Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 270

‫هذا الكتاب‬

‫قال تعالى " وما خلقت الجن واإلنس إال ليعبدون "‬
‫وعبادة هللا مستحيلة على من ال يعرفه ‪ ،‬ولذلك كان أول ما فرضه‬
‫هللا على خلقه معرفته قال تعالى ‪" :‬فاعلم أنه ال إله إال هللا "‬
‫(محمد ‪) 19 :‬‬
‫وقال أبو القاسم األصبهانى ‪ " :‬ولو أراد رجل أن يتزوج إلى‬
‫رجل أو يزوجه أو يعامله طلب أن يعرف اسمه وكنيته واسم أبيه‬
‫وجده وسأل عن صغير أمره وكبيره ‪.‬‬
‫فاهلل الذى خلقنا ورزقنا ونحن نرجو رحمته ونخاف من سخطه‬
‫أولى أن نعرف أسماءه ونعرف تفسيرها" ومن أجل ذلك فقد‬
‫أصدرت هذا المؤلف المتواضع فى أسماء هللا الحسنى راجيا أن‬
‫يجعلنى هللا سببا فى معرفته وحبه وعبادته لدى خلقه وقد قسمت‬
‫الكتاب إلى اربعة أبواب رئيسية وهى كالتالى ‪.‬‬
‫‪ -1‬الباب األول ‪ :‬فضائل األسماء الحسنى‬
‫‪ -2‬الباب الثانى ‪ :‬قواعد فى األسماء الحسنى‬
‫‪ -3‬الباب الثالث ‪ :‬أربعة تنبيهات هامة وهى‬
‫‪ -1‬إحصاء األسماء الحسنى "معناه وأنواعه"‬
‫‪ -2‬اإللحاد فى األسماء الحسنى "معناه وأنواعه"‬
‫‪ -3‬الدعاء باألسماء الحسنى "معناه وأنواعه"‬
‫‪ -4‬النهى عن إطالق األسماء الخاصة باهلل على‬
‫خلقه‬
‫‪ -4‬الباب الرابع ‪ :‬شرح األسماء الحسنى من خالل عدة‬
‫‪ -1‬المعنى اللغوى لإلسم‬
‫‪ -2‬المعنى الشرعى لإلسم‬
‫‪ -3‬الدليل من القرآن أو صحيح السنة على ورود‬
‫اإلسم‬

‫‪-2-‬‬
‫‪ -4‬آثار اإليمان المترتبة على معرفة اإلسم‬
‫‪" -5‬ليس كمثله شئ" فى كل أسمائه وصفاته‬
‫تبارك وتعالى‪.‬‬
‫وإقرأ فى هذا الجزء من هذه األسماء " الرحمن – الرحيم –‬
‫الملك – القدوس – الغنى – الوهاب – األعلى – الشافى – الغفور‬
‫– الودود – الواسع "‬

‫‪-3-‬‬
‫النور األسنى‬
‫فى شرح‬
‫سنَى‬
‫الح ْ‬
‫أسماء هللا ُ‬

‫الجزء األول‬
‫قدم له‬
‫فضيلة الشيخ‬ ‫و‬ ‫فضيلة الشيخ‬

‫محمود المصري‬ ‫محمد حسان‬

‫كتبه‬

‫أمين بن الحسن األنصاري‬

‫‪-4-‬‬
‫‪‬‬
‫تقديم الكتاب‬
‫إن احلمد هلل حنم ده ونس تعينه ونس تغفره ‪ ،‬ونع وذ باللَّه تع اىل من ش رور‬
‫أنفسنا وسيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده اللَّه فال ُمضل له ‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‬
‫حممدا عبده ورسوله‬
‫‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ‪ ،‬وأشهد أن ً‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫آمنُ وا َّات ُق وا اللَّهَ َح َّق ُت َقاتِ ِه َوالَ تَ ُم وتُ َّن ِإالَّ َوَأْنتُ ْم ُم ْس لِ ُمو َن‪} ‬‬ ‫َّ ِ‬
‫{‪ ‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫ين َ‬
‫[‪ ‬آل عمران‪. ] 103 : ‬‬
‫اح َد ٍة َو َخلَ َق ِم ْن َها‬
‫سوِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫{‪ ‬يَا َُّأي َها الن ُ‬
‫َّاس َّات ُق وا َربَّ ُك ُم الذي َخلَ َق ُك ْم م ْن َن ْف ٍ َ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َزوجها وب َّ ِ‬
‫ام ِإ َّن‬ ‫اءلُو َن بِ ه َو ْ‬
‫اَألر َح َ‬ ‫اء َو َّات ُقوا اللَّهَ الذي تَ َس َ‬
‫ث م ْن ُه َما ِر َجاالً َكث ًيرا َون َس ً‬ ‫ْ ََ ََ‬
‫اللَّهَ َكا َن َعلَْي ُك ْم َرقِيبًا‪ [ } ‬النساء‪. ] 1 : ‬‬
‫ص لِ ْح لَ ُك ْم‬
‫آمنُ وا َّات ُق وا اللَّهَ َوقُولُ وا َق ْوالً َس ِدي ًدا (‪ )70‬يُ ْ‬ ‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫{‪ ‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يما‪} ‬‬ ‫َأ ْع َمالَ ُك ْم َو َي ْغف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم َو َم ْن يُط ِع اللَّهَ َو َر ُس ولَهُ َف َق ْد فَ َاز َف ْو ًزا َعظ ً‬
‫[‪ ‬األحزاب‪. ] 71 ،70 : ‬‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫فإن اإلسالم عقيدة تنبثق منها شريعة ‪ ،‬وتلك الشريعة تنظم شئون احلياة‬
‫ٍ‬
‫وال يقبل اللَّه من قوم شريعتهم حىت ّ‬
‫تصح عقيدهتم ‪.‬‬
‫فالتوحيد ليس أم ًرا ثانويًّا حىت نؤجله أو ن ؤخره ‪ ،‬بل هو األس اس ال ذي‬
‫يق وم عليه ال دين كله ‪ ،‬ومن أجل ذلك ظل النيب ص لى اهلل عليه وس لم ي ريب‬

‫‪-5-‬‬
‫أصحابه على التوحيد ثالث عشرة سنة يف مكة ‪.‬‬
‫وظل النيب صلى اهلل عليه وسلم يريب أصحابه على التوحيد حىت آخر حلظة‬
‫يف حياته ؛ ألن قض ية التوحيد هي اليت من أجلها خلق اهلل الس ماوات واألرض‬
‫وأرسل الرسل وأنزل الكتب وخلق اجلنة والنار ‪.‬‬
‫والتوحيد الذي تثبته كلمة التوحيد ينقسم إىل ثالث أقسام وهي ‪:‬‬
‫فات ‪ ،‬وهو‬ ‫توحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األمساء والص‬
‫موضوع تلك الرسالة املباركة ‪.‬‬
‫وهذا الباب كم زلت فيه أقدام وكم ضلَّت فيه أفهام ‪.‬‬
‫فتوحيد األمساء والص فات ‪  :‬هو إف راد اللَّه تب ارك وتع اىل بأمسائه وص فاته‬
‫((‬

‫حبيث يؤمن العبد مبا أثبت اللَّه لنفسه يف كتابه أو أثبته له رسوله صلى اهلل عليه‬
‫وس لم من األمساء والص فات على الوجه ال ذي أراد اللَّه ورس وله ص لى اهلل عليه‬
‫وسلم وعلى الوجه الالئق به من غري إثبات مثيل له ؛ ألن إثبات املثيل هلل تعاىل‬
‫شرك به‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫* ق ال اإلم ام الش نقيطي ‪ -‬رمحه اللَّه ‪ -‬يف رس الته القيمة ‪ ‬األمساء‬


‫((‬

‫والصفات نقاًل وعقاًل ‪ :  ‬اعلموا أن كثرة اخلوض والتعمق يف البحث يف آيات‬


‫))‬

‫الص فات وك ثرة األس ئلة يف ذلك املوض وع من الب دع اليت يكرهها الس لف ‪.‬‬
‫واعلم وا أن مبحث آي ات الص فات دل الق رآن العظيم أنه ي رتكز على ثالث‬
‫أسس ‪ ،‬من ج اء هبا كلها فقد وافق الص واب وك ان على االعتق اد ال ذي ك ان‬
‫عليه النيب ص لى اهلل عليه وس لم وأص حابه والس لف الص احل ‪ ،‬ومن أخل بواح ٍد‬
‫من تلك األسس الثالثة فقد ضل ‪.‬‬

‫(?) المجموع الثمين ( ص ‪. )16‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-6-‬‬
‫وكل هذه األسس الثالثة يدل عليها القرآن العظيم ‪.‬‬
‫األول ‪ :‬تنزيه اللَّه جل وعال أن يُش به ش يء من ص فاته ش يًئا من ص فات‬
‫شيء ‪ [ } ‬الشورى ‪:‬‬ ‫ِ ِِ‬
‫س َكمثْله َ ْ ٌ‬ ‫األصل يدل عليه قوله تعاىل ‪ { :‬لَْي َ‬ ‫ُ‬ ‫املخلوقني ‪ ،‬وهذا‬
‫ِِ‬
‫ال‪} ‬‬ ‫ض ِربُوا للَّه ْ‬
‫اَأْلمثَ َ‬ ‫َأح ٌد‪ [ } ‬اإلخالص ‪ { ، ] 4 :‬فَالَ تَ ْ‬ ‫‪ { ، ] 11‬لَ ْم يَ ُك ْن لَهُ ُك ُف ًوا َ‬
‫[‪ ‬النمل ‪. ] 74 :‬‬
‫الث اين من ه ذه األسس ‪ :‬هو اإلميان مبا وصف اللَّه به نفسه ؛ ألنه ال‬
‫أعلم باللَّه من اللَّه ‪َ { :‬أَأْنتُ ْم َأ ْعلَ ُم َِأم اللَّهُ‪ [ } ‬البقرة ‪. ] 140 :‬‬
‫يصف الله ُ‬
‫َّ‬
‫واإلميان مبا وص فه به رس وله ص لى اهلل عليه وس لم ألنه ال يصف اللَّه بعد‬
‫اللَّه أعلم باللَّه من رسول اهلل الذي قال اللَّه يف حقه ‪َ  { :‬و َما َي ْن ِط ُق َع ِن ال َْه َوى (‬
‫‪ِ )3‬إ ْن ُه َو ِإالَّ َو ْح ٌي يُ َ‬
‫وحى‪ [ } ‬النجم ‪. ] 4 - 3 :‬‬
‫الثالث من هذه األسس ‪ :‬قطع الطمع عن إدراك كيفية ذات اللَّه عز وجل‬
‫‪َ  { :‬والَ يُ ِحيطُو َن بِ ِه ِعل ًْما‪ [ } ‬طه ‪. ] 110 :‬‬
‫وها حنن نتع ايش بقلوبنا من خالل تلك الس طور مع تلك الرس الة الرقيقة‬
‫لألخ احلبيب ‪ /‬أمني بن احلسن األنص اري ‪ ،‬حفظه اللَّه ‪ ،‬حيث يأخذ بقلوبنا‬
‫لتلك الواحة الغنَّاء اليت حوت من األزهار أمجلها ‪ ،‬ومن الرياحني أطيبها ‪ ،‬ومن‬
‫شرح ممت ٍع ألمساء اللَّه احلسىن ‪.‬‬
‫املياه أعذهبا ‪ ،‬لنتعرف على ٍ‬
‫فأس أل اللَّه عز وجل أن ينفع بتلك الرس الة كما نفع بأص وهلا ‪ ،‬وأن جيزي‬
‫مؤلفها خري اجلزاء ‪ ،‬وأن يرزقنا التوحيد اخلالص ‪ ،‬وأن حيش رنا ي وم القيامة مع‬
‫سيد املوحدين حممد بن عبد اللَّه ‪ -‬عليه أفضل الصالة والتسليم ‪.‬‬
‫وصلى اللَّه على نبينا حممد وعلى آله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫وكتبه الفقري إىل عفو الرحيم الغفار‬

‫‪-7-‬‬
‫محمود المصري ( أبو عمار )‬

‫‪-8-‬‬
‫مقدمة فضيلة الشيخ ‪ /‬محمد حسان‬
‫احلمد هلل والصالة والسالم على سيدنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وبعد ‪.‬‬
‫فإنه ال س عادة يف ال دنيا واآلخ رة إال بتحقيق التوحيد ‪ ...‬ال ذي من أجله خلق‬
‫اهلل األرض والسماوات ‪ ..‬وهو حمض حق اهلل على مجيع املخلوقات ‪ ..‬وألجله‬
‫بعث اهلل الرسل وجاءت مجيع الرساالت ‪.‬‬
‫وبه انقسم الناس إىل شقي وسعيد ‪ ..‬وقريب وبعيد ‪ ..‬ومقبول وطريد ‪..‬‬
‫وبه انفصلت دار الكفر عن دار اإلميان ‪ ،‬ومتيزت دار النعيم من دار اجلحيم !!‬
‫وذلك ألن التوحيد هو أصل ال دين وأساسه ‪ ..‬ورأس أم ره ‪ ..‬وبقية‬
‫أرك ان ال دين وفرائضه متفرعة عنه متش عبة منه مكمالت له ‪ ..‬فهو دين ش امل‬
‫ومنهج حياة متكامل !!‬
‫ومن أعظم وأجل وأش رف أبوابه ب اب توحيد األمساء والص فات ‪ ،‬وهو‬
‫إف راد اهلل جل جالله بأمساء اجلالل وص فات الكم ال ‪ ،‬واإلميان هبا كما ج اءت‬
‫يف الق رآن والس نة من غري حتريف وال تعطيل وال متثيل ألنه جل وعال ليس‬
‫كمثله شيء وهو السميع البصري ‪ ،‬مث التعبد هبا ومبقتضياهتا للملك القدير ‪.‬‬
‫وه ذا الب اب من أش رف وأجل أب واب التوحيد ألنه يتعلق ب ذات اهلل جل‬
‫وعال ومعرفة أمسائه احلسىن وص فتاته العال معرفة ص حيحة ص ادقة ت دحض‬
‫الشرك والتعطيل والتشبيه والتمثيل واإلحلاد والتأويل امتثاالً عملي اً لقول الرب‬
‫الق دير " وهلل األمساء احلسىن ف ادعوه هبا وذروا ال ذين يلح دون يف أمسائه‬
‫سيجزون ما كانوا يعملون " ‪.‬‬
‫واحلق أق ول ‪ :‬كم ض لت يف ه ذا الب اب أفه ام ! وكم زلت فيه أقالم‬
‫وأقدام! واملوفق من وفقه اهلل تعاىل للفهم عن اهلل ورسوله صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫‪-9-‬‬
‫إذ أن س وء الفهم عن اهلل ورس وله ص لى اهلل عليه وس لم أصل كل بدعة‬
‫وض اللة نش أت يف اإلس الم ق دمياً وح ديثاً وما وقع القدرية واملرجئة واخلوارج‬
‫واملعتزلة والروافض وسائر طوائف أهل البدع يف القدمي واحلديث ما وقعوا فيما‬
‫وقعوا إال بسوء الفهم عن اهلل ورسوله صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫لذا نرى اإلمام البخاري يرتجم يف صحيحه يف كتاب العلم بابا بعنوان ‪":‬‬
‫ب اب الفهم يف العلم " ويف الص حيحني من ح ديث معاوية رضي اهلل عنه أن‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ " :‬من يرد اهلل به خرياً يفقهه يف الدين " ‪.‬‬
‫ولقد وفق اهلل أخانا احلبيب الش يخ ‪ /‬أمني – حفظه اهلل فق دم لنا ه ذا‬
‫البستان املاتع يف هذا الباب اجلليل بعد مقدمة يف غاية األمهية يف األبواب الثالثة‬
‫األوىل بأس لوب مجيل س هل مث ش رح األمساء احلسىن مبنهاجية مجعت بني‬
‫التأص يل العلمي واألس لوب املنهجي والبي ان الرق راق ال وعظي ‪ ،‬فب دأ بالتأص يل‬
‫اللغ وي والش رعي لالسم ‪ ،‬مث باألدلة الش رعية مث باآلث ار اإلميانية هلذا االسم‬
‫الكرمي فجزاه اهلل خري اجلزاء ‪.‬‬
‫وأس أل اهلل تع اىل أن يتقبل منا ومنه ص احل األعم ال وأن يقر أعيننا مجيع اً‬
‫بعودة األمة إىل التوحيد اخلالص بشموله وكماله وأن يرزقنا وإياه اإلخالص يف‬
‫ول والعمل وأال جيعل حظنا من ديننا قولنا وأن حيسن نياتنا وأعمالنا وأن‬ ‫الق‬
‫خيتم لنا وله وجلميع املس لمني خبامتة املوح دين وص لى اهلل وس لم على نبينا حممد‬
‫وعلى آله وصحبه أمجيعن‪.‬‬

‫وكتبه ‪ /‬أبو أحمد‬

‫محمد حسان – القاهرة ‪ /‬شوال ‪1423 /‬هـ‬

‫‪- 10 -‬‬
‫المقدمة‬
‫بسم اللَّه‪ ، ‬واحلمد هلل‪ ، ‬والصالة والسالم على رسول اهلل‪. ‬‬
‫حنمد اهلل‪ ، ‬ونس تعينه ونس تغفره‪ ، ‬ونس تهديه‪ ،‬ونع وذ باهلل من ش رور‬
‫أنفسنا‪ ،‬ومن سيئات أعمالنا‪ ، ‬إنه من يهده اللَّهُ فال مضل له‪ ، ‬ومن يُضلل فال‬
‫هادي له‪ ، ‬وأشهد أن ال إله إال اللَّه‪ ، ‬وحده ال شريك له‪ ، ‬وأشهد أن ً‬
‫حممدا‬
‫عبده ورسوله‪ ... ‬وبعد‪: ‬‬
‫آمنُ وا َّات ُق وا اللَّهَ َح َّق ُت َقاتِ ِه َوالَ تَ ُم وتُ َّن ِإالَّ َوَأْنتُ ْم ُم ْس لِ ُمو َن‪} ‬‬ ‫َّ ِ‬
‫{‪ ‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫ين َ‬
‫[‪ ‬آل عمران‪. ] 103 : ‬‬
‫اح َد ٍة َو َخلَ َق ِم ْن َها‬
‫سوِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫{‪ ‬يَا َُّأي َها الن ُ‬
‫َّاس َّات ُق وا َربَّ ُك ُم الذي َخلَ َق ُك ْم م ْن َن ْف ٍ َ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َزوجها وب َّ ِ‬
‫ام ِإ َّن‬ ‫اءلُو َن بِ ه َو ْ‬
‫اَألر َح َ‬ ‫اء َو َّات ُقوا اللَّهَ الذي تَ َس َ‬
‫ث م ْن ُه َما ِر َجاالً َكث ًيرا َون َس ً‬ ‫ْ ََ ََ‬
‫اللَّهَ َكا َن َعلَْي ُك ْم َرقِيبًا‪ [ } ‬النساء‪. ] 1 : ‬‬
‫ص لِ ْح لَ ُك ْم‬
‫آمنُ وا َّات ُق وا اللَّهَ َوقُولُ وا َق ْوالً َس ِدي ًدا (‪ )70‬يُ ْ‬ ‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫{‪ ‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يما‪} ‬‬ ‫َأ ْع َمالَ ُك ْم َو َي ْغف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم َو َم ْن يُط ِع اللَّهَ َو َر ُس ولَهُ َف َق ْد فَ َاز َف ْو ًزا َعظ ً‬
‫[‪ ‬األحزاب‪. ] 71 ،70 : ‬‬
‫مث أما بع د‪ ، ‬ف إن أص دق احلديث كالم اللَّه‪ ، ‬وخري اهلدي ه دي حممد‬
‫(‪ ‬عليه الص الة والس الم )‪ ، ‬وشر األم ور حمدثاهتا‪ ، ‬وكل حمدثة بدع ة‪ ، ‬وكل‬
‫بدعة ضاللة‪ ، ‬وكل ضاللة يف النار‪ ... ‬وبعد‪: ‬‬
‫أيها األحبة يف اللَّه‪ ، ‬إين واهلل لس عيد بلق ائكم من خالل ه ذه السلس لة‬
‫الطيبة ‪ ‬سلس لة أمساء اللَّه احلس ىن‪ ،   ‬واليت أمسيتها ‪ ‬الن ور األس نى في ش رح‬
‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫أسماء اللَّه الحسنى‪ ،   ‬واليت حناول أن نق رتب من خالهلا من أمساء اهلل احلسىن‬ ‫))‬

‫بش يء من الش رح ملعانيها اجلميل ة‪ ، ‬وفوائ دها اجلليل ة‪ ، ‬فكل اسم فيها‬

‫‪- 11 -‬‬
‫ك الكوكب الس اطع‪ ، ‬والنجم الالم ع‪ ، ‬هتدي احلائرين‪ ، ‬وتض يء الطريق‬
‫للسائرين إىل رب العاملني‪. ‬‬
‫نورا ثاقبًا‬
‫يهدي إىل عينيك ً‬ ‫التفت رأيتَه‬
‫كالبدر حيث َّ‬
‫البالد مشارقًا ومغاربًا‬
‫يغشى َ‬ ‫كالشمس يف كبد السماء وضوئها‬
‫دد من أك ابر العلم اء‬ ‫وقد س بقين يف الت أليف يف أمساء اللَّه احلسىن ع ٌ‬
‫األجالء‪ ،‬وقد أبل ْوا فيها بالءً حس نًا‪  ، ‬نس أل اللَّه عز وجل أن ي رمحهم رمحة‬
‫((‬

‫واس عة‪ ، ‬وأن جيزيهم عنا وعن اإلس الم واملس لمني خ ًريا‪ ،   ‬وقد اختلفت‬
‫))‬

‫اجتاهات هؤالء العلماء يف تناول األمساء احلسىن‪ ، ‬فمنهم من اهتم ببيان األمساء‬
‫ُ‬
‫احلسىن ومجعها من آيات القرآن واألحاديث الصحيحة وبيان الطرق الضعيفة‬
‫يف احلديث والتح ذير منه ا‪ ، ‬ومنهم من ك ان ش غله الش اغل ش رح وتوض يح‬
‫فريق آخر إىل كشف‬‫القواعد اليت ال تُ ْعلَم األمساء احلسىن إال من خالهلا‪ ، ‬واجته ٌ‬
‫عقائد ِ‬
‫الف َرق اليت ض لَّت بس وء اعتق ادهم يف أمساء اللَّه احلسىن وص فاته العُلى‬
‫جله ٍل منهم‪ ، ‬أو هلوى يف نفوس هم‪ ، ‬فمن تلك الف رق من وقع يف التأوي ل‪، ‬‬
‫ص دى‬
‫ومنهم من انزلق يف التعطيل‪ ، ‬وآخرون ذهبوا إىل التكييف والتشبيه‪ ، ‬فتَ َ‬
‫األمة املخلص ون‪َ ، ‬فَبَينُ وا ض الهَل م‪ ، ‬وفنَّدوا أب اطيلهم‪ ، ‬وأوض حوا‬
‫هلم علم اء َّ‬
‫أخطائهم‪ ، ‬وحذروا عامة األمة منهم‪ ، ‬وجاهدوهم باحلجة الواضحة‪ ، ‬واألدلة‬
‫الص رحية من الكت اب والس نة الص حيحة‪ ، ‬وأما البعض اآلخر فقد رأى أن‬
‫الطريقة امل ْثلَى لتق ريب الن اس إىل رهبم هي تع ريفهم ِ‬
‫بأمساء اللَِّه احلُسىن وص فاته‬
‫ُ‬
‫حيح وعم ٍل‬ ‫العلى ببي ان معانيها وش رحها‪ ، ‬وما ي رتتب على ذلك من ٍ‬
‫إميان ص ٍ‬ ‫ُ‬
‫صاحل‪. ‬‬
‫وقد أحسن ك ل من ه ِ‬
‫ؤالء العلم اء يف جمال ه‪ ، ‬ش ريطة اتباعه لكت اب اللَّه‬ ‫ٌ‬

‫‪- 12 -‬‬
‫وس نة رس وله وبفهم الس لف الص احل من ه ذه األمة من أص حاب رس ول اهلل‬
‫(‪ ‬عليه الص الة والس الم ) ومن تبعهم بإحس ان ممن ُش هد هلم بالثقة والعدالة‬
‫واجَتنَبُ وا البدعة والضاللة‪ ، ‬فقد قال النيب ( عليه الصالة والسالم )‪  : ‬عليكم‬
‫((‬
‫ْ‬
‫وع ُّ‬
‫ض وا عليها‬ ‫مس ُكوا به ا‪َ ، ‬‬
‫بس نتي وس نة الخلف اء الراش دين المه ديين‪ ، ‬تَ َّ‬
‫))‬ ‫بالنواجذ‪ ،‬وإياكم ومحدثات األمور‪ ،‬فإن كل محدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضاللة‪ ‬‬
‫( ‪. )1‬‬
‫وقال ابن مسعود ( رضي اللَّه عنه )‪ ( :‬اتبعوا وال تبتدعوا فقد ُك ِفيتم)(‪.)2‬‬
‫وق ال عمر بن عبد العزيز ( رضي اللَّه عنه )‪ ( : ‬قف حيث وقف الق وم‪، ‬‬
‫ف إهنم عن علم َو َق ُف وا‪ ، ‬وبِبص ٍر ناف ٍذ َكفُّوا‪ ، ‬وهم على َك ْش ِفها ك انوا أق وى‪، ‬‬
‫أح َدثَه إال‬
‫ث بعدهم‪ ، ‬فما ْ‬ ‫أح َرى‪ ، ‬فألن قلتم‪َ : ‬ح َد َ‬ ‫ِ‬
‫وبالفضل لو كان فيها كانوا ْ‬
‫وص ُفوا منه ما يَ ْش ِفي‪ ، ‬وتكلَّموا‬
‫ب عن سنتهم‪ ، ‬ولقد َ‬
‫من خالف ه ْديهم‪ِ ، ‬‬
‫ورغ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وم‬ ‫منه مبا يك ِ‬
‫قص ر عنهم ق ٌ‬ ‫قص ر‪ ، ‬لقد َّ‬ ‫ْفي‪ ، ‬فما ف وقهم حُم ِّس ر‪ ، ‬وما دونَ ُهم ُم ِّ‬
‫فجفوا وجتاوزهم آخرون فغلوا‪ ،‬وإهنم فيما بني ذلك لعلى هدى مستقيم )(‪.)3‬‬
‫وقد ح اولت يف ه ذا املؤلَّف املتواضع أن أمجع للق ارئ املس لم أكرب فائ دة‬
‫تفيدا ممن س بقين من العلم اء(‪ ، )4‬راجيًا عم وم النفع للمس لمني‪، ‬‬
‫ممكن ة‪ ، ‬مس ً‬

‫(?) أخرج ه أحم د ‪ ،127 ،4/126‬وأب و داود (‪ ، )4607‬والترم ذي (‪ )2676‬من‬ ‫‪1‬‬

‫حديث العرباض بن سارية‪ ، ‬رضي هَّللا عنه‪ ، ‬وصححه البزار والترمذي والحاكم‪، ‬‬
‫وابن عبد البر وغيرهم‪ ، ‬وانظر جامع العلوم والحكم البن رجب‪ ، ‬الحديث (‪. )28‬‬
‫(?) أخرج ه أحم د في الزه د ص ‪ ،162‬وال دارمي ‪ ،1/69‬والط براني في المعجم‬ ‫‪2‬‬

‫الكبير (‪ ، )8770‬والبيهقي في الشعب (‪. )2216‬‬


‫(?) أخرج ه عب د هللا بن أحم د في زوائ د الزه د ص ‪ ،296‬وأب و نعيم في الحلي ة‬ ‫‪3‬‬

‫‪. 339 ،5/338‬‬
‫(?) من هؤالء العلماء ( ابن قدامة المقدسي في كتابه لمعة االعتقاد )‪ ، ‬ومن العلماء‬ ‫‪4‬‬

‫‪- 13 -‬‬
‫ُمقتص ًرا على الص حيح من األدلة من كت اب اللَّه وس نة رس وله ( عليه الص الة‬
‫والس الم ) على ق در االس تطاعة ؛ إذ َع ِه ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫دت إىل بعض الثق ات من أهل‬
‫ُأجل‬
‫احلديث حتقيق أح اديث الكت اب ‪ ،‬ولكن لظ روفهم وض يق ال وقت فقد ِّ‬
‫بعضها إىل طبعة قادمة إن شاء اللَّه ‪.‬‬
‫وقد ذك رت س ند احلديث وخترجيه كما ج اء يف املص در ال ذي نقلته منه ‪،‬‬
‫ورمبا مل أذكر املص در نفسه كما ح دث يف كت اب ص حيح األح اديث القدس ية‬
‫فقد نقلت منه أك ثر األح اديث القدس ية ‪ ،‬ونقلت س ند املؤلف من غري عزوها‬
‫إليه يف مصدره ‪.‬‬
‫وص دَّرت ه ذا الكت اب بدراسة بعض فض ائل األمساء احلُسىن وبعض‬
‫القواعد اهلامة يف معرفته ا‪ ، ‬مث ش رعت يف تن اول كل اسم من األمساء احلسىن‬
‫ارعا إىل اللَّه تب ارك وتع اىل أن يرزقين‬
‫ببعض الش رح ملعانيه وآث ار اإلميان ب ه‪ ،‬ض ً‬
‫وإياكم معرفته وحبه‪ ،‬وأن جيعلنا سببًا يف ذلك للناس أمجعني‪. ‬‬
‫كما أرجو من إخ واين النصح يف اللَّه عز وجل ‪ ،‬فمن وجد خ ًريا يف ه ذا‬
‫املَّؤ لف املتواضع فلي دعُ اللَّهَ لكل من س اهم فيه من ت أليف وكتابة أو نص يحة‬
‫ُ‬
‫لتعم به الفائدة إن شاء اهلل ‪ ،‬ومن‬‫والس َداد ‪ ،‬وأن يعطيه لغريه َّ‬
‫وإرشاد باملغفرة َّ‬
‫وجد تقص ًريا وخلاًل فليب ادر بالنصح حىت نص لحه إن ش اء اللَّه ‪ ،‬فقد ق ال النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪  :‬الدين النصيحة‪ .  ‬قالوا ‪ :‬ملن ؟ قال ‪  :‬هلل ولكتابه‬
‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫ُ‬
‫تفدت من كتاب ه ((‪ ‬القواع د‬ ‫المعاصرين فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه هَّللا ‪ ، ‬فقد اس‬
‫المثلى‪ )) ‬استفادة كبيرة‪ ، ‬فجزاه هَّللا ُ وعلماء األمة العارفين عنا وعن اإلسالم خيرًا‪. ‬‬
‫(?) فق د فُقِ د منِّي ه ذا الكت اب ع دة م رات بالض ياع وغ يره ‪ ،‬ل ذلك فق د اس تجبت‬ ‫‪1‬‬

‫لنص يحة إخ واني بالتعج ل في طبع ه وإخراج ه ‪ ،‬وم ا ك ان من قص ور فس نحاول‬


‫إصالحه في الطبعات القادمة ‪ -‬إن شاء هَّللا ‪.‬‬

‫‪- 14 -‬‬
‫ولرسوله وألئمة المسلمين وعامتهم‪ . )2(  ‬وقال عمر رضي اهلل عنه ‪  :‬رحم‬
‫((‬ ‫))‬

‫اللَّه امرءًا أهدى َّ‬


‫إيل عيويب‪ .  ‬والكمال هلل وحده ‪.‬‬
‫))‬

‫قس مته‬
‫مت الكتاب عدة أجزاء ‪ ،‬وهذا هو اجلزءُ األول منه ‪ ،‬وقد َّ‬
‫قس ُ‬
‫وقد َّ‬
‫كذلك إىل أربعة أبواب رئيسية‪ ، ‬وهي كالتايل‪: ‬‬
‫‪ ‬الباب األول‪ :   ‬من فضائل األمساء احلسىن‪. ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫‪ ‬الباب الثاني‪ :   ‬قواعد يف األمساء احلسىن‪. ‬‬


‫))‬ ‫((‬

‫‪ ‬الباب الثالث‪ :   ‬أربعة تنبيهات هامة‪ : ‬وهي‪: ‬‬


‫))‬ ‫((‬

‫‪ -1‬اإلحصاء لألمساء احلسىن ( معناه وأنواعه )‪. ‬‬


‫‪ -2‬الدعاء باألمساء احلسىن ( معناه وأنواعه )‪. ‬‬
‫‪ -3‬اإلحلاد يف األمساء احلسىن ( معناه وأنواعه )‪. ‬‬
‫‪ -4‬النهي عن التس مي بأمساء اهلل اخلاصة به وتغيري االسم من‬
‫أجل ذلك‪. ‬‬
‫‪ ‬الباب الرابع‪ :   ‬شرح األمساء احلسىن‪ : ‬وذلك يف مخس خطوات‪: ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫األولى‪ : ‬املعىن اللغوى لالسم‪. ‬‬


‫الثانية‪ : ‬الدليل الشرعى لالسم‪. ‬‬
‫الثالثة‪ : ‬املعىن الشرعى لالسم‪. ‬‬
‫الرابعة‪ : ‬آثار اإلميان باالسم‪. ‬‬
‫س َك ِمثْلِ ِه َش ْيءٌ‪. } ‬‬
‫الخامسة‪ { : ‬ل َْي َ‬
‫وإن ك ان من توفيق فمن اهلل وح ده‪ ، ‬وإن ك ان من تقص ٍري فمن نفسي‬
‫ومن الش يطان‪ ، ‬ونس أل اهلل ( عز وجل ) أن يه دينا إىل س واء الس بيل‪ ، ‬وأن‬

‫(?) رواه مسلم عن تميم بن أوس الدار رضي هللا عنه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 15 -‬‬
‫يرزقنا حبه وحب من حيبه وحب عم ٍل يقربنا إىل حب ه‪ ، ‬وأن يلهمنا فعل‬
‫اخلريات وترك املنكرات‪ ، ‬وحب املساكني‪ ، ‬فإنه ويل ذلك والقادر عليه‪ ، ‬وهو‬
‫حسبنا ونعم الوكيل‪ . ‬واحلمد هلل رب العاملني‪. ‬‬
‫وكتبه ‪ /‬الفقري إىل اللَّه‬
‫أمني بن احلسن األنصاري‬
‫القاهرة ‪ :‬يف شوال ‪1423‬هـ‬
‫ت ‪4010543 :‬‬

‫***‬

‫‪- 16 -‬‬
‫الباب األول‬
‫‪ ‬من فضائل األسماء الحسنى‪ ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫‪- 17 -‬‬
‫أيها األحبة في اللَّه‪ : ‬أمساء اهلل احلسىن كلها خ ري‪ ، ‬بل كل اخلري ليس إال‬
‫مثرة هلا‪ ، ‬وكل الفضل ليس إال زهرة من شجرهتا‪. ‬‬
‫نفح شذاكا‬
‫الفواح ُ‬
‫ُ‬ ‫هذا الشذا‬ ‫ت األزها ِر عاطر ِة الشذا‬ ‫يا ُمنْبِ َ‬
‫انفعالة قطر ٍة لِنداكا‬ ‫يا جُمْ ِري األهنا ِر ما جرياهُن ا إال‬
‫دام احملب ِة على ِ‬
‫أرض االش تياق إىل جنة‬ ‫فتع الوا بنا أيها األحبة ولتمشي أق ُ‬
‫أمساء ربنا تب ارك وتع اىل‪ ، ‬ولن دخل بس اتينها النض رة‪ ، ‬ولنقطف من فض ائلها‬
‫زهرة‪ ، ‬ولنرتشف من عسلها قطرة‪. ‬‬
‫‪ -‬أوالً‪  : ‬األسماء الحسنى من أعظم أسباب دخول الجنة‪:   ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫وأدى حقَّه ا‪ . ‬فعن أيب هري رة ‪ ‬رضي اللَّه عن ه‪  ‬ق ال‪:‬‬


‫))‬ ‫((‬ ‫ملن عرفها وآمن هبا َّ‬
‫ق ال رس ول اللَّه صلى هللا عليه وسلم‪  :‬هلل تس عةٌ وتس عون اس ًما مائة إالَّ‬
‫((‬

‫واح دة ال يحفظها أح ٌد إال دخل الجنة‪ .   ‬ويف رواي ة‪  : ‬من أحص اها دخل‬
‫((‬ ‫))‬

‫الجنة‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫وجل‪: ‬‬ ‫تعرفك باللَّه َّ‬


‫عز َّ‬ ‫ثانيا‪ : ‬األسماء الحسنى ِّ‬
‫ً‬
‫عن أيب بن كعب رضي اللَّه عنه أن املش ركني ق الوا للنيب ص لى اهلل عليه‬
‫َأح ٌد * اللَّهُ‬
‫وسلم‪ : ‬يا حممد‪ ، ‬انسب لنا ربك‪ ، ‬فأنزل اهلل تعاىل‪ { : ‬قُ ْل ُه َو اللَّهُ َ‬
‫َأح ٌد‪. )2(} ‬‬ ‫الصم ُد * ل ِ‬
‫َم يَ ُك ْن لَهُ ُك ُف ًوا َ‬
‫َم يُولَ ْد َول ْ‬
‫َم يَل ْد َول ْ‬
‫ْ‬ ‫َّ َ‬
‫ثالثًا‪ : ‬معرفة األسماء الحسنى أصل عبادة اهلل تبارك وتعالى‪: ‬‬
‫قال أبو القاسم التيمي األصبهاين يف بيان أمهية معرفة األمساء احلُسىن‪ : ‬قال‬
‫عرفه الن اس‬
‫بعض العلم اء‪ : ‬أول ف رض فرضه اهللُ على خلقه معرفت ه‪ ، ‬ف إذا َ‬
‫(?) أخرجه البخاري (‪ ، )6410 ،2736‬ومسلم (‪ ، )2677‬وانظر معنى اإلحصاء‬ ‫‪1‬‬

‫في باب ( ما هو معنى اإلحصاء في األبواب التالية ص )‪. ‬‬


‫(?) رواه أحمد‪. ‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 18 -‬‬
‫د‪ . ] 19 : ‬فينبغي‬ ‫عب دوه‪ ، ‬وق ال تع اىل‪ { : ‬فَ ا ْعلَ ْم َأنَّهُ الَ ِإلَ هَ ِإالَّ اللَّهُ‪} ‬‬
‫[‪ ‬حمم‬

‫للمسلمني أن يعرفوا أمساء اهلل وتفسريها‪ ، ‬فيعظموا اللَّه َّ‬


‫حق عظمته‪. ‬‬
‫ق ال‪ : ‬ولو أراد رجل أن ي تزوج إىل رجل أو يَُز ِّوجه أو يُعامله طلب أن‬
‫يعرف امسه وكنيته‪ ، ‬واسم أبيه وجدِّه‪ ، ‬وسأل عن صغري أمره وكبريه‪ ، ‬فاللَّه‬
‫ال ذي خلقنا ورزقنا وحنن نرجو رمحته وخناف من س خطته أوىل أن نع رف‬
‫أمساءه‪ ، ‬ونعرف تفسريها(‪ . )1‬اهـ‪. ‬‬
‫حيي كرمي قوي فيه رجاؤه وازداد فيه طمع ه‪ ، ‬فقد‬
‫فمثاًل ‪ :‬فمن عرف أنه ُّ‬
‫يي كريم يستحي‬ ‫قال النيب عليه الصالة والسالم‪  : ‬إن ربكم تبارك وتعالى َح ٌّ‬
‫((‬

‫صفرا‪. )2(  ‬‬ ‫ِ‬


‫من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردَّهما ً‬
‫))‬

‫رابعا‪ : ‬األسماء الحسنى أعظم األسباب إلجابة الدعاء‪: ‬‬


‫ً‬
‫ْح ْسنَى فَا ْدعُوهُ بِ َها‪ [ } ‬األعراف‪. ] 180 : ‬‬ ‫ِِ‬
‫قال تعاىل‪َ  { : ‬وللَّه ْ‬
‫اَألس َماءُ ال ُ‬
‫فدعاء اهلل بأمسائه احلسىن هو أعظم أسباب إجابة الدعوة وكشف البلوة‪، ‬‬
‫فإنه يرحم ؛ ألنه الرمحن‪ ، ‬الرحيم‪ ، ‬ويغفر ؛ ألنه الغف ور‪ ، ‬وكان النيب صلى‬
‫هللا علي ه وس لم يس أل اللَّه بأمسائه احلُسىن ويتوسل إليه هبا‪ ، ‬فك ان يق ول‪: ‬‬
‫سميت به نفسك‪ ، ‬أو علَّمته أح ًدا من خلقك‪، ‬‬ ‫‪ ‬أسألك بكل اسم هو لك‪َّ ، ‬‬ ‫((‬

‫أو أنزلته في كتاب ك‪ ، ‬أو اس تأثرت به في علم الغيب عن دك ؛ أن تجعل‬

‫(?) الحجة في المحجة ( ق ‪ 13‬أ )‪. ‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ح ديث ص حيح ‪ .‬أخرج ه أب و داود (‪ ، )2/1488‬ومن طريق ه ال بيهقي في‬ ‫‪2‬‬

‫((‪ ‬األسماء والص فات‪( )) ‬ص‪ ، )90‬والترم ذي (‪ ،)5/3556‬وابن ماج ه (‪، )3865‬‬


‫وص ححه ابن حب ان (‪ ، )3400‬والح اكم (‪ ، )1/497‬والخطيب في تاريخ ه (‬
‫‪ )236 -3/235‬من طري ق جعف ر بن ميم ون عن أبي عثم ان النه دي عن س لمان‬
‫مرفوعًا به ‪ ،‬قال ال ذهبي في ((‪ ‬العل و‪ ( )) ‬ص ‪ : )52‬ه ذا ح ديث مش هور ‪ ،‬وحس نه‬
‫الحافظ في ((‪ ‬الفتح‪. )11/143( )) ‬‬

‫‪- 19 -‬‬
‫القرآن ربيع قلبي‪. )1(  ... ‬‬
‫))‬

‫وقد دخل رس ول اللَّه ص لى هللا علي ه وس لم املس جد‪ ، ‬فس مع رجالً‬


‫يق ول‪ : ‬اللهم إين أس ألك أين أش هد أنك أنت اللَّه ال إله إال أنت‪ ، ‬األحد‬
‫الص مد ال ذي مل يَلد ومل يُولد ومل يكن له كف ًوا أح د‪ . ‬فق ال‪  : ‬لقد س ألت‬
‫((‬

‫اللَّه باالسم ال ذي إذا ُس ِئل به أعطى‪ ، ‬وإذا ُدعي به أج اب‪ .   ‬ويف رواية‬
‫))‬

‫فقال‪  : ‬والذي نفسي بيده‪ ، ‬لقد سأل اهلل باسمه األعظم الذي إذا ُد ِعي به‬ ‫((‬

‫أج اب‪ ، ‬وإذا ُس ِئل به أعطى‪ .   ‬ويف رواية ألمحد‪ : ‬أنه مسع رجالً يق ول بعد‬
‫))‬

‫التش هد‪ : ‬اللهم إين أس ألك يا اللَّه األحد الص مد‪ ، ‬ال ذي مل يَلد ومل يُولد ومل‬
‫كفوا أحد أن تغفر يل ذنويب‪ ، ‬إنك أنت الغفور الرحيم‪ . ‬فقال رسول‬ ‫يكن له ً‬
‫اللَّه صلى هللا عليه وسلم‪  : ‬قد غُ ِف َر له‪ ، ‬قد غُ ِف َر له‪ .   ‬ثالثًا(‪. )2‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫أسماءه الحسنى‪: ‬‬
‫َ‬ ‫خامسا‪ : ‬إن اللَّه يحب من أحب‬
‫ً‬
‫عن عائشة رضي اللَّه عنها أن النيب ص لى هللا علي ه وس لم بعث رجالً‬
‫على َس ريَّة‪ ، ‬وك ان يق رأ ألص حابه يف ص الهتم‪ ، ‬فيختم بـ {‪ ‬قُ ْل ُه َو اللَّهُ‬
‫َأح ٌد‪ ، } ‬فلما رجع وا ذك روا ذلك للنيب ص لى هللا علي ه وس لم‪ ، ‬فق ال‪: ‬‬ ‫َ‬
‫‪ ‬سلوه ألي شيء يصنع ذلك‪ ‬؟‪  ‬فسألوه‪ ، ‬فقال‪  : ‬ألهنا صفة الرمحن‪ ، ‬وأنا‬
‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫أحب أن أق رأ هبا‪ .   ‬فق ال النيب صلى هللا علي ه وس لم‪  : ‬أخ بروه أن اهلل‬
‫((‬ ‫))‬‫ُّ‬
‫(?) أخرج ه أحم د ‪ ،452 ،1/391‬وابن حب ان (‪ )972‬من ح ديث ابن مس عود‪، ‬‬ ‫‪1‬‬

‫رضي هَّللا عنه‪ . ‬‬


‫وق ال ال دارقطني‪ : ‬إس ناده ليس ب القوي‪ . ‬وق د ص ححه ابن حب ان وابن القيم‬
‫وغيرهما‪ . ‬وانظر فتح الباري ‪ ،11/220‬والسلسلة الصحيحة (‪. )199‬‬
‫(?) أخرجه أحمد ‪ ، 350 ،5/349 ،4/338‬وأبو داود (‪ ، )1493 ،985‬والترمذي‬ ‫‪2‬‬

‫(‪ ، )3475‬وابن حبان (‪ ، )892 ،891‬والحاكم ‪ 504 ،1/267‬من حديث بريدة بن‬
‫الحص يب ومحجن بن األدرع‪ ، ‬رض ي هللا عنهم ا‪ . ‬وانظ ر ال ترغيب وال ترهيب‬
‫‪ ،2/485‬وصحيح سنن أبي داود (‪. )1324 ،869‬‬

‫‪- 20 -‬‬
‫يحبه‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫ويف حديث آخر‪ ، ‬قال الرجل‪ : ‬إين أحبها‪ . ‬فقال‪ُ   : ‬حبُّك إياها أدخلك‬
‫((‬

‫الجنة‪. )2(  ‬‬
‫))‬

‫سادسا‪ :‬دعاء اللَّه بأسمائه الحسنى أعظم أسباب تفريج الك روب وزوال‬
‫ً‬
‫الهموم‪:‬‬
‫عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه عن رسول اللَّه صلى هللا عليه وسلم أنه‬
‫اللهم إني عب دك‪ ، ‬ابن‬
‫هم وال ح ز ٌن‪ ، ‬فق ال‪َّ : ‬‬
‫ق ال‪  : ‬ما أص اب أح ًدا قط ٌ‬ ‫((‬

‫في قضاُؤ ك‪، ‬‬ ‫في ح ُكمك‪ٌ ، ‬‬


‫عدل َّ‬ ‫عبدك‪ ، ‬ابن َأمتك‪ ، ‬ناصيتي بيدك‪ٍ ، ‬‬
‫ماض َّ‬
‫أسألك بكل اسم هو لك‪ ، ‬سميَّت به نفسك‪ ، ‬أو علَّمته أح ًدا من ِ‬
‫خلق ك‪، ‬‬
‫أو أنزلته في كتاب ك‪ ، ‬أو اس تأثرت به في علم ِ‬
‫الغيب عن دك‪ ، ‬أن تجعل‬
‫القرآن العظيم ربيع قلبي‪ ، ‬ونور صدري‪ ، ‬وجالء حزني‪ ، ‬وذهاب همي‪، ‬‬
‫فرحا‪ .   ‬فقي ل‪ : ‬يا رس ول اللَّه‪، ‬‬
‫))‬ ‫إال أذهب اللَّه َّ‬
‫همه وحزنه وأب دل مكانه ً‬
‫أفال نتعلمها‪ ‬؟ فقال‪  : ‬بلى ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها‪. )3(  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫يب صلى هللا عليه وسلم‬ ‫وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪ : ‬كان الن ُّ‬
‫رب‬
‫احلليم‪ ، ‬ال إله إال اهلل ُّ‬
‫العظيم ُ‬‫ُ‬ ‫ي دعو عند الك رب يق ول‪ : ‬ال إله إال اللَّه‬
‫رش العظيم(‪. )4‬‬ ‫الع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واألرض ورب َ‬ ‫السماوات‬
‫ويف رواية للنسائي وصححه احلاكم عن علي‪ :‬لقنين رسول اهلل صلى هللا‬

‫(?) أخرجه البخاري (‪ ، )7375‬ومسلم (‪. )813‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرج ه البخ اري (‪ -774‬تعليقً ا )‪ ، ‬ووص له الترم ذي (‪ ، )2901‬من ح ديث‬ ‫‪2‬‬

‫أنس‪ ، ‬رضي هللا عنه‪ ، ‬وانظر فتح الباري ‪ ،258 ،2/257‬وصحيح جامع الترمذي‬
‫(‪. )2323‬‬
‫(?) تقدم في ص ‪. 6‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) رواه البخاري (‪ )11/145‬مع الفتح‪. ‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪- 21 -‬‬
‫عليه وسلم هؤالء الكلمات وأمرين إن نزل كرب أو شدة أن أقوهلا‪. ‬‬
‫سابعا‪ : ‬األسماء الحسنى أصل كل شيء‪: ‬‬
‫ً‬
‫اهر والْب ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اط ُن‪ [ } ‬احلديد‪. ] 3 : ‬‬‫اَألو ُل َواآلخ ُر َوالظَّ ُ َ َ‬
‫قال تعاىل‪ُ  { : ‬ه َو َّ‬
‫وق ال رس ول اللَّه صلى هللا عليه وسلم‪  : ‬اللهم أنت األول‪ ، ‬فليس‬
‫((‬

‫قبلك شيء‪ ، ‬وأنت اآلخر فليس بعدك شيء‪. )1(  ... ‬‬


‫))‬

‫ف إن اللَّه هو األول فلم يس بقه ش يءٌ‪ ، ‬وكل ش يء دونه إمنا هو من خلقه‬


‫ومن مثرة‪ ‬أفعاله ومن آثار أمسائه وصفاته‪. ‬‬
‫ق ال ابن القيم رمحه اللَّه‪ : ‬وكما أن كل موج ود س واه فبإجياده‪ ، ‬فوج ود‬
‫من سواه تابع لوجوده‪ ، ‬تبع املفعول املخلوق خلالقه‪ ، ‬فكذلك العلم هبا أصل‬
‫للعلم بكل ما س واه‪ ، ‬ف العلم بأمسائه تب ارك وتع اىل وإحص اؤها أصل لس ائر‬
‫العل وم‪ ، ‬فمن أحصى أمساءَه كما ينبغي للمخل وق أحصى مجيع العل وم ؛ إذ‬
‫إحص اء أمسائه أصل إلحص اء كل معل وم ؛ ألن املعلوم ات هي من مقتض اها‬
‫ومرتبطة هبا(‪ . )2‬ومن أمثلة ذلك‪: ‬‬
‫األصل في الخلق أن اللَّه هو ‪ ‬الخالق‪ ،   ‬فال يوجد ٌ‬
‫( ‪)3‬‬
‫خلق غري خلقه‪، ‬‬ ‫))‬ ‫((‬

‫وال يوجد خالق سواه‪ . ‬قال تعاىل‪ { : ‬اللَّهُ َخالِ ُق ُك ِّل َش ْي ٍء‪ [ } ‬الرعد‪. ] 16 : ‬‬
‫واألصل في ال رزق أن اللَّه هو ال رزَّاق‪ . ‬ق ال تع اىل‪ِ { : ‬إ َّن اللَّهَ ُه َو‬
‫ين‪ [ } ‬ال ذاريات‪ . ] 58 : ‬فهو ال رزَّاق وال رازق س واه‪ ، ‬وكل‬‫ِ ِ‬
‫ال َّرزَّا ُق ذُو الْ ُق َّوة ال َْمت ُ‬
‫عطاء إال وهو الذي أعطاه‪ ، ‬قال تعاىل على لسان‬‫رزق إمنا هو رازقه‪ ، ‬وما من ٍ‬
‫نبيه موسى‪َ  { : ‬رُّبنَا الَّ ِذي َأ ْعطَى ُك َّل َش ْي ٍء َخ ْل َقهُ ثُ َّم َه َدى‪ [ } ‬طه‪. ] 50 : ‬‬

‫(?) أخرجه مسلم (‪ )2713‬من حديث أبي هريرة‪ ، ‬رضي هللا عنه‪. ‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرجه مسلم (‪ )2713‬من حديث أبي هريرة‪ ، ‬رضي هللا عنه‪. ‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر كتاب ابن القيم ((‪ ‬بدائع الفوائد‪. )1/163( )) ‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 22 -‬‬
‫واألصل في الرحمة أن اللَّه تبارك وتعالى هو الرحمن والرحيم‪ ، ‬فكل‬
‫اش تق امسها من امسه ال رمحن‪ ، ‬ق ال‬
‫رمحة مش تقة من رمحت ه‪ ، ‬فها هي ال رحم قد ْ‬
‫رس ول اللَّه صلى هللا عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تب ارك وتع اىل أنه قال‪: ‬‬
‫اسما من اسمي‪. )1(  ... ‬‬
‫))‬
‫‪ ‬أنا الرحمن وهي الرحم شققت لها ً‬ ‫((‬

‫إخوتاه‪ : ‬كل ما نراه من رمحات بني اخلالئق ليست إال آثار رمحة واحدة‬
‫لرب األرض والسماوات ؛ اللَّه الرمحن الرحيم تبارك وتعاىل‪ . ‬قال رسول اللَّه‬
‫صلى هللا عليه وس لم‪  : ‬إن اللَّه خلق الرحمة ي وم خلقها مائة رحمة‪-   ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫ويف ح ديث آخ ر‪  : ‬كل رحمة طب اق ما بين الس ماء واألرض‪ - ‬فأمسك‬ ‫((‬

‫عن ده تس ًعا وتس عين رحم ة‪ ، ‬وأرسل في خلقه كلهم رحم ةً واح دة‪ .   ‬ويف‬
‫))‬

‫رواي ة‪  : ‬إن للَّه مائة رحم ة‪ ، ‬أن زل منها رحمة واح دة بين الجن واإلنس‬ ‫((‬

‫وحش‬
‫ُ‬ ‫والبه ائم واله وام‪ ، ‬فبها يتع اطفون وبها ي تراحمون‪ ، ‬وبها تعطف ال‬
‫على ول دها‪ - ‬ويف رواي ة‪ : ‬ح تى ترفع الدابَّةُ حافرها عن ول دها خش ية أن‬
‫تصيبه‪ ، ‬وأخَّر اللَّهُ ً‬
‫تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة‪. )2(  ‬‬
‫))‬

‫فكل رمحة مهما عظُمت إمنا هي من اللَّه على احلقيقة‪ ، ‬فأعظم الناس رمحة‬
‫بالن اس هو رس ول اللَّه ص لى هللا علي ه وس لم‪ ، ‬قد وص فه اللَّه بقول ه‪: ‬‬
‫يم‪ [ } ‬التوب ة‪ ، ] 128 : ‬فما ه ذه الرمحة العظيمة واألخالق‬ ‫{‪ ‬بِ الْمْؤ ِمنِين رء ٌ ِ‬
‫وف َرح ٌ‬‫ُ َ َُ‬
‫الكرمية إال نسيم من رمحة اللَّه عز وجل‪ . ‬قال تعاىل‪َ  { : ‬و َما َْأر َسلْنَ َ‬
‫اك ِإال َر ْح َم ةً‬

‫(?) أخرج ه أحم د ‪ ،2/491 ،194 ،1/191‬وأب و داود (‪ )1694‬من ح ديث أبي‬ ‫‪1‬‬

‫هريرة‪ ، ‬وعبد‪ ‬الرحمن بن عوف‪ ، ‬رضي هللا عنهما‪ . ‬وصححه األلباني في صحيح‬


‫سنن أبي داود (‪ ،)1486‬وانظر صحيح البخاري مع الفتح ‪. )5988( 10/418‬‬
‫(?) أخرجه البخ اري (‪ ، )6469‬ومس لم (‪ )2753 ،2752‬من ح ديث أبي هري رة‬ ‫‪2‬‬

‫وسلمان‪ ، ‬رضي هللا عنهما‪. ‬‬

‫‪- 23 -‬‬
‫[‪ ‬آل‬ ‫ين‪ [ } ‬األنبي اء‪ . ] 107 : ‬وق ال تع اىل‪ { : ‬فَبِ َما َر ْح َم ٍة ِم َن اللَّ ِه لِْن َ‬
‫ت ل َُه ْم‪} ‬‬ ‫ِ ِ‬
‫لل َْع الَم َ‬
‫عمران‪. ] 159 : ‬‬
‫إخـوتـاه‪: ‬‬
‫كل الرمحات من اللَّه‪ ، ‬فال يرسلها غريه وال ميسكها سواه‪ . ‬قال تعاىل‪: ‬‬
‫ك فَالَ ُم ْر ِس َل لَ هُ ِم ْن‬ ‫َّاس ِم ْن َر ْح َم ٍة فَالَ ُم ْم ِس َ‬
‫ك ل ََها َو َما يُ ْم ِس ْ‬ ‫{‪َ  ‬ما َي ْفتَ ِح اللَّهُ لِلن ِ‬
‫َب ْع ِد ِه‪ [ } ‬فاطر‪ . ] 12 : ‬فإذا مل يرحم اللَّه فمن إ ًذا الذي يرحم‪!! ‬‬
‫فإذا رددت فمن ذا يرحم‬ ‫تضرعا‬
‫ً‬ ‫مددت يدي إليك ريب‬
‫واألصل في المغفرة أن اللَّه هو الغفار‪ ، ‬والغفور‪ ، ‬قال تعاىل‪َ  { : ‬و َم ْن‬
‫وب ِإالَّ اللَّهُ‪ [ } ‬آل عمران‪. ] 135 : ‬‬ ‫َي ْغ ِف ُر ُّ‬
‫الذنُ َ‬
‫وكل عف ٍو ومغف رة إمنا يك ون من مغف رة اللَّه وعف وه‪ ، ‬وهو ال ذي علَّم‬
‫عباده كيف يعفون ويغفرون‪. ‬‬
‫قال تعاىل‪َ  { :‬ولَْي ْع ُفوا َولْيَ ْص َف ُحوا َأالَ تُ ِحبـُّو َن َأ ْن َي ْغ ِف َر اللَّهُ لَ ُك ْم‪ [ } ‬النور‪.] 22 : ‬‬
‫ثام ًنا‪ :‬معرفة اللَّه بأسمائه وصفاته هي أصل خشيته تبارك وتعالى‪:‬‬
‫ث خشية ورهبة‬ ‫ِ‬
‫إن العلم بأمساء اهلل جل ثناؤه وصفاته ومعرفة معانيها حُيْ د ُ‬
‫يف قلب العب د‪ ، ‬فمن ك ان باهلل أع رف فهو منه أخ وف‪ ، ‬ومن ك ان به أعلم‬
‫كان على ش ريعته أق وم‪ ، ‬قال تع اىل‪ِ { : ‬إنَّ َما يَ ْخ َش ى اللَّهَ ِم ْن ِعبَ ِادهِ الْعُلَ َم اءُ‪} ‬‬
‫[‪ ‬فاطر‪. ] 28 : ‬‬
‫ق ال ابن جرير الط ربي يف تفسري اآلي ة‪ : ‬إمنا خياف اللَّهَ فيتقي عقابه بطاعته‬
‫العلماءُ بقدرته على ما يشاء من شيء وأنه يفعل ما يريد(‪. )1‬‬
‫وق ال ابن مس عود رضي اللَّه عن ه‪ : ‬ليس العلم عن ك ثرة الرواي ة‪ ، ‬ولكن‬

‫(?) جامع البيان في تفسير القرآن (‪. )22/87‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 24 -‬‬
‫العلم اخلشية(‪ِ { ، )1‬إنَّ َما يَ ْخ َشى اللَّهَ ِم ْن ِعبَ ِادهِ الْعُلَ َماءُ‪ [ } ‬فاطر‪. ] 28 : ‬‬
‫ولذلك فقد كان رسول اللَّه صلى هللا عليه وسلم أشد الناس خشية للَّه‬
‫تبارك وتعاىل ؛ ألنه كان أعلم الناس به‪ ، ‬فقد قال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪: ‬‬
‫‪ ‬أنا أعلمكم باللَّه وأش دكم له خش ية‪ . )2(  ‬ويف ح ديث آخر ق ال ص لى اهلل‬
‫))‬ ‫((‬

‫عليه وسلم‪  : ‬إن أتقاكم وأعلمكم باللَّه أنا‪. )3(  ‬‬


‫))‬ ‫((‬

‫عما‬
‫فمعرفة اهلل عز وجل أس اس تعظيمه وخش يته وأعظم أس باب البعد َّ‬
‫يغضبه‪ . ‬فقد قال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬إن اللَّه أذن لي أن أحدث عن‬
‫((‬

‫ديك قد م رقت رجاله األرض وعنقه مثنية تحت الع رش وهو يق ول‪: ‬‬
‫س بحانك ما أعظمك ربَّن ا‪ ، ‬فيُ رد علي ه‪ : ‬ال يعلم ذلك من حلف بي كاذبًا‪ ‬‬
‫))‬

‫احلالف باللَّه ك ذبًا عظمة اللَّه جل جالله خلَ ِش يَه واتق اه وما‬
‫ُ‬ ‫(‪ . )4‬أي‪ : ‬لو َعلِ َم‬
‫اجرتأ على هذا الفعل وأمثاله‪. ‬‬
‫تاسعا‪ : ‬من عرف األسماء الحسنى كما ينبغي فقد عرف َّ‬
‫كل شيء‪: ‬‬ ‫ً‬
‫ة‪ ، ‬ومن‬ ‫أيها األحبة يف اللَّه‪ ، ‬إن أمساء اللَّه احلسىن كلها ُحسن وبرك‬
‫حس نها أهنا تعرفك بكل ش يء على حقيقته من غري إف ٍ‬
‫راط وال تفري ط‪ . ‬فمن‬ ‫ُ‬
‫(?) أخرج ه أحم د في الزه د ص ‪ ،158‬والط براني في الكب ير (‪ . )8534‬وانظ ر‬ ‫‪1‬‬

‫الحلية ‪ ،6/370 ،1/131‬ومجمع الزوائد ‪. 10/235‬‬


‫(?) أخرج ه البخ اري (‪ ، )1601‬ومس لم (‪ ، )2356‬وابن عب د ال بر في التمهي د‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 120 ،5/119‬من حديث عائشة رضي هللا عنها‪. ‬‬


‫(?) أخرجه البخاري (‪ )20‬من حديث عائشة رضي هللا عنها‪ ، ‬وانظ ر الفتح ‪1/70‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪. 72 -‬‬
‫(?) أخرج ه الط براني في األوس ط (‪ ، )7324‬وأب و الش يخ في العظم ة (‪، )526‬‬ ‫‪4‬‬

‫والح اكم ‪ ،4/297‬من ح ديث أبي هري رة‪ ، ‬رض ي هللا عن ه‪ ، ‬وص ححه الح اكم‪. ‬‬
‫وانظر المنار المنيف ص ‪ ،56 ، 55‬والسلسلة الصحيحة (‪. )150‬‬

‫‪- 25 -‬‬
‫ع رف أن اللَّه ع َّز وج َّل هو الخ الق‪ ، ‬ع رف أن كل ما دونه خمل وق‪ ، ‬ق ال‬
‫تعاىل‪ { : ‬اللَّهُ َخالِ ُق ُك ِّل َش ْي ٍء‪ [ } ‬الرعد‪. ] 16 : ‬‬
‫ومن ع رف أن اللَّه عز وجل هو ال رزاق علم أن كل ما دونه م رزوق‪، ‬‬
‫ض ِإالَّ َعلَى اللَّ ِه ِر ْز ُق َها‪ [ } ‬هود‪ ، ] 6 : ‬وكذلك‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬
‫قال تعاىل‪َ  { : ‬و َما م ْن َدابَّة في ْ‬
‫اَألر ِ‬
‫الس َم ِاء‬
‫يعلم أنه ال ميلك ال رزق س واه‪ ، ‬ق ال تع اىل‪َ  { : ‬و َم ْن َي ْر ُزقُ ُك ْم ِم َن َّ‬
‫ض َأِئلَهٌ َم َع اللَّ ِه‪ [ } ‬النمل‪. ] 64 : ‬‬
‫اَألر ِ‬
‫َو ْ‬
‫ومن ع رف أن اللَّه تب ارك وتع الى هو المل ك‪ ، ‬ع رف أن كل ما دونه‬
‫اَألر ِ‬
‫ض َو َما َب ْيَن ُه َما يَ ْخلُ ُق َما‬ ‫ِ‬
‫الس َموات َو ْ‬
‫ك َّ‬‫ممل وك‪ ، ‬ق ال تع اىل‪َ  { : ‬ولِلَّ ِه ُم ْل ُ‬
‫يَ َشاءُ‪ [ } ‬املائدة‪. ] 17 : ‬‬
‫ولذلك قيل‪َ : ‬من عرف ربه فقد عرف نفسه‪. ‬‬
‫فمن ع رف ربه ب ِ‬
‫الغنى‪ ، ‬ع رف نفسه ب الفقر‪ . ‬ق ال تع اىل‪ { : ‬يا َُّأي َها‬
‫َ‬
‫ْح ِمي ُد‪ [ } ‬فاطر‪. ] 15 : ‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس َأْنتُ ُم الْ ُف َق َراءُ ِإلَى اللَّه َواللَّهُ ُه َو الْغَن ُّي ال َ‬
‫الن ُ‬
‫ومن ع رف ربه بالبق اء ع رف نفسه بالفن اء‪ . ‬ق ال تع اىل‪ُ  { : ‬ك ُّل َم ْن‬
‫ْجالَ ِل َواِإل ْك َر ِام‪ [ } ‬الرمحن‪. ] 27 ،26 : ‬‬ ‫َعلَْي َها فَ ٍ‬
‫ك ذُو ال َ‬
‫ان * َو َي ْب َقى َو ْجهُ َربِّ َ‬
‫ومن ع رف اللَّه ب العلم‪ ، ‬ع رف نفسه بالجه ل‪ ، ‬ق ال تع اىل‪َ  { : ‬واللَّهُ‬
‫َي ْعلَ ُم َوَأْنتُ ْم الَ َت ْعلَ ُمو َن‪ [ } ‬البقرة‪. ] 216 : ‬‬
‫وحني ركب اخلضر مع موسى عليهما الس الم الس فينة‪ ، ‬نظر إىل عص فور‬
‫قد نقر يف البحر نقرة أو نقرتني‪ ، ‬فقال اخلضر ملوسى ‪ ‬عليهما السالم‪  :   ‬ما‬
‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫علمي وعلمك من علم اللَّه إال مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر‪ ‬‬
‫))‬

‫( ‪.  ) 1‬‬

‫(?) أخرجه البخاري (‪ ، )4727 -7425‬ومسلم (‪ ، )2380‬من حديث ابن عباس‪، ‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 26 -‬‬
‫وجل بأمسائه احلسىن وصفاته العُلى‪ ، ‬علم أنه بالكمال‬ ‫فمن عرف اللَّه َّ‬
‫عز َّ‬
‫أيض ا نفسه بكل‬
‫موص وف‪ ، ‬وباإلحس ان واجلم ال واجلالل مع روف‪ ، ‬وع رف ً‬
‫نقص وعيب‪ ، ‬إال أن يرزقه اهلل عز وجل كمال اإلميان وصاحل األعمال فيورث‬
‫له ذلك عبودية ص ادقة باالنكس ار بني ي دي اجلب ار تب ارك وتع اىل‪ ، ‬في ذل لعزته‬
‫وخيضع لقوته‪. ‬‬
‫وهذا هو دأب األنبياء واملرسلني ومن تبعهم بإحسان إىل يوم الدين‪ ، ‬فها‬
‫هو رس ول اللَّه ص لى اهلل عليه وس لم يتعبد لربه ب ذلك فيق ول‪  : ‬اللهم أنت‬
‫((‬

‫ربي‪ ، ‬ال إله إال أنت‪ ، ‬خلقتني وأنا عبدك‪. )1(  ... ‬‬


‫))‬

‫فلما عرف أن اللَّه هو ربه وإهله وخالقه‪ ، ‬عرف نفسه بعبوديته له‪ ، ‬فقال‪:‬‬
‫أيضا يف دعاء االستخارة‪  : ‬فإنك تقدر وال أقدر‪، ‬‬
‫((‬
‫‪ ‬وأنا عبدك‪ .   ... ‬وقال ً‬
‫))‬ ‫((‬

‫وتعلم وال أعلم‪ ، ‬وأنت عالم الغيوب‪.   ... ‬‬


‫))‬

‫باللَّه عز وجل‪: ‬‬ ‫(‪)2‬‬


‫عاشرا‪ : ‬حسن الظن‬
‫ً‬
‫ويُعد حسن الظن باللَّه تع اىل مثرة للفض يلة الس ابقة‪ . ‬فمن ع رف ِغىن اهلل‬
‫وفقر خلقه‪ ، ‬وقدرة اللَّه وعجز خلقه‪ ، ‬وقوة اللَّه وضعف خلقه‪ ، ‬عرف مقدار‬
‫افتقار اخللق لغىن اهلل‪ ، ‬وض عفهم لقوته‪ ، ‬وتواض عهم لعظمت ه‪ ، ‬وذلتهم لعزته‪، ‬‬
‫تبارك وتعاىل‪. ‬‬
‫ف إذا ت بني له ذلك على احلقيقة ح ال إذن يُعظِّم اللَّ َه وح ده وخيافه ويص بح‬
‫عب ًدا له وح ده‪ ، ‬فمن دخل قلبه اليقني على ق درة اللَّه‪ ، ‬خ رج منه اليقني على‬
‫رضي هللا عنهما‪. ‬‬
‫(?) أخرجه البخاري (‪ )6323‬من حديث شداد بن أوس‪ ، ‬رضي هللا عنه‪. ‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) حسن الظن باهلل ع ز وج ل ثم رة لمعرفت ه ؛ إذ كي ف يحس ن الظن برب ه من لم‬ ‫‪2‬‬

‫يعرف أنه الكريم وأنه هو البر الرحيم‪ ، ‬وكيف يحسن الظن بوعده إن لم يعرف أنه‬
‫صادق الوعد ونجز العهد‪. ‬‬

‫‪- 27 -‬‬
‫قدرة اخللق‪ ، ‬ومن خشي اللَّه تبارك وتعاىل خرجت من قلبه خشية َم ْن سواه‪، ‬‬
‫ف ورث له ذلك حس َن ظنه باللَّه عز وجل واعتص ام به دون س واه وتوكل عليه‬
‫دون غ ريه وس لم له يف كل أم ره‪ ، ‬وه ذا بعينه ما ح دث لرس ول اللَّه ص لى اهلل‬
‫عليه وس لم وص احبه رضي اهلل عنه يف الغ ار حني أح اط هبم املش ركون‪ ، ‬فق ال‬
‫أبو بكر رضي اهلل عنه‪ : ‬لو نظر أحدهم أسفل قدميه لرآنا‪ ، ‬فقال عليه الصالة‬
‫والسالم‪  : ‬ما ظنك باثنين اللَّه ثالثهما‪. )1(  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫الحادية عشرة‪ : ‬ال يضر مع اسم اللَّه شيء‪: ‬‬


‫ومن فض ائل أمساء اللَّه احلُسىن أهنا يُس تجلب هبا اخلري ويس تدفع هبا الش ر‪.‬‬
‫فاسم اللَّه يدفع(‪ )2‬الضرر ويرفعه(‪.)3‬‬
‫فعن عثم ان بن عف ان رضي اللَّه عنه ق ال‪ : ‬مسعت رس ول اللَّه ( عليه‬
‫الص الة والس الم ) يق ول‪  : ‬ما من عب ٍد يق ول في ص باح كل ي وم‪ ، ‬ومس اء‬
‫((‬

‫كل ليل ة‪ : ‬بسم اللَّه ال ذي ال يضر مع اس مه ش يءٌ في األرض وال في‬


‫السماء وهو السميع العليم‪ ، ‬ثالث مرات فيضره شيء ‪. )4(  ‬‬
‫))‬

‫الثانية عشرة‪ : ‬األسماء الحسنى وأثرها في الحالل والحرام‪: ‬‬


‫ومل تقتصر فض ائل األمساء احلسىن وبركتها على حي اة القل وب وتف ريج‬
‫الك روب‪ ، ‬بل وك ذلك ك ان هلا أعظم األثر يف الفق ه‪ ، ‬ف رتى أن ذكر اسم اللَّه‬
‫فأحل اللَّهُ عز وجل الذبيحة اليت ذُكِر‬
‫على شيء قد يفرق بني احلالل واحلرام‪ّ . ‬‬
‫(?) أخرجه البخاري (‪ ، )3653‬ومسلم (‪. )2381‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) يدفع الضرر‪ : ‬أي يطرده ويمنعه‪. ‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ويرفعه‪ : ‬أي يزيله بعد نزوله‪. ‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أخرجه الطيالسي (‪ ، )79‬وأحمد ‪ ،66 ،1/63‬وأبو داود (‪ ، )5088‬والترمذي‬ ‫‪4‬‬

