Professional Documents
Culture Documents
دور النشاط الموسيقي في تهذيب الذوق الفني لدى الناشئة
دور النشاط الموسيقي في تهذيب الذوق الفني لدى الناشئة
منذ نصف قرن تقريبا ,ش هد قط اع التعليم عموم ا تط ورات متنوع ة ,و ذل ك على
مستوى المقاربات البيداغوجية ,طرق التنشيط و الوسائل الديداكتيكية ,بفضل مب دأ
التنظير و التجربة التي قام بها خ براء و علم اء من مختل ف المي ادين ,على س بيل
المثال فقط ,1Piagetو ,2Rousseauو , 3Deweyو. 4Freinet
1
PIAGET, Jean, le développement de la notion du temps chez l’enfant, Presses Universitaires, 1946.
2
ROUSSEAU, Jean-Jacques, Emile ou de l’éducation, 1762.
3
DEWEY, John, les écoles de demain, Paris, Flammarion, 1932.
4
FREINET, Célestin, les techniques Freinet de l’école moderne, Paris, librairie Arman Collin, 1964.
1
فالموهبة تعتبر ملكة روحانية تشكل في نفس الوقت هاجسا ً وإشكاال بالنسبة للتنظير
البيداغوجي .ولذلك وقع غض النظر على مفه وم الموهب ة ،لمص لحة مفه وم تع دد
الذكاءات عموماً ،ومفهوم الذكاء الفني بصفة خاصة .
وإذا انطلقنا من هذا المبدأ ،أي العمل على تطبيق البيداغوجي ة الفارقي ة عن طري ق
مفهوم الذكاءات المتعددة ،فتدريس المادة الموسيقية في المعاه د المختص ة أو غ ير
المختص ة يكمن في إيج اد حل ول وط رق متنوع ة و محدث ة تخ دم في نفس ال وقت
أهدافا ً إجتماعية و وطنية ،وتطب ق قيم ا ً ثقافي ة وإديولوجي ة معين ة من بينه ا العم ل
على تهذيب الذوق الفني لدى الناشئة ،خصوصا ً في هذا الزمن ال ذي أص بحت في ه
ال رداءة هي المقي اس .ل ذلك س أتحدث في بداي ة األم ر على كيفي ة إختي ار المث ال
الغنائي أو اآللي المقرر تدريسه للتالميذ ،وم دى أهمي ة ه ذا األم ر في خدم ة مب دأ
التهذيب ،ألن في ذل ك نق ل رس الة بيداغوجي ة جلي ة ولكنه ا تب دو ض منية بالنس بة
للمتعلم .هذه الرسالة تتجسد في تعليم قطعة موسيقية أو أنش ودة من خالله ا نض من
توفر األساليب الديداكتيكية المبرمج تدريسها ،وفي نفس الوقت يتاح لنا من خاللها
العمل على زرع روح الفكر النقدي لدى التلميذ ،الذي يمكنه من فحص وإنتق اء م ا
يسمعه كل يوم ،وتقييمه تقييما ً تحليليا ً موسيقياً.
وكبداي ة لدراس ة ه ذه الظ اهرة ،قمن ا بإحص اء بس يط لن وع الموس يقى المس موع
والمرغوب من قبل بعض التالميذ الملتحقين بأقس ام المرحل ة اإلعدادي ة ،في إط ار
تربصنا بالمرحلة التطبيقية في الماجستير المهني في علوم التربي ة .فك انت النتيج ة
كاآلتي 90 :بالمائة يستمعون بكثرة إلى ال راب ،و 8بالمائ ة يميل ون إلى الموس يقى
الغربية الخفيفة ،أو بما يس مى " ،"pop musicو 2بالمائ ة يحب ون االس تماع إلى
موسيقى ال" "houseمع الرقص على ايقاعاتها المتكررة .إذاً ،فأغلب التالمي ذ في
هذه المرحلة العمرية يميلون إلى الراب ،ال ذي ه و أص الً ال يعت بر نوع ا ً أو نمط ا ً
2
موسيقياً ،بل هو مجرد شكل من أشكال التعبير الصوتي ظهر ألول م رة في إح دى
األحياء الشعبية األمريكية في أوائل الس بعينات .إذاً ،ه و يعت بر فن ش ارع ،وحاش ا
كلمة فن من هذا ،فما بالك إن إنتشر في كل بيت بفض ل وس ائل اإلعالم .فالخط أ ال
يص در من المراه ق بص فة خاص ة ،ب ل ه و يعكس توجه ات يظبطه ا ويس يرها
اإلعالم .
