صورها في ّ الجمالية
ّ الحرية
ّ بكامل ويفتخر بو�صف نف�سه خطاط ًا �صرف ًا لي�س
المعهودة في �أعماله تعزز بهاء اللوحة ذهنه وفي العديد من الت�صاميم الأولية لكونه تلميذاً لأب الخط العربي المعا�صر
ال�سود العري�ضة،بت�ضادها مع الخطوط ُّ ال�صغيرة ،التي ير�سمها ب�أقالم حبر �أو في �سوريا ،ب��دوي الديراني ،ال��ذي �أغنى
�أحيان ًا نرى (مربع ال�شعراني) في و�سط ر�صا�ص عادية على �أي قطعة ورق تقع في المدر�سة الخطية العثمانية وح�سب ،بل
لوحات م�صنوعة على �شكل المخطوطات، متناول يده .هنا يبد�أ في تحرير الحروف لإ�سهاماته المديدة في تحديث الأ�ساليب
تت�ضمن ن�صو�ص ًا من ملحمة جلجام�ش من قواعد الأنماط التقليدية ال�صارمة، ال��م��وروث��ة ،انطالق ًا م��ن �إيمانه ال�صلب
لا� ،أو ق�صائدورب��اع��ي��ات ال��خ��ي��ام ،م��ث� ً ليعيد بناءها ب�أ�شكال و�إيقاعات وعالقات في �إمكانيات هذا الفن للتغيير في �إطار
عربية و�سواها ،وعلى غرار فنانين عرب مفاجئة ذات هياكل غير مرئية �أو يكاد، الأ�صول الخا�صة به.
�آخ��ري��ن� ،آث ��ر ال�شعراني (ن��ق��ل المعايير ولكن دون �أن تمنع القراءة ،بل جاع ًال من في نظره؛ الخط العربي كونه ينطوي
الجمالية من الديني �إلى الثقافي) ،على القراءة اكت�شاف ًا ب�صري ًا منع�ش ًا ،ي�ساعده على طاقة حركية جمالية لما يمتاز به
حد تعقيب الباحث التون�سي بن حمودة، ف��ي ذل��ك التكري�س ال�صحيح للتقنيات من ق��درة على ال�صعود والهبوط والمد
و�أعار اهتمام ًا خا�ص ًا للتلميح �إلى مبادئ والخلفيات المختارة
ّ الع�صرية
ّ الجرافيكية
ّ وال��رج��ع واال���س��ت��دارة والتركيب ،يندرج
المواطنة ،وم��راع��اة الأخ�لاق في �أعمال بدقة ،وكذلك الأل��وان النقية والمتباينة �ضمن �أه ��م ال��ف��ن��ون الجميلة ،درا�سته
مثل (ال للطائفية)( ،ال ،ال للجهل ال للخوف في كل الأ�سطح وف��ي التفا�صيل .وحين للفنون الجرافيكية ف��ي جامعة دم�شق
ال للتمييز( ،)...الوطن :المحبة ،الت�سامح، ينتقي ن�صو�ص لوحاته� ،أي � ًا كانت من وعمله المك ّثف ف��ي لبنان ف��ي ت�صميم
التقدم ،العدل ،الكرامة ،الوحدة ،العطاء،)... الكتب ال�سماوية� ،أو من كبار المت�صوفة �أغ��ل��ف��ة ال��ك��ت��ب وال��م��ل�����ص��ق��ات وغ��ي��ره��ا
(الحر/الحر ّة) اللتين تحيطان ّ �أو لوحتيه وال�شعراء العرب� ،أو من الأمثال ال�شعبية، وان�ضمامه �إل��ى الحياة الت�شكيلية في
مربعات
ٌ بهاتين المفردتين المركزيتين، ي�صبو الخطاط للتفاعل مع هموم الب�شر القاهرة ل�سنين ،جعلته يواكب عن قرب
خطي ٌة لكلمات (الكريم/الكريمة ،ال�صديق/ وتطلعاتهم ،وعلى طرح ق�ضايا الإب��داع احتياجات الوطن العربي الراهنة للخط،
ال�صديقة ،الجريء/الجريئة ،الخال�ص/ الفني.