‫(‪ ، )3388‬وابن ماجه (‪ ، )3869‬وغيرهم‪ ، ‬وقال الترمذي‪ : ‬سند صحيح غ ريب‪. ‬‬


‫وصححه الحاكم‪ ، ‬وانظر صحيح سنن ابن ماجه (‪. )3120‬‬

‫‪- 28 -‬‬
‫اس ُم اللَّ ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫امسُه عليه ا‪ ، ‬بل وأمر باألكل منه ا‪ . ‬ق ال تع اىل‪ { : ‬فَ ُكلُ وا م َّما ذُك َر ْ‬
‫ِ ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين‪ [ } ‬األنع ام‪ . ] 118 : ‬وع اتب من ال يأكل مما ذكر اسم‬ ‫َعلَْي ه ِإ ْن ُك ْنتُ ْم بآيَات ه ُم ْؤ من َ‬
‫علَ ْي ِه‪ [ } ‬األنع ام‪: ‬‬ ‫ِ‬
‫اس ُم اللَّ ِه َ‬ ‫ِ‬
‫اللَّه عليه‪ ، ‬قال تعاىل‪َ  { : ‬و َما لَ ُك ْم َأالَ تَ ْأ ُكلُوا م َّما ذُك َر ْ‬
‫‪. ] 119‬‬
‫وعن عدي بن حامت قال‪ : ‬سألت النيب صلى اهلل عليه وسلم قلت‪ِ : ‬‬
‫ُأرس ُل‬
‫رت اسم اللَّه‬
‫لت كالبَك المعلم ةَ وذك َ‬‫كاليب املعلم ة‪ ‬؟ ق ال‪  : ‬إذا أرس َ‬ ‫((‬

‫فأمسكن ف ُكل‪. )1(  ‬‬


‫))‬

‫وقد هنى عن أكل اللحم أو الص يد ال ذي مل يُ ذكر اس ُم اللَّه علي ه‪ ، ‬ق ال‬
‫اس ُم اللَّ ِه َعلَْي ِه َوِإنَّهُ ل َِف ْس ٌق‪ [ } ‬األنعام‪. ] 121 : ‬‬ ‫ِ‬
‫تعاىل‪َ  { : ‬والَ تَْأ ُكلُوا م َّما ل ْ‬
‫َم يُ ْذ َك ِر ْ‬
‫الثالثة عشرة‪ : ‬العلم بأسماء اللَّه الحسنى أعظم العلوم وأشرفها‪: ‬‬
‫إن أشرف العلوم هي العلوم الشرعية‪ ، ‬وأشرف العلوم الشرعية هو العلم‬
‫بأمساء اللَّه احلس ىن‪ ، ‬وص فاته العُلى ؛ لتعلقها بأش رف من ميكن التعلم عنه ؛‬
‫وهو اللَّه سبحانه وتعاىل(‪. )2‬‬
‫ق ال ش يخ اإلس الم ابن تيمية رحمه اللَّه تع الى‪ : ‬والق رآن فيه من ذكر‬
‫أمساء اللَّه وص فاته وأفعال ه‪ ، ‬أك ثر مما فيه من ذكر األكل والش رب والنك اح يف‬
‫اجلنة‪ ، ‬واآليات املتضمنة لذكر أمساء اللَّه وصفاته أعظم ً‬
‫قدرا من آيات املعاد‪، ‬‬
‫ف أعظم آية يف الق رآن آية الكرسي املتض منة ل ذلك‪ - ‬أي ألمساء اهلل وص فاته‪- ‬‬
‫كما ثبت ذلك يف احلديث الص حيح ال ذي رواه مس لم عن النيب ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم أنه ق ال ُأليب بن كعب‪َ  : ‬أتَ دري أي آية من كت اب اللَّه معك‬ ‫((‬

‫(?) أخرجه البخاري (‪ ، )7397‬ومسلم (‪. )1929‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) كتاب النهج األسمى‪. ‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 29 -‬‬
‫وم‪ [ } ‬البق رة‪.   ] 255 : ‬‬
‫))‬
‫أعظم‪ ‬؟‪ .   ‬ق ال‪ : ‬قلت‪ { : ‬اللَّهُ الَ ِإلَ هَ ِإالَّ ُه َو ال َ‬
‫ْح ُّي الْ َقيُّ ُ‬ ‫))‬

‫قال‪ : ‬فضرب يف صدري وقال‪  : ‬واللَّه ليهنك العلم أبا المنذر‪. )1(  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫وقد ثبت يف الصحيح عنه صلى اهلل عليه وسلم من غري وجه أن {‪ ‬قُ ْل ُه َو‬
‫اللَّهُ َ‬
‫َأح ٌد‪ } ‬تعدل ثلث القرآن(‪. )3()2‬‬
‫الرابعة عشرة‪ : ‬بركة األسماء الحسنى في المعيشة‪: ‬‬
‫ْجالَ ِل َواِإل ْك َر ِام‪ [ } ‬الرمحن‪. ] 78 : ‬‬ ‫قال تعاىل‪َ { : ‬تبار َك اسم ربِّ َ ِ‬
‫ك ذي ال َ‬ ‫ََ ُْ َ‬
‫ومن بركة األمساء احلسىن أن الش يطان ال يق رب ما ذُكر عليه اس ُم اهلل‪، ‬‬
‫ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬إذا دخل الرجل بيته ف ذكر اهلل عند‬
‫((‬

‫دخوله وعند طعامه قال الشيطان‪ : ‬ال مبيت لكم وال عشاء‪. )4(  ‬‬
‫))‬

‫وعن ابن عب اس رضي اهلل عنهما عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪: ‬‬


‫‪ ‬ق ال إبليس‪ : ‬يا رب‪ ، ‬ليس أح ٌد من خلقك إال جعلت له رزقًا ومعيش ة‪، ‬‬ ‫((‬

‫فما رزقي‪ ‬؟ قال‪ : ‬ما لم يُذكرعليه اسمي‪. )5(  ‬‬


‫))‬

‫الخامسة عشرة‪ : ‬بركة األسماء الحسنى تلحق الذرية‪: ‬‬


‫فقد ق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم فيما يرويه عنه ابن عب اس رضي اللَّه‬
‫عنهم ا‪  : ‬لو أن أح دكم إذا أراد أن ي أتي أهله فق ال‪ : ‬بسم اللَّه‪َّ ، ‬‬
‫اللهم‬ ‫((‬

‫جنبنا الش يطان وجنب الش يطان ما رزقتن ا‪ ، ‬فإنه إن ُي َق َّدر بينهما ول ُد في‬

‫(?) صحيح مسلم (‪. )810‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) صحيح البخاري (‪ ، )7374 ،6643‬وصحيح مسلم (‪. )812 ،811‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) درء تعارض العقل والنقل (‪ )312 -5/310‬بتصرف‪. ‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أخرجه مسلم (‪ )2018‬من حديث جابر‪ ، ‬رضي هللا عنه‪. ‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) صحيح‪ . ‬أخرجه أبو نعيم في الحلية ( ج ‪ 8‬ص ‪ ، )126‬وأبو الش يخ في كت اب‬ ‫‪5‬‬

‫((‪ ‬العظمة‪. )) ‬‬

‫‪- 30 -‬‬
‫ذلك لم يضره شيطان أب ًدا‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫السادسة عشرة‪ : ‬أسماء اللَّه أعظم أسباب شفاء‪: ‬‬


‫فإن اللَّه تبارك وتعاىل هو خالق البدن ويعلم داَئه‪ ، ‬وبيده وحده شفاؤه‪، ‬‬
‫ودواؤه‪ ، ‬وخري دواء‪ ، ‬وأعظم شفاء هو أمساء اللَّه عز وجل‪ ، ‬ولذلك حني عاد‬
‫ول اللَّه ص لى اهلل عليه وس لم يف مرضه مل جيد س ببًا‬
‫جربيل عليه الس الم رس َ‬
‫خريا من أن يرقيه باسم اللَّه عز وجل‪. ‬‬
‫للشفاء ً‬
‫يب‬
‫فعن أيب س عيد اخلدري رضي اهلل عنه أن جربيل عليه الس الم أتى الن َّ‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم فق ال‪ : ‬يا حمم د‪ ، ‬أش تكيت‪ ‬؟ ق ال‪  : ‬نعم‪ .   ‬ق ال‪: ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫يء يؤذي ك‪ ، ‬ومن شر كل نفس أو عين‬ ‫‪ ‬بسم اللَّه أرقي ك‪ ، ‬من كل ش ٍ‬ ‫((‬

‫حاسد‪ ، ‬اللَّه يَ ْش ِفيك‪ ، ‬بسم اللَّه أرقيك‪. )2(  ‬‬


‫))‬

‫السابعة عشرة‪ : ‬النجاة من الوسوسة‪: ‬‬


‫فمن ع رف اهلل عز وجل بأمسائه احلسىن وص فاته العُلى ثبت إميانه وص دق‬
‫يقينه‪ ، ‬فكان جملاهدة الشيطان أشد وعلى دفع الوساوس أقوى‪. ‬‬
‫فعن أيب زميل ق ال‪ : ‬س ألت ابن عب اس‪ ، ‬فقلت‪ : ‬ما ش يءٌ أجد يف‬
‫ص دري؟ قال‪ : ‬ما ه و‪ ‬؟ قلت‪ : ‬واللَّه ما أتكلم ب ه‪ ، ‬قال‪ : ‬فقال يل أشيءٌ من‬
‫ش ك‪ ‬؟ ق ال‪ : ‬وض حك‪ ، ‬ق ال‪ : ‬ما جنا من ذلك أح د‪ . ‬ق ال حىت أن زل اهلل عز‬
‫اب ِم ْن‬ ‫ِ‬
‫ين َي ْق َرءُو َن الْكتَ َ‬
‫ك فَ ِ َّ ِ‬
‫اس َأل الذ َ‬
‫ت فِي َش ٍّ ِ‬
‫ك م َّما َأْن َزلْنَا ِإل َْي َ ْ‬ ‫وجل‪ { : ‬فَ ِإ ْن ُك ْن َ‬
‫َق ْبلِ َك‪ } ‬اآلية [‪ ‬ي ونس‪ ، ] 94 : ‬ق ال‪ : ‬فق ال يل‪  : ‬إذا وج دت يف نفسك ش يًئا‪، ‬‬
‫((‬

‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫))‬
‫اَألو ُل َواآلخ ُر َوالظَّاه ُر َوالْبَاط ُن َو ُه َو بِ ُك ِّل َش ْيء َعل ٌ‬
‫يم‪ [ } ‬احلدي د‪ ] 3 : ‬‬ ‫ف ُقل‪ُ  { : ‬ه َو َّ‬

‫(?) أخرجه البخاري (‪ ، )7396‬ومسلم (‪. )1434‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه مسلم‪. ‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 31 -‬‬
‫( ‪.  ) 1‬‬
‫***‬

‫(?) أخرجه أبو داود (‪ . )5110‬وحسن إسناده األلباني في صحيح س نن أبي داود (‬ ‫‪1‬‬

‫‪. )4262‬‬

‫‪- 32 -‬‬
‫قواعد في أسماء اللَّه تعالى‬

‫‪- 33 -‬‬
‫القاعدة األولى‪ : ‬أسماء اللَّه تعالى كلها حسنى(‪: )1‬‬
‫أي بالغة يف احلسن غايت ه‪ ، ‬ويف اجلم ال ذروت ه‪ ، ‬ق ال اللَّه تع اىل‪َ  { : ‬ولِلَّ ِه‬
‫ْح ْسنَى‪. } ‬‬
‫اَألس َماءُ ال ُ‬
‫ْ‬
‫وذلك ألهنا متض منة لص فات كاملة ال نقص فيها بوجه من الوج وه ال‬
‫تقديرا‪. ‬‬
‫احتماالً وال ً‬
‫قال ابن القيم رمحه اللَّه‪: ‬‬
‫ومجال سائر هذه األكوان‬ ‫وهو اجلميل على احلقيقة كيف ال‬
‫أوىل وأجدر عند ذي العرفان‬ ‫من بعض آثار اجلميل فرهبا‬
‫(‪)2‬‬
‫أوصاف واألفعال بالربهان‬ ‫فجماله بالذات واألمساء والـ‬
‫أيضا‪: ‬‬
‫وقال ً‬
‫(‪)3‬‬
‫مشتقة قد محلت ملعاين‬ ‫أمساؤه أوصاف مدح كلُّها‬
‫وحلسن أمساء اللَّه معنيان‪: ‬‬
‫يف معناها ويف نفسها‪. ‬‬ ‫األول‪ُ : ‬ح ْسىَن‬
‫يف أثرها ملن تعبد للَّه هبا‪. ‬‬ ‫الثاني‪ُ : ‬ح ْسىَن‬
‫ال‪، ‬‬ ‫أما املعىن األول‪ : ‬ف إن أمساء اللَّه كلُّها ُح ْس ٌن ٌ‬
‫ومجال‪ ، ‬وخ ريٌ وكم ٌ‬
‫وجالل‪. ‬‬
‫ٌ‬ ‫وقوةٌ‬
‫مث ال ذل ك‪  : ‬احلي‪  ‬اسم من أمساء اللَّه تع اىل‪ ، ‬متض من للحي اة الكاملة‬
‫))‬ ‫((‬

‫اليت مل تُ ْس بَق بع دم وال يلحقها زوال وال يط رأ عليها خل ل‪ . ‬احلي اة املس تلزمة‬
‫لكم ال الص فات من العلم والق درة والس مع والبصر وغريه ا‪ . ‬ق ال تع اىل‪: ‬‬
‫ْح ِّي الَّ ِذي الَ يَ ُم ُ‬
‫وت‪ [ } ‬الفرق ان‪ ، ] 58 : ‬وقال النيب صلى اهلل عليه‬ ‫{‪َ  ‬وَت َو َّك ْل َعلَى ال َ‬
‫‪ )?( 1‬انظر كتاب ((‪ ‬القواعد المثلى‪ )) ‬للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين‪. ‬‬
‫(‪ )3( ، )2‬النونية البن القيم ‪.‬‬

‫‪- 34 -‬‬
‫وسلم‪  : ‬إن اللَّه ال ينام وال ينبغي له أن ينام‪. )1(  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫مث ال آخ ر‪  : ‬العليم‪  ‬اسم من أمساء اللَّه تع اىل متض من للعلم الكامل‬
‫))‬ ‫((‬

‫ْم َها ِع ْن َد َربِّي فِي‬ ‫ِ‬


‫الذي مل يُسبق جبهل وال يلحقه نسيان‪ ، ‬قال اللَّه تعاىل‪ { : ‬عل ُ‬
‫كِتَ ٍ‬
‫اب الَ يَ ِض ُّل َربِّي َوالَ َي ْن َسى‪ [ } ‬طه‪. ] 52 : ‬‬
‫وعلمه عز وجل هو العلم الواسع احمليط بكل ش يء مجلة وتفص يالً‪ ، ‬ق ال‬
‫تعاىل‪َ  { : ‬و ِس َع َربِّي ُك َّل َش ْي ٍء ِعل ًْما‪. } ‬‬
‫الوجه الث اني‪ : ‬أن أمساء اللَّه احلسىن كلها ُحسن يف آثارها وعواقبها(‪.)2‬‬
‫فمن ذلك‪: ‬‬
‫أوالً‪ : ‬أن من عرفها فقد ع رف اهلل عز وج ل‪ ، ‬فهي ُحسىن يف املقصد‬
‫والثمرة اليت هي معرفة اللَّه عز وجل‪. ‬‬
‫ثانيً ا‪ : ‬أن اللَّه عز وجل َو َعد عليها بعظيم الث واب من دخ ول اجلنة ملن‬
‫أحص اها وحفظه ا‪ ، ‬فهي ُحسىن يف العاقبة واألجر ملن تعلَّمها وآمن هبا َّ‬
‫وأدى‬
‫اسما مائة‬
‫حقَّها‪ ، ‬فقد قال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬إن هلل تسعةً وتسعين ً‬
‫((‬

‫إال واح ًدا من أحصاها دخل الجنة‪. )3(  ‬‬


‫))‬

‫ثالثً ا‪ : ‬ومن متام أهنا ُحسىن أن اللَّه تب ارك وتع اىل ال يُ دعى إال بأمسائه‬
‫ْح ْس نَى فَ ا ْدعُوهُ بِ َها‪} ‬‬ ‫ِِ‬
‫احلسىن وص فاته العُلى‪ ، ‬ق ال تع اىل‪َ  { : ‬وللَّه ْ‬
‫اَألس َماءُ ال ُ‬
‫[‪ ‬األعراف‪. ] 180 : ‬‬
‫القاعدة الثانية‪ : ‬أسماء اهلل تعالى توقيفية‪: ‬‬
‫أي ال جمال للعقل فيها ؛ أي ال بد وأن تك ون معرفتُها من خالل األدلة‬
‫(?) أخرجه مسلم (‪ )179‬من حديث أبي موسى رضي هللا عنه‪. ‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر باب فضائل األسماء الحسنى‪. ‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) تقدم ص ‪. 5‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 35 -‬‬
‫الشرعية من القرآن وصحيح السنة املطهرة‪. ‬‬
‫قال السفاريين‬
‫لنــا بذا أدلة وفيــة‬ ‫لكنها يف احلق توقيفية‬
‫وهذا ألسباب منها‪: ‬‬
‫األول‪ : ‬أنها من أم ور الغيب ال تي ال يَعلمها الخل ُق إال أن يعلمهم اللَّهُ‬
‫ب فَالَ‬ ‫إياها من خالل ال وحي إىل األنبي اء والرس ل‪ ، ‬ق ال تع اىل‪َ  { : ‬ع الِ ُم الْغَْي ِ‬
‫ك ِم ْن َب ْي ِن يَ َديْ ِه‬ ‫ض ى ِم ْن ر ُس ٍ‬
‫ول فَِإ نَّهُ يَ ْس لُ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫يُظْ ِه ُر َعلَى غَْيبِ ه َ‬
‫َأح ًدا (‪ِ )26‬إالَّ َم ِن ْارتَ َ‬
‫ص ًدا‪ [ } ‬اجلن‪. ] 27 ،26 : ‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َوم ْن َخلْفه َر َ‬
‫قاصر ال ميكنه إدراك ما يستحقه اللَّه تعاىل من‬
‫الثاني‪ : ‬أن عقل اإلنسان ٌ‬
‫األمساء‪ ، ‬ق ال تع اىل‪َ  { : ‬والَ يُ ِحيطُ و َن بِ ِه ِعل ًْما‪ ، } ‬وق ال النيب ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم‪  :‬ال أحصي ثن اءً علي ك‪ . )1(  ‬ل ذلك جيب الوق وف يف معرفة أمساء اهلل‬ ‫))‬ ‫((‬

‫ف ما لَيس ل َ ِ ِ‬
‫ص َر‬
‫الس ْم َع َوالْبَ َ‬ ‫َك بِ ه عل ٌ‬
‫ْم ِإ َّن َّ‬ ‫على الش رع‪ ، ‬ق ال تع اىل‪َ  { : ‬والَ َت ْق ُ َ ْ َ‬
‫َوالْ ُفَؤ َاد ُك ُّل ُأولَِئ َك َكا َن َع ْنهُ َم ْسُئوالً‪. } ‬‬
‫ثالثًا‪ : ‬ألن القول على اللَّه بغير علم من أشد المحرمات‪: ‬‬
‫فتس مية اللَّه تع اىل مبا مل يُس ِّم به نفسه أو إنك ار ما مسَّى به نفسه جناية يف‬
‫حقه تعاىل وَت َوعَّ َد اللَّهُ من فعل ذلك بالعذاب الشديد يف الدنيا واآلخرة‪ ، ‬قال‬
‫ش َما ظَ َه َر ِم ْن َها َو َما بَطَ َن َواِإل ثْ َم َوالَْبغْ َي بِغَْي ِر‬ ‫ِ‬
‫تعاىل‪ { : ‬قُ ْل ِإنَّ َما َح َّر َم َربِّ َي الْ َف َواح َ‬
‫َم ُيَن ِّز ْل بِ ِه ُس ْلطَانًا َوَأ ْن َت ُقولُ وا َعلَى اللَّ ِه َما الَ‬ ‫ِ‬
‫ْح ِّق َوَأ ْن تُ ْش ِر ُكوا بِاللَّه َما ل ْ‬
‫ال َ‬
‫اد ُل فِي اللَّ ِه بِغَْي ِر ِعل ٍْم َو َيتَّبِ ُع ُك َّل‬
‫َّاس من يج ِ‬ ‫ِ‬
‫َت ْعلَ ُمو َن‪ . } ‬وقال تعاىل‪َ  { : ‬وم َن الن ِ َ ْ ُ َ‬
‫الس ِعي ِر‪} ‬‬
‫اب َّ‬ ‫ضلُّهُ َو َي ْه ِد ِيه ِإلَى َع َذ ِ‬‫يد (‪ُ )3‬كتِب َعلَْي ِه َأنَّهُ من َتوالَهُ فََأنَّهُ ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ‬
‫ان م ِر ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َش ْيطَ َ‬

‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 36 -‬‬
‫[‪ ‬احلج‪. ] 4 ،3 : ‬‬
‫اد ُل فِي اللَّ ِه بِغَْي ِر ِعل ٍْم َوالَ ُه ًدى َوالَ‬
‫َّاس من يج ِ‬ ‫ِ‬
‫وق ال تع اىل‪َ  { : ‬وم َن الن ِ َ ْ ُ َ‬
‫ي َونُ ِذي ُق هُ َي ْو َم‬ ‫يل اللَّ ِه لَه فِي ُّ ِ‬ ‫ض َّل َع ْن َس بِ ِ‬‫اب منِ ي ٍر (‪ )8‬ثَانِي ِعط ِْف ِه لِي ِ‬ ‫ِ‬
‫الد ْنيَا خ ْز ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫كتَ ٍ ُ‬
‫س بِظَالٍَم لِل َْعبِي ِد‪} ‬‬ ‫ت يَ َد َ َّ َّ‬
‫اك َوَأن اللهَ ل َْي َ‬ ‫ك بِ َما قَ د َ‬
‫َّم ْ‬ ‫ْح ِري ِق (‪ )9‬ذَلِ َ‬ ‫اب ال َ‬
‫ِ ِ‬
‫الْقيَ َام ة َع َذ َ‬
‫علي كذبًا فليتبوأ‬
‫تعمد َّ‬
‫[‪ ‬احلج‪ . ] 10 -8 : ‬وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬من َّ‬
‫((‬

‫مقعده من النار‪.   ‬‬


‫))‬

‫هذا عقاب الكاذب على النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪ ، ‬فكيف مبن يكذب‬
‫على اللَّه عز وجل‪ ‬؟!‬
‫القاعدة الثالثة‪ { : ‬لَْي َس َك ِم ْثِل ِه َش ْي ٌء‪: } ‬‬
‫قال ابن القيم رحمه اللَّه(‪: )1‬‬
‫سبحانه عن إفك ذى البهتان‬ ‫ال شيء يشبه ذاته وصفاته‬
‫ف إن أمساء اللَّه احلس ىن‪ ، ‬وص فاته العُلى ليس كمثلها ش يءٌ من خلق ه‪، ‬‬
‫فينبغي اإلميان هبا كما جاءت يف الشرع بال تكييف‪ ، ‬وال متثيل‪ ، ‬وال تشبيه‪، ‬‬
‫يع الْبَ ِص ُير‪ [ } ‬الشورى‪. ] 11 : ‬‬ ‫قال تعاىل‪ { : ‬ل َْيس َك ِمثْلِ ِه َشيء و ُهو َّ ِ‬
‫السم ُ‬ ‫ٌْ َ َ‬ ‫َ‬
‫فينبغي إج راء النص وص على ظاهرها من غري إنك ار وال تأويل واإلميان هبا‬
‫كما أراد اللَّه عز وجل ورسوله صلى اهلل عليه وسلم‪. ‬‬
‫ق ال الش افعي رحمه اللَّه‪  : ‬آمنت باللَّه ومبا ج اء عن اهلل‪ ، ‬على م راد‬
‫((‬

‫))‬ ‫اهلل‪ ، ‬وآمنت برس ول اهلل‪ ، ‬ومبا ج اء عن رس ول اللَّه‪ ، ‬على م راد رس ول اللَّه‪ ‬‬
‫( ‪. )2‬‬

‫(?) القصيدة النونية ص ‪. 146‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪2‬‬
‫(?) من كت اب ش رح لمع ة االعتق اد ( ص ‪ ، )36‬وراج ع الرس الة المدني ة البن تيمي ة‬
‫( ص ‪ )121‬مع الفت وى الحموي ة‪ . ‬ق ال ش يخ اإلس الم ابن تيمي ة‪ (( : ‬أم ا م ا ق ال‬

‫‪- 37 -‬‬
‫وق ال اإلم ام أمحد بن حنبل رمحه اللَّه يف ق ول النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪: ‬‬
‫‪ ‬إن اللَّهَ ينزل إلى سماء الدنيا‪ ،   .. ‬و ‪ ‬إن اللَّه يُرى في القيامة‪  ‬وما أشبه‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫هذه األحاديث‪  : ‬نؤمن هبا ونصدق هبا‪ ، ‬ال كيف‪ ، ‬وال معىن‪ ، ‬وال نرد شيًئا‬ ‫((‬

‫منه ا‪ ، ‬ونعلم أن ما ج اء به الرس ول ح ق‪ ، ‬وال ن رد على رس ول اهلل ص لى اهلل‬


‫ٍ‬
‫س‬‫عليه وسلم وال نصف اهللَ بأكثر مما وصف به نفسه بال حد وال غاية‪ { : ‬ل َْي َ‬
‫يع الْبَ ِص ُير‪ } ‬ونق ول كما ق ال‪ ، ‬ونص فه مبا وصف به‬ ‫َك ِمثْلِ ِه َش يء و ُه و َّ ِ‬
‫الس م ُ‬ ‫ٌْ َ َ‬
‫نفسه ال نتعدى ذلك‪ ، ‬وال يبلغه وصف الواصفني‪ ، ‬نؤمن بالقرآن كله حمكمه‬
‫ِّعت‪ ، ‬وال نتعدَّى القرآن‬
‫ومتشاهبه‪ ، ‬وال نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة ُش ن َ‬
‫واحلديث‪ ، ‬وال نعلم كيف كنه ذلك إال بتصديق الرسول صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وتثبيت القرآن‪. )3(  ‬‬ ‫))‬

‫واملرزوق رازقَ ه‪ ، ‬واملخل وق‬


‫ُ‬ ‫فس بحان اللَّه‪ ، ‬كيف يش به اململ ُ‬
‫وك مال َك ه‪، ‬‬
‫خال َقه‪ ‬؟!‬
‫قال تعاىل‪َ { : ‬أفَ َم ْن يَ ْخلُ ُق َك َم ْن الَ يَ ْخلُ ُق َأفَالَ تَ َذ َّك ُرو َن‪ [ } ‬النحل‪. ] 17 : ‬‬
‫فس ْم ُع الن اس يك ون‬ ‫َّ‬
‫مث ال ذل ك‪ : ‬لله مسع‪ ، ‬ولكنه ليس كس مع خلق ه‪َ ، ‬‬
‫جبارحة تطرأ عليها األمراض ويصيبها اخللل‪ ، ‬مث إذا مسعت فإهنا تسمع الصوت‬
‫الع ايل وقد ال تس مع املنخفض وتس مع الق ريب وال تس مع البعي د‪ ، ‬وتس مع‬
‫اجلهر وال تس مع السر وختتلط عليها األص وات فال متيز بعض ها عن بعض‪ ، ‬مث‬

‫بقول يناقضه‪، ‬‬
‫ٍ‬ ‫الشافعي فإنه حق يجب على كل مسلم اعتقاده‪ ،‬ومن اعتقده ولم يأت‬
‫فإنه سلك سبيل السالمة في الدنيا واآلخرة‪ .)) ‬اهـ‪.‬‬
‫(?) راجع‪ : ‬الصواعق المنزلة البن القيم (‪ ، )1/265‬ومختصر الصواعق المرسلة‬ ‫‪3‬‬

‫البن الموص لي (‪ ، )2/251‬ومن اقب اإلم ام أحم د البن الج وزي (ص ‪، )156‬‬
‫وترجمة اإلمام أحمد في تاريخ اإلسالم للذهبي ( ص ‪. )27‬‬

‫‪- 38 -‬‬
‫يذهب ما تبقى منها ويفىن باملوت‪ ، ‬أين هذا من مسع اللَّه جل جالله وتقدست‬
‫أمساؤه‪ ، ‬فإنه يس مع ما تحت األرض كما يس مع ما ف وق الس ماء‪ ، ‬ويس مع‬
‫الجماعة كما يس مع الف رد‪ ، ‬والق ريب والبعيد عن ده س واء‪ ، ‬والسر عن ده‬
‫[‪ ‬ط ه‪: ‬‬ ‫مثل العلن‪ ، ‬ق ال تع الى‪َ  { : ‬وِإ ْن تَ ْج َه ْر بِ الْ َق ْو ِل فَِإ نَّهُ َي ْعلَ ُم ِّ‬
‫الس َّر َوَأ ْخ َفى‪} ‬‬
‫الص ُدو ِر‪} ‬‬ ‫اج َه روا بِ ِه ِإنَّهُ َعلِيم بِ َذ ِ‬ ‫ِ‬
‫ات ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫‪ ، ] 7‬وق ال تع اىل‪َ  { : ‬وَأس ُّروا َق ْولَ ُك ْم َأ ِو ْ ُ‬
‫[‪ ‬امللك‪. ] 13 : ‬‬
‫فال تش غله األص وات الكث يرة عن الص وت المنف رد‪ ، ‬وال أص وات‬
‫ص اخبة عن ص وت منخفص‪ ، ‬ف إن اللَّه تب ارك وتع الى يس مع دبة النملة‬
‫الس وداء على الص خرة الص ماء في الليلة الظلم اء‪ . ‬وانظر إىل عائشة رضي‬
‫اهلل عنها وهي تس بِّ ُح رهبا لِما علمت من إحاطة مسعه باألص وات‪ ، ‬فتق ول‪: ‬‬
‫‪ ‬احلمد هلل ال ذي وسع مسعه األص وات‪ ، ‬لقد ج اءت اجملادلة إىل النيب ص لى اهلل‬ ‫((‬

‫عليه وسلم تكلمه وأنا يف ناحية البيت ما أمسع ما تقول‪ ، ‬فأنزل اهلل عز وجل‪: ‬‬
‫ُك فِي َز ْو ِج َها‪ [ )1(} ‬اجملادلة‪.   ] 1 : ‬‬
‫))‬
‫{‪ ‬قَ ْد س ِمع اللَّهُ َقو َل الَّتِي تُج ِ‬
‫ادل َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫مثال آخ ر‪ : ‬للَّه وجه‪ ، ‬ولكنه ليس كوجوه الخلق‪ ، ‬فمن وجوه اخللق‬
‫ناقص تأيت عليه األغيار‪، ‬‬
‫بشري ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مجال‬
‫دميما‪ ، ‬ولو كان مجيالً‪ ، ‬فهو ٌ‬ ‫ما يكون ً‬
‫بل نض َرته‪ ، ‬واهلِ َرم يطفئ وض اءته‪ ، ‬مث هو على ُك ِّل‬
‫واحلوادث‪ ، ‬ف املرض يُ ْذ ُ‬
‫األحوال إىل فناء‪ ، ‬أين هذا من وجه اللَّه تبارك وتعالى الذي يفيض بالجالل‬
‫ويستحى من جماله الجمال‪ ، ‬فقد قال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬إن اللَّهَ‬
‫((‬

‫(?) أخرج ه البخ اري (‪ -13/372‬تعليقً ا )‪ ، ‬وأحم د ‪ ،6/46‬وابن ماج ه (‪،)188‬‬ ‫‪1‬‬

‫والح اكم ‪ . 2/481‬وص ححه الح اكم‪ ، ‬وانظ ر ص حيح س نن ابن ماج ه (‪، )155‬‬
‫وانظر اإلرواء ‪. 7/175‬‬

‫‪- 39 -‬‬
‫جميل يحب الجمال‪ . )1(  ‬وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم وهو يصف مجال‬ ‫ٌ‬ ‫))‬

‫وجه اللَّه‪  : ‬حجابه الن ور‪ ، ‬لو كش فه ألح رقت ُس بُ ُ‬


‫حات وجهه ما انتهى إليه‬ ‫((‬

‫( ‪)2‬‬
‫ودائم ال يف نى‪ ، ‬ق ال تع اىل‪: ‬‬
‫ٌ‬ ‫ابت ال يتغ ير‪، ‬‬
‫بص ره من خلق ه‪ ،   ‬وجماله ث ٌ‬ ‫))‬

‫ْجالَ ِل َواِإل ْك َر ِام‪} ‬‬ ‫{‪ُ  ‬ك ُّل من َعلَْي َها فَ ٍ‬


‫[‪ ‬ال رمحن‪،26 : ‬‬ ‫ك ذُو ال َ‬
‫ان (‪َ )26‬و َي ْب َقى َو ْج هُ َربِّ َ‬ ‫َْ‬
‫‪. ] 27‬‬
‫أعالما فق ط‪ ، ‬ولكنها‬
‫ً‬ ‫القاعدة الرابع ة‪ : ‬األس ماء الحس نى ليست‬
‫تحمل صفات ومعاني‪: ‬‬
‫قال ابن القيم رحمه اللَّه(‪: )3‬‬
‫قد محلت ملعاين‬ ‫أمساءه أوصاف مدح كلها‬
‫وعرفه وميَّزه عن غريه‪ ، ‬كأن يُسمى‬
‫واالسم العلم هو ما دل على صاحبه َّ‬
‫رج ٌل ‪ ‬ص ادق‪  ‬أو ‪ ‬ك رمي‪ ،   ‬ولكنه ليس بالض رورة أن تك ون ص فتُه‬ ‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫‪ ‬الصدق‪  ‬أو ‪ ‬الكرم‪ ،   ‬فقد يُسمى كرميًا ويكون خبيالً يف صفته‪ ، ‬أو يكون‬ ‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫امسه ‪ ‬صادقًا‪ ،   ‬والكذب من صفاته‪. ‬‬ ‫))‬ ‫((‬

‫مع ا‪ ، ‬حتمل مع اين وتعرب عن‬ ‫أما أمساء اللَّه احلسىن فهي أعالم وأوص اف ً‬
‫التامة الكمال واجلمال‪ . ‬فمثالً‪ : ‬من أسماء اللَّه تعالى‪ : ‬الغفور‪، ‬‬‫صفات اللَّه َّ‬
‫يم‪. } ‬‬ ‫والرحيم‪ . ‬قال تعاىل‪ { : ‬وهو الْغَ ُفور َّ ِ‬
‫الرح ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َُ‬
‫(?) أخرجه مسلم (‪ )91‬من حديث ابن مسعود‪. ‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) جزء من حديث‪ (( : ‬إن هَّللا ال ينام‪ ، )) ‬وقد تقدم ص ‪ . 19‬والسبحات بضم السين‬ ‫‪2‬‬

‫والباء ورف ع الت اء في أخ ره‪ ، ‬وهي جم ع س بحة‪ . ‬ق ال ص احب العين واله روي‪: ‬‬
‫وجمي ع الش ارحين للح ديث من اللغ ويين والمح دثين مع نى س بحات وجه ه ن وره‬
‫وجالله وبهاؤه‪ . ‬انظر صحيح مسلم بشرح النووي (‪ )14 ،3/13‬ب اب م ا ج اء في‬
‫رؤية هَّللا عز وجل‪. ‬‬
‫(?) النونية ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 40 -‬‬
‫مجيع ا‪ ، ‬ق ال تع اىل‪ِ { : ‬إ َّن اللَّهَ َي ْغ ِف ُر‬
‫‪ ‬فهو الغف ور‪  ‬فإنه يغفر ال ذنوب ً‬ ‫))‬ ‫((‬

‫الذنُوب ج ِميعا ِإنَّه هو الْغَ ُفور َّ ِ‬


‫يم‪. } ‬‬
‫الرح ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ َ َ ً ُ ُ َ‬
‫‪ ‬وهو ال رحيم‪  ‬فرمحته وس عت كل خلق ه‪ ، ‬ق ال تع اىل‪َ  { : ‬و َر ْح َمتِي‬ ‫))‬ ‫((‬

‫ت ُك َّل َش ْي ٍء‪. } ‬‬
‫َو ِس َع ْ‬
‫مثال آخر‪ : ‬اسمه الخالق جل جالله فإنه حيمل صفة اخللق‪ ، ‬قال تعاىل‪: ‬‬
‫َّرهُ َت ْق ِد ًيرا‪} ‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫{‪ ‬اللَّهُ َخ ال ُق ُك ِّل َش ْيء‪ ، } ‬وقال تعاىل‪َ  { : ‬و َخلَ َق ُك َّل َش ْيء َف َق د َ‬
‫مجيعا حييون من‬
‫[‪ ‬الفرق ان‪ ، ] 2 : ‬وكذلك اسمه ‪ ‬الكريم‪  ‬عز وجل‪ ، ‬فإن اخللق ً‬
‫))‬ ‫((‬

‫نعمه ويُرزقون من كرمه‪. ‬‬


‫ق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬يد اهلل مألى ال تغيض ها(‪ )1‬نفقة‬
‫((‬

‫َس َّحاء(‪ )2‬الليل والنه ار‪ .   ‬وق ال‪  : ‬أرأيتم ما أنفق منذ خلق الس ماوات‬
‫((‬ ‫))‬

‫واألرض فإنه لم يغض ما في يده‪.)3(  ‬‬


‫))‬

‫القاعدة الخامسة‪ : ‬باب الصفات أوسع من باب األسماء‪: ‬‬


‫ثر من األمساء‪ ، ‬وذلك ألن كل األمساء حتمل‬ ‫فات أك‬ ‫أي أن الص‬
‫صفات‪ - ‬كما تقدم شرحه‪ - ‬فكل اسم تشتق منه الصفة اليت حيملها‪ ، ‬ولكن‬
‫ال يصح اشتقاق اسم من أمساء اللَّه تع اىل من الص فات‪ ، ‬فكل اس ٍم حيمل صفة‬
‫وليس كل صفة حتمل اسم‪. ‬‬
‫مث ال ذل ك‪ : ‬اسم اللَّه ‪ ‬ال رمحن‪  ‬حيمل ص فة الرمحة ؛ لقوله تع اىل‪: ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫{‪َ  ‬ف ُق ل ربُّ ُكم ذُو ر ْحم ٍة و ِاس ع ٍة‪ ، } ‬وكذلك امسه ‪ ‬العزيز‪  ‬حيمل صفة العِ زة ؛‬
‫))‬ ‫((‬
‫َ َ َ َ‬ ‫ْ َ ْ‬

‫(?) وقوله ال يغيضها‪ : ‬أي ال ينقصها‪. ‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) وقوله سحاء أي‪ : ‬دائمة السح والصب والهطل بالعطاء‪. ‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أخرجه البخاري (‪ ، )4684‬ومس لم (‪ ، )993‬من ح ديث أبي هري رة‪ ، ‬رض ي‬ ‫‪3‬‬

‫هللا عنه‪. ‬‬

‫‪- 41 -‬‬
‫لقوله تعاىل‪ِ { : ‬إ َّن ال ِْع َّز َة لِلَّ ِه َج ِم ًيعا‪ [ } ‬يونس‪ ، ] 139 : ‬وهكذا‪. ‬‬
‫ولكن يف الصفات ليس كذلك‪. ‬‬
‫مث ال ذل ك‪ : ‬أن للَّه ص فة الكالم ؛ لقوله تع اىل لنبيه موس ى‪ِ { : ‬إنِّي‬
‫َّاس بِ ِر َس االَتِي َوبِ َكالَِمي‪ [ } ‬األع راف‪ ، ] 144 : ‬فهل يصح االدع اء‬
‫ك َعلَى الن ِ‬
‫اص طََف ْيتُ َ‬
‫ْ‬
‫ب أن من أمساء اللَّه تع اىل اسم ‪ ‬املتكلم‪   ‬؟ ال يصح ب الطبع‪ ، ‬وك ذلك ص فة‬
‫))‬ ‫((‬

‫‪ ‬املك ر‪  ‬و ‪ ‬الكي د‪ ،   ‬فقد ثبتت بال دليل من كت اب اللَّه‪ ، ‬فق ال تع اىل‪: ‬‬ ‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫ِ‬
‫{‪َ  ‬ويَ ْم ُك ُرو َن َويَ ْم ُك ُر اللَّهُ َواللَّهُ َخ ْي ُر ال َْم اك ِر َ‬
‫ين‪ [ } ‬األنف ال‪ ، ] 30 : ‬وق ال تع اىل‪: ‬‬
‫{‪ِ ‬إَّن ُه ْم يَ ِكي ُدو َن َك ْي ًدا (‪َ )15‬وَأكِي ُد َك ْي ًدا‪ [ } ‬الط ارق‪ ، ] 16 ،15 : ‬فال يصح أن يُقال‬
‫أن من أمساء اللَّه ‪ ‬املاكر‪  ‬أو ‪ ‬الكائ د‪ .   ‬وذلك ألن أمساء اللَّه كلها ُح ْس ىَن ‪، ‬‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫فكل ما حتمله من الص فات العُلَى‪ ، ‬أما الص فات يف اللغة فهي تنقسم إىل ثالثة‬
‫أقسام‪: ‬‬
‫األول‪ : ‬أن تك ون ص فات كم ٍال مطلق كاحلي اة‪ ، ‬والعلم‪ ، ‬والق درة‪، ‬‬
‫فهي تثبت هلل كلها ويُنفى عنه ما يض ادها من ص فات النقص مثل إثب ات ص فة‬
‫ْح ِّي الَّ ِذي الَ‬
‫احلي اة ونفي ص فة املوت‪ ، ‬كقوله تع اىل‪َ  { : ‬وَت َو َّك ْل َعلَى ال َ‬
‫وت‪ [ } ‬الفرقان‪. ] 58 : ‬‬
‫يَ ُم ُ‬
‫الث اني‪ : ‬نقص مطلق ك العجز‪ ، ‬واملوت‪ ، ‬والفق ر‪ ، ‬فهي تُْن َفى عن اللَّه‬
‫كلها‪ ، ‬ولكن يثبت هلل تعاىل ما يضادها‪. ‬‬
‫‪ ‬مثال ذلك‪ :   ‬صفة الظلم فإهنا تُنفى كلها عن اللَّه تبارك وتعاىل ويثبت‬ ‫))‬ ‫((‬

‫له العدل بل الكرم ؛ لقوله تعاىل‪ِ { : ‬إ َّن اللَّهَ الَ يَظْلِ ُم ِم ْث َق َ‬
‫ال ذَ َّر ٍة َوِإ ْن تَ ُ‬
‫ك َح َس نَةً‬
‫َأج ًرا َع ِظ ًيما‪ [ } ‬النس اء‪ ] 40 : ‬؛ ألن نفي النقص وحده ال‬ ‫اع ْفها ويْؤ ِ ِ‬
‫يَِ‬
‫ت م ْن لَ ُدنْ هُ ْ‬ ‫ض َ َُ‬ ‫ُ‬
‫يعين الكمال‪ ، ‬فالبد من نفي النقص وإثبات لضده‪. ‬‬

‫‪- 42 -‬‬
‫ت هلل‬
‫ونقص ا من وجه آخر‪ ، ‬فيُثْبَ ُ‬
‫الثالث‪ : ‬صفات حتتمل كماالً من وجه ً‬
‫تعاىل فيها وجوه الكمال‪ ، ‬ويُْن َفى عنه منها وجوه النقص‪. ‬‬
‫مث ال‪  : ‬املك ر‪  ‬و ‪ ‬اخلداع‪  ‬فإهنا لو ك انت من ض عيف ال يق وى على‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫أخذ حقه فهو نقص‪ ، ‬وإن ك انت من من افق خ بيث ميكر ب املؤمنني وخيادعهم‬
‫لتحقيق غ رض خ بيث يف نفسه فهو نقص وهو من م ذموم الص فات وه ذا‬
‫وأمثاله يُْن َفى كلُّه عن اللَّه جل جالله‪. ‬‬
‫وانتقاما من املخ ادعني فهو من‬
‫ً‬ ‫أما إن ك ان ‪ ‬املك ر‪  ‬عقوبة باملاكرين‬ ‫))‬ ‫((‬

‫الكم ال‪ ، ‬وإن ك ان بغري ظلم وال ض عف فهو من الكم ال‪ ، ‬وإن ك ان بعد‬
‫ت هلل جل‬
‫التحذير واالنذار واإلمهال فهو متام العدل والرمحة‪ ، ‬فهذا وأمثاله يُثْبَ ُ‬
‫َأح ًد‪ [ } ‬الكه ف‪َ  { ، ] 49 : ‬والَ يَ ِحي ُق ال َْم ْك ُر َّ‬
‫الس يُِّئ ِإالَّ‬ ‫ك َ‬ ‫جالله {‪َ  ‬والَ يَظْلِ ُم َربُّ َ‬
‫بِ َْأهلِ ِه‪ [ } ‬فاطر‪. ] 43 : ‬‬
‫القاعدة السادسة‪ : ‬األسماء الحسنى ال تزيد وال تنقص‪: ‬‬
‫فإن أمساء اللَّه احلسىن بالغة يف احلسن ذروته‪ ، ‬ويف الكمال غايته‪ ، ‬كماالً‬
‫مل يس بقه نقص ان وال ي أيت عليه األغي ار يف األزم ان‪ ، ‬فالزي ادة تك ون أحد‬
‫أمرين‪: ‬‬
‫أيض ا‪ ، ‬وه ذا يس تحيل‬
‫األول‪ : ‬إما أن تك ون الزي ادة من أمساء اهلل حسىن ً‬
‫ص رفت كلُّها هلل وح ده س واءً‬
‫يف حق اهلل عز وجل ؛ إذ أن األمساء احلسىن قد ُ‬
‫اليت مسَّى هبا نفسه أو اليت أنزهلا يف شرعه أو استأثر هبا يف علم الغيب عنده‪ ، ‬أو‬
‫علَّمها ٍ‬
‫ألحد من خلقه‪. ‬‬
‫والثاني‪ : ‬أن تكون الزيادة ليست من األمساء احلسىن‪ ، ‬وهذا ال يليق باللَّه‬
‫جل جالله وتقدَّست أمساؤه‪ ، ‬وأن الشر ال يصح ص رفُه هلل‪ ، ‬فقد ق ال النيب‬

‫‪- 43 -‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬والشر ليس إليك‪. )1(  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫القاعدة السابعة‪ : ‬هل حصرت األسماء الحسنى ٍ‬


‫بعدد معين‪ ‬؟‬ ‫ُ‬
‫أمساء اللَّه تع اىل غري حمص ورة بع دد معني ؛ لقوله ص لى اهلل عليه وس لم يف‬
‫احلديث املش هور‪  : ‬أس ألك بكل اسم هو ل ك‪ ، ‬س ميت به نفس ك‪ ، ‬أو‬ ‫((‬

‫علمته أح ًدا من خلق ك‪ ، ‬أو أنزلته في كتاب ك‪ ، ‬أو اس تأثرت به في علم‬


‫الغيب عندك‪. )2(  ... ‬‬
‫))‬

‫وما استأثر اللَّه تع اىل به يف علم الغيب ال ميكن ألحد حصره وال اإلحاطة‬
‫ب ه‪ ، ‬فأما قوله ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬إن للَّه تس عة وتس عين اس ًما مائة إال‬
‫((‬

‫واح ًدا‪َ ،‬من أحصاها دخل الجنة‪ . )3(  ‬فال يدل على حصر األمساء هبذا العدد‪،‬‬
‫))‬

‫ولو ك ان املراد احلصر لك انت العب ارة‪ : ‬إن أمساء اللَّه تس عة وتس عون امسًا من‬
‫أحصاها دخل اجلنة‪ ، ‬أو حنو ذلك‪ . ‬ونظري ذلك أن تقول‪ : ‬عندي مائة درهم‬
‫أعددهُت ا للصدقة‪ ، ‬فإنه ال مينع أن يكون عندك دراهم أخرى مل تعدها للصدقة‪.‬‬
‫ومل يصح عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم تع يني ه ذه األمساء‪ ، ‬واحلديث‬
‫املروي عنه يف تعيينها ضعيف(‪. )4‬‬
‫***‬

‫(?) أخرجه مسلم (‪ )771‬من حديث علي‪ ، ‬رضي هللا عنه‪ ، ‬في حديث طويل‪. ‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) تقدم في ص ‪. 6‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) تقدم في ص ‪. 5‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أخرج ه الترم ذي (‪ ، )3507‬والح اكم ‪ 17 ،1/16‬من ح ديث أبي هري رة‪، ‬‬ ‫‪4‬‬

‫رضي هللا عنه‪ ، ‬وانظر ضعيف جامع الترمذي (‪. )696‬‬

‫‪- 44 -‬‬
‫الباب الثالث‬
‫أربعة تنبيهات هامة‬
‫أوالً‪ : ‬من أحصاها دخل الجنة‪: ‬‬
‫عن أيب هريرة أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪  : ‬إن هلل تسعة وتسعين‬
‫((‬

‫اسما مائة إال واح ًدا من أحصاها دخل الجنة‪. )1(  ‬‬


‫))‬
‫ً‬
‫فما هو معنى اإلحصاء(‪ )2‬؟‬
‫قيل يف معىن اإلحصاء عدة أقوال ؛ منها‪: ‬‬
‫األول‪ : ‬أن َيعُ َّدها ح تى يس توفيها حفظًا وي دعو ربه به ا‪ ، ‬ويثين عليه‬
‫صى ُك َّل َش ْي ٍء َع َد ًدا‪ [ } ‬اجلن‪. ] 28 : ‬‬ ‫جبميعها ؛ كقوله تعاىل‪َ  { : ‬و ْ‬
‫َأح َ‬
‫واستدل له اخلطايب بقوله صلى اهلل عليه وسلم‪ - ‬كما يف الرواية األخرى‪:‬‬
‫‪ ‬من حفظها دخل الجنة‪. )3(  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫وقال النووي‪ : ‬قال البخاري وغريه من احملققني‪  : ‬معناه حفظها‪ ، ‬وهذا‬


‫((‬

‫نصا يف اخلرب‪ .   ‬وقال يف ‪ ‬األذكار‪ :   ‬وهو قول األكثرين‪. ‬‬


‫))‬ ‫((‬
‫هو األظهر لثبوته ً‬
‫))‬

‫وقال ابن اجلوزي‪  : ‬من أحصاها‪  ‬أي‪ : ‬من عدها ليستوفيها حفظًا‪. ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫رد هذا القول احلافظ ابن حجر‪ ، ‬فقال‪ : ‬وفيه نظر ؛ ألنه ال يلزم من‬
‫وقد َّ‬
‫جميئه بلف ظ‪  : ‬حفظه ا‪  ‬تع يني الس رد عن ظهر قلب‪ ، ‬بل حيتمل احلفظ‬
‫))‬ ‫((‬

‫املعنوي(‪ . )4‬يقصد‪ - ‬واللَّه أعلم‪ - ‬أن حيرتم أمساء اللَّه ويوقرها وحيافظ على ما‬

‫(?) تقدم في ص ‪. 5‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر كتاب ((‪ ‬النهج األسمى‪ )) ‬للشيخ محمد الحمود النجدي (‪. )56 :1/52‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أخرجه البخاري (‪. )6410‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) الفتح (‪. )11/226‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪- 45 -‬‬
‫تقتضيه من معاين اإلميان ويعمل به‪. ‬‬
‫وق ال األص يلي‪ : ‬ليس املراد باإلحص اء ع دَّها فقط ؛ ألنه قد يع دها‬
‫الفاجر‪ ، ‬وإمنا املراد العلم هبا‪. ‬‬
‫الثاني‪ : ‬أن يكون المراد باإلحصاء ‪ ‬اإلطاقة‪  ‬؛ كقوله تعاىل‪َ  { : ‬علِ َم‬
‫))‬ ‫((‬

‫صوهُ‪ [ } ‬املزمل‪. ] 20 : ‬‬ ‫َأ ْن ل ْ‬


‫َن تُ ْح ُ‬
‫وكقول النيب صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬استقيموا ولن تحصوا‪ . )1(  ‬أي‪: ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫لن تبلغ وا كل االس تقامة‪ . ‬وق ال أهل اللغ ة‪  : ‬لن تحص وا‪  ‬أي‪ :‬ال حتص وا‬
‫))‬ ‫((‬

‫ثوابه(‪. )2‬‬
‫فيكون المعنى‪ : ‬أن يطيق األسماء الحسنى وي ِ‬
‫حس ن المراعاة لها وأن‬‫ُ‬
‫نفس ه بواجبه ا‪ . ‬ف إذا ق ال‪ : ‬يا رمحن يا‬
‫يعمل بمقتض اها‪ ، ‬وأن يعتربها فيُل زم َ‬
‫رحيم‪ ، ‬ت ذكر ص فة الرمحة‪ ، ‬واعتقد أهنا من ص فات اللَّه س بحانه‪ ، ‬ف ريجو‬
‫علم أنه ي راه‬
‫رمحته وال يي أس من مغفرت ه‪ ، ‬وإذا ق ال‪  : ‬الس ميع البص ري‪َ  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫معه وأنه ال ختفى عليه خافية وأنه يعلم السر كما يعلم العلن‪ ، ‬ويعلم‬ ‫ويس‬
‫الب اطن كما يعلم الظ اهر‪ ، ‬فيحافظ على قدس يتها وي رعي حرمته ا‪ ، ‬فيخافه يف‬
‫ذكرها بقدرة اهلل‬ ‫ٍ‬
‫مبعصية َّ‬ ‫سره وعلنه ويراقبه يف كافة أحواله‪ ، ‬فإذا حدثته نفسه‬
‫وعظمته وأمسائه وصفاته لعلها تنزجر كما قيل‪: ‬‬
‫والنفس داعية إىل العصيان‬ ‫إذا ما دعتك النفس إىل ريبة‬
‫هلا إن الذي خلق الظالم يراين‬ ‫فاستحي من نظر اإلله وقل‬
‫الثالث‪ : ‬أن يكون اإلحصاء بمعنى العقل والمعرفة‪: ‬‬

‫(?) أخرج ه الطيالس ي (‪ ، )1089‬وأحم د ‪ ،277 ،5/276‬وابن ماج ه (‪ )277‬من‬ ‫‪1‬‬

‫حديث ثوبان‪ ، ‬رضي هللا عنه‪ ، ‬وانظر صحيح سنن ابن ماجه (‪. )224‬‬
‫(?) معاني المفردات لألصفاني‪. ‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 46 -‬‬
‫فيك ون معن اه أن من عرفه ا‪ ، ‬وعقل معانيه ا‪ ، ‬وآمن هبا دخل اجلنة وهو‬
‫مأخوذ من احلصاة وهي العقل‪ ، ‬والعرب تقول‪ : ‬فالن ذو حصاة أي ذو عقل‬
‫ومعرفة باألمور(‪. )3‬‬
‫الرابع‪: ‬‬
‫ق ال القرط يب‪ : ‬املرجو من ك رم اللَّه تع اىل أن من حصل له إحص اء ه ذه‬
‫األمساء على أحد ه ذه املراتب مع ص حة النية أن يدخله اهلل اجلن ة‪ . ‬وه ذه‬
‫املراتب الثالثة للسابقني والصديقيني وأصحاب اليمني‪. ‬‬
‫َأس َماِئ ِه‪: } ‬‬ ‫ين ي ْل ِح ُد َ ِ‬
‫ون في ْ‬
‫ِ‬
‫ثانيا‪َ  { : ‬و َذ ُروا الَّذ َ ُ‬
‫ً‬
‫َأس َماِئِه َس يُ ْج َز ْو َن َما َك انُوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ق ال تع اىل‪َ  { : ‬وذَ ُروا الذ َ‬
‫ين ُيلْح ُدو َن في ْ‬
‫َي ْع َملُو َن‪ [ } ‬األعراف‪.] 180 : ‬‬
‫ق ال ابن الس ِّكيت‪ : ‬أن امللحد ه و‪ : ‬املائل عن احلق‪ ، ‬املدخل فيه ما ليس‬
‫من ه‪ ، ‬واإلحلاد يف اللغ ة‪ : ‬هو الزيغ وامليل وال ذهاب عن س نن الص واب‪ ، ‬ومنه‬
‫ملحدا ؛ ألنه مال عن طريق احلق‪. ‬‬
‫امللحد ً‬
‫ُ‬ ‫ميسي‬
‫واإلحلاد يف أمساء اهلل تعاىل هو امليل هبا عما جيب فيها‪. ‬‬
‫قال ابن القيم رمحه اللَّه‪: ‬‬
‫مشتقة قد محلت ملعان‬ ‫أمساؤه أوصاف مدح كلها‬
‫كفر معاذ اللَّه من كفران‬ ‫إياك واإلحلاد فيها إنه‬
‫باإلشراك والتعطيل والكفران‬ ‫وحقيقة اإلحلاد فيها امليل‬
‫واإللحاد في أسماء اهلل أنواع‪: ‬‬
‫األول‪ : ‬أن تسمي األصنام بها‪ ، ‬فسمى املشركون األحجار واألشجار‬

‫(?) ((‪ ‬شأن الدعاء‪( )) ‬ص‪ ، )29 ،28‬والفتح (‪. )11/225‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 47 -‬‬
‫واألوثان اليت كانوا يعبدوهنا ‪ ‬آهلة‪ ،   ‬ومسّوا الالت من ‪ ‬اإلله‪ ،   ‬والعُ َّزى من‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫‪ ‬العزيز‪ ،   ‬ومناة من ‪ ‬املنان‪.   ‬‬


‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫فهذا إحلاد ؛ ألهنم عدلوا ومالوا بأمسائه إىل أوثاهنم وآهلتهم الباطلة‪. ‬‬
‫الث اني‪ : ‬تس ميته بما ال يليق بجالله كتس مية النص ارى له ‪ ‬أبً ا‪،   ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫وتسمية الفالسفة له ‪ ‬موجبًا بذاته‪ ،   ‬أو ‪ ‬علة فاعلة بالطبع‪ ،   ‬وقول الكرامية‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫أنه ‪ ‬جسم‪ ،   ‬وقول بعضهم إنه ‪ ‬جوهر‪ ،   ‬وحنو ذلك‪. ‬‬


‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫وهذه األمساء باطلة ؛ ألن أمساء اللَّه تعاىل توقيفية‪ ، ‬فتسميته مبا مل يسم به‬
‫نفسه ميل هبا عما جيب فيه ا‪ ، ‬كما أن ه ذه األمساء اليت مسوه هبا نفس ها باطلة‬
‫يَُنَزه اللَّهُ تعاىل عنها‪. ‬‬
‫الثالث‪ : ‬وصفه بما يتعالى عنه ويتقدس من النقائص ؛ كقول اليهود‪- ‬‬
‫عليهم لعائن اهلل املتتابعة إىل يوم القيامة‪ :- ‬إنه فقري‪ ، ‬وقوهلم‪ : ‬إنه اسرتاح بعد‬
‫ت َأيْ ِدي ِه ْم َول ُِعنُوا بِ َما قَ الُوا‬
‫أن خلق اخللق‪ ، ‬وقوهلم‪ { : ‬يَ ُد اللَّ ِه َم ْغلُولَةٌ‪ { ، } ‬غُلَّ ْ‬
‫ف يَ َشاءُ‪. } ‬‬ ‫ان ُي ْن ِف ُق َك ْي َ‬
‫بل ي َداهُ م ْبسوطَتَ ِ‬
‫َْ َ َ ُ‬
‫الرابع‪ : ‬تعطيل األسماء عن معانيها وجحد حقائقها وأنها مجرد أعالم‬
‫فقط ال تتض من ص فات وال مع اني وهو م ذهب الجهمية وأتب اعهم‪، ‬‬
‫فيطلقون عليه اسم السميع والبصير والحي والرحيم‪. ‬‬
‫ويقولون‪ : ‬ال حياة وال مسع وال بصر وال كالم وال إرادة تقوم به‪ ، ‬وهذا‬
‫وشرعا ولغة وفطرة‪ ، ‬وهو يقابل إحلاد املشركني‪، ‬‬
‫ً‬ ‫من أعظم اإلحلاد فيها عقالً‬
‫فإن أولئك أعطوا أمساءه وصفاته آلهلتهم وهؤالء املعطلة سلبوه صفات كماله‬
‫ملحد يف أمسائه جل جالله وتقدست أمساؤه‪.‬‬ ‫وجحدوها وعطلوها‪ ، ‬فكالمها ُ‬
‫الخامس‪ : ‬تشبيه صفاته بصفات خلقه‪ ، ‬تعاىل اللَّه عما يقول امل َش بِّهون‬
‫ُ‬

‫‪- 48 -‬‬
‫س َك ِمثْلِ ِه َش ْيءٌ‪ ، } ‬وه ذا اإلحلاد يقابل إحلاد‬
‫ريا‪ ، ‬ق ال تع اىل‪ { : ‬ل َْي َ‬
‫عل ًوا كب ً‬
‫املعطل ة‪ ، ‬ال ذين س بق ذك رهم‪ ، ‬ف إن أولئك نف وا ص فات كماله وجح دوها‪، ‬‬
‫وه ؤالء ش َّب ُهوها بص فات خلقه فجمعهم اإلحلاد وتف رقت هبم طرق ه‪ ، ‬وقد‬
‫عدما‪.   ‬‬
‫))‬
‫صنما‪ ، ‬ومن عطل فكأمنا يعبد ً‬
‫صدق من قال‪  : ‬من شبه فكأمنا يعبد ً‬ ‫((‬

‫الس ادس‪ : ‬الميل عن الص واب في نطق أس ماء اهلل وتغي ير حروفها من‬
‫اللغة العربية اليت ُأن زل هبا الق رآن وج اءت به الس نة املتض منة ألمساء اهلل احلُسىن‬
‫إىل هلج ات أخ رى مثل العامي ة‪ ، ‬ك أن يق ول الرج ل‪ ( : ‬الاله ) يقصد هبا‬
‫((‬ ‫(‪ ‬اللَّه‪ ) ‬ويق ول‪ُّ   : ‬‬
‫اُألدوس‪  ‬يقصد هبا اسم اهلل تع اىل ‪ ‬ال ُق دُّوس‪  ‬أو يق ول‪: ‬‬
‫))‬ ‫))‬ ‫((‬

‫‪ ‬اجلوى‪  ‬يقصد هبا اسم اهلل ‪ ‬الق وي‪  ‬جل جالله وتقدست أمساؤه‪ ، ‬وك ذلك‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫الرزاء‪ ،   ‬وهو يقصد بذلك اسم اهلل ‪ ‬الرزَّاق‪ ،   ‬تبارك وتعاىل‪، ‬‬


‫))‬ ‫((‬
‫من يقول‪َّ   : ‬‬ ‫))‬ ‫((‬

‫وهذا خطأ عظيم‪ ، ‬إذ أن معىن ‪ ‬الرزاء‪  ‬أي‪ : ‬الذي ي أيت باملصائب والبالي ا‪، ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫خبالف الرزاق الذي يأيت بالرزق واخلري‪ ، ‬وكذلك يقول الناس‪  : ‬الستار‪،   ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫ولكن الص حيح هو ‪ ‬الس تري‪ ،   ‬وه ذه من األخط اء اليت جيب التنبيه عليها‬ ‫))‬ ‫((‬

‫والتح ذير منها واجتناهبا بال ذات ملن عرفها ويس تطيع تغيريها إىل الص واب يف‬
‫النطق‪. ‬‬
‫الحسنى‬
‫السابع‪ : ‬إدخال أسماء لم يرد بها دليل صحيح في األسماء ُ‬
‫ك أن يطلق بعض الن اس على اللَّه اسم ‪ ‬املوج ود‪  ‬أو ‪ ‬املقص ود‪  ‬أو‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫‪ ‬امله دي‪ ،   ‬وك ذلك اسم ‪ ‬الع ال‪ ،   ‬ولكن ال ذي ورد ‪ ‬العلي‪ ، ‬واألعلى‪، ‬‬
‫((‬ ‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫ُ‬
‫واملتعال‪ ،   ‬كذلك ‪ ‬الونيس‪ ،   ‬و ‪ ‬املتجلِّي‪ .   ‬أو كما يدعي اجلهالء من عباد‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬ ‫))‬

‫ُ‬
‫القبور أن من أمسائه كلمة ‪ ‬هو‪ ،   ‬و ‪ ‬هو‪  ‬معلوم أنه ضمري قد يضاف إىل أي‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫غائب‪ ، ‬وهو ليس من أمساء اهلل تبارك وتعاىل‪. ‬‬

‫‪- 49 -‬‬
‫ثالثًا‪ : ‬فادعوه بها‬
‫وه ذا من أعظم مثرات معرفة األمساء احلسىن ؛ إذ أنه ال يصح دع اءُ اللَّه‬
‫تبارك وتعاىل إال بأمسائه احلُسىن وصفاته العلى‪. ‬‬
‫ق ال ابن القيم رحمه اللَّه‪  : ‬فال يُثىن على اهلل إال بأمسائه احلسىن وص فاته‬
‫((‬

‫العُلى‪ ، ‬وكذلك ال يُسئل إال هبا‪. )1(  ‬‬


‫))‬

‫ودعاءُ اللَّه تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى ثالثة أنوع‪: ‬‬
‫األول‪ : ‬دعاء اإليمان والعبادة‪: ‬‬
‫كما يف قوله تعاىل عن نبيه إبراهيم عليه السالم‪َ  { : ‬وَأ ْعتَ ِزلُ ُك ْم َو َما تَ ْدعُو َن‬
‫ون اللَّ ِه َوَأ ْدعُو َربِّي َع َسى َأالَّ َأ ُكو َن بِ ُد َع ِاء َربِّي َش ِقيًّا‪ [ } ‬مرمي‪. ] 48 : ‬‬
‫ِمن ُد ِ‬
‫ْ‬
‫قال ابن كثري رمحه اللَّه‪ : ‬أي اجتنبكم وأتربأ منكم ومن آهلتكم اليت تعبدوهنا‬
‫من دون اهلل‪َ  { : ‬وَأ ْدعُو َربِّي‪ } ‬أي‪ : ‬وأعبد ريب وحده ال شريك له(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫وكما يف قوله جل وعال‪ { :‬قُ ْل ِإنَّ َما َأ ْدعُو َربِّي َوالَ ُأ ْش ِر ُك بِه َ‬
‫َأح ًدا‪[ } ‬اجلن‪.] 20 :‬‬
‫ق ال ابن كثري رمحه اللَّه‪  : ‬إمنا أدعو ريب‪  ‬أي‪ : ‬إمنا أعبد ريب وح ده ال‬
‫))‬ ‫((‬

‫أحدا(‪.)3‬‬
‫شريك له وأستجري به وأتوكل عليه وال أشرك به ً‬
‫وقال النيب عليه الصالة والسالم‪  : ‬الدعاء هو العبادة‪. )4(  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫الثاني‪ : ‬دعاء الحمد والثناء‪: ‬‬

‫(?) انظر كتاب بدائع الفوائد البن القيم (‪. )1/164‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) تفسير ابن كثير (‪. )3/119‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) تفسير ابن كثير (‪. )4/417‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أخرجه الطيالسي (‪ ، )838‬وأحمد ‪ ،4/267‬وأبو داود (‪ ، )1479‬والترم ذي (‬ ‫‪4‬‬

‫‪ )2969‬من ح ديث النعم ان بن بش ير‪ ، ‬رض ي هللا عنهم ا‪ ، ‬وص ححه الترم ذي‪، ‬‬
‫انظر صحيح سنن أبي داود (‪. )1312‬‬

‫‪- 50 -‬‬
‫وهو ال دعاء ال ذي يُظهر العب ُد فيه حمبَّتَه لربه بالثن اء عليه بأمسائه احلسىن‬
‫وص فاته العلى‪ ، ‬وه ذا هو أفضل ال دعاء ؛ لق ول النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪: ‬‬
‫ض َل الذكر‪ : ‬ال إله إال اللَّه‪ ، ‬وأفضل الدعاء‪ : ‬الحمد هلل‪. )1(  ‬‬
‫))‬
‫‪ ‬إن أفْ َ‬ ‫((‬

‫ول ذلك فقد ك ان أفضل ما يقوله أهل اجلنة وهم يف أعظم نعمة وأكمل‬
‫رمحة وقد امتألت قلوهبم حبب رهبم هو ‪ ‬احلمد هلل‪ ،   ‬قال تعاىل‪َ  { : ‬د ْع َو ُ‬
‫اه ْم‬ ‫))‬ ‫((‬

‫ب‬‫ْح ْم ُد لِلَّ ِه َر ِّ‬ ‫ِ‬


‫آخ ر َد ْع و ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فِ َيها ُس ْب َحانَ َ َّ‬
‫اه ْم َأن ال َ‬ ‫َ‬ ‫ك الل ُه َّم َوتَحيَُّت ُه ْم ف َيها َس الَ ٌم َو ُ‬
‫ين‪ [ } ‬يونس‪. ] 10 : ‬‬ ‫ِ‬
‫ال َْعالَم َ‬
‫الثالث‪ : ‬دعاء المسألة والطلب‪: ‬‬
‫ب لَ ُك ْم‪ ، } ‬وكقوله جل‬ ‫ال ربُّ ُكم ا ْدعُ ونِي ْ ِ‬
‫َأس تَج ْ‬ ‫وهذا كقوله تعاىل‪َ  { : ‬وقَ َ َ ُ‬
‫َّاع ِإذَا َد َع ِ‬ ‫َك ِعب ِ‬
‫ادي َعنِّي فَ ِإ نِّي قَ ِر ِ‬
‫ان‪} ‬‬ ‫يب َد ْع َوةَ ال د ِ‬
‫يب ُأج ُ‬
‫ٌ‬ ‫وعال‪َ  { : ‬وِإذَا َس َأل َ َ‬
‫[‪ ‬البقرة‪. ] 186 : ‬‬
‫فيك ون دع اءُ املؤم نني ل رهبم مبا عرف وا من أمسائه احلسىن وص فاته العُلى مما‬
‫طمع ا‪ ، ‬وفيما عنده رجاءً‪ ، ‬وعليه توكالً فيطلبون منه املغفرة‬
‫زادهم يف كرمه ً‬
‫ألنه الغفور‪ ، ‬ويسألونه العفو ألنه العفو‪. ‬‬
‫وإليك أمثلة من هذا النوع من الدعاء‪: ‬‬
‫‪ -‬عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما ق ال‪ : ‬ك ان يُع ُّد لرس ول اهلل ص لى اهلل‬
‫عليه وسلم يف اجمللس الواحد مائة مرة من قبل أن يقوم‪  : ‬رب اغفر لي وتُب‬
‫((‬

‫علي إنك أنت التواب الغفور‪. )2(  ‬‬


‫َّ‬
‫))‬

‫(?) أخرج ه الترم ذي (‪ ، )3383‬وابن ماج ه (‪ ، )3800‬وابن حب ان (‪، )846‬‬ ‫‪1‬‬

‫والح اكم ‪ )1/503‬من ح ديث ج ابر رض ي هَّللا عن ه ‪ ،‬وص ححه الح اكم ‪ ،‬وانظ ر‬
‫صحيح جامع الترمذي (‪. )2694‬‬
‫(?) أخرجه الطيالسي (‪ ، )2050‬وأحمد ‪ ،2/21‬وأبو داود (‪ ، )1516‬والترم ذي (‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ، )3434‬وابن ماجه (‪ . )4814‬وانظر السلسلة الصحيحة (‪. )556‬‬

‫‪- 51 -‬‬
‫العفُو‪: ‬‬
‫ويسأل العفو ألنه َ‬
‫علمت‬
‫ُ‬ ‫عن عائشة رضي اهلل عنها ق الت‪ : ‬قلت يا رس ول اهلل‪ ، ‬أرأيت إن‬
‫تحب العفو‬ ‫ٍ‬
‫عفو ُ‬‫أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها‪ ‬؟ قال‪  : ‬قولي‪ : ‬اللهم إنك ٌ‬
‫((‬
‫ّ‬
‫فاعف عني‪. )1(  ‬‬
‫))‬ ‫ُ‬
‫ويسأل الهبة ؛ ألنه الوهَّاب‪: ‬‬
‫ب لِي ُم ْل ًكا الَ‬ ‫فك ان من دع اء س ليمان عليه الس الم‪ { : ‬ر ِّ ِ ِ‬
‫ب ا ْغف ْر لي َو َه ْ‬ ‫َ‬
‫َّاب‪ [ } ‬ص‪. ] 35 : ‬‬ ‫َألح ٍد ِم ْن َب ْع ِدي ِإنَّ َ‬
‫ك َأنْ َ‬
‫ت ال َْوه ُ‬
‫ِ‬
‫َي ْنبَغي َ‬
‫ب لَنَا ِم ْن‬
‫وبنَا َب ْع َد ِإ ْذ َه َد ْيَتنَا َو َه ْ‬ ‫ومن دع اء املؤم نني‪َ  { : ‬ر َّبنَا الَ تُ ِز ْ‬
‫غ ُقلُ َ‬
‫َّاب‪ [ } ‬آل عمران‪. ] 8 : ‬‬ ‫ك َر ْح َمةً ِإنَّ َ‬
‫ك َأنْ َ‬
‫ت ال َْوه ُ‬ ‫لَ ُدنْ َ‬
‫س ِّمي بأسماء اهلل وتغيير االسم من أجل ذلك‪: ‬‬
‫رابعا‪ : ‬النهي عن التَ َ‬
‫ً‬
‫قال ابن كث ري‪  : ‬واحلاصل أن من أمساء اللَّه ما يُ َس َّمى به غريه‪ ، ‬ومنها ما‬ ‫((‬