من جهة أخرى ،إذا أخذنا بعين اإلعتبار مبدأ التنوع واالختالف بين األف راد ،يمكن
لنا أن نتس اءل لم اذا أغلبي ة الناش ئة يميل ون إلى نم ط معين ،في حين يوج د أن واع
عديدة من الموسيقى ،نذكر منها الموس يقى الكالس يكية الغربي ة بمختل ف انواعه ا،
موسيقى الجاز،موسيقى المالوف ،الموسيقى اآللية ،موسيقى األفالم االركس ترالية،
الموسيقى الحديثة " ،"new ageوتطول القائمة .لماذا لم نلحظ نس بة ول و ض ئيلة
من عشاق الجاز مثالً من بين تالمي ذ اإلعدادي ة؟ ألن ه بك ل بس اطة لم يكن بوس عه
االطالع عليها ،وذلك بسبب التأثير السلبي من طرف اإلعالم المحلي والعالمي .
ومن ناحية أخرى ،نالحظ إقب االً كب يراً ،ب ل ومتزاي داً من ط رف تالمي ذ المعاه د
الموسيقية في نفس السن ،على أنواع الموسيقى اآللية الكالسيكية ،وموسيقى األفالم
وألعاب الفيديو .لماذا؟ ألنهم يمارسون النشاط الموسيقي بإنتظام ،ويتعلمون الع زف
على آلة ،وقد ادركوا أن هذه اآلالت تمكنهم من عزف التحف وال درر الفني ة لكب ار
الموسيقيين ،أمث ال م وزارت وش وبين ،وخميس ترن ان وعب د الوه اب ،س وى من
العه د الق ديم أو العه د المعاص ر ،في حين ال تص لح ه ذه اآلالت آلداء ال راب أو
اإليقاع الصاخب بدون جدوى لموسيقى المالهي الليلية .إذاً ،فالوعي بحقيقة المشهد
الموس يقي الك وني ك ان ض منياً ،وذل ك ع بر التعلم من جه ة ،ومن خالل وس ائل
وتقني ات ت دريس تحبب التلمي ذ في الفن ال راقي ،وت رقى ب ه إلى مس توى التحلي ل
3
النقدي الفني من جهة أخ رى .و ل ذلك يمكن لن ا أن نق ول أن لحس ن إختي ار المث ال
الغنائي أو اآللي دور كبير في تحقيق هذه األهداف الديداكتكية.
وال ننسى أيضا ً أن نذكر أن البيداغوجية لها شكالن أساس يان :نس مي الش كل األول
نازل ،أي أن األستاذ هو من يقوم بجمع المعلوم ات وايص الها مبس طة للمتعلم ،في
حين أن الش كل الص اعد يب دأ من التلمي ذ ال ذي علي ه البحث على ه ذه المعلوم ة
ومحاولة تطبيقها في إطار دراسي.
ولكن في الحقيقة ،تدريس مادة الموسيقى نظرياً ،أو تطبيقيا ً كتعلم العزف على آل ة
موسيقية مثال يبدو معتم داً على خلي ط متج انس من ه ذان الش كالن البي داغوجيان:
فمن جهة ،يجب على األستاذ تق ديم وض عية اإلنطالق ،تفس يرها ،ظب ط المعطي ات
المعرفية المرتبطة بها مباشرةً وتحفيز المتعلم إلدراكها؛ ومن جه ة أخ رى ،تك ون
هناك فرصة للمتعلم للتعرف على اإلطار التاريخي للمقطوع ة ال ذي بص دد ادائه ا
مثالً ،والكتش اف مه ارات وتقني ات ع بر وس ائل عدي دة ،منه ا المكتب ة،
االنترنت،السندات السمعية ،إلخ.
هذا التمشي يندرج ضمن ما يسمى البيداغوجية النشيطة ،التي تعتبر العمود الفقري
للديداكتيكية الحديثة في ميدان التعليم الموسيقي منذ بداية القرن العش رين .ومن بين
مبادئ ه ذه الطريق ة أنه ا تتن اول ال درس الموس يقي بمقي اس ي راعي التغ يرات و
التطورات التي يشهدها الطف ل في مرحل ة عمري ة معين ة .ه ذا إلى ج انب تش ريك
التلميذ في بناء الدرس أو الحصة التنشيطية.
