Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 2

‫في معنى الترجمة‬

‫‪-‬الحصة األولى‪-‬‬

‫يقول صفاء خلوصي في كتابه "فن الترجمة في ضوء الدراسات المقارنة"‪ ،‬متحدثا عن الترجمة عند‬
‫العرب‪ ،‬إنها كانت نشطة في عصر المأمون على مذهبين‪ ،‬أولهما مذهب يوحنا بن البطريق وابن الناعمة‬
‫الحمصي وغيرهما‪ ،‬وهو مذهب ترجمة األلفاظ‪ ،‬وثانيهما مذهب حنين بن إسحق والجوهري وغيرهما‪ ،‬وهو‬
‫مذهب ترجمة المعاني‪ ،‬وقد علق سليمان البستاني على هذين المذهبين قائال إنهما المذهبان الوحيدان المعول‬
‫عليهما منذ ستة قرون وحتى يومنا هذا‪.‬‬

‫ثم تحدث خلوصي عن الترجمة باعتبارها فنا يهتم بنقل ألفاظ النص ومعانيه وأساليبه من لغته األصلية‬
‫إلى اللغة المستقِبلة‪ ،‬مشي ار إلى الفوائد المتوخاة من وراء ذلك‪ ،‬كتقوية ملك ِة الكتابة في لغتين وأكثر‪ ،‬واستخدام‬
‫الفكر واللغة المقارنين‪ ،‬وتبادل المعارف واألفكار‪ ،‬ومعرفة مدى تأثير التراكيب اللغوية بعضها في بعض‪...‬‬
‫ِ‬
‫للمترجم‪ ،‬والتي ركزها أساسا في االطالع على الموضوع واإلحاطة باأللفاظ‬ ‫ومار على الخصائص األساسية‬
‫ّاً‬
‫والمعاني‪ ،‬وكذا التحلي بروحية الكاتب والسعي الحثيث إ لى ترجمة أسلوبه‪ ،‬باعتبار أن "األسلوب هو الرجل"‬
‫مثلما يرى باسكال‪.‬‬

‫أما عن المدى المسموح به للمترجم حتى يتصرف في النص األصلي‪ ،‬فيرى خلوصي أن عليه أن ال‬
‫يح ِّسن األصل ويصقله بإفراط‪ ،‬وأن ال يبقي على األخطاء مثلما هي‪ ،‬فالوسطية إذن مطلوبة بين هذا وذاك‪.‬‬
‫ويجب على المترجم أ ن يختار المعنى األنسب لسياق الكالم في كامل النص‪ ،‬مع جواز اإلضافة إلى المعنى‬
‫األصلي –على سبيل التقوية‪ -‬والحذف من الثانويات طالما ثبت إضعافها لقوة النص‪ .‬وبخصوص الصعوبات‬
‫األساسية في الترجمة‪ ،‬فقد حددها جورج كامبيل ‪ george cambell‬في وجود ألفاظ معينة في كل لغة ليست‬
‫لها مقابالت في اللغات األخرى‪.‬‬

‫أما بخصوص اإللهام في الترجمة‪ ،‬فيرى خلوصي أنه أمر ضروري يجعل الفرق بين الترجمة "المل ِهمة"‬

‫والترجمة "االعتيادية"‪ ،‬كالفرق بين ِّ‬


‫"الشعر" و"النظم"‪ .‬فالمترجم الملهم يجب أن يكون على ما كان عليه ابراهيم‬
‫المازني الذي وصفه العقاد بقوله‪" :‬استطاع بترجمته أن يرد الكالم أصيال كأنه لم يكتب قبل ذلك بلغة أخرى‪،‬‬
‫ولم يصدر عن قريحة سابقة"‪ ،‬ثم يضرب لنا مثال بقطعة من رواية "آلة الزمان" للكاتب اإلنجليزي ايج‪ .‬جي‪.‬‬
‫ويلز‪ ،‬مترجمة على طريقتين‪ :‬طريقة الترجمة "الملهمة" وهي ترجمة ابراهيم المازني نفسه على مذهب حنين بن‬
‫إسحق‪ ،‬والترجمة "االعتيادية" الحرفية‪ ،‬وهي الترجمة التي قامت بها نعمات أحمد فؤاد على مذهب ابن البطريق‪،‬‬
‫ليورد لنا مالحظات نعمات على ترجمة ابراهيم‪ ،‬حيث أرت أن هذا األخير تخطى بعض األلفاظ دون مبرر‪،‬‬
‫خاصة مع انعدام مقابالتها في اللغة العربية‪ ،‬وأنه زاد على األصل ألفاظا خال منها‪ ،‬وأخي ار أنهما اختلفا حول‬
‫ترجمة بعض األلفاظ والعبارات اختالفا ّبينا‪.‬‬

‫وعن أنواع الترجمة‪ ،‬يرى خلوصي أنها على ثالثة‪" :‬الترجمة الحرفية"‪ ،‬وهي أضعف األنواع‪ ،‬و"ترجمة‬
‫المعنى" على حساب النص الحرفي‪ ،‬وهي ما قد تدفع بالمترجم إلى السهو عن لفظ لربما كان هو مفتاح النص‬
‫الرئيس‪ ،‬وأخي ار "الترجمة الحرفية‪-‬المعنوية " وهي المنصوح بها وسطا بين الترجمتين األوليين‪ .‬لينتهي بنا إلى‬
‫وصايا في الترجمة‪ ،‬أوردها تباعا كما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬الق ارءة األولى للنص ومحاولة فهمه فهما عاما‬


‫‪ .2‬استخراج معاني الصعب من كلماته‬
‫‪ .3‬فالقراءة الثانية‬
‫‪ .4‬البدء في ترجمته بتدرج جملة جملة‪ ،‬باحثا في كل منها عن الفعل الرئيسي‪ ،‬باعتبار الفعل مفتاح‬
‫الجملة‬
‫‪ .5‬إعادة موضعة أشباه الجمل (من ظرف وجار ومجرور) في مواضعها الطبيعية بعد الترجمة‬
‫‪ .6‬إعادة صياغة النص باللسان األم كما لو أن المترجم هو نفسه من كتبه‬

‫على أن هنال ك طرقا مختلفة للترجمة‪ ،‬تترأسها الطريقة "الصامتة"‪ ،‬وتهم ترجمة الوثائق والمستندات‬
‫القانونية‪ ،‬والطريقة "الصائتة"‪ ،‬وتهم ترجمة الشعر والقطع النثرية ذات اإليقاع الموسيقي‪ ،‬و"التصرف" وهي‬

‫ِّ‬
‫الملخصة" وهي‬ ‫طريقة تهم زيادة كلمات وعبارات إيضاحية في الترجمة يخلو منها النص األصلي‪ ،‬و"الترجمة‬
‫االنتقال مباشرة من قراءة النص األصلي إلى كتابة ملخصه مترجما‪ ،‬وأخي ار "ترجمة الفكرة" وتخص المتقنين‬
‫ألكثر من لغة‪ ،‬والذين يعمدون إلى كتابة نص بلغة ثانية بعدما سبق لهم كتابته بلغة أولى‪.‬‬

‫المرجع‪ :‬فن الترجمة في ضوء الدراسات المقارنة‪ ،‬د‪.‬صفاء خلوصي‪ ،‬منشورات و ازرة الثقافة واإلعالم‪ ،‬الجمهورية العراقية‪،‬‬
‫سلسلة دراسات‪ ،‬عدد ‪ ،292‬دار الرشيد للنشر‪ ،‬سنة ‪1982‬م‪.‬‬

You might also like