‫ال يُسمى به غريه‪ ، ‬كاسم ‪ ‬اللَّه‪ ،   ‬و ‪ ‬اخلالق‪  ‬و ‪ ‬الرازق‪  ‬وحنو ذلك‪. )2(  ‬‬
‫))‬ ‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫عن أيب هريرة رضي اللَّه عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪  : ‬إن‬
‫((‬

‫س َّمى ملك األمالك‪ ، ‬ال مالك إال اهلل‪. )3(  ‬‬ ‫َّ‬


‫))‬
‫رجل تَ َ‬
‫أخنع اسم عند الله ٌ‬
‫ق ال س فيان‪ : ‬مثل ش اهان ش اه‪ . ‬أي‪ : ‬ملك املل وك باللغة الفارس ية‪، ‬‬
‫و ‪ ‬أخن ع‪  ‬يع ين‪ : ‬أوضع وأحق ر‪ ، ‬ويف رواي ة‪  : ‬أغيظ رجل على اللَّه ي وم‬
‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫القيامة وأخبثه‪  ‬وأغيظ من الغي ظ‪ ، ‬وهو مثل الغضب والبغض‪ ، ‬فيك ون‬ ‫))‬

‫بغيضا عند اللَّه مغضوبًا عليه‪ . ‬واللَّه أعلم‪. ‬‬


‫ً‬
‫(?) أخرج ه أحم د ‪ ،6/17‬والترم ذي (‪ ، )3513‬وابن ماج ه (‪ ،)3850‬وص ححه‬ ‫‪1‬‬

‫الترمذي‪ ، ‬وانظر صحيح جامع الترمذي (‪. )2789‬‬


‫(?) تفسير ابن كثير (‪. )1/21‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أخرجه البخاري (‪ ، )6206‬ومسلم (‪. )2143‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 52 -‬‬
‫قول ه‪  : ‬أخبث ه‪  ‬وهو ي دل على أنه خ بيث عند اللَّه ف اجتمعت يف حقه‬
‫))‬ ‫((‬

‫ثالثة ص فات ذميمة هي اخلبث وال ُّذل وأنه ً‬


‫بغيض ا إىل اللَّه ؛ ألنه ن ازع اللَّه‬
‫وأدعى لنفسه ما ليس له ؛ ألن اهلل هو خ الق اخلل ق‪، ‬‬
‫بعض أمسائه وص فاته َّ‬
‫ومالك امللك كله على احلقيقة كما ورد يف احلديث‪  : ‬اللهم رب كل‬
‫((‬

‫شيء‪ ، ‬وملك كل شيء‪ ، ‬وإله كل شيء‪. )1(  ‬‬


‫))‬

‫ولذلك جيب تغيري هذه األمساء ؛ ألهنا ال تُطْلَق إال على اهلل عز وجل‪. ‬‬
‫عن هانئ بن يزيد والد شريح بن هانئ‪ : ‬أنه كان يُكىن أبا احلكم‪ ، ‬فقال‬
‫الحكم‪ ، ‬فلم‬ ‫له النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬إن اللَّه هو َ‬
‫الح َكم‪ ، ‬وإليه ُ‬ ‫((‬

‫تك نى أبا الحكم‪ ‬؟‪ .   ‬فق ال‪ : ‬إن ق ومي إذا اختلف وا يف ش يء أت وين فحكمت‬
‫))‬

‫بينهم فرضي كال الف ريقني‪ . ‬فق ال ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬ما أحسن ه ذا‪. ‬‬
‫((‬

‫فما لك من الول د‪ ‬؟‪  ‬قلت‪ُ : ‬ش ريح‪ ، ‬ومس لم‪ ، ‬وعبد اللَّه‪ ، ‬ق ال‪  : ‬فمن‬
‫((‬ ‫))‬

‫أكبرهم‪ ‬؟‪  ‬قلت‪ُ : ‬شريح‪ . ‬قال‪  : ‬فأنت أبو شريح‪. )2(  ‬‬


‫))‬ ‫((‬ ‫))‬

‫***‬

‫(?) أخرجه أحمد ‪ ،2/117‬وأبو داود (‪ ، )5058‬من ح ديث ابن عم ر‪ ، ‬رض ي هللا‬ ‫‪1‬‬

‫عنهما‪ . ‬وانظر صحيح سنن أبي داود (‪. )4229‬‬


‫(?) أخرجه البخاري في األدب المفرد (‪ ، )811‬وأب و داود (‪ ، )4955‬والنس ائي (‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ، )5402‬وابن حبان (‪ ، )504‬وانظر صحيح سنن أبي داود (‪. )4145‬‬

‫‪- 53 -‬‬
‫))‬‫‪ ‬الرحمن‪ - ‬الرحيم‪ ‬‬ ‫((‬

‫َّ‬
‫جل جالله وتقدست أسماؤه‬

‫أوالً‪ : ‬المعنى اللغوي‪: ‬‬


‫تقان من الرمحة على وجه‬ ‫َّعطُّف‪ ، ‬واالمسان مش‬
‫الرمحة‪ : ‬هي الرقة والت َ‬
‫املبالغ ة‪ ، ‬و ‪ ‬رمحن‪  ‬أشد مبالغة من ‪ ‬رحيم‪  ‬؛ ألن بن اء ‪ ‬فعالن‪  ‬أشد مبالغة‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫من ‪ ‬فعي ل‪  ‬ونظريمها ن دمي ون دمان‪ . ‬ويف كالم ابن جرير ما يفهم منه حكاية‬ ‫))‬ ‫((‬

‫االتفاق على هذا(‪. )1‬‬


‫ثانيا ورود االسمين في القرآن الكريم‪: ‬‬
‫ً‬
‫ذُكر ‪ ‬ال رمحن‪  ‬يف الق رآن س ًبعا ومخسني م رة ؛ منها قوله تع اىل‪: ‬‬ ‫))‬ ‫((‬

‫ِ‬ ‫ِإ ِإ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬


‫{‪َ  ‬و ل َُه ُك ْم لَ هٌ َواح ٌد الَ لَ هَ الَّ ُه َو ال َّر ْح َم ُن ال َّرح ُ‬
‫يم‪ [ } ‬البق رة‪ ، ] 163 : ‬وقول ه‪: ‬‬
‫ش اس َتوى‪ [ } ‬ط ه‪ ، ] 5 : ‬وقول ه‪ { : ‬الْم ْل ُ ِئ ٍ‬
‫ْح ُّق‬
‫ك َي ْو َم ذ ال َ‬ ‫ُ‬ ‫{‪ ‬ال َّر ْح َم ُن َعلَى ال َْع ْر ِ ْ َ‬
‫ين َع ِس ًيرا‪ [ } ‬الفرقان‪. ] 26 : ‬‬ ‫ِ‬ ‫لِ َّ‬
‫لر ْح َم ِن َو َكا َن َي ْو ًما َعلَى الْ َكاف ِر َ‬
‫وأما امسه ‪ ‬الرحيم‪ ،   ‬فقد ذُكر أكثر من مائة مرة ؛ منها‪ : ‬قوله تعاىل‪: ‬‬ ‫))‬ ‫((‬

‫يم‪ [ } ‬البق رة‪ ، ] 54 : ‬وقوله تع اىل‪ِ { : ‬إ َّن اللَّهَ بِالن ِ‬
‫َّاس‬ ‫ِ‬ ‫{‪ِ ‬إنَّهُ ُه َو الت َّ‬
‫اب ال َّرح ُ‬ ‫َّو ُ‬
‫ِ‬ ‫لَ رء ٌ ِ‬
‫يم‪، } ‬‬
‫ور َرح ٌ‬ ‫يم‪ [ } ‬البق رة‪ ، ] 143 : ‬وقوله س بحانه‪ِ { : ‬إ َّن اللَّهَ غَ ُف ٌ‬
‫وف َرح ٌ‬ ‫َُ‬
‫وهو كثري يف القرآن‪ ، ‬انظر سورة ‪ ‬البقرة‪. ) 189 ، 182 ، 173 (  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫معنى االسمين في حق اللَّه تعالى‪: ‬‬


‫االمسان مش تقان من الرمحة‪ ، ‬و ‪ ‬ال رمحن‪  ‬أشد مبالغة من ‪ ‬ال رحيم‪،   ‬‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫ولكن ما الف رق بينهم ا‪ ‬؟ هن اك ثالثة أق وال يف الف رق بني ه ذين االمسني‬

‫(?) جامع البيان (‪ ، )1/43‬وتفسير ابن كثير (‪. )1/20‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 54 -‬‬
‫الكرميني‪:‬‬
‫األول‪ : ‬أن اسم ‪ ‬ال رمحن‪ :   ‬هو ذو الرمحة الش املة جلميع اخلالئق يف‬ ‫))‬ ‫((‬

‫الدنيا وللمؤمنني يف اآلخرة‪ .‬و ‪ ‬الرحيم‪ :   ‬هو ذو الرمحة للمؤمنني يوم القيامة‪،‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫اس َت َوى َعلَى ال َْع ْر ِش ال َّر ْح َم ُن‪ [ } ‬الفرق ان‪، ] 59 : ‬‬


‫واس تدلوا بقوله تع اىل‪ { : ‬ثُ َّم ْ‬
‫اس َت َوى‪ [ } ‬ط ه‪ ، ] 5 : ‬ف ذكر االس تواء بامسه‬
‫ش ْ‬‫وقول ه‪ { : ‬ال َّر ْح َم ُن َعلَى ال َْع ْر ِ‬
‫يما‪} ‬‬ ‫‪ ‬ال رمحن‪  ‬ليعم مجيع خلقه برمحت ه‪ ، ‬وق ال‪ { : ‬و َك ا َن بِ الْمْؤ ِمنِ ِ‬
‫ين َرح ً‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫))‬ ‫((‬

‫فخص املؤمنني بامسه ‪ ‬الرحيم‪. )1(  ‬‬


‫))‬ ‫َّ‬ ‫[‪ ‬األحزاب‪، ] 43 : ‬‬
‫((‬

‫وف‬ ‫رد على ه ذا الق ول بقوله تع اىل‪ِ { : ‬إ َّن اللَّهَ بِالن ِ‬
‫َّاس لَ َرءُ ٌ‬ ‫ولكن قد يُ ُّ‬
‫يم‪ [ } ‬البقرة‪. ] 143 : ‬‬ ‫ِ‬
‫َرح ٌ‬
‫الق ول الث اين‪ : ‬هو أن ‪ ‬ال رمحن‪  ‬دال على ص فة ذاتي ة‪ ، ‬و ‪ ‬ال رحيم‪  ‬دال‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫على صفة فعلية‪. ‬‬


‫ِ‬
‫الصفة القائمة به سبحانه‪،‬‬ ‫قال ابن القيم رمحه اللَّه‪ :‬إن ‪ ‬الرمحن‪ٌ  ‬‬
‫دال على‬ ‫))‬ ‫((‬

‫و ‪ ‬ال رحيم‪  ‬دال على تعلقها ب املرحوم ‪ ‬أي مبن ي رمحهم اللَّه‪ ،   ‬فك ان األول‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫للوصف والثاين للفعل‪. ‬‬


‫ف األول دال على أن الرمحة ص فته‪ ، ‬والث اين دال على أنه ي رحم خلقه‬
‫برمحته‪. ‬‬
‫يما‪} ‬‬ ‫فتأمل قول ه‪ { : ‬و َك ا َن بِ الْمْؤ ِمنِ ِ‬
‫وإذا أردت فهم ه ذا َّ‬
‫[‪ ‬األح زاب‪: ‬‬
‫ين َرح ً‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫يم‪ [ } ‬التوب ة‪ ، ] 117 : ‬ومل جيئ‬ ‫‪ ، ] 43‬وقوله تب ارك وتع اىل‪ِ { : ‬إنَّه بِ ِهم رء ٌ ِ‬
‫وف َرح ٌ‬‫ُ ْ َُ‬
‫وف بالرمحة و ‪ ‬رحيم‪  ‬هو‬
‫))‬ ‫((‬ ‫قط ‪ ‬رمحن هبم‪  ‬فعُلِ َم أن ‪ ‬رمحن‪  ‬هو املوص‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫(?) انظر ‪ (( :‬جامع البيان‪. )1/43( )) ‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 55 -‬‬
‫الراحم برمحته(‪.)1‬‬
‫القول الثالث‪ : ‬أن ‪ ‬الرمحن‪  ‬خاص االسم عام املعىن‪ ، ‬و ‪ ‬الرحيم‪  ‬عام‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫االسم خاص املعىن‪. ‬‬


‫إذ أن ‪ ‬ال رمحن‪  ‬من األمساء اليت هُنِ َي عن التس مية هبا لغري اهلل تب ارك‬ ‫))‬ ‫((‬

‫وتعاىل‪ ، ‬كما قال عز وجل‪ { : ‬قُ ِل ا ْدعُ وا اللَّهَ َأ ِو ا ْدعُ وا َّ‬


‫الر ْح َم َن َأيًّا َما تَ ْدعُوا‬
‫ْح ْس نَى‪ [ } ‬اإلس راء‪ ، ] 11 : ‬فع ادل به االسم ال ذي ال يش اركه فيه‬ ‫اَألس َماءُ ال ُ‬
‫َفلَ هُ ْ‬
‫غريه‪ ، ‬وهو ‪ ‬اللَّه‪. )2(  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫ولذلك قال ابن القيم رمحه اللَّه عن اسم ‪ ‬الرمحن‪ :   ‬وملا كان هذا االسم‬
‫))‬ ‫((‬

‫ردا غري ت ابع كمجيء اسم اهلل ك ذلك‪ . ‬ومل‬


‫خمتص ا به تع اىل َح ُس َن جميئه مف ً‬
‫ً‬
‫متبوعا وه ذا خبالف العليم‪ ، ‬والق دير‪ ، ‬والس ميع‬
‫تابعا لغ ريه بل ً‬ ‫جييء قط ً‬
‫والبص ري‪ ، ‬وحنوه ا‪ ، ‬وهلذا ال جتيء ه ذه مف ردة بل تابع ة‪ ، ‬فتأمل ه ذه النكتة‬
‫البديعة(‪. )3‬‬
‫اس أن ينتحل وه‪، ‬‬
‫وعن احلسن أنه ق ال‪  : ‬ال رمحن‪  ‬اسم ال يس تطيع الن ُ‬
‫))‬ ‫((‬

‫صَرف للخلق(‪. )4‬‬
‫تسمى به تبارك وتعاىل‪ ، ‬ولذا ال جيوز أن يُ ْ‬
‫وأما ‪ ‬ال رحيم‪  ‬فإنه تع اىل وصف به نبيَّه عليه الص الة والس الم‪ ، ‬حيث‬ ‫))‬ ‫((‬

‫يم‪ [ } ‬التوب ة‪ ، ] 128 : ‬فيُق ال‪ : ‬رجل‬ ‫قال‪ { :‬ح ِريص علَي ُكم بِ الْمْؤ ِمنِين رء ٌ ِ‬
‫وف َرح ٌ‬‫َ ٌ َ ْ ْ ُ َ َُ‬
‫رحيم‪ ، ‬وال يقال‪ : ‬رمحن‪. ‬‬
‫قال ابن كثري‪ : ‬واحلاصل أن من أمسائه تعاىل ما يُسمى به غريه‪ ، ‬ومنها ما‬

‫(?) ((‪ ‬بدائع الفوائد‪. )1/24( )) ‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) النهج األسمى (‪. )1/79‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) بدائع الفوائد (‪. )1/24‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أورده ابن كثير في تفسيره (‪. )1/22‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪- 56 -‬‬
‫ال يُس مى به غ ريه‪ ، ‬كاسم ‪ ‬اللَّه‪ ،   ‬و ‪ ‬ال رمحن‪ ،   ‬و ‪ ‬اخلالق‪ ،   ‬و ‪ ‬ال رزاق‪،   ‬‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫وحنو ذل ك‪ ، ‬فله ذا ب دأ باسم اللَّه ووص فه ب الرمحن ؛ ألنه أخص وأع رف من‬
‫ال رحيم ؛ ألن التس مية أوالً تك ون بأش رف األمساء‪ ، ‬فله ذا ابت دأ ب األخص‬
‫فاألخص(‪ . )1‬اهـ‪. ‬‬
‫من آثار اإليمان بهذين االسمين الكريمين ‪:‬‬
‫التعرف على اللَّه برحمته واإليمان بها ‪.‬‬
‫أوالً ‪ُّ :‬‬
‫وجل ‪ ،‬عسى أن‬
‫عز َّ‬ ‫ٍ‬
‫جانب من رمحة اللَّه َّ‬ ‫وسنحاول فيما يلي التعرض إىل‬
‫القلوب إىل خالقها وتشتاق النفوس إىل بارئها ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ترق‬
‫‪ -1‬ربكم ذو رحمة واسعة‪: ‬‬
‫ت ُك َّل َش ْي ٍء‪ [ } ‬األع راف‪ ، ] 156 : ‬وقال تعاىل‬
‫قال تعاىل‪َ  { : ‬و َر ْح َمتِي َو ِس َع ْ‬
‫ت ُك َّل َش ْي ٍء‬ ‫إخب ًارا عن محلة الع رش ومن حوله أهنم يقول ون‪َ  { : ‬ر َّبنَا َو ِس ْع َ‬
‫ْج ِح ِ‬ ‫رحم ةً و ِعلْما فَ ا ْغ ِفر لِلَّ ِذين تَ ابوا و َّاتبع وا س بِيلَ َ ِ‬
‫يم‪ [ } ‬غ افر‪: ‬‬ ‫اب ال َ‬‫ك َوق ِه ْم َع َذ َ‬ ‫َ ُ َ َُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ََْ َ ً‬
‫‪. ] 7‬‬
‫‪ -2‬رحمة اللَّه تغلب غضبه‪: ‬‬
‫ب َربُّ ُك ْم َعلَى َن ْف ِس ِه َّ‬
‫الر ْح َم ةَ‪ [ } ‬األنع ام‪ . ] 54 : ‬ق ال ابن‬ ‫ق ال تع اىل‪َ  { : ‬كتَ َ‬
‫كثري يف ه ذه اآلي ة‪ : ‬أوجبها على نفسه الكرمية تفض الً منه وإحس انًا‬
‫وامتنانًا(‪. )2‬‬
‫وعن أيب هري رة رضي اهلل عنه عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪  : ‬إن‬
‫((‬

‫اللَّه لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه‪ : ‬إن رحمتي سبقت غضبي‪.   ‬‬
‫))‬

‫(?) نفسه (‪. )1/21‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) تفسير ابن كثير (‪. )2/130‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 57 -‬‬
‫ويف رواي ة‪  : ‬لما خلق اللَّه الخلق كتب في كتابه هو يكتب على نفس ه‪، ‬‬ ‫((‬

‫ب غضبي‪. )1(  ‬‬ ‫ِ‬


‫وهو وضع عنده على العرش‪ : ‬إن رحمتي َت ْغل ُ‬
‫))‬

‫‪ -3‬إن للَّه مائة رحمة‪: ‬‬


‫عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪ : ‬مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ِ‬
‫واإلنس‬ ‫يق ول‪  : ‬إن للَّه مائة رحمة أن زل منها رحم ةً واح د ًة بين الجن‬ ‫((‬

‫الوحش‬
‫ُ‬ ‫وام‪ ، ‬فبها يتعاطفون‪ ، ‬وبها يتراحمون‪ ، ‬وبها تعطف‬ ‫ِ‬
‫والبهائم واله ِّ‬
‫على ولدها‪ .   ‬ويف رواية‪  : ‬حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن‬
‫((‬ ‫))‬

‫رحم بها عب اده ي وم القيامة‪ .   ‬ويف‬ ‫َّ‬


‫))‬
‫تص يبه وأخَّر الله تس ًعا وتس عين رحمة ي ُ‬
‫رواي ة‪  : ‬إن اللَّه خلق الرحمة ي وم خلقها مائة رحمة‪ .   ‬ويف رواي ة‪  : ‬كل‬
‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫رحم ٍة طب اق ما بين الس ماء واألرض‪ ، ‬فأمسك عن ده تس ًعا وتس عين رحمة‬
‫وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة‪. )2(  ‬‬
‫))‬

‫ه ذه رمحة اللَّه املخلوق ة‪ ، ‬فكيف برمحة اللَّه اليت هي من ص فاته وليست‬


‫خملوقة وال تنفد أب ًدا وليس هلا ح ّد‪ ، ‬وال هناي ة‪ . ‬ق ال تع اىل‪َ  { : ‬و َر ْح َمتِي‬
‫ت ُك َّل َش ْي ٍء‪ [ } ‬األع راف‪ . ] 156 : ‬ول ذلك فقد ق ال النيب ص لى اهلل عليه‬
‫َو ِس َع ْ‬
‫))‬ ‫وس لم‪  : ‬لو يعلم الك افر ما عند اللَّه من الرحمة ما قنط من جنته أحد‪ ‬‬ ‫((‬

‫( ‪.  ) 3‬‬
‫‪ -4‬إن اللَّه تبارك وتعالى بيده الرحمة وحده‪: ‬‬
‫أحدا من خلقه ال يستطيع أن حيجب رمحته أو منعها عن‬
‫ومن رمحته‪ : ‬أن ً‬

‫(?) رواه البخاري (‪ ، )7554 ،7553 ،7453 ،7404‬ومسلم (‪. )2751‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه البخاري (‪ ، )9469‬ومسلم (‪. )2753/21 ،19 -2752/18‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) تقدم تخريجه ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 58 -‬‬
‫َّاس ِم ْن َر ْح َم ٍة فَالَ ُم ْم ِس َ‬
‫ك ل ََها َو َما‬ ‫أحباب ه‪ ، ‬ق ال تع اىل‪َ  { : ‬ما َي ْفتَ ِح اللَّهُ لِلن ِ‬
‫يُ ْم ِس ْك فَالَ ُم ْر ِس َل لَهُ ِم ْن َب ْع ِد ِه‪ [ } ‬فاطر‪. ] 2 : ‬‬
‫فرمحة اللَّه ال تع ُّز على ط الب يف أي زم ان أو مك ان‪ : ‬وج دها إب راهيم‬
‫ب وغي اهب الس جن‪، ‬‬
‫وسط ألس نة الن ار‪ ، ‬ووج دها يوسف يف غي ابت اجلُ ِّ‬
‫وأمه ه اجر يف ص حراء ج رداء ال زرع فيها وال م اء‪، ‬‬
‫ووج دها إمساعيل ُّ‬
‫اليم وهو طفل ويف قصر‬
‫ووج دها ي ونس يف بطن احلوت‪ ، ‬ووج دها موسى يف ِّ‬
‫فرعون وهو مرتبص به‪ ، ‬ووجدها أصحاب الكهف حني افتقدوها يف القصور‬
‫بني أقوامهم‪ ، ‬ووجدها رسول اللَّه صلى اهلل عليه وسلم وصاحبه يف الغار ومها‬
‫مطاردان(‪. )1‬‬
‫‪ -5‬اللَّه سبحانه وتعالى أرحم بعباده من األم بولدها‪: ‬‬
‫وذلك ألن رمحة وال ديك بك مهما بلغت فهي ج زء من ج ٍ‬
‫زء من املائة‬ ‫ٌ‬
‫ج ٍ‬
‫زء اليت خلقها اللَّه فكيف برمحته هو الواس عة جل جالله وتقدست أمساؤه‪، ‬‬
‫عن عمر بن اخلط اب رضي اهلل عنه أنه ق ال‪ : ‬ق دم على رس ول اللَّه ص لى اهلل‬
‫عليه وسلم بسيب‪ ، ‬فإذا امرأة من السيب تبتغي‪ - ‬ويف رواية البخاري‪ :- ‬تسعى‬
‫إذا وج دت ص بيًا يف السيب أخذته فألص قته ببطنها وأرض عته‪ . ‬فق ال لنا رس ول‬
‫اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬أت رون ه ذه الم رأة طارحة َولَ َدها في الن ار‪ ‬؟‪ ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫قلنا‪ :‬ال واللَّه‪ ! ‬وهي تقدر على أن ال تطرحه‪ . ‬فقال رسول اللَّه صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪  : ‬اللَّه أرحم بعباده من هذه بولدها‪. )2(  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫والدي‬
‫َّ‬ ‫وقال حماد بن سلمة‪  : ‬ما يسرين أن امري يوم القيامة صار إىل‬ ‫((‬

‫(?) من كتاب ((‪ ‬لهذا أحب ربي‪ )) ‬للدكتور خالد أبو شادي ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرجه البخاري (‪ ، )5999‬ومسلم (‪. )2754‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 59 -‬‬
‫والدي‪.   ‬‬
‫َّ‬
‫))‬ ‫إن ريب أرحم يب من‬
‫***‬
‫ثانيا‪ : ‬فانظر إلى آثار رحمة اللَّه‪: ‬‬
‫ً‬
‫إن آثار وعالمات رمحة اللَّه أظهر من أن تُبني وأكثر من أن حُتْ َ‬
‫ص ى‪ ، ‬قال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وها‪ [ } ‬إب راهيم‪ . ] 34 : ‬ففي كل نعمة‬
‫ص َ‬‫تع اىل‪َ  { : ‬وِإ ْن َت ُع ُّدوا ن ْع َم ةَ اللَّه الَ تُ ْح ُ‬
‫رمحة يس تدل عليها كل ذي عقل ص حيح‪ ، ‬ويعرفها كل ذي قلب س ليم‪ ، ‬وال‬
‫أمر ال حيتاج إىل دليل‪ . ‬كما قال الشاعر‪: ‬‬ ‫ٍ ٍ‬
‫ينكرها إال كل ظلوم كفار‪ ، ‬وهذا ٌ‬
‫النهار إىل ٍ‬
‫دليل‬ ‫احتاج ُ‬
‫َ‬ ‫إذا‬ ‫صح يف األذهان شىءٌ‬
‫وكيف يَ ُّ‬
‫وقد اخرتنا بعض هذه اآلثار على سبيل املثال‪ ، ‬فمن ذلك‪: ‬‬
‫‪ -1‬خلق اإلنسان‪: ‬‬
‫فمن رمحة اللَّه تع اىل أنه خلق اإلنس ان من ع دم وأنش أه وجعل له الس مع‬
‫وأي نعمة بعد اصطفاء‬‫فأي فضل ُّ‬‫والبصر والفؤاد والعقل‪ ، ‬كل هذا من تراب ُّ‬
‫اللَِّه لبعض ال رتاب والطني ليجعله إنس انًا يعقل ويش عر وي ؤمن مث يدخله اجلن ة‪، ‬‬
‫فس بحان اللَّه وحبم ده‪ . ‬ق ال تع اىل‪ { : ‬ال َّر ْح َم ُن (‪َ )1‬علَّ َم الْ ُق ْرآ َن (‪َ )2‬خلَ َق‬
‫اِإل نْ َسا َن (‪َ )3‬علَّ َمهُ الَْبيَا َن‪ [ } ‬الرمحن‪. ] 4 - 1 : ‬‬
‫‪ -2‬النبوة والرسالة رحمة‪: ‬‬
‫خمربا عن ن وح عليه‬
‫فقد مُسَّيت النب وة وال وحي رمحة كما يف قوله تع اىل ً‬
‫ت َعلَى َبِّينَ ٍة ِم ْن َربِّي َوآتَ انِي َر ْح َم ةً ِم ْن‬ ‫ِ‬
‫ال يَا َق ْوم ََأر َْأيتُ ْم ِإ ْن ُك ْن ُ‬
‫الس الم‪ { : ‬قَ َ‬
‫جلي‪، ‬‬ ‫ِع ْن ِد ِه‪ [ } ‬ه ود‪ . ] 28 : ‬قال ابن كثري‪ : ‬يف هذه اآلية‪ : ‬أي على يقني وأم ٍ‬
‫ر‬
‫ّ‬
‫ونبوةٍ صادقة وهي الرمحة العظيمة من اللَّه به(‪. )1‬‬

‫(?) تفسير ابن كثير (‪. )2/427‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 60 -‬‬
‫النبي صلى اهلل عليه وسلم‪: ‬‬
‫ِّ‬ ‫‪ -3‬إرسال‬
‫ِ ِ‬
‫اك ِإالَّ َر ْح َم ةً لل َْع الَم َ‬
‫ين‪ [ } ‬األنبي اء‪ . ] 107 : ‬وعن أيب‬ ‫قال تعاىل‪َ  { : ‬و َما َْأر َس لْنَ َ‬
‫هري رة رضي اللَّه عنه ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اللَّه ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬إني لم‬
‫((‬

‫ر‪  : ‬إنما أنا رحمة‬ ‫((‬ ‫ُأبعث لعانًا وإنما بُعثت رحمة‪ . )1(  ‬ويف احلديث اآلخ‬
‫))‬

‫مهداة‪. )2(  ‬‬
‫))‬

‫‪ -4‬نزول القرآن‪: ‬‬
‫اب تِْبيَانًا لِ ُك ِّل َش ْي ٍء َو ُه ًدى َو َر ْح َم ةً‬ ‫ق ال تع اىل‪ { : ‬و َن َّزلْنَا َعلَي َ ِ‬
‫ك الْكتَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ين‪ [ } ‬النحل‪. ] 89 : ‬‬ ‫وب ْشرى لِل ِ ِ‬
‫ْم ْسلم َ‬
‫ُ‬ ‫َُ َ‬
‫مسلما‪: ‬‬
‫ً‬ ‫‪ -5‬أن جعلك‬
‫ك َفلَْي ْف َر ُح وا ُه َو َخ ْي ٌر ِم َّما‬
‫ض ِل اللَّ ِه َوبَِر ْح َمتِ ِه فَبِ َذلِ َ‬
‫ق ال تع اىل‪ { : ‬قُ ْل بَِف ْ‬
‫يَ ْج َمعُ و َن‪ [ } ‬ي ونس‪ .] 58 : ‬قال ابن كثري‪ : ‬أي هبذا الذي جائهم من اهلدى ودين‬
‫احلق فليفرحوا فإنه أوىل ما يفرحون به(‪. )3‬‬
‫وهذا هو املوضع الوحيد يف القرآن الذي ُأمر فيه بالفرح‪. ‬‬
‫‪ -6‬ندائه في الثلث األخير من الليل ليرحم عباده‪: ‬‬
‫عن أيب هري رة رضي اهلل عنه أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪ ، ‬ق ال‪: ‬‬
‫ثلث الليل‬
‫كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ُ‬
‫‪ ‬يتنزل ربنا تبارك وتعالى َّ‬ ‫((‬

‫ول‪ : ‬من ي دعوني فأس تجيب ل ه‪ ، ‬من يس ألني فأعطي ه‪ ‬؟ من‬
‫اآلخ ُر يق ُ‬

‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرجه البزار (‪ -2369‬كشف ) ‪ ،‬والطبراني في األوسط (‪ ، )2981‬والح اكم‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،1/35‬من ح ديث أبي هري رة ‪ ،‬رض ي هللا عن ه ‪ ،‬وص ححه الح اكم على ش رط‬
‫الشيخين ‪.‬‬
‫(?) تفسير ابن كثير (‪. )2/406‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 61 -‬‬
‫يستغفرني فأغفر له‪ ‬؟‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫ويف ح ديث آخ ر‪  : ‬من ذا ال ذي يَ ْس َت ْر ِزقُني ْأر ُزقْ ه‪ ‬؟ من ذا ال ذي‬


‫((‬

‫الضر أ ْك ِش ْفه‪ .   ‬حىت ينفجر الصبح(‪. )2‬‬


‫))‬ ‫يستكشف َّ‬
‫ُ‬
‫ويف ح ديث آخ ر‪  : ‬ي نزل اهلل إلى الس ماء ال دنيا كل ليلة حين يمضي‬
‫((‬

‫ك‪ ، ‬أنا المل ك‪ ، ‬من ذا ال ذي‬


‫ثلث الليل األول‪ ، ‬فيق ول‪ : ‬أنا المل ُ‬
‫يدعوني‪.)3(  .. ‬‬
‫))‬

‫باهلل عليك لو أن أمري بل دك‪ ، ‬أو رئيس دولتك بعث إليك أنه س وف ي أيت‬
‫إليك ليحقق لك ما تتمىن منه‪ ، ‬أال جيعلك هذا له حُم بًّا وإىل لقائه متشوقًا‪ ‬؟ هل‬
‫كنت تنام وترتكه‪ ‬؟ أو تنسى موعده‪ ‬؟ وهل ستكون موقنًا على تنفيذ ما تتمىن‬
‫أم ال‪ ‬؟‬
‫نفعا وال ض ًرا فكيف ب رب‬
‫ه ذا من بشر ض عيف ال ميلك لك وال لنفسه ً‬
‫العاملني جل جالله‪. ‬‬
‫تقر ُبه إلى َخ ْل ِق ِه ‪:‬‬
‫‪ُّ -7‬‬
‫س بحان اللَّه يتق رب من خلقه وهو غين عنهم‪ ، ‬ويت َّ‬
‫ود َد إليهم وهم ال‬
‫ضرا‪ ، ‬ولكن نعمة منه وفضالً ورمحة وإحسانًا‪. ‬‬
‫نفعا وال ً‬
‫ميلكون له ً‬
‫دمع له‬
‫وب وت ُ‬
‫وتأمل ه ذا احلديث ال ذي تنفطر له القل ُ‬
‫وانظر أخي الك رمي َّ‬
‫العيو ُن‪ . ‬فعن أيب هريرة قال‪ُ : ‬رمَّب ا ذكر النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪  : ‬قال‬
‫((‬

‫تقرب‬
‫ذراع ا‪ ، ‬وإذا َّ‬
‫بت منه ً‬ ‫ب العب ُد منِّي ِش ْب ًرا َّ‬
‫تقر ُ‬ ‫اللَّه عز وجل‪ : ‬إذا َت َق َّر َ‬
‫(?) صحيح ‪ .‬أخرجه البخاري ( ج ‪. )6321 / 11‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) حسن ‪ .‬أخرجه أحمد (ج ‪ 2‬ص ‪. )521‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ص حيح ‪ .‬أخرج ه مس لم ( ج ‪ - 1‬ص الة المس افرين ‪ ، )169 -‬والترم ذي ( ج‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ، )446/ 2‬وأحمد ( ج ‪ ، )14/7779‬وغيرهم ‪.‬‬

‫‪- 62 -‬‬
‫بوعا‪. )1(  ‬‬
‫))‬
‫باعا أو ً‬
‫ذراعا تقربت منه ً‬ ‫مني ً‬
‫يا اللَّه‪ ، ‬يا اللَّه‪َ ، ‬م ْن يتقرب إىل َمن‪ ‬؟ َ‬
‫وم ْن يُهرول إىل َم ْن‪ ‬؟ يتقرب اخلالق‬
‫إىل املخلوق ويهرول ملك امللوك إىل عبد فقري صعلوك ‪ .‬سبحان اللَّه ما أرمحه‬
‫وما أكرمه‪. ‬‬
‫‪ -8‬ذكره لعباده الصالحين ‪:‬‬
‫وعن أنس ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬ق ال اللَّه‪ : ‬يا‬
‫((‬

‫ابن آدم‪ ، ‬إن ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفس ي‪ ، ‬وإن ذكرتني في مأل‬
‫وت م ني‬
‫ذكرتك في مأل من المالئك ة‪ ، ‬أو في مأل خ ير منهم‪ ، ‬وإن دن َ‬
‫باع ا‪ ، ‬وإن‬
‫وت منك ً‬ ‫ذراعا دن ُ‬
‫وت م ني ً‬ ‫ذراع ا‪ ، ‬وإن دن َ‬
‫دوت منك ً‬ ‫ش ًبرا‪ُ ، ‬‬
‫أتيتني تمشي‪ ، ‬أتيتك أهرول‪ .   ‬قال قتادة‪ : ‬فاللَّه عز وجل أسرع باملغفرة‪. ‬‬
‫))‬

‫ت أن ي ذكرك‬
‫أخي الكرمي‪ ، ‬هل تص ورت كيف ي ذكرك ربك‪ ‬؟ هل خَتََّي ْل َ‬
‫اللَّهُ بامسك‪ ‬؟ نعم ي ذكرك أنت بامسك بني مالئكته يف املأل األعلى‪ . ‬من ال ذي‬
‫يذكرك‪ ‬؟ اللَّه‪ . ‬اللَّه‪ . ‬اللَّه الذي يذكرك‪. ‬‬
‫فيا له من عظيم ش ٍ‬
‫رف وكبري ق د ٍر ال يعرفه إال من ع رف ربَّه وأحبَّه‪، ‬‬
‫ف انظر إىل واحد من ه ؤالء وهو أيب بن كعب رضي اهلل عنه حني َعلِ َم أن اللَّه‬
‫تب ارك وتع اىل قد ذك ره بامسه‪ ، ‬وكيف هطلت عين اه دمع الف رح واحلنني إىل‬
‫أرحم الرامحني‪. ‬‬
‫عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم ُأليب بن كعب‪  : ‬إن اللَّه أم رني أن أق رأ علي ك‪ { : ‬ل ْ‬
‫َّ ِ‬
‫َم يَ ُك ِن الذ َ‬
‫ين‬ ‫((‬

‫(?) أخرج ه البخ اري (‪ ، )13/7537‬با ًع ا ‪ :‬مس افة م ا بين الكفين إذا انبس طت‬ ‫‪1‬‬

‫الذراعان يمينًا وشماالً ‪.‬‬

‫‪- 63 -‬‬
‫َك َفروا ِمن َْأه ِل ال ِ‬
‫ْكتَ ِ‬
‫اب‪ .   } ‬قال‪ : ‬ومسَّاين لك‪ ‬؟ قال‪  : ‬نعم‪ .   ‬فبكى(‪.)1‬‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬
‫ُ ْ‬
‫ق ال حيىي بن مع اذ ال رازي‪ : ‬يا غف ول يا جه ول لو مسعت ص رير األقالم‬
‫ملت شوقًا إىل موالك‪. ‬‬
‫وهي تكتب امسك عند ذكرك ملوالك َّ‬
‫فليس العجب من قول ه‪  : ‬ف اذكروىن‪ ،   ‬ولكن العجب كل العجب من‬
‫))‬ ‫((‬

‫القوى‪ ، ‬أو يذكر الفقريُ‬


‫َّ‬ ‫الضعيف‬
‫ُ‬ ‫قوله‪  : ‬أذكركم‪ ،   ‬فليس العجب أن يذكر‬
‫))‬ ‫((‬

‫والغىن‬
‫ُّ‬ ‫القوى الضعيف‪، ‬‬
‫ُّ‬ ‫العزيز‪ ، ‬إمنا العجب أن يذكر‬
‫الذليل َ‬
‫ُ‬ ‫الغىن‪ ، ‬أو يذكر‬
‫َّ‬
‫الذليل‪. ‬‬
‫َ‬ ‫والعزيز‬
‫ُ‬ ‫الفقري‪، ‬‬
‫‪ -9‬صبر اللَّه جالل جالله على األذى من خلقه‪: ‬‬
‫فس بحان اللَّه ما أحلم ه‪ ، ‬وما أكرمه وما أرمحه‪ ، ‬خيلق ويُ ْعبَ ُد غ ريُه‪، ‬‬
‫كر س واه‪ ، ‬خ ريه إىل العب اد ن ازل وش رهم إليه ص اعد من ال ذين‬ ‫وي رزق ويُش ُ‬
‫ي دَّعون له الولد يصرب على أذاهم ويبعث إليهم ب أرزاقهم‪ ، ‬عسى أن يص ادف‬
‫نفس ا طيبة أو فط رة س ليمة تفيق من‬
‫ه ذا الك رم عقالً ذاكيًا أو قلبًا واعيًا أو ً‬
‫غفوهتا وترجع عن ض اللتها تع رف رهَّب ا فتعب ده وح ده وحتبه وح ده س بحانه‬
‫وتعاىل‪. ‬‬
‫وعن أيب موسى األش عري رضي اللَّه عنه ق ال‪ : ‬ق ال النيب ص لى اهلل عليه‬
‫يدعون له الولد ثم يعافيهم‬ ‫وسلم‪  : ‬ما أح ٌد أصبر على أذى سمعه من اللَّه َّ‬ ‫((‬

‫ويرزقهم‪. )2(  ‬‬
‫))‬

‫وحده وعبده وأطاعه‬


‫هذه رمحته سبحانه مبن أشرك به‪ ، ‬فكيف رمحته مبن َّ‬
‫وأحبه وأحب رسوله وجاهد يف سبيله‪. ‬‬

‫(?) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من حديث شعبة به ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه البخاري (‪ ، )7378 ،6099‬ومسلم (‪. )2804‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 64 -‬‬
‫‪ -10‬رحمته بالتائبين(‪: )1‬‬
‫ف إن الت ائبني قد انكس رت قل وهبم لعظمت ه‪ ، ‬وذلَّت جب اهم لعزت ه‪ ، ‬وأت وه‬
‫راجني رمحته وخيافون عذابه‪ ، ‬فما عسى أن تكون رمحة اللَّه هبم‪ ‬؟‬
‫فإليك شيء منها‪: ‬‬
‫أوالً ‪ :‬يغفر الذنوب مهما َعظُ َمت‪: ‬‬
‫مسعت رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫عن أنس رضي اهلل عنه ق ال‪ُ : ‬‬
‫يق ول‪  : ‬ق ال اللَّه تع الى‪ : ‬يا ابن آدم‪ ، ‬إنك ما دعوت ني ورجوت ني غف ُ‬
‫رت‬ ‫((‬

‫لك على ما ك ان منك وال أب الي‪ ، ‬يا ابن آدم‪ ، ‬لو بلغت ذنوبك عن ان‬
‫الس ماء ثم اس تغفرتني غف رت لك وال أب الي‪ ، ‬يا ابن آدم‪ ، ‬إنك لو أتيت ني‬
‫))‬ ‫بق راب األرض خطايا ثم لقيت ني ال تش رك بي ش يًئا ألتيتك بقرابها مغف رة‪ ‬‬
‫( ‪.  ) 2‬‬
‫ونهارا‪: ‬‬
‫ً‬ ‫ثانيا ‪ :‬ويبسط يده للتائبين ليالً‬
‫ً‬
‫عن أيب موسى األش عري رضي اللَّه عنه عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫قال‪  : ‬إن اللَّه تع الى يبسط يده بالليل ل تيوب مسيء النهار‪ ، ‬ويبسط يده‬ ‫((‬

‫بالنهار ليتوب مسيء الليل‪ ، ‬حتى تطلع الشمس من مغربها‪. )3(  ‬‬


‫))‬

‫ثالثًا ‪ :‬ويفرح بتوبة عبده‪: ‬‬


‫فرحا هو أشد من فرحة رج ٍل وجد حياته بع دما‬
‫ومع ه ذا فقد ف رح هبا ً‬

‫(?) انظر شرح االسمين الكريمين ((‪ ‬الغفار ‪ ،‬والغفور‪ . )) ‬كما سيأتي إن شاء هللا ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(? ) رواه الترمذي ‪ ،‬وقال ‪ :‬حديث حسن ‪ ،‬عنان السماء ‪ :‬قيل هو السحاب ‪ ،‬وقيل ‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫عن لك منها أي ظهر ‪ ،‬وقراب األرض ‪ :‬هو ما يقارب ِملئها ‪.‬‬ ‫هو ما َّ‬
‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 65 -‬‬
‫اج إىل‬ ‫ٍ‬
‫إحسان وبِ ٍّر ولط ف‪ ، ‬ال فرحة حمت ٍ‬ ‫َّ‬
‫عد نفسه من األم وات ‪ ،‬وهي فرحة‬
‫توبة عبده منتف ٍع هبا‪. ‬‬
‫عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫وسلم‪  : ‬للَّهُ أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في‬ ‫((‬

‫أرض فالة‪. )1(  ‬‬


‫))‬

‫ويف رواي ة‪  : ‬للَّهُ أشد ً‬


‫فرحا بتوبة عب ده حين يت وب إليه من أح دكم‬ ‫((‬

‫ك ان على راحلته ب أرض فالة ف انفلتت منه وعليها طعامه وش رابه ف أيس‬
‫منه ا‪ ، ‬ف أتى ش جرة فاض طجع في ظلها وقد أيس من راحلت ه‪ ، ‬فبينما هو‬
‫ك ذلك ؛ إذ هو بها قائمة عن ده بخطامها ثم ق ال من ش دة الف رح‪ : ‬اللهم‬
‫أنت عب دي وأنا رب ك‪ ، ‬أخطأ من ش دة الف رح‪ . )2(  ‬ففي ه ذا احلديث دليل‬
‫))‬

‫على فرح اللَّه عز وجل بالتوبة من عبده إذا تاب إليه‪ ، ‬وأنه حيب ذلك سبحانه‬
‫وتع اىل حمبة عظيم ة‪ ، ‬ولكن ال ألجل حاجته إىل أعمالنا وتوبتن ا‪ ، ‬فاهلل غين‬
‫عنا‪ ، ‬ولكن حملبته سبحانه للك رم فإنه حيب أن يغفر وأن يغفر أحب إليه من أن‬
‫ينتقم ويؤاخذ‪ ، ‬وهلذا يفرح بتوبة اإلنسان(‪. )3‬‬
‫رابعا ‪ :‬ويبدل السيئات حسنات‪: ‬‬
‫ً‬
‫ِّل اللَّهُ‬ ‫ص الِ ًحا فَُأولَِئ َ‬
‫ك ُيبَ د ُ‬ ‫آم َن َو َع ِم َل َع َماًل َ‬ ‫ق ال تع اىل‪ِ { : ‬إالَّ َم ْن تَ َ‬
‫اب َو َ‬
‫ِ‬ ‫سيَِّئاتِ ِهم ح ٍ‬
‫يما‪ [ } ‬الفرقان‪. ] 70 : ‬‬ ‫سنَات َو َكا َن اللَّهُ غَ ُف ً‬
‫ورا َرح ً‬ ‫َ ْ ََ‬
‫وقال احلسن البص ري‪ : ‬أب دهلم اللَّه العمل السيء العمل الصاحل‪ ، ‬وأب دهلم‬
‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫الخطام بكسر الخاء ((‪ ‬الحبل‪ )) ‬الذي تُقاد به الدابة ‪.‬‬


‫(?) رواه مسلم ؛ ِ‬ ‫‪2‬‬

‫(?) شرح كتاب ((‪ ‬رياض الصالحين‪ ، )90 ،1/89( )) ‬باب التوبة ‪ ،‬ش رح العالّم ة‬ ‫‪3‬‬

‫محمد بن صالح بن عثيمين ‪.‬‬

‫‪- 66 -‬‬
‫إسالما(‪. )1‬‬
‫إخالصا‪ ، ‬وأبدهلم بالفجور إحصانًا‪ ، ‬وبأدهلم بالكفر ً‬
‫ً‬ ‫بالشرك‬
‫صالتُه جل جالله على المؤمنين‪: ‬‬
‫‪َ -11‬‬
‫قال تع اىل‪ُ  { : ‬ه و الَّ ِذي يص لِّي َعلَْي ُكم ومالَِئ َكتُ هُ لِي ْخ ِرج ُكم ِمن الظُّلُم ِ‬
‫ات‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ْ َ‬ ‫ْ ََ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬
‫يما‪ [ } ‬األح زاب‪ . ] 43 : ‬قال ابن كثري‪ : ‬والصالة من‬ ‫ِإلَى النُّو ِر و َكا َن بِالْمْؤ ِمنِ ِ‬
‫ين َرح ً‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫اللَّه ثن اؤه على العبد عند املالئك ة‪ . ‬حك اه البخ اري عن أيب العالي ة‪ ... ‬وق ال‬
‫غ ريه‪ : ‬الص الة من اللَّه عز وجل الرمحة‪ ، ‬وقد يق ال‪ : ‬ال مناف اة بني الق ولني‪. ‬‬
‫واللَّه أعلم(‪. )2‬‬
‫‪ -12‬مضاعفة الحسنات واألجور‪: ‬‬
‫فمن رمحته سبحانه مضاعفة احلسنات إىل ضعاف كثرية‪ ، ‬فعن أيب هريرة‬
‫رضي اهلل عنه ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬كل عمل ابن‬
‫((‬

‫آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها‪ ، ‬إلى سبعمائة ضعف‪ . )3(  ‬ومن األعمال‬
‫))‬

‫ما ينميها اللَّه حىت جيعلها كاجلب ل‪ . ‬فعن أيب هري رة رضي اللَّه عنه ق ال‪ : ‬ق ال‬
‫رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬من تص دق بع دل تم رة من كسب ٍ‬
‫طيب‬ ‫((‬

‫وال يقبل اللَّه إال الطيب‪ ، ‬ف إن اللَّه يتقبلها بيمينه ثم يربيها لص احبها كما‬
‫يربي أحدكم َفلُ َّوه حتى تكون مثل الجبل‪. )4(  ‬‬
‫))‬

‫‪ -13‬رحمة اللَّه تبارك وتعالى بقلوب عباده‪: ‬‬

‫(?) تفسير ابن كثير (‪. )3/311‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) المصدر السابق (‪. )3/465‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) صحيح ‪ :‬أخرجه مسلم ( ج ‪ - 2‬صيام ‪ ، )159 /‬وبنحوه النس ائي ( ج ‪ - 4‬ص‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ، )162‬وأحمد ( ج ‪ ، )19/10178‬وابن ماجه (ج ‪. )1638 / 1‬‬


‫(?) رواه البخاري ومسلم ‪ ،‬وأحمد ‪ ،‬والفَلُ ُّو ‪ :‬هو ال ُم ْه ُر ‪ ،‬ويقال بكسر الفاء وإسكان‬ ‫‪4‬‬

‫الالم وتخفيف الواو ‪.‬‬

‫‪- 67 -‬‬
‫فقد ق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬القل وب بين أص بعين من أص ابع‬
‫((‬

‫الرحمن يقلبها كيف يشاء‪. )1(  ‬‬ ‫))‬

‫‪ -1‬ف إذا ش اء اللَّهُ لعبد اهلدى ش رح قلبه لإلس الم‪ . ‬ق ال تع اىل‪ { : ‬فَ َم ْن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يُ ِرد اللَّهُ َأ ْن َي ْهديَهُ يَ ْش َر ْح َ‬
‫ص ْد َرهُ لِإل ْسالَِم‪ [ } ‬األنعام‪. ] 125 : ‬‬
‫ب إليه اإلميان وزينه يف قلبه فع اش باإلميان‬
‫‪ -2‬وإذا أراد بعبد رش ًادا حبَّ َ‬
‫ب ِإل َْي ُك ُم‬ ‫ِ‬
‫عيدا وعن الكفر والعص يان بعي ًدا‪ . ‬ق ال تع اىل‪َ  { : ‬ولَك َّن اللَّهَ َحبَّ َ‬ ‫س ً‬
‫ِ‬
‫ك ُه ُم‬ ‫س و َق َوال ِْع ْ‬
‫ص يَا َن ُأولَِئ َ‬ ‫ِإ‬ ‫ِ‬
‫اِإل َ‬
‫يم ا َن َو َز َّينَ هُ في ُقلُ وب ُك ْم َو َك َّر َه ل َْي ُك ُم الْ ُك ْف َر َوالْ ُف ُ‬
‫ضاًل ِم َن اللَّ ِه َونِ ْع َمةً‪ [ } ‬احلجرات‪. ] 8 ،7 : ‬‬ ‫اش ُدو َن (‪ )7‬فَ ْ‬ ‫الر ِ‬
‫َّ‬
‫‪ -3‬ويُس عد املؤم نني حببهم له ولرس وله وحب املؤم نني يف اللَّه فيش عر‬
‫حبالوة اإلميان ولذة القرب من الرمحن جل جالله‪ . ‬عن أنس رضي اهلل عنه عن‬
‫النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪  : ‬ثالث من كن فيه وجد حالوة اإليم ان‪: ‬‬ ‫((‬

‫أن يك ون اللَّهُ ورس وله أحب إليه مما س واهما‪ ، ‬وأن يحب الم رء ال يحبه‬
‫إال هلل‪ ، ‬وأن يك ره أن يع ود في الكفر بعد أن أنق ذه اهلل منه كما يك ره أن‬
‫يقذف في النار‪. )2(  ‬‬
‫))‬

‫الص الِح ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬


‫الر ْح َم ُن‬
‫ات َس يَ ْج َع ُل ل َُه ُم َّ‬ ‫آمنُ وا َو َعملُ وا َّ َ‬ ‫وقال تعاىل‪ِ { : ‬إ َّن الذ َ‬
‫ين َ‬
‫رمي‪ .] 96 : ‬وذلك بعكس الطغ اة والعص اة أمث ال املش ركني من أهل‬ ‫[‪ ‬م‬ ‫ُودًّا‪} ‬‬
‫س وا َحظًّا ِم َّما ذُ ِّك ُروا بِ ِه فََأ ْغ َر ْينَا‬
‫الكت اب‪ ، ‬فقد ق ال تع اىل يف النص ارى‪َ  { : ‬فنَ ُ‬
‫ض َاء ِإلَى َي ْوِم ال ِْقيَ َام ِة‪ [ } ‬املائدة‪. ] 114 : ‬‬
‫َب ْيَن ُه ُم ال َْع َد َاوةَ َوالَْب ْغ َ‬

‫(?) أخرجه أحمد ‪ ،3/112‬والترمذي (‪ ، )2140‬وابن ماجه (‪ ، )3834‬من ح ديث‬ ‫‪1‬‬

‫أنس رضي هللا عنه ‪ .‬وانظر صحيح ابن ماجه (‪. )3092‬‬
‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 68 -‬‬
‫‪ -14‬الجنة من رحمة اللَّه عز وجل‪: ‬‬
‫عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪ : ‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪: ‬‬
‫ت ب المتكبرين والمتج برين‪، ‬‬ ‫اجت الجنة والن ار‪ ، ‬فق الت الن ار‪ُ : ‬أوثِ ْر ُ‬
‫‪ ‬تح َّ‬ ‫((‬

‫وق الت الجن ة‪ : ‬ما لي ال ي دخلني إال ض عفاءُ الن اس وس قطُهم‪ ، ‬ق ال اللَّه‬
‫أنت رحم تي أرحم بك من أش اء من عب ادي‪ ، ‬وق ال‬ ‫تب ارك وتع الى للجن ة‪ِ : ‬‬
‫ب بك من أشاء من عبادي‪. )1(  ‬‬ ‫عذاب ِّ‬ ‫للنار‪ : ‬إنما ِ‬
‫))‬
‫أعذ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫أنت‬
‫‪ -15‬دخول الجنة برحمة اللَّه عز وجل‪: ‬‬
‫ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬ال ي دخل أح ًدا الجنة عمله‪.   ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫قالوا‪ : ‬وال أنت يا رسول اهلل‪ ‬؟ قال‪  : ‬وال أنا‪ ، ‬إال أن يتغمدني اللَّه بمغفرة‬
‫((‬

‫منه ورحمة‪. )2(  ‬‬


‫))‬

‫‪ -16‬شفاعة أرحم الراحمين في أهل النار‪: ‬‬


‫فما من أح ٍد ميلك لغ ريه ش فاعة يف ال دنيا وال يف اآلخ رة إال بعد أن ي أذن‬
‫اعةُ َج ِم ًيعا‪ . } ‬وس يجعل‬ ‫اللَّه ملن يش اء ويرض ى‪ . ‬ق ال تع اىل‪ { : ‬قُ ْل لِلَّ ِه َّ‬
‫الش َف َ‬
‫درجات للشفاعة والشافعني‪ ، ‬فهناك شفاعة لألنبياء واملرسلني‪ ، ‬وشفاعة‬ ‫ٍ‬ ‫اللَّه‬
‫للصديقني‪ ، ‬وشفاعة الشهداء فيُ َش فِّعُهم اللَّه عز وجل‪ ، ‬مث بعد ذلك يشفع هو‬
‫أهل‬
‫سبحانه وحبمده شفاعة فيخرج أضعاف ما أخرجه كل هؤالء حىت يعجب ُ‬
‫صورا من شفاعة أرحم الرامحني‪: ‬‬
‫اجلنة من ذلك‪ ، ‬وإليك ً‬
‫شفاعته عز وجل في الموحدين‪: ‬‬

‫(?) رواه البخاري (‪ )8/595‬رقم الحديث ‪. 4850‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرجه البخاري (‪ ، )6467 ،6463‬ومسلم (‪ ، )2818 ،2816‬من حديث أبي‬ ‫‪2‬‬

‫هريرة وعائشة ‪ ،‬رضي هَّللا عنهما ‪.‬‬

‫‪- 69 -‬‬
‫عن أيب بكر الص ديق رضي اهلل عنه عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال يف‬
‫ح ديث الش فاعة الطوي ل‪  : ‬ثم يق ال‪ : ‬ادع وا الص ديقين فيش فعون‪ ، ‬ثم‬
‫((‬

‫بي ومعه ِ‬
‫العص ابة‪ ، ‬والن بي ومعه‬ ‫يق ال‪ : ‬ادع وا األنبي اء‪ ، ‬ق ال‪ : ‬فيجيء الن ُّ‬
‫الخمس ةُ والس تة‪ ، ‬والن بي وليس معه أح د‪ ، ‬ثم يق ال‪ : ‬ادع وا الش هداء‬
‫فيشفعون لمن أرادوا‪ ، ‬وقال‪ : ‬فإذا فعلت الشهداء ذلك‪ . ‬قال‪ : ‬يقول اهلل‬
‫عز وج ل‪ : ‬أنا أرحم ال راحمين‪َ ، ‬أ ْد ِخلُ وا َجنَّتِي من ك ان ال يُ ْش ِرك بي‬
‫شيًئا‪ .   ‬قال‪  : ‬فيدخلون الجنة‪. )1(  ... ‬‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬

‫ويف ح ديث آخ ر‪  : ‬فيق ول‪ : ‬وع زتي وجاللي وكبري ائي وعظم تي‬‫((‬

‫ُأل ْخ ِر َج َّن منها من قال‪ : ‬ال إله إال اللَّه‪. )2(  ‬‬


‫))‬

‫ويف رواية‪ : ‬أن اللَّه تبارك وتعاىل يقول للرسل‪  : ‬اذهبوا‪ ، ‬أو انطلقوا‪، ‬‬
‫((‬

‫))‬
‫ٍ‬
‫خردل من إيمان فأخرجوه‪ .   ‬مث يقول‬ ‫فمن وجدتم في قلبه مثقال حبة من‬
‫اللَّه عز وج ل‪  : ‬أنا اآلن ُأ ْخ رِج بعلمي ورحم تي‪ .   ‬فيُخ رج أض َ‬
‫عاف ما‬ ‫))‬ ‫((‬

‫أخرجوا وأضعافه فيكتب يف رقاهبم عتقاء اللَّه عز وجل‪ ، ‬مث يدخلون اجلنة(‪. )3‬‬
‫‪ -17‬رحمته بالنمل‪ ، ‬سبحان اللَّه وبحمده‪: ‬‬
‫عن أيب هريرة رضي اللَّه عنه قال‪ : ‬مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫فُأحرقت‪ ، ‬فأوحى اللَّه‬
‫ت منل ةُ نبيًا من األنبياء‪ ، ‬فأمر بقرية النمل ْ‬‫ص ْ‬ ‫يقول‪َ : ‬قَر َ‬
‫ص ْتك نملة أحرقت أمةً من األمم تُسبح اللَّه‪ . )4(  ‬ويف رواي ة‪: ‬‬
‫))‬
‫إليه‪  : ‬أ ْن َق َر َ‬
‫((‬

‫(?) صحيح ‪ :‬أخرجه أحمد ( ج ‪ ، )1/15‬وابن حبان (‪ -589‬موارد ) ‪ ،‬وأبو عوانة‬ ‫‪1‬‬

‫( ج ‪ 1‬ص ‪. )175‬‬
‫(?) أخرجه البخاي (‪ ، )13/7510‬ومسلم ( ج ‪ - 1‬إيمان ‪. )326‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) صحيح أخرجه أحمد ( ج ‪/3‬ص‪. )325‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) رواه البخ اري (‪ ( )6/154‬رقم الح ديث ‪ ، )3019‬ومس لم ( ج ‪ - 4‬الس الم ‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪- 70 -‬‬
‫‪ ‬فأوحى اللَّه إليه‪ : ‬فهال نملةً واحد ًة‪. )5(  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫فس بحان من مل متنعه عظمته وكربيائه من رمحة الض عيف الص غري من خلقه‬
‫حىت يعاتب نبيًا له من أجل ٍ‬
‫منل‪ ، ‬ال حول له وال قوة إال بربه‪. ‬‬
‫ثالثًا ‪ :‬ليس كمثله شيء في رحمته‪: ‬‬
‫وذلك من عدة أوجه ‪:‬‬
‫أوالً‪ : ‬رمحة اخللق خملوقة فتوجد بوج ودهم وتفىن بفن ائهم‪ ، ‬أما رمحة اللَّه‬
‫عز وجل فإهنا ص فة ذاتية له ال تفىن وال تبي د‪ ، ‬ق ال تع اىل‪ُ  { : ‬ك ُّل َم ْن َعلَْي َها‬
‫ْجالَ ِل َواِإل ْك َر ِام‪ [ } ‬الرمحن‪. ] 27 ،26 : ‬‬ ‫فَ ٍ‬
‫ك ذُو ال َ‬
‫ان (‪َ )26‬و َي ْب َقى َو ْجهُ َربِّ َ‬
‫ثانيً ا‪ : ‬رمحة اخللق قليلة حمدودة‪ ، ‬أما رمحة اللَّه فقد وس عت كل ش يء‪، ‬‬
‫حال دون آخر‪ ، ‬فريمحون القريب‬ ‫فكل يرحم بقدر قدرته‪ ، ‬فالناس يرمحون يف ٍ‬
‫ٌ‬
‫دون الغ ريب‪ ، ‬ويرمحون احلبيب دون الع دو‪ ، ‬أما رمحة اللَّه عز وجل فقد‬
‫ت ُك َّل َش ْي ٍء‪[ } ‬األعراف‪.] 156 : ‬‬
‫مجيعا‪ ، ‬قال تعاىل‪َ  { : ‬و َر ْح َمتِي َو ِس َع ْ‬
‫عمت اخللق ً‬
‫َّ‬
‫ثالثً ا‪ : ‬رمحة الن اس ختتلط باللهفة والض عف ملن ي رحم‪ ، ‬ف األم إذا م رض‬
‫ول ُدها حتزن‪ ، ‬وإذا غ اب عنها تقلق وإذا م ات هلعت‪ ، ‬وذلك من حبها له‬
‫ورمحتها علي ه‪ ، ‬وقد بكى النيب ص لى اهلل عليه وس لم عند م وت ابنه إب راهيم‪، ‬‬
‫وحزن عليه‪ ، ‬وذلك من رمحته به صلى اهلل عليه وسلم‪. ‬‬
‫عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم دخل‬
‫على ابنه إب راهيم رضي اهلل عنه وهو جيود بنفس ه‪ ، ‬فجعلت عينا رس ول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم تذرفان‪ ، ‬فقال له عبد الرمحن بن عوف‪ : ‬وأنت يا رسول‬

‫‪ ، )148‬وغيرهما ‪.‬‬
‫(?) صحيح ‪ .‬أخرجه البخاري ( ج ‪ ، )6/3319‬ومسلم ( ج ‪ - 4‬السالم ‪. )150 -‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪- 71 -‬‬
‫اهلل‪ ‬؟ فق ال‪  : ‬يا ابن ع وف‪ ، ‬إنها رحمة‪ .   ‬مث أتبعها ب أخرى‪ ، ‬فق ال‪  : ‬إن‬
‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫العين تدمع‪ ، ‬والقلب يحزن‪ ، ‬وال نقول إال ما يرضي ربن ا‪ ، ‬وإنا لفراقك يا‬
‫إبراهيم لمحزونون‪. )1(  ‬‬ ‫))‬

‫ولكن اللَّه جل جالله ال حيزن وال يتأمل وال يبكي وال يقلق‪ ، ‬وال يتلهف‪،‬‬
‫وهك ذا ما هلذه الص فات من نقص وض عف ال خيفى على كل عاقل أن ه ذا ال‬
‫يليق باللَّه س بحانه وحبم ده‪ . ‬إمنا ي رحم من ق وة‪ ، ‬ويعفو من ق درة‪ ، ‬ويغفر يف‬
‫عزة وال يُسأل عما يفعل وهم يسألون‪. ‬‬
‫َّ‬
‫رابعا ‪ :‬ال تقنطوا من رحمة اللَّه‪: ‬‬
‫ً‬
‫َأس َرفُوا َعلَى َأْن ُف ِس ِه ْم الَ َت ْقنَطُ وا ِم ْن‬
‫ين ْ‬
‫ق ال تع اىل‪ { : ‬قُ ل يا ِعب ِاد َّ ِ‬
‫ي الذ َ‬ ‫َْ َ َ‬
‫الذنُوب ج ِميعا ِإنَّه هو الْغَ ُفور َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يم‪ [ } ‬الزمر‪ . ] 53 : ‬قال‬ ‫الرح ُ‬ ‫ُ‬ ‫َر ْح َمة اللَّه ِإ َّن اللَّهَ َي ْغف ُر ُّ َ َ ً ُ ُ َ‬
‫النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬لو يعلم الم ؤمن ما عند اللَّه من العقوبة ما‬
‫((‬

‫طمع بجنته أحد‪ ، ‬ولو يعلم الكافر ما عند اللَّه من الرحمة ما قنط من جنته‬
‫أحد‪. )2(  ‬‬
‫))‬

‫ول ذا ف إن القن وط من رمحة اللَّه من عالم ات الكفر والض الل‪ ، ‬وما يقنط‬
‫من رمحة اللَّه عز وجل إال رج ٌل من اث نني ‪ :‬ض ال ‪ ،‬أو ك افر ‪ ،‬ق ال تع اىل‪: ‬‬
‫ط ِم ْن َر ْح َم ِة َربِِّه ِإالَّ الضَّالُّو َن‪ [ } ‬احلجرات‪. ] 56 : ‬‬
‫{‪َ  ‬و َم ْن َي ْقنَ ُ‬
‫وقد نصح يعقوب عليه السالم بنيه بأال ييأسوا من روح اللَّه ً‬
‫أبدا‪ ، ‬وذلك‬
‫س ِم ْن َر ْو ِح اللَّ ِه ِإالَّ الْ َق ْو ُم‬ ‫َّ ِ ِإ‬ ‫ِ‬
‫سوا م ْن َر ْو ِح الله نَّهُ الَ َي ْيَئ ُ‬
‫يف قوله تعاىل‪َ  { : ‬والَ َت ْيَئ ُ‬
‫الْ َكافِ ُرو َن‪ [ } ‬يوسف‪. ] 87 : ‬‬

‫(?) رواه البخاري ‪ ،‬وروى بعضه مسلم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه مسلم (‪ )4/2755‬عن العالء عن أبيه عن أبي هريرة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 72 -‬‬
‫عن جن دب أن رس ول اللَّه ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪  : ‬أن رجالً ق ال‪: ‬‬
‫((‬

‫واللَّه ال يغفر اللَّهُ لفالن‪ ، ‬وإن اللَّه تع الى قال‪ : ‬من ذا ال ذي يت ألى َّ‬
‫علي أن‬
‫وأحبطت عملك‪. )1(  ‬‬
‫))‬
‫ُ‬ ‫غفرت لفالن‬
‫ُ‬ ‫ال أغفر لفالن‪ ، ‬فإني قد‬
‫وعن أيب هري رة رضي اللَّه عنه وقد ق ال لضمضم بن ج وس اليم امي‪ : ‬يا‬
‫ولن لرج ل‪ : ‬واللَّه ال يغفر اللَّه ل ك‪ ، ‬أو ال ي دخلك اهلل اجلنة أب ًدا‪. ‬‬
‫ميامي ال تق َّ‬
‫فق ال ل ه‪ : ‬يا أبا هري رة‪ ، ‬إن ه ذه الكلم ة‪ ، ‬يقوهلا أح دنا ألخيه وص احبه‪ ، ‬إذا‬
‫غض ب‪ ، ‬ق ال أبو هري رة‪ : ‬فال تقله ا‪ ، ‬ف إين مسعت النيب ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫يقول‪  : ‬كان في بني إسرائيل رجالن ؛ كان أحدهما مجته ًدا في العبادة‪، ‬‬ ‫((‬

‫وك ان اآلخر مس رفًا على نفس ه‪ ، ‬فكانا مت آخين‪ ، ‬فك ان المجتهد ال ي زال‬
‫ي رى اآلخر على ذنب‪ ، ‬فيق ول‪ : ‬يا ه ذا أقص ر‪ ، ‬فيق ول‪ : ‬خلَّني وربي‪، ‬‬
‫يوما على ذنب استعظمه‪ ، ‬فقال له‪: ‬‬ ‫علي رقيبًا‪ ‬؟ قال‪ : ‬إلى أن رآه ً‬
‫أبعثت َّ‬
‫علي رقيبً ا‪ ‬؟ ق ال‪ : ‬فق ال‪ : ‬واللَّه‬
‫ويحك أقص ر‪ ، ‬ق ال‪ : ‬خلَّني وربِّي ابعثت َّ‬
‫ال يغفر اللَّهُ ل ك‪ ، ‬أو ال ي دخلك اللَّه الجنة أب ًدا‪ ، ‬ق ال أح دهما‪ : ‬ق ال‪: ‬‬
‫فبعث اللَّه إليهما َملَ ًكا فقبض أرواحهما واجتمعا عن ده‪ ، ‬فق ال للم ذنب‪: ‬‬
‫عالم ا‪ ‬؟ أكنت‬
‫اذهب فادخل الجنة برحم تي‪ ، ‬وق ال لآلخ ر‪ : ‬أكنت بي ً‬
‫على ما في ي دي خازنً ا‪ ‬؟ اذهب وا به إلى الن ار‪ . ‬ق ال‪ : ‬فوال ذي نفس أبي‬
‫القاسم بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته‪. )2(  ‬‬
‫))‬

‫خامسا ‪ :‬من أسباب الحرمان من رحمة اللَّه تبارك وتعالى‪: ‬‬


‫ً‬
‫فب الرغم من س عة رمحة اللَّه وعظمتها‪ ، ‬إالَّ أن هناك من الناس من حرموا‬

‫(?) صحيح أخرجه مسلم (‪ ، )4/137‬البر والصلة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) حسن ‪ .‬أخرجه أحمد (ج‪. )16/8275‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 73 -‬‬
‫أنفسهم منها بذنوهبم‪ ، ‬وسنذكر فيما يلي جانبًا منهم‪: ‬‬
‫أوالً‪ : ‬من ال َيرحم ال ُيرحم‪: ‬‬
‫ول اللَّه ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫عن أيب هري رة رضي اهلل عنه ق ال‪ : ‬قبَّ َل رس ُ‬
‫جالس ا‪ ، ‬فق ال األق رع‪ : ‬إن‬
‫علي وعن ده األق رع بن ح ابس التميمي ً‬
‫احلسن بن ٍّ‬
‫لت منهم أح ًدا‪ . ‬فنظر إليه رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬ ‫يل عش رة من الولد ما قبَّ ُ‬
‫وس لم مث ق ال‪  : ‬من ال َي ْر َح ُم‪ ، ‬ال ُي ْر َحم‪ ، )1(  ‬ومِلَ ي رحم اللَّه من مل ي رحم‬
‫))‬ ‫((‬

‫عباده الذين خلقهم بيده ونفخ فيهم من روحه‪ ‬؟ وقد قال النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪  : ‬ال يرحم اللَّه من ال يرحم الناس‪. )2(  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫ثانيا‪ : ‬تعذيب الناس‪: ‬‬


‫ً‬
‫غالما يل‬
‫فعن ابن مس عود الب دري رضي اهلل عنه ق ال‪ : ‬كنت أض رب ً‬
‫ِ‬
‫بالسوط‪ ، ‬فسمعت صوتًا من خلفي‪  : ‬ا ْعلَ ْم أبا مسعود أن اللَّهَ ُ‬
‫أقدر عليك‬ ‫((‬