ّ فقام بتطوير وابتكار �أنماط خطية� ،سواء
الخال�صة ،)...كلها بالكوفي المربع. في م�شواره الخطي ال�ساعي لإحياء ل�صنع اللوحات والالفتات وال�شعارات� ،أو
وكم تباغت الم�شاهد تلك التغييرات، كافة الأ�ساليب عكف (ال�شعراني) على مدى الحا�سوبية ،م�ستنداً
ّ لمعالجة الن�صو�ص
الكوفيين
َ (ال�شعراني على
ٍ التي �أدخلها ن�صف قرن على تطوير الخطوط الكوفية، دوم � ًا� ،إل��ى البحث المت�أني في الجوانب
�أن الحرف الأندل�سي -المغربي بات مهم�ش ًا القيرواني والني�سابوري ،التي يبدو �أنها
ن�سبي ًا ،من جراء هيمنة الأنماط العثمانية، ول��دت من جديد بف�ضل فنه!! ففي (م��ا لكم
ف�إن (ال�شعراني) تبناه ب�إعجاب وجدده �إلى كيف تحكمون) (ال�صافات) و(�سقط الكالم
جانب باقي الخطوط الرئي�سية ،منتج ًا �أعما ًال ان��ت��ه��اك) ،)١٩٩٧( ،نالحظ ت�أليف ًا رائع ًا
تتحلى لوحات بالغة الرونق كتلك الم�شكلة بعبارة خليل ُو�ضعت فيه ب�شكل متوازٍ خطوط الحروف
الخطاط منير الب�شرية جبران (الأر�ض كلها وطني والعائلة العمودية ،في حين تمتد خطوط �أخرى نحو
ّ ّ
ال�شعراني بالأناقة ع�شيرتي)١٩٩٣( ،م و٢٠٠٦م) ،ولوحتي الخلف بزاوية ( )٤٥درجة بعيداً عن مخطوط
الفنية والقيم (العارف �صاحب تجريد)١٩٩٣( ،م) ،و(اهلل ال���وراق القيرواني
ّ م�صحف الخطاط علي
الإن�سانية جميل يحب الجمال)٢٠١١( ،م) التي ي�شهد محتفظ ًا بمالمح حروفه في �آن� .أما الكوفي
الأ�سلوب المغربي من خاللها نه�ضة منيرة الني�سابوري ،ف��ك��أن ال�شعراني ق��د ابتكره
�ضم الموروث الفار�سي ّ بالفعل .ال�شعراني اع��ت��م��اداً على عينات قليلة محفوظة في
كذلك �إل��ى ف�ضائه الخطي في لوحات (ك ّل ني�سابور و�أنجز به لوحات كثيرة كـ (كن كي�س ًا
�شيء بع�ض ���ش��يء)١٩٩١( ،م) و(م��ا خفي فن ال يفيد وكريم ًا وكليم ًا وكتوم ًا) ،و(كل ّ
مثل نف�سك عليك) (٢٠٠٦م) وغيرهما ،كما علم ًا ال يعول عليه) (ابن عربي)� ،أو (�آفة الر�أي
�أح ��دث ال��خ��ط ال��دي��وان��ي ،العثماني الأ���ص��ل الهوى) ،التي تجتمع فيها �أطراف الأحرف في
يعتبر نف�سه تلميذاً وال����ذي ي��ح��ظ��ى ب��ق��ب��ول ك��ب��ي��ر ف ��ي �ساحة �شكل باقة زهور يربطها قمة �أحدها �إثر فرار
لأ�ستاذه بدوي الخطاطين والحروفيين ،في لوحات متنوعة �أطراف الحروف من �أعلى الإطار.
