Professional Documents
Culture Documents
أحمد عبد القادر حسين
أحمد عبد القادر حسين
أحمد عبد القادر حسين
املعرفة
أو ما يُسمى بنظرية املعرفة
نظرية املعرفة:
كثرياً ما تعرف الفلسفة بأهنا نظرية <<الكو ن واملعرفة>> ،فعلم ما بعد الطبيعة يبحث يف حقيقة
الكو ن وأصله ،أما ما يبحث يف املعرفة نفسها (العلم بالشيء)؛ أعين حقيقتها ومنبعها وحدودها اليت
تقف عندها ،فيكون فرعاً آخر من الفلسفة يسمى <<نظرية املعرفة>> أو <<أبستمولوجيا>>.
وقد وَجَّهَ فالسفة اليونان األولون نظرهم للبحث يف حقائق األشياء وطبائعها ،وهذا التفلسف والنظر
الذي يفوق أنظار السذج والعامة وآرائهم تدرج باملفكرين الذين يبحثون عن احلقائق إىل البحث يف مسألةٍ
أُخرى؛ وهي :ملاذا خيتلف نظري إىل األشياء عن أنظار غريي من الناس؟ وملاذا ختتلف نظرياتي املبنية
على البحث عن األفكار الشائِعة بني العامة؟ إنِّي أعرف أن الناس على باطل وأني على حق ،وأن
هناك عاملاً من األشياء خارجاً عين يعرفه عقلي ،فكيف تدخل املعرفة هبذه األشياء يف عقلي فتثري
أفكاراً تولد عاملاً من األشياء يف داخله؟ كيف حصلت هذه املعرفة؟ و ِلمَ يفكر الناس على خالف ما
أُفكره؟ أين منبع احلقيقة اليت حصلتها؟ أين أصل املعرفة وحدودها اليت تقف عندها؟ وما حقيقتها
وطبيعتها؟ هذه األحباث أدت إىل الشك يف صحة املعرفة ويف الوثوق هبا ،وجاش يف النفس هذا
السؤال :هل ميكن حبال أن نعرف احلقيقة ،وأن جند مقياساً صحيحاً عاماً نقيس به األشياء لنعرف
صحيحها من باطلها؟ قد كان العقل البشري يف أول األمر مييل اىل العمل والسري يف احلياة من غري أن
يسأل نفسه سؤاالً كهذا ،حتى إذا وقع يف اخلطأ ورأى آراء تناقض آراءه اعرتاه الشك ومل يعد يثق مبا
يرى ،وبعد أن كان الفكر يشتغل باألشياء اخلارجية توجه للبحث يف نفسه هو ،باحثاً عن نصيبه من
الصحة فسأل :ما ا ملعرفة؟ وما عالقتها باحلقيقة؟ هل املعرفة ممكنة؟ وهل يستطيع العقل البشري
1
املعرفة
الوصول اليها؟ وإذا كان كذلك فكيف الوصول؟ هذه أسئلة وأحباث توجه اليها العقل اإلنساني الشائق
قال الفيلسوف األملاني ((بولسون)) :إن الفلسفة ابتدأت يف مجيع أماكنها بالبحث فيما بعد الطبيعة،
فكان البحث يف شكل العامل وتكونه وأصله ،ويف طبيعة الكون ،وماهية الروح وعالقتها بالبدن؛ هو
موضوع الفلسفة األوىل ،وبعد أن استغرقت هذه األحباث زمناً طويالً اجته الفكر للبحث يف املعرفة
وإمكاهنا ،ورأى العقل ا لبشري ضرورة النظر فيما إذا كان من املمكن حبال حل هذه املسائل ،ومن هذه
النظر نتجت <<نظرية املعرفة>> ،من هذا يُفهم أن البحث يف صحة معرفة األشياء وحدودها
فيمكننا أن جنمل الغرض من نظرية املعرفة ومسائلها يف أسئلة ثالثة هامة؛ وهي:
وقد أجاب العلماء عن هذه األسئلة إجابات وردت ضمناً يف تاريخ الفكر ،وكانت خمتلفة تبعًا
لالختالف يف املذاهب الفلسفية ،فذهب قوم من الفالسفة إىل أن معرفة األشياء نسخة طبق األصل
حلقائق أشياء ،وصورة دقيقة يف عقولنا ملا يف اخلارج ،وأن األشياء وحقائقها متطابقة ،وإدراكنا لألشياء
كما هي يف الواقع هو املعرفة .وهذه العقيدة؛ أعين أن األشياء احملققة هلا وجود يف اخلارج مستقل عما
مياثلها يف الذهن ،تسمى <<مذهب الواقع>> ،وهذا املذهب يرى أن ما ندركه باحلواس سواءً كان
2
املعرفة
إدراكاً يقينيًا أو ظنيًا ،وما نعرفه بالتأمل بالفكر - 1ومها اللذان هبما حتصل املعرفة باألشياء -نتيجة