‫منك على ه ذا الغالم‪ .   ‬فقلت‪ : ‬ال أض رب مملو ًكا بع ده أب ًدا‪ . ‬ويف رواي ة‪: ‬‬
‫))‬

‫ك‬‫حر لوجه اللَّه‪ ، ‬فق ال‪  : ‬أما لو لَ ْم َت ْف َعل لَلَ َف َح ْت َ‬


‫((‬
‫فقلت‪ : ‬يا رسول اللَّه‪ ، ‬هو ٌ‬
‫النار‪. )3(  ‬‬
‫ك ُ‬
‫))‬
‫س ْت َ‬
‫النار أو لَ َم َّ‬
‫ُ‬
‫وعن هش ام بن حكيم بن ح زام رضي اهلل عنهما ق ال‪ : ‬أش هد لس معت‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‪  : ‬إن اللَّه يُ ِّ‬
‫عذب الذين يُع ّذبون الناس‬ ‫((‬

‫في الدنيا‪.)4(  ‬‬


‫))‬

‫(?) أخرجه البخاي (‪. )5997‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرجه البخاري (‪ )13/358‬الحديث رقم (‪. )7376‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪- 74 -‬‬
‫ثالثًا‪ : ‬تعذيب الحيوانات‪: ‬‬
‫فقد ح َّرم اللَّه تع ذيب احلي وان واحلش رات‪ ، ‬ويع اقب من فعل ذلك ؛ فعن‬
‫ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪  : ‬عُ ِّذبت‬
‫((‬

‫ت فيها الن ار‪ ، ‬ال هي أطعمتها‬‫دخلَ ْ‬


‫تف َ‬ ‫ام رأةٌ في ِه َّرة‪ : ‬حبس تها ح تى م اتَ ْ‬
‫وسقتها إذ هي حبستها‪ ، ‬وال هي تركتها تأكل من َخ َش ِ‬
‫اش األرض‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫رابعا‪ : ‬االختالف والفرقة‪: ‬‬


‫ً‬
‫وكفى بنزع الرمحة عن املختلفني ثالثة أمور كل منها أشد من األخرى‪. ‬‬
‫األولى‪ : ‬حرمان المغفرة‪: ‬‬
‫عن أيب هري رة رضي اهلل عنه أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪: ‬‬
‫عبد ال يُش رك‬ ‫لكل ٍ‬ ‫ِ‬
‫الجنة ي وم االث نين وي وم الخميس فيُغ َف ُر ِ‬ ‫واب‬
‫‪ُ  ‬ت ْفتَح أب ُ‬ ‫((‬

‫باللَّه ش يًئا إال رجالً ك انت بينه وبين أخيه ش حناء‪ ، ‬فيق ال‪ِ : ‬‬
‫أنظ ُروا َه َذيْ ِن‬
‫حتى يصطلحا‪ ، ‬أنظروا هذين حتى يصطلحا‪. )2(  ‬‬
‫))‬

‫الهدى‪: ‬‬
‫الثانية‪ : ‬ضياع ُ‬
‫عن ابن عب اس رضي اهلل عنهما ق ال‪ : ‬ملا ح ِ‬
‫ض َر رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬ ‫ُ‬
‫وس لم ويف ال بيت رج ال فيهم عم ُر بن اخلط اب‪ ، ‬ق ال النيب ص لى اهلل عليه‬
‫لم أكتب لكم كتابًا ال تضلوا بعده‪ .   ‬فقال عمر‪ : ‬إن النيب صلى‬
‫))‬ ‫وسلم‪َ   : ‬ه َّ‬
‫((‬

‫كتاب اللَّه‪. ‬‬
‫ُ‬ ‫حس ُبنَا‬
‫اهلل عليه وس لم قد غلب عليه الوج ع‪ ، ‬وعن دكم الق رآن‪ْ ، ‬‬
‫فاختلف أهل البيت فاختصموا‪ . ‬منهم من يقول‪ِّ : ‬قربُوا يكتب لكم النيب صلى‬
‫اهلل عليه وس لم كتابًا لن تض لوا بع ده‪ . ‬ومنهم من يق ول ما ق ال عم ر‪ . ‬فلما‬

‫(?) متفق عليه ‪ ،‬وخشاش األرض ‪ :‬هوامها ‪ ،‬وحشراتها ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه مسلم ‪ ،‬والشحناء ‪ :‬هي العداوة ‪ ،‬وا ْن ِظروا ‪ ،‬أي ‪ِّ :‬‬
‫أخرُوا ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 75 -‬‬
‫أك ثروا اللغو واالختالف عند النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال رس ول اهلل ص لى‬
‫الرزية ما حال‬
‫اهلل عليه وسلم‪  : ‬قوموا عنِّى‪ .   ‬وكان ابن عباس يقول‪ : ‬إن َّ‬ ‫))‬ ‫((‬

‫بين رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم وبين أن يكتب لهم ذلك الكت اب من‬
‫اختالفهم ولغطهم(‪. )1‬‬
‫الثالثة‪ : ‬إخفاء ليلة القدر عن المسلمين‪: ‬‬
‫عن عب ادة بن الص امت ق ال‪ : ‬خ رج رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫ليخربنا بليلة الق در‪ ، ‬فتالحى رجالن من املس لمني‪ ، ‬فق ال‪  : ‬خ رجت‬
‫((‬

‫ألخبركم بليلة القدر فتالحى فالن وفالن‪َ ، ‬فر ِ‬


‫فعت‪. )2(  ... ‬‬ ‫ُ‬ ‫))‬

‫سادسا ‪ :‬من أسباب رحمة اللَّه لخلقه ‪:‬‬


‫ً‬
‫‪ -1‬طاعة اللَّه ورسوله‪: ‬‬
‫فكلما ك ان العب ُد أك ثر طاعة هلل تب ارك وتع اىل ورس وله ص لى اهلل عليه‬
‫وسلم كلما كان أكثر استحقاقًا لرمحة اللَّه عز وجل‪ . ‬قال تعاىل‪ { : ‬و ِ‬
‫َأطيعُوا‬ ‫َ‬
‫ول ل ََعلَّ ُك ْم ُت ْر َح ُم و َن‪ [ } ‬آل عم ران‪ . ] 132 : ‬وق ال عز وج ل‪َ  { : ‬و َه َذا‬ ‫الر ُس َ‬ ‫اللَّهَ َو َّ‬
‫اب َأْن َزلْنَاهُ ُمبَ َار ٌك فَاتَّبِ ُعوهُ َو َّات ُقوا ل ََعلَّ ُك ْم ُت ْر َح ُمو َن‪ [ } ‬األنعام‪. ] 155 : ‬‬ ‫ِ‬
‫كتَ ٌ‬
‫‪ -2‬اإلحسان‪: ‬‬
‫ين‪} ‬‬ ‫ِِ‬ ‫قال اللَّه تبارك وتعاىل‪ِ { : ‬إ َّن رحم ةَ اللَّ ِه قَ ِر ِ‬
‫[‪ ‬األع راف‪: ‬‬
‫يب م َن ال ُْم ْحس ن َ‬
‫ٌ‬ ‫ََْ‬
‫‪ ، ] 56‬وق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬إن اللَّه كتب اإلحس ان على كل‬
‫((‬

‫الق ْتلة‪ ، ‬وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة‪. )3(  ... ‬‬


‫))‬
‫شيء‪ ، ‬فإذا قتلتم فأحسنوا ِ‬

‫(?) رواه البخاري (‪ - )5669‬كتاب المرض ‪ ،‬وكتاب العلم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه البخاري ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 76 -‬‬
‫‪ -3‬تقوى اللَّه تبارك وتعالى‪: ‬‬
‫وسعت كل شيء ومشلت الرب والفاجر‪ ، ‬واملسلم‬ ‫ْ‬ ‫فإن كانت رمحة اللَّه قد‬
‫والك افر‪ ، ‬فما من أحد إال وهو يتقلب يف رمحة اللَّه آن اء الليل وأط راف النه ار‬
‫وه ذا يف ال دنيا وتلك هي الرمحة العام ة‪ ، ‬أما الرمحة اخلاصة ب دخول اجلنة يف‬
‫اآلخرة فهي للمؤمنني واملتقني وحدهم‪ . ‬قال تعاىل‪َ  { : ‬و َر ْح َمتِي َو ِس َع ْ‬
‫ت ُك َّل‬
‫ين ُه ْم بِآيَاتِنَا ُيْؤ ِمنُ و َن‪} ‬‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ‬
‫الز َك ا َة َوالذ َ‬ ‫س َأ ْكتُُب َها للَّذ َ‬
‫ين َيَّت ُق و َن َو ُيْؤ تُ و َن َّ‬
‫َش ْيء فَ َ‬
‫[‪ ‬األعراف‪. ] 156 : ‬‬
‫‪ -4‬صلة الرحم‪: ‬‬
‫عن عبد الرمحن بن عوف رضي اهلل عنه قال‪ : ‬مسعت رسول اهلل صلى اهلل‬
‫خلقت ال َّر ِح َم‬
‫ُ‬ ‫عليه وس لم يق ول‪  : ‬ق ال اللَّه‪ : ‬أنا اللَّه‪ ، ‬وأنا ال رحمن‪، ‬‬ ‫((‬

‫اسما من اسمي‪ ، ‬فَ َم ْن وصلها َوصلتُه‪ ، ‬ومن قطعها بتَتُّه‪. )1(  ‬‬


‫))‬
‫وشققت لها ً‬
‫ُ‬
‫وبَتَتُّه‪ : ‬أي قطعتُه‪. ‬‬
‫ف انظر أخي الك رمي إىل ه ذه الش كوى املرة من ال رحم املقطوعة إىل اللَّه‪، ‬‬
‫وانظر أحتب أن تكون من الواصلني للرحم أم من القاطعني‪. ‬‬
‫مش َجنَةٌ‬
‫وعن أيب هريرة عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪ : ‬إن الرحم ْ‬
‫رب إين‬ ‫لمت‪ ، ‬يا ِّ‬ ‫ِ‬
‫رب إين ظُ ُ‬
‫ت‪ ، ‬يا ِّ‬
‫رب‪ ، ‬إين قُط ْع ُ‬ ‫من ال رمحن‪ ، ‬تق ول‪ : ‬يا ِّ‬
‫ض ْي َن‬ ‫((‬ ‫رب‪ ، ‬فيُ ِجيبُها رهُّب ا عز وج ل‪ ، ‬فيق ُ‬
‫ول‪  : ‬أما َت ْر َ‬ ‫رب‪ ، ‬يا ِّ‬
‫إيل‪ ، ‬يا ِّ‬
‫ُأس َئ َّ‬
‫أصل من وصلك وأقطع من قطعك‪ ‬؟‪ . )2(  ‬ويف رواية‪  : ‬أال ترضين أن‬
‫((‬ ‫))‬
‫أن ِ‬

‫(?) ص حيح ‪ .‬أخرج ه الترم ذي ( ج ‪ ، )1907/ 4‬وأحم د ( ج ‪ ، )3/1686‬وأب و‬ ‫‪1‬‬

‫داود ( ج ‪ ، )2/1694‬والحميدي ( ج ‪. )65/ 1‬‬


‫(?) ص حيح ‪ .‬أخرج ه أحم د (ج‪ ، )19/9871‬والبخ اري في األدب المف رد (ص‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ، )36/35‬والحاكم (ج‪ 4‬ص‪ ، )162‬وابن حبان ‪.‬‬

‫‪- 77 -‬‬
‫أصل من وص لك‪ ، ‬وأقطع من قطع ك‪ ‬؟ ق الت‪ : ‬بلى يا رب‪ ، ‬ق ال‪: ‬‬
‫س ْيتُ ْم ِإ ْن َت َولَّْيتُ ْم َأ ْن‬
‫ف ذاك‪ .  ‬ق ال أبو هري رة‪ : ‬اق رؤا إن ش ئتم‪َ  { : ‬ف َه ْل َع َ‬ ‫))‬

‫ض َو ُت َقطِّعُوا َْأر َح َام ُك ْم‪ [ } ‬حممد‪. )1(] 22 : ‬‬


‫اَألر ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُت ْفس ُدوا في ْ‬
‫‪ -5‬التماس مرضاة اللَّه‪: ‬‬
‫ليلتمس مرضا َة‬
‫ُ‬ ‫عن ثوبان عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪  : ‬إن العبد‬
‫((‬

‫زال ب ذلك‪ ، ‬فيق ول اللَّهُ ع َّز وج َّل لجبري ل‪ : ‬إن فالنًا عب دي‬
‫اللَّه‪ ، ‬وال ي ُ‬
‫يلتمس أن يرض يني‪ ، ‬أال وإن رحم تي علي ه‪ ، ‬فيق ول جبري ل‪ : ‬رحمة اللَّه‬
‫على فالن‪ ، ‬ويقولها حملة الع رش‪ ، ‬ويقولها من ح ولهم ح تى يقولها أهل‬
‫ط له إلى األرض‪. )2(  ‬‬ ‫))‬
‫ِ‬
‫السماوات السب ِع‪ ، ‬ثم تَهبِ ُ‬
‫‪ -6‬الصبر على االبتالء‪: ‬‬
‫الصابِ ِرين (‪ )155‬الَّ ِذين ِإ َذا َأصاب ْت ُهم م ِ‬
‫ص يبَةٌ قَ الُوا ِإنَّا‬ ‫ََ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ش ِر َّ َ‬ ‫قال تعاىل‪َ  { : ‬وبَ ِّ‬
‫ك‬‫ات ِم ْن َربِّ ِه ْم َو َر ْح َم ةٌ َوُأولَِئ َ‬
‫ص لَ َو ٌ‬ ‫اجعُ و َن (‪ُ )156‬أولَِئ َ‬
‫ك َعلَْي ِه ْم َ‬
‫لِلَّ ِه وِإنَّا ِإل َْي ِه ر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ُه ُم ال ُْم ْهتَ ُدو َن‪ [ } ‬البقرة‪. ] 157 -155 : ‬‬
‫ص لَ َو ٌ ِ ِ‬ ‫ق ال ابن كث ري‪ُ { : ‬أولَِئ َ‬
‫ك َعلَْي ِه ْم َ‬
‫ات م ْن َربِّه ْم َو َر ْح َم ةٌ‪ } ‬أي‪ : ‬ثن اءً‬
‫عليهم‪ ، ‬وقال سعيد بن جبري‪ : ‬أي َأمنَة من العذاب(‪. )3‬‬
‫ومن رحمة اللَّه بمن اس ترجع عند المص يبة أنه يخلف له خ ًيرا منه ا‪. ‬‬
‫عن أم سلمة رضي اهلل عنها أهنا قالت‪ : ‬مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬

‫(?) صحيح ‪ .‬أخرجه البخاري ( ج ‪ ، )4830 / 8‬ومس لم ( ج ‪ -4‬ال بر والص لة ‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ )16‬وغيرهما ‪.‬‬
‫(?) صحيح ‪ .‬أخرجه أحمد (‪. )5/279‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) تفسير ابن كثير (‪. )1/188‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 78 -‬‬
‫عبد تصيبه مصيبة فيق ول‪ : ‬إنا هلل وإنا إليه راجع ون‪ ، ‬اللهم‬ ‫يق ول‪  :‬ما من ٍ‬ ‫((‬

‫أج رني في مص يبتني واخلف لي خ ًيرا منه ا‪ ، ‬إال أج ره اللَّه في مص يبته‬


‫قلت كما أمرين رسول‬ ‫خيرا منها‪ .   ‬قالت‪ : ‬فلما تُويِّفَ أبو سلمة ُ‬
‫))‬
‫وأخلف له ً‬
‫خريا منه‪ ، ‬رسول اللَّه صلى اهلل عليه‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ، ‬فأخلف اللَّهُ يل ً‬
‫وس لم(‪ . )1‬فيا لس عادة أم س لمة‪ ، ‬فقد تزوجها النيب ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫بصربها‪. ‬‬
‫‪ -7‬رحمة الناس‪: ‬‬
‫فعن عبد اللَّه بن عم رو عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم أنه ق ال وهو على‬
‫املنرب‪  : ‬ارحموا ُت ْر َح ُموا‪ ، ‬واغفروا َيغْ ِفر اللَّهُ لكم‪. )2(  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫من أسامة بن زيد رضي اهلل عنها أن صبيًا قد ُرفع يف حجر النيب صلى اهلل‬
‫عليه وس لم ونفسه تقعقع ففاضت عينا النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪ ، ‬فق ال له‬
‫سعد‪ : ‬ما هذا يا رسول اللَّه‪ ‬؟ قال‪  : ‬هذه رحمةٌ وضعها اللَّهُ في قلوب من‬
‫((‬

‫شاء من عباده وال يرحم اللَّه من عباده إال الرحماء‪.   ‬‬


‫))‬

‫يرحم اللَّه من عباده الرحماء‪. )3(  ‬‬


‫))‬
‫ويف رواية‪  : ‬إنما ُ‬ ‫((‬

‫‪ ‬من رحم ُرحم ومن تج اوز تج اوز اللَّهُ عنه‪  ‬واجلزاء من جنس‬
‫))‬ ‫((‬

‫العمل‪. ‬‬
‫فعن أيب مس عود األنص اري رضي اهلل عنه ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل‬

‫(?) أخرجه مسلم (‪. )918‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرجه أحمد (‪ ، )219 ،2/165‬والبخاري في األدب المفرد (‪ ، )380‬وانظ ر‬ ‫‪2‬‬

‫الصحيحة (‪.)480‬‬
‫(?) أخرجه البخاري (‪ ، )7448 ،7377 ،6655( )6602 ،5655 ،1284‬ومسلم‬ ‫‪3‬‬

‫(‪ ، )923‬وتقعقع ‪ :‬أي في سكرات الموت ‪.‬‬

‫‪- 79 -‬‬
‫عليه وس لم‪  : ‬ح ِ‬
‫وس ب رج ٌل ممن ك ان قبلكم‪ ، ‬فلم يوجد له من الخ ير‬ ‫ُ‬ ‫((‬

‫ط الن اس‪ ، ‬وك ان موس ًرا‪ ، ‬فك ان ي أمر غلمانه أن‬


‫ش يءٌ إال أنه ك ان يخال ُ‬
‫يتجاوزوا عن المعسر‪ ، ‬قال‪ : ‬قال اللَّه عز وجل‪ : ‬نحن أحق بذلك منه‪، ‬‬
‫تجاوزوا عنه‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫قد يعجب املرءُ من رمحة اللَّه بعب ٍد جتاوز عن فقري فيك افؤه بالنج اة من‬
‫الن ار واخلل ود يف اجلن ة‪ ، ‬ولكنه يك ون أك ثر عجبًا حني ي رحم اللَّهُ ام رأة من‬
‫البغايا ويغفر هلا من أجل ش ربة م اء س قتها لكلب‪ ، ‬فما أرحم اللَّه‪ ، ‬وما‬
‫أكرمه‪ ، ‬وما أعظمه‪. ‬‬
‫فعن أيب هري رة رضي اهلل عنه ق ال‪ : ‬ق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪: ‬‬
‫العطش إذ رأته بَ ِغ ُّي من بغايا ب ني‬
‫ُ‬ ‫ف بَركِيَّ ٍة قد ك اد يقتله‬
‫‪ ‬بينما كلب يُطَيِّ ُ‬‫((‬

‫إسرائيل‪ ، ‬فنزعت موقها فاستقت له به فسقته‪َ ، ‬فغُِفر لها به‪. )2(  ‬‬


‫))‬

‫‪ -8‬من جوائز الرحمن لمن رحم إخوا َنه‪: ‬‬


‫فمن رحم الناس رمحه اهلل‪ ، ‬ومن قضى حاجة إخوانه‪ ، ‬قضى اللَّه حاجته‪،‬‬
‫ومن أحسن إىل الناس‪ ، ‬أحسن اللَّه إليه‪ ، ‬واجلزاء من جنس العمل‪. ‬‬
‫ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬أحب الن اس إلى اللَّه تع الى‬
‫((‬

‫أنفعهم للن اس‪ ، ‬وأحب األعم ال إلى اللَّه ع َّز وج َّل س رور يدخله على‬
‫جوع ا‪ ، ‬وألن‬
‫المسلم أو يكشف عنه كربة أو يقضي عنه دينًا أو يطرد عنه ً‬
‫إلي من أن اعتكف في ه ذا المس جد‬
‫أمشي مع أخي في حاجة أحب َّ‬

‫(?) صحيح ‪ .‬أخرجه مسلم (ج ‪ - 3‬المساقاة ‪ ، )30 -‬والبخاري في األدب المفرد (‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ، )293‬والترمذي (ج ‪ ، )3/1307‬وأحمد ( ج ‪. )118/ 4‬‬


‫(?) متفق عليه ‪ ،‬يطيف ‪ :‬يدور حول ((‪َ  ‬ر ِكيَّه‪ )) ‬وهي البئر ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 80 -‬‬
‫هرا‪ ، ‬ومن ك َّ‬
‫ف غض به س تر اهلل عورت ه‪ ، ‬ومن كظم غيظه ولو ش اء أن‬ ‫ش ً‬
‫اء ي وم القيام ة‪ ، ‬ومن مشى مع أخيه في‬
‫يمض يه أمض اه‪ ، ‬مأل اهلل قلبه رج ً‬
‫حاجة ح تى تُهيأ له أثبت اللَّه قدمه ي وم ت زول األق دام‪ ، ‬وإن س وء الخلق‬
‫يفسد العمل كما يفسد الخل العسل‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪: ‬‬
‫‪ ‬المس لم أخو المس لم‪ ، ‬ال يظلمه وال يس لمه‪ ، ‬من ك ان في حاجة أخيه‬ ‫((‬

‫فر َج اللَّه عنه كربة من‬


‫كان اللَّه في حاجته‪ ، ‬ومن َف َّرج عن مسلم كربة‪َّ ، ‬‬
‫مسلما ستره اللَّه يوم القيامة‪. )2(  ‬‬
‫))‬
‫كرب يوم القيامة‪ ، ‬ومن ستر ً‬
‫‪ -9‬الجماعة رحمة‪: ‬‬
‫ين (‪ِ )118‬إالَّ َم ْن َر ِح َم َربُّ َ‬
‫ك‪ . } ‬قيل يف‬ ‫ِِ‬
‫قال تعاىل‪َ  { : ‬والَ َي َزالُو َن ُم ْختَلف َ‬
‫هذه اآلية املرحومون ال خيتلفون‪. ‬‬
‫وقد ج اء يف بعض احلديث‪  : ‬الجماعة رحمة والفرقة ع ذاب‪ .   ‬وق ال‬
‫))‬ ‫((‬

‫النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬يد اهلل مع الجماعة‪ .   ‬ويقصد باجلماع ة‪ : ‬أي‬
‫))‬ ‫((‬

‫مجاعة املس لمني والرفقة الص احلة ف إن ل زومهم كله خ ري‪ ، ‬ف إهنم ي ذكرونك إن‬
‫ت‪ . ‬فعن عمر بن اخلطاب‬ ‫ِ‬
‫ك إن ُأصْب َ‬
‫واسونَ َ‬
‫ت‪ ، ‬ويُ ُ‬
‫غفلت‪ ، ‬ويعلمونك إن َجه ْل َ‬
‫رضي اهلل عنه ق ال‪ : ‬عليك ب إخوان الص دق تعش يف أكن افهم ف إهنم زينة يف‬
‫الرخ اء‪ ، ‬وعُ َّدةٌ يف البالء‪ ، ‬وال تص احب إال األمني وال أمني إال من خشي اهلل‬
‫عز وجل‪ ، ‬وال تصاحب الفاجر فتتعلم من فجوره‪. ‬‬
‫سابعا ‪ :‬دعاء اللَّه باسميه ‪ ‬الرحمن‪ ، ‬الرحيم‪:   ‬‬
‫))‬ ‫((‬
‫ً‬

‫(?) صحيح ‪ .‬السلسلة الصحيحة رقم (‪. )906‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 81 -‬‬
‫‪ -1‬دعاء الثناء والحمد‪: ‬‬
‫عن أيب هريرة رضي اهلل عنه عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم أنه قال‪ : ‬قال‬
‫اللَّه تعاىل‪  : ‬قسمت الصالة بيني وبين عبدي نصفين‪ ، ‬ولعبدي ما سأل‪، ‬‬ ‫((‬

‫ف إذا ق ال العب د‪ : ‬الحمد هلل رب الع المين‪ ، ‬ق ال اللَّه تع الى‪ : ‬حم دني‬
‫عبدي‪ ، ‬وإذا قال‪ : ‬الرحمن الرحيم‪ . ‬قال اللَّه‪ : ‬أثنى َّ‬
‫علي عبدى‪. )1(  ... ‬‬
‫))‬

‫ضا دعاء المسألة والطلب‪: ‬‬


‫‪ -2‬ومن ذلك أي ً‬
‫قال ابن كثري‪ : ‬قال ابن املبارك‪ : ‬الرمحن إذا ُس ِئل أعطى‪ ، ‬والرحيم إذا مل‬
‫يُسأل يغضب‪ ، ‬وهذا كما جاء يف احلديث عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪: ‬‬
‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬من لم يسأل اللَّهَ يغضب عليه‪. )2(  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫وقال بعض الشعراء‪: ‬‬


‫وسل الذي أبوابه ال حتجب‬ ‫بين آدم حاجة‬ ‫تسألن َّ‬
‫َّ‬ ‫ال‬
‫وبين آدم حني يسأل يغضب‬‫َّ‬ ‫اللَّه يغضب إن تركت سؤاله‬
‫طمعا واش تد فيما‬ ‫فمن ع رف رمحة اللَّه تب ارك وتع اىل َ‬
‫وس َعتَها ازداد فيها ً‬
‫عند اللَّه طلبًا وعزم يف سؤال حاجته‪. ‬‬
‫عن أيب هريرة رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪  : ‬ال‬
‫((‬

‫يقولن أحدكم‪ : ‬اللهم اغفر لي إن شئت‪ ، ‬اللهم ارحمني إن شئت‪ ، ‬ليعزم‬


‫في المس ألة‪ ، ‬فإنه ال مس ت ْك ِ‬
‫ره له‪ .   ‬ويف رواي ة‪  : ‬وليع زم مس ألته إنه يفعل‬
‫((‬ ‫))‬
‫ُ َْ‬
‫ما يشاء ال ُم ْك ِره له‪. )3(  ‬‬
‫))‬

‫(?) صحيح أخرجه مسلم ( ج ‪ - 1‬الصالة ‪ ، )38 -‬وأحمد ( ج ‪. )13/7289‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه الترمذي ‪ ،‬وابن ماجه من حديث أبي صالح الخوزي ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أخرجه البخاري (‪. )7447 ،6339‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 82 -‬‬
‫يب ص لى اهلل عليه وس لم لفاطم ة‪  : ‬ما‬
‫((‬
‫وعن أنس بن مالك ق ال‪ : ‬ق ال الن ُّ‬
‫يمنعك أن تَسمعي ما ُأوصيك به‪ ! ‬أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت‪ : ‬يا‬
‫وم برحمتك أس تغيث‪ ، ‬أص لح لي ش أني كلَّه‪ ، ‬وال تكل ني إلى‬
‫حي يا قي ُ‬
‫ُّ‬
‫نفسي طرفة عين‪. )4(  ‬‬
‫))‬

‫وبنَا َب ْع َد ِإ ْذ‬ ‫ومن دع اء املؤم نني ما ج اء يف قوله تع اىل‪َ  { : ‬ر َّبنَا الَ تُ ِز ْ‬
‫غ ُقلُ َ‬
‫َّاب‪ [ } ‬آل عم ران‪ . ] 8 : ‬وكان من‬ ‫ك َأنْ َ‬
‫ت ال َْوه ُ‬ ‫ب لَنَا ِم ْن لَ ُدنْ َ‬
‫ك َر ْح َم ةً ِإنَّ َ‬ ‫َه َد ْيَتنَا َو َه ْ‬
‫دع اء أص حاب الكهف ملا هج روا ق ومهم خوفًا منهم وهربًا من طغي اهنم‬
‫َّ‬
‫وظلمهم فلم جيدوا مال ًذا إال رمحة اللَّه تع اىل‪ ، ‬ق ال اللَّه عز وج ل‪ْ  { : ‬ذ ََأوى‬
‫ِإ‬
‫ك َر ْح َم ةً َو َهيِّْئ لَنَا ِم ْن َْأم ِرنَا َر َش ًدا‪} ‬‬
‫ف َف َق الُوا َر َّبنَا آتِنَا ِم ْن لَ ُدنْ َ‬
‫ال ِْف ْتي ةُ ِإلَى الْ َك ْه ِ‬
‫َ‬
‫[‪ ‬الكهف‪. ] 10 : ‬‬
‫ين‪. } ‬‬ ‫ت َخ ْير َّ ِ ِ‬ ‫{‪ ‬وقُل ر ِّ ِ‬
‫الراحم َ‬ ‫ب ا ْغف ْر َو ْار َح ْم َوَأنْ َ ُ‬ ‫َ َْ‬
‫‪** ‬‬

‫‪ ‬الملك‪ ، ‬المالك‪ ، ‬المليك‪َّ  ‬‬


‫جل جالله وتقدست أسماؤه‬ ‫))‬ ‫((‬

‫ك‪ : ‬هو التص رف ب األمر والنهي يف اجلمه ور‪ ، ‬وذلك خيتص بسياسة‬ ‫امل ْل ُ‬
‫ُ‬
‫الناطقني‪ ، ‬وهلذا يقال‪ : ‬ملِك الناس‪ ، ‬وال يقال‪ : ‬ملِ‬
‫ك األشياء‪. ‬‬
‫َ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫(?) إسناده حسن ‪ ،‬أخرجه النسائي في ((‪ ‬عمل اليوم والليلة‪ ، )570( )) ‬وابن الس ني‬ ‫‪4‬‬

‫في ((‪ ‬عم ل الي وم والليل ة‪ ، )48( )) ‬وال بزار (‪ (( )3107‬زوائ د‪ ، )) ‬والح اكم (‬
‫‪ ، )1/545‬وال بيهقي في ((‪ ‬األس ماء‪( )) ‬ص‪ )112‬من ط رق عن زي د بن الحب اب‬
‫حدثني عثمان بن موهب الهاشمي ق ال ‪ :‬س معت أنس بن مال ك يق ول ف ذكره ‪ .‬ق ال‬
‫الحاكم ‪ :‬صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ‪.‬‬

‫‪- 83 -‬‬
‫و ‪ ‬امل ْلك‪ ،   ‬و ‪ ‬امللِك‪ ،   ‬و ‪ ‬املليك‪ ،   ‬و ‪ ‬املالك‪ :   ‬ذو امللك‪. ‬‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ك اهلل تع اىل وهو مص در‬ ‫احلق ال دائم هلل‪ .. ‬وامللك وت‪ : ‬خمتص مبِْل ِ‬ ‫ك ُّ‬ ‫وامل ْل ُ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫ك‬‫ك أدخلت فيه الت اء‪ ، ‬حنو‪ : ‬رمحوت‪ ، ‬ورهب وت‪ ، ‬ق ال تع اىل‪َ  { : ‬و َك َذل َ‬ ‫َملَ َ‬
‫ض‪ [ } ‬األنع ام‪ ، ] 75 : ‬واململك ة‪ : ‬س لطان‬ ‫وت َّ ِ‬ ‫ِإ ِ‬
‫اَألر ِ‬
‫الس َم َوات َو ْ‬ ‫نُ ِري ْب َراه َ‬
‫يم َملَ ُك َ‬
‫ك وبقاعه اليت يتملَّكها‪. ‬‬ ‫امللِ ِ‬
‫َ‬
‫ومالك األم ر‪ : ‬ما يُ ْعتَمد عليه من ه‪ ، ‬وقي ل‪ : ‬القلب مالك الجس د‪. ‬‬
‫مبلك عليها يف سياستها‪، ‬‬ ‫الك‪ : ‬التزويج‪ ، ‬وأملَ ُكوه‪َ : ‬ز َّوجوه‪ُ ، ‬ش بِّه الزوج ٍ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫واملِ ُ‬
‫وهبذا النظر قيل‪ : ‬كاد العروس أن يكون َملِ ًكا(‪. )1‬‬
‫قال ابن س يده‪ : ‬امل ْل ك‪ ، ‬وامللك‪ ، ‬واملِْل ك‪ : ‬احت واء الش يء والقدرة على‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫االستبداد به‪. ‬‬
‫ومتلك ه‪ : ‬أي ملكه قه ًرا أو أملكه الش يء وملَّكه إي اه متلي ًكا جعله مل ًكا‬
‫له‪. ‬‬
‫الدليل على ورود هذه األسماء الكريمة‪: ‬‬
‫أما اسم اهلل املل ك‪ ، ‬فقد ج اء يف الق رآن ع دة م رات ؛ منها قوله تع اىل‪: ‬‬
‫ْح ُّق‪ [ } ‬ط ه‪ ، ] 114 : ‬وقوله تعاىل‪ُ  { : ‬ه َو اللَّهُ الَّ ِذي الَ ِإلَهَ‬ ‫{‪َ  ‬فَت َعالَى اللَّهُ ال َْملِ ُ‬
‫ك ال َ‬
‫ك‪ [ } ‬احلشر‪. ] 23 : ‬‬ ‫ِإالَّ ُه َو ال َْملِ ُ‬
‫ين فِي‬ ‫ِ‬
‫وأما اسم املليك فلم ي رد إال مرة واحدة يف قوله تعاىل‪ِ { : ‬إ َّن ال ُْمتَّق َ‬
‫ص ْد ٍق ِع ْن َد ملِ ٍ‬
‫يك ُم ْقتَ ِد ٍر‪ [ } ‬القمر‪. ] 55 -54 : ‬‬ ‫َّات و َن َه ٍر (‪ )54‬فِي م ْقع ِد ِ‬
‫ٍ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َجن َ‬
‫وقد ج اء اسم ‪ ‬املال ك‪  ‬يف احلديث الش ريف‪ . ‬عن أيب هري رة رضي اهلل‬ ‫))‬ ‫((‬

‫(?) المفردات للراغب ( ص ‪. )472‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 84 -‬‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪  : ‬ال مالك إال اللَّه‪. )1(  ‬‬
‫))‬ ‫((‬
‫عنه أن َّ‬
‫المعنى في حق اللَّه عز وجل‪: ‬‬
‫ق ال الزج اج‪ : ‬وق ال أص حاب املع اين‪ : ‬املل ك‪ ، ‬النافذ األمر يف ملكه إذ‬
‫أعم من املالك‪ ، ‬واللَّه‬
‫ليس كل مالك ينفذ أمره أو تصرفه فيما ميلكه‪ ، ‬فامللك ُّ‬
‫تع اىل مالك املالِكني كلِّهم‪ ، ‬وإمنا اس تفادوا التص رف يف أمالكهم من جهته‬
‫تعاىل(‪. )2‬‬
‫ق ال اخلط ايب‪ : ‬املل ك‪ : ‬هو الت ام امللك اجلامع ألص ناف اململوك ات‪ ، ‬فأما‬
‫املالك‪ : ‬فهو خاص امللك(‪. )3‬‬
‫وق ال الليث‪ : ‬امللك هو اللَّه‪ - ‬تع اىل وتق دس‪ - ‬ملك املل وك له امللك‬
‫وهو مالك يوم الدين(‪. )4‬‬
‫وقال ابن جرير‪ : ‬امللك الذي ال ملك فوقه وال شيء إال حتت سلطانه(‪.)5‬‬
‫أي‪: ‬‬ ‫[‪ ‬الحش ر‪] 23 : ‬‬ ‫وقال ابن كثير‪ُ  { : ‬ه َو اللَّهُ الَّ ِذي الَ ِإلَهَ ِإالَّ ُه َو ال َْملِ ُ‬
‫ك‪} ‬‬
‫املالك جلميع األشياء املتصرف فيها بال ممانعة وال مدافعة(‪. )6‬‬
‫ق ال ابن القيم رحمه اللَّه‪ : ‬امللك احلق هو ال ذي يك ون له األمر والنهي‬
‫فيتصرف يف خلقه بقوله وأمره‪ ، ‬وهذا هو الفرق بني امللك واملالك ؛ إذ املالك‬
‫َّ‬
‫هو املتص ِّرف بفعل ه‪ ، ‬وامللك هو املتص ِّرف بفعله وأم ره‪ ، ‬وال رب تع اىل مالك‬

‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) تفسير أسماء هللا الحنى ( ص ‪. )30‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) شأن الدعاء ( ص ‪. ) 40‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) اللسان (‪. )6/4266‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) جامع البيان (‪ )28/36‬بتصرف ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) تفسير ابن كثير (‪. )4/343‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪- 85 -‬‬
‫املتصرف بفعله وأمره(‪. )1‬‬
‫امللك فهو ِّ‬
‫من آثار اإليمان بهذين االسمين الكريمين‬
‫‪ -1‬ال ملك إال اهلل‪: ‬‬
‫عن أيب هري رة رضي اهلل عنه عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم أنه ق ال‪  : ‬ال‬
‫((‬

‫ملك إال اهلل‪. )2(  ‬‬


‫))‬

‫ْك تُْؤ تِي ال ُْمل َ‬ ‫ك الْمل ِ‬ ‫ِ‬


‫ْك‬
‫ْك َم ْن تَ َشاءُ َوَت ْن ِزعُ ال ُْمل َ‬ ‫وقال تعاىل‪ { : ‬قُ ِل اللَّ ُه َّم َمال َ ُ‬
‫ِم َّم ْن تَ َشاءُ َوتُِع ُّز َم ْن تَ َشاءُ َوتُ ِذ ُّل َم ْن تَ َشاءُ بِيَ ِد َك الْ َخ ْي ُر ِإنَّ َك َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير‪} ‬‬
‫[‪ ‬آل عمران‪ . ] 26 : ‬وال ميتلك أح ٌد شيًئا إال من بعد إذنه‪. ‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫قال تعاىل‪َ  { : ‬واللَّهُ ُيْؤ تي ُم ْل َكهُ َم ْن يَ َشاءُ َواللَّهُ َواس ٌع َعل ٌ‬
‫يم‪ [ } ‬البقرة‪. ] 247 : ‬‬
‫فعال لما يريد‪: ‬‬
‫‪َّ -2‬‬
‫‪ -1‬ق ال ابن القيم‪ : ‬امللك احلق هو ال ذي يك ون له األمر والنهي‬
‫فيتصرف يف خلقه بقوله وأمره(‪. )3‬‬
‫َّ‬
‫ول لَهُ ُك ْن َفيَ ُكو ُن‪ [ } ‬يس‪.] 82 : ‬‬ ‫قال تعاىل‪ِ { : ‬إنَّ َما َْأم ُرهُ ِإ َذا ََأر َ‬
‫اد َش ْيًئا َأ ْن َي ُق َ‬
‫يء حتت قه ره وحيدث ب َق َد ِره‬ ‫فامللك احلق هو اللَّه جل جالل ه‪ ، ‬فكل ش ٍ‬
‫ويتح رك ب أمره كما ج اء يف احلديث القدسي أن أبا ذر رضي اللَّه عنه ق ال‪: ‬‬
‫ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪ : ‬يق ول اهلل تع اىل‪  : ‬أفعل ما أري د‪، ‬‬
‫((‬

‫عط ائي كالم‪ ، ‬وع ذابي كالم‪ ، ‬إنما أم ري بش ٍ‬


‫يء إذا أردته أن أق ول له كن‬
‫فيكون‪ . )4(  ‬فقد ملك اللَّه كل ٍ‬
‫شيء بأمره وهنيه وفيما يلي بعض األمثلة على‬ ‫))‬

‫(?) بدائع الفوائد (‪. )4/165‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه مسلم (‪. )2143‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) بدائع الفوائد (‪. )4/165‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أخرجه الترمذي (‪ ، )4/2495‬وأحمد (‪ ، )154 ،5/77‬وابن ماج ه نحوهم ا (‬ ‫‪4‬‬

‫‪. )2/4257‬‬

‫‪- 86 -‬‬
‫ذلك‪: ‬‬
‫‪ -1‬في خلق السماوات واألرض‪: ‬‬
‫ض اْئتِيَا‬
‫َألر ِ‬‫ِ‬ ‫عن ابن‪ ..... ‬رضي اهلل عنهما يف قوله تع اىل‪َ  { : ‬ف َق َ‬
‫ال ل ََها َول ْ‬
‫ين‪ [ } ‬فص لت‪ . ] 11 : ‬ق ال للس ماء‪  : ‬أخ رجي‬ ‫ِئِ‬
‫((‬
‫طَ ْو ًعا َْأو َك ْر ًها قَالَتَا َأَت ْينَا طَ ا ع َ‬
‫أهنارك وأخ رجي‬
‫شمسك وقم رك ونجومك‪ ،   ‬وق ال لألرض‪  : ‬ش قِّقي َ‬
‫((‬ ‫))‬

‫مثارك‪ .   ‬فقالتا‪ : ‬أتينا طائعني(‪. )1‬‬ ‫))‬

‫‪ -2‬في خلق آدم وذريته‪: ‬‬


‫آد َم َخلَ َقهُ ِم ْن ُتر ٍ‬
‫يسى ِع ْن َد اللَّ ِه َك َمثَ ِل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ‬
‫ال لَهُ‬
‫اب ثُ َّم قَ َ‬ ‫َ‬ ‫قال تعاىل‪َّ  { : ‬ن َمثَ َل ع َ‬
‫ُك ْن َفيَ ُكو ُن‪ [ } ‬آل عمران‪. ] ‬‬
‫‪ -3‬في نجاة إبراهيم عليه السالم من النار‪: ‬‬
‫كس ر األص نام اليت تُعبد من دون اهلل أراد قومه أن حيرق وه‪ ، ‬فلما‬
‫فعن دما َّ‬
‫ألق وه يف الن ار ما بعث اهلل رحيًا لتطفئها وال م اءً ليخم دها وال مل ًكا ليُخ رج‬
‫إب راهيم‪ ، ‬إمنا تكلم بكلمة إىل الن ار فخض عت ألمر امللك اجلب ار‪ ، ‬ق ال تع اىل‪: ‬‬
‫يم‪ [ } ‬األنبياء‪. ] 69 : ‬‬ ‫ِإ ِ‬ ‫ِ‬
‫{‪ُ  ‬قلْنَا يَا نَ ُ‬
‫ار ُكوني َب ْر ًدا َو َسالَ ًما َعلَى ْب َراه َ‬
‫‪ -4‬في عقوبة أصحاب السبت‪: ‬‬
‫ملا اعت دى أص حاب الس بت واحت الوا على أمر اهلل فاص طادوا ي وم الس بت‬
‫ع اقبهم اهلل ولكن مِبَ ع اقبهم‪ ‬؟ ع اقبهم بكلمة من ه‪ ، ‬كلمة غ ريت حي اهتم‬
‫وصورهتم وآخرهتم إىل أبشع حال‪ ، ‬فأما صورهتم فتحولت إىل صورة القرود‬
‫وهنايتهم يف جنهم وبئس ال ورد املورود‪ ، ‬وذلك ج زاء ن اقض العه ود‪ ، ‬إهنم‬
‫ين ا ْعتَ َد ْوا ِم ْن ُك ْم فِي َّ‬
‫الس ْب ِ‬
‫ت َف ُقلْنَا ل َُه ْم‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫اليه ود‪ ، ‬ق ال تع اىل‪َ  { : ‬ولََق ْد َعل ْمتُ ُم الذ َ‬

‫(?) أخرجه الحاكم (ج‪ 1‬ص ‪ )27‬وقال ‪ (( :‬تفسير الصحابي عند الشيخين مسند‪. )) ‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 87 -‬‬
‫اها نَ َك ااًل لِ َما َب ْي َن يَ َد ْي َها َو َما َخ ْل َف َها َو َم ْو ِعظَ ةً‬
‫ين (‪ )65‬فَ َج َعلْنَ َ‬ ‫ِ ِئ‬ ‫ِ‬
‫ُكونُ وا ق َر َدةً َخاس َ‬
‫ين‪ [ } ‬البقرة‪. ] 66 ،65 : ‬‬ ‫لِل ِ‬
‫ْمتَّق َ‬
‫ُ‬
‫ين‪} ‬‬ ‫ِ ِئ‬ ‫ِ‬
‫وقال تعاىل‪َ  { : ‬فلَ َّما َعَت ْوا َع َّما ُن ُه وا َع ْن هُ ُقلْنَا ل َُه ْم ُكونُوا ق َر َد ًة َخاس َ‬
‫[‪ ‬األعراف‪. ] 166 : ‬‬
‫س بحان املل ك‪ ، ‬بكلمة منه أص بحوا ق ردة‪ ، ‬ف إن األجس اد ملك هلل فهو‬
‫خالقها ومدبرها ورازقها وملكها وهي تدين له بالوالء والطاعة كبقية خملوقات‬
‫اهلل‪ ، ‬فعندما قال هلم‪ : ‬كونوا قردة استقبلت أجسامهم األمر فأصبحت أجسام‬
‫ق ردة واس تقبلت أي ديهم وأرجلهم األمر فأص بحت أي دي وأرجل ق ردة‪ ، ‬بل‬
‫وقلوهبم أصبحت قلوب قردة‪ ، ‬كما قال جماهد‪. ‬‬
‫سبحان اهلل‪ ، ‬أجسامهم بين أيديهم وقلوبهم في أجوافهم وال يملكون‬
‫منها مثق ال ذرة ويملكها اهلل عز وجل من ف وق س بع س موات بكلمة‬
‫وت ُك ِّل َش ْي ٍء َوِإل َْي ِه ُت ْر َجعُو َن‪. } ‬‬
‫س ْب َحا َن الَّ ِذي بِيَ ِد ِه َملَ ُك ُ‬
‫واحدة‪ { ، ‬فَ ُ‬
‫‪ُ -3‬ذ َّل الملوك بين يدي ملك الملوك جل جالله وتقدست أسماؤه‪: ‬‬
‫ف إن مل وك األرض قد أختص وا يف ال دنيا ب العزة واملنعة والس لطان والق وة‬
‫وهذه نعمة من اهلل عليهم فمن ش كرها فقد فاز ومن كفر تلك النعمة ومل ي ؤد‬
‫ش كر ه ذه اخلصوص ية اختصه اهلل بع ٍ‬
‫ذاب من عن ده‪ ، ‬واجلزاء من اجلنس‬
‫العمل‪ ، ‬فمن ذلك‪. ‬‬
‫ق أبواب السماء دون حاجتهم‪: ‬‬
‫‪َ -1‬غ ْل ُ‬
‫فإن اللَّه عز وجل قد مجع هلم أسباب احلكم والعطاء وجعل بيدهم خزائن‬
‫األرض فمن حجبها عن الض عفاء واملس اكني حجب اهلل عنه ما ينفعه وعطل‬
‫عليه حاجته‪. ‬‬

‫‪- 88 -‬‬
‫فقد قال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬ما من إمام أو ٍ‬
‫وال يغل ُق بابه دون‬ ‫((‬

‫ذوي الحاجة والخل ة‪ ، ‬والمس كنة‪ ، ‬إال أغلق اهلل أب واب الس ماء دون‬
‫خلته‪ ، ‬وحاجته ومسكنته‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫‪ -2‬احتجاب اهلل عنهم يوم القيامة‪: ‬‬


‫فمن ملك من أمر الن اس ش يًئا تَطَلَّع وا إليه ورج وا ما عن ده ف إن حجب‬
‫نفسه عنهم وح رمهم مما يرج ون احتجب اهللُ عنه ي وم القيامة وحرمه مما يرجو‬
‫من النجاة‪. ‬‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬من ولي من أمور المسلمين شيًئا‬
‫((‬
‫فقد قال ُّ‬
‫فاحتجب دون خلتهم‪ ، ‬وحاجتهم ‪ ،‬وفقرهم‪ ، ‬وفاقتهم‪ ، ‬احتجب اهلل عنه‬
‫يوم القيامة دون خلته وحاجته‪ ، ‬وفاقته‪ ، ‬وفقره‪. )2(  ‬‬
‫))‬

‫وق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬ثالثة ال يكلمهم اهلل ي وم القيام ة‪، ‬‬
‫((‬

‫زان‪ ، ‬وملك‬‫وال ي زكيهم‪ ، ‬وال ينظر إليهم‪ ، ‬ولهم ع ذاب أليم‪ : ‬ش يخ ٍ‬
‫َّ‬
‫كذاب‪ ، ‬وعائل مستكبر‪. )3(  ‬‬
‫))‬

‫‪ -3‬يأتي الملوك إلى اهلل مغلولة أيديهم إلى أعناقهم‪: ‬‬


‫رارا طلق اءً يف األرض ال يس ئلهم أح ٌد من اخللق وال‬ ‫فكما ك انوا أح ً‬
‫يتقيدون يف حركتهم كبقية الرعية فإهنم يأتون يوم القيامة مغلولني إىل اهلل عز‬
‫وجل‪. ‬‬

‫(?) صحيح ‪ :‬رواه أحمد في ((‪ ‬مسنده‪ ، )) ‬والترم ذي عن عم ر بن م رة ‪ ،‬وص ححه‬ ‫‪1‬‬

‫األلباني في ((‪ ‬صحيح‪ )) ‬رقم (‪ ، )5561‬و((‪ ‬الصحيحة‪ )) ‬رقم (‪. )630‬‬


‫(?) ص حيح ‪ :‬ألبي داود ‪ ،‬وابن ماج ه ‪ ،‬والح اكم في ((‪ ‬المس تدرك‪ )) ‬عن أبي م ريم‬ ‫‪2‬‬

‫األزدي وص ححه األلب اني في ((‪ ‬ص حيح الج امع‪ )) ‬رقم (‪ ، )6471‬و((‪ ‬الص حيحة‪)) ‬‬

‫رقم (‪. )629‬‬


‫(?) صحيح ‪ :‬رواه مسلم والنسائي عن أبي هريرة ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 89 -‬‬
‫قال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬ما من رجل يلي أمر عش رة فما ف وق‬
‫((‬

‫ذلك إال أتى اللَّهَ مغلولة ي ده إلى عنق ه‪َّ ، ‬‬


‫فكه ب ره أو أوثقه إثم ه‪ ، ‬أولها‬
‫خزي يوم القيامة‪. )1(  ‬‬
‫))‬
‫مالمة‪ ، ‬وأوسطها ندامة‪ ، ‬وآخرها ٌ‬
‫وي ْحرمون من شفاعة النبي صلى اهلل عليه وسلم‪: ‬‬
‫‪ُ -4‬‬
‫فكما أن الظلمة من مل وك األرض ظلم وا الن اس حق وقهم‪ ، ‬ومل يع دلوا‬
‫فيهم بشرع اهلل ومل يَشفع عندهم ضعف الرعية ومسكنتهم فإهنم حُيَْر ُم ون من‬
‫شفاعة النيب صلى اهلل عليه وسلم‪. ‬‬
‫فقد ق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬ص نفان من ُأم تي لن تنالهما‬
‫((‬

‫شفاعتي‪ : ‬إمام ظلوم غشوم‪ ، ‬وكل ٍ‬


‫غال مارق‪. )2(  ‬‬
‫))‬

‫‪ -5‬ال يدخلون الجنة‪: ‬‬


‫نعيما للضعفاء واملساكني‪ ، ‬بل ولكل الرعية‬
‫فكما أن األمن والعدل يكون ً‬
‫وقد ح رمهم منهم امللك الظ امل وغش هم وض يع مص احلهم فإنه حُي رم من دخ ول‬
‫اجلنة‪. ‬‬
‫فقد ق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬ما من عبد يس ترعيه اهلل رعي ة‪، ‬‬
‫((‬

‫حرم اهلل عليه الجنة‪. )3(  ‬‬


‫))‬ ‫يموت يوم يموت‪ ، ‬وهو غاش لرعيته‪ ، ‬إال َّ‬
‫عذابا‪: ‬‬
‫‪ -6‬وهم أشد الناس ً‬
‫فإن أشد الظلم ما كان من ويل األمر وأعظم األمل من اجلور هو أمل تعذيبه‬
‫مفرا‬ ‫َّ‬
‫ملا له من قوة وما عنده من سلطان‪ ، ‬فإن عذب الناس ال جيدون من بطشه ً‬
‫(?) حس ن ‪ :‬أحم د في ((‪ ‬مس نده‪ )) ‬عن أبي أمام ة ‪ ،‬وحس نه األلب اني في ((‪ ‬ص حيح‬ ‫‪1‬‬

‫الجامع‪ )) ‬رقم (‪ ،)5594‬و((‪ ‬الصحيحة‪ )) ‬رقم (‪. )348‬‬


‫(?) حسن ‪ :‬الطبراني في ((‪ ‬الكبير‪ )) ‬عن أبي أمامة ‪ ،‬وحسنه األلب اني في ((‪ ‬ص حيح‬ ‫‪2‬‬

‫الجامع‪ )) ‬رقم (‪ ، )3692‬و((‪ ‬الصحيحة‪ )) ‬رقم (‪. )470‬‬


‫(?) صحيح ‪ :‬رواه البخاري ومسلم عن معقل بن يسار ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 90 -‬‬
‫مفرا من النار‪ . ‬فقد قال النيب‬
‫إال إىل اهلل‪ ، ‬ولذلك فإن الظامل من امللوك لن جيد ًّ‬
‫شها فهو في النار‪. )1(  ‬‬
‫))‬ ‫راع استرعى َر ِعيَّة َفغَ َّ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬أيما ٍ‬ ‫((‬

‫وق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬أشد الن اس ي وم القيامة ع ذابًا إم ام‬
‫((‬

‫جائر‪. )2(  ‬‬
‫))‬

‫ِِ‬
‫وعن حذيفة رضي اللَّه عن ه‪  : ‬ي ؤتى ب الوالة ي وم القيامة ع ادل ْ‬
‫هم‬ ‫((‬

‫وج اِئ ِر ِه ْم‪ ، ‬ح تى يقف وا على جسر جهنم‪ ، ‬فيق ول اللَّه عز وج ل‪ : ‬فيكم‬
‫ائر في حكم ه‪ُ ، ‬م ٍ‬
‫رتش في قض ائه‪ ، ‬ممي ٌل َس ْم َعه أح َد‬ ‫طلب تي‪ ، ‬فال يبقى ج ٌ‬
‫الخص مين إال ه وى في الن ار س بعين خري ًف ا‪ ، ‬وي ؤتى بالرجل ال ذي ض رب‬
‫ف وق الحد فيق ول اللَّه‪ : ‬لم ض ربت ف وق ما أمرت ك‪ ‬؟ فيق ول‪ : ‬يا رب‪، ‬‬
‫وي ْؤ تى‬
‫غضبت لك‪ . ‬فيقول‪ : ‬أكان لغضبك أن يكون أشد من غضبي‪ ‬؟! ُ‬
‫قص َر فيقول‪ : ‬عبدي لِ َم قصرت‪ ‬؟ فيقول‪ : ‬رحمته‪ ، ‬فيقول‪ : ‬أكان‬
‫بالذي َّ‬
‫لرحمتك أن تكون َّ‬
‫أشد من رحمتي‪ ‬؟!‪. )3(  ‬‬ ‫))‬

‫‪ -4‬لمن الملك اليوم‪ ‬؟‬


‫ك‬ ‫ق ال تع اىل‪َ  { : ‬ي ْو َم ُه ْم بَ ا ِر ُزو َن الَ يَ ْخ َفى َعلَى اللَّ ِه ِم ْن ُه ْم َش ْيءٌ لِ َم ِن ال ُْم ْل ُ‬
‫الَْي ْو َم لِلَّ ِه ال َْو ِاح ِد الْ َقهَّا ِر‪ [ } ‬غ افر‪ ، ] 16 : ‬وهو ي وم القيامة ال ذي ي زول فيه كل‬
‫ْح ُّق‬ ‫جل جالله‪ . ‬قال تعاىل‪ { : ‬الْمل ُ ِئ ٍ‬ ‫مالك ومملوك إال ملك امللوك َّ‬
‫ْك َي ْو َم ذ ال َ‬ ‫ُ‬
‫لِ َّلر ْح َم ِن‪ [ } ‬الفرقان‪. ] 26 : ‬‬
‫وعن س هل بن س عد ق ال‪ : ‬مسعت النيب ص لى اهلل عليه وس لم يق ول‪: ‬‬
‫(?) ص حيح ‪ :‬رواه ابن عس اكر عن معق ل بن يس ار ‪ ،‬وص ححه األلب اني في‬ ‫‪1‬‬

‫((‪ ‬صحيح الجامع‪ )) ‬رقم (‪ ، )2710‬و((‪ ‬الصحيحة‪ )) ‬رقم (‪. )1754‬‬


‫(?) حسن ‪ :‬رواه أبو يعلى في ((‪ ‬مسنده‪ ، )) ‬والط براني في ((‪ ‬األوس ط‪ ، )) ‬وأب و نعيم‬ ‫‪2‬‬

‫في ((‪ ‬الحلية‪ )) ‬عن أبي سعيد وحسنه األلباني في ((‪ ‬صحيح الجامع‪ )) ‬رقم (‪. )1012‬‬
‫(?) حسن لغيره ‪ .‬أخرجه أبو يعلى كما في كنز العمال (ج‪. )6/14769‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 91 -‬‬
‫النقى‪ ، ‬ليس‬
‫‪ ‬يُ ْح َش ُر الن اس ي وم القيامة على أرض بيض اء عف راء كقرصة ِّ‬ ‫((‬

‫فيها َعلَ ٌم ألحد‪ ، )1(  ‬ليس عليها مملكة ملل ك‪ ، ‬وال س لطنة ل ذي س لطان‪ ، ‬وال‬
‫))‬

‫قوة حلاكم‪ ، ‬وال حكم لقاضي‪ ، ‬وال قدرة لوايل‪ ، ‬ليس على األرض معلم لذي‬
‫ْح ُّق لِ َّلر ْح َم ِن‪. } ‬‬ ‫تاج وال صوجلان‪ ، ‬و{‪ ‬الْمل ُ ِئ ٍ‬
‫ْك َي ْو َم ذ ال َ‬ ‫ُ‬ ‫عرش وال ٍ‬
‫وعن أيب هري رة رضي اللَّه عنه ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم‪  : ‬يقبض اهلل تب ارك وتع الى األرض ي وم القيام ة‪ ، ‬ويط وي الس ماء‬ ‫((‬

‫بيمينه ثم يقول‪ : ‬أنا الملك‪ ، ‬أين ملوك األرض‪. )2(  ‬‬


‫))‬

‫فقد ذهب املل وك وما ملك وا‪ ، ‬وقد فين احلُ َّكام‪ ، ‬وما حكم وا‪ ، ‬فقد هلك‬
‫ْك يومِئ ٍذ الْح ُّق لِ َّلر ْحم ِن‪. } ‬‬ ‫كسرى وقيصر‪ ، ‬وذي ٍ‬
‫يزن‪ ، ‬وساسان‪ ، ‬و{‪ ‬الْمل ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ُ‬
‫در القائل‪: ‬‬
‫وهلل ُّ‬
‫غر بطيب العيش إنسان‬
‫فال يُ َّ‬ ‫شيء إذا ما مت نقصان‬ ‫لكل ٍ‬
‫سره زمن ساءته أزمان‬
‫من َّ‬ ‫دول‬
‫هي األمور كما شاهدهتا ٌ‬
‫وال يدوم على ٍ‬
‫حال هلا شان‬ ‫وعامل الكون ال تبقى حماسنه‬
‫وأين منهم أكاليل وتيجان‬ ‫ذوو التيجان من مي ٍن‬ ‫أين امللوك ُ‬
‫وأين ما ساسه يف الفرس ساسان‬ ‫وأين ما شاده شدَّاد من ٍ‬
‫إرم‬
‫وشداد وقحطان‬
‫ٌ‬ ‫عاد‬
‫وأين ٌ‬ ‫وأين ما حازه قارون من ذهب‬
‫ض ْوا فكأن الكل ما كانوا‬
‫قَ َ‬ ‫أمر ال َمَر َّد له‬
‫أتى على الكل ٌ‬
‫كما حكى عن خيال الطيف وسنان‬ ‫ك ِ‬
‫وم ْن‬ ‫وص ار ما ك ان من مل ٍ‬
‫ُ‬
‫وَأم كسرى فما آواه إيوان‬
‫َّ‬ ‫كالزمان على ‪َ  ‬د َارا‪  ‬وقائله‬ ‫ملِ‬
‫دار ٍ‬
‫))‬ ‫((‬
‫َ‬

‫(?) رواه البخاري (‪ )13/372‬الرق اق ‪ ،‬ومس لم (‪ )17/134‬ص فة القيام ة واللف ظ‬ ‫‪1‬‬

‫له ‪ ،‬وال َعلَ ُم ‪ :‬أي ليس بها عالمة سكنى أو بناء وال أثر ‪.‬‬
‫(?) أخرجه البخاري (‪ ، )6519 ،4812‬ومسلم (‪ )17/131‬صفة القيامة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 92 -‬‬
‫(‪)1‬‬
‫يوما ومل ميلك الدنيا سليمان‬
‫ً‬ ‫كأن الصعب مل يسهل له سبب‬
‫ق ِل َّلر ْح َم ِن‪} ‬‬
‫{‪ ‬ا ْل ُم ْل ُك َي ْو َمِئ ٍذ ا ْل َح ُّ‬
‫‪ -5‬النهي عن التسمية بملك الملوك‪: ‬‬
‫عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪ : ‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪: ‬‬
‫اسم عند اللَّه‪ .   ‬وقال سفيان غري مرة‪ : ‬أخنع األمساء عند اهلل ‪ ‬رجل‬
‫((‬ ‫‪ ‬أخنع ٍ‬ ‫))‬ ‫((‬

‫تس مى بملك األمالك‪ .   ‬ويف رواي ة‪  : ‬أخ نى األس ماء ي وم القيامة عند اللَّه‬
‫((‬ ‫))‬

‫رجل تسمى بملك األمالك‪. )2(  ‬‬


‫))‬

‫قال سفيان‪ : ‬مثل شاهان شاه‪ : ‬أي ملك امللوك باللغة الفارسية‪. ‬‬
‫فنبه س فيان على أن االسم ال ذي ورد اخلرب بذمه ال ينحصر يف ملك‬
‫األمالك بل كل ما َّأدى معناه بأي لسان كان فهو مراد بالذم(‪. )3‬‬
‫ومعىن أخن ع‪ : ‬أي أوضع اسم وأذله ق ال أبو عبي د‪ : ‬اخلانع ال ذليل وخنع‬
‫الرجل َّ‬
‫ذل‪. ‬‬
‫قال ابن بطال‪ : ‬وإذا كان االسم أذل األمساء كان من تسمى به أشد ذُالً‬
‫حىت أخىن‪ : ‬أي أفحش اسم من اخلنا وهو الفحش يف القول‪. ‬‬
‫وجاء يف رواية مسلم‪  : ‬أغيظ رجل على اهلل يوم القيامة وأخبثه‪.   ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫ق ال ابن حج ر‪ : ‬واس تدل هبذا احلديث على حترمي التس مي هبذا االسم‬
‫ل ورود الوعيد الش ديد‪ ، ‬ويلتحق به ما يف معن اه مثل خ الق اخللق وأحكم‬

‫(?) ش عر ألبي البق اء الرن دي األندلس ي من قص يدته في ((‪ ‬رث اء األن دلس‪ ، )) ‬وق د‬ ‫‪1‬‬

‫حذفت البيت الرابع والخامس حتى ال أطيل على القارئ وهما ‪:‬‬
‫‪ -4‬يمـزق الدهـر حتما كل سابغـة إذا نبت مشـرفيـات وخرصـان‬
‫يزن والغمد غمـدان‬‫كان ابن ذي ٍ‬ ‫‪ -5‬وتنتفي كل سيف للفنـاء ولـو‬
‫(?) رواه البخاري (‪ ، )6206 ،10/6205‬ومسلم (‪. )1243/21‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) فتح الباري (‪ )10/590‬باختصار ‪ ،‬بأي لسان ‪ :‬أي بأي لغة ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 93 -‬‬
‫احلاكمني وسلطان السالطني وأمري األمراء(‪. )1‬‬
‫أيض ا ق ال‪ : ‬ق ال‬
‫وأخ رج اإلم ام أمحد يف مس نده من ح ديث أيب هري رة ً‬
‫رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬اش تد غضب اهلل على من زعم أنه ملك‬
‫((‬

‫األمالك ال ملك إال اهلل‪. )2(  ‬‬


‫))‬

‫‪ -6‬التواضع‪: ‬‬
‫ف إن من ع رف أن اللَّه هو امللك احلق‪ ، ‬فال بد له من أن يتواضع وال يرفع‬
‫نفسه ف وق منزلة العبيد حىت لو ك ان من املل وك فإنه ال يع دو كونه عب ًدا فق ًريا‬
‫يقع حتت قهر اهلل وسلطانه‪. ‬‬
‫عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫وسلم‪  : ‬يطوي اهلل عز وجل السماوات يوم القيامة مث يأخذهن بيده اليمىن‪، ‬‬ ‫((‬

‫مث يق ول‪ : ‬أنا املل ك‪ ، ‬أين اجلب ارون‪ ، ‬أين املتك ربون‪ . )3(  ... ‬فبم اذا جييب‬
‫))‬

‫اجلبارون واملتكربون بعد هذا النداء‪ ‬؟ وقد كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫عبدا رسوالً وأىب أن‬
‫تواضعا لربه‪ ، ‬ومن أجل ذلك اختار أن يكون ً‬
‫ً‬ ‫أشد الناس‬
‫يكون مل ًكا نبيًا‪. ‬‬
‫عن أيب هري رة ق ال‪ : ‬جلس جربيل إىل النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪ ، ‬فنظر‬
‫إىل الس ماء‪ ، ‬ف إذا َملَك ي نزل‪ ، ‬فق ال جربي ل‪  : ‬إن ه ذا الملك ما ن زل من ُذ‬
‫((‬

‫يوم ُخلِ َق قبل الساعة‪ ، ‬فلما نزل‪ ، ‬قال‪ : ‬يا محمد‪ ، ‬أرسلني إليك ربك‪، ‬‬
‫ق ال‪ : ‬أفَ َملِ ًكا نبيًا يجعلُك أو عب ًدا رس والً‪ ‬؟ ق ال جبري ل‪ : ‬تواضع لربك يا‬

‫(?) المصدر السابق ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرجه أحمد (‪. )2/492‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 94 -‬‬
‫محمد‪ ، ‬قال‪ : ‬بل عب ًدا رسوالً‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫وقالت عائشة رضي اهلل عنها‪ : ‬وكان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بعد‬
‫ذلك ال يأكل متكًئا يق ول‪  : ‬آكل كما يأكل العب ُد‪ ، ‬وأجلس كما يجلس‬
‫((‬

‫العب ُد‪. )2(  ‬‬ ‫))‬

‫‪ -7‬لكل ملك ِح َمى ‪:‬‬


‫فإي اك ومعص ية اللَّه ع َّز وج َّل فإهنا منطقة َخط رية ‪ ،‬وبقعة َو ِع رة ‪ ،‬فمن‬
‫ارتكب ش يًئا من حمارم اللَّه فقد تع دى ح دَّه وع َّرض نفسه لعقوبة امللك ‪ ،‬فمن‬
‫أراد لنفسه النجاة فليتقى عقوبة امللك باجتناب حمارمه ‪.‬‬
‫فعن النعم ان بن بشري رضي اهلل عنهما ق ال ‪ :‬معت رس ول اهلل ص لى اهلل‬
‫ـن ‪ ،‬وبينهما مش تبهات‬ ‫رام َبيِّ ٌ‬
‫ـن وإن الح َ‬
‫عليه وس لم يق ول ‪  :‬إن الحالل َبيِّ ٌ‬
‫((‬

‫يعلمهن كث ٌير من الن اس ‪ ،‬فمن اتَّقى الش بهات فقد اس تبرأ لدينه وعرضه‬‫َّ‬ ‫ال‬
‫‪ ،‬ومن وقع في الش بهات وقع في الح رام ‪ ،‬ك الراعي ي رعى ح ول ِ‬
‫الح َمى‬
‫ك ِح َمى ‪ ،‬أال وإن ِح َمى اللَّه محارمه‬
‫يوشك أن يرتع فيه ‪ ،‬أال وإن لكل مل ٍ‬
‫ُ‬
‫‪.)3(  ...‬‬
‫))‬

‫وقد كان أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم يرتكون ثالثة أرباع احلالل‬
‫خش ية احلرام ‪ ،‬وك ان ابن ععمر يق ول ‪ُ  :‬أحب أن أجعل بيين وبني احلرام‬
‫((‬

‫ح ائالً من احلالل‪ ،  ‬وج اء يف بعض احلديث ‪  :‬لن يبلغ العبد أن يك ون تقيًا‬


‫((‬ ‫))‬

‫حتى يدع ما ال بأس به خشية مما به بأس‪.  ‬‬


‫))‬

‫(?) صحيح ‪ :‬أخرجه أحمد ( ج ‪ 2‬ص ‪. )231‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ص حيح لغ يره ‪ :‬أخرج ه أب و الش يخ في أخالق الن بي (‪ ، )610‬والبغ وي ( ج‬ ‫‪2‬‬

‫‪. )13/3683‬‬
‫َ‬
‫ص ل َحت ص لح الجس د‬
‫(?) متفق عليه ‪ ،‬وبقيته ‪ ... (( :‬أال وإن في الجسد مض غة إذا َ‬ ‫‪3‬‬

‫كله ‪ ،‬وإذا فسدت فسد الجسد كله ‪ ،‬أال وهي القلب‪. )) ‬‬

‫‪- 95 -‬‬
‫‪ -8‬ليس كمثله شيء في ملكه‪: ‬‬
‫أوالً‪ : ‬ملك الخلق سببي وملك اهلل ذاتي‪: ‬‬
‫فإن اخللق ال يكونوا ملو ًكا إال بأسباب امللك‪ ، ‬فال بد له من مملكة ميلكها‬
‫أو ناس حيكمهم‪ ، ‬وال بد له كذلك من ٍ‬
‫أعوان على ملكه‪ ، ‬فال بد له من بطانة‬
‫حتمي ه‪ ، ‬ووزراء يُش اورهم‪ ، ‬وجن ود ينفِّذون أم ره على الرعي ة‪ ، ‬فمل وك اخللق‬
‫حيتاجون إىل ملكهم‪. ‬‬
‫عز وجل‪ ، ‬فإن ملكه ذايت ال حيتاج مساوات وال أرض وال عرض‬ ‫َّأما اللَّه َّ‬
‫وال ش ٍ‬
‫يء أب ًدا‪ ، ‬فهو امللك قبل اخلل ق‪ ، ‬وهو امللك بعد اخلل ق‪ ، ‬وهو امللك‬
‫بدون اخللق‪ ، ‬وكذلك ليس هلل وزير وال نظري وال بطانة‪ ، ‬حىت جنود اهلل فإهنم‬
‫ضرا‪ ، ‬إمنا هو الذي بيده النفع والضر وحده‬
‫نفعا وال ً‬
‫ال حيمونه وال ميلكون له ً‬
‫وبي ده امللك وح ده‪ ، ‬واخللق كلهم هلل وباهلل وحيت اجون إىل اهلل وال حيت اج هو‬
‫إىل ٍ‬
‫أحد منهم‪. ‬‬
‫ملك الخلق ٍ‬
‫فان‪ ، ‬وملك اهلل باق‪: ‬‬
‫ف إن الفن اء قد ُكتب على املخلوق ات‪ ، ‬فإما أن يفىن امللك بض ياعه من يد‬
‫ُ‬
‫ص احبه فتُس لب اململكة من ص احبها أو ي زول املل وك أنفس هم عن ممالكهم‬
‫باملرض‪ ، ‬أو جيور عليهم من هو أشد قوة من امللوك‪ ، ‬أو ميوت ويرتك ذلك‪. ‬‬
‫وجل فإنه احلي القيوم‪ ، ‬ملكه ثابت‪ ، ‬ال يتغري‪ٍ ، ‬‬
‫باق ال يفىن‪، ‬‬ ‫عز َّ‬‫أما اهلل َّ‬
‫دائم ال ي زول‪ ، ‬فال يفارقه ملك ه‪ ، ‬وال ي زول عنه جبور ج ائر وال بظلم ظ امل‪، ‬‬
‫ق ال تع اىل‪َ  { : ‬و ُه َو يُط ِْع ُم َوالَ يُط َْع ُم‪َ  { ، } ‬و ُه َو يُ ِج ُير َوالَ يُ َج ُار‪ ، } ‬فهو‬
‫ين ظَلَ ُم وا ِإ ْذ‬ ‫َّ ِ‬
‫ص احب الق وة والعظمة والكربي اء‪ ، ‬ق ال تع اىل‪َ  { : ‬ولَ ْو َي َرى الذ َ‬
‫َأن الْ ُق َّو َة لِلَّ ِه َج ِم ًيعا‪ [ } ‬البقرة‪. ] 165 : ‬‬
‫اب َّ‬
‫َي َر ْو َن ال َْع َذ َ‬