الديراني المحدث مثل (القلب يدرك ما ال يدرك الب�صر) و(�إني وا���س��ت��ن��اداً �إل��ى الم�صاحف المن�سوخة
حر�صت
ُ خبير � ّأن الحيا َة و�إن
ُ بيب
أعلم وال ّل ُ
ل ُ بالكوفي ال�شرقي القرمطي� ،أب ��دع روائ��ع
في الأ�ساليب يلم في �أ�سفلها المادة من ط��راز (في يمين الف ّنان ينب�ض العالم)
غرور)( ،للمتنبي) ،التي ّ ُ
الموروثة يمط الخطوط الم�ستقيمة ّ الخطية ،بينما (١٩٨٨م) ،ذات معنى جمالي مح�ض� ،أو ( وال
مانح ًا الت�شكيل قوة ب�صرية كبيرة �شددت تزر وازرة وزر �أخرى)٢٠٠٦( ،م) التي تلتزم
عليها غزارة النقاط الحمراء المنثورة. البي�ضوي
ّ بداية الآي��ة الكريمة (ال) بال�شكل
وم��ن �أ�شهر م�ساهماته �إح��ي��ا�ؤه للخط للم�صاحف ال�شرقية وترتب باقي الآية ب�شكل
تركيةّ (ال�س ْن ُبلي) ،الم�ستوحى من ق�ص�ص ُّ وذوق ج��د مختلف� .إذاً ،ت��وج��ه ال�شعراني
ج��دده��ا ،وا�ستخدمها لت�صميم �أغلفة كتب (عك�س التيار ،ذاهب ًا �إلى المنبع) ،كما و�صفه
يظل ال�شعراني في ولوحات ،مثل تلك المكر�سة لق�صيدة للنابغة يو�سف عبدلكي المذكور �آنف ًا ،ي�ؤهل الخطاط
�صدارة الخط العربي الذبياني و�أخ ��رى ذات معي �صوفي ،وهي لتح�ضير الهيئة التراثية للخط �أمام �أب�صارنا
المعا�صر في منهجه (الخفي في الجلي) (١٩٩٥م) التي تتموقع واالنقالب عليها ت��واً ُم ْح ِدث ًا متعة جمالية
الواقع بين الحروفية الرئي�سيتان ب�شكل متواز منفلت ًا ّ الكلمتان �شديدة ل��دى الم�شاهد ،تتحول �إل��ى �صدمة
ط��رف��اه��م��ا م��ن الإط����ار وال��ن��ق��اط ال��ح��م��راء حينما يبتعد الخطاط ع��ن ن��م��اذج التراث
والمدر�سة العثمانية متراق�صة بال تناظر .في هذا ال�سياق ،عقب في ت�شكيالت �أخ��رى حديثة تمام ًا ،وهو ما
(ال�شعراني) على ميله �إلى الن�صو�ص ال�صوفية يح�صل في ابتكاراته الم�ستوحاة من الكوفي
التوحد مع ّ كنت �صوفي ًا بمعنى بقوله( :ربما ُ المربع ذي المظهر الهند�سي والحا�سوبي �أكثر ّ
المحبوب ،ومحبوبي هنا هو الخط العربي الخطي ،مثلما يح�صل في (الحرف ي�سري ّ من
وربما بمعنى �أن العبارة يمكن �أن تتعدد حيث الق�صد)١٩٨٨( ،م) ،و(التيه يبد أ� منك)
نجح في �سبر �أغوار قراءاتها ،و�أن تنطوي على باطن �أعمق من (٢٠٠٠م) وغيرهما.