شيء حقيقي موجود يف اخلارج م ستقل عن ذهننا؛ فاملعرفة على هذا املذهب هي إدراك األشياء كما
هي يف الواقع بواسطة آالت البدن والنفس ،فالشيء أسود وأمحر ألن به صفة جعلته أسودَ أو أمحر ،فإذا
انعكس على أعيننا أدركنا سواده أو محرته ،وهذه الصفة موجودة حمققة سواءً انعكس الشيء على عني
اإلنسان أو ال ،ويقابل هذا املذهب مذهب الظواهر أو مذهب املثال ،وهو يرى أن <<إدراك
األشياء>> ،و <<األشياء يف أنفسها>> وبعبارة أُخرى <<ما يف الفكر>> و <<ما يف
اخلارج>> خمتلف اختالفاً كبرياً ،وعلى هذا املذهب ليست املعرفة إدراك األشياء كما هي يف الواقع،
وال هي -كما يقول الواقعيون -نسخة طبق األصل ،وال صورة دقيقة لألشياء نفسها ،بل املعرفة إدراك
األشياء حسب ما يظهر لنا؛ إذ ال ميكن أن يكون بني املعرفة -اليت هي عملية نفسية -واألشياء
اخلارجية تشابه ،وليس العامل الذي حولنا إال نتيجة أنتجها عقلنا ،وكل ما نعرف من العامل واألشياء
اخلارجية سواء كان طريق املعرفة حواسنا أو تأملنا الفكري ليس إال خياالً يولده العقل ،وبينما يرى
الواقعي <<ان اإلدراك بواسطة احلواس حيدث عندنا يقيناً هبا ،وأن يف ذلك اإلدراك ضمانة حلقائق
الوجود؛ إذاً باملثايل يرى أن حقائق الوجود اخلارجي ليست إال قابليتها ألن تدرك>>.
أما السؤال الثاني؛ وأعين به السؤال عن أصل املعرفة ومنبعها ،فقد أجيب عنه جبوابني؛ أما
احلاسيون أو التجريبيون فقالوا :إن كل معرفة إمنا سببها اإلدراك باحلواس ،وبعبارة أخرى إن منبع معرفتنا
هو اإلدراك األول ،أعين اإلدراك باحلواس باطنة أو ظاهرة ،فباجتماع هذه اإلدراكات وتركيبها وإتقاهنا
حتصل التجارب ،وجبمع التجارب وترقيتها حتصل املعرفة ،فمنبع املعرفة إذن عمل احلواس ،أي
3
املعرفة
<<اإلدراك باحلس>> و<<التجربة>> ،ومها يقابالن عند أصحاب النظرية األخرى اآلتي
2
شرحها <<التفكري>> و<<الفكرة>>.
وعلى هذا املذهب تكون كل املعرفة -ولو كانت فكراً عميقاً أو << َلقَانة>> -ترجع اىل
اإلدراك احلسي ،فمذهب احلاسيني أو التجريبيني إذاً هو املذهب القائل بأن التجربة هي املنبع الوحيد
للمعرفة ،أو على األقل أساسها ،وأن كل معرفة تنبع من التجربة ،والتجربة نوعان :فإما أن تكون مُستقاة
من احلواس الظاهرة ،وإما من الباطنة ،فإدراك األشياء اخلارجية يسمى إحساساً ،وإدراك األشياء
الباطنية يسمى تأمالً ،واإلدراك بنوعيه باب ينفذ منه ضوء املعرفة <<إىل حجرة الفهم املظلمة>>.
2قال بروتاغوراس -رأس السفسطائية :إن اإلدراك باحلس هو املصدر الوحيد للمعرفة ،ومع ذلك فهذا االدراك إمنا يعرفنا ظاهر الشيء فقط ال حقيقة
الشيء نفسه ،ومن أجل هذا كان كل رأي ينشأ عن االدراك باحلس صحيحًا عند املُحس وحده ،بل صحيحًا يف حلظة واحدة ،وهي اللحظة اليت
حصل فيها اإلدراك ،أما الصحة العامة املطلقة فال وجود هلا ،وإذا كانت معرفة االنسان ال منبع هلا غري اإلدراك باحلس ،وكان شأن اإلدراك ما ذكرنا؛
كانت معرفة االنسان ال يُوثق بصحتها ،وقد سلم أفالطون هبذا الرأي ،وهو أن اإلدراك باحلس إمنا يكون معرفة وقتية ،وعنده أن هذا اإلدراك إمنا يعرفنا
ظواهر الشيء ال حقيقته (ولكن مل يقتصر اإلدراك على احلس) ،وبينا بروتاغوراس يقول :إن معرفة الشيء ال ميكن أن تُنال ،إذ ًا بأفالطون يف كتابيه
ثيتيونوس وتيمايس يقول بإمكان املعرفة ،وقال :إن ما يقرب اىل املعرفة هو الرأي الصحيح الذي يستطيع اإلنسان أن يُربهن عليه ،ويعين أفالطون باملعرفة
4