‫‪- 96 -‬‬
‫وك ذلك ال يف ارق هو ملكه بالغي اب أو املوت ؛ ل ذلك انظر إىل احلس رة‬
‫واألمل الذي حيدث للملوك عند تركهم امللك بل والدنيا وما فيها‪. ‬‬
‫ُ‬
‫فقد ُحكي عن ه ارون الرش يد أنه انتقى أكفانه بي ده عند املوت‪ ، ‬وك ان‬
‫س ْلطَانِيَ ْه‪ [ } ‬احلاق ة‪،28 : ‬‬ ‫ينظر إليها ويقول‪َ  { : ‬ما َأ ْغنَى َعنِّي َمالِيَ ْه (‪َ )28‬هلَ َ‬
‫ك َعنِّي ُ‬
‫‪. ] 29‬‬
‫رمادا واضجع عليه وقال‪  : ‬يا من ال يزول‬
‫((‬
‫وروي عن املأمون أنه افرتش ً‬
‫ُ‬
‫ملكه‪ ، ‬ارحم من زال ملكه‪ ، ‬ويا من ال ميوت ارحم من ميوت‪.   ‬‬
‫))‬

‫هذا ما يساويه الملك في الدنيا‪: ‬‬


‫سأل هارون الرشيد بعض العلماء أن ينصحه فقال له‪ : ‬يا أمري املؤمنني‪، ‬‬
‫وحبِس عنك املاءُ فكم تس اوي ش ربة املاء عن دك‪ ‬؟ فق ال ه ارون‬ ‫إذا عطشت ُ‬
‫وحبِ َس ت يف جس دك فكم‬ ‫الرش يد‪ : ‬نصف ملكي‪ ، ‬فق ال ل ه‪ : ‬وإذا ش ربتها ُ‬
‫يس اوي إخراجه ا‪ ‬؟ ق ال‪ : ‬النصف اآلخر من ملكي‪ . ‬ق ال‪ : ‬يا أمري املؤم نني‪، ‬‬
‫اتقي اللَّه يف ملك نص فه ش ربة م اء والنصف اآلخر إخراجه ا‪ . ‬فبكى ه ارون‬
‫الرشيد‪. ‬‬
‫‪ -9‬دعاء اللَّه بهذه األسماء الكريمة ‪:‬‬
‫‪ -1‬عن أيب هري رة رضي اهلل عنه أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫ق ال‪  : ‬من ق ال‪ : ‬ال إله إال اللَّه وح ده ال ش ريك ل ه‪ ، ‬له الملك وله‬ ‫((‬

‫الحم د‪ ، ‬وهو على ش يء كل ش ٍ‬


‫يء ق دير في ي وم مائة م رة ك انت له ِع ُ‬
‫دل‬
‫عش ِر رق اب و ُكتِبَ ْ‬
‫(‪)1‬‬
‫ومحيت عنه مائة س يئة وك انت له‬
‫ت له مائة حس نة‪ُ ، ‬‬
‫حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أح ٌد بأفضل مما جاء به‬
‫ً‬

‫(?) أي في ثواب عتقها ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 97 -‬‬
‫إال َر ُج ٌل عمل أكثر منه‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫‪ -2‬وعن أيب أي وب األنص اري رضي اهلل عنه عن النيب ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم ق ال‪  : ‬من ق ال‪ : ‬ال إله إال اللَّه وح ده ال ش ريك ل ه‪ ، ‬له الملك وله‬
‫((‬

‫الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات‪ ، ‬كان كمن أعتق أربعة أنفس‬
‫من ولد إسماعيل‪. )2(  ‬‬
‫))‬

‫‪ -3‬عن أيب هري رة رضي اهلل عنه ق ال‪ : ‬مسعت رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫وسلم يقول‪  : ‬قال اللَّه تعالى‪ : ‬قسمت الصالة بيني وبين عبدي نصفين‬ ‫((‬

‫رب الع المين‪ . ‬ق ال اللَّه‬


‫ولعب دي ما س أل‪ ، ‬ف إذا ق ال العب د‪ : ‬الحمد هلل ِّ‬
‫تع الى‪ : ‬حم دني عب دي‪ . ‬وإذا ق ال‪ : ‬ال رحمن ال رحيم‪ ، ‬ق ال اللَّه تع الى‪: ‬‬
‫علي عب دي‪ .‬وإذا ق ال‪ : ‬مالك ي وم ال دين‪ ، ‬ق ال‪ : ‬مج دني عب دي‪.   ‬‬
‫))‬
‫أث نى َّ‬
‫إلي عبدي‪. )3(  ‬‬
‫))‬
‫وقال مرة‪  : ‬فوض َّ‬ ‫((‬

‫***‬

‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ص حيح ‪ .‬أخرج ه مس لم (ج‪ - 1‬الص الة ‪ ، )38‬وأحم د (ج‪، )13/7289‬‬ ‫‪3‬‬

‫والحميدي (ج‪ ، )2/973‬وال بيهقي ( ج ‪ 2‬ص ‪ ، )38‬والترم ذي (ج ‪، )2953/ 5‬‬


‫وابن ماجه (ج‪. )2/3784‬‬

‫‪- 98 -‬‬
‫‪ ‬القُدُّوس‪  ‬تبارك وتعالى‬‫))‬ ‫((‬

‫المعنى اللغوي‪: ‬‬
‫وله معنيان يف اللغة‪: ‬‬
‫))‬ ‫األول‪ : ‬أن ‪ ‬الق دوس‪  ‬فع ول من الق دس وهو الطه ارة‪ ، ‬و ‪ ‬ال َق َدس‪ ‬‬
‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫بالتحريك السطل بلغة أهل احلجاز ؛ ألنه يُتقدس منه‪ : ‬أي يُتطهر منه‪. ‬‬
‫ال ِإنِّي َأ ْعلَ ُم َما الَ‬ ‫ِ ِ‬
‫ك قَ َ‬ ‫وق ال تع اىل‪َ  { : ‬ونَ ْح ُن نُ َس بِّ ُح ب َح ْم د َك َونُ َق د ُ‬
‫ِّس لَ َ‬
‫َت ْعلَ ُمو َن‪ [ } ‬البقرة‪.] 30 : ‬‬
‫قال الزجاج‪ : ‬معىن ‪ ‬نقدس لك‪  ‬أي‪ : ‬نطهر أنفسنا لك‪. ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫طهر‬
‫وهلذا قال‪  : ‬بيت املقدس‪  ‬أي‪ : ‬البيت املطهر‪ ، ‬أو املكان الذي يُتَ َّ‬‫))‬ ‫((‬

‫به من الذنوب‪. ‬‬
‫وق ال الف راء‪ : ‬األرض املقدسة الط اهرة‪ ، ‬وهي دمشق وفلس طني وبعض‬
‫األردن‪ ، ‬و ‪ ‬روح القدس‪  ‬هو جربيل عليه السالم معناه روح الطهارة‪ ، ‬أي‪: ‬‬ ‫))‬ ‫((‬

‫ُخلِ َق من الطهارة‪. ‬‬
‫وقي ل‪ : ‬ألنه ي نزل بال ُق ْدس من اهلل‪ ، ‬أي‪ : ‬مبا يُطَ ِّهر به نفوس نا وهو‬
‫القرآن‪ ، ‬واحلكمة‪ ، ‬والفيض اإلهلي‪. ‬‬
‫أن الق دس‪ : ‬هي الربك ة‪ ، ‬واألرض املقدسة أي‪: ‬‬ ‫المع نى الث اني‪َّ : ‬‬
‫املباركة‪ ، ‬وهو قول قتادة‪ ، ‬وإليه ذهب ابن األعرايب‪ ، ‬ويقويه أن اللَّه تعاىل قد‬
‫ِ‬
‫َأس َرى‬‫بنَّي أن األرض املقدسة مباركة‪ ، ‬وذلك يف قوله تعاىل‪ُ  { : ‬س ْب َحا َن الَّذي ْ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ْصى الَّذي بَ َار ْكنَا َ‬
‫ح ْولَهُ‪ [ } ‬اإلس راء‪: ‬‬ ‫بِ َع ْبده ل َْياًل م َن ال َْم ْسجد ال َ‬
‫ْح َر ِام ِإلَى ال َْم ْسجد اَألق َ‬
‫‪ ، ] 1‬وهي األرض املقدسة‪.‬‬

‫‪- 99 -‬‬
‫‪ ‬وال ُقدُّوس‪  ‬على وزن‪  : ‬فعول‪  ‬بالضم من أبنية املبالغة(‪.)1‬‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫الدليل الشرعي‪: ‬‬
‫والسنة‪ ، ‬أما يف القرآن فقد جاء يف موضعني‪: ‬‬
‫وقد ورد يف القرآن ُّ‬
‫األول‪ : ‬يف س ورة احلشر يف قوله تع اىل‪ُ  { : ‬ه َو اللَّهُ الَّ ِذي الَ ِإلَ هَ ِإالَّ ُه َو‬
‫ُّوس‪ [ } ‬احلشر‪. ] 23 : ‬‬ ‫ال َْملِ ُ‬
‫ك الْ ُقد ُ‬
‫الث اني‪ : ‬يف مطلع س ورة اجلمعة وهو قوله تع اىل‪ { : ‬يُ َس بِّ ُح لِلَّ ِه َما فِي‬
‫ْح ِك ِيم‪ [ } ‬اجلمعة‪. ] 1 : ‬‬ ‫ض الْملِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ُّوس ال َْع ِزي ِز ال َ‬
‫ك الْ ُقد ِ‬ ‫اَألر ِ َ‬
‫الس َم َوات َو َما في ْ‬
‫معنى االسم في حق اهلل تعالى‪: ‬‬
‫ق ال ابن القيم‪  : ‬الق دوس‪ :   ‬املَن َّزه من كل شر ونقص وعيب‪ ، ‬كما‬ ‫))‬ ‫((‬

‫ُ‬
‫عما ال يليق به(‪. )2‬‬ ‫ه‬
‫َ َّ َّ‬‫ز‬ ‫ن‬‫امل‬ ‫‪،‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫عيب‬ ‫كل‬
‫قال أهل التفسري هو الطاهر من ِّ‬
‫ُ‬
‫ِّس لَ َك‪} ‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫د‬
‫َُ ُ‬‫ق‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ك‬
‫َ‬ ‫د‬ ‫وق ال ابن جرير يف قوله تع اىل‪َ  { : ‬ونَ ْح ُن ُ َ ُ َ ْ‬
‫م‬ ‫ح‬‫ب‬ ‫ح‬ ‫ب‬
‫ِّ‬ ‫س‬ ‫ن‬
‫[‪ ‬البق رة‪َ { ،] 30 : ‬ونَ ْح ُن نُ َس بِّ ُح بِ َح ْم ِد َك }‪ : ‬ننزهك ونربئك مما يض يفه إليك أهل‬
‫َك}‪ : ‬ننسبك إىل ما هو من صفاتك من‬ ‫الشرك بك ونصلي لك‪َ { ، ‬و ُن َقد ُ‬
‫ِّس ل َ‬
‫الطهارة من األدناس وما أضاف إليك أهل الكفر بك‪ . )3(  ‬اهـ‪. ‬‬
‫))‬

‫وق ال ال بيهقي‪  : ‬الق دوس‪  ‬هو الط اهر من العي وب املنزه عن األوالد‬
‫))‬ ‫((‬

‫واألنداد‪ ، ‬وهذه صفة يستحقها بذاته(‪. )4‬‬

‫(?) من كت اب ((‪ ‬النهج األس مى‪ ، )) ‬وق د ع زاه إلى النهاي ة البن األث ير (‪، )5/23‬‬ ‫‪1‬‬

‫واللسان (‪ (( ، )5/3549‬أسماء هللا الحسنى‪( )) ‬ص‪ (( ، )30‬شأن الدعاء‪ ( )) ‬ص ‪)40‬‬
‫‪.‬‬
‫(?) كتاب األسماء الحسنى من مؤلفات ابن القيم ( ص ‪. )103‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ((‪ ‬جامع البيان‪ )1/167( )) ‬من كتاب النهج األسمى ص ‪. 110‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) االعتقاد للبيهقي ( ص ‪ ، )54‬وانظر كذلك ‪ (( :‬النهاية‪ )) ‬البن األث ير (‪، )4/23‬‬ ‫‪4‬‬

‫وشرح أسماء هللا الحسنى للرازي ( ص ‪. )186‬‬

‫‪- 100 -‬‬


‫حس‪ ، ‬أو يتص وره‬
‫وق ال الغ زالي‪ : ‬هو املنزه عن كل وصف يدركه ٌّ‬
‫خيال‪ ، ‬أو يسبق إليه وهم‪ ، ‬أو خيتلج به ضمري‪ ، ‬أو يقضى به تفكري(‪. )1‬‬
‫وق ال ابن كث ير في مع نى الق دوس‪ : ‬أي املنزه عن النق ائص املوص وف‬
‫بصفات الكمال(‪. )2‬‬
‫وق ال األلوس ي‪  : ‬الق دوس‪  ‬البليغ يف النزاهة عما ي وجب نقص انًا أو‬
‫))‬ ‫((‬

‫الذي له الكمال يف كل وصف اختص به‪ ، ‬أو الذي ال حيد وال يتصور(‪. )3‬‬
‫وقال ابن القيم يف النونية‪: ‬‬
‫تنزيه بالتعظيم للرمحـن‬ ‫هذا ومن أوصافه القدوس ذا الـ‬
‫***‬

‫(?) المقصد األسنى ( ص ‪. )38‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) تفسير ابن كثير (‪. )4/363‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) روح المعاني (‪. )28/62‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 101 -‬‬


‫من آثار اإليمان بهذا االسم الكريم‬
‫‪ -1‬القدسية التامة هلل من جميع الوجوه‪: ‬‬
‫فهو الق دوس يف أمساء وص فاته وأفعال ه‪ ، ‬فأمساؤه كلها ُحسىن ال ش ّر فيها‬
‫وصفاته كلها عليا ال نقص فيها وأفعاله كلها حكمة وعزة ال خلل فيها‪ . ‬فإن‬
‫اهلل تب ارك وتع اىل هو الق دوس من كل النق ائص والعي وب م نزه عن كل‬
‫اآلفات‪ ، ‬فمن ذلك على سبيل املثال‪: ‬‬
‫أوالً‪ : ‬تقدَّس أن يكون له شريك‪: ‬‬
‫قال تعاىل‪ { : ‬اللَّهُ الَ ِإلَهَ ِإالَّ ُه َو‪ [ } ‬البق رة‪ ، ] 255 : ‬وقال تعاىل‪ { : ‬قُ ْل ُه َو‬
‫الصم ُد (‪ )2‬ل ِ‬
‫َأح ٌد‪.} ‬‬
‫َم يَ ُك ْن لَهُ ُك ُف ًوا َ‬
‫َم يُولَ ْد (‪َ )3‬ول ْ‬
‫َم يَل ْد َول ْ‬
‫ْ‬ ‫َأح ٌد (‪ )1‬اللَّهُ َّ َ‬
‫اللَّهُ َ‬
‫ثانيا‪ : ‬تقدَّس أن يكون له زوجة أو ولد‪: ‬‬
‫ً‬
‫أخرب تعاىل عن اجلن أهنم قالوا‪ { : ‬وَأنَّه َتعالَى ج ُّد ر ِّبنا ما اتَ َّخ َذ ص ِ‬
‫احبَةً َوالَ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َ ََ َ‬
‫َولَ ًدا‪ [ } ‬اجلن‪. ] 3 : ‬‬
‫الس مو ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫وق ال تع اىل‪َ  { : ‬وقَ الُوا اتَّ َخ َذ اللَّهُ َولَ ًدا ُس ْب َحانَهُ بَ ْل لَ هُ َما في َّ َ َ‬
‫ض ُكلٌّ لَهُ قَانِتُو َن‪. } ‬‬
‫اَألر ِ‬
‫َو ْ‬
‫ثالثًا‪ : ‬تقدَّس عن الموت‪ ، ‬والنوم‪: ‬‬
‫ْح ِّي الَّ ِذي الَ يَ ُم ُ‬
‫وت‪ . } ‬وقال تعاىل‪ { : ‬اللَّهُ‬ ‫قال تعاىل‪َ  { : ‬وَت َو َّك ْل َعلَى ال َ‬
‫ْأخ ُذهُ ِسنَةٌ َوالَ َن ْو ٌم‪. } ‬‬
‫وم الَ تَ ُ‬ ‫الَ ِإلَهَ ِإالَّ ُه َو ال َ‬
‫ْح ُّي الْ َقيُّ ُ‬
‫))‬ ‫وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬إن اهلل ال ينام وال ينبغي له أن ينام‪ ‬‬
‫((‬

‫( ‪. )1‬‬
‫***‬

‫(?) رواه أحمد (‪ ، )4/405‬ومسلم (‪. )1/179‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 102 -‬‬


‫رابعا‪ : ‬تقدَّس عن الظلم‪: ‬‬
‫ً‬
‫رمت الظلم على‬
‫ق ال تع اىل يف احلديث القدس ي‪  : ‬يا عب ادي‪ ، ‬إني ح ُ‬ ‫((‬

‫محرما فال تظالموا‪. )1(  ‬‬


‫))‬
‫ً‬ ‫نفسي وجعلتُه بينكم‬
‫ت‬ ‫ض ِ‬
‫اع ْف َها وي ْؤ ِ‬ ‫ك َح َس نَةً يُ َ‬ ‫وقال تعاىل‪ِ { : ‬إ َّن اللَّهَ الَ يَظْلِ ُم ِم ْث َق َ‬
‫ال َذ َّر ٍة َوِإ ْن تَ ُ‬
‫َُ‬
‫َأج ًرا َع ِظ ًيما‪ . } ‬وذلك مع قدرته على خلقه فهو خ القهم وم الكهم‪، ‬‬ ‫ِ‬
‫م ْن لَ ُدنْ هُ ْ‬
‫ولذلك فقد ورد اسم ‪ ‬القدوس‪  ‬مرتني يف القرآن اقرتن فيهما بامسه امللك جل‬ ‫))‬ ‫((‬

‫جالله‪. ‬‬
‫خامسا‪ : ‬تقدَّس عن الكذب‪: ‬‬
‫ً‬
‫َأص َد ُق ِم َن اللَّ ِه‬
‫فقوله الص دق وخ ربه احلق‪ ، ‬ق ال س بحانه‪َ  { : ‬و َم ْن ْ‬
‫َأص َد ُق ِم َن اللَّ ِه قِياًل ‪} ‬‬ ‫َح ِديثًا‪ [ } ‬النس اء‪ ، ] 87 : ‬وقال تعاىل‪َ  { : ‬و ْع َد اللَّ ِه َح ًّ‬
‫‍قا َو َم ْن ْ‬
‫[‪ ‬النساء‪. ] 122 : ‬‬
‫سادسا‪ : ‬تقدَّس عن الضالل والنسيان‪: ‬‬
‫ً‬
‫[‪ ‬ط ه‪: ‬‬ ‫أخرب تع اىل عن نبيه موسى أنه ق ال‪ { : ‬الَ يَ ِض ُّل َربِّي َوالَ َي ْن َس ى‪} ‬‬
‫‪.] 52‬‬
‫سابعا‪ : ‬تقدَّس عن الفقر والبخل‪ - ‬جل جالله وتقدست أسماؤه‪: ‬‬
‫ً‬
‫ت َأيْ ِدي ِه ْم َول ُِعنُ وا بِ َما قَ الُوا‬
‫ود يَ ُد اللَّ ِه َمغْلُولَ ةٌ غُلَّ ْ‬
‫َت الَْي ُه ُ‬‫قال تعاىل‪ { : ‬وقَ ال ِ‬
‫َ‬
‫ف يَ َشاءُ‪. } ‬‬ ‫ان ُي ْن ِف ُق َك ْي َ‬
‫بل ي َداهُ م ْبسوطَتَ ِ‬
‫َْ َ َ ُ‬
‫َّاس َأْنتُ ُم الْ ُف َق َراءُ ِإلَى اللَّ ِه َواللَّهُ ُه َو الْغَنِ ُّي‬ ‫وق ال تع اىل‪ { : ‬يَا َُّأي َها الن ُ‬
‫ْح ِمي ُد‪ ، } ‬وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬يد اهلل مألى ال تغيضها نفقة‬
‫((‬
‫ال َ‬
‫(?) صحيح ‪ :‬أخرجه مسلم ( ج ‪ - 4‬ال بر والص لة ‪ ( ، )55/‬ج ‪ - 4‬ص ‪، )1994‬‬ ‫‪1‬‬

‫والبخاري في األدب المفرد (‪ ، )490‬والحاكم ( ج ‪ 4‬ص ‪ ، )241‬وال بيهقي ( ج ‪6‬‬


‫ص ‪. )93‬‬

‫‪- 103 -‬‬


‫َس َّحاء الليل والنه ار‪ ، ‬وق ال أرأيتم ما أنفق منذ خلق اهلل الس ماوات‬
‫واألرض فإنه لم يغض ما في يده‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫ثام ًنا‪ : ‬تقدَّس عن الفناء‪: ‬‬


‫ْجالَ ِل‬ ‫ق ال تع اىل‪ُ  { : ‬ك ُّل من َعلَْي َها فَ ٍ‬
‫ك ذُو ال َ‬
‫ان (‪َ )26‬و َي ْب َقى َو ْج هُ َربِّ َ‬ ‫َْ‬
‫َواِإل ْك َر ِام‪ [ } ‬الرمحن‪. ] 27 ،26 : ‬‬
‫تاسعا‪ : ‬تقدَّس عن الشبيه والمثيل‪: ‬‬
‫ً‬
‫يع الْبَ ِص ُير‪ [ } ‬الش ورى‪ ، ] 11 : ‬فلم‬ ‫قال تعاىل‪ { : ‬ل َْيس َك ِمثْلِ ِه َشيء و ُه و َّ ِ‬
‫الس م ُ‬ ‫ٌْ َ َ‬ ‫َ‬
‫يُق دِّس اهللَ من ش بهه خبلقه أو نفي عنه أمساءه وص فاته فكالمها على ض الل‬
‫مبني‪.‬‬
‫أبدا وال أحصيناها؛‬
‫ولو استقصينا أوجه التقديس هلل عز وجل ما استطعنا ً‬
‫اء علي ك‪، ‬‬
‫ألهنا ال هناية هلا وق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬ال ُأحصي ثن ً‬
‫((‬

‫أنت كما أثنيت على نفسك‪.)2(  ‬‬


‫))‬

‫‪ -2‬ليس كمثله شيء في قدسيته ‪:‬‬


‫فس بحان اهلل امللك الق دوس عن كل نقص وعيب‪ ، ‬ومن قدس يته أنه ليس‬
‫كمثله شيءٌ فيها‪ ، ‬وذلك ألسباب كثرية منها‪. ‬‬
‫أوالً‪ : ‬قدسية اهلل تامة وكاملة‪ ، ‬وقدسية الخلق ناقصة‪: ‬‬
‫فإن قدسية اخللق وطهارهتم إمنا تكون يف ٍ‬
‫حال دون حال‪ ، ‬ويف جهة دون‬
‫أخ رى‪ ، ‬وعلى كل ح ال ومهما بلغت درجة كم ال املخل وق‪ ، ‬فهي قدس ية‬
‫تناسب املخلوق الضعيف الناقص‪. ‬‬
‫(?) رواه البخاري ‪ ،‬كتاب التوحيد ‪ ،‬باب قول هللا تعالى ‪ (( :‬لما خلقت بيدي‪ ( )) ‬رقم‬ ‫‪1‬‬

‫الحديث ‪ )13/393( )7411‬مع الفتح ‪.‬‬


‫(?) رواه مسلم ‪ -‬كتاب الصالة ‪ -‬باب يقال في الركوع والسجود ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 104 -‬‬


‫فقد يتطهر العبد وقت العب ادة يف الص الة أو غريها ولكنه ال ميلك ه ذا يف‬
‫مجاعه لزوجته أو حال قضائه حلاجته‪. ‬‬
‫وقد يطهر نفسه بالطاعة والعب ادة ولكنه يت دنس م رة أخ رى باملعص ية‬
‫والذنوب‪ ، ‬ومن ذلك قول النيب صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬كل ابن آدم خطائين‬
‫((‬

‫وخير الخطائين التوابون‪. )1(  ‬‬


‫))‬

‫وقد يق دس العبد نفسه ب أال ي ذهلا للن اس ويتعفف عما يف أي ديهم‪ ، ‬ولكنه‬
‫فقريا لغناه ذليالً لعزته‪. ‬‬
‫حمتاجا إىل اهلل ً‬
‫أبدا ً‬‫دائما ً‬
‫سيظل ً‬
‫أما اهلل جل جالله فهو الق دوس من مجيع الوج وه م نزه عن كل نقص من‬
‫مجيع اجلهات ُمربأ من كل ٍ‬
‫عيب‪. ‬‬
‫ثانيا‪ : ‬قدسية اهلل دائمة‪ ، ‬وقدسية الخلق مؤقتة‪: ‬‬
‫ً‬
‫فقدسية اخللق هلا بداية وهلا هناية فوجودهم سبقه العدم‪ ، ‬ويلحقه الفناء‪، ‬‬
‫ورا‪} ‬‬ ‫ين ِم َن ال د ْ‬
‫َّه ِر ل ْ‬
‫َم يَ ُك ْن َش ْيًئا َم ْذ ُك ً‬
‫ِ ِ‬
‫ق ال تع اىل‪َ  { : ‬ه ْل َأتَى َعلَى اِإل نْ َس ان ح ٌ‬
‫ك َش ْيًئا‪} ‬‬
‫َم تَ ُ‬ ‫[‪ ‬اإلنس ان‪ ، ] 1 : ‬وقال تعاىل لنبيه زكرياء‪ { : ‬وقَ ْد َخلَ ْقت َ ِ‬
‫ك م ْن َق ْب ُل َول ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫[‪ ‬مرمي‪. ] 9 : ‬‬
‫نقص هم ويلحق‬
‫دمهم‪ ، ‬وقد ك ان قبل كم اهلم ُ‬
‫فقد َس بق قدس يةَ اخللق ع ُ‬
‫بكل ذلك فناؤهم فقدسية اخللق حمدودة بالوقت واحلال‪. ‬‬
‫فعن ميسر بن جح اش القرشي أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ب زق‬
‫يوما يف كفه فوضع عليها إصبعه مث قال‪  : ‬قال اهلل تعالى‪ : ‬يا ابن آدم‪ ، ‬أنَّى‬
‫((‬
‫ً‬
‫وع َدلْتك مش يت بين‬
‫تُعج زني وقد خلقتك من مثل ه ذه ح تى إذا س ويتك َ‬
‫ب ردين ولألرض منك وئي د‪ ، ‬فجمعت ومنعت ح تى إذا بلغت التَّراقي‬

‫(?) حسنه األلباني في مشكاة المصابيح (‪. )2341‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 105 -‬‬


‫قلت‪ : ‬أتصدق وأنَّى أوان الصدقة‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫جالس ا حتت‬
‫روى أن أحد املل وك ك ان ماش يًا يف موكبه ف رأى رجالً ً‬
‫ويُ َ‬
‫مر عليه مل يقم الرجل ومل يعظمه‪ ، ‬فقال له أو ال تعرفين‪ ‬؟ قال‪: ‬‬
‫شجرة‪ ، ‬فلما َّ‬
‫بل أعرف ك‪َّ   : ‬أولُك نطفة ق ذرة‪ ، ‬وآخ رك جيفة م زرة‪ ، ‬وأنت بين ذلك‬ ‫((‬

‫تحمل في بطنك العذرة(‪.   )2‬‬


‫))‬

‫َّأما قدسية اهلل جل جالله فهي قدسية دائمة فلم يسبق وجودها عدم‪ ، ‬وال‬
‫دنس وال يلحقها نقص وال خلل وليس هلا هناية وال فناء‪. ‬‬
‫‪ -2‬التقديس الحق هلل تبارك وتعالى يكون بشرعه‪: ‬‬
‫ِ ِ‬
‫كما ق ال تع اىل عن املالئكة يف ق وهلم‪َ  { : ‬ونَ ْح ُن نُ َس بِّ ُح ب َح ْم د َك َونُ َق د ُ‬
‫ِّس‬
‫لَ َك‪ [ } ‬البق رة‪ ، ] 30 : ‬فالتق ديس هلل وتق ديس اهلل مبعىن واح د‪ ، ‬وأفضل ما ميكن‬
‫تق ديس اهلل به هو عبادته مبا ج اء يف ش رعه من كتابه وس نة رس وله بالعقائد‬
‫الص حيحة واألق وال الطيبة واألعمال الص احلة‪ ، ‬وهذا ما ارتض اه اهلل لنفسه من‬
‫خلقه‪ ، ‬ومن ذلك‪: ‬‬
‫‪ -1‬تقديس اهلل بالتوحيد واإليمان الصحيح‪: ‬‬
‫اد به رهبم هو اإلميان والتوحيد ونفي الش ركاء عنه‬
‫ف أعظم ما يُ َق دِّس العب ُ‬
‫واألنداد وتنزيهه عن كل نقص ٍ‬
‫وعيب نسبه إليه الكافرون واملشركون‪ ، ‬لذلك‬
‫حني ُسئل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن أعظم الذنوب قال‪  : ‬أن تجعل‬
‫((‬

‫(?) حس ن ‪ ،‬المس ند (‪ ، )4/210‬وأخرج ه من أربع ة ط رق عن حري ز عن عب د‬ ‫‪1‬‬

‫الرحمن بن ميسرة عن جبير بن نفير عن بس ر بن جح اش القرش ي ب ه ‪ ،‬وأخرج ه‬


‫ابن ماجه (‪ ، )2/2707‬وقال البوصيري في ((‪ ‬الزوائد‪ : )) ‬إسناده صحيح ‪.‬‬
‫والوئي د ‪ :‬ص وت ش دة ال وطء على األرض ‪ ،‬وال تراقي ‪ :‬عظ ام بين ثغ رة النح ر‬
‫والعاتق ‪.‬‬
‫(?) العذرة ‪ :‬أي البراز ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 106 -‬‬


‫للَّه ن ًدا وهو خلقك‪ ،   ‬وألن الش رك هو أعظم الس ِّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ب هلل جل جالله‬ ‫))‬

‫وتقدست أمساؤه فقد ق ال تع اىل يف احلديث القدس ي‪  : ‬ك ذبني ابن آدم ولم‬
‫((‬

‫يكن له ذلك‪ ، ‬وشتمني ولم يكن له ذلك‪ ، ‬فأما تكذيبه إياي‪ ، ‬فقوله ‪ : ‬لن‬
‫علي من إعادته وأما ش تمه‬
‫أول الخلق ب أهون َّ‬
‫يعي دني كما ب دأني‪ ، ‬وليس ُ‬
‫إي اي‪ ، ‬فقول ه‪ : ‬اتخذ اهلل ول ًدا‪ ، ‬وأنا األح ُد الص مد‪ ، ‬لم ألد ولم أول د‪، ‬‬
‫كفوا أحد‪.)2(  ‬‬
‫))‬
‫ولم يكن لي ً‬
‫ومن أجل ذلك كان أعظم األعمال وأفضلها هو اإلميان باهلل‪. ‬‬
‫أي‬
‫عن أيب هريرة رضي اهلل عنه أن رسول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ُس ئل ُّ‬
‫العمل أفضل‪ ‬؟ فقال‪  : ‬إيما ٌن باهلل ورسوله‪. )3(  ... ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫‪ -2‬تقديس اهلل بالقلوب‪: ‬‬


‫ف إن اللَّه ينظر إىل القل وب فال بد من تطهريها لتليق بنظر اللَّه إليها ‪ ،‬فعن‬
‫أيب هريرة رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪  :‬إن اللَّه‬
‫((‬

‫ال ينظر إلى أجسامكم وال إلى صوركم ‪ ،‬ولكن ينظر إلى قلوبكم‪. )4(  ‬‬
‫))‬

‫أيضا زاد فيها ‪ ...  :‬وأعمالكم‪.  ‬‬


‫))‬
‫ويف رواية ملسلم ً‬
‫((‬

‫حسن الظن باهلل تعاىل وحبُّه وخشيتُه والتوكل عليه وحب النيب‬
‫فمن ذلك ُ‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم وحب املؤم نني يف اهلل تب ارك وتع اىل وتطهري القل وب من‬
‫النفاق والرياء والشهوات احملرمة ليسلم القلب لتقديس اهلل عز وجل‪ ، ‬فقد قال‬
‫ْب َس ِل ٍيم‪. } ‬‬
‫ال َوالَ َبنُو َن (‪ِ )88‬إالَّ َم ْن َأتَى اللَّهَ بَِقل ٍ‬
‫اهلل تعاىل‪َ  { : ‬ي ْو َم الَ َي ْن َف ُع َم ٌ‬
‫(?) رواه البخاري ‪ ،‬وأحمد عن ابن مسعود رضي هللا عنه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) صحيح ‪ ،‬أخرجه البخاري في صحيحه (‪. )8/4974‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) رواه البخاري في صحيحه (‪ )1/77‬مع الفتح كتاب اإليم ان ‪ -‬ب اب من ق ال إن‬ ‫‪3‬‬

‫اإليمان هو العمل ‪ -‬رقم الحديث (‪. )26‬‬


‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪- 107 -‬‬


‫‪ -3‬تقديس اهلل باألعمال‪: ‬‬
‫كالطه ارة‪ : ‬وهي تق ديس الب دن ليليق بعب ادة اهلل وتالوة كالمه املق دَّس‬
‫والوقوف بني يديه يف الصالة‪. ‬‬
‫والص الة‪ : ‬ف إن العبد يق دس اهلل فيها بالتس بيح والتكبري والتعظيم‪، ‬‬
‫وك ذلك ب الركوع والس جود‪ . ‬ول ذلك ف إن الص الة تطهر العبد من دنس‬
‫املعاصي والذنوب من جهتني ‪:‬‬
‫األولى ‪ :‬أهنا س بب لطهارته من ذنوبه الس ابقة ‪ .‬عن أيب هري رة رضي اهلل‬
‫نهرا‬
‫عنه قال ‪ :‬مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول ‪  :‬أرأيتم لو أن ً‬
‫((‬

‫بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء‪.  ‬‬
‫))‬

‫ق الوا ‪ :‬ال يبقى من درنه ‪ .‬ق ال ‪  :‬ف ذلك مثل الص لوات الخمس يمحو اهلل‬
‫((‬

‫بهن الخطايا‪. )1(  ‬‬


‫))‬

‫الثانية ‪ :‬النهي عن اخلب ائث فيما يع رض له ‪ .‬ق ال تع اىل ‪ِ { :‬إ َّن َّ‬
‫الص اَل ةَ‬
‫َت ْن َهى َع ِن الْ َف ْح َش ِاء َوال ُْم ْن َك ِر‪ [ } ‬العنكبوت ‪. ] 45 :‬‬
‫والزكاة‪ : ‬بأن يطيب ما ينفق يف سبيل اهلل‪ ، ‬فقد قال النيب صلى اهلل عليه‬
‫طيب ال يقبل إال طيبًا‪. )2(  ‬‬
‫))‬
‫وسلم‪  : ‬إن اهلل ٌ‬ ‫((‬

‫وهي ك ذلك تطهري للنفس من اخلب ائث ‪ ،‬ق ال تع اىل ‪ُ  { :‬خ ْذ ِم ْن َْأم َوالِ ِه ْم‬
‫ص َدقَةً تُطَ ِّه ُر ُه ْم َو ُت َز ِّكي ِه ْم بِ َها‪ [ } ‬التوبة ‪. ] 103 :‬‬
‫َ‬
‫وقد ك انت عائشة رضي اهلل عنها تطيب الص دقة وتعطرها قبل أن تعطيها‬
‫السائل وتقول‪  : ‬إنها لتقع في يد اهلل قبل أن تقع في يد السائل‪.   ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫(?) متفق عليه ‪ .‬والدرن ‪ :‬ال َو َسخ ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 108 -‬‬


‫دعاء اهلل باسمه القدوس‪: ‬‬
‫يب ص لى اهلل عليه وس لم االسم يف ركوعه وس جوده‪، ‬‬
‫‪ -1‬فقد ك ان الن ُّ‬
‫وهو دعاء ثناء ومحد‪. ‬‬
‫فعن عائشة رضي اللَّه عنها أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كان يقول‬
‫قدوس رب المالئكة والروح‪. )1(  ‬‬
‫))‬
‫ٌ‬ ‫يف ركوعه وسجوده‪ُ   : ‬سبُّوح‬
‫((‬

‫‪ -2‬ذكر اهلل وتسبيحه به بعد الوتر‪: ‬‬


‫النيب يسبح اهللَ به بعد فراغه من صالة الوتر كما جاء يف حديث‬
‫فقد كان ُّ‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقرأ يف الوتر بسبح‬
‫ُ‬ ‫ُأيب بن كعب قال‪  : ‬كان‬
‫((‬

‫اسم ربك األعلى‪ ، ‬وقل يا أيها الكافرون‪ ، ‬وقل هو اهلل أحد‪ ، ‬فإذا سلم قال‪: ‬‬
‫سبحان امللك القدوس ثالث مرات‪. )2(  ‬‬
‫))‬

‫(?) أخرجه مسلم (‪ )487‬كتاب الصالة ‪ -‬باب ما يقول في الركوع والسجود ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) إس ناده ص حيح ‪ .‬أخرج ه اإلم ام أحم د (‪ ، )5/123‬وأب و داود (‪، )1430‬‬ ‫‪2‬‬

‫والنس ائي في ال وتر (‪ ، )3/244‬وابن أبي ش يبة في المص نف (‪ )9762‬عن طلح ة‬


‫األي امي عن زر عن س عيد بن عب دالرحمن بن أب زى عن أبي ه عن ُأبى بن كعب‬
‫مرفوعًا به ‪.‬‬

‫‪- 109 -‬‬


‫‪ ‬ال َغ ِن ُّي‪  ‬جل جالله وتقدست أسماؤه‬ ‫))‬ ‫((‬

‫المعنى اللغوي‪: ‬‬
‫ىن يف كالم الع رب ال ذي ليس مبحت اج إىل غ ريه‪ ، ‬وك ذلك اللَّه ليس‬ ‫الغ ُّ‬
‫مبحتاج إىل ٍ‬
‫كبريا‪ ، ‬كما قال تعاىل‪ِ { : ‬إ َّن اللَّهَ‬
‫علوا ً‬
‫جل وتعاىل عن ذلك ً‬ ‫أحد َّ‬
‫ين‪ [ )1(} ‬العنكبوت‪. ] 6 : ‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لَغَن ٌّي َع ِن ال َْعالَم َ‬
‫ضروب‪: ‬‬ ‫ِ‬
‫وقال الراغب األصفهاين‪ : ‬الغىَن يقال على ُ‬
‫أح دها‪ : ‬ع دم الحاج ات‪ ، ‬وليس ذلك إال هلل تع اىل وهو املذكور يف‬
‫ْح ِمي ُد‪ [ } ‬احلج‪. ] 64 : ‬‬ ‫ِ‬
‫قوله‪ِ { : ‬إ َّن اللَّهَ ل َُه َو الْغَن ُّي ال َ‬
‫الث اني‪ : ‬قلة الحاج ات ؛ وهو املش ار إليه بقول ه‪َ  { : ‬و َو َج َد َك َع اِئالً‬
‫فََأ ْغنَى‪ [ } ‬الضحى‪. ] 8 : ‬‬
‫الث الث‪ : ‬ك ثرة القني ات ؛ كما ج اء يف قول ه‪َ  { : ‬م ْن َك ا َن غَنِيًّا‬
‫َفلْيَ ْسَت ْع ِف ْ‬
‫ف‪ [ } ‬النساء‪. ] 6 : ‬‬
‫الراب ع‪ : ‬وقد يعين ع دم االحتي اج إىل ما عند الن اس فال يفتقر إليهم‬
‫اء ِم َن‬ ‫ِ‬ ‫فيتعفف عما عن دهم‪ ، ‬كما ق ال تع اىل‪ { : ‬يحس بهم ال ِ‬
‫ْجاه ُل َأ ْغنيَ َ‬
‫َ ْ َ ُُ ُ َ‬
‫َّع ُّف ِ‬
‫ف‪ [ } ‬البقرة‪. ] 273 : ‬‬ ‫الت َ‬
‫وكما ق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬ليس الغ نى عن ك ثرة الع رض‬
‫((‬

‫ولكن الغنى غنى النفس‪. )2(  ‬‬


‫))‬

‫وكما قال الشاعر‪: ‬‬


‫املال واإلنسا ُن ُم ْفتَ ِقر‬
‫قد يَك ُْث ُر ُ‬ ‫العيش ال عيش إال ما قنعت به‬

‫(?) اشتقاق األسماء ( ص ‪. ) 117‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرجه البخاري (‪ ، )6446‬ومسلم (‪ ، )1051‬من حديث أبي هريرة‪ ، ‬رض ي‬ ‫‪2‬‬

‫هللا عنه‪. ‬‬

‫‪- 110 -‬‬


‫الخ امس‪ : ‬قد يعين ‪ ‬الكفاي ة‪  ‬يق ال‪ : ‬أغن اين ك ذا‪ ، ‬وأغىن عنه ك ذا إذا‬ ‫))‬ ‫((‬

‫كف اه‪ ، ‬كما يف قوله تع اىل‪َ  { : ‬ما َأ ْغنَى َعنِّي َمالِيَ ْه‪ [ } ‬احلاق ة‪ ، ] 28 : ‬وكما ق ال‬
‫تعاىل‪ { : ‬ل َْن ُتغْنِ َي َع ْن ُه ْم َْأم َوال ُُه ْم َوالَ َْأوالَ ُد ُه ْم ِم َن اللَّ ِه َش ْيًئا‪ [ } ‬آل عمران‪. ]10 : ‬‬
‫وقي ل‪َ  : ‬تغَىَّن ‪  ‬مبعىن اس تغىن‪ ، ‬ومُحِ ل قوله ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬ليس‬
‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫يتغن بالقرآن‪ )1(  ‬على ذلك(‪. )2‬‬


‫منَّا من لم َّ‬
‫))‬

‫الدليل الشرعي‪: ‬‬
‫ك‬‫ورد االسم يف مثان عش رة آية من كت اب اهلل ؛ منها قوله تع اىل‪َ  { : ‬و َربُّ َ‬
‫ِ‬ ‫الْغَنِ ُّي ذُو َّ ِ‬
‫ض‬‫اَألر ِ‬ ‫الر ْح َم ة‪ [ } ‬األنع ام‪ . ] 133 : ‬وقول ه‪ِ { : ‬إ ْن تَ ْك ُف ُروا َأْنتُ ْم َو َم ْن في ْ‬
‫َج ِم ًيعا فَ ِإ َّن اللَّهَ لَغَنِ ٌّي َح ِمي ٌد‪ [ } ‬إب راهيم‪ . ] 8 : ‬وقوله تع اىل‪َ  { : ‬و َم ْن َش َك َر فَِإ نَّ َما‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫يم‪ [ } ‬النم ل‪ . ] 40 : ‬وقول ه‪ { : ‬يَا َُّأي َها‬ ‫يَ ْش ُك ُر لَن ْفس ه َو َم ْن َك َف َر فَ ِإ َّن َربِّي غَن ٌّي َك ِر ٌ‬
‫ْح ِمي ُد‪ [ } ‬فاطر‪. ] 15 : ‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس َأْنتُ ُم الْ ُف َق َراءُ ِإلَى اللَّه َواللَّهُ ُه َو الْغَن ُّي ال َ‬
‫الن ُ‬
‫معنى االسم في حق اهلل تعالى‪: ‬‬
‫الر ْح َم ِة‪ [ } ‬األنع ام‪  . ] 133 : ‬وربك يا‬
‫((‬ ‫ك الْغَنِ ُّي ذُو َّ‬
‫ق ال ابن كث ري‪َ  { : ‬و َربُّ َ‬
‫ين‪ : ‬أي عن مجيع خلقه من مجيع الوج وه وهم الفق راء إليه يف مجيع‬
‫حمم د‪  ‬الغ ُّ‬ ‫))‬

‫أحواهلم(‪. )3‬‬
‫شيء فقري إليه‪. )4(  ‬‬ ‫عما سواه وكل ٍ‬ ‫أيضا‪َ   : ‬غيِن ٌ َّ‬
‫))‬
‫ُ‬ ‫وقال ً‬ ‫((‬

‫َأن اللَّهَ غَنِ ٌّي َح ِمي ٌد‪ [ } ‬البق رة‪، ] 267 : ‬‬


‫وقال ابن جرير في قوله‪َ  { : ‬وا ْعلَ ُموا َّ‬
‫ين عن ص دقاتكم وعن غريه ا‪ ، ‬وإمنا‬ ‫واعلم وا أيها الن اس أن اللَّه عز وجل غ ُّ‬
‫(?) أخرج ه البخ اري (‪ )7527‬من ح ديث أبي هري رة‪ ، ‬رض ي هللا عن ه‪ . ‬وانظ ر‬ ‫‪1‬‬

‫صفة صالة النبي صلى هللا عليه وسلم لأللباني ص ‪. 107 ، 106‬‬
‫(?) مفردات ألفاظ القرآن لألصفهاني (‪ )516 -515‬بتصرف ( مختصرًا )‪. ‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) تفسير ابن كثير (‪. )2/171‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) تفسير ابن كثير (‪. )3/223‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪- 111 -‬‬


‫ض ها يف أم والكم رمحةً منه لكم ُلي ْغيِن هبا َع اِئلكم ويق وي هبا‬ ‫أم ركم هبا و َفَر َ‬
‫ضعيفكم وجيزل لكم عليها يف اآلخرة مثوبتكم ال من حاجة به فيها إليكم(‪. )1‬‬
‫وق ال الزج اج‪ : ‬وهو ‪ ‬الغَيِن ُ‪  ‬امل ْس َت ْغيِن عن اخللق بقدرته وعز س لطانه‬
‫))‬ ‫((‬

‫ُ‬
‫واخللق فق راء إىل تَطَُّولِ ِه وإحس انه‪ ، ‬كما ق ال تع اىل‪ { : ‬واللَّه الْغَنِ ُّي وَأْنتم‬
‫َ ُُ‬ ‫َ ُ‬
‫الْ ُف َق َراءُ‪ [ } ‬حممد‪. )2(] 38 : ‬‬
‫وق ال الزج اجي‪ : ‬الغىن يف كالم الع رب‪ : ‬ال ذي ليس مبحت اج إىل غ ريه‪، ‬‬
‫وك ذلك اهلل ليس مبحت اج إىل أح د‪ ، ‬ج ّل وتع اىل عن ذلك عل ًوا كب ًريا‪ ، ‬كما‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال‪ِ { : ‬إ َّن اللَّهَ لَغَن ٌّي َع ِن ال َْعالَم َ‬
‫ين‪ [ } ‬العنكبوت‪. ] 6 : ‬‬
‫فاللَّه عز وجل ليس مبحت اج إىل أحد فيما خلق وخيلق ودبَّر ويُ دبِّر ويُ ْع ِطي‬
‫ألم ِره وهو على ما يَشاءُ قدير(‪. )3‬‬ ‫ضي ومُيْ ِ‬ ‫وير ُزق وي ْق ِ‬
‫راد ْ‬
‫ضى‪ ، ‬ال َّ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ايب‪  : ‬الغَىِن ُ‪  ‬هو ال ذي اس تغىن عن اخللق وعن نص رهتم‬ ‫))‬
‫وق ال اخلط ُّ‬
‫((‬

‫وتأيي دهم مللك ه‪ ، ‬فليست به حاجة إليهم‪ ، ‬وهم إليه فق راء حمت اجون‪ ، ‬كما‬
‫[‪ ‬حمم د‪: ‬‬ ‫وصف نفسه تع اىل فق ال ع َّز من قائ ل‪َ  { : ‬واللَّهُ الْغَنِ ُّي َوَأْنتُ ُم الْ ُف َق َراءُ‪} ‬‬
‫‪. ] 38‬‬
‫قال ابن القيم رمحه اللَّه‪: ‬‬
‫تى له كاجلود واإلحسان‬
‫ُّ‬ ‫وهو الغين بذاته فغناه ذا‬
‫من آثار اإليمان بهذا االسم الكريم‬

‫أوالً‪ : ‬ال يوصف بالغنى المطلق إال اهلل‪: ‬‬

‫(?) جامع البيان (‪. )3/58‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) تفسير األسماء ( ص ‪. )63‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) اشتقاق األسماء ( ص ‪. )117‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 112 -‬‬


‫ف إن اللَّه غين بذاته عن كل ما س واه‪ . ‬ق ال ال بيهقي‪ : ‬الغَين هو ال ذي ال‬
‫َت َعلُّ َق له بغ ريه ال يف ذاته وال يف ص فات ذات ه‪ ، ‬بل يك ون ُم َّنز ًها عن العالقة مع‬
‫األغيار(‪ ، )4‬ومن عالمات ذلك الغىن‪: ‬‬
‫‪ -1‬أن اللَّه عز وجل ‪ ‬غني عن الطعام والشراب‪ -   ‬كما قال تعاىل‪: ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫ون (‪َ )56‬ما ُأ ِري ُد ِم ْن ُه ْم ِم ْن ِر ْز ٍق َو َما ُأ ِري ُد‬ ‫ْج َّن واِإل نْس ِإالَّ لِي ْعب ُد ِ‬
‫َُ‬ ‫ت ال َ َ‬
‫{‪ ‬وما َخلَ ْق ُ ِ‬
‫ََ‬
‫ين‪ [ } ‬الذاريات‪. ] 58 -56 : ‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫َأ ْن يط ِْعم ِ‬
‫ون (‪ِ )57‬إ َّن اللَّهَ ُه َو َّ‬
‫الرزَّا ُق ذُو الْ ُق َّوة ال َْمت ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫‪  -2‬وهو غني عن الزوجة والولد‪ ،   ‬وهذا يعين الوحدانية املطلقة ليس‬
‫))‬ ‫((‬

‫الكفار أصحاب عقيدة التثليث فإن احلاجة إىل الزوجة والولد ضعف‬ ‫ُ‬ ‫كما يَ ُسبُّه‬
‫كبريا‪. ‬‬
‫علوا ً‬ ‫َّ‬
‫وافتقار‪ ، ‬تعاىل اللهُ عن ذلك ً‬
‫الس مو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫قال تع اىل‪ { : ‬قَ الُوا اتَّ َخ َذ اللَّهُ َولَ ًدا ُس ْب َحانَهُ ُه َو الْغَن ُّي لَهُ َما في َّ َ َ‬
‫ض‪ [ } ‬يونس‪.] 68 : ‬‬
‫اَألر ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َما في ْ‬
‫‪  -3‬غ ني عن خلق ه‪ ،   ‬فما خلق اهللُ اخلل َق ليس تأنس هبم من وحش ة‪، ‬‬ ‫))‬ ‫((‬

‫وال ليس تكثر هبم من قل ة‪ ، ‬وال لينص روه على َع ُد ٍو‪ ، ‬ولكن خلقهم لي ذكروه‬
‫ريا ويعب دوه ط ويالً ويس بحوه بك رة وأص يالً‪ . ‬ق ال تع اىل‪َ  { : ‬و َما َخلَ ْق ُ‬
‫ت‬ ‫كث ً‬
‫ْج َّن واِإل نْس ِإالَّ لِي ْعب ُد ِ‬
‫ون‪. } ‬‬ ‫ِ‬
‫َُ‬ ‫ال َ َ‬
‫ف إن اللَّه جل جالله غ ين عن العالئق والروابط والص الت‪ِ ، ‬‬
‫فص الَتُه خبلقه‬ ‫ُّ‬
‫رب رزَّاق لعب اد حمت اجني وص لته هبم ص لة عط اء وتفضل بعد خلق‬‫ت ٍ‬ ‫ِ‬
‫ص الَ ُ‬
‫وإجياد‪ ، ‬أما صلة اخللق به سبحانه صلة ٍ‬
‫أخذ من رزقه وانتفاع مبا عنده‪ ، ‬فالعبد‬
‫والغين‬
‫ُّ‬ ‫يدعو واهلل جييب‪ ، ‬واخللق حيتاجون والزراق يعطيهم‪ ، ‬والعباد يفتقرون‬
‫يغ نيهم‪ ، ‬وإذا ق دَّموا ش يًئا من أم واهلم فإمنا هم ال ذين ينتفع ون به وجيازيهم‬

‫( ?)‬ ‫‪4‬‬

‫‪- 113 -‬‬


‫بأض عاف ما عملوا ويزيدهم من فضله‪ ، ‬وانظر إىل أمجل حديث يعرِّب عن هذا‬
‫املعىن‪ ، ‬قال اللَّه تعاىل يف احلديث القدسي‪ ...  : ‬يا عبادي‪ ، ‬كلكم ٌّ‬
‫ضال إال‬ ‫((‬

‫ائع إال من أطعمته‬


‫من هديتُه فاس تهدوني أه دكم‪ ، ‬يا عب ادي‪ ، ‬كلكم ج ٌ‬
‫فاس تطعموني أطعمكم‪ ، ‬يا عب ادي كلكم ع ا ٍر إال من كس وته فاستكس وني‬
‫أكس كم‪ ، ‬يا عب ادي إنكم تخطئون بالليل والنه ار وأنا أغفر ال ذنوب‬
‫جميعا‪ ، ‬فاستغفروني أغفر لكم‪ ، ‬يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني‬
‫ً‬
‫ولن تبلغ وا نفعي فتنفع وني‪ ، ‬يا عب ادي لو أن أولكم وآخ ركم وإنس كم‬
‫وجنكم ك انوا على أتقى قلب رجل واح ٍد منكم ما زاد ذلك في ملكي‬
‫شيًئا‪ ، ‬يا عبادي لو أن أولكم وآخ ركم وإنس كم وجنكم كانوا على أفجر‬
‫ص ذلك من ملكي ش يًئا‪ ، ‬يا عب ادي لو أن‬
‫قلب رجل واحد منكم ما َن ُق َ‬
‫أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت‬
‫كل إنس ان مس ألته ما نقص ذلك مما عن دي إال كما ينقص المخيط إذا‬
‫ُأدخل البح ر‪ ، ‬يا عب ادي إنما هي أعم الكم أحص يها لكم‪ ، ‬ثم أوفيكم‬
‫إياه ا‪ ، ‬فمن وجد خ ًيرا فليحمد اهلل‪ ، ‬ومن وجد غ ير ذلك فال يل ومن إال‬
‫نفسه‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫‪  -4‬وغني عن عبادة ِ‬


‫خلقه‪.   ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫ِ‬
‫فهو غ ني عن إيم انهم ؛ ق ال تع الى‪ِ { : ‬إ ْن تَ ْك ُف ُروا َأْنتُ ْم َو َم ْن في ْ‬
‫اَألر ِ‬
‫ض‬
‫َج ِم ًيعا فَِإ َّن اللَّهَ لَغَنِ ٌّي َح ِمي ٌد‪ [ } ‬إبراهيم‪. ] 8 : ‬‬
‫وغني عن شكرهم ؛ قال تعالى‪َ  { : ‬و َم ْن َش َك َر فَِإ نَّ َما يَ ْش ُك ُر لَِن ْف ِس ِه َو َم ْن‬
‫ُّ‬

‫(?) أخرج ه مس لم (‪ )2577‬من ح ديث أبي ذر‪ ، ‬رض ي هللا عن ه‪ ، ‬وانظ ر ج امع‬ ‫‪1‬‬

‫العلوم والحكم‪ ، ‬الحديث (‪. )24‬‬

‫‪- 114 -‬‬


‫ِ‬
‫َك َف َر فَِإ َّن َربِّي غَن ٌّي َك ِر ٌ‬
‫يم‪ [ } ‬النمل‪. ] 40 : ‬‬
‫اه ُد لَِن ْف ِس ِه ِإ َّن‬
‫‪ ‬وغني عن جهادهم‪  ‬؛ قال تعاىل‪ { : ‬ومن جاه َد فَِإ نَّما يج ِ‬
‫َ َُ‬ ‫ََ ْ َ َ‬ ‫))‬ ‫((‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اللَّهَ لَغَن ٌّي َع ِن ال َْعالَم َ‬
‫ين‪ [ } ‬العنكبوت‪. ] 6 : ‬‬
‫ثانيا‪ : ‬أنتم الفقراء إلى اهلل‪: ‬‬
‫ً‬
‫غين بذاته‪ ، ‬والعبد فقري بذاته‪ ، ‬حمتاج إىل ربه‪ ، ‬ال غىن له‬
‫فالرب سبحانه ُّ‬
‫عنه‪ ، ‬ولو طرفة عني‪. ‬‬
‫ق ال ابن القيم رمحه اللَّه‪  : ‬إن اللَّه هو الغين املطل ق‪ ، ‬واخللق فق راء‬
‫((‬

‫َّاس َأْنتُ ُم الْ ُف َق َراءُ ِإلَى اللَّ ِه َواللَّهُ ُه َو‬


‫حمت اجون إلي ه‪ ، ‬ق ال س بحانه‪ { : ‬يَا َُّأي َها الن ُ‬
‫ْح ِمي ُد‪ [ } ‬ف اطر‪َ ، ] 15 : ‬بنَّي س بحانه يف ه ذه اآلية أن فقر العب اد إليه أم ٌر‬ ‫ِ‬
‫الْغَن ُّي ال َ‬
‫ثابت‬
‫محيدا ذايت له‪ ، ‬فغناه ومحده ٌ‬
‫ذايتٌ هلم ال ينفك عنهم‪ ، ‬كما أن كونه غنيًا ً‬
‫له لذاته‪ ، ‬ال ألم ٍر أوجبه‪ ، ‬وفقر من سواه إليه ثابت لذاته ال ألمر أوجبه‪ ، ‬فال‬
‫يُعلَّل هذا الفقر حبدوث وال إمكان‪ ، ‬بل هو ذايت للفقري‪ ، ‬فحاجة العبد إىل ربه‬
‫لذاته ال لعلة أوجبت تلك احلاج ة‪ ، ‬كما أن غىن ال رب س بحانه لذاته ال ألمر‬
‫أوجب غناه‪. ‬‬
‫ف اخللق فقري حمت اج إىل ربه بال ذات ال بعل ة‪ ، ‬وكل ما يُ ذكر‪ ، ‬ويُق در من‬
‫أس باب الفقر واحلاجة فهي أدلة على الفقر واحلاجة ال ِعلَ ٌل ل ذلك‪ ، ‬إذ ما‬
‫بالذات ال يُعلل‪ ، ‬فالفقري بذاته حمتاج إىل الغين بذاته‪. ‬‬
‫وفقر الع امل إىل اللَّه س بحانه أمر ذايت ال يُعلَّ َل فهو فقري بذاته إىل ربه الغين‬
‫بذاته‪. ‬‬
‫فقريا‪ ، ‬ويستحيل أن يكون الرب سبحانه إال‬
‫فيستحيل أن يكون العبد إال ً‬
‫والرب إال ربًا‪. ‬‬
‫ُّ‬ ‫عبدا‪، ‬‬
‫العبد إال ً‬
‫غنيًا‪ ، ‬كما أنه يستحيل أن يكون ُ‬

‫‪- 115 -‬‬


‫ثالثًا‪ : ‬فقر العباد إلى ربهم فقران‪: ‬‬
‫مما سبق عُرف أن فقر العباد إىل رهبم فقران‪: ‬‬
‫األول‪ : ‬فق ٌر اض طراري‪ ، ‬وهو فق ٌر ع ام ال خ روج ل ٍرب وال ف اج ٍر عن ه‪، ‬‬
‫ذما‪ ، ‬وال ثوابًا وال عقابًا‪ ، ‬بل هو مبنزلة كون‬
‫مدحا وال ًّ‬
‫وهذا الفقر ال يقتضي ً‬
‫ومصنوعا‪. ‬‬
‫ً‬ ‫املخلوق خملوقًا‪، ‬‬
‫الفقر الث اني‪ : ‬فقر اختي اري‪ ، ‬وهو فقر اخلش ية والطاعة وذلة العبودي ة‪. ‬‬
‫وهو نتيجة علمني ش ريفني ؛ أح دمها‪ : ‬معرفة العبد لرب ه‪ ، ‬والث اين‪ : ‬معرفته‬
‫بنفس ه‪ ، ‬فمىت حص لت له هات ان املعرفت ان أنتجتا فق ًرا هو عني غن اه وعن وان‬
‫فالحه وس عادته‪ ، ‬وتف اوت الن اس يف ه ذا الفقر حبسب تف اوهتم يف ه اتني‬
‫املعرف تني‪ ، ‬فمن ع رف ربه ب الغىن املطل ق‪ ، ‬ع رف نفسه ب الفقر املطل ق‪ ، ‬ومن‬
‫ع رف ربه بالق درة التام ة‪ ، ‬ع رف نفسه ب العجز الت ام‪ ، ‬ومن ع رف ربه ب العِِّز‬
‫الت ام‪ ، ‬ع رف نفسه باملس كنة التام ة‪ ، ‬ومن ع رف ربه ب العلم الت ام واحلكمة‬
‫التامة‪ ، ‬عرف نفسه باجلهل‪. ‬‬
‫فإن اللَّه تعاىل قد أخرج العبد من بطن أمه ضعي ًفا مسكينًا‪ ، ‬جاهالً‪ ، ‬كما‬
‫ق ال تع اىل‪ { : ‬واللَّهُ َأ ْخ رج ُكم ِمن بطُ ِ‬
‫ون َُّأم َه اتِ ُك ْم الَ َت ْعلَ ُم و َن َش ْيًئا‪ . } ‬وس خر‬ ‫ََ ْ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫اللَّه له ما يف الرب والبحر مما يصلحه ويعينه على أمر دينه ودنياه‪ ، ‬فلما شعر ب أن‬
‫له ق درة على الس عي‪ ، ‬واس تطاعة على الت دبري ظن املس كني أن له نص يبًا من‬
‫وادعى لنفسه ُمل ًكا مع اهلل س بحانه‪ ، ‬ورأى نفسه بغري ه ذا الض عف‬
‫املل ك‪َّ ،‬‬
‫األول الذي كان عليه‪ ، ‬ونسي ما كان فيه من حالة اإلعدام والفقر واحلاجة ؛‬
‫شخصا غريه‪. ‬‬
‫ً‬ ‫حىت كأنه مل يكن هو ذلك الفقري احملتاج‪ ، ‬بل كأن ذلك‬
‫كما روى اإلم ام أمحد يف مس نده من حديث بسر بن جحاش القرشي أن‬

‫‪- 116 -‬‬


‫يوما يف كف ه‪ ، ‬فوضع عليها إص بعه‪ ، ‬مث ق ال‪: ‬‬
‫النيب ص لى اهلل عليه وس لم ب زق ً‬
‫آدم‪ ، ‬أنَّى تُعج زني وقد خلقتك من مثل ه ذه ح تى إذا‬‫‪ ‬ق ال اللَّه‪ : ‬ابن َ‬ ‫((‬

‫ت بين بردين ولألرض منك وئيد‪ ، ‬فجمعت ومنعت‬


‫مشي َ‬
‫َس َّو ْيتُك وع َدلْتُك ْ‬
‫حتى إذا بلغت التراقي قُلت‪َّ : ‬‬
‫أتصدق‪ ، ‬وأنى أوان التصدق‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫املخذول عن حقيقته‬
‫َ‬ ‫ومن هنا َخ َذل من خذل‪ ، ‬ووفَّق من وفق‪ ، ‬فحجب‬
‫َّت‬
‫ونسي نفس ه‪ ، ‬فنسي فق ره وحاجته وض رورته إىل رب ه‪ ، ‬فطغى وعتا فحق ْ‬
‫ِ‬
‫عليه الش ْق َوةُ‪ ، ‬ق ال تع اىل‪َ  { : ‬كالَّ ِإ َّن اِإل نْ َس ا َن لَيَطْغَى (‪َ )6‬أ ْن َرآهُ ْ‬
‫اس َت ْغنَى‪} ‬‬
‫ص َّد َق بِال ُ‬
‫ْح ْس نَى (‪)6‬‬ ‫[‪ ‬العل ق‪ ، ] 7 ،6 : ‬وقال تعاىل‪ { : ‬فَ ََّأما َم ْن َأ ْعطَى َو َّات َقى (‪َ )5‬و َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب بِال ُ‬
‫ْح ْس نَى (‪)9‬‬ ‫اس َت ْغنَى (‪َ )8‬و َك َّذ َ‬
‫فَ َسُنيَ ِّس ُرهُ للْيُ ْس َرى (‪َ )7‬و ََّأما َم ْن بَخ َل َو ْ‬
‫فَ َسُنيَ ِّس ُرهُ لِلْعُ ْس َرى‪ [ } ‬الليل ‪. ] 10 - 5‬‬
‫هودا لفق ره وض رورته‬
‫فأكمل اخللق أكملهم عبودي ة‪ ، ‬وأعظمهم ش ً‬
‫وحاجته إىل ربه وعدم استغنائه عنه طرفة عني‪. ‬‬
‫وقد ك ان النيب ص لى اهلل عليه وس لم أعظم الن اس افتق ًارا إىل رب ه‪ ، ‬وك ان‬
‫من دعائ ه‪  : ‬اللهم رحمتك أرج و‪ ، ‬فال تكل ني إلى نفسي طرفة عين‪، ‬‬ ‫((‬

‫وأصلح لي شأني كله ‪ ،‬ال إله إال أنت‪. )2(  ‬‬


‫))‬

‫وقد ك ان يعلم أن قلبه ال ذي بني جنبيه بيد ال رمحن عز وجل ال ميلك منه‬
‫شيًئا‪ ، ‬وأن اللَّه سبحانه يصرفه كما يشاء‪ ، ‬وكان يدعو‪  : ‬يا مقلب القلوب‬
‫((‬

‫(‪)3‬‬
‫ك والعبودية اخت ار أن يك ون‬
‫ثبت قل بي على دينك‪ .   ‬وملا عُ رض عليه املـ ْل ُ‬
‫))‬

‫ُ‬
‫(?) أخرجه أحمد ‪ ،4/210‬والحاكم ‪ ، )2/502‬وصححه الحاكم‪. ‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرج ه أحم د ‪ ،5/42‬والبخ اري في األدب المف رد (‪ ، )701‬وأب و داود (‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ، )5090‬وابن حبان (‪ ، )970‬من حديث أبي بكرة‪ ، ‬رضي هللا عنه‪. ‬‬


‫(?) أخرج ه الطيالس ي (‪ ، )1713‬وأحم د ‪ ،6/315 ،3/112‬والترم ذي (‪،2140‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 117 -‬‬


‫وعبدا ملواله‪. ‬‬
‫فقريا لربه‪ً ، ‬‬
‫ً‬
‫عن عائشة رضي اهلل عنها ق الت‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪: ‬‬
‫‪ ‬يا عائشة‪ ، ‬لو شئت لسارت معي جبال الذهب‪ ، ‬جائني ملك إن ُح ْجزته‬ ‫((‬

‫لتُساوي الكعبة‪ ، ‬فقال‪ : ‬إن ربك يقرأ عليك السالم‪ ، ‬ويقول‪ : ‬إن ِش َ‬
‫ئت‬
‫نبيًّا عب ًدا‪ ، ‬وإن شئت نبيًّا ملِ ًك ا‪ ‬؟ فنظرت إلى جبريل عليه السالم‪ ، ‬فأشار‬
‫إلي أن ضع نفس ك‪ ، ‬ق ال‪ : ‬فقلت‪ : ‬نبيًّا عب ًدا‪ .   ‬ق الت‪ : ‬فك ان رس ول اهلل‬
‫))‬
‫َّ‬
‫يأكل العب ُد‪،‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم بعد ذلك ال يأكل متكًئا يقول‪  : ‬آكل كما ُ‬
‫((‬

‫يجلس العب ُد‪. )1(  ‬‬


‫))‬
‫ُ‬ ‫وأجلس كما‬
‫ُ‬
‫فأص بح هبذا الن وع من االفتق ار س يد ولد آدم‪ ، ‬وص احب ل واء احلم د‪، ‬‬
‫وأول من تفتح له اجلن ة‪ ، ‬وص احب املق ام احملم ود‪ ، ‬وُأس ري به يف الس ماوات‬
‫الس بع ؛ ألنه ك ان كامل العبودي ة‪ ، ‬وكامل االفتق ار لرب ه‪ ، ‬ق ال تع اىل‪: ‬‬
‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َأس َرى بِ َع ْب ده ل َْيالً م َن ال َْم ْس جد ال َ‬
‫ْح َر ِام ِإلَى ال َْم ْس جد اَألق َ‬
‫ْص ى‪} ‬‬ ‫{‪ُ  ‬س ْب َحا َن الَّذي ْ‬
‫[‪ ‬اإلس راء‪ . ] 1 : ‬واس تحق أن يُ ْغ َفر له ما تق دم من ذنبه وما ت أخر‪ ، ‬ففي ح ديث‬
‫الشفاعة‪  : ‬إن المسيح يقول لهم‪ : ‬ائتوا محم ًدا عب ًدا غفر اهلل له ما تقدم‬ ‫((‬

‫من ذنبه وما تأخر‪. )2(  ‬‬


‫))‬

‫‪ ، )3522‬من حديث أنس وأم سلمة‪ ، ‬رضي هللا عنهما‪. ‬‬


‫(?) أخرجه أب و يعلى (‪ ، )4920‬ومن طريق ه البغ وي في ش رح الس نة ‪،13/247‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،248‬وق ال الهيثمي في المجم ع ‪ :9/19‬إس ناده حس ن‪ ، ‬وأخرج ه أحم د ‪،2/231‬‬


‫وأبو يعلى (‪ ، )6105‬وابن حبان (‪ ، )6365‬والبغوي ‪ ،249 ،13/248‬من حديث‬
‫ابن عباس‪ ، ‬وأبي هريرة‪ ، ‬رضي هَّللا عنهم‪. ‬‬
‫(?) أخرجه البخاري ( ج ‪ ، )13/7440‬وأحمد (‪ 3‬ص ‪ ، )242 ،116‬والطيالسي‬ ‫‪2‬‬

‫(‪. )2010‬‬

‫‪- 118 -‬‬


‫***‬
‫شيء في غناه‪: ‬‬
‫ٌ‬ ‫رابعا‪ : ‬ليس كمثله‬
‫ً‬
‫وهذا من وجوه‪: ‬‬
‫األول‪ : ‬كثرة ما عند اللَّه‪: ‬‬
‫ض َو َما فِي ِه َّن َو ُه َو َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء‬
‫اَألر ِ‬ ‫ك َّ ِ‬
‫الس َم َوات َو ْ‬ ‫ق ال تع اىل‪ { : ‬لِلَّ ِه ُم ْل ُ‬
‫قَ ِد ٌير‪ [ } ‬املائدة‪. ] 120 : ‬‬
‫ق ال ابن كثري يف ه ذه اآلي ة‪  : ‬أي هو اخلالق لألش ياء املالك هلا املتَص ِّرف‬
‫((‬

‫ُ‬
‫فيها القادر عليها‪ ، ‬فاجلميع ملكه وحتت قهره‪ ، ‬وقدرته ويف مشيئته‪ ، ‬فال نظري‬
‫له وال وزير‪ ، ‬وال عديل وال والد‪ ، ‬وال ولد‪ ، ‬وال صاحبة‪ ، ‬وال إله غريه وال‬
‫رب سواه‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫الثاني‪ : ‬غناه دائم‪: ‬‬


‫فما من خمل وق أص بح غنيًّا إال بعد فقر أو تك ون عاقبتُه إىل فقر أو يفين‬
‫املال وص احبه‪ ، ‬أما اللَّه جل جالله فغن اه دائم ال يفىن أب ًدا‪ ، ‬ق ال تع اىل‪َ  { : ‬ما‬
‫اق‪ [ } ‬النح ل‪ ، ] 96 : ‬وق ال تع اىل‪ُ  { : ‬ك ُّل َم ْن َعلَْي َها‬ ‫ِع ْن َد ُكم ي ْن َف ُد وما ِع ْن َد اللَّ ِه ب ٍ‬
‫َ‬ ‫ْ َ ََ‬
‫ْجالَ ِل َواِإل ْك َر ِام‪ [ } ‬الرمحن‪. ] 27 ،26 : ‬‬ ‫فَ ٍ‬
‫ك ذُو ال َ‬‫ان (‪َ )26‬و َي ْب َقى َو ْجهُ َربِّ َ‬
‫ذاتي‪: ‬‬
‫الثالث غناه ُّ‬
‫أي أن غىن اللَّه يف ذاته وليس فيما ي راه الن اس من امللك يف الس ماوات‬
‫واألرض‪ ، ‬فإمنا أمره إذا أراد شيًئا أن يقول له‪ : ‬كن فيكون‪ ، ‬ولكن غىن اخللق‬
‫إمنا يك ون مبا ميتلك ون من ث روات وأم وال‪ ، ‬فكل من ُو ِص ف ب الغىن من اخللق‬
‫فإمنا حيت اج إىل ما ميل ك‪ ، ‬أما اللَّه جل جالله فإمنا حيت اج كل ملكه وكل خلقه‬