الخطوط الأندل�سية الظاهر بكثير) (دم�شق٢٠٠٥ ،م) .لذلك يحلو حب (ال�شعراني) العظيم للخط العربي،
التي كانت مهم�شة لل�شعراني العودة �إل��ى حكمة للنفري (ك ّلما الفن ،ح ّثاه �أي�ض ًا على
ور�ؤيته ال�شاملة لهذا ّ
ات�سعت ال��ر�ؤي��ا �ضاقت ال��ع��ب��ارة) (١٩٨٣م المغربية التي ال
ّ أندل�سية-
ّ �سبر الخطوط ال
�إلى حين و٢٠٠٥م) ،التي �شكلها بالخط الثلث� ،أجل المدونة تتوافق مع قواعد (الخط المن�سوب)
ّ
ال��خ��ط��وط عند الخطاطين ال��ع��رب على مر بابن مقلة والتي تملأ مخطوطات ال تح�صى
التاريخ ،لالحتفاء بطاقة ال��ت��راث العربي وزخارف �أجمل الأوابد و�شتى �أنواع التحف
للتجدد ،ولمحاورة �إن�سان اليوم فن ًا وفكراً. الفنية في الغرب الإ�سالمي .وعلى الرغم من ّ
حكايات عربية..
�أ�شياء ال تباع وال ت�شترى
نواف يون�س
ال�شام ..وهو ما ي�سيء لأهل ال�شام وتجارها، لديه لحين عودته من زيارة بيت اهلل الحرام. يبدو �أننا و�سط المتغيرات والتحوالت
و�إنه لحدث جلل بالن�سبة لنا ..ونعمل جميع ًا وتقول لنا الحكاية �إن الرجل عاد بعد التي تجتاح عالمنا المعا�صر ،بد�أ البع�ض
كتجار �أمناء على �أال يحدث ذلك �أبداً. �شهرين ودخل الدكان و�سلم على �صاحبه، منا يتخلى تدريجي ًا عن القليل �أو الكثير
�أم��ا الحكاية الثانية ،فقد حدثت معي و�س�أله عن �أمانته ،وطالب با�ستردادها ،فكر من منظومة القيم ،التي كانت تت�سم بها
�شخ�صي ًا ،حيث ���س��اف��رت �إل ��ى ال��ق��اه��رة، �صاحب الدكان قلي ًال وتمعن بالرجل ملي ًا، ال�شخ�صية العربية بخ�صو�صية هويتها
ف��ي رح��ل��ة ع�لاج ط��ارئ��ة ،وو���س��ط ت��رددي م�ستف�سراً عن بع�ض الأمور ،و�أجابه الرجل ووجودها الإن�ساني ،ومن هذه القيم العربية
على الأط��ب��اء االخت�صا�صيين والم�شافي، بكل ثقة ،فما كان من التاجر �إال �أن ا�ستمهله الإ�سالمية الأ�صيلة والعديدة :الكرم والأنجاد
والقلق الذي ينه�شني من جراء الك�شوفات �صرة ع��دة دقائق ،وع��اد بعدها وف��ي ي��ده ّ وال�شجاعة والفرو�سية والأمانة وبالغة اللغة
والفحو�صات والتحاليل ،حدث �أن ن�سيت حمراء بها ثالثة �آالف درهم و�سلمها للرجل، وعبقرية ال�شعر ،وغيرها من القيم التي زينت
حقيبتي الجلدية اليدوية ،في �إحدى �سيارات ف�ضها �أمامه و�أح�صى الدراهم ،وقال بعد �أن ّ م�سيرة �إن�سانية ح�ضارية� ،أتاحت لنا �شرف
الأج� ��رة ،التي كنت �أ�ستقلها ف��ي ذهابي له هذه �أمانتك وقد ردت �إليك. الوجود في ح�ضرتها ،و�أن نفتخر بها ردح ًا
و�إيابي ،وكنت قد و�ضعت فيها كل �أوراقي حمل ال��رج��ل ���ص� ّ�رت��ه ال��ح��م��راء و�شكر من الزمن ومازلنا ،برغم كل �صروف الحياة
الثبوتية ،وهاتفي الن ّقال ،والكثير من المال، التاجر �صاحب الدكان ،و�سار يتجول في بتقلباتها المادية واالجتماعية القاهرة،
الذي تتطلبه حالتي ال�صحية ،وما يترتب ال�سوق ،لي�شتري منه ما قد يحتاج �إليه ،في وك��ث��ي��راً م��ا تطلعنا كتب ال��ت��راث العربي
عليها من م�صاريف ،وهو يفوق كثيراً ما رحلة عودته نحو بالده ،وما �إن خطا بعيداً الإ�سالمي ،على حكايات تن�ضح بالكثير من
كان �صديقنا الحاج في حكايتنا التراثية، بع�ض ال�شيء ،حتى فوجئ ب�أحد التجار تلك القيم ،التي �أدى تم�سكنا بها �إلى �أن نتبو�أ
قد و�ضعه ك�أمانة لدى �أحد تجار ال�شام. من �أ�صحاب الدكاكين في ال�سوق ،يناديه م�سيرة الح�ضارة الإن�سانية� ،إلى جانب ما
انتابني القلق واال�ضطراب حيال ذلك، مرحب ًا بعودته �صائح ًا ..حج ًا مقبو ًال وذنب ًا جادت به العقول العربية من معارف وعلوم
وب��د�أت �أ�ضرب �أخما�س ًا ب�أ�سدا�س ،و�أت�ساءل مغفوراً ،ده�ش الرجل للحظات ..وتذكر على واكت�شافات واختراعات.