ذكرن ا ه ذا في س ياق موض وعنا األساس ي إلب راز أهمي ة تن وع ط رق ت دريس
الموسيقى ،وذلك تجنبا ً للتكرار واإلعادة التي من شأنها تجميد المهم ة التعليمي ة في
ط ور معين ،ال يمكن من خالله ا مواكب ة العص ر .إذاً يمكن أن نق ول انن ا ص حيح
4
ندرس الموسيقى الكالسيكية التي سميت كذلك ليس لقول أنها عتيقة و مهجورة ،بل
ألنها موسيقى تستحق اإلنتماء إلى الثقاف ة الكوني ة و ذل ك لت وفر ش روط معين ة في
بنيته ا ،على ح د تعب ير ق اموس .Larousseفه ذا الن وع من الموس يقى يع رف
بالفرنسية ب ،"la musique savante"-أو الموسيقى العالمة ،وذل ك إلحتوائه ا
على كل المعايير والقواع د الالزم ة من حرف ة وتقني ة ومس ارات لحني ة مظبوط ة
ومدروسة بعناي ة .الش يء ال ذي يس اهم في تلبي ة األه داف البيداغوجي ة من جه ة،
والمتطلب ات التربوي ة من جه ة أخ رى .فال يجب أن ننس ى أن الموس يقى ته ذب
األخالق ،تهذبها ليس بالموعظة والعبر ،ألن الموسيقى ال تتكلم ،ولكن تهذبها بحث
المتعلم على االنظب اط في ال وقت ،بملء أوق ات فراغ ه بممارس ة آلت ه أو ص قل
حنجرته ،بالتواضع ،ه ذا إلى ج انب تحس ين عالقت ه م ع أف راد مجتمع ه وإمكاني ة
التواصل السوي معهم.
الموسيقى تهذب األخالق ،وتهذب الفك ر والس لوك أيض اً .ق ال أفالط ون في كتاب ه
الجمهورية » :إذا كانت الموسيقى هي الجزء الرئيسي من التعليم ( ،)...فذلك ألن
اإليقاع ( )le rythmeواالنسجام ( )l’harmonieيتالءمان بشكل خاص إلختراق
الروح ولمسها بقوة ( )...نحن نتصدى للرذيلة ،ونكرهها بدايةً من مرحلة الطفولة،
قبل أن نتمكن من إدراك ذلك بالعقل .وعندما يأتي العقل ،نتقبّلها ونُقِرّها كقريب،
مع كل الرقة التي تغذيناها في الموسيقى «.
هذه المقولة توضح جيداً الدور الضمني الذي تلعبه الموسيقى ،أو النشاط الموس يقي
عموما .حيث يكون إدراكنا بحقيقة األشياء (الفضيلة والرذيلة مثالً) غ ير واعي في
البداي ة ،ثم يتط ور ه ذا اإلدراك ش يئا ً فش يئاً ،وذل ك بفض ل عوام ل داخلي ة (مث ل
التطورات الذهني ة والنفس ية) ،وخارجي ة (مث ل كس ب المعرف ة العلمي ة والثقافي ة،
وإكتساب الخبرات اإلجتماعي ة) ،لتك ون لن ا في األخ ير ص ورة ول و غ ير مكتمل ة
5
للحقيقة وللكون .أليست هذه أداة من أدوات تهذيب الذوق الفني؟ أقص د عوض ا ً عن
توجي ه االس تماع وتق دير العم ل الف ني بطريق ة عمودي ة ،يمكن لن ا تل يين ال رأي
وتوجيهه بإعتماد الطريقة النشيطة التي تمكن المتعلم من المشاركة في بناء الدرس.
ويتحقق ه ذا من خالل تق ديم م ادة مدرس ة سلس ة ،وفي نفس ال وقت تتب ع أس لوبا ً
بيداغوجيا ً يتالءم و الحالة النفس ية للطف ل .وله ذا ،تح دثنا س ابقا ً عن حس ن اختي ار
المثال الموسيقي المزمع تدريس ه ،س وى ك ان مهي أ للع زف أو للغن اء ،أو من درجا ً
ضمن نشاط اإلستماع ،وه و من أهم األنش طة الموس يقية ال تي تكمن و تتأك د فيه ا
أهداف تهذيب الذوق .فكم ا نع رف ،أول إحتك اك بالص وت الموس يقي يك ون ع بر
اإلستماع ،وليس عبر قراءة النوتة أو العزف .ل ذلك يك ون لنش اط اإلس تماع أهمي ة
ك برى ،خاص ةً لتحف يز المتعلم على الترك يز وظب ط مالحظ ات متعلق ة ب األثر
الموسيقي ،من شأنها أن تفطنه بأهميتها ،وتستدرجه إلى التحليل الواعي األك اديمي
لتق ييم العم ل الموس يقي جمالي ا ً وتقني اً.تطوي ع التعليم الموس يقي له ذه الطريق ة
البيداغوجية يمكن التلميذ من التعبير الحر وإبداء الرأي ،ولو في إطار تعلم الع زف
على اآللة الموسيقية .فيكون المتعلم في نفس الوقت يمارس اآللة ،يغني ،يستمع إلى
نماذج موسيقية مثالية ،يفكر في دالالت التطبيق الموسيقي وينشط ثقافيا ً وإجتماعياً.
6