‫(?) تفسير ابن كثير (‪. )2/117‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 119 -‬‬


‫إليه‪ ، ‬فال حيتاج اللَّه إىل العرش وال محلته وال الكرسي وعظمته‪ ، ‬وال حيتاج إىل‬
‫ميكائيل ل ريزق اخلل ق‪ ، ‬وال إىل جربيل لتبليغ رس الته‪ ، ‬بل كل ه ؤالء وغ ريهم‬
‫من خلق اهلل حيتاجون إليه من كل الوجوه وهو غين عنهم من كل الوجوه‪. ‬‬
‫الرابع‪ : ‬غناه مطلق‪: ‬‬
‫فإن اخللق حيتاجون إىل ما تقوم به أبداهنم وأرواحهم‪ ، ‬وهذا جيعلهم فقراء‬
‫إىل رزق اللَّه من كل الوجوه‪ ، ‬فإهنم فقراء إىل الطعام وإىل الشراب‪ ، ‬والنفس‬
‫فقر مطلق إىل اللَّه‬
‫والروح والسعادة والزوجة والولد‪ ، ‬والسمع والبصر‪ .. ‬هذا ٌ‬
‫ال ذي بي ده ه ذه النعم وغريها مما ال غىن عنه للخل ق‪ ، ‬أما اللَّه ج َّل جالله فإنه‬
‫غين عن ذلك كله‪ ، ‬بل وعن كل ما سواه‪ ، ‬تبارك وتعاىل‪ ، ‬لذلك فإن غىن اللَّه‬ ‫ّ‬
‫غىن مطلق‪ ، ‬وكل العباد فقرهم إىل اللَّه فقر مطلق‪. ‬‬
‫***‬
‫خامسا‪ : ‬وأنه هو أغنى وأقنى‬ ‫ً‬
‫من أسباب الغنى‬
‫ْك ُت ْؤ تِي ال ُْمل َ‬ ‫ك الْمل ِ‬ ‫ِ‬
‫ْك‬
‫ْك َم ْن تَ َش اءُ َوَت ْن ِزعُ ال ُْمل َ‬ ‫قال تعاىل‪ { : ‬قُ ِل اللَّ ُه َّم َمال َ ُ‬
‫ِم َّم ْن تَ َشاءُ َوتُِع ُّز َم ْن تَ َشاءُ َوتُ ِذ ُّل َم ْن تَ َشاءُ بِيَ ِد َك الْ َخ ْي ُر ِإنَّ َك َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير‪} ‬‬
‫[‪ ‬آل عم ران‪ . ] 26 : ‬ف إن الغىن والعط اء بيد من له ملك األرض والس ماء‪ ، ‬فال يَغْتَين‬
‫أح ٌد إال بإذنه‪ ، ‬وال يُرزق أح ٌد إال من عطاِئه‪ ، ‬وقد جعل اللَّه لرزقه أسبابًا يُغىن‬
‫هبا من أراد من عباده‪ ، ‬فمن هذه األسباب‪: ‬‬
‫‪ -1‬المتفرغ للعبادة‪: ‬‬
‫ق ال تع اىل يف احلديث القدس ي‪  : ‬يا ابن آدم‪ ، ‬تف رغ لعب ادتي أملء‬
‫((‬

‫نى‪ ، ‬وأسد فق رك‪ ،‬وإالَّ تفعل ُ‬


‫مألت ص درك ش غالً ولم أسد‬ ‫ص درك غ ً‬

‫‪- 120 -‬‬


‫فق رك‪ . )1(  ‬ويف رواية ق ال‪  : ‬يا ابن آدم‪ ، ‬تف رغ لعب ادتي أمأل قلبك غنًى‬
‫((‬ ‫))‬

‫فقرا وأمأل ي ديك‬


‫وأمأل يديك رزقًا‪ ، ‬يا ابن آدم‪ ، ‬ال تباعد منِّي فامأل قلبك ً‬
‫شغالً‪. )2(  ‬‬
‫))‬

‫‪ -2‬من نزلت به فاقة فأنزلها باللَّه‪: ‬‬


‫عن ابن مسعود رضي اهلل عنه قال‪ : ‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫‪ ‬من أص ابته فاقة(‪ )3‬فأنزلها بالن اس لم تُس ُّد فاقتُ ه‪ ، ‬ومن أنزلها باللَّه‬ ‫((‬

‫فيوشك(‪ )4‬اللَّهُ له برزق عاجل أو آجل‪. )5(  ‬‬


‫))‬

‫در القائل‪: ‬‬
‫وهلل ُّ‬
‫حتجب‬
‫ُ‬ ‫وسل الذي أبوابه ال‬ ‫بين آدم حاجة‬
‫ال تسألن َّ‬
‫وبين آدم حني يُسأل يغضب‬
‫َّ‬ ‫تركت سؤاله‬
‫َ‬ ‫يغضب إن‬
‫ُ‬ ‫اللَّهُ‬
‫‪ -3‬المتابعة بين الحج والعمرة‪: ‬‬
‫ق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬ت ابعوا بين الحج والعم رة‪ ، ‬فإنهما‬
‫((‬

‫الكير خبث الحديد‪. )6(  ‬‬


‫))‬
‫ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي ُ‬
‫‪ -4‬تقوى اللَّه عز وجل‪: ‬‬
‫ق ال تع اىل‪َ  { : ‬و َم ْن َيت َِّق اللَّهَ يَ ْج َع ْل لَ هُ َم ْخ َر ًجا (‪َ )2‬و َي ْر ُزقْ هُ ِم ْن َح ْي ُ‬
‫ث الَ‬
‫(?) ص حيح لغ يره‪ . ‬أخرج ه أحم د (ج‪ ، )16/8681‬والترم ذي (ج‪)4/2466‬‬ ‫‪1‬‬

‫وغيرهما عن أبي هريرة رضي هللا عن ه عن رس ول هَّللا ص لى هللا علي ه وس لم أن ه‬


‫قال‪... ‬‬
‫(?) صحيح لغيره‪ . ‬أخرجه الح اكم ( ج ‪ 4‬ص ‪ ، )326‬والط براني ( ج ‪)20/500‬‬ ‫‪2‬‬

‫عن معقل بن يسار رضي هللا عنه‪. ‬‬


‫(?) الفاقة‪ : ‬الحاجة والفقر‪. ‬‬ ‫‪3‬‬

‫ْر ُ‬
‫ع‪. ‬‬ ‫(?) يوشك‪ : ‬أي يُس ِ‬
‫‪4‬‬

‫(?) رواه أبو داود‪ ، ‬والترمذي‪ ، ‬وقال‪ : ‬حديث حسن‪. ‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) أخرجه أحمد ‪ ،1/387‬والترمذي (‪ ، )810‬من حديث ابن مس عود‪ ، ‬رض ي هَّللا‬ ‫‪6‬‬

‫عنه‪ . ‬وانظر صحيح جامع الترمذي (‪. )650‬‬

‫‪- 121 -‬‬


‫آمنُ وا َو َّات َق ْوا‬ ‫ب‪ [ } ‬الطالق‪ ، ] 3 ،2 : ‬وقال اللَّه تعاىل‪َ  { : ‬ول َْو َّ‬ ‫ِ‬
‫َأن َْأه َل الْ ُق َرى َ‬ ‫يَ ْحتَس ُ‬
‫ض‪ [ } ‬األعراف‪. ] 96 : ‬‬ ‫اَألر ِ‬ ‫ات ِمن َّ ِ‬ ‫لََفتَ ْحنَا َعلَْي ِهم بر َك ٍ‬
‫الس َماء َو ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ََ‬
‫‪ -5‬االستغفار‪: ‬‬
‫اء‬
‫الس َم َ‬‫اس َت ْغ ِف ُروا َربَّ ُك ْم ِإنَّهُ َك ا َن غَ َّف ًارا (‪ُ )10‬ي ْر ِس ِل َّ‬ ‫ق ال تع اىل‪َ  { : ‬ف ُقل ُ‬
‫ْت ْ‬
‫َعلَْي ُكم ِم ْدرارا (‪ )11‬ويم ِد ْد ُكم بِ َْأمو ٍال وبنِين وي ْجع ل لَ ُكم جن ٍ‬
‫َّات َويَ ْج َع ْل لَ ُك ْم‬ ‫ْ َ ََ َ ََ َ ْ ْ َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ْ ًَ‬
‫َأْن َه ًارا‪ [ } ‬احلج‪. ] 12 -10 : ‬‬
‫وعن ابن عب اس رضي اهلل عنهما ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫مخرج ا‪ ، ‬ومن كل‬
‫ً‬ ‫وس لم‪  : ‬من ل زم االس تغفار جعل اهلل له من كل ض يق‬ ‫((‬

‫فرجا‪ ، ‬ورزقه من حيث ال يحتسب‪. )1(  ‬‬


‫))‬
‫هم ً‬
‫‪ -6‬إرادة الزواج ُّ‬
‫تعف ًفا‪: ‬‬
‫الص الِ ِحين ِمن ِعب ِ‬
‫اد ُك ْم َوِإ َم اِئ ُك ْم ِإ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال تعاىل‪َ  { : ‬وَأنْك ُح وا اَأليَ َامى م ْن ُك ْم َو َّ َ ْ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ي ُكونُوا ُف َق راء ي ْغنِ ِهم اللَّهُ ِمن فَ ْ ِ ِ‬
‫يم‪ [ } ‬الن ور‪ . ] 32 : ‬قال أبو بكر‬ ‫ض له َواللَّهُ َواس ٌع َعل ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫َ‬
‫الص ديق رضي اهلل عن ه‪  : ‬أطيع وا اللَّه فيما أم ركم به من النك اح ينجز لكم ما‬ ‫((‬

‫وعدكم من الغىن‪.)2(  ‬‬


‫))‬

‫وعن ابن مسعود رضي اهلل عنه قال‪  : ‬التمسموا الغىن يف النكاح‪.)3(  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬ثالثة حق على اللَّه عونهم‪ : ‬الناكح‬
‫((‬

‫يُريد العفاف‪ ، ‬والمكاتب يريد األداء‪ ، ‬والغازي في سبيل اللَّه‪.)4(  ‬‬


‫))‬

‫(?) رواه أب و داود ‪ ،‬وق ال الش يخ األلب اني ‪ :‬لكن في ه مجه ول كم ا بينت ه في‬ ‫‪1‬‬

‫((‪ ‬الضعيفة‪. )706( )) ‬‬


‫(?) تفسير ابن كثير (‪. )3/273‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) المصدر السابق‪. ‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) رواه أحمد‪ ، ‬والترمذي‪ ، ‬والنس ائي‪ ، ‬وابن ماج ه‪ ، ‬عن أبي هري رة رض ي هللا‬ ‫‪4‬‬

‫عنه‪. ‬‬

‫‪- 122 -‬‬


‫‪ -7‬االستغناء باللَّه عن الخلق‪: ‬‬
‫عن حكيم بن ح زام رضي اهلل عنه أن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪: ‬‬
‫يعفه اللَّهُ‪ ، ‬ومن يَ ْستَغني ُيغْنِ ِه اللَّه‪. )1(  ‬‬
‫))‬ ‫‪ ... ‬من يَ ْستعفف ُّ‬ ‫((‬

‫ولكن‬
‫الغنَى عن كثرة العرض‪َّ ، ‬‬ ‫وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬ليس ِ‬
‫((‬

‫الغنَى ِغنَى النفس‪. )2(  ‬‬


‫))‬
‫ِ‬
‫اء‬
‫وقد أحسن َمن ق ال‪  : ‬ما أجمل إحس ان األغني اء إلى الفق راء رج ً‬
‫((‬

‫ِ‬
‫الفقراء على األغنياء ثقة فيما عند اللَّه‪.   ‬‬
‫))‬
‫لثواب اللَّه وأحسن منه تيهُ‬
‫‪ -8‬صلة الرحم‪: ‬‬
‫عن أنس رضي اهلل عنه أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪  : ‬من‬
‫((‬

‫أحب أن ُي ْب َسط له في رزقه‪ ، ‬ويُنسأ له في أثره‪ ، ‬فليصل رحمه‪. )3(  ‬‬


‫))‬

‫‪ -9‬الزكاة والصدقة‪: ‬‬
‫عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪ : ‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪: ‬‬
‫‪ ‬قال اللَّه عز وجل‪َ : ‬أنْ ِفق ُأنْ ِفق عليك‪. )4(  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪ : ‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫‪ ‬ما فتح رجل باب عطية بصدقة أو صلة إال زاده اللَّه تعالى بها كثرة‪ ، ‬وما‬ ‫((‬

‫فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إال زاده اللَّه تعالى بها قله‪. )5(  ‬‬
‫))‬

‫(?) متفق عليه‪. ‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) متفق عليه‪. ‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) متفق عليه‪ ، ‬ومعنى ((‪ ‬ينسأ له في أثره‪ )) ‬أي‪ : ‬يَُؤ َّخر له في أجله وعمره‪. ‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) رواه أحمد في مسنده‪ ، ‬والبخاري ومسلم‪. ‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) صحيح‪ : ‬رواه البيهقي في شعب اإليم ان عن أبي هري رة‪ ، ‬وص ححه األلب اني‬ ‫‪5‬‬

‫في صحيح الجامع برقم (‪. )5522‬‬

‫‪- 123 -‬‬


‫همه اآلخرة‪: ‬‬
‫‪ -10‬من كان ُّ‬
‫قال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬من كانت اآلخرةُ نيتَ ه‪ ، ‬جمع اللَّه له‬
‫((‬

‫أمره‪ ، ‬وجعل غناه في قلبه‪ ، ‬وأتته الدنيا وهي راغمة‪. )1(  ... ‬‬


‫))‬

‫بعض ا بثالثة‬
‫وك ان أص حاب النيب ص لى اهلل عليه وس لم ينصح بعض هم ً‬
‫أم ور‪ ،‬فيقول ون‪  : ‬من أص لح ما بينه وبين اللَّه أص لح اللَّه ال ذي بينه وبين‬
‫((‬

‫الن اس‪ ، ‬ومن أص لح س ريرته أص لح اللَّهُ عالنيت ه‪ ، ‬ومن اهتم بآخرته كف اه‬
‫اللَّه أمر دنياه‪.   ‬‬
‫))‬

‫‪ -11‬الدعاء‪ : ‬عن أيب هريرة أن النيب صلى اهلل عليه وسلم كان يقول‪: ‬‬
‫‪ ‬إذا بقي ثلث الليل ي نزل اللَّه عز وجل إلى س ماء ال دنيا‪ ، ‬فيق ول‪ : ‬من ذا‬ ‫((‬

‫الذي يدعوني استجيب له‪ ‬؟ من ذا الذي يستغفرني أغفر له‪ ‬؟ من ذا الذي‬


‫الضر أكشفه‪. )2(  ‬‬
‫))‬ ‫يسترزقني أرزقه‪ ‬؟ من ذا الذي يستكشف َّ‬
‫وعن س لمان رضي اهلل عنه ق ال‪ : ‬ملا خلق اللَّهُ آدم عليه الس الم ق ال‪: ‬‬
‫َّ‬
‫‪ ‬واحدةٌ لي‪ ، ‬وواحدة لك‪ ، ‬وواحدة بيني وبينك‪ ، ‬فأما التي لي‪ : ‬تعبدني‬ ‫((‬

‫وأما التي لك‪ : ‬فما عملت من ٍ‬


‫شيء جزيتك به‪ ، ‬وأنا‬ ‫وال تشرك بي شيًئا‪َّ ، ‬‬
‫رحيم‪ ، ‬وأما ال تي بي ني وبين ك‪ : ‬منك المس ألة وال دعاء‪، ‬‬ ‫ور ٌ‬ ‫أغفر وأنا غف ٌ‬
‫وعلي اإلجابة والعطاء‪. )3(  ‬‬
‫))‬
‫َّ‬
‫***‬
‫من أسباب الفقر‪  ... ‬وهؤالء ُي ْف ِقرهم اللَّه‪ ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫(?) أخرج ه ابن ماج ه (‪ ، )225 -3/524‬وابن حب ان (‪ )72‬عن زي د بن ث ابت‪، ‬‬ ‫‪1‬‬

‫وصححه األلباني في السلسلة الصحيحة (‪. )950‬‬


‫(?) سبق تخريجه‪. ‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) صحيح‪ . ‬أخرجه أحمد في الزهد ( ص ‪. ) 47‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 124 -‬‬


‫‪ -1‬المعصية‪: ‬‬
‫جاء يف األثر‪  : ‬إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه‪.   ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫وقد ق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬إن روح الق دس نفث في روعي‬
‫((‬

‫نفس ا لن تم وت ح تى تس تكمل أجلها وتس توعب رزقه ا‪ ، ‬ف اتقوا اهلل‬


‫أن ً‬
‫يحملن أح دكم اس تبطاءُ ال رزق أن يطلبه بمعص ية‬
‫َّ‬ ‫وأجمل وا في الطلب وال‬
‫اللَّه‪ ، ‬فإن اللَّه تعالى ال يُنال ما عنده إال بطاعته‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫‪ -2‬سؤال الناس‪: ‬‬
‫ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬ثالث ةٌ ُأق ِ‬
‫ْس م عليه ا‪ ‬وأح دثكم‬ ‫((‬

‫ال عبد من ص دقة وال ظُلم عب ٌد مظلمة ص بر‬ ‫ح ديثًا ف احفظوه‪ : ‬ما نقص م ُ‬
‫ٍ‬
‫اب َم ْس َألة إال َفتَ َح اللَّهُ عليه بَ َ‬
‫اب‬ ‫عليها إال زاده اللَّه ع ًزا‪ ،‬وال َفتَ َح َع ْب ٌد ب َ‬
‫فقر‪. )2(  ... ‬‬
‫))‬

‫وق ال ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬من أص ابته فَاق ةٌ فأنزلها بالن اس لم تُس َّد‬
‫((‬

‫فيوشك اللَّهُ له برزق عاجل أو آجل‪. )3(  ‬‬


‫))‬
‫ُ‬ ‫فاقته‪ ، ‬ومن أنزلها باللَّه‬
‫‪ -3‬الربا‪: ‬‬
‫الص َدقَ ِ‬
‫ات‪ [ } ‬البقرة‪. ] 276 : ‬‬ ‫قال تعاىل‪ { : ‬يَ ْم َح ُق اللَّهُ ِّ‬
‫الربَا َو ُي ْربِي َّ‬
‫قال ابن كثري‪  : ‬خيرب اللَّه تعاىل أنه ميحق الربا يُذهبه إما بأن يُ ْذ ِهبه بالكلية‬
‫((‬

‫من يد ص احبه‪ ، ‬أو حيرمه بركة ماله فال ينتفع ب ه‪ ، ‬بل يعدمه به يف ال دنيا‬

‫(?) رواه أبو نعيم في الحلية عن أبي أمامة‪ . ‬صحيح الجامع (‪. )2085‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه الترمذي‪ ، ‬وقال‪ : ‬حديث حس ن ص حيح‪ ، ‬عن أبي كبش ة عم رو بن س عد‬ ‫‪2‬‬

‫األنماري‪ ، ‬رضي هللا عنه‪. ‬‬


‫(?) سبق تخريجه ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 125 -‬‬


‫ويعاقبه عليه ي وم القيام ة‪ . ‬وعن ابن مس عود رضي اهلل عنه عن النيب ص لى اهلل‬
‫تصير إلى قُل‪. )2(  )1(  ‬‬
‫))‬ ‫))‬
‫كثر فإن عاقبته ُ‬
‫عليه وسلم‪  : ‬إن الربا وإن ُ‬ ‫((‬

‫‪ -5‬الكذب‪: ‬‬
‫عن حكيم بن ح زام رضي اهلل عنه ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫وبَّينَا بُ و ِرك لهما في‬
‫ص َدقَا َ‬
‫البِّي َع ان بالخي ار ما لم َيَت َف َّرقَا ف إن َ‬
‫وس لم‪َ   : ‬‬
‫((‬

‫بيعهما‪ ، ‬وإن كذبا وكتما ُم ِح َقت بركةُ بيعهما‪. )3(  ‬‬


‫))‬

‫‪ -6‬الحلف في البيع‪: ‬‬
‫عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪ : ‬مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ف منفقةٌ للسلعة‪ ، ‬ممحقةٌ للكسب‪. )4(  ‬‬
‫))‬ ‫الحلِ ُ‬
‫يقول‪َ   : ‬‬ ‫((‬

‫وعن أيب قت ادة رضي اهلل عنه أنه مسع رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫يقول‪  : ‬إياكم وكثرة الحلف في البيع‪ : ‬فإنه ُيَن ِّف ُق ثم ْيم َح ُق‪. )5(  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫‪ -7‬مانع الزكاة‪: ‬‬
‫عن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪ : ‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫قوم زكاة أموالهم إال ُمنِعوا القطر من السماء‪ ، ‬ولوال البهائم لم‬
‫‪ ‬لم يمنع ٌ‬ ‫((‬

‫يمطروا‪. )6(  ‬‬ ‫))‬

‫(?) أخرجه أحمد (‪ ، )1/395‬وابن ماجه (‪ ، )2279‬والح اكم (‪ ، )2/37‬وص ححه‬ ‫‪1‬‬

‫الحاكم ‪ ،‬وانظر صحيح سنن ابن ماجه (‪. )1848‬‬


‫(?) انظر تفسير ابن كثير (‪. )1/310‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) متفق عليه‪ُ  (( . ‬محقت‪ )) ‬أي‪ : ‬ذهبت ولم يحصال إال على التعب‪. ‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) متفق عليه‪. ‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) رواه مسلم‪. ‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) رواه الط براني في الكب ير عن ابن عم ر‪ ، ‬وابن ماج ه‪ ، ‬وابن أبي ال دنيا‪، ‬‬ ‫‪6‬‬

‫والح اكم في المس تدرك‪ ، ‬وص ححه األلب اني في ص حيح الج امع ب رقم (‪، )5080‬‬
‫والصحيحة رقم (‪. )106‬‬

‫‪- 126 -‬‬


‫‪ -8‬ترك الحكم بما أنزل اللَّه‪  : ‬وخمس بخمس‪.   ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫ين يف حكمه ف أفقرهم‪ . ‬عن ابن عب اس‬


‫ف إن من فعل ذلك فقد خ الف الغَ َّ‬
‫ٍ‬
‫بخمس‪: ‬‬ ‫رضي اهلل عنه ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬خمس‬
‫((‬

‫ما نقض قوم العهد إال سلط عليهم عدوهم‪ ، ‬وما حكموا بغير ما أنزل اللَّهُ إال‬
‫فشا فيهم الفق ُر‪ ، ‬وال ظه رت فيهم الفاحشة إال فشا فيهم الم وت‪ ، ‬وال َّ‬
‫طف ُف وا‬
‫المكيال إال ُمنِعوا النبات‪ ، ‬وُأخذوا بالسنين‪ ، ‬وال منعوا الزكاة إال ُحبس عنهم‬
‫القطر‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫‪ -9‬السخط والقنوط‪: ‬‬
‫عن ابن عب اس رضي اهلل عنهما ق ال‪  : ‬إن من ض عف اليقين إرض اء‬
‫((‬

‫وذمهم على قدر اهلل وجلب‬


‫الناس بسخط اهلل‪ ، ‬وحمدهم على رزق اهلل‪ِّ ، ‬‬
‫ال رزق بمعص ية اللَّه‪ ، ‬ف إن رزق اهلل ال يج ره ح رص ح ريص‪ ، ‬وال تدفعه‬
‫كراهية ك اره‪ ، ‬وإن اهلل برحمته جعل ال َّر ْوح في الرضى واليقين‪ ، ‬وجعل‬
‫الفقر في السخط والقنوط‪.   ‬‬
‫))‬

‫همه‪: ‬‬
‫‪ -10‬من كانت الدنيا َّ‬
‫فرق اللَّه‬
‫همه َّ‬
‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬من كانت الدنيا َّ‬
‫((‬

‫عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إال ما كتب له‪. )2(  ‬‬
‫))‬

‫(?) حسن‪ . ‬رواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس‪ ، ‬وحسنه األلباني في ص حيح‬ ‫‪1‬‬

‫الجامع (‪. )3235‬‬
‫(?) تقدم تخريجه‪. ‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 127 -‬‬


‫‪ ‬الوهاب‪  ‬تبارك وتعالى‬ ‫))‬ ‫((‬

‫قال ابن القيم رمحه اللَّه‪: ‬‬


‫فانظر مواهبه مدى األزمان‬ ‫اب من أمسائه‬ ‫الوه ُ‬
‫وكذلك َّ‬
‫عن تلك املواهب ليس ينفكان‬ ‫ِ‬
‫واألرض‬ ‫ِ‬
‫السماوات العُلَى‬ ‫أهل‬
‫المعنى اللغوي‪: ‬‬
‫الفعال للمبالغ ة‪، ‬‬
‫والوهاب على وزن َّ‬
‫ال واهب‪ : ‬الكثري اهلبة والعطي ة‪َّ ، ‬‬
‫ب لعب اده واح ٍد بعد واح ٍد ويعطيهم فج اءت‬
‫اب َي َه ُ‬
‫الوه ُ‬
‫فاهلل عز وجل هو َّ‬
‫وتردده‪. ‬‬
‫فعال لكثرة ذلك َّ‬ ‫الصفة على وزن َّ‬
‫والهبة‪ : ‬اإلعطاء تفض الً وابتداءً من غري استحقاق وال مكافأة‪ ، ‬وقيل‪: ‬‬
‫اهلبة أن جتعل ملكك لغ ريك بغري ِع ٍ‬
‫وض وال َغ َر ٍ‬
‫ض وبغري ق درة من املوه وب‬
‫على كسبها وال تكون هبة إال هبذين الركنني‪: ‬‬
‫‪ -1‬التملك‪. ‬‬
‫‪ -2‬بال عوض(‪. )1‬‬
‫الدليل الشرعي‪: ‬‬
‫ورد اسم ‪ ‬الوه اب‪  ‬تب ارك وتع اىل يف كت اب اللَّه س بحانه وتع اىل ثالث‬ ‫))‬ ‫((‬

‫مرات وهي‪: ‬‬
‫ب لَنَا ِم ْن‬ ‫وبنَا َب ْع َد ِإ ْذ َه َد ْيَتنَا َو َه ْ‬ ‫األولى‪ : ‬ق ال تع اىل‪َ  { : ‬ر َّبنَا الَ تُ ِز ْ‬
‫غ ُقلُ َ‬
‫َّاب‪ [ } ‬آل عمران‪. ] 8 : ‬‬ ‫ت ال َْوه ُ‬ ‫ك َأنْ َ‬ ‫ك َر ْح َمةً ِإنَّ َ‬
‫لَ ُدنْ َ‬
‫ب لِي ُم ْل ًكا الَ َي ْنبَ ِغي‬ ‫ال ر ِّ ِ ِ‬
‫ب ا ْغف ْر لي َو َه ْ‬ ‫الثاني ة‪ : ‬ق ال جل جالل ه‪ { : ‬قَ َ َ‬
‫َّاب‪ [ } ‬ص‪. ] 35 : ‬‬ ‫ك َأنْ َ‬
‫ت ال َْوه ُ‬ ‫َأِلح ٍد ِم ْن َب ْع ِدي ِإنَّ َ‬
‫َ‬

‫(?) األسنى للقرطبي ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 128 -‬‬


‫معنى االسم في حق اهلل جل جالله‪: ‬‬
‫ومينح الفض َل بغري‬ ‫ِ‬
‫قي ل‪  : ‬الوهَّاب‪  ‬هو ال ذي يهب العط اء دون ع َوض ُ‬ ‫))‬ ‫((‬

‫غرض‪. ‬‬
‫الوهاب‪  ‬هو ال ذي جيود بالعط اء عن ظهر ي ٍد من غري‬
‫ق ال اخلط ايب‪َّ   : ‬‬ ‫))‬ ‫((‬

‫استثابة ؛ أي من غري طلب للثواب من أحد‪. ‬‬


‫اء َوَأْن َز َل ِم َن‬ ‫الس م ِ‬
‫اء بنَ ً‬‫اش ا َو َّ َ َ‬ ‫ض فِ َر ً‬ ‫ِ‬
‫ق ال تع اىل‪ { : ‬الَّذي َج َع َل لَ ُك ُم ْ‬
‫اَألر َ‬
‫ات ِر ْزقًا لَ ُك ْم‪ [ } ‬البقرة‪. ] 22 : ‬‬ ‫السم ِاء ماء فََأ ْخرج بِ ِه ِمن الثَّمر ِ‬
‫َ ََ‬ ‫َّ َ َ ً َ َ‬
‫الس َم ِاء‬ ‫ض َوَأْن َز َل ِم َن َّ‬ ‫اَألر َ‬ ‫وقال جل جالله‪ { : ‬اللَّهُ الَّ ِذي َخلَ َق َّ ِ‬
‫الس َم َوات َو ْ‬
‫ي فِي الْبَ ْح ِر بِ َْأم ِر ِه‬ ‫ات ِر ْزقًا لَ ُكم وس خَّر لَ ُكم الْ ُفل َ ِ‬ ‫ماء فَ َأ ْخرج بِ ِه ِمن الثَّم ر ِ‬
‫ْك لتَ ْج ِر َ‬ ‫ََْ َ ُ‬ ‫َ ََ‬ ‫ًَ ََ‬
‫َّر لَ ُك ُم اللَّْي َل‬ ‫ِئ‬ ‫َّر لَ ُك ُم َّ‬
‫س َوالْ َق َم َر َدا َب ْي ِن َو َس خ َ‬
‫الش ْم َ‬ ‫َّر لَ ُك ُم اَألْن َه َار (‪َ )32‬و َس خ َ‬
‫َو َس خ َ‬
‫وها ِإ َّن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َ‬ ‫َّه َار (‪َ )33‬وآتَ ا ُك ْم م ْن ُك ِّل َما َس َألْتُ ُموهُ َوِإ ْن َتعُ دُّوا ن ْع َم ةَ اللَّه الَ تُ ْح ُ‬ ‫َوالن َ‬
‫اِإل نْ َسا َن لَظَلُ ٌ‬
‫وم َك َّف ٌار‪ [ } ‬إبراهيم‪. ] 34 : ‬‬
‫فانظر إىل هباته‪ - ‬سبحانه وحبمده‪ - ‬تتابعت نعمه وفاض كرمه وزاد بره‬
‫وكثر خريه‪. ‬‬
‫سقيما‬ ‫‪ِ  ‬‬
‫فقريا‪ ، ‬ويشفي ً‬ ‫كسريا‪ ، ‬ويُغين ً‬
‫ً‬ ‫فرج كربًا‪ ، ‬وجَيْرُب‬
‫يغف ُر ذنبً ا‪ ، ‬ويُ ِّ‬ ‫((‬

‫عقيم ا‪ ، ‬ويعلِّم ج اهالً‪ ، ‬ويه دي ض االً‪ ، ‬ويرشد حريانً ا‪ ، ‬ويغيث‬ ‫ِ‬


‫ب ً‬ ‫وخُيْص ُ‬
‫شاكرا‪ ، ‬ويقبل‬ ‫صابرا‪ ، ‬ويزيد‬ ‫ِّ‬
‫ً‬ ‫هلفانً ا‪ ، ‬ويفك عانيً ا‪ ، ‬ويكسو عاريً ا‪ ، ‬ويُس لي ً‬
‫يل‬ ‫ِ‬
‫مظلوما‪ ، ‬ويقصم ظاملًا‪ ، ‬ويُق ُ‬
‫ً‬ ‫حمروما‪ ، ‬وينصر‬‫تائبًا‪ ، ‬وجيزي حمسنًا‪ ، ‬ويعطي ً‬
‫ويؤمن روعة‪ ، ‬ويزيل لوعة‪.   ‬‬
‫))‬ ‫عثر ًة‪ ، ‬ويسرتُ عور ًة‪ِّ ، ‬‬
‫حق هلم عليه‪. ‬‬ ‫ٍ‬
‫استحقاق من عباده وال َّ‬ ‫وكل ذلك يف غري‬
‫در القائل‪: ‬‬‫وهلل ُّ‬

‫‪- 129 -‬‬


‫كال وال سعى لديه ضائع‬ ‫ما للعباد عليه حق واجب‬
‫فبعدله وهو الكرمي الواسع‬ ‫إن نُ ِّعموا فبضله أو عُ ِّذبوا‬
‫ل ذلك قي ل‪  : ‬الوه اب‪  ‬هو املتفضل بالعطايا ال ذي ينعم هبا ال عن‬ ‫))‬ ‫((‬

‫استحقاق عليه‪ ، ‬بل هي حمض تفضل منه‪ ، ‬وما دفع أح ٌد من خلقه مثنًا هلا وال‬
‫أيض ا‪  : ‬الوه اب‪  ‬هو ال ذي جيود جبزيل‬
‫كاف أه عليها تب ارك وتع اىل‪ ، ‬وقيل ً‬
‫))‬ ‫((‬

‫املن واإلفضال واللطف واإلقبال‪ ، ‬يعطي من غري سؤال‪، ‬‬


‫العطاء والنوال كثري ِّ‬
‫وال يقطع فيما حيبه اآلمال‪ ، ‬وصدق من قال‪: ‬‬
‫وهاب‬
‫سبحانه من رازق َّ‬ ‫وهاب ما ترجو اخلليقةُ من نعم‬
‫َّ‬
‫نعما ويعطيهم بغري حساب‬
‫ً‬ ‫والشاكرون من العباد يزيدهم‬
‫ف انظر إىل هباته جل جالله حتدثك عن خالقه ا‪ ، ‬وواهبها بأفصح لغ ة‪، ‬‬
‫فتنطق بلسان حاهلا ‪ ‬قائل ةً‪ :   ‬أن اللَّه عز وجل هو الذي وهبها يف حاهلا ومآهلا‬ ‫))‬ ‫((‬

‫وهاب هلا غريه وال رازق هلا سواه‪. ‬‬


‫وال َّ‬
‫اء‬ ‫ات واَألرض وَأْن ز َل لَ ُكم ِمن َّ ِ‬ ‫ق ال تع اىل‪َْ  { : ‬أم من َخلَ َق َّ ِ‬
‫الس َماء َم ً‬ ‫ْ َ‬ ‫الس َم َو َ ْ َ َ َ‬ ‫َْ‬
‫ات َب ْه َج ٍة َما َك ا َن لَ ُك ْم َأ ْن ُت ْنبِتُ وا َش َج َر َها َأِئلَ هٌ َم َع اللَّ ِه بَ ْل ُه ْم‬‫فََأْنبَْتنَا بِ ِه َح َداِئ َق َذ َ‬
‫ض َق َر ًارا َو َج َع َل ِخالَل ََها َأْن َه ًارا َو َج َع َل ل ََها‬ ‫اَألر َ‬
‫ِ‬
‫َق ْو ٌم َي ْع دلُو َن (‪َْ )60‬أم َم ْن َج َع َل ْ‬
‫اج ًزا َأِئلَ هٌ َم َع اللَّ ِه بَ ْل َأ ْك َث ُر ُه ْم الَ َي ْعلَ ُم و َن (‪َْ )61‬أم‬ ‫اس ي وجع ل ب ْين الْب ْح ريْ ِن ح ِ‬
‫َر َو َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫ض َأِئلَهٌ َم َع اللَّ ِه‬‫اَألر ِ‬
‫اء ْ‬ ‫وء َويَ ْج َعلُ ُك ْم ُخلَ َف َ‬
‫الس َ‬‫ف ُّ‬ ‫ضطََّر ِإذَا َد َعاهُ َويَ ْك ِش ُ‬
‫يب ال ُْم ْ‬ ‫ِ‬
‫َم ْن يُج ُ‬
‫ات الَْب ِّر َوالْبَ ْح ِر َو َم ْن ُي ْر ِس ُل‬ ‫قَلِيالً ما تَ َذ َّكرو َن (‪َْ )62‬أم من ي ْه ِدي ُكم فِي ظُلُم ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اح بُ ْش ًرا َب ْي َن يَ َد ْي َر ْح َمتِ ِه َأِئلَ هٌ َم َع اللَّ ِه َت َع الَى اللَّهُ َع َّما يُ ْش ِر ُكو َن (‪َْ )63‬أم َم ْن‬
‫الريَ َ‬ ‫ِّ‬
‫ض َأِئلَ هٌ َم َع اللَّ ِه قُ ْل َه اتُوا‬ ‫اَألر ِ‬ ‫يب َدُأ الْ َخ ْل ق ثُ َّم ي ِعي ُده ومن ي رزقُ ُكم ِمن َّ ِ‬
‫الس َماء َو ْ‬ ‫َ ُ ُ ََ ْ َ ُْ ْ َ‬ ‫َْ‬
‫ين‪ [ } ‬النحل‪. ] 64 - 60 : ‬‬ ‫برهانَ ُكم ِإ ْن ُك ْنتُم ِ ِ‬
‫صادق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُْ َ ْ‬

‫‪- 130 -‬‬


‫ولو استقص ينا األدلة اليت تتح دث عن هب ات اللَّه جل جالله يف الق رآن‬
‫وتنوعا واختالفًا من كثرهتا وتع ددها‬
‫ددا ً‬ ‫والس نة ال نك اد حنص يها ك ثرة وتع ً‬
‫واختالفها‪ ، ‬فما من خملوق ُأعطي رزقًا إال واهلل هو الذي أعطاه‪ ، ‬وما من ٍ‬
‫عبد‬
‫ب نعمة إال واهلل هو الذي وهبه‪. ‬‬ ‫ِ‬
‫ُوه َ‬
‫كما يف قوله تع اىل حني ُس ئل موسى عليه الس الم عن اللَّه‪ { : ‬قَ َ‬
‫ال َر ُّبنَا‬
‫الَّ ِذي َأ ْعطَى ُك َّل َش ْي ٍء َخ ْل َقهُ ثُ َّم َه َدى‪ [ } ‬طه‪. ] 50 : ‬‬
‫أيضا هبة‪: ‬‬
‫فالولد الصالح ً‬
‫ق ال تع اىل عن نبيه إب راهيم عليه الس الم‪َ  { : ‬و َو َه ْبنَا لَ هُ ِإ ْس َحا َق َو َي ْع ُق َ‬
‫وب‬
‫نَافِلَ ةً‪ [ } ‬األنبي اء‪ . ] 76 : ‬وق ال عز وجل عن نبيه داود عليه الس الم‪َ  { : ‬و َو َه ْبنَا‬
‫ِ‬
‫ل َد ُاو َد ُسلَْي َما َن نِ ْع َم ال َْع ْب ُد ِإنَّهُ ََّأو ٌ‬
‫اب‪ [ } ‬ص‪. ] 30 : ‬‬
‫وق ال جل وعال عن نبيه زكري ا‪َ  { : ‬و َو َه ْبنَا لَ هُ يَ ْحيَى‪ [} ‬األنبي اء‪ . ] 90 : ‬وقد‬
‫جيمع اللَّه عز وجل لعبد من عب اده كال اهلب تني من ال ذكور واإلن اث‪ ، ‬كما يف‬
‫ب لِ َم ْن يَ َش اءُ ُّ‬ ‫قوله تعاىل‪ { : ‬يه ِ‬
‫ور (‪َْ )49‬أو ُي َز ِّو ُج ُه ْم‬
‫الذ ُك َ‬ ‫ب ل َم ْن يَ َشاءُ ِإنَاثًا َو َي َه ُ‬
‫ََ ُ‬
‫يم قَ ِد ٌير‪ [ } ‬الشورى‪. ] 50 ،49 : ‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يما ِإنَّهُ َعل ٌ‬
‫ذُ ْك َرانًا َوِإنَاثًا َويَ ْج َع ُل َم ْن يَ َشاءُ َعق ً‬
‫والزوجة الصالحة هبة‪: ‬‬
‫ق ال تع اىل‪ { : ‬والَّ ِذين ي ُقولُ و َن ر َّبنَا َهب لَنَا ِمن َأ ْزو ِ‬
‫اجنَا َوذُ ِّريَّاتِنَا ُق َّرةَ َأ ْعيُ ٍن‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬
‫ين ِإ َم ًاما‪ [ } ‬الفرقان‪. ] 74 : ‬‬ ‫واجعلْنَا لِل ِ‬
‫ْمتَّق َ‬
‫َ َْ ُ‬
‫وق ال تع اىل عن نبيه زكريا عليه الس الم‪ { : ‬فَ ْ‬
‫اس تَ َج ْبنَا لَهُ َو َو َه ْبنَا لَهُ يَ ْحيَى‬
‫َأصلَ ْحنَا لَهُ َز ْو َجهُ‪ [ } ‬األنبياء‪. ] 90 : ‬‬
‫َو ْ‬
‫األهل هبة‪: ‬‬
‫ق ال تع اىل يف نبيه أي وب عليه الس الم‪َ  { : ‬و َو َه ْبنَا لَ هُ َْأهلَ هُ َو ِم ْثلَ ُه ْم َم َع ُه ْم‬

‫‪- 131 -‬‬


‫َر ْح َمةً ِمنَّا‪ [ } ‬ص ‪ ، ] 32‬األخ الصالح هبة‪ ، ‬قال تعاىل عن نبيه موسى حني أرسل‬
‫معه أخاه هارون‪َ  { : ‬و َو َه ْبنَا لَهُ ِم ْن َر ْح َمتِنَا َ‬
‫َأخاهُ َه ُارو َن نَبِيًّا‪ [ } ‬مرمي‪. ] 53 : ‬‬
‫النبوة هبة‪: ‬‬
‫ب لِي َربِّي ُح ْك ًما‬‫ق ال جل وعال عن نبيه موسى عليه الس الم‪َ  { : ‬ف َو َه َ‬
‫ين‪ [ } ‬الشعراء‪. ] 21 : ‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َو َج َعلَني م َن ال ُْم ْر َسل َ‬
‫وأخرب عن نبيه إس حاق ويعق وب عليهما الس الم فق ال‪َ  { : ‬و َه ْبنَا لَ هُ‬
‫وب َو ُكالًّ َج َعلْنَا نَبِيًّا‪ [ } ‬مرمي‪. ] 49 : ‬‬
‫ِإ ْس َحا َق َو َي ْع ُق َ‬
‫األخالق الطيبة هبة‪: ‬‬
‫فقد كان من دعاء النيب صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬اهدني ألحسن األخالق‬
‫((‬

‫ال يهدي ألحسنها إال أنت‪ ، ‬وأصرف عني سيئها ال يصرف عني سيئها إال‬
‫أنت‪.)1(  ‬‬
‫))‬

‫وق ال عز وجل عن هباته لبعض األنبي اء والرس ل‪َ  { : ‬و َو َه ْبنَا ل َُه ْم ِم ْن‬
‫َر ْح َمتِنَا َو َج َعلْنَا ل َُه ْم لِ َسا َن ِص ْد ٍق َعلِيًّا‪ [ } ‬مرمي‪. ] 50 : ‬‬
‫من آثار اإليمان باسم اللَّه ‪ ‬الوهاب‪  ‬تبارك وتعالى‪: ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫أوالً‪ : ‬أن ‪ ‬الوهاب‪  ‬على الحقيقة هو اللَّه وحده‪. ‬‬ ‫))‬ ‫((‬

‫ف إن كل من يهب ش يًئا من اخللق إمنا يهب من هب ات اللَّه ل ه‪ ، ‬فال بد أن‬


‫يهبه اللَّه َلي َهب‪ ، ‬وأن يُعطيَه اللَّه ليُعطي‪ ، ‬وأن يَ ْر ُزقه اللَّه َلي ْر ُزق‪ ، ‬أما اللَّه فإنه‬
‫يُ ِطعِم وال يُطعم وهو جيري وال جُي ار علي ه‪ . ‬وق ال تع اىل‪َ  { : ‬و َما بِ ُك ْم ِم ْن نِ ْع َم ٍة‬
‫فَ ِم َن اللَّ ِه‪ [ } ‬النحل‪. ] 53 : ‬‬
‫ثانيا‪ : ‬دعاء اللَّه باسمه الوهاب‪: ‬‬
‫ً‬

‫(?) أخرجه مسلم (‪ )771‬من حديث علي ‪ ،‬رضي هللا عنه ‪ ،‬في حديث طويل ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 132 -‬‬


‫وه ذه مثرة معرفة اللَّه هبذا االسم الطيب رج اؤه وس ؤاله من هباته وواسع‬
‫فضله سبحانه وحبمده‪ ، ‬فمن نظر إىل واسع كرمه وجليل نعمه طمع يف رمحته‪، ‬‬
‫وخري من عرف اللََّه هم األنبياءُ الكرام عليهم وعلى نبينا الصالة والسالم‪. ‬‬
‫فانظر إلى نبي اللَّه إبراهيم عليه السالم وهو يسأل اهلل عز وجل احلكم‬
‫ين‪ [ } ‬الشعراء‪. ] 83 : ‬‬ ‫ْح ْقنِي بِ َّ ِ ِ‬
‫ب َهب لِي ح ْكما وَأل ِ‬
‫الصالح َ‬ ‫ُ ً َ‬ ‫والصالح‪ ، ‬فيقول‪َ  { : ‬ر ِّ ْ‬
‫وتأمل ن بي اهلل س ليمان عليه الس الم وهو يس أل امللك فيق ول‪َ  { : ‬ر ِّ‬
‫ب‬
‫ُ‬
‫َأِلح ٍد ِم ْن َب ْع ِدي‪ [ } ‬ص‪. ] 35 : ‬‬ ‫ِ‬ ‫ا ْغ ِفر لِي وه ِ‬
‫ب لي ُم ْل ًكا الَ َي ْنبَغي َ‬
‫ْ ََ ْ‬
‫وانتبه إلى دع اء ن بي اهلل زكريا عليه الس الم وهو يس أل الولد فيق ول‪: ‬‬
‫ب لِي ِم ْن لَ ُدنْ َك ذُ ِّريَّةً طَيِّبَةً‪ [ } ‬آل عمران‪. ] 38 : ‬‬ ‫{‪َ  ‬ر ِّ‬
‫ب َه ْ‬
‫وقد س ار الص احلون على درب األنبي اء واملرس لني عليهم الس الم ف رتاهم‬
‫َّاب‪ [ } ‬آل عمران‪. ] 8 : ‬‬ ‫ك َأنْ َ‬
‫ت ال َْوه ُ‬ ‫ب لَنَا ِم ْن لَ ُدنْ َ‬
‫ك َر ْح َمةً ِإنَّ َ‬ ‫يقولون‪َ  { : ‬و َه ْ‬
‫ثالثًا‪ : ‬العلم بأن الهبة ليست مجرد عطاء‪: ‬‬
‫فإن العطاء ال يكون هبة حىت يكون مقرونًا بطاعة وخري وبركة يف الدنيا‬
‫واآلخرة‪ . ‬قال القاضي أبو بكر العريب‪  : ‬وال تكون اهلبة منه سبحانه والعطاء‬
‫((‬

‫منعما حمس نًا وذلك مبا ال َأمَل فيه وال ض رر ف إذا‬


‫إال أن يتعلق بن وع ما يك ون به ً‬
‫))‬ ‫ضررا وأملا مل تكن هبة‪.   ‬‬‫كان ما خيلق ً‬
‫ً‬
‫َّاب‪} ‬‬ ‫ك َأنْ َ‬
‫ت ال َْوه ُ‬ ‫ب لَنَا ِم ْن لَ ُدنْ َ‬
‫ك َر ْح َم ةً ِإنَّ َ‬ ‫وه ذا معىن قوله تع اىل‪َ  { : ‬و َه ْ‬
‫[‪ ‬آل عمران‪.] 8 : ‬‬
‫فقد علَّم اللَّه أولياءه كيف يسألونه اإلنعام واإلحسان على وجه ال يكون‬
‫فيه مكر وال اس تدراج‪ ، ‬كما فعل بالكف ار حني خلق هلم ومكنَّهم مما فيه‬
‫ض ررهم وهلكتهم ‪ ‬كال ذي يُ ْر َزق َفيَطْغَى‪  ‬ف املرجو منه س بحانه هبة يك ون‬
‫))‬ ‫((‬

‫‪- 133 -‬‬


‫ضرر وال أمل‪. ‬‬
‫مآهلا كحاهلا‪ ، ‬ال تنفصل وال تتغري وال يقرتن هبا ٌ‬
‫وقد كان األنبياء عليهم السالم يسألون رهبم تبارك وتعاىل اهلبات املقرونة‬
‫ب‬ ‫باملغفرة‪ ، ‬كما قال تعاىل عن نبيه سليمان عليه السالم‪ { : ‬ر ِّ ِ ِ‬
‫ب ا ْغف ْر لي َو َه ْ‬ ‫َ‬
‫لِي ُم ْل ًكا‪ [ } ‬ص‪. ] 35 : ‬‬
‫ونيب اللَّه زكريا عليه الس الم مل يس أل جمرد الولد والذرية ولكنه س أل وليًا‬
‫ب لِي ِم ْن لَ ُدنْ َك َولِيًّا‪ [ } ‬م رمي‪ ، ] 5 : ‬ومسعنا أن نيب اللَّه‬
‫للَّه صاحلًا ؛ إذ قال‪َ  { : ‬ف َه ْ‬
‫يب اللَّه زكريا )‪ : ‬يا رب‪ ، ‬إن ابين كثري‬
‫حيىي ك ان كثري البك اء‪ ، ‬فق ال أب وه ( ن ُ‬
‫سألت وليًّا‪ ، ‬فقيل له‪ : ‬كذلك‬
‫ُ‬ ‫البكاء‪ ، ‬فُأوحى إليه أن هذا ما سألتَهَ‪ . ‬قال‪: ‬‬
‫األولياء ال جيف دمعهم‪. ‬‬
‫ب لَنَا ِم ْن‬
‫وقد وصف اللَّه عب اد ال رمحن فك ان من دع ائهم‪َ  { : ‬ر َّبنَا َه ْ‬
‫ين ِإ َم ًاما‪ [ } ‬الفرقان‪. ] 74 : ‬‬ ‫اجنَا وذُ ِّريَّاتِنَا ُق َّر َة َأ ْعي ٍن واجعلْنَا لِل ِ‬
‫ِ‬
‫ْمتَّق َ‬
‫ُ َ َْ ُ‬ ‫َأ ْز َو َ‬
‫ق ال ابن عب اس رضي اهلل عنهم ا‪ : ‬يَ ْعنُ و َن من يعمل بطاعة اللَّه فتق َّر به‬
‫أعينهم يف الدنيا واآلخرة(‪. )1‬‬
‫فهم ال يس ألون جمرد زوج ة‪ ، ‬بل يس ألون الص احلة منهن وه ذا ما‬
‫يس عدهم‪ ،‬كما قال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬فاظفر ب ذات ال دين ت ربت‬
‫((‬

‫(‪. )2‬‬
‫))‬ ‫يداك‪ ‬‬
‫أوالدا عُبَّ ًادا ُز َّه ًادا‪، ‬‬
‫وال يس ألون جمرد الولد والذري ة‪ ، ‬ولكنهم يس ألون ً‬
‫صاحلني قانتني‪ ، ‬من األبرار ليسوا من الفجار‪ ، ‬علماء ليسوا من اجلهالء‪. ‬‬
‫رابعا‪ : ‬شكر اللَّه على هباته‪: ‬‬
‫ً‬

‫(?) تفسير ابن كثير (‪. )3/313‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 134 -‬‬


‫من رأى هبات اللَّه ال يسعه إال أن يسبح حبمده تبارك وتعاىل‪ ، ‬كما قال‬
‫خليل ال رمحن عليه الس الم حني وهبه اللَّه ولديه إمساعيل وإس حاق‪ { : ‬ال َ‬
‫ْح ْم ُد‬
‫[‪ ‬إبراهيم‪: ‬‬ ‫ُّع ِاء‪} ‬‬
‫يع الد َ‬
‫َسم ُ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬
‫اعيل وِإ ْسحا َق ِإ َّن ربِّي ل ِ‬ ‫ِ‬ ‫لِلَّ ِه الَّ ِذي وه ِ‬
‫ب لي َعلَى الْكبَ ِر ِإ ْس َم َ َ َ‬
‫ََ َ‬
‫‪. ] 39‬‬
‫وق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬من لم يش كر الن اس‪ ، ‬لم يش كر‬
‫((‬

‫اهلل‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫خامسا الزهد‪: ‬‬
‫ً‬
‫أيها األحبة يف اللَّه‪ ، ‬هل رأيتم هبة من هب ات ال دنيا قد بقيت لص احبها‪ ‬؟‬
‫فليعلم كل من وهبه اللَّه شيًئا من الدنيا أنه زائل عنه وال بد‪ ، ‬فكما أخذه البد‬
‫أن ي ذهب عن ه‪ ، ‬فال ينش غل ب اخللق عن خالق ه‪ ، ‬وال ب الرزق عن رازق ه‪ ، ‬وال‬
‫ينش غل باهلبة عن واهبها تب ارك وتع اىل‪ ، ‬وال يش غله الف اين عن الب اقي‪ . ‬ق ال‬
‫آمنُ وا الَ ُت ْل ِه ُك ْم َْأم َوالُ ُك ْم َوالَ َْأوالَ ُد ُك ْم َع ْن ِذ ْك ِر اللَّ ِه َو َم ْن‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َ‬‫تعاىل‪ { : ‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫ان (‪)26‬‬ ‫اسرو َن‪ . } ‬وقال تعاىل‪ُ  { : ‬ك ُّل من َعلَْي َها فَ ٍ‬
‫َْ‬
‫ِ‬
‫ك ُه ُم الْ َخ ُ‬ ‫ك فَُأولَِئ َ‬‫َي ْف َع ْل ذَلِ َ‬
‫ْجالَ ِل َواِإل ْك َر ِام‪ [ } ‬الرمحن‪. ] 27 ،26 : ‬‬ ‫ك ذُو ال َ‬ ‫َو َي ْب َقى َو ْجهُ َربِّ َ‬
‫سادسا‪ : ‬الرضا‪: ‬‬
‫ً‬
‫طي علم أن اللَّه ع َّز وج َّل قد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرضا إذا ُأعطي والرضا إذا ُمن ع‪ . ‬إن ُأع َ‬
‫أعطاه برمحته‪ ، ‬وإن ُمنِع علم أ ّن اهلل تبارك وتعاىل قد منعه حبكمته‪ ، ‬وال يكون‬
‫كعبد الدينار والدرهم‪ ، ‬فإنه ال يرضى إال للدنيا وال يسخط إال هلا‪ ، ‬فقد قال‬
‫النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬تعس عبد ال دينار وال درهم والقطيفة‬ ‫((‬

‫(?) أخرجه أحم د (‪ ، )2/258‬والبخ اري في األدب المف رد (‪ ، )218‬وأب و داود (‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ، )4811‬والترم ذي (‪ )1954‬من ح ديث أبي هري رة رض ي هللا عن ه ‪ ،‬وانظ ر‬


‫صحيح سنن أبي داود (‪. )4026‬‬

‫‪- 135 -‬‬


‫ض‪. )1(  ‬‬
‫ط لم َي ْر َ‬ ‫والخميصة إن ُأعطي ر ِ‬
‫ض َي‪ ، ‬وإن لم ُي ْع َ‬
‫))‬
‫َ‬
‫سابعا‪ : ‬الصبر‪: ‬‬
‫ً‬
‫الصبر عند المصيبة بضياع النعم والهبات‪: ‬‬
‫فقد يك ون املنع هو عني العط اء‪ ، ‬ف إن ابتالك اهللُ باحلرم ان من نعمة ب أن‬
‫ص رفها عنك أو أخ ذها بعد أن َو َهبَك إياها فال بد وأن هن اك حكمة من‬
‫ذلك‪ ، ‬فاصرب حلكم ربك‪ ، ‬وذلك لعدة أمور منها‪: ‬‬
‫ين‪} ‬‬ ‫ب َّ ِ‬
‫الص اب ِر َ‬ ‫‪ -1‬أن اللَّه يحب الص ابرين‪ . ‬ق ال تع اىل‪َ  { : ‬واللَّهُ يُ ِح ُّ‬
‫ران‪ . ] 146 : ‬وق رب اللَّه أمجل من كل ق ريب‪ ، ‬وحب اللَّه أحلى من كل‬ ‫[‪ ‬آل‪ ‬عم‬

‫حبيب‪. ‬‬
‫وهلل در القائل‪: ‬‬
‫وليس للَّه إن فارقت من عوض‬ ‫لكل ٍ‬
‫شيء إذا فارقته عوض‬
‫‪ -2‬ألن اللَّه عز وجل هو ص احب النعم‪ ، ‬وال يُس أل عما يفعل وهم‬
‫يب ص لى‬ ‫بنت الن ِّ‬
‫ت ُ‬ ‫يس ألون‪ ، ‬فعن أس امة بن زيد رضي اهلل عنهما ق ال‪ْ : ‬أر َس لَ ْ‬
‫ض ر فاش هدنا‪ ، ‬فأرسل يق رئ الس الم ويق ول‪: ‬‬ ‫اهلل عليه وس لم إن ابين قد احتُ ِ‬
‫ْ‬
‫يء عن ده بأج ٍل ُم َس َّمى فلتص بر‬ ‫‪ ‬إن هلل ما أخذ وله ما أعطى‪ ، ‬وكل ش ٍ‬ ‫((‬

‫ْك ُت ْؤ تِي ال ُْمل َ‬


‫ك الْمل ِ‬‫ِ‬
‫ولتحتسب‪ .   ‬وقال تعاىل‪ { : ‬قُ ِل اللَّ ُه َّم َمال َ ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫ْك َم ْن تَ َش اءُ‬ ‫))‬

‫ْك ِم َّم ْن تَ َشاءُ َوتُِع ُّز َم ْن تَ َشاءُ َوتُ ِذ ُّل َم ْن تَ َشاءُ بِيَ ِد َك الْ َخ ْي ُر ِإنَّ َ‬
‫ك َعلَى ُك ِّل‬ ‫َوَت ْن ِزعُ ال ُْمل َ‬
‫َش ْي ٍء قَ ِد ٌير‪ [ } ‬آل عمران‪. ] 6 : ‬‬
‫فمن أعظم ما يُس لي العبد ويُص رِّب ه إرجاعه األمر لص احبه وتس ليمه امللك‬
‫ُ‬

‫(?) رواه البخاري ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ضر ‪ ،‬أي ‪ :‬حضرته مقدمات الموت ‪.‬‬ ‫ُ‬


‫(?) متفق عليه ‪ .‬احْ ت ِ‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 136 -‬‬


‫ملالكه ويعلم أنه ال حق له يف النعم‪ ، ‬وهلل أن يعطي ومينع ويقبض ويبسط وال‬
‫معقب حلكمه وال راد لقض ائه‪ . ‬فعن أيب ذ ٍر رضي اهلل عنه أن الن َّ‬
‫يب ص لى اهلل‬
‫عليه وسلم قال له ‪  :‬أرأيت لو كان لك ولد فأدرك ورجوت خيره فمات‬
‫((‬

‫أكنت تحتسب به ؟‪  ‬قلت ‪ :‬نعم ‪ .‬ق ال ‪  :‬ف أنت خلقته ؟‪  ‬ق ال ‪ :‬بل اللَّهُ‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬

‫خلقه ‪ .‬قال ‪  :‬فأنت هديته ؟‪  ‬قال ‪ :‬بل اللَّه هداه ‪ .‬ق ال ‪  :‬فأنت ترزقه ؟‪ ‬‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫ق ال ‪ :‬بل اللَّه ك ان يرزقه ‪ ،‬ق ال ‪  :‬ك ذلك فض عه في حالل وجنِّبه حرامه ‪،‬‬
‫((‬

‫فإن شاء اللَّه أحياه وإن شاء أماته ولك أجر‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫‪ -3‬أن اللَّه يجزي الصابر على مصيبته‪ ، ‬واحملتسب األجر عليها خب ٍري مما‬
‫ابتليت‬
‫ُ‬ ‫فقد منه يف الدنيا واآلخرة‪ ، ‬كما قال تعاىل يف احلديث القدسي‪  : ‬إذا‬
‫((‬

‫عوضته منهما الجنة‪  ‬يريد عينيه(‪. )2‬‬


‫))‬ ‫عبدي بحبيبتيه فصبر َّ‬
‫ومن األمثلة امل ْش ِرقَة بالصرب‪ ، ‬والناطقة بالرضى واالحتساب وقت املصيبة‬
‫ُ‬
‫فغس لته وكفنته وت زينت‬‫َّ‬ ‫دها‬ ‫ول‬ ‫ات‬ ‫م‬ ‫حني‬ ‫عنها‬ ‫ه‬‫َّ‬
‫ل‬ ‫ال‬ ‫رضي‬ ‫ما فعلته أم ُس لَْيم‬
‫لزوجها حىت جامعها‪ ، ‬فماذا كان جزاء هذا الصرب اجلميل‪ ‬؟ هذا ما جييبنا عليه‬
‫أنس بن مالك رضي اهلل عنه فيما اتفق عليه الش يخان ؛ فعن أنس رضي اللَّه‬
‫ابن أليب طلحة رضي اهلل عنه يش تكي‪ ، ‬فخ رج أبو طلحة‬ ‫عنه ق ال‪ : ‬ك ان ٌ‬
‫الصيب‪ ، ‬فلما رجع أبو طلحة‪ ، ‬قال‪ : ‬ما فعل ابين‪ ‬؟ قالت أم سليم وهي‬ ‫ِ‬
‫ف ُقبض ُ‬
‫ت له العشاء فتعشى‪ ، ‬مث أصاب منها‪، ‬‬‫فقربَ ْ‬
‫أم الصيب‪ : ‬هو أسكن ما كان‪َّ ، ‬‬
‫فلما فرغ قالت‪ : ‬واروا الصيب‪ ، ‬فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول اهلل صلى اهلل‬

‫(?) إس ناده ص حيح ‪ ،‬رجال ه رج ال الص حيح ‪ ،‬وأخرج ه النس ائي في الك برى (‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ، )9027‬وال بيهقي في الش عب (‪ )11171‬من طري ق أبي ع امر عب د المل ك بن‬


‫عمرو بهذا اإلسناد ‪.‬‬
‫(?) صحيح ‪ :‬أخرجه البخاري (‪ ، )10/5653‬والبيهقي (‪. )3/375‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 137 -‬‬


‫عليه وس لم ف أخربه‪ . ‬فق ال‪  : ‬أعرس تم الليل ة‪ ‬؟‪  ‬ق ال‪ : ‬نعم‪ . ‬ق ال‪  : ‬اللهم‬
‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫غالم ا‪ ، ‬فقال يل أبو طلحة‪ : ‬امحله حىت تأيت النيب صلى‬


‫بارك لهما‪ ،   ‬فولدت ً‬ ‫))‬

‫اهلل عليه وس لم‪ ، ‬وبعث معه بتم رات‪ ، ‬فق ال‪  : ‬أمعه ش يء‪ ‬؟‪  ‬ق ال‪ :‬نعم‬
‫))‬ ‫((‬

‫مترات‪ . ‬فأخذها النيب صلى اهلل عليه وسلم فمضغها‪ ، ‬مث أخذها من فِيه فجعلها‬
‫يف يِف ِّ الصيب‪ ، ‬مث حنَّكه ومساه عبد اللَّه‪. ‬‬
‫ويف رواية للبخ اري‪ : ‬ق ال ابن عيين ة‪ : ‬فق ال رجل من األنص ار‪ : ‬ف رأيت‬
‫تسعة أوالد قد قرأوا القرآن‪ - ‬يعين أوالد من عبد اللَّه املولود‪. ‬‬
‫ابن أليب طلحة من أم سليم‪ ، ‬فقالت ألهلها‪ : ‬ال‬
‫ويف رواية ملسلم‪ : ‬مات ٌ‬
‫حتدثوا أبا طلحة بابنه حىت أك ون أنا أحدث ه‪ ، ‬فج اء فق ربت إليه عش اء فأكل‬
‫وشرب‪ ، ‬مث تص نَّعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك‪ ، ‬فوقع هبا‪ ، ‬فلما أن‬
‫قوما‬
‫رأت أنه قد ش بع وأص اب منه ا‪ ، ‬ق الت‪ : ‬يا أبا طلح ة‪ ، ‬أرأيت لو أن ً‬
‫أع اروا ع اريتهم أهل بيت فطلب وا ع اريتهم‪ ، ‬أهلم أن مينع وهم‪ ‬؟ ق ال‪ : ‬ال‪. ‬‬
‫فقالت‪ : ‬فاحتسب ابنك‪. ‬‬
‫الث الث‪ : ‬أن اللَّه وإن ابتلي عب ًدا مبص يبة فإمنا يبتليه بش يء من املص ائب‪، ‬‬
‫كثريا من األرزاق‪ ، ‬فإذا تذكر‬
‫أيضا ً‬‫ولكنه يُعافيه يف كثري من النعم ويُنزل عليه ً‬
‫العب ُد ما أنعم اللَّه به عليه ه ان عليه ما أص ابه من البالء وأعانه ذلك على الصرب‬
‫والرضى عن اللَّه‪ ، ‬ولقد ك ان ه ذا هو ح ال الس لف الص احل‪ ، ‬وس نذكر منها‬
‫مثالً ينطق باحلب وينبض بالرضى عن اللَّه يف قضائه وقدره‪: ‬‬
‫عروة بن الزبير بن العوام‪: ‬‬
‫قطعت س اقُه وم ات ول ده يف ي ٍ‬
‫وم واح د‪ ، ‬فلما ج اءه الن اس ليخفِّف وا عنه‬ ‫ُ‬
‫راض عن ريب‪ ، ‬فقد أعط اين اللَّهُ أربعة من الولد‬
‫ويواس وه‪ ، ‬ق ال‪ : ‬إين واللَّه ل ٍ‬

‫‪- 138 -‬‬


‫فأخذ واح ًدا وأبقى ثالثة فاحلمد هلل‪ ، ‬وأعط اين أربعة أط راف فأخذ واح ًدا‬
‫وأبقى ثالثة‪ ، ‬فاحلمد للَّه‪. ‬‬
‫شيء في هباته‪: ‬‬
‫ٌ‬ ‫ثامنا ‪ :‬ليس كمثله‬
‫الوهاب‪ ،   ‬فال يشبهه أح ٌد من خملوقاته يف هباته‪، ‬‬
‫وجل هو ‪َّ  ‬‬
‫عز َّ‬‫إن اللَّه َّ‬
‫))‬ ‫((‬

‫وذلك من وجوه‪: ‬‬
‫أوالً‪ : ‬ألنه خالق الهبات‪: ‬‬
‫يء موج ود‬ ‫فما من أحد من خلق اللَّه يهب هب ةً إال وهو حمت اج إىل ش ٍ‬
‫خمل وق ليهب ه‪ ، ‬وما خلق ه ذه اهلب ات وغريها إال اللَّه تب ارك وتع اىل‪ ، ‬فالن اس‬
‫يهبون من هبات اللَّه‪ ، ‬واللَّه يعطي من هباته هو ومن ُ‬
‫ص نع يده‪ . ‬قال تعاىل‪: ‬‬
‫{‪ ‬اللَّهُ َخالِ ُق ُك ِّل َش ْي ٍء‪. } ‬‬
‫ثانيا‪ : ‬يهب بغير عوض وال غرض‪: ‬‬
‫ً‬
‫فكل من يهب ش يًئا لغ ريه من اخللق فإمنا يهبه لغ رض يف نفس ه‪ ، ‬ومقابل‬
‫يرج وه‪ ، ‬ولو مل يوجد ه ذا الغ رض وذلك املقابل للهب ات مل يُتص ور ح دوث‬
‫اهلب ة‪ . ‬فالرجل يعطي اهلبة لول ٍد أجنبه أو ام رأة يتزوجها أو ص ديق حيب ه‪ ، ‬ولو‬
‫تصورنا أن هذه الروابط قد انفصلت أو انعدمت مل يُتصور معها اهلبات‪ ، ‬فلو‬
‫عق والده وهجره‪ ، ‬أو أن املرأة طُلِّقت من زوجها وتزوجت بآخر‪، ‬‬
‫أن الولد َّ‬
‫وده‪ ، ‬مل يُتصور وجود اهلبات‪ ، ‬حىت العطاء‬
‫أو أن الصديق نقض عهده وخان َّ‬
‫للفق راء واملس اكني ال ذين ال يُ رجى منهم عط اءٌ وال يتوقع منهم ج زاءٌ فإمنا‬
‫يعطيهم من أجل غ ٍ‬
‫رض آخر ؛ وهو النج اة ي وم القيام ة‪ ، ‬كما ق ال تع اىل‪: ‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫{‪ِ ‬إنَّ َما نُطْع ُم ُك ْم ل َو ْجه اللَّه الَ نُ ِري ُد م ْن ُك ْم َج َز ًاء َوالَ ُش ُك ً‬
‫ورا‪ [ } ‬اإلنسان‪. ] 9 : ‬‬
‫أما اللَّه ع َّز وج َّل فيهب بغري غ رض وال ع وض‪ ، ‬يهب تفض الً منه‬

‫‪- 139 -‬‬


‫وإحس انًا ولط ًفا منه وب ًرا‪ ، ‬فكل املص لحة عائ دة على العبد من هب ات اللَّه يف‬
‫ال دنيا واآلخ رة‪ ، ‬فمن ذلك أن اللَّه عز وجل أن زل املال خللقه ليعينهم به على‬
‫عبادته مث جيزيهم على تلك العبادة اجلنة يف اآلخرة‪ . ‬فعن أيب واقد الليثي رضي‬
‫اهلل عنه ق ال‪ : ‬أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪  : ‬إن اللَّه عز وجل‬
‫((‬

‫قال‪ : ‬إنا أنزلنا المال إلقام الصالة وإيتاء الزكاة‪. )1(  ‬‬


‫))‬

‫ثالثًا‪ : ‬كثرة هباته وعظمتها‪: ‬‬


‫ف إن الن اس وإن وهب وا فتك ون هب اهتم قاص رة ض عيفة‪ ، ‬فقد يهب الرجل‬
‫ولدا لعقيم‪ ‬؟ ال‬ ‫ماالً أو نواالً‪ ، ‬ولكن هل يستطيع أن يهب شفاءً لسقيم‪ ، ‬أو ً‬
‫يق در على ذلك وغ ريه إال اللَّه وح ده‪ . ‬ق ال تع اىل‪َ  { : ‬وِإ ْن ِم ْن َش ْي ٍء ِإالَّ ِع ْن َدنَا‬
‫َخ َزاِئنُهُ‪. } ‬‬
‫رابعا‪ : ‬اللَّه عز َّ‬
‫وجل هو الوهاب على الحقيقة‪: ‬‬ ‫ً‬
‫وكل الن اس واه بني على اجملاز أي ال ميلك ون العط اء إال ملن أراد اللَّه‪، ‬‬
‫فالوهاب يف حقيقة األمر وأصله هو اللَّه‪ ، ‬ولكن جيعل لذلك أسبابًا‪ ، ‬فقد قال‬ ‫َّ‬
‫النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬واعلم أن األمة لو اجتمع وا على أن ينفع وك‬
‫((‬

‫ٍ‬
‫بشيء قد كتبه اللَّه لك‪. )2(  ‬‬
‫))‬
‫ٍ‬
‫بشيء لم ينفعوك إال‬
‫وحني ج اء جربيل عليه الس الم إىل م رمي عليه الس الم ق ال هلا‪ِ { :‬إنَّ َما َأنَا‬
‫ك غُالَ ًما‬ ‫ك غُالَما َزكِيًّا‪ ، } ‬ويف ق راءة ُأخ رى‪ ( : ‬ليهب لَ ِ‬
‫َأِلهب لَ ِ‬ ‫رس ُ ِ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ول َربِّك َ َ‬ ‫َُ‬
‫َزكِيًّا‪ ) ‬أي‪ : ‬أن الوه اب على احلقيقة هو اللَّه‪ ، ‬ولكن جربيل هو ال ذي جتري‬
‫اهلبة على يديه فيكون واهبًا على اجملاز‪. ‬‬

‫(?) ص حيح ‪ .‬أخرج ه أحم د ( ج ‪ 5‬ص ‪ ، )218‬وص ححه الع راقي في تخ ريج‬ ‫‪1‬‬

‫اإلحياء واأللباني في صحيحه ‪.‬‬


‫(?) رواه الترمذي ‪ ،‬وقال ‪ :‬حديث حسن صحيح ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 140 -‬‬