بحيرة عن كيفية ا�ستكمال رحلتي العالجية، الفور مالمح التاجر ،الذي �أدخله �إلى دكانه ومن هذه الحكايات التراثية� ،أن رج ًال
مع فقدي لكل ما �أملكه حينها ،وقررت العودة و�سلمه �أمانته ..التي كان قد �أودعها عنده، �أتى بالد ال�شام من �أق�صى بالد ال�شرق بق�صد
�إل��ى منزل ابنتي ،بعد �أن وكلت �أم��ري �إلى وهي �صرة حمراء فيها ثالثة �آالف درهم! الحج ،وكانت ال��ع��ادة� ،أن ي�ضع الحجاج
اهلل ،وما كادت ابنتي تفتح لي الباب ،حتى وق�صّ وقع الرجل في حيرة من �أم��ره، �أماناتهم مع �أحد تجار ال�سوق الكبير في
ب�شرتني ب�أن �سائق �سيارة الأجرة ،قد ات�صل على التاجر ما حدث معه مع التاجر الأول، دم�شق لحين عودتهم ،وهو ما فعله الرجل� ،إذ
برقمها الم�سجل في هاتفي ،ليقول لها �إنه و�سارا مع ًا �إليه ،ا�ستقبلهما بحفاوة وك�أن اختار دكان ًا ،واتفق مع �صاحبه على و�ضع
وجد حقيبتي الجلدية ،و�سوف ي�أتي لي�سلمها �شيئ ًا لم يكن ،فق�صا عليه ما حدث ،واعتذر �صرة حمراء بها ثالثة �آالف درهم ،ك�أمانة ّ
لنا ،وما �إن فعل ذلك بعد دقائق من و�صولي، الرجل من التاجر لكونه غريب ًا عن البالد،
حتى ب��ادرت��ه بال�شكر ،وناولته ج��زءاً من وق��د التب�س عليه الأم��ر ،و�أع��اد له ال�صرة
المال مكاف�أة له ،فما كان منه �إال �أن رف�ض
برغم كل �صروف
ال��ح��م��راء ..م�ستف�سراً منه ،كيف فعل ذلك
رف�ض ًا بات ًا� ،أن ي�أخذ ثمن ًا لأمانته ،قائ ًال لي: ولماذا؟ وهو على يقين من �أنه لم ي�ضع عنده الحياة بتقلباتها المادية
�أريدك �أن تتحدث عن �أمانة الم�صريين ،ال �أن �أمانته! فرد عليه التاجر بكل ثقة :لو �أنني واالجتماعية مازلنا نعي�ش
تعطيني ما ًال مقاب ًال لها ..لأنها من الأ�شياء لم �أعطك �أمانتك كنت �ستذهب �إلى بالدك، في ح�ضرة القيم العربية
التي ال تباع وال ت�شترى يا �سيدي! وتقول �إن �أمانتك قد �سرقت منك في بالد الأ�صيلة