‫جميعا‪: ‬‬
‫ً‬ ‫خامسا‪ : ‬عموم هباته وشمولها للخلق‬
‫ً‬
‫ف إن العبد إن وهب غ ريه ف إن هباته تك ون خاصة بش خص دون آخر أو‬
‫ريهم‪ ، ‬ولكن اللَّه عز وجل وهب خلقه ً‬
‫مجيعا الرب منهم‬ ‫جبماعة دون غ‬
‫والف اجر‪ ،‬املؤمن والك افر‪ ، ‬فما من أحد إال وهو يتقلب يف نعمه وينعم يف‬
‫هباته‪ . ‬قال تعاىل‪ { : ‬قَ َال َرُّبنَا الَّ ِذي َأ ْعطَى ُك َّل َش ْي ٍء َخ ْل َقهُ ثُ َّم َه َدى‪. } ‬‬
‫سادسا‪ : ‬الحكمة في الهبة‪: ‬‬
‫ً‬
‫فإن الناس قد يهبوا من ال يستحق أو من تضره اهلبة‪ ، ‬فيضروه من حيث‬
‫أرادوا نفع ه‪َّ ، ‬أما اللَّه ع َّز وج َّل فإنه حكيم فيما يهب وملن يهب عليم مبن‬
‫يستحق خبري مبن تصلحه اهلبات ممن تفسده‪ ، ‬ولذلك فإنه ال ميلك اهلبة والنفع‬
‫يع الْبَ ِص ُير‪. } ‬‬ ‫هبا إال اهلل وحده‪ ، ‬ولذلك فإنه {‪ ‬ل َْيس َك ِمثْلِ ِه َشيء و ُهو َّ ِ‬
‫السم ُ‬ ‫ٌْ َ َ‬ ‫َ‬
‫***‬

‫‪- 141 -‬‬


‫العلي‪ - ‬األعلى‪ - ‬المتعال‬
‫‪ ‬جل جالله وتقدست أسماؤه‪ ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫المعنى اللغوي‪: ‬‬
‫يأيت العُلُو يف اللغة على أربعة معاين‪: ‬‬
‫‪ -1‬علو كل ش يء ارتفاع ه‪ ، ‬ويق ال‪ : ‬عال فال ٌن اجلبل إذا رقيه ويعلو‬
‫عُلًُوا‪. ‬‬
‫وت الرجل‬
‫‪ -2‬القهر والغلب ة‪ : ‬يق ال‪ : ‬عال فال ٌن فالنًا إذا قه ره‪ ، ‬وعل ُ‬
‫غلبتُه‪ ، ‬ومن قول العرب‪: ‬‬
‫تركناهم صرعى لنس ٍر وكاس ٍر‬ ‫فلما علونا واستوينا عليهم‬
‫‪ -3‬رفعة الش أن وعُلُو الق در‪ : ‬تق ول الع رب‪  : ‬على كعبه أي ارتفع‬
‫((‬

‫األشرف‬ ‫الس مو ِ‬
‫ات الْعُلَى‪ [ } ‬ط ه‪ ، ] 4 : ‬واملعىن‪ : ‬هي‬
‫ُ‬ ‫شأنه‪ ، ‬كقوله تعاىل‪َ  { : ‬و َّ َ َ‬
‫واألفضل باإلضافة إىل هذا العامل‪ ، ‬وتعاىل‪ : ‬أي ترفَّع‪. ‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ‪} ‬‬ ‫‪ -4‬الكبر‪ : ‬كما قال تعاىل يف فرعون‪ِ { : ‬إ َّن ف ْر َع ْو َن َعالَ في ْ‬
‫اَألر ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫[‪ ‬القص ص‪ .] 4 :‬وقال أيض ا‪ { : ‬وِإ َّن فِر َع و َن لَع ٍ ِ‬
‫ض َوِإنَّهُ لَم َن ال ُْم ْس ِرف َ‬
‫ين‪} ‬‬ ‫اَألر ِ‬
‫ال في ْ‬ ‫َ ْ ْ َ‬ ‫ً‬
‫وأيضا كما قال تعاىل يف قوم فرعون‪ { : ‬فَ ْ‬
‫استَ ْكَب ُروا َو َك انُوا َق ْو ًما‬ ‫[‪ ‬ي ونس‪ً ، ] 83 : ‬‬
‫ين‪ [ } ‬املؤمنون‪. ] 46 : ‬‬‫ِ‬
‫َعال َ‬
‫ورود هذه األسماء في القرآن الكريم‪: ‬‬
‫العلي‪  ‬يف مثانية مواضع منها‪: ‬‬ ‫))‬
‫ورد اسم اللَّه ‪ُّ  ‬‬
‫((‬

‫يم‪ [ } ‬البقرة‪. ] 255 : ‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ -‬قوله تعاىل‪ { : ‬والَ يُئ ُ ِ‬


‫ودهُ ح ْفظُ ُه َما َو ُه َو ال َْعل ُّي ال َْعظ ُ‬ ‫َ َ‬
‫َأن ما ي ْدعُو َن ِمن ُدونِ ِه ه و الْب ِ‬ ‫‪ -‬وقول ه‪ { : ‬ذَلِ َ‬
‫ك بِ َّ‬
‫اط ُل‬‫َُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َأن اللَّهَ ُه َو ال َ‬
‫ْح ُّق َو َّ َ َ‬
‫َأن اللَّهَ ُه َو ال َْعلِ ُّي الْ َكبِ ُير‪ [ } ‬احلج‪. ] 62 : ‬‬
‫َو َّ‬

‫‪- 142 -‬‬


‫ْح ْك ُم لِلَّ ِه ال َْعلِ ِّي الْ َكبِي ِر‪ [ } ‬غافر‪. ] 12 : ‬‬
‫‪ -‬وقوله تعاىل‪ { : ‬فَال ُ‬
‫وأما اسم ‪ ‬األعلى‪  ‬فقد جاء يف موضعني‪: ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫ك اَأل ْعلَى‪ [ } ‬األعلى‪ ، ] 1 : ‬وقوله‪ِ { : ‬إالَّ‬ ‫‪ -‬يف قوله تعاىل‪َ  { : ‬س بِّ ِح ْ‬
‫اس َم َربِّ َ‬
‫ابْتِغَ َاء َو ْج ِه َربِِّه اَأل ْعلَى‪ [ } ‬الليل‪. ] 20 : ‬‬
‫ادةِ‬
‫الش َه َ‬ ‫وأما ‪ ‬املتع ال‪  ‬فقد ج اء م رة واح دة يف قول ه‪َ  { : ‬ع الِ ُم الْغَْي ِ‬
‫ب َو َّ‬ ‫))‬ ‫((‬

‫الْ َكبِ ُير ال ُْمَت َع ِال‪ [ } ‬الرعد‪. ] 9 : ‬‬


‫معنى األسماء في حق اللَّه تعالى‪: ‬‬
‫[‪ ‬احلج‪: ‬‬ ‫َأن اللَّهَ ُه َو ال َْعلِ ُّي الْ َكبِ ُير‪} ‬‬
‫ق ال ابن كثري رمحه اللَّه‪  : ‬وقول ه‪َ  { : ‬و َّ‬
‫((‬

‫رة‪ ، ] 255 : ‬وق ال‪ { : ‬الْ َكبِ ُير‬


‫يم‪} ‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ ] 62‬كما ق ال‪َ  { : ‬و ُه َو ال َْعل ُّي ال َْعظ ُ‬
‫[‪ ‬البق‬

‫شيء حتت قهره وسلطانه وعظمته ال إله إال هو وال‬ ‫الْمتع ِال‪ [ } ‬الرع د‪ ] 9 : ‬فكل ٍ‬
‫َُ َ‬
‫رب سواه ؛ ألنه العظيم الذي ال أعظم منه‪ ، ‬العلي الذي ال أعلى منه‪ ، ‬الكبري‬
‫وجل عما يقول الظاملون املعتدون‬
‫عز َّ‬
‫وتنزه َّ‬
‫الذي ال أكرب منه تعاىل وتقدس‪َّ ، ‬‬
‫كبريا(‪.)1‬‬
‫علوا ً‬‫ً‬
‫وأشباه ُهم أن اللَّهَ يف كل مكان‪ ، ‬وأنه أعلى‬
‫ُ‬ ‫فتعاىل اللَّهُ عما يقول اجلهميةُ‬
‫وأس فل ووسط ومع كل ش يء ويف كل موضع من أرض ومساء ويف أج واف‬
‫كبريا‪. ‬‬
‫علوا ً‬ ‫َّ‬
‫مجيع احليوان‪ ، ‬تعاىل الله عما يقولون ً‬
‫ق ال ش يخ اإلس الم ابن تيمية رحمه اللَّه‪  : ‬وهو س بحانه وصف نفسه‬
‫((‬

‫بالعلو‪ ، ‬وهو من صفات املدح له بذلك‪ ، ‬والتعظيم ؛ ألنه من صفات الكمال‬


‫كما م دح نفسه بأنه العظيم‪ ، ‬والعليم‪ ، ‬والق دير والعزيز واحلليم وحنو ذلك‬
‫وأنه احلي القي وم‪ ، ‬وحنو ذلك من مع اين أمسائه احلسىن فال جيوز أن يتصف‬

‫(?) تفسير ابن كثير (‪. )223 ،3/222‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 143 -‬‬


‫بأضداد هذه الصفات‪.   ‬‬
‫))‬

‫فال جيوز أن يوصف بضد احلي اة والقيومية والعلم والق درة مثل املوت‬
‫والن وم واجلهل والعجز واللغ وب وال بضد العِ زة وهو ال ُّذل وال بضد احلكمة‬
‫وهو الس فه‪ ، ‬فك ذلك ال يُوصف بضد العلو وهو الس فول‪ ، ‬وال بضد العظيم‬
‫وهو احلق ري‪ ، ‬بل هو س بحانه ُم َّنزه عن ه ذه النق ائص املنافية لص فات الكم ال‬
‫الثابتة له‪ ، ‬فثبوت الكمال له ينفي اتصافه بأضدادها وهي النقائص(‪ .)1‬اهـ‪.‬‬
‫وقال ابن القيم رمحه اللَّه‪: ‬‬
‫صاف الكمال لربنا الرمحن‬ ‫هذا ومن توحيدهم إثبات أو‬
‫ـاوات العُلى بل فوق كل مكان‬ ‫كعلوه سبحانه فوق السم ـ‬
‫ِّ‬
‫خالف ذا ببيان‬
‫ُ‬ ‫إذ يستحيل‬ ‫العلي بذاته سبحانه‬
‫فهو ُّ‬
‫قد قام بالتدبري لألكوان‬ ‫وهو ال ذي ح ًقا على الع رش‬
‫***‬ ‫استوى‬
‫من آثار اإليمان بهذه األسماء الكريمة‬

‫‪ -1‬وجوب اإليمان بالعلو المطلق هلل تبارك وتعالى من كل الوجوه‪: ‬‬


‫قال ابن القيم رمحه اللَّه‪: ‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ِّـو له فثابتةٌ بال نكران‬ ‫العلي فكل أنواع العلـ‬
‫وهو ُّ‬
‫العلي األعلى‪ :   ‬وهو ال ذي له العلو املطلق من مجيع‬
‫عدي ‪ُّ  ‬‬
‫))‬
‫وق ال الس ُ‬ ‫((‬

‫الوج وه‪ : ‬علو ال ذات وعلو الق در والص فات‪ ، ‬وعلو القهر والكربي اء‪ ، ‬فهو‬
‫ال ذي على الع رش اس توى‪ ، ‬وعلىامللك احت وى‪ ، ‬وجبميع ص فات العظمة‬

‫(?) ((‪ ‬مجموع الفتاوى‪. )98 -16/97( )) ‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) النونية (‪. )214 -2/213‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 144 -‬‬


‫والكربياء واجلالل واجلمال وغاية الكمال اتصف وإليه فيها املنتهى(‪ .)1‬اهـ‪.‬‬
‫إذن فجميع أنواع ومعاين العلوم ثابتة له سبحانه وتعاىل دون أن نُعطِّل أو‬
‫جل جالله ما يلي‪: ‬‬
‫نُؤول شيًئا منها‪ ، ‬ومن أنواع العلو الثابتة هلل َّ‬
‫أوالً‪ : ‬إن اللَّه هو العلي في ذاته(‪: )2‬‬
‫اس َت َوى‪ [ } ‬ط ه‪ ، ] 5 : ‬وأخرب تعاىل‬
‫ش ْ‬ ‫فقد قال تعاىل‪َّ  { : ‬‬
‫الر ْح َم ُن َعلَى ال َْع ْر ِ‬
‫أن األعم ال الص احلة والكالم الطيب إليه يص عدان‪ . ‬ق ال تع اىل‪ِ { : ‬إل َْي ِه يَ ْ‬
‫ص َع ُد‬
‫الص الِ ُح َي ْر َفعُ هُ‪ [ } ‬ف اطر‪ . ] 10 : ‬وق ال تع اىل‪َ  { : ‬رفِي ُع‬ ‫ِ‬
‫الْ َكل ُم الطَّيِّ ُ‬
‫ب َوال َْع َم ُل َّ‬
‫ات ذُو ال َْع ْر ِش‪ [ } ‬غافر‪. ] 15 : ‬‬ ‫الدَّرج ِ‬
‫ََ‬
‫خمربا عن عظمته وكربيائه‬
‫ق ال ابن كثري يف تلك اآلي ة‪ : ‬يق ول تع اىل ً‬
‫وارتفاع عرشه العظيم على مجيع خملوقات(‪. )3‬‬
‫وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪ : ‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫‪ ‬وال ذي نفسي بي ده ما من رجل ي دعو امرأته إلى فراشه فت أبى(‪ )4‬عليه إال‬ ‫((‬

‫كان الذي في السماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها‪. )5(  ‬‬


‫))‬

‫ثانيا‪ : ‬هو العلي في كالمه‪: ‬‬


‫ً‬
‫ة‪ ، ] 40 : ‬فكالم اللَّه أعلى‬ ‫[‪ ‬التوب‬ ‫ةُ اللَّ ِه ِه َي الْعُلْيَا‪} ‬‬ ‫ق ال تع اىل‪َ  { : ‬و َكلِ َم‬

‫(?) تيسير الكريم الرحمن (‪. )5/300‬‬ ‫‪1‬‬

‫(? ) فقد تضمنت هذه األسماء إثبات علو ذات ربنا سبحانه وأنه عال على كل ش يء‬ ‫‪2‬‬

‫وفوق كل شيء وال شيء فوقه ‪ ،‬بل هو فوق عرشه كما أخبر عن نفسه ‪ ،‬وهو أعلم‬
‫بنفسه ‪.‬‬
‫(?) تفسير ابن كثير (‪. )4/72‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) فتأبى عليه ‪ .‬قال الشيخ األلباني ‪ :‬أي تمتنع إال كان هللا تب ارك وتع الى س اخطاً‬ ‫‪4‬‬

‫عليها حتى يرضى عنه ا زوجه ا ‪ .‬والح ديث دلي ل من عش رات األدل ة على أن هَّللا‬
‫تعالى في السماء أي العلو المطلق ‪ ،‬فوق العرش والمخلوقات كلها ‪.‬‬
‫(?) رواه مسلم (‪. )121 - 2/1436‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪- 145 -‬‬


‫الكالم وأحك ام اهلل أعلى األحك ام‪ ، ‬ومن ذلك كالمه الش رعي وكالمه‬
‫القدري‪ ، ‬فأما كالمه الشرعي فقد قال تعاىل عن القرآن الكرمي‪َ  { : ‬وِإنَّهُ فِي ُّأم‬
‫ف ُم َك َّر َم ٍة (‬‫ص ُح ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ال ِ‬
‫ْكتَ ِ‬
‫يم‪ [ } ‬الزخ رف‪ ، ] 4 : ‬وقال تعاىل‪ { : ‬في ُ‬
‫اب لَ َد ْينَا ل ََعل ٌّي َحك ٌ‬
‫وع ٍة ُمطَه ََّر ٍة‪ [ } ‬عبس‪. ] 14 ،13 : ‬‬
‫‪َ )13‬م ْرفُ َ‬
‫ق ال ابن كث ري‪ : ‬مجيع الق رآن يف ص حف مكرمة أي معظمة م وقرة‪، ‬‬
‫‪ ‬مرفوعة‪  ‬أي عالية القدر‪  ، ‬مطهرة‪  ‬أي من الدنس والزيادة والنقص(‪.)1‬‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫وقد وصف الوليد بن املغ رية‪ - ‬وهو رجل ك افر‪ - ‬كالم اهلل بقول ه‪: ‬‬
‫‪ ‬وإنه يعلو وال يُعلى عليه‪.   ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫أما كالمه الق دري‪ ، ‬ف إن اهلل إذا أراد ش ي ا َفعلَه وإذا َأم ر بش ٍ‬
‫يء ح دث‪، ‬‬ ‫ََ‬ ‫ًئ َ‬
‫ول لَ هُ ُك ْن َفيَ ُك و ُن‪ [ } ‬يس‪. ] 82 : ‬‬ ‫ق ال تع اىل‪ِ { : ‬إنَّ َما َْأم ُرهُ ِإذَا ََأر َ‬
‫اد َش ْيًئا َأ ْن َي ُق َ‬
‫وقال تعاىل‪َ  { : ‬و َكلِ َمةُ اللَّ ِه ِه َي الْعُلْيَا‪. } ‬‬
‫ثالثًا‪ : ‬العلي في أسمائه وصفاته‪: ‬‬
‫ْح ُّق‪ ، } ‬والعلي‬ ‫فهو العلي يف امللك‪ ، ‬قال تعاىل‪َ  { : ‬فَت َع الَى اللَّهُ ال َْملِ ُ‬
‫ك ال َ‬
‫اسم ربِّ َك اَأل ْعلَى‪. } ‬‬ ‫ِئ‬
‫يف أمسا ه قال تعاىل‪ { : ‬سبِّ ِح ْ‬
‫ََ‬ ‫َ‬
‫رابعا‪ : ‬واللَّه تعالى هو العلى في حكمه‪: ‬‬
‫ً‬
‫ْح ْك ُم لِلَّ ِه ال َْعلِ ِّي الْ َكبِي ِر‪. } ‬‬
‫قال تعاىل‪ { : ‬فَال ُ‬
‫خامسا ‪ :‬وهو العلى في وحدانيته‪  : ‬فليس له زوجة أو ولد‪.  ‬‬
‫))‬ ‫((‬
‫ً‬
‫فهو العلي املنزه أن تك ون له ص احبةٌ أو ول د‪ ، ‬وه ذا ما آمنت به اجلن‬
‫واعرتفت به يف قوله‪ { : ‬وَأنَّه َتع الَى ج ُّد ر ِّبنا ما اتَ َّخ َذ ص ِ‬
‫احبَةً َوالَ َولَ ًدا‪} ‬‬
‫[‪ ‬اجلن‪: ‬‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َ ََ َ‬
‫‪. ]3‬‬

‫(?) تفسير ابن كثير (‪. )4/455‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 146 -‬‬


‫أنداد‪: ‬‬
‫شركاء أو ٌ‬
‫ٌ‬ ‫وهو العلي أن يكون له‬
‫قال تعاىل‪ { : ‬قُ ْل ل َْو َكا َن َم َعهُ آلِ َهةٌ َك َما َي ُقولُو َن ِإذًا الَْبَتغَ ْوا ِإلَى ِذي ال َْع ْر ِ‬
‫ش‬
‫َسبِياًل (‪ُ )42‬س ْب َحانَهُ َوَت َعالَى َع َّما َي ُقولُو َن عُلًُّوا َكبِ ًيرا‪ [ } ‬اإلسراء‪. ] 43 ،42 : ‬‬
‫‪ -2‬الن بي ص لى اهلل عليه وس لم وأص حابه رضي اللَّه عنهم يؤمن ون‬
‫بأن اللَّه في السماء‪: ‬‬
‫عن أيب س عيد اخلدري رضي اهلل عنه أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫باحا‬
‫ق ال‪  : ‬أال ت أمنوني وأنا أمين من في الس ماء ي أتيني خ بر الس ماء ص ً‬ ‫((‬

‫ومساء؟‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫وعن أنس رضي اهلل عنه أن زينب زوجة النيب صلى اهلل عليه وسلم كانت‬
‫تفخر على أزواج النيب ص لى اهلل عليه وس لم وتق ول‪َ   : ‬ز َّو َج ُك َّن ََأه الِي ُك َّن‪، ‬‬
‫((‬

‫وزوجين اللَّهُ تعاىل من فوق سبع مساوات‪ .   ‬ويف رواية‪ : ‬وكانت تقول‪  : ‬إن‬
‫((‬ ‫))‬

‫اللَّه أنكحين يف السماء‪.)2(  ‬‬


‫))‬

‫ض ى َزيْ ٌد ِم ْن َها َوطَ ًرا َز َّو ْجنَا َك َها‪ . } ‬وك ذلك‬


‫تعين قوله تع اىل‪َ  { : ‬فلَ َّما قَ َ‬
‫ك انت عقي دة الت ابعني بإحس ان للس لف الص احل‪ . ‬فقد ق ال الش يخ أبو نصر‬
‫الس جزي في كت اب ‪ ‬اإلبان ة‪  :   ‬وَأِئمتنا كس فيان الث وري‪ ، ‬ومالك بن‬
‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫أنس‪ ، ‬وسفيان بن عَُيْينَة ومحاد بن سلمة‪ ، ‬وعبد اهلل بن املبارك‪ ، ‬والفضيل بن‬
‫عياض‪ ، ‬وأمحد بن حنبل‪ ، ‬وإسحاق بن إبراهيم احلنظلي‪ ، ‬متفقون على أن اللَّه‬
‫س بحانه بذاته ف وق الع رش وأن علمه بكل مك ان وأنه يُ رى ي وم القيامة‬
‫باألبصار‪ ، ‬وأنه ينزل إىل السماء الدنيا‪. )3(  ‬‬
‫))‬

‫(?) رواه البخاري (‪ ، )8/67‬ومسلم (‪ )2/742‬مطوالً ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه البخاري (‪. )7421 ،13/7420‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) نقض تأسيس الجهمية (‪. )2/38‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 147 -‬‬


‫وق ال احلافظ أبو نعيم األص بهاين يف العقي دة املش هورة عن ه‪  : ‬طريقتنا‬
‫((‬

‫فمما‬
‫طريقة املتبعني للكت اب والس نة وإمجاع اُألم ة‪ ، ‬فما اعتق دوه اعتق دناه‪َّ ، ‬‬
‫اعتق دوه أن األح اديث اليت ثبتت عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم يف الع رش‬
‫واس تواء اهلل عليه يقول ون هبا ويثبتوهنا‪ ، ‬من غري تك ييف‪ ، ‬وال متثي ل‪ ، ‬وال‬
‫تش بيه‪ ، ‬وأن اللَّه ب ائن من خلق ه‪ ، ‬واخللق ب ائنون من ه‪ ، ‬ال حَيِ ُّل فيهم وال ميتزج‬
‫هبم وهو مست ٍو على عرشه يف مسائه دون أرضه‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫‪ -3‬ثبوت اإليمان لمن آمن بعلو اهلل تبارك وتعالى‪: ‬‬


‫من غري تعطيل وال تأوي ل‪ ، ‬فها هو الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم يش هد‬
‫الس لمي رضي اهلل عنه ق ال‪: ‬‬ ‫باإلميان ملن آمن بعلو اهلل‪ . ‬فعن معاوية بن احلكم ُّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ت ذات ي وم ف إذا‬ ‫غنما يل قبَ َل ُأح د واجلواني ة‪ ، ‬ف اطَّلَ ْع ُ‬
‫وك ان يل جارية ت رعى ً‬
‫الذئب قد ذهب بشاة من غنمها وأنا رجل من بين آدم‪ ، ‬أسف كما يأسفون‪، ‬‬
‫رسول اللَّه صلى اهلل عليه وسلم فعظَّم ذلك َّ‬
‫علي‬ ‫َ‬ ‫ص َككْتُها َّ‬
‫صك ًة‪ ، ‬فأتيت‬ ‫لكين َ‬
‫قلت‪ : ‬يا رسول اللَّه‪ ، ‬أفال ْأعتِ ُقها‪ ‬؟ قال‪  : ‬ائتين هبا‪ .   ‬فأَتْيتُه هبا‪ ، ‬فقال هلا‪:‬‬
‫))‬ ‫((‬
‫ُ‬
‫‪ ‬أين اللَّه‪ ‬؟‪  ‬قالت‪ : ‬يف السماء‪ ، ‬قال‪  : ‬من أنا‪ ‬؟‪  ‬قالت‪ : ‬أنت رسول اللَّه‪.‬‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫قال‪  : ‬اعتقها فإنها مؤمنة‪. )2(  ‬‬


‫))‬ ‫((‬

‫قال أبو سعيد الدارمي‪ : ‬ففي حديث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم هذا‬
‫دليل على أن الرجل إذا مل يعلم أن اللَّه عز وجل يف الس ماء دون األرض فليس‬
‫مبؤمن‪ ، ‬ولو ك ان عب ًدا ف ُأعتق مل جَيُ ْز يف رقبة مؤمنة إذ ال يعلم أن اللَّه يف‬
‫السماء(‪ . )3‬اهـ‪. ‬‬

‫(?) تلبيس الجهمية البن تيمية (‪. )2/40‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه أحمد (‪ ، )5/448‬ومسلم (‪. )1/573‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) الرد على الجهمية ( ص ‪. )39‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 148 -‬‬


‫‪ -4‬التواضع وذم التعالي والتكبر‪: ‬‬
‫ق ال ابن مس عود رضي اهلل عن ه‪ : ‬من تواضع هلل ختش ًعا رفعه اللَّه‪ ، ‬ومن‬
‫جتربا قسمه اللَّه‪. ‬‬
‫تكرَّب ً‬
‫وقد ك ان النيب ص لى اهلل عليه وس لم أعظم الن اس تواض ًعا لرب ه‪ ، ‬فك ان‬
‫يقول‪  : ‬آكل كما يأكل العبد‪ ، ‬وأجلس كما يجلس العبد‪. )1(  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫وانظر إىل ذكائه صلى اهلل عليه وسلم وكم كان ربانيًّا‪ ، ‬فعندما نزل قوله‬
‫اس ِم َربِّ َك ال َْع ِظ ِيم‪ } ‬ق ال‪  : ‬اجعلوها يف رك وعكم‪،   ‬‬
‫))‬ ‫((‬
‫تع اىل‪ { : ‬فَ َس بِّ ْح بِ ْ‬
‫اس َم َربِّ َك اَأل ْعلَى‪ [ } ‬األعلى‪ ] 1 : ‬ق ال‪ : ‬اجعلوها يف‬
‫وعن دما ن زلت‪َ  { : ‬س بِّ ِح ْ‬
‫س جودكم(‪ ، )2‬فاخت ار للن اس تعظيم اللَّه يف ح ال اخلض وع وهو الرك وع‪، ‬‬
‫جباه ُهم وتغرب فيه وجوههم بأن يذكروا اهلل‬
‫وأمرهم يف أعظم موقف تذل فيه ُ‬
‫ويسبحوه بامسه األعلى ليتذكروا ِذلتهم لعزته وخضوعهم لقوته‪ ، ‬فيكون ذلك‬
‫س بب ع زهم وهو أق رب املواقف للعبد من رب ه‪ ، ‬فقد ق ال النيب ص لى اهلل عليه‬
‫))‬ ‫وس لم‪  : ‬أق رب ما يك ون العبد من ربه وهو س اجد ف أكثروا من ال دعاء‪ ‬‬ ‫((‬

‫(‪. )3‬‬
‫‪ -5‬ما عال شيء من الدنيا إال و ِ‬
‫ض ع ‪: ‬‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫إال كما طار وقـع‬ ‫وما من ط ٍري طار وارتفع‬
‫عن أنس رضي اهلل عنه قال ‪ :‬كانت ناقة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬

‫(?) تقدم تخريجه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرجه الطيالسي (‪ ، )1093‬وأحمد ‪ ،4/155‬وأبو داود (‪ ، )869‬وابن ماجه (‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ، )887‬وابن خزيم ة (‪ ، )670 ،600‬وابن حب ان (‪ ، )1898‬والح اكم ‪. 1/225‬‬


‫وصححه أيضًا الح اكم ‪ ،‬وتعقب ه ال ذهبي ‪ .‬وانظ ر فتح الب اري البن رجب الحنبلي‬
‫‪ ،7/176‬واإلرواء ‪. 2/40‬‬
‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 149 -‬‬


‫العضباء ال تُ ْسبق أو ال تكاد تُسبق ‪ ،‬فجاء أعرايب على قعود له فسبقها ‪ ،‬فشق‬
‫النيب ص لى اهلل عليه وس لم ‪ ،‬فقال ‪  :‬ح ٌق على‬
‫((‬
‫ذلك على املس لمني حىت عرفه ُّ‬
‫اللَّه أن ال يرتفع شيءٌ من الدنيا إال وضعه‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫وصدق من قال‪ : ‬الدنيا إذا حلت أوحلت‪ ، ‬وإذا كست أوكست‪ ، ‬وكم‬
‫مات‪. ‬‬ ‫من ملِ ٍ‬
‫ات‪ ، ‬فلما َعالَ َ‬
‫ك له َعالََم ٌ‬ ‫َ‬
‫أما التعالي الذي يعني التكبر ورغبة الرتفع بالنفس عن الناس جيعل العبد‬
‫ندا هلل جل جالله فيكون يف ذلك هالكه‪ ، ‬كما‬
‫متكربا حىت يظن نفسه ً‬
‫ً‬ ‫جبارا‬
‫ً‬
‫ال ِ‬
‫اآلخ َر ِة َواُألولَى‬ ‫قال فرعون لقومه‪َ { : ‬أنَا َربُّ ُك ُم اَأل ْعلَى (‪ )24‬فََأ َخ َذهُ اللَّهُ نَ َك َ‬
‫(‪ِ )25‬إ َّن فِي ذَلِ َك ل َِع ْب َرةً لِ َم ْن يَ ْخ َشى‪. } ‬‬
‫واملتكرب ال ذي يريد التع ايل عن خلق اللَّه إمنا ين ازع اللَّ َه ص فاته‪ ، ‬وقد ق ال‬
‫تع اىل يف احلديث القدس ي‪  : ‬العز إزاري‪ ، ‬والكبري اء ردائي‪ ، ‬فمن ن ازعني‬‫((‬

‫عذبتُه‪. )2(  ‬‬ ‫ٍ‬


‫بشيء منهما َّ‬ ‫))‬

‫وال ظامل إال َسيُْبلى بظامل‬ ‫ما من ٍ‬


‫يد إال ويد اللَّه فوقها‬
‫‪ -6‬اإلخ ـال ص‬
‫ف إذا علم العبد أن اهلل تع اىل هو العلى األعلى ف وق خلقه فهو ف وقهم ق اهر‬
‫الثواب وحده‬ ‫َ‬ ‫وعليهم قادر فالبد وأن خيشاه وحده ويرجوه وحده ويطلب منه‬
‫َألح ٍد ِع ْن َدهُ ِم ْن نِ ْع َم ٍة‬
‫وقد وصف اهلل املخلصني ب ذلك كما ق ال تع اىل‪َ { : ‬و َما َ‬
‫اء َو ْج ِه َربِِّه اَأل ْعلَى} [الليل‪.]20 ،19 :‬‬ ‫ِ‬
‫تُ ْج َزى * ِإالَّ ابْتغَ َ‬
‫‪ -7‬إن اهلل يحب معالي األمور‪: ‬‬

‫(?) رواه البخاري ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) صحيح ‪ :‬أخرجه البخاري في األدب المفرد (‪. )552‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 150 -‬‬


‫إن اللَّه تب ارك وتع اىل هو العلي‪ ، ‬ول ذلك فهو حيب مع ايل األم ور يف كل‬
‫شيء كالتوحيد واجلهاد وحسن اخلُلق‪ ... ‬وهكذا‪. ‬‬
‫وقد ُروى يف بعض احلديث قال‪  : ‬إن اللَّه يحب معالي األخالق ويكره‬
‫((‬

‫سفسافها‪. )1(  ‬‬ ‫))‬

‫العلى‪:   ‬‬
‫))‬
‫‪  -8‬أولئك لهم الدرجات ُ‬ ‫((‬

‫ف إن اللَّه عز وجل هو العلي وهو ال ذي يرفع وخيفض وال يعلو أح ٌد إال‬


‫بطاعته‪ ، ‬ولعل ِو الناس عند اللَّه تبارك وتعاىل أسباب‪. ‬‬

‫(?) عزاه الش يخ األلب اني إلى ابن عس اكر ‪ ،‬والض ياء في المخت ارة عن س عد تب ًع ا‬ ‫‪1‬‬

‫للسيوطي في زوائد الجامع الصغير ‪ ،‬وصححه الشيخ األلب اني ‪ ( .‬ص حيح الج امع‬
‫الصغير ‪. )2/123‬‬

‫‪- 151 -‬‬


‫فمن أسباب العلو‪: ‬‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين‬
‫آمنُ وا م ْن ُك ْم َوالذ َ‬ ‫‪ -1‬اإليمان‪ ، ‬والعلم‪ . ‬قال تعاىل‪َ  { : ‬ي ْرفَ ِع اللَّهُ الذ َ‬
‫ين َ‬
‫ُأوتُوا ال ِْعلْم َدرج ٍ‬
‫ات‪[ } ‬اجملادلة‪. ]11 :‬‬ ‫َ ََ‬
‫ف إن اهلل يرفع ب العلم العب َد اململ وك حىت جيلسه جمالس املل وك وقد ج اء ىف‬
‫الصحيح أن نافع بن احلارث أتى عمر بن اخلطاب بعس فان وكان قد استعمله‬
‫على أهل مكة فق ال له عم ر‪ (( : ‬من اس تخلفت على أهل ال وادى‪ ‬؟ ق ال‪: ‬‬
‫استخلفت عليهم ابن أبزى فقال‪ : ‬ومن ابن أبزى‪ ‬؟ فقال‪ : ‬رجل من موالينا‪، ‬‬
‫فق ال عم ر‪ : ‬اس تخلفت عليهم م وىل‪ ‬؟ فق ال‪ : ‬إنه ق ارىء لكت اب اهلل ع امل‬
‫ب الفرائض‪ . ‬فق ال عم ر‪ : ‬أما إن ن بيكم ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪ (( : ‬إن اهلل‬
‫أقواما ويضع به آخرين ))(‪. )1‬‬
‫يرفع بهذا الكتاب ً‬
‫ودا الم رأة من مكة‬
‫ق ال إب راهيم احلرىب‪ : ‬ك ان عط اء بن رب اح عب ًدا أس ً‬
‫وكان أنفه باقاله‪ ، ‬قال‪ : ‬وجاء س ليمان بن عبد امللك أمري املؤمنني إىل عطاء‬
‫هو وابناه فجلسوا إليه وهو يصلى فلما صلى انفتل إليهم فمازالوا يسألونه عن‬
‫مناسك احلج وقد ح ول قف اه إليهم‪ ، ‬فق ال س ليمان البنيه قوما فقام ا‪ ، ‬فق ال‪: ‬‬
‫يا بنيا ال تُقصرا ىف طلب العلم فإىن ال أنسى ذُلَّنا بني يدى هذا العبد األسود‪. ‬‬
‫وق ال احلرىب‪ : ‬وك ان حممد ابن عبد ال رمحن األوقص عنقه داخلة ىف بدنه‬
‫وكان منكباه خارجني كأهنما زجان فقالت أمه‪ : ‬يا بىن ال تكون ىف جملس ٍ‬
‫قوم‬
‫ىِل‬
‫إال كنت املض حوك منه املس خور به فعليك بطلب العلم فإنه يرفع ك‪ ، ‬ف َو َ‬
‫قضاء مكة عشرين سنة‪ ، ‬قال وكان اخلصم إذا جلس إليه بني يديه يرتعد حىت‬
‫يقوم‪. ‬‬
‫(?) رواه مسلم (‪ )6/98‬صالة المسافرين ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 152 -‬‬


‫وقال عبد اهلل بن داود‪ : ‬مسعت سفيان الثورى يقول‪ (( : ‬إن هذا احلديث‬
‫عز فمن أراد به الدنيا وجدها ومن أراد به اآلخرة وجدها‪. ‬‬
‫ق ال س فيان بن عيين ة‪ : ‬أرفع الن اس منزلة عند اهلل من ك ان بني اهلل وبني‬
‫عباده وهم األنبياء والعلماء‪. ‬‬
‫وصدق القائل‪: ‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اسَت ْهدى َأدالَء‬‫َّه ُم َعلَى اهلَُدى ل َمن ْ‬ ‫ض ُل إالَّ ْ‬
‫َأله ِل الع ْلـم إن ُ‬ ‫ما ال َف ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َأع َداءُ‬
‫أله َل العلم َ‬
‫وقَ ْد َر ُك ِّل ْامرىء ما َكا َن حُيْ َسنُه واجلَاهلُو َن ْ‬
‫ِ‬ ‫َف ُف ْز بِعلم تَعش ح ــيا به ً‬
‫َأحيَاءُ‬
‫وَأه ُل الع ْلم ْ‬
‫الناس َم ْوتَى ْ‬
‫ُ‬ ‫َأبدا‬
‫‪ -2‬القرءان تالوته وحفظه والعمل به‬
‫عن عمر بن اخلط اب (رضى اهلل عن ه) ق ال‪ : ‬ق ال النىب ص لى اهلل عليه‬
‫أقواما ويضع به آخرين ))(‪. )1‬‬ ‫((‬
‫وسلم‪ : ‬إن اهلل يرفع بهذا الكتاب ً‬
‫فإن اهلل يرفع ص احب الق رءان ىف ال دنيا واآلخ رة فأما ىف ال دنيا بالربكة ىف‬
‫العمر والسعة ىف الرزق وحب الناس‪. ‬‬
‫وأما ىف اآلخرة فإن صاحب القرءان يرفعه اهلل ىف اجلنة وال يزال يَُّرقِيَه حىت‬
‫آخر آية معه‪. ‬‬
‫فعن عبد اهلل بن عم رو بن الع اص (رضى اهلل عنهم ا) عن النىب ص لى اهلل‬
‫ِ‬
‫وارتق(‪ )2‬ورتل كما كنت‬ ‫عليه وسلم قال‪(( : ‬يُقال لصاحب القرءان‪ : ‬اقرأ‬
‫ترتل فى الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤوها ))(‪. )3‬‬

‫(?) سبق تخريجه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(? ) وارتق ‪ :‬أى فى درج الجنة بقدر ما حفظته من آى القرءان ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) رواه أبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬وقال ‪ :‬حديث حسن صحيح ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 153 -‬‬


‫وعن عائشة (رضى اهلل عنه ا) ق الت‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ (( : ‬الذى يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام ال بررة والذى‬
‫يقرأن القرءان ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران ))(‪. )1‬‬
‫واملاهر‪ : ‬أى ال ذى جُي يد لفظه على ما ينبغى حبيث ال يتش ابه وال يقف ىف‬
‫قراءته‪( ، ‬مع السفرة) أى املالئكة أو الرسل (عليهم الصالة والسالم) أى معهم‬
‫ىف منازهلم ىف اآلخرة‪. ‬‬
‫ق ال القاض ى‪ : ‬حُي تمل أن يك ون معىن كونه مع املالئكة أن له ىف اآلخ رة‬
‫منازل يكون فيها رفي ًقا للمالئكة السفرة إلتصافه بصفتهم ِم ْن مَح ْل كتاب اهلل‬
‫تعاىل قال وحُي تمل أن يراد أنه عامل بعملهم وسالك مسلكهم ))(‪. )2‬‬
‫‪ -3‬التواضع‪: ‬‬
‫هلل ما أمجل ه ذه الص فة وما أعظمها فكم ق َّربت من اهلل عب ًدا بعي ًدا وكم‬
‫سعيدا‪ ، ‬وكم أمثرت بعد مخول ذك ٍر صيتًا ً‬
‫جميدا‪ ، ‬وكم‬ ‫عهدا ً‬‫تعب ً‬ ‫أعقبت بعد ٍ‬
‫رشيدا‪. ‬‬ ‫رفعت بعد ذُ ٍّل ً‬
‫عبدا ً‬
‫واجلزاء من جنس العمل‪. ‬‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫قال تعاىل‪ { : ‬تِل َ‬
‫اَألر ِ‬
‫ض‬ ‫َّار اآلخ َرةُ نَ ْج َعلُ َها للَّذ َ‬
‫ين الَ يُ ِري ُدو َن عُلُ ًّوا في ْ‬ ‫ْك الد ُ‬
‫َوالَ فَ َس ًادا‪ [ } ‬القصص‪. ] 183 : ‬‬
‫ت صدقةٌ من مال وما زاد‬ ‫وقال النىب صلى اهلل عليه وسلم‪ (( : ‬ما َن َق ُ‬
‫ص ْ‬
‫)) (‪. )3‬‬
‫اهللُ عب ًدا بعفو إال ِع َّزا‪ ، ‬وما تواضع أح ٌد هلل إال رفعه اهلل‬
‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ش رح الح ديث فى ص حيح مس لم (‪ )6/84‬بش رح الن ووى "فض يلة حاف ظ‬ ‫‪2‬‬

‫القرءان" ‪.‬‬
‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 154 -‬‬


‫وعن ابن عب اس (رضى اهلل عنهم ا) عن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫ق ال‪ (( : ‬ما من آدمى إال فى رأسه َح َك َمة(‪ )1‬بي ِد َملَ ك‪ ، ‬ف إذا تواضع قيل‬
‫))(‪. )2‬‬
‫ارفع حكمته‪ ، ‬وإذا تكبر قيل للملك‪ : ‬ضع حكمته‬ ‫للملك‪ْ (( : ‬‬
‫ول ذلك ف إن املتكرب وال ذى يُريد العلو على اخللق ف إن اهلل جيزيه بضد ما‬
‫قصد‪. ‬‬
‫فعن عم رو بن ش عيب عن أبيه عن ج ده عن النىب ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫قال‪ (( : ‬يُحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر فى صور الناس يعلوهم‬
‫كل شىء من الصغار حتى يدخلوا سجنا فى جهنم يقال له بولس تَعلوهم‬
‫))(‪. )3‬‬
‫نار األنيار يُسقون من طينة الخبال عصارة أهل النار‬
‫وقيل أن التواض ع‪ (( : ‬هو أن خترج من بيتك فما تلقى أح ًدا إال ظننته‬
‫خريا منك ))‪. ‬‬
‫ً‬
‫‪" -4‬الشهادة فى سبيل اهلل"‪: ‬‬
‫اهلل هى العُليا وقُتِل من أجل ذلك‬
‫ف إن الش هيد قد قاتل لتك ون كلم ةُ ِ‬
‫فجازاه اهلل بأن رفعه وأعلى درجاته ىف اجلنة فمن ذلك‪. ‬‬
‫(( أوالً )) ُج ِعل مأواهم تحت العرش‪: ‬‬
‫عن ابن مسعود (رضى اهلل عنه) أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪: ‬‬
‫(?) ال َح َك َم ة هى لج ام الداب ة ولك ل إنس ان من ب نى آدم حكم ة يمس كها مل ك من‬ ‫‪1‬‬

‫المالئكة ‪.‬‬
‫(?) صحيح لغيره ‪ .‬أخرجه الطبراني في الكبير ( ج ‪. )12939/ 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) رواه اإلمام أحمد ‪ ،‬ورُوى عن ابن عمرو وقال ابن حج ر فى المط الب العالي ة‬ ‫‪3‬‬

‫بزوائ د المس انيد الثماني ة ‪ :‬موق وف ‪ ،‬إس ناده حس ن ‪ .‬انظ ر (‪ )4/375‬ح ديث رقم‬
‫‪ 4629‬عن المطالب ‪.‬‬
‫و(الذرُّ ) هو النمل الصغير ‪.‬‬

‫‪- 155 -‬‬


‫(( إن أرواح الش هداء فى ج وف ط ير خض ر‪ ، ‬لها قناديل تحت الع رش‪، ‬‬
‫)) (‪. )1‬‬
‫تسرح من الجنة حيث شاءت‪ ، ‬ثم تأوى إلى تلك القناديل …‬
‫ثانيا )) للمجاهدين فى الجنة مائة درجة‪: ‬‬
‫ً‬
‫((‬
‫عن أىب هريرة (رضى اهلل عنه) عن النىب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪(( : ‬‬

‫وإن فى الجنة مائة درجة ما بين كل درج تين كما بين السماء واألرض أعدها اهللُ‬
‫))(‪. )2‬‬
‫للمجاهدين فى سبيله‬
‫(( ثالثًا )) من الشهداء من يسكن الفردوس األعلى‪. ‬‬
‫عن أنس (رضى اهلل عنه) أن أم الربيع بنت الرباء وهى أم حارثة بن سراقة‬
‫أتت النىب ص لى اهلل عليه وس لم فق الت‪ : ‬يا رس ول اهلل أال حتدثىن عن حارث ة‪، ‬‬
‫(وكان قتل ي وم ب در) فإن ك ان ىف اجلنة صربت وإن ك ان غري ذلك اجتهدت‬
‫عليه ىف البُكاء فقال‪ (( : ‬يا أم حارثة إنها جنان فى الجنة‪ ، ‬وإن ابنك أصاب‬
‫الف ردوس األعلى ))(‪ . )3‬اهلل أك رب‪ . ‬ما أهنئه من عيش‪ ، ‬وما أعظمه من رزق‬
‫ىف الفردوس األعلى أتدرى أخى احلبيب ما هى الفردوس‪ ‬؟‬
‫لقد قال النىب ص لى اهلل عليه وس لم‪ (( : ‬إذا س ألتم اهلل فس لوه الف ردوس‬
‫فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه ع رش ال رحمن ومنه تفجر أنه ار‬
‫))(‪. )4‬‬
‫الجنة‬

‫(?) رواه مسلم ‪ ،‬والترمذي عن ابن مسعود ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه البخاري (‪ ، )6/11‬ومسلم (‪ )13/28‬اإلمارة ‪ ،‬والترم ذي (‪ )10/8‬ص فة‬ ‫‪2‬‬

‫الجنة ‪ ،‬وابن ماجه (‪ )4331‬الزهد ‪.‬‬


‫(?) أخرجه البخاري (‪ )2809‬من حديث أنس ‪ ،‬رضي هللا عنه ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أخرجه البخاري (‪ )7423 ،2790‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي هللا عنه ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪- 156 -‬‬


‫رابعا‪ : ‬من الشهداء من يكلمه اهلل بغير حجاب‪: ‬‬
‫ً‬
‫عن ج ابر بن عبد اهلل (رضى اهلل عنهم ا) ق ال‪ : ‬لقيىن رس ول اللهص لى اهلل‬
‫منكسرا‪ ‬؟ ))‪. ‬‬
‫ً‬ ‫عليه وسلم فقال ىل‪ (( : ‬يا جابر مالى أراك‬
‫ود ْينًا‪. ‬‬ ‫ِ‬ ‫قلت‪ : ‬يا رسول اهلل است ْش ِهد أىِب ‪ ، ‬قُتِل يوم ٍ‬
‫ُأحد وترك عيَاالً َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫قال‪ (( : ‬أفال أبشرك مبا لَِقى اهللُ به أباك‪ ‬؟ ))‪. ‬‬
‫ط إال من‬ ‫ق ال‪ : ‬قلت بلى يا رس ول اهلل‪ . ‬ق ال‪ (( : ‬ما َكلَّم اهللُ أح ًدا ق ُّ‬
‫((‬ ‫ِ‬ ‫))‬
‫وراء حج اب ‪ . ‬وأحيا أب اك فكلَّمه ك ً‬
‫(‪)1‬‬
‫تم َّن على‬
‫فاحا فق ال‪ : ‬يا عب دى َ‬
‫الرب عز وجل‪ (( : ‬إنه قد‬ ‫ُأ ْع ِطك ))‪ ،‬قال يارب حتييىن فُأْقتَل فيك ثانيةً‪ ، ‬قال ُّ‬
‫س بق منِّى‪ : ‬أنهم إليها ال يرجع ون ))‪ . ‬ق ال‪ : ‬وُأن زلت ه ذه اآلي ة‪َ  { : ‬والَ‬
‫ين قُتِلُوا فِي َسبِ ِيل اللَّ ِه َْأم َواتًا‪[ } ‬آل عمران‪. )2(]16 : ‬‬ ‫َّ ِ‬
‫تَ ْح َسبَ َّن الذ َ‬
‫شيء في ُعلُِّو ِه‪: ‬‬
‫ٌ‬ ‫‪ -9‬ليس كمثله‬
‫فإن اللَّه هو العلي األعلى جل جالله وتقدست أمساؤه‪ ، ‬فال يدانيه أح ٌد يف‬
‫علوه‪ ، ‬وال مياثله شيءٌ يف رفعته‪ ، ‬وذلك من وجوه منها‪: ‬‬
‫‪ -1‬له العلو المطلق من جميع الوجوه‪: ‬‬
‫ناقص ا‪ ، ‬فقد يعلو يف م ٍال‬
‫فما من أحد من اخللق بلغ عل ًوا إالَّ ك ان عل ًوا ً‬
‫وال يعلو يف رياسة أو ُحكم‪ ، ‬أو يعلو يف ال دنيا وال يعلو يف اآلخ رة‪ ، ‬وقد يعلو‬
‫وقت دون آخر‪ ، ‬أو يف حال دون حال‪ ، ‬كمثل من يعلو يف حال قوته دون‬ ‫يف ٍ‬
‫ضعفه‪ ، ‬أو صحته دون مرضه‪ ، ‬أو شبابه دون هرمه‪. ‬‬
‫أما العلو املطلق من مجيع الوجوه ويف كل األحوال فهو هلل عز وجل‪ ، ‬فإن‬
‫(?) كفاحًا ‪ :‬أى مواجهةً ليس بينهما حجاب وال رسول ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) حسن ‪ :‬أخرجه الترمذي (‪ ، )5/3010‬وابن ماجه (‪. )2/2800 ،1/190‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 157 -‬‬


‫اللَّه تع الى هو العلي ال ذي ال أعلى منه وال يعلو عليه بل ال يدانيه أح ٌد من‬
‫خلقه‪. ‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض‪ . } ...‬فإنه قد‬ ‫ول ذلك ق ال اللَّه عز وج ل‪ِ { : ‬إ َّن ف ْر َع ْو َن َعالَ في ْ‬
‫اَألر ِ‬
‫عال يف األرض وتكرب فيها ومل يستطع أن يعلو يف السماء‪. ‬‬
‫‪ -2‬علو اللَّه دائم‪: ‬‬
‫فعلو اخللق مؤقت يسبقه العدم ويلحقه الفناء‪. ‬‬
‫أما علو اللَّه عز وجل فهو عل ٌو لم يس بقه انخف اض وال يلحقه دن و‪، ‬‬
‫دائم ال يتغير‪ ، ‬ثابت ال يتبدل‪. ‬‬
‫‪ -3‬رحمته في علوه‪: ‬‬
‫فكل من أص ابه ش يءٌ من علو ال دنيا فإنه يبتعد عن الض عفاء واملس اكني‪، ‬‬
‫وقد يأنف منهم‪. ‬‬
‫أما اللَّه س بحانه وبحم ده ق ريب في عل وه‪ ، ‬رحيم في كبريائ ه‪ ، ‬ودو ٌد‬
‫في عظمت ه‪ ، ‬عف ٌو في قدرت ه‪ ، ‬ال يمنعه ش يءٌ عن خلقه إذا ُدعي أج اب‪، ‬‬
‫َك ِعب ِ‬
‫ادي َعنِّي فَ ِإ نِّي‬ ‫جاب‪ ، ‬ق ال تع اىل‪َ  { : ‬وِإ َذا َس َأل َ َ‬ ‫الح َّ‬
‫وال يقف على بابه ُ‬
‫َّاع ِإذَا َد َع ِ‬
‫ان‪ [ } ‬البقرة‪. ] ‬‬ ‫يب َد ْع َوةَ الد ِ‬ ‫قَ ِر ِ‬
‫يب ُأج ُ‬
‫ٌ‬
‫***‬

‫‪- 158 -‬‬


‫الواسع تبارك وتعالى‬
‫المعنى اللغوى‪: ‬‬
‫والسعة‪ : ‬اجلِدة والطاقة‪. ‬‬
‫الو ْس ُع َّ‬
‫قال الجوهرى‪ُ : ‬‬
‫قال تعالى‪ { : ‬لُِي ْن ِف ْق ذُو َس َع ٍة ِم ْن َس َعتِ ِه‪ } ‬أى على قدر غناه وسعته‪. ‬‬
‫وأوسع الرجل‪ : ‬إذا صار ذا سع ٍة ِ‬
‫وغىَن ‪. ‬‬ ‫ََ‬
‫ق ال األص بهاىن‪ : ‬الس عة تق ال ىف األمكن ة‪ ، ‬وىف احلال‪ ، ‬وىف األفع ال‪. ‬‬
‫كالقدرة‪ ، ‬واجلود وحنو ذلك‪. ‬‬
‫‪. ‬‬
‫ففى األماكن قال تعاىل‪َْ  { : ‬أر ِضي َو ِاس َعةٌ‪} ‬‬
‫‪. ‬‬
‫اج ُروا فِ َيها‪} ‬‬ ‫ِ ِ‬
‫اسعةً َف ُت َه ِ‬
‫ض اللَّه َو َ‬ ‫وكقوله تعاىل‪َ { : ‬أل ْ‬
‫َم تَ ُك ْن َْأر ُ‬
‫‪. ‬‬ ‫وه َّن َعلَى الْم ِ‬
‫وس ِع قَ َد ُرهُ‪} ‬‬ ‫ُ‬ ‫وىف احلال كقوله تعاىل‪َ  { : ‬و َمتِّعُ ُ‬
‫‪. ‬‬
‫وكقوله جل ذكره‪ { : ‬لُِي ْن ِف ْق ذُو َس َع ٍة ِم ْن َس َعتِ ِه‪} ‬‬
‫‪. ‬‬
‫ف اللَّهُ َن ْف ًسا ِإالَّ ُو ْس َع َها‪} ‬‬
‫وىف القدرة قال تعاىل‪ { : ‬الَ يُ َكلِّ ُ‬
‫قي ل‪ (( : ‬ال يكلفهم إال ما يُثمر هلم الس عة أى جنة عرض ها الس موات‬
‫‪. ‬‬
‫واألرض كما قال‪ { : ‬يُ ِري ُد اللَّهُ بِ ُك ُم الْيُ ْس َر َوالَ يُ ِري ُد بِ ُك ُم الْعُ ْس َر‪} ‬‬
‫‪. ‬‬
‫أما قوله تعاىل‪َ  { : ‬و ِس َع َرُّبنَا ُك َّل َش ْي ٍء ِعل ًْما‪} ‬‬
‫‪. ‬‬
‫َأحا َط بِ ُك ِّل َش ْي ٍء ِعل ًْما‪} ‬‬
‫فوصف هلل جل ذكره حنو قوله تعاىل‪َ  { : ‬‬
‫ِ ِ‬
‫وقوله تبارك وتعاىل‪َ  { : ‬واللَّهُ َواس ٌع َعل ٌ‬
‫‪. ‬‬
‫يم‪} ‬‬
‫فعبارة عن سعة قدرته وعلمه ورمحته وإفضاله كقوله تعاىل‪َ  { : ‬و ِس َع َربِّي‬
‫ُك َّل َش ْي ٍء ِعل ًْما‪ . } ‬وكما قال عز وجل‪{ : ‬ورمحيت وسعت كل شيء}(‪.)1‬‬
‫وروده فى القرآن الكريم‪: ‬‬

‫(?) مفردات ألفاظ القرآن لألصبهاني ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 159 -‬‬


‫جاء فى القرآن ثمان مرات منها‪: ‬‬
‫ِ ِ‬ ‫قوله تع اىل‪ِ { : ‬إ ْن ي ُكونُ وا ُف َق راء يغْنِ ِهم اللَّهُ ِمن فَ ْ ِ ِ‬
‫ض له َواللَّهُ َواس ٌع َعل ٌ‬
‫يم‪} ‬‬ ‫ْ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫َ‬
‫[النور ‪. ]32‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‪[ } ‬البقرة‪. ]47 : ‬‬ ‫وقوله‪َ  { : ‬واللَّهُ ُيْؤ تي ُم ْل َكهُ َم ْن يَ َشاءُ َواللَّهُ َواس ٌع َعل ٌ‬
‫يم‪[ } ‬البقرة‪.]26 : ‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ضاًل َواللَّهُ َواس ٌع َعل ٌ‬ ‫وقوله‪َ  { : ‬واللَّهُ يَِع ُد ُك ْم َمغْ ِف َرةً ِم ْنهُ َوفَ ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫اع ُ ِ‬ ‫ضِ‬
‫يم‪[ } ‬البقرة‪. ]261 : ‬‬ ‫ف ل َم ْن يَ َشاءُ َواللَّهُ َواس ٌع َعل ٌ‬ ‫وقوله‪َ  { : ‬واللَّهُ يُ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‪[ } ‬البقرة‪. ]115 : ‬‬ ‫وكقوله‪ { : ‬فَ َْأينَ َما ُت َولُّوا َفثَ َّم َو ْجهُ اللَّه ِإ َّن اللَّهَ َواس ٌع َعل ٌ‬
‫معنى االسم فى حق اهلل تعالى‪: ‬‬
‫قال احلليمى‪" : ‬الواس ع" ومعن اه الكثري مقدوراته ومعلوماته املنبسط فض له‬
‫ورمحته‪ ، ‬وهذا تنزيهٌ له من النقص والعِلَّة وإعرتاف له بأنه ال يُ ْعجزه شىء وال‬
‫(‪. )1‬‬
‫خيفى عليه شىء ورمحته وسعت كل شىء‬
‫ق ال ابن جري ر‪" : ‬إن اهلل واسع عليم" يعىن جل ثن اؤه بقوله (واس ع) يسع‬
‫(‪. )2‬‬
‫خلقه كلهم بالكفاية واإلفضال واجلُود والتدبري‬
‫وق ال‪" : ‬واهلل واسع عليم" واهلل واسع بفض له فينعم به على من أحب‪،‬‬
‫ويريد به من يش اء‪" ، ‬عليم" مبن هو أهل مللكه ال ذى يؤتيه وفض له ال ذى‬
‫يعطي ه‪ ، ‬فيعطيه ذلك لعلمه به وأنه ملا أعط اه أهل إما لإلص الح ب ه‪ ، ‬وإما ألن‬
‫ينتفع هو به(‪ )3‬كما ىف قوله تع اىل‪ { : ‬واللَّهُ ي ْؤ تِي م ْل َك هُ من ي َش اء واللَّهُ و ِ‬
‫اس ٌع‬ ‫َْ َ ُ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫يم‪ [ } ‬البقرة‪. ] 247 : ‬‬ ‫ِ‬
‫َعل ٌ‬

‫(?) المنهاج (‪ )1/198‬ذكره فى األسماء التى تتبع نفى التشبيه عن هللا ج ل وعال ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫وكذا البيهقى فى (األسماء) ‪.‬‬


‫(?) "جامع البيان" (‪ ، )1/403‬وقال مثله بن كثير (‪. )1/160‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) المصدر السابق (‪. )2/381‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 160 -‬‬


‫ق ال أبو عبي دة معمر بن املث ىن‪" : ‬إن اهلل واسع عليم" أى ج واد يسع ملا‬
‫يُس أل(‪ ، )1‬وذلك كقوله تع اىل ىف احلديث القدس ى‪ …" : ‬يا عب ادى لو أن‬
‫فأعطيت‬
‫ُ‬ ‫أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا فى صعيد ٍ‬
‫واحد فسألونى‬
‫ك َّل إنس ان مس ألته ما نقص ذلك مما عن دى إال كما ينقص المخيط إذا‬
‫(‪. )2‬‬ ‫ِ‬
‫ُأدخل البحر …"‬
‫وىف املقصد‪" : ‬الواسع" مشتق من السعة والسعة تضاف مرة إىل العلم إذا‬
‫اتسع وأحاط باملعلومات الكثرية‪ ، ‬وتضاف أخرى إىل اإلحسان وبسط النعم‪، ‬‬
‫وكيفما ق در وعلى أى ش ىء ن زل فالواسع املطلق هو اهلل تع اىل‪ ، ‬ألنه إن نظر‬
‫مدادا لكلماته‪، ‬‬
‫إىل علمه فال ساحة لبحر معلوماته‪ ، ‬بل تنفد البحار لو كانت ً‬
‫وإن نُ ِظر إىل إحس انه ونعمه فال هناية ملقدوراته وكل س عة وإن َعظُ َمت فتنتهى‬
‫إىل ط رف وال ذى ال ينتهى إىل ط رف هو أح ّق باسم الس عة واهلل تع اىل هو‬
‫الواسع املطل ق‪ ، ‬ألن كل واسع باإلض افة (أى باملقارن ة) إىل ما هو أوسع منه‬
‫ض يق‪ ، ‬وكل س عة تنتهى إىل ط رف فالزي ادة عليها متص ورة‪ ، ‬وما ال هناية له‬
‫(‪. )3‬‬
‫صور عليه زيادة‬
‫وال طرف فال يُتَ َّ‬
‫من آثار اإليمان باسم اهلل "الواسع"‪: ‬‬
‫أوالً‪ : ‬العلم ب أن اهلل هو الواسع الح ق‪ : ‬ىف ص فاته ونعوته فقد ق ال‬
‫السعدى‪ : ‬الواسع الصفات والنعوت ومتعلقاهتا حبيث ال حيصى أح ٌد ثناءً عليه‬
‫اء عليك … ))(‪ ،)4‬بل‬ ‫((‬
‫كما ق ال النىب ص لى اهلل عليه وس لم‪ : ‬ال أحصى ثن ً‬

‫(?) "مجاز القرآن" (‪. )1/51‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه مسلم "عن أبى ذر" رضى هللا عنه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) "المقصد األسنى" (ص ‪. )75‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪- 161 -‬‬


‫ك‪ ، ‬واسع الفضل‬ ‫لطان واملل‬ ‫هو كما أثىن على نفسه واسع العظمة والس‬
‫واإلحسان‪ ، ‬عظيم اجلود والكرم‪. ‬‬
‫ومن صور السعة يف أمساء اهلل وصفاته ما يلي‪: ‬‬
‫‪ – 1‬فاهلل عز وجل واسع فى رحمته‪: ‬‬
‫ق ال تع اىل‪َ  { : ‬ف ُق ْل َربُّ ُك ْم ذُو َر ْح َم ٍة َو ِاس َع ٍة‪[ } ‬األنع ام‪ . ]147 : ‬وق ال‬
‫ِِ‬ ‫ٍ‬ ‫تع اىل‪َ  { : ‬و َر ْح َمتِي َو ِس َع ْ‬
‫ت ُك َّل َش ْيء فَ َس َأ ْكتُُب َها للَّذ َ‬
‫ين َيَّت ُق و َن‪[ } ‬األع راف‪: ‬‬
‫))(‪. )1‬‬
‫‪ . ]156‬قال النىب صلى اهلل عليه وسلم‪ (( : ‬إن هلل مائة رحمة‪ ‬‬
‫‪" - 2‬واسع المغفرة"‪: ‬‬
‫ق ال تع اىل‪ِ { : ‬إ َّن َربَّ َك َو ِاس ُع ال َْمغْ ِف َر ِة‪[ } ‬النجم‪ . ]32 : ‬وق ال تع اىل ىف‬
‫احلديث القدس ى‪ (( : ‬يا ابن آدم إنك ما دعوت نى ورجوت نى غف رت لك على‬
‫ما ك ان منك وال أب الى‪ ، ‬يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عن ان الس ماء ثم‬
‫اس تغفرتنى غف رت ل ك‪ ، ‬يا ابن آدم لو أتيت نى بق راب األرض خطايا ثم‬
‫))(‪. )2‬‬
‫لقيتنى ال تشرك بى شيئا ألتيتك بقرابها مغفرة‬
‫وسع اهللُ ملكه على خلقه‪. ‬‬
‫‪" – 3‬واسع الملك" فقد َّ‬
‫ض‬ ‫َأح َس نُوا فِي َه ِذ ِه ُّ‬
‫الد ْنيَا َح َس نَةٌ َو َْأر ُ‬ ‫ين ْ‬
‫ِِ‬
‫فوس ع األرض‪ ، ‬قال تع اىل‪{ : ‬للَّذ َ‬
‫ّ‬
‫ِ ِ‬
‫اها‬
‫اء َبَن ْينَ َ‬ ‫ووس ع ىف السماء قال تعاىل‪َ  { : ‬و َّ‬
‫الس َم َ‬ ‫اللَّه َواس َعةٌ} [الزمر‪ّ . ]10 : ‬‬
‫بَِأي ٍد وِإنَّا لَم ِ‬
‫وسعُو َن‪[ } ‬الذاريات‪. ]47 : ‬‬ ‫ْ َ ُ‬
‫وقد جاء عن ابن عباس رضى اهلل عنهما‪ " : ‬أن األرض ىف السماء األوىل‬

‫(?) رواه البخ اري (‪ ، )9469‬ومس لم (‪ ، )2753/21 ،19 -2752/18‬وراج ع‬ ‫‪1‬‬

‫شرحنا السمه الرحمن جل جالله ‪.‬‬


‫(?) حسن ‪ .‬أخرجه الترمذي (‪ ، )5/3540‬وانظر ش رحنا الس ميه الغف ار والغف ور‬ ‫‪2‬‬

‫تبارك وتعالى ‪.‬‬

‫‪- 162 -‬‬


‫كحلقة ىف فالة(‪ . )1‬وأن الس ماء األوىل ىف الثانية كحلقة ىف فالة … وهك ذا‬
‫كل مساء ىف الىت تليها … حىت ق ال والس موات الس بع ىف الكرسى كحلقة ىف‬
‫فالة والكرسى ىف العرش كحلقة ىف فالة‪. ‬‬
‫‪" – 4‬واسع فى رزق ه" قال األصبهاىن‪ : ‬ومن أمسائه ‪ ‬الواسع‪  ‬وس عت‬
‫))‬ ‫((‬

‫رمحته اخللق أمجعني‪ ، ‬وقيل وسع رزقه اخلل َق أمجعني‪ ، ‬ال جتد أح ًدا إال وهو‬
‫يأك ُل رزقَ ه‪ ، ‬وال يق در أن يأكل غري ما ُر ِزق(‪ . )2‬وق ال تع اىل‪ِ { : ‬إ ْن يَ ُكونُ وا‬
‫ِ ِ‬ ‫ُف َقراء ي ْغنِ ِهم اللَّهُ ِمن فَ ْ ِ ِ‬
‫يم‪[ } ‬النور‪. ]32 : ‬‬ ‫ضله َواللَّهُ َواس ٌع َعل ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ َُ ُ‬
‫‪" -5‬واسع فى علم ه" وعلم اهلل من أعظم الص فات الىت جتلَّت فيها س عة‬
‫اهلل وأك ثر األمساء الىت اق رتنت باسم "الواس ع" هو اسم "العليم" فقد ورد اس ُم‬
‫"الواسع" مثان مرات اقرتن فيها باسم "العليم" سبع مرات‪ . ‬وهذا لكثرة اخللق‬
‫وتعددهم‪ . ‬فإن اهلل يعلم عدد قطرات املطر‪ ، ‬وأوراق الشجر وحبَّات الثمر‪، ‬‬
‫واحلس نات والس يئات‪ "…، ‬ل ذلك جند أعظم اخللق إميانًا باهلل "عز وج ل"‬
‫يسبحون حبمده ويثنون عليه بسعة علمه‪. ‬‬
‫ت ُك َّل َش ْي ٍء َر ْح َم ةً َو ِعل ًْما‪[ } ‬غافر‪. ]7 : ‬‬
‫فقد قالت املالئكة {‪َ  ‬ر َّبنَا َو ِس ْع َ‬
‫وق ال إب راهيم عليه الس الم‪َ  { : ‬و ِس َع َربِّي ُك َّل َش ْي ٍء ِعل ًْما‪[ } ‬األنع ام‪. ]87 : ‬‬
‫ال‬ ‫ال الْ ُق ر ِ‬
‫ون اُألولَى (‪ )51‬قَ َ‬ ‫وس أل فرع و ُن موسى عليه الس الم‪ { : ‬قَ َ‬
‫ال فَ َما بَ ُ ُ‬
‫ْم َها ِع ْن َد َربِّي فِي كِتَ ٍ‬
‫اب الَ يَ ِض ُّل َربِّي َوالَ َي ْن َس ى‪[ } ‬طه‪ . ]52 ، 51 : ‬فاهلل‬ ‫ِ‬
‫عل ُ‬
‫عز وجل وسع ِع ْل ُمه املاضى واحلاضر واملستقبل ويعلم الغيب كما يعلم الشهاة‬
‫الش َه َاد ِة‪ . } ‬ويعلم السر كما يعلم العلن ق ال‬ ‫ق ال تع اىل‪َ  { : ‬ع الِ ُم الْغَْي ِ‬
‫ب َو َّ‬

‫(?) فالة ‪ :‬أى صحراء واسعة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الحجة ( ق ‪ 23‬ب ) ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 163 -‬‬


‫تع اىل‪{ : ‬وإن تجهر ب القول فإنه يعلم السر وأخفى} [ط ه‪ ، ]7 : ‬وق ال‬
‫الص ُدو ِر‪[ } ‬املل ك‪: ‬‬ ‫اج َه روا بِ ِه ِإنَّهُ َعلِيم بِ َذ ِ‬ ‫ِ‬
‫ات ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫تع اىل‪َ  { : ‬وَأس ُّروا َق ْولَ ُك ْم َأ ِو ْ ُ‬
‫‪ . ]13‬فال يش غله علم الغيب عن الش هادة‪ ، ‬وال علم السر عن العلن‪ ، ‬وال‬
‫ِ‬
‫ط‬ ‫عددا قال تعاىل‪َ  { : ‬و َ‬
‫َأحا َ‬ ‫علما وأحصاها ً‬
‫مجيعا ً‬
‫الكثري عن القليل فقد وس َعها ً‬
‫صى ُك َّل َش ْي ٍء َع َد ًدا‪[ } ‬اجلن‪. ]28 : ‬‬ ‫بِ َما لَ َديْ ِه ْم َو ْ‬
‫َأح َ‬
‫وق ال تع اىل‪َ  { : ‬و ِع ْن َدهُ َم َف اتِ ُح الْغَْي ِ‬
‫ب الَ َي ْعلَ ُم َها ِإالَّ ُه َو َو َي ْعلَ ُم َما فِي الَْب ِّر‬
‫ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ٍ‬ ‫والْبح ِر وما تَس ُق ُ ِ‬
‫ْب َوالَ‬ ‫ض َوالَ َرط ٍ‬ ‫ط م ْن َو َرقَة ِإالَّ َي ْعلَ ُم َها َوالَ َحبَّة في ظُلُ َمات ْ‬
‫اَألر ِ‬ ‫َ َ ْ ََ ْ‬
‫اب ُمبِي ٍن‪[ } ‬األنعام‪. ]59 : ‬‬ ‫س ِإالَّ فِي كِتَ ٍ‬
‫يَابِ ٍ‬
‫وقال ابن القيم‪: ‬‬
‫ىف الكون من سر ومن إعالن‬ ‫وهو العليم أحاط علما بالذى‬
‫وما قد كان واملوجود ىف ذا اآلن‬ ‫غدا‬
‫وكذلك يعلم ما يكون ً‬
‫ـف يكون ذاك األمر ذا إمكان‬ ‫أمر مل يكن لو كان كي ـ‬
‫وكذاك ٌ‬
‫وهلذا لو أن أش جار األرض أص بحت أقالما والبحر ميده من بع ده س بعة‬
‫دادا لكتابة ه ذه الكلم ات واملعلوم ات من كلم ات اهلل لنف دت البح ار‬
‫أحبر م ً‬
‫وتكسرت األقالم ومل تنفد كلمات اهلل‪. ‬‬
‫ض ِم ْن َش َج َر ٍة َأقْالَ ٌم َوالْبَ ْح ُر يَ ُم دُّهُ ِم ْن َب ْع ِد ِه‬
‫اَألر ِ‬ ‫قال تعاىل‪ { : ‬ولَو َّ ِ‬
‫َأن َما في ْ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬ ‫ت َكلِم ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‪[ } ‬لقمان‪. ]27 : ‬‬ ‫ات اللَّه ِإ َّن اللَّهَ َع ِز ٌيز َحك ٌ‬ ‫َس ْب َعةُ َأبْ ُح ٍر َما نَف َد ْ َ‬
‫وقال ابن القيم رمحه اهلل‪: ‬‬
‫بل عن حصر ذى احلُ ْسبان‬ ‫ِاء‬ ‫كلماته جلَّت عن اإلحص‬
‫األقالم تكتبها بكل بنان‬ ‫لو أن أشجار ِ‬
‫البالد مجيعها‬ ‫َ‬
‫لكتابة الكلمات كل زمان‬ ‫والبحر تلقى فيه سبعة أحبر‬

‫‪- 164 -‬‬


‫ليس الكالم من اإلله بفان‬ ‫نفدت ومل تنفد هبا كلماته‬
‫وس ع اهلل ش رعه على خلقه َفو ِس َع مجي َع‬
‫‪" -6‬الواسع فى ش رعه" فقد َّ‬
‫أصنافهم وأحواهلم فمن ذلك‪: ‬‬
‫أوالً‪ : ‬أنه يسع كل الناس‪. ‬‬
‫اك ِإالَّ َكافَّةً لِلن ِ‬
‫َّاس بَ ِش ًيرا َونَ ِذ ًيرا‪[ } ‬سبأ‪. ]28 : ‬‬ ‫قال تعاىل‪َ  { : ‬و َما َْأر َسلْنَ َ‬
‫وق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وعلى آله وس لم‪ …(( : ‬وك ان الن بى‬
‫ث إلى قومه خاصة وبُعثِ ُ‬
‫)) (‪. )1‬‬
‫ت إلى الناس عامة‬ ‫ُي ْب َع ُ‬
‫ِ‬
‫األبيض واألمحر"(‪ . )2‬ق ال جماهد يعىن اجلن‬ ‫ت إىل‬ ‫ِ‬
‫أيض ا‪ " : ‬بُعثْ ُ‬
‫وق ال ً‬
‫(‪. )3‬‬
‫واإلنس وقال غريه يعىن العرب والعجم والكل صحيح‬
‫ثانيًا‪ : ‬سعة الشرع لكل شىء‪. ‬‬
‫اب ِم ْن َش ْي ٍء‪[ } ‬األنعام‪ . ]38 : ‬فما من‬ ‫قال تعاىل‪ { : ‬ما َف َّرطْنَا فِي ال ِ‬
‫ْكتَ ِ‬ ‫َ‬
‫شيء يف الكون إال ولكتاب اللَّه عليه سلطان إما تصرحيًا أو ً‬
‫تلميحا أو إشارة‪. ‬‬
‫فقد َو ِس َع الشرعُ كل أحوال الناس‪ ، ‬ىف النوم واليقظة ىف احلياة واملوت‪، ‬‬
‫علمهم اإلميان والعب ادات والطه ارة‬
‫والص غري والكب ري‪ ، ‬الرج ال والنس اء‪ ، ‬كما ُّ‬
‫واألخالق واملع امالت كما وصف الغيب من املالئكة والي وم اآلخر واحلس اب‬
‫والعقاب واجلنة والنار … ومجيع جوانب احلياة الدنيا واآلخرة‪. ‬‬
‫لذا فإن شرع اهلل "تبارك وتعاىل" يوصف بالشمول واإلحاطة‪. ‬‬
‫س ُر فى األحكام"‪. ‬‬
‫"الي ْ‬
‫ثالثًا‪ُ : ‬‬
‫قال القرطىب‪   : ‬الواسع‪  ‬أى يوسع على عباده ىف دينهم وال يُ َكلفِّهم ما‬
‫))‬ ‫((‬

‫(?) فى الصحيحين مرفوعًا عن جابر ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه البخارى ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر تفسير ابن كثير (‪. )3/505‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 165 -‬‬


‫(‪. )1‬‬
‫ليس ىف وسعهم‬
‫وس عه اهللُ‬ ‫فما من عزمية إال ومعها رخصة واألمر إن ض اق على الن اس َّ‬
‫عليهم ومصداق ذلك من كتاب اهلل قوله سبحانه‪ { : ‬يُ ِري ُد اللَّهُ بِ ُك ُم الْيُ ْس َر َوالَ‬
‫يُ ِري ُد بِ ُك ُم الْعُ ْس َر‪[ } ‬البقرة‪. ]185 : ‬‬
‫ت‬‫ف اللَّهُ َن ْف ًس ا ِإالَّ ُو ْس َع َها ل ََها َما َك َس بَ ْ‬ ‫وقوله تب ارك وتع اىل‪ { : ‬الَ يُ َكلِّ ُ‬
‫ت‪[ } ‬البقرة‪. ]28 : ‬‬ ‫َو َعلَْي َها َما ا ْكتَ َسبَ ْ‬
‫ف َع ْن ُك ْم َو ُخلِ َق اِإل نْ َس ا ُن َ‬
‫ض ِعي ًفا‪.} ‬‬ ‫وكقوله عز وجل‪ { : ‬يُ ِري ُد اللَّهُ َأ ْن يُ َخ ِّف َ‬
‫وقال النىب صلى اهلل عليه وآله وسلم‪ (( : ‬إن الدِّين يُسر … ))(‪. )2‬‬
‫فمن هذا اليسر‪: ‬‬
‫‪ -1‬فى الصالة‪: ‬‬
‫كانت مخسني فجعلها اهلل مخسا ىف العمل ومخسني ىف األجر‪. ‬‬
‫‪ -2‬التيمم عند فقد الماء أو تعذر إستعماله‪: ‬‬
‫عن عائشة (رضى اهلل عنه ا)‪" : ‬أهنا اس تعارت من أمساء قالدة فهلكت‪، ‬‬
‫فأرسل رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ناسا من أص حابه ىف طلبها ف أدركتهم‬
‫الص الة فص لوا بغري وض وء‪ ، ‬فلما أت وا النىب ص لى اهلل عليه وس لم ش كوا ذلك‬
‫ت آية التيمم‪ ، ‬فقال أسيد بن احلُضري (رضى اهلل عنه) لعائشة ( رضي‬ ‫إليه َفَن َزلَ ْ‬
‫اللَّه عنها )‪ : ‬ج ِ‬
‫زاك اهلل خ ريا فواهلل ما ن زل بِك أم ٌر قط إال جعل اهللُ لك منه‬
‫)) (‪. )3‬‬
‫خمرجا‪ ، ‬وجعل للمسلمني بركة‪ ‬‬
‫وق ال تع اىل‪{ : ‬ما ي ِري ُد اللَّهُ لِيجع ل َعلَي ُكم ِمن ح ر ٍج ول ِ‬
‫َك ْن يُ ِري ُد لِيُطَ ِّه َر ُك ْم‬ ‫َ َْ َ ْ ْ ْ َ َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫(?) األسنى للقرطبي ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه البخاري ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) رواه أحمد والبخاري ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 166 -‬‬


‫َولِيُتِ َّم نِ ْع َمتَهُ َعلَْي ُك ْم ل ََعلَّ ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن } [املائدة‪. ]6 : ‬‬
‫‪ -3‬الرخص للمسافر والمريض‪: ‬‬

‫ُخ ِّف َف ْ‬
‫ت الص الة للمس افر فأص بحت الص الة الرباعية ركع تني فق ط‪، ‬‬
‫ورخص له ىف اجلمع بني الظهر والعص ر‪ ، ‬وبني املغ رب والعش اء‪ ، ‬ورخص‬
‫للصائم ىف اإلفطار إن كان مسافرا مث يقضى ىف أيام أخر وكذلك للمريض‪. ‬‬
‫‪ -4‬إباحة الطالق لمن ضاقت عليهم حياتهم الزوجية‪. ‬‬
‫ق ال تع اىل‪ { : ‬وِإ ْن يَت َف َّرقَا ي ْغ ِن اللَّهُ ُكالًّ ِمن س عتِ ِه و َك ا َن اللَّهُ و ِ‬
‫اس ًعا‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫َح ِك ًيما‪[ } ‬النساء‪. ]130 : ‬‬
‫ق ال ابن جري ر‪  : ‬يُ ْغ ِن اهلل ال زوج واملرأة املطلقة من س عة فض له أما ه ذه‬ ‫((‬

‫ف بزوج هو أص لح هلا من املطل ق‪ ، ‬أو ب رزق واسع وعص مة‪ ، ‬وأما ه ذا ف ربزق‬
‫واسعا‪  ‬يعىن هلما ىف‬
‫واسع وزوجة هى أصلح له من املطلقة أو عفة ‪ ‬وكان اهلل ً‬
‫))‬ ‫((‬

‫رزقه إيامها وغريمها من خلقه ‪ ‬حكيما‪  ‬فيما قضى بينهما من الفرقة والطالق‪، ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫حرموه على أنفسهم‬


‫ونسمع اآلن عن إجتاه الغرب للرجوع إىل الطالق بعد أن ّ‬
‫وضيقوا ما وسعه اهلل عليهم‪. ‬‬
‫ثانيا‪  : ‬من عبادة اللَّه باسمه الواسع‪:   ‬‬
‫))‬
‫ً‬ ‫((‬

‫كوِ‬
‫اس ُع‬ ‫‪ -1‬الطمع فى رحمة اهلل ومغفرت ه‪ : ‬ق ال تع اىل‪ِ { : ‬إ َّن َربَّ َ َ‬
‫ال َْمغْ ِف َر ِة‪.} ‬‬
‫فمن علم أن اهلل واسع الرمحة طمع فيها وازداد رج اؤه هلا وال يي أس منها‬
‫أبدا‪. ‬‬
‫وعن أيب هري رة رضي اهلل عنه أن أعرابيًّا ق ال ‪ :‬اللهم ارمحىن وحمم ًدا وال‬
‫ت رحم معنا أح ًدا‪ ، ‬فق ال له رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪ (( : ‬لقد َح َّجرت‬

‫‪- 167 -‬‬


‫)) (‪. )1‬‬
‫واسعا‪ ، ‬يريد رحمة اللَّه‬
‫ً‬
‫‪ -2‬الفرار بالدين من الفتن‪: ‬‬
‫ض يِّق عليهم موضع‬
‫وس ع على خلقه ىف األرض ليعب دوه ف إن ُ‬
‫ف إن اهلل قد َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اد َّ ِ‬
‫آمنُ وا ِإ َّن َْأرض ي َواس َعةٌ فَِإ يَّ َ‬
‫اي‬ ‫ين َ‬
‫ي الذ َ‬‫وس ع اهلل غ ريه ق ال تع اىل‪ { : ‬يَا عبَ َ‬‫َّ‬
‫ون‪[ } ‬العنكبوت‪. ]56 : ‬‬ ‫فَا ْعب ُد ِ‬
‫ُ‬
‫وعن الزبري بن العوام (رضي اهلل عن ه) أن رسول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫)) (‪. )2‬‬ ‫((‬
‫خيرا فأقم‬
‫قال‪ : ‬البالد بالد اهلل‪ ، ‬والعباد عباد اهلل فحيثُما أصبت ً‬
‫وعن أيب س عيد اخلدري رضي اهلل عن ه‪ ، ‬ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل‬
‫عليه وس لم‪  : ‬يوشك أن يك ون خ ير م ال المس لم غنم يتتبع بها ش عف‬ ‫((‬

‫يفر بدينه من الفتن‪. )3(  ‬‬


‫))‬ ‫الجبال ومواقع القطر ُّ‬
‫وهلذا ملا ض اق على املستض عفني مبكة مق امهم هبا خرج وا مه اجرين إىل‬
‫أرض احلبشة لي أمنوا على دينهم هن اك فوج دوا خري املنزلني من الن اس هن اك‬
‫(‪. )4‬‬
‫أصحمة النجاشى ملك احلبشة رمحه اهلل تعاىل فآواهم وأيدهم بنصره‬

‫(?) أخرجه البخاري (‪ )6010‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي هللا عن ه ‪ .‬حج رَّت ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫ضيَّقت ‪ ،‬والقائ ل يري د رحم ه هَّللا بعض روات ه وكأن ه أب و هري رة ‪ .‬انظ ر فتح‬
‫أي َ‬
‫الباري (‪. )10/439‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) رواه أحم د ‪ ،1/166‬والط براني (‪ )250‬من ح ديث الزب ير بن الع وام رض ي هللا عن ه ‪،‬‬
‫وضعفه محققو المسند ‪ ،‬والهيثمي في المجمع ‪ ،5/255 ،4/72‬والعراقي في تخريج اإلحياء (‬
‫‪ ، )734‬والسخاوي في المقاصد ‪.‬‬
‫ولبعضه شاهد من من حديث عروة أخرجه أب و داود (‪ )3076‬مرس الً بلف ظ ‪... (( :‬‬
‫األرض أرض هَّللا والعب اد عب اد هَّللا ومن ‪ . )) ...‬وق ال األلب اني ‪ :‬ص حيح اإلس ناد‬
‫( صحيح أبي داود ‪. )2641‬‬
‫هَّللا‬
‫وآخر من حديث فضالة بن عبيد رضي عنه أخرجه الطبراني ‪)823( 18/318‬‬
‫بلفظ مرسل عروة المتقدم ‪ ،‬وقال في المجمع ‪ : 4/157‬رجاله رجال الصحيح ‪.‬‬
‫(?) رواه البخاري ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) تفسير ابن كثير (‪. )3/396‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪- 168 -‬‬


‫ض اللَّ ِه َو ِاس َعةٌ‪[ } ‬الزمر‪. ]10 : ‬‬ ‫ٍ‬
‫وروى عن عطاء ىف قوله تعاىل‪َ  { : ‬و َْأر ُ‬
‫ُ‬
‫ض اللَّ ِه‬ ‫ق ال‪ " : ‬إذا ُدعيتم إىل معص يته ف اهربوا" مث تال اآلية {‪َ ‬أل ْ‬
‫َم تَ ُك ْن َْأر ُ‬
‫اج ُروا فِ َيها‪[ } ‬النساء‪. ]9 : ‬‬ ‫ِ‬
‫اسعةً َف ُت َه ِ‬
‫َو َ‬
‫‪ -3‬اإلنفاق فى سبيل اهلل‪: ‬‬
‫وس ع على خلقه وجيازيه ب أعظم مما‬
‫يوس ع على من َّ‬
‫ف إن اهلل واسع ال رزق ِّ‬
‫أعطى وخ ًريا مما ب ذل حىت جيعله له بس بعمائة ض عف أو يزي د‪ ، ‬ول ذلك عقَّب‬
‫على جزاء املنفقني بامسه الواسع جل جالله‪. ‬‬
‫ين ُي ْن ِف ُق و َن َْأم َوال َُه ْم فِي َس بِ ِ‬
‫يل اللَّ ِه َك َمثَ ِل َحبَّ ٍة َأْنبَتَ ْ‬
‫ت‬ ‫َّ ِ‬
‫ق ال تع اىل‪َ  { : ‬مثَ ُل الذ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫اع ُ ِ‬‫ض ِ‬ ‫َس ْب َع َس نَابِ َل فِي ُك ِّل ُس ْنُبلَ ٍة ِماَئةُ َحبَّ ٍة َواللَّهُ يُ َ‬
‫ف ل َم ْن يَ َش اءُ َواللَّهُ َواس ٌع َعل ٌ‬
‫يم‪} ‬‬
‫[البقرة‪. ]261 : ‬‬
‫وقد ُروى عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪ (( : ‬كل عمل ابن‬
‫))(‪. )1‬‬
‫آدم يضاعف الحسنة بعش ٍر إلى سبعمائة ضعف‬
‫وعن أىب هري رة (رضى اهلل عن ه) ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم‪ (( : ‬من تص دق بع دل تم رة من كسب طيب‪ ، ‬وال يقبل اهللُ إال الطيِّب‬
‫ف إن اهلل يتقبلها بيمين ه‪ ،‬ثم يربيها لص احبها كما ي ربى أح دكم َفلُ َّوه ح تى تك ون‬
‫))(‪. )2‬‬
‫مثل الجبل‪ ‬‬
‫‪ " -4‬الصبر هو أوسع الرزق "‪: ‬‬
‫واد ال يكبو وس الح ال يُ َفل وما ُرزق عب ٌد الصرب إالَّ ُو ِس ع‬
‫ف إن الص َرب ج ٌ‬
‫عليه أمره ىف الدنيا واآلخرة‪. ‬‬

‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(? ) رواه أحمد ‪ ،‬والبخاري ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬وهو في اللؤلؤ والمرجان ( ح ‪. )595‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 169 -‬‬


‫فعن أىب س عيد اخلدرى (رضى اهلل عنهم ا) ق ال‪ : ‬ق ال النىب ص لى اهلل عليه‬
‫عطاء َخ ًيرا وأوسع من‬
‫أح ٌد ً‬
‫ُأعطى َ‬ ‫وسلم‪ (( : ‬ومن يتَص بَّر يُ َ‬
‫ص بِّره اهللُ‪ ، ‬وما َ‬
‫)) (‪. )3‬‬
‫الصبر‬
‫وانظر إىل بُش رى الص ابرين ي وم الف زع‪ ،‬وأمنهم ي وم اخلوف‪ ، ‬وتأمل ما‬
‫أعط اهم اهلل ي وم احلرم ان فيُ َج َازى الن اس بأعم اهلم ف إن ك ان خ ًريا فخ ري‪ ،‬وإن‬
‫شرا فشر وجُيَْزى الصابرون بغري حساب واجلزاء من جنس العمل‪. ‬‬
‫كان ً‬
‫َأجر ُه ْم بِغَْي ِر ِحس ٍ‬
‫اب‪[ } ‬الزمر‪. ]10 : ‬‬ ‫قال تعاىل‪ِ { : ‬إنَّما ُيوفَّى َّ ِ‬
‫َ‬ ‫الصاب ُرو َن ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫ب اهلل "تبارك وتعالى" وطاعته هما أوسع الفضل‪: ‬‬
‫‪ُ -5‬ح ُّ‬
‫ب اهلل هو أعظم ال رزق وأكرمه وأفض له ف إذا رزقه اهللُ عب ًدا فقد‬
‫ف إن ُح َّ‬
‫وسع عليه ىف حياته الدنيا واآلخرة‪ ، ‬لذا فإن هذا الرزق العظيم والفضل العميم‬
‫َّ‬
‫حيتاج إىل سعة اهلل ىف رزقه وفضله على خلقه فانظر إىل املوضع الذى ذُكر فيه‬
‫وتأمل كيف عقَّب اهللُ بع دها بامسه الواسع مما ي دل على‬
‫اب اهلل وص فاهتم َّ‬
‫أحب ُ‬
‫ف يَْأتِي اللَّهُ‬
‫عظمة هذا الرزق وفضله وال يأتى به إال اهلل‪ . ‬قال تعاىل‪ { : ‬فَ َس ْو َ‬
‫اه ُدو َن فِي َس بِ ِ‬
‫يل‬ ‫بَِقوٍم ي ِحُّبهم وي ِحبُّونَه َِأذلَّ ٍة علَى الْم ْؤ ِمنِين ِ‬
‫َأع َّز ٍة َعلَى الْ َك افِ ِرين يج ِ‬
‫َ َُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ْ ُ ُ ْ َُ ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫اللَّ ِه َوالَ يَ َخ افُو َن ل َْو َم ةَ الَِئ ٍم َذلِ َ‬
‫يم‪} ‬‬ ‫ض ُل اللَّه ُيْؤ تي ه َم ْن يَ َش اءُ َواللَّهُ َواس ٌع َعل ٌ‬
‫ك فَ ْ‬
‫[‪ ‬املائدة‪. ]54 : ‬‬
‫ول ذلك أنعم اهلل على نبيه ص لى اهلل عليه وس لم ب أعظم الس عة َف َو َّس ع عليه‬
‫ب الرمحن‪ ، ‬قال تعاىل‪َ { : ‬أل ْ‬
‫َم‬ ‫وح ِّ‬
‫حياته الدنيا واآلخرة فشرح صدره باإلميان ُ‬
‫ص ْد َر َك‪ [ } ‬الشرح‪. ] 1 : ‬‬
‫َك َ‬
‫نَ ْش َر ْح ل َ‬
‫ثالثًا‪ : ‬المعصية والتنطع هما أعظم أسباب الضيق‪: ‬‬

‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 170 -‬‬


‫وس ع على خلقه ىف شرعه لذلك فمن خالف الشرع‬
‫فإن اهلل عز وجل قد َّ‬
‫وسعه اهلل عليه‪. ‬‬
‫باملعصية أو بالتشدد والتنطع فقد ضيَّق على نفسه ما َّ‬
‫فباملعص ية يُض يق على العبد رزقُه كما ج اء ىف بعض اآلث ار‪ " : ‬إن الرجل‬
‫ليحرم الرزق بالذنب يصيبه "‪. ‬‬
‫وق ال ابن عب اس (رضى اهلل عنهم ا)‪ " : ‬إن للمعص ية لظلمة ىف القلب‬
‫ولعتمة ىف الوجه ولقلة ىف الرزق ولضعف ىف البدن ولبغضة ىف قلوب اخللق"‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وض يق الص در‪ : ‬ق ال تع اىل‪ { : ‬فَ َم ْن يُ ِرد اللَّهُ َأ ْن َي ْهديَ هُ يَ ْش َر ْح َ‬
‫ص ْد َرهُ‬
‫الس َم ِاء‪} ‬‬
‫ص َّع ُد فِي َّ‬ ‫ض ِّي ًقا َح َر ًجا َكَأنَّ َما يَ َّ‬
‫ص ْد َرهُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لِإل ْس الَِم َو َم ْن يُ ِر ْد َأ ْن يُض لَّهُ يَ ْج َع ْل َ‬
‫[‪ ‬األنعام‪. ] 125 : ‬‬
‫بل وتضيق األرض كلها على العاصى‪: ‬‬
‫فعندما ختلَّف ثالثة من أصحاب النىب صلى اهلل عليه وسلم عن غزوة تبوك‬
‫وعلموا أهنم عصوا اهلل ورسوله صلى اهلل عليه وسلم حزنوا على ذلك واعتزهلم‬
‫الن اس وض اقت عليهم حي اهتم بل واألرض كلها وض اقت عليهم أنفس هم حىت‬
‫تاب اهلل عليهم وعفا عنهم "عليهم الرضوان"‪. ‬‬
‫ض بِ َما‬ ‫ين ُخلِّ ُف وا َحتَّى ِإ َذا َ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ت َعلَْي ِه ُم ْ‬
‫اَألر ُ‬ ‫ض اقَ ْ‬ ‫قال تعاىل‪َ  { : ‬و َعلَى الثَّالَثَة الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ت َعلَي ِهم َأْن ُفس هم وظَنُّوا َأ ْن الَ مل ِ ِ‬
‫ْج َأ م َن اللَّه ِإالَّ ِإل َْي ه ثُ َّم تَ َ‬
‫اب َعلَْي ِه ْم‬ ‫َ َ‬ ‫ض اقَ ْ ْ ْ ُ ُ ْ َ‬ ‫ت َو َ‬ ‫َر ُحبَ ْ‬
‫َّواب َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‪[ } ‬التوبة‪. ]118 : ‬‬ ‫الرح ُ‬ ‫ليَتُوبُوا ِإ َّن اللَّهَ ُه َو الت َّ ُ‬

‫‪- 171 -‬‬


‫التنطع‪: ‬‬
‫عن ابن مس عود (رضى اهلل عن ه) أن النىب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪: ‬‬
‫(‪. )1‬‬
‫المَتنَطِّعُون )) قاهلا ثالثًا‬
‫هلك ُ‬
‫((‬
‫"دعاء اهلل باسمه الواسع "‪: ‬‬
‫وعلما فالبد‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫‪ " -1‬االس تغفار " من علم أن اهلل قد َوس َع كل ش ىء رمحة ً‬
‫وأن يس رتحم ربَّه ويس تغفره من ذنبه وي دعوه ب ذلك كما ق الت املالئكة ىف‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫استغفارهم للمؤمنني‪َ  { . ‬ر َّبنَا َو ِس ْع َ‬
‫ت ُك َّل َش ْيء َر ْح َم ةً َوعل ًْما فَ ا ْغف ْر للَّذ َ‬
‫ين تَ ابُوا‬
‫ْج ِح ِيم‪[ } ‬غافر‪. ]7 : ‬‬ ‫و َّاتبعوا سبِيلَ َ ِ‬
‫ك َوق ِه ْم َع َذ َ‬
‫اب ال َ‬ ‫َ َُ َ‬
‫‪ " -2‬االستخارة "‪: ‬‬
‫من علم أن اهلل واسع العلم يعلم السر والعلن والغيب والش هادة ‪( ،‬وأنه‬
‫واسع الق درة) فهو على كل ش ٍ‬
‫ىء ق ادر وف وق خلقه ق اهر وال ينفع وال يضر‬
‫غ ريُه إال بأذنه ال يس عه إال أن يف ِّوض إليه أم ره ويتوكل عليه ىف كل ش أنه‬
‫ويستخريه ىف صغري أمره وكبريه وكان هذا هو حال النىب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وأص حابه الك رام فقد ك انوا يت ربأون من ح وهلم وق وهتم إىل ح ول اهلل وقوته‬
‫فأعزهم اهلل أعظم العز وكان هلم من التوفيق أعظم النصيب‪. ‬‬
‫عن ج ابر (رضى اهلل عن ه) ق ال‪ : ‬ك ان رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫يعلمنا االس تخارة ىف األم ور كلها كالس ورة من الق رآن‪ ، ‬يق ول‪ (( : ‬إذا َّ‬
‫هم‬
‫اس تَ ِخريُ َك‬
‫أح ُدكم باألمر فلريكع ركعتني من غري الفريضة‪ ، ‬مث ليقل‪ : ‬اللهم إىن ْ‬
‫قدرك ب ُق درتِك وأس ألك من فض لك العظيم‪ ، ‬فإنك تق در وال‬ ‫واس تَ ُ‬
‫ك ‪ْ ، ‬‬ ‫بعِْل ِم َ‬
‫أق در‪ ، ‬وتعلم وال أعلم‪ ، ‬وأنت عالَّم الغي وب‪ : ‬اللهم إن كنت تعلم أن ه ذا‬
‫(?) رواه مسلم ‪ .‬والمتنطعون ‪ :‬المبالغون في األمور ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 172 -‬‬


‫األم َر خ ريٌ ىل ىف ديىن ومعاشى وعاقب ِة أم رى‪ ، ‬أو ق ال‪ : ‬عاجل أم رى وآجله‬
‫شر ىل ىف‬
‫تعلم أن هذا األمر ُّ‬
‫كنت ُ‬‫ويس ْرهُ ىل مثَّ بارك ىل فيه‪ . ‬وإن َ‬
‫فاقد ْره ىل ِّ‬
‫ُ‬
‫فاص رفهُ عىن‬ ‫ِِ‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫اشى ِ ِ‬ ‫ديىن ومع ِ‬
‫وعاقبَة أمرى أو قال‪ : : ‬عاجل أمرى وآجله ‪ْ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫ويسمى حاجتُه‬
‫اخلري حيث كان‪ ، ‬مث رضىن به‪ ، ‬قال‪َّ : ‬‬
‫َأص رفْىن عنه واقْ ُد ْر ىل َ‬
‫َو ْ‬
‫))(‪. )1‬‬
‫***‬

‫‪ ‬الشافي‪  ‬جل جالله وتقدست أسماؤه‬ ‫))‬ ‫((‬

‫أوالً‪ : ‬المعنى اللغوي‪: ‬‬


‫الش فاء‪ : ‬الرُب ءُ من املرض‪ . ‬يق ال‪ : ‬ش فاه اهلل يُش فيه ِش َفاءً‪ . ‬والش فاء‬

‫(?) رواه البخاري ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 173 -‬‬


‫أيض ا‪ : ‬ما يُرْب ُئ من املرض ب إذن اهلل‪ . ‬يق ال‪ : ‬أش فاه اللَّه عس الً‪ ، ‬إذا جعله له‬
‫ً‬
‫أيضا(‪. )1‬‬
‫شفاءً حكاه أبو عبيدة‪ . ‬واستشفى‪ : ‬طلب الشفاء‪ ، ‬ونال الشفاء ً‬
‫الدليل ورد في الحديث الشريف‪: ‬‬
‫عن عائشة رضي اهلل عنها ق الت‪ : ‬إن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫ب الباس‬ ‫مريضا أو ُأيت به إليه‪ ، ‬قال صلى اهلل عليه وسلم‪َ  : ‬أ ْذ ِه ِ‬
‫((‬
‫كان إذا أتى ً‬
‫ف وأنت الش افي‪ ، ‬ال ش فاء إال ِش فاُؤ ك‪ ، ‬ش فاء ال يغ ِ‬
‫اد ُر‬ ‫رب الن اس‪ ، ‬اش ِ‬ ‫َّ‬
‫ً ُ‬
‫َس َق ًما‪. )2(  ‬‬
‫))‬

‫المعنى الشرعي لالسم في حق اللَّه‪: ‬‬


‫ق ال احلليمي‪ : ‬قد جيوز أن يق ال يف ال دعاء‪ : ‬يا ش ايف ؛ ألن اللَّه عز وجل‬
‫الش به والش كوك‪ ، ‬ومن احلسد والغل ول واألب دان من‬
‫يش في الص دور عن َّ‬
‫األمراض واآلفات‪ ، ‬ال يقدر على ذلك غريه‪ ، ‬وال يُ ْدعى هبذا االسم سواه‪. ‬‬
‫***‬
‫من آثار اإليمان بهذا االسم الكريم‬

‫أوالً‪ : ‬ال شافي إال اللَّه‪: ‬‬


‫فإن الشفاء من األمراض ال حيدث بالطبيب وخربته‪ ، ‬أو بالدواء وقوته‪، ‬‬
‫وإمنا حيدث ب إذن اللَّه وح ده‪ ، ‬ومن ذلك ق ول النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪: ‬‬
‫‪ ‬اشف وأنت الشافي ال شفاء إال شفاؤك‪. )3(  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫(?) ((‪ ‬اللسان‪ )2295 -4/2294( )) ‬من كتاب النهج األسمى (‪. )3/21‬‬ ‫‪1‬‬

‫(? ) رواه البخاري في ((‪ ‬المدخل‪ ، )210 ،206 ،10/131( )) ‬ومسلم في ((‪ ‬السالم ‪)) ‬‬
‫‪2‬‬

‫(‪. )4/1722‬‬
‫(?) رواه البخاري ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 174 -‬‬


‫وإىل هذا أشار جربيل عليه السالم للنيب صلى اهلل عليه وسلم حني عاده يف‬
‫يب ص لى اهلل‬
‫مرض ه‪ . ‬فعن أيب س عيد اخلدري رضي اهلل عنه أن جربيل أتى الن َّ‬
‫اش تَ َك ْيت‪ ‬؟ ق ال‪ : ‬نعم‪ . ‬ق ال‪ : ‬بِس م ِ‬
‫اهلل‬ ‫عليه وس لم فق ال‪  : ‬يا محم د‪ْ ، ‬‬
‫ْ‬ ‫((‬

‫يء يؤذي ك‪ ، ‬ومن شر كل نفس أو عين حاس ٍد‪ ، ‬اهلل‬ ‫ك من ك ِّل ش ٍ‬ ‫ْأرقِي َ‬
‫يَ ْش ِفيك‪ ، ‬بسم اللَّه أرقيك‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫فجربيل هو خري األطب اء من اخللق ؛ ألنه يع اجل ب الوحي واملريض هو خري‬


‫ونفس ا وهو رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ، ‬والدواء هو‬
‫الناس وأطيبهم بدنًا ً‬
‫خري الدواء ؛ ألنه رقية ‪ ‬بسم اهلل الشايف‪ ،   ‬ومع ذلك فإن جربيل عليه السالم‬
‫))‬ ‫((‬

‫يتربأ من حوله وقوته إىل حول اللَّه وقوته ويقول‪  : ‬اللَّه يشفيك‪  ‬أي أن الرقية‬
‫))‬ ‫((‬

‫ميِّن ولكن الشفاء كله من اللَّه وحده‪. ‬‬


‫وك ذلك ما أك رم اللَّه به نبيه عيسى من ش فاء المرضى وإب راء األعمى‬
‫فيُبصر واألبرص فيُشفى وحىت إحياء املوتى‪ ، ‬ولكن هذا كله بإذن اهلل‪ ، ‬وهذا‬
‫ص‬ ‫يب اللَّه عيسى عليه الس الم يف قوله تع اىل‪َ  { : ‬وُأبْ ِرُئ اَأل ْك َم هَ َو ْ‬
‫اَألب َر َ‬ ‫ما قاله ن ُّ‬
‫ُأحيِي ال َْم ْوتَى بِِإ ْذ ِن اللَّ ِه‪ [ } ‬آل عمران‪. ] 49 : ‬‬
‫َو ْ‬
‫وفي قصة أص حاب األخ دود عن دما ج اء جليس الملك وقد عمي إىل‬
‫الغالم املؤمن هبدايا وقال له‪  : ‬ما ههنا لك أمجع إن أنت شفيتين‪ ، ‬فقال‪ : ‬إني‬
‫((‬

‫ال أشفي أح ًدا‪ ، ‬إنما يشفي اللَّه تعالى‪. )2(  ‬‬


‫))‬

‫ول ذلك من اخلطأ العظيم وفس اد اإلميان أن يق ول الرج ُل‪ : ‬ل وال الط بيب‬
‫فالن لما ُش ِفيت‪ ، ‬ول وال ال دواء ك ذا ما ُع ِفيت‪ ، ‬ف إن األس باب ال تعمل‬

‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 175 -‬‬


‫زل‬
‫ومق دِّرها‪ ، ‬فما ن َ‬‫وح دها ولكنها تعمل ب إذن اللَّه وتق ديره ؛ ألنه خالقها ُ‬
‫املرض إال ب إذن اللَّه‪ ، ‬وما ن زل ال دواء والش فاء إال ب إذن اهلل‪ ، ‬كما ق ال النيب‬
‫ُ‬
‫داء إال أنزل له شفاء‪. )1(  ‬‬ ‫َّ‬
‫))‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬ما أنزل اللهُ ً‬ ‫((‬

‫ُأصيب دواء ِ‬
‫الداء بَرَأ بإذن اهلل عز‬ ‫داء دواء‪ ، ‬فإذا ِ‬‫وقال أيضا‪  : ‬لكل ٍ‬
‫َ ََ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫((‬

‫وجل‪ . )2(  ‬فكم من م ريض ع ويف ب إذن اهلل بع دما عجز األطب اء أم ام مرض ه‪، ‬‬ ‫))‬

‫وكم من ط بيب ُأص يب ب املرض ال ذي ك ان يُ داوي منه الن اس‪ ، ‬وك ان فيه‬
‫در القائل‪: ‬‬
‫هالكه‪ ، ‬ومل جيد من يداويه‪ . ‬وهلل ُّ‬
‫عجزت فنون الطب من عافاكا‬ ‫قل للمريض عُويف بعدما‬
‫من باملنايا يا صحيح دهاكا‬ ‫قل للصحيح ميوت ال من علة‬
‫يا شايف األسقام(‪ )3‬من أرداكا‬ ‫الردى‬
‫يد َ‬‫قل للطبيب ختطفته ُ‬
‫ثانيا‪ : ‬المرض جندي من جنود اللَّه‪: ‬‬
‫ً‬
‫فإن اللَّه تبارك وتعاىل خلق اخللق صاحلني لعبادته‪َّ ، ‬‬
‫صح َح أبداهنم للقيام‬
‫ب ذلك وأس بغ عليهم نعمه ظ اهرة‪ ، ‬وباطنة لعلَّهم يش كرون‪ ، ‬ف إن أط اعوه‬
‫زادهم‪ ، ‬وإن عص وه ع اقبهم ؛ لقوله تع اىل‪ { : ‬لَِئ ْن َش َك ْرتُ ْم َأَل ِزي َدنَّ ُك ْم َولَِئ ْن‬
‫َش ِدي ٌد‪ [ } ‬إب راهيم‪ ، ] 7 : ‬ومما جعله اهلل س ببًا للث واب والعق اب‬ ‫َك َف ْرتُ ْم ِإ َّن َع َذابِي ل َ‬
‫أيض ا هو املرض‪ ، ‬فقد يك ون املرض س ببًا للمغف رة‪ ، ‬بل ودخ ول اجلن ة‪ ، ‬وقد‬
‫ً‬
‫وانتقاما ملن عصى اللَّه عز وجل يف الدنيا قبل اآلخرة‪. ‬‬
‫ً‬ ‫يكون عقوبة‬
‫أوالً‪ : ‬المرض رحمة من اللَّه بالمؤمنين‪: ‬‬

‫(?) رواه مسلم في ((‪ ‬السالم‪ )10/134( )) ‬من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه مسلم في ((‪ ‬السالم‪ )4/1729( )) ‬من حديث جابر رضي هللا عنه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) قيلت للطبيب لفظة ((‪ ‬يا شافي‪ )) ‬على سبيل التهكم والسخرية إذ مرض فلم يملك‬ ‫‪3‬‬

‫لنفسه شفا ًء ‪ ،‬وقد كان يظن أنه يشفي الناس وال شافي إال هَّللا عز وجل ‪.‬‬

‫‪- 176 -‬‬


‫ف إن اللَّه ي رحم به عب اده املؤم نني فيغفر هلم به اخلطيئ ات‪ ، ‬ويرفع به‬
‫الدرجات‪ ، ‬ويسكنهم اجلنات‪ ، ‬فمن ذلك‪: ‬‬
‫‪ -1‬مغفرة الذنوب‪: ‬‬
‫عن أيب سعيد اخلدري وأيب هريرة رضي اهلل عنهما عن النيب صلى اهلل عليه‬
‫وصب‪ ، ‬وال َه ٍّم وال ح ٍ‬
‫زن‪ ، ‬وال‬ ‫ٍ‬ ‫ب وال‬‫صٍ‬ ‫وسلم قال‪  : ‬ما‬
‫َ‬ ‫المسلم من نَ َ‬
‫َ‬ ‫يصيب‬
‫ُ‬ ‫((‬

‫كفر اللَّه بها من خطاي اه‪. )1(  ‬‬


‫))‬ ‫أذى وال غم ح تى الش وكة يُش اكها‪ ، ‬إال َّ‬
‫والوصب‪ : ‬املرض‪. ‬‬
‫وعن ابن مس عود رضي اهلل عنه ق ال‪ : ‬دخلت على رس ول اللَّه ص لى اهلل‬
‫ديدا‪، ‬‬
‫فقلت‪ : ‬يا رس ول اهلل‪ ، ‬إنك توعك وع ًكا ش ً‬
‫عليه وس لم وهو يوع ك‪ُ ، ‬‬
‫قلت‪ : ‬ذلك أن لك‬
‫ق ال‪  : ‬أج ل‪ ، ‬إني أوعك كما يوعك رجالن منكم‪ُ .   ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫أج رين؟ قال‪  : ‬أج ل‪ ، ‬ذلك كذلك‪ ، ‬ما من مس لم يصيبه أذى ش وكة فما‬ ‫((‬

‫كفر اللَّه بها سيئاته‪ ، ‬كما تَ ُحط الشجرةُ ورقها‪.)2(  ‬‬


‫))‬ ‫فوقها إال َّ‬
‫‪ -3‬النجاة من النار‪: ‬‬
‫عن أيب هري رة رضي اهلل عنه عن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم أنه ع اد‬
‫مريض ا ومعه أبو هريرة من وعك كان ب ه‪ ، ‬فقال له رسول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫ً‬
‫وس لم‪  : ‬أبش ر‪ ، ‬إن اللَّه عز وجل يق ول‪ : ‬ن اري أس لِّطُها على عب دي‬ ‫((‬

‫المؤمن في الدنيا لتكون َحظَّه من النار في اآلخرة‪. )3(  ‬‬


‫))‬

‫‪ -4‬المريض يظفر بمعية اللَّه‪: ‬‬

‫(?) أخرجه البخاري (‪ ، )5642 ،5641‬ومسلم (‪. )2573‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪2‬‬
‫(?) أخرجه البخاري (‪ ، )5660 ،5648‬ومسلم (‪ . )2571‬والوعك ‪ :‬ألم من مغث ال ُح َّمى‬
‫‪ ،‬وقيل الحُمى ‪.‬‬
‫(?) صحيح لغيره ‪ .‬أخرجه أحمد (‪ ، )2/440‬والترمذي (‪. )2088‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 177 -‬‬


‫عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪ : ‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪: ‬‬
‫ول ي وم القيام ة‪ : ‬يا ابن آدم‪ ، ‬مرضت فلم تع دني‪، ‬‬ ‫‪ ‬إن اللَّه عز وجل يق ُ‬ ‫((‬

‫رب الع المين‪ ! ‬ق ال‪ : ‬أما َعلِ َ‬


‫مت أن‬ ‫ودك‪ ‬؟ وأنت ُّ‬
‫رب‪ ، ‬كيف أع ُ‬ ‫ق ال‪ : ‬يا ِّ‬
‫))‬ ‫عب دي فالنًا م رض فلم تع ده‪ ‬؟ أما علمت أنك لو عُ ْدتَه لوج دتني عن ده‪ ‬؟‪ ‬‬
‫( ‪.  ) 1‬‬
‫‪ -5‬دخول الجنة‪: ‬‬
‫عن أنس رضي اهلل عنه ق ال‪ : ‬مسعت رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫ض تُه‬ ‫يق ول‪  :‬إن اللَّه ع َّز وج َّل ق ال‪ : ‬إذا ْابَتلَْي ُ‬
‫ت عب دي بحبيبتيه فص بر َع َّو ْ‬ ‫((‬

‫عنهما الجنة‪ . )2(  ‬حبيبتيه‪ : ‬أي عينيه‪. ‬‬


‫))‬

‫وعن عط اء بن أيب رب اح ق ال‪ : ‬ق ال يل ابن عب اس رضي اهلل عنهم ا‪ : ‬أال‬


‫ُأريك امرأ ًة من أهل اجلنة‪ ‬؟ فقلت‪ : ‬بلى‪ . ‬قال‪ : ‬هذه املرأةُ السوداءُ أتت النيب‬
‫َ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ، ‬فقالت‪ : ‬إين ُأصرعُ وإين أتكشَّف(‪ )3‬فادع اللَّه تع اىل يل‪،‬‬
‫وت اللَّهَ تع الى أن‬‫برت ولك الجن ة‪ ، ‬وإن ش ئت دع ُ‬ ‫ق ال‪  : ‬إن ش ئت ص ِ‬ ‫((‬

‫أص رِب ُ‪ ، ‬فق الت‪ : ‬إين أتكش ف‪ ، ‬فَ ْادعُ اللَّهَ أن ال‬ ‫ِ ِ‬
‫يُعافيَ ك‪ .   ‬فق الت‪ْ : ‬‬
‫))‬

‫أتكشف‪ ، ‬فدعا هلا‪. )4() ‬‬


‫‪ -5‬والجنة في عيادة المرضى‪: ‬‬
‫عن علي رضي اهلل عنه قال‪ :‬مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫لما غُ ْدوة إال ص لى عليه س بعون ألف َملك ح تى‬
‫‪ ‬ما من مس لم يع ود مس ً‬ ‫((‬

‫(?) صحيح ‪ .‬أخرجه مسلم (‪ - 4‬البر والصلة ‪ ، )43/‬والبخ اري في األدب المف رد‬ ‫‪1‬‬

‫(‪. )517‬‬
‫(?) رواه البخاري (‪ ، )10/5653‬والبيهقي (‪. )3/375‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أي ‪ :‬ينكشف بعض بدني من الصرع ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪- 178 -‬‬


‫يمس ي‪ ، ‬وإن ع اده عش ية إال ص لى عليه س بعون ألف َملك ح تى يص بح‪، ‬‬
‫وكان له خريف في الجنة‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫غُ ْدوة‪ : ‬ما بني صالة الصبح وطلوع الشمس‪. ‬‬


‫العشية‪ : ‬آخر النهار‪. ‬‬
‫اخلريف‪ : ‬الثمر املخروف‪ : ‬أي اجملُتىن‪. ‬‬
‫‪ -6‬ومن المرضى من له أجر الشهداء‪: ‬‬
‫عن أنس أنه ق ال‪ : ‬مسعت رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم يق ول‪: ‬‬
‫‪ ‬الطاعون شهادة لكل مسلم‪. )2(  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫وعن أيب هري رة رضي اهلل عنه أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪: ‬‬
‫‪ ‬الش هداء خمس ة‪ : ‬المبط ون‪ ، ‬والمطع ون‪ ، ‬والغري ق‪ ، ‬وص احب اله دم‪، ‬‬ ‫((‬

‫والشهيد في سبيل اللَّه‪. )3(  ‬‬


‫))‬

‫‪ ‬املبط ون‪ :   ‬ال ذي ميوت ب داء البطن‪ . ‬و ‪ ‬املطع ون‪ :   ‬ال ذي ميوت‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫بالطاعون‪ . ‬و ‪ ‬صاحب اهلدم‪ :   ‬الذي ميوت حتت اهلدم‪. ‬‬


‫))‬ ‫((‬

‫وعن ج ابر بن َعتِيك رضي اهلل عنه أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫قال‪  : ‬الشهادة سبع سوى القتل في سبيل اهلل‪ : ‬المبطون ش هيد‪ ، ‬والغريق‬ ‫((‬

‫ش هيد‪ ، ‬وص احب ذات الجنب ش هيد‪ ، ‬والمطع ون ش هيد‪ ، ‬وص احب‬
‫الحريق شهيد‪ ، ‬والذي يموت تحت الهدم شهيد‪ ، ‬والم رأة تموت بجمع‬
‫شهيد‪. )4(  ‬‬
‫))‬

‫(?) رواه الترمذي ‪ ،‬وقال ‪ :‬حديث حسن ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) متفق عليه ‪ .‬رواه البخاري (‪ ، )2830‬ومسلم (‪. )1916‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) رواه مال ك (‪ ، )1/131‬والبخ اري (‪ ، )653‬ومس لم (‪ ، )1914‬والترم ذي (‬ ‫‪3‬‬

‫‪. )1063‬‬
‫(?) رواه أبو داود (‪ ، )311‬والنسائي (‪ ، )4/13‬وابن ماجه (‪ ، )2803‬وابن حبان‬ ‫‪4‬‬

‫‪- 179 -‬‬


‫عذاب لمن عصى اللَّ َه ورسولَه‪: ‬‬
‫ٌ‬ ‫ثانيا‪ : ‬المرض‬
‫ً‬
‫ف إن اللَّه عز وج ل‪ ، ‬يع اقب من عص اه‪ ، ‬ومن ه ذه العقوب ات األم راض‪، ‬‬
‫وءا يُ ْج َز بِ ِه‪ [ } ‬النس اء‪ ، ] 123 : ‬عن أيب بكر رضي اهلل‬
‫قال تعاىل‪َ  { : ‬م ْن َي ْع َم ْل ُس ً‬
‫س بِ ََأم انِيِّ ُك ْم‬
‫عنه أنه ق ال‪ : ‬يا رس ول اهلل‪ ، ‬كيف الفالح بعد ه ذه اآلي ة‪ { : ‬ل َْي َ‬
‫وءا يُ ْج َز بِ ِه‪ [ } ‬النس اء‪ ، ] 123 : ‬فكل س وء‬ ‫والَ َأم انِ ِّي َْأه ِل ال ِ‬
‫ْكتَ ِ‬
‫اب َم ْن َي ْع َم ْل ُس ً‬ ‫َ َ‬
‫عملن اه ُجزينا ب ه‪ . ‬فق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬غفر اهللُ لك يا أبا‬
‫((‬

‫بك ر‪ ، ‬ألست تم رض‪ ، ‬ألست تنص ب‪ ، ‬ألست تح زن‪ ، ‬ألست تص يبك‬


‫اآلواء‪ .   ‬قال‪ : ‬بلى‪ ، ‬قال‪  : ‬فهو مما تُجزون به‪. )1(  ‬‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬

‫وقد ذكر يف بعض األدلة من ش رع اللَّه تع اىل ع دة أس باب للعقوبة‬


‫باألمراض منها‪: ‬‬
‫‪ -1‬ظهور الفحشاء‪: ‬‬
‫عن ابن عمرو رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم قال‪: ‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ ‬لم تظهر الفاحشة(‪ )2‬في قوم قط حتى يُعلنوا بها إال فشا فيهم األوجاع‬ ‫((‬

‫التي لم تكن في أسالفهم ولم ينقصوا المكيال‪. )4(  ... ‬‬


‫))‬

‫‪ -2‬دعوة المظلوم‪: ‬‬
‫دعو املظل وم على من ظلمه‬
‫فمن أعظم األس باب اليت تص يب ب املرض أن ي َ‬
‫يب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬واتق دع وة المظل وم‬
‫((‬
‫ب أن يُبتلى ب ه‪ ، ‬وقد ق ال الن ُّ‬

‫(‪ (( .)3180‬ذات الجنب‪ )) ‬هي الد َّمل الكبيرة ال تي تظه ر في ب اطن الجنب وتنفج ر‬
‫إلى داخل ‪ ،‬وقلما يسلم صاحبها ‪ ،‬و((‪ ‬المرأة تموت بجمع‪ )) ‬أي تكون حامالً ‪.‬‬
‫(?) رواه أحمد ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الفاحشة ‪ :‬الزنى ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) األوجاع ‪ :‬األمراض ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) رواه ابن ماجه ‪ ،‬والبزار ‪ ،‬والبيهقي ‪ ،‬واللفظ له ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪- 180 -‬‬


‫فإنه ليس بينها وبين اللَّه حج اب‪ . )1(  ‬ومن ذلك أن ام رأة َّادعت على س عيد‬
‫))‬

‫بن زيد بن عم رو بن نفيل رضي اهلل عنه أنه أخذ ش يًئا من أرض ها‪ ، ‬فق ال‬
‫س عيد‪  : ‬اللهم إن ك انت كاذبة ف أعم بص رها واقتلها في أرض ها‪ .   ‬ق ال‬
‫))‬ ‫((‬

‫عروة بن الزبري رضي اهلل عن ه‪ : ‬فما ماتت حىت ذهب بص رها وبينما هي متشي‬
‫يف أرضها إذ وقعت يف حفرة فماتت(‪. )2‬‬
‫الج ُدر تق ول‪ : ‬أص ابتني‬
‫ويف رواية ملس لم‪  : ‬أنها رؤيت عمي اء تلتمس ُ‬
‫((‬

‫دعوة سعيد وأنها مرت على بئ ٍر في الدار التي خاصمته فيها فوقعت فيها‬
‫وكانت قبرها‪.   ‬‬
‫))‬

‫وقد انتقم اللَّه من بعض الكافرين والعصاة باألمراض‪ ، ‬ومن أشهرهم‪: ‬‬


‫‪ -1‬أبو لهب‪ - ‬لعنه اللَّه‪: ‬‬
‫وهو ال ذي ن زلت فيه س ورة املس د‪ : ‬أخذ اللَّهُ جل جالله أبا هلب مبكة إذ‬
‫أصابه مبرض خبيث يق ال له مرض العدسة‪ ، ‬وكان ذلك يوم هزمية املش ركني‬
‫بب در‪ ، ‬فما أن بلغه خ ربُ هزمية قومه حىت أص يب مبرض العدس ة‪ ، ‬فم ات ش َّر‬
‫ميت ه‪ ، ‬حىت إهنم مل يق دروا على تغس يله‪ ، ‬فص بُّوا عليه املاء من بعيد من ش دة‬
‫وهترى(‪ )3‬بص ورة مل يع رف‬
‫الرائحة الكريهة اليت تف وح من جس مه ال ذي نضج َّ‬
‫هلا نظري(‪ )4‬يف طريقه إىل جنهم وبأس املصري‪. ‬‬
‫‪ -2‬األسود بن عبد يغوث‪: ‬‬
‫ك ان من املس تهزئني‪ ، ‬وك ان إذا رأى فق راء املس لمني ق ال ألص حابه‪: ‬‬
‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انسلخ وتساقط ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر كتاب ((‪ ‬هذا الحبيب محمد‪ )) ‬لفضيلة الشيخ أبو بكر الجزائري ( ص ‪114‬‬ ‫‪4‬‬

‫)‪.‬‬

‫‪- 181 -‬‬


‫هؤالء ملوك األرض الذين يرثون ملك كسرى‪ ، ‬وكان يقول للنيب صلى اهلل‬
‫عليه وس لم مستهزًئا به‪ : ‬أما ُكلِّمت اليوم من السماء يا حممد‪ ‬؟! خرج عدو‬
‫فاسود وجه ه‪ ، ‬وأص ابته األكلة ‪ ‬مرض‪ ‬‬
‫))‬ ‫((‬ ‫َّ‬ ‫اللَّه من أهله ً‬
‫يوم ا‪ ، ‬فأصابه الس موم‬
‫قيحا فم ات ش َّر ميت ه‪ ، ‬فال رمحه اللَّه‪ ، ‬وال خفف عنه ً‬
‫يوما‬ ‫ف امتأل جس مه ً‬
‫عذابه(‪. )1‬‬
‫‪ -3‬غالم أحمد القادياني‪: ‬‬
‫وقد ادعى النب وة وق ذف األنبي اء وس بَّهم وتطاول عليهم‪ ، ‬بل ورفع نفسه‬
‫ف وق م نزلتهم وك ذب على اللَّه ورس له‪ ، ‬فك ان جزائه من جنس عمل ه‪، ‬‬
‫وُأص يب ‪ ‬ب الكولريا‪  ‬حىت ض عف جس مه‪ ، ‬وك ان يقضي حاجته يف فراش ه‪، ‬‬ ‫))‬ ‫((‬

‫حىت خ رجت النجاسة من فم ه‪ ، ‬فقد ق ال أبو زوجت ه‪  : ‬وملا اش تد مرضه‬


‫((‬

‫أيقظ وين ف ذهبت إليه ورأيت ما يعانيه من األمل‪ ، ‬فخ اطبين ق ائالً‪ : ‬أص بت‬
‫بالكولريا مث مل ينطق بعد هذه الكلمة حىت مات‪. )2(  ‬‬
‫))‬

‫ه ذا‪ ، ‬وقد نش رت اجلرائد اهلندي ة‪ - ‬آن ذاك‪ :- ‬أن غالم أمحد املتنيب‬
‫القادي اين ملا ابتلي ب الكولريا ك انت النجاسة خترج من فمه قبل موت ه‪ ، ‬وم ات‬
‫جالسا يف بيت اخلالء لقضاء احلاجة‪. ‬‬
‫وكان ً‬
‫‪ -4‬ومن أهل جهنم من يعذب بالمرض‪: ‬‬
‫فمن ذلك أهنم حيش رون وقد فق دوا أبص ارهم وأمساعهم‪ ، ‬في أتون ي وم‬
‫القيامة وقد أصاب عيوهنم العمى وألسنتهم البكم وآذانكم الصم‪ ، ‬قال تعاىل‪: ‬‬
‫َّم ُكلَّ َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اه ْم َج َهن ُ‬ ‫ش ُر ُه ْم َي ْو َم الْقيَ َام ة َعلَى ُو ُج وه ِه ْم عُ ْميًا َوبُ ْك ًما َو ُ‬
‫ص ًّما َم َْأو ُ‬ ‫{‪َ  ‬ونَ ْح ُ‬

‫(?) المصدر السابق ( ص ‪. )116 ،115‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) حي اة ناص ر ل رحيم الغالم القادي اني ( ص ‪ )14‬من كت اب الج زاء من جنس‬ ‫‪2‬‬

‫العمل (‪. )1/306‬‬

‫‪- 182 -‬‬


‫بالج َرب‪. ‬‬ ‫ت ِز ْدنَ ُاه ْم َس ِع ًيرا‪ [ } ‬اإلسراء‪ . ] 97 : ‬ومن ذلك أي ً‬
‫ضا عقوبة النائحة َ‬ ‫َخبَ ْ‬
‫فعن أيب مالك األشعري رضي اهلل عنه قال‪ : ‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪  : ‬النائحة إذا لم َتتُب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من‬ ‫((‬

‫قطران‪ ، ‬ودرع من جرب‪. )1(  ‬‬


‫))‬

‫السربال‪ : ‬هو القميص‪. ‬‬


‫الدرع‪ : ‬هو ما يرتديه املقاتلون يف احلرب وهي من احلديد‪. ‬‬
‫الثالث‪ : ‬تَ َداووا يا عباد اللَّه‪: ‬‬

‫ف إن اللَّه هو الش ايف‪ ، ‬وقد جعل الش فاء يف أس باب أنزهلا َ‬


‫وأم َر النيب ص لى‬
‫اهلل عليه وسلم بالتداوي هبا وبغريها من أسباب الشفاء املشروعة‪. ‬‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم وجاءت‬
‫ريك قال‪ : ‬كنت عند ِّ‬ ‫عن أسامة بن ُش ٍ‬
‫األعراب فقالوا‪ : ‬يا رسول اهلل‪ ، ‬أنتداوى‪ ‬؟ فقال‪  : ‬نعم يا عباد اهلل‪ : ‬تَ َداووا‬
‫((‬
‫ُ‬
‫داء ٍ‬
‫واحد‪ .   ‬قالوا‪: ‬‬ ‫فإن اهلل عز وجل لم يضع داء إال وضع له ِشفاء‪ ، ‬غير ٍ‬
‫))‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ما هو‪ ‬؟ قال‪  : ‬الهرم‪. )2(  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫واألخذ باألس باب يف الت داوي من األم راض بأس باب الش فاء ال يُن ايف‬
‫التوك ل‪ ، ‬بل هو من ُحسن التوكل على اللَّه ومن كم ال التوحيد ؛ إذ أنه يأخذ‬
‫باألس باب وهو يعلم أهنا ال تنفع وال تضر إال ب إذن اللَّه وال َت ُر ُّد ش يًئا من ق در‬
‫اللَّه‪. ‬‬
‫فعن أيب ُخزامة ق ال‪ : ‬قلت‪ : ‬يا رس ول اللَّه‪ ، ‬أرأيت ُرقى نس رتقيها‪، ‬‬
‫ودواءً نت داوى ب ه‪ ، ‬وتُق ا ًة نتقيه ا‪ ، ‬هل َت ُر ُّد من ق در اللَّه ش يًئا‪ ‬؟ فق ال‪  : ‬هي‬
‫((‬

‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(? ) رواه أحمد في المسند ‪ ،‬وأخرجه أبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬وقال ‪ :‬حسن صحيح ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 183 -‬‬


‫من قدر اللَّه‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫الرابع‪ : ‬ال تتداووا بمحرم‪: ‬‬


‫مرفوعا ‪  :‬إن اللَّه خلق ال داء وال دواء‬
‫ً‬ ‫فقد ُروي عن أيب ال درداء‬
‫((‬

‫فت َداووا ‪ ،‬وال َتتَ َداووا بحرام‪. )2(  ‬‬


‫))‬

‫وعن أم س لمة رضي اهلل عنها أهنا انتبذت فجاء رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫هدر ‪ ،‬فقال ‪  :‬ما هذا ؟‪  ‬قالت ‪ :‬فالنة اشتكت َف ُو ِص ف هلا ‪،‬‬
‫))‬
‫وسلم والنبيذ يَ ُ‬
‫((‬

‫فاء‪ ‬‬
‫))‬
‫رام ش ً‬ ‫ق الت ‪ :‬فدفعه برجله فكس ره ‪ ،‬وق ال ‪  :‬إن اللَّه لم يجعل في ح ٍ‬
‫((‬

‫( ‪. )3‬‬
‫وعن ابن مس عود رضي اهلل عنه ق ال ‪  :‬إن اللَّه لم يجعل ش فاءكم فيما‬
‫((‬

‫حرم عليكم‪. )4(  ‬‬


‫))‬

‫وأتى رج ٌل البن مس عود رضي اهلل عنه ‪ ،‬فق ال ‪ :‬إن أخي م ريض اش تكى‬
‫بطنه وأنه نعت له اخلمر أفأس قيه ؟ ق ال عبد اللَّه ‪ :‬س بحان اهلل ! ما جعل اللَّه‬
‫شفاء يف رجس ‪ ،‬إمنا الشفاء يف شيئني ‪ :‬العسل شفاء للناس ‪ ،‬والقرآن شفاء ملا‬
‫يف الصدور(‪. )5‬‬
‫(?) في المس ند ‪ ،‬وس بق الترم ذي ‪ ،‬وأخرج ه ابن ماج ه ‪ ،‬والح اكم في ص حيحه ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح ‪.‬‬


‫(? ) انظر السلسلة الصحيحة للشيخ األلباني حديث رقم (‪. )1633‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أخرجه أحمد في ((‪ ‬األشربة‪( )) ‬ق‪ ، )19/1‬وابن أبي ال دنيا في ((‪ ‬ذم المس كر‪( )) ‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،)5/1‬وأبو يعلى في ((‪ ‬مسنده‪ ، )4/1658( )) ‬وعن ه ابن حب ان (‪ )1397‬من ط رق‬


‫عن أبي إسحاق الشيباني عن حسان بن مخارق عنها ‪.‬‬
‫وقال الشيخ األلب اني ‪ :‬وه ذا إس ناد رجال ه كلهم ثق ات معروف ون ‪ ،‬غ ير حس ان بن‬
‫مخارق فهو مستور لم يوثقه أحد غير ابن حبان ‪ .‬الصحيحة (‪. )4/175‬‬
‫(?) أخرجه أحمد (ق‪ ، )2 -16/1‬والطبراني في الكبير (‪ )9717 -9714‬عن ابن‬ ‫‪4‬‬

‫مسعود موقوفًا ‪ ،‬قال األلباني ‪ (( :‬إسناده صحيح ‪ ،‬وعلقه البخاري بصيغة الجزم‪( )) ‬‬
‫‪ -10/65‬فتح ) ‪ ،‬وصححه الحافظ ابن حجر ‪ .‬السلسلة الصحيحة (‪. )4/175‬‬
‫(?) أخرج ه الط براني (‪ )8910‬عن أبي األح وص ‪ ،‬وق ال األلب اني ‪ (( :‬إس ناده‬ ‫‪5‬‬

‫‪- 184 -‬‬


‫***‬

‫صحيح أيضًا‪ . )) ‬انظر السلسلة الصحيحة (‪. )4/176‬‬

‫‪- 185 -‬‬


‫شيء في الشفاء‬
‫ٌ‬ ‫ليس كمثله‬
‫أوالً‪ : ‬قدرة اللَّه على الشفاء ‪:‬‬
‫فكل من ُش ِفي على ي دي ط بيب أو غ ريه‪ ، ‬إمنا يُ ْش فى بس ٍ‬
‫بب كتن اول‬ ‫َ‬
‫مريض ا بغري سبب‪َّ ، ‬أما‬
‫الدواء وحنوه‪ ، ‬وال يستطيع أح ٌد أن يدَّعي أنه يُداوي ً‬
‫اللَّه عز وجل فإنه يَ ْش ِفي بقدرته وح ده‪ ، ‬بالس بب وب دون الس بب‪ ، ‬وضد‬
‫السبب‪ ، ‬إن شاء‪ . ‬فصفة الشفاء عند اللَّه من صفات أفعاله وغري مسببة‪. ‬‬
‫ثانيا‪ : ‬علم اللَّه للداء والدواء‪: ‬‬
‫ً‬
‫علما بفنون الطب كلما كان أكثر خربة باملرض‬
‫كلما كان الطبيب أكثر ً‬
‫ِ‬
‫وعلَّت ه‪ ، ‬وك ذلك دوائه وعالج ه‪ ، ‬فقد يعلم ط ٌ‬
‫بيب أك ثر من غ ريه يف ذل ك‪، ‬‬
‫نسيب يف اخللق‪ ، ‬فقد يعلم شيًئا وجيهل أشياءً‪، ‬‬
‫ضل عليه‪ ، ‬ولكن ذلك أمر ٌ‬
‫ويُ َف َ‬
‫وإذا علمها قد ال حييط بكل جوانبه ا‪ ، ‬وقد يع رف املرض وال يع رف له‬
‫عالج‪ ، ‬وإذا علم الدواء ال ميلك الشفاء ألحد‪. ‬‬
‫أما اللَّه عز وجل فإنه يعلم ال داء وال دواء مجلة وتفص يالً ؛ إذ هو خ الق‬
‫البدن ومدبر أمره وخالق الداء وقادر على دفع ضره‪. ‬‬
‫وقد ق ال إب راهيم عليه الس الم‪ { : ‬الَّ ِذي َخلَ َقنِي َف ُه َو َي ْه ِدي ِن (‪َ )78‬والَّ ِذي‬
‫ن‪ [ } ‬الشعراء‪] 80 -78 : ‬‬ ‫ت َف ُه َو يَ ْش ِفي ِ‬
‫ضُ‬‫ُه َو يُط ِْع ُمنِي َويَ ْس ِقي ِن (‪َ )79‬وِإذَا َم ِر ْ‬
‫الثالث‪ : ‬اآلثار الجانبية والمضاعفات‪: ‬‬
‫فمن ي داوي أو يصف دواءً ملريض فإنه يغلب على ظنه أن الش فاء يف ه ذا‬
‫الدواء‪ ، ‬ولكنه ال ميلك للمريض أن ال تظهر عليه أعراض جانبية هلذا الدواء‪، ‬‬
‫وك ذلك مض اعفات ال دواء‪ ، ‬فقد تك ون يف بعض األح وال أشد خط ورة من‬
‫املرض نفسه‪ ، ‬وهذا معلوم مشهور بني الناس‪ ، ‬حىت أن صانعي الدواء أنفسهم‬

‫‪- 186 -‬‬


‫يذكرون ذلك يف نشرة األدوية‪. ‬‬
‫أما اللَّه تبارك وتعاىل وحده هو القادر على أن يشفي شفاءً ً‬
‫تاما كامالً ال‬
‫آثارا‪ ، ‬وذلك قول النيب صلى اهلل عليه وسلم‪: ‬‬
‫مرض ا وال توجد له ً‬
‫يرتك خلفه ً‬
‫سقما‪. )1(  ‬‬
‫))‬
‫شفاء ال يغادر ً‬
‫‪ ‬اشف وأنت الشافي‪ ، ‬ال شفاء إال شفاؤك‪ً ، ‬‬ ‫((‬

‫قد يكون الشفاء من االبتالء‪: ‬‬


‫الش ِّر َوالْ َخ ْي ِر فِ ْتنَ ةً‪ ، } ‬فإن الش فاء من نعم اللَّه‬
‫قال تع اىل‪َ  { : ‬و َن ْبلُ و ُك ْم بِ َّ‬
‫على عبده‪ ، ‬فإما أن يشكر‪ ، ‬وإما أن يكفر‪. ‬‬
‫عن أيب هري رة رضي اهلل عنه عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪  : ‬إن‬
‫((‬

‫ثالثة من ب ني إس رائيل أب رص‪ ، ‬وأق رع‪ ، ‬وأعمى‪ ، ‬أراد اللَّه أن يبتليهم‪، ‬‬


‫شيء أحب إليك‪ ‬؟ قال‪ : ‬ل ون‬ ‫فبعث إليهم مل ًكا فأتى األب رص فقال‪ : ‬أي ٍ‬
‫هب عنِّي ال ذي قد قَ ِذ َرني الن اس‪ ، ‬فمس حه‬
‫حس ٌن‪ ، ‬وجل ٌد حس ٌن ويَ ْذ ُ‬
‫أحب إلي ك‪ ‬؟‬
‫أي الم ال ُّ‬
‫ف ذهب عنه قَ َذ ُرهُ وُأعطي لونًا حس نًا‪ ، ‬فق ال‪ : ‬ف ُّ‬
‫قال‪ : ‬اإلبل‪ - ‬أو قال‪ : ‬البقر‪ - ‬شك الراوي‪ ، ‬فُأعطي ناقة عشراء فقال‪: ‬‬
‫أحب إليك‪ ‬؟ قال‪ : ‬شعر‬ ‫بارك اهلل لك فيها‪ ، ‬فأتى األقرع فقال‪ : ‬أي ٍ‬
‫شيء ُّ‬
‫حسن وي ذهب ع ني ه ذا ال ذي ق ذرني الن اس فمس حه ف ذهب عنه وُأعطي‬
‫أحب إلي ك‪ ‬؟ ق ال‪ : ‬البق ر‪ ، ‬ف أعطي بق رة‬
‫عرا حس نًا‪ ، ‬ق ال‪ : ‬ف أي الم ال ُّ‬
‫ش ً‬
‫أحب‬
‫يء ُّ‬‫ح امالً ق ال‪ : ‬ب ارك اهلل لك فيه ا‪ ، ‬ف أتى األعمى فق ال‪ : ‬أي ش ٍ‬
‫علي بصري فأبصر الناس‪ ، ‬فمسحه َّ‬
‫فرد اهلل إليه‬ ‫إليك‪ ‬؟ قال‪ : ‬أن َّ‬
‫يرد اهلل َّ‬
‫أحب إلي ك‪ ‬؟ ق ال‪ : ‬الغنم‪ ، ‬ف أعطي ش اة وال ًدا‬
‫بص ره‪ . ‬فق ال‪ : ‬أي الم ال ُّ‬

‫(?) رواه البخ اري في ((‪ ‬المرض ى‪ ، )210 ،206 ،10/131( )) ‬ومس لم في‬ ‫‪1‬‬

‫((‪ ‬السالم‪. )4/1722( )) ‬‬

‫‪- 187 -‬‬


‫واد من اإلب ل‪ ، ‬وله ذا ٍ‬
‫واد من البق ر‪، ‬‬ ‫ف انتج ه ذان وولَّد ه ذا فك ان له ذا ٍ‬
‫وله ذا واد من الغنم‪ ، ‬ثم إنه أتى األب رص في ص ورته وهيئته فق ال‪ : ‬رجل‬
‫مس كين قد انقطعت بي الحب ال في س فري فال بالغ لي الي وم إال باهلل ثم‬
‫بعيرا أتبلغ‬
‫بك أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال ً‬
‫به في س فري‪ ، ‬فق ال‪ : ‬الحق وق كث يرة‪ ، ‬فق ال‪ : ‬ك أني أعرف ك‪ ، ‬ألم تكن‬
‫أب رص يق ذرك الن اس فق ًيرا فأعط اك اهلل‪ ‬؟ فق ال‪ : ‬إنما ورثت ه ذا الم ال‬
‫ابرا عن ك ابر‪ ، ‬فق ال‪ : ‬إن كنت كاذبًا فص يرك اهلل إلى ما كنت‪ ، ‬وأتى‬
‫ك ً‬
‫ورد عليه مثل ما َّ‬
‫رد‬ ‫األقرع في صورته وهيئته فقال له مثل ما قال لهذا‪َّ ، ‬‬
‫ه ذا‪ ، ‬فق ال‪ : ‬إن كنت كاذبًا فص يرك اهلل إلى ما كنت‪ . ‬وأتى األعمى في‬
‫ص ورته وهيئته فق ال‪ : ‬رجل مس كين وابن س بيل انقطعت بي الحب ال في‬
‫رد عليك بصرك‬
‫سفري فال بالغ لي اليوم إال باهلل ثم بك‪ . ‬أسألك بالذي ّ‬
‫إلي بصري فخذ‬ ‫شاة أتبلغ بها في سفري‪ ، ‬فقال‪ : ‬قد كنت أعمى َّ‬
‫فرد اهلل َّ‬
‫ع ما ش ئت‪ ، ‬فواهلل ال أجه دك الي وم بش ٍ‬
‫يء أخذته هلل عز‬ ‫ما ش ئت‪ ، ‬ود ْ‬
‫وجل‪ ، ‬فقال‪ : ‬أمسك مالك فإنما ابتليتم فقد رضي اهلل عنك وسخط على‬
‫َّ‬
‫صاحبيك‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫رابعا‪ : ‬من أسباب الشفاء‪: ‬‬


‫ً‬
‫‪ -1‬الق ــر آن ‪: ‬‬
‫ين‪} ‬‬‫آن ما ُه و ِش َفاء ور ْحم ةٌ لِل ِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫[‪ ‬اإلس راء‪: ‬‬
‫ْم ْؤ من َ‬
‫ٌ ََ َ ُ‬ ‫قال تعاىل‪َ  { : ‬ونَُن ِّز ُل م َن الْ ُق ْر َ َ‬
‫آمنُ وا ُه ًدى َو ِش َفاءٌ‪} ‬‬ ‫ِِ‬
‫[‪ ‬فص لت‪: ‬‬
‫‪ ، ] 82‬وقال تعاىل عن القرآن‪ { : ‬قُ ْل ُه َو للَّذ َ‬
‫ين َ‬
‫‪. ] 44‬‬
‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 188 -‬‬


‫ق ال ابن القيم رمحه اللَّه‪ : ‬ف القرآن هو الش فاء الت ام من مجيع األدواء‬
‫(‪)1‬‬

‫القلبية والبدني ة‪ ، ‬وأدواء ال دنيا واآلخ رة‪ ، ‬وما كل أح ٍد يُوفَّق لالستش فاء ب ه‪. ‬‬
‫وإذا أحسن العليل الت داوي به ووض عه على دائه بص دق وإميان‪ ، ‬وقب ول ت ام‪، ‬‬
‫أبدا‪ . ‬وكيف تقاوم األدواء‬
‫واعتقاد جازم‪ ، ‬واستيفاء شروطه مل يقاومه الداء ً‬
‫كالم رب األرض والس ماء‪ ، ‬ال ذي لو ن زل على اجلب ال لص دَّعها‪ ، ‬أو على‬
‫األرض لقطعها(‪. )2‬‬
‫والمعوذات‪: ‬‬
‫ِّ‬ ‫الرقى بالقرآن‬
‫‪ُّ -2‬‬
‫( ‪)3‬‬
‫ينفث‬
‫عن عائشة رضي اهلل عنها أن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ك ان ُ‬
‫أنفث‬
‫كنت ُ‬‫على نفس ه‪ - ‬يف املرض ال ذي م ات في ه‪ - ‬ب املعوذات‪ ، ‬فلما ثقل ُ‬
‫نفسه َلبَر َكتها(‪. )4‬‬
‫وأمسح بيده َ‬
‫ُ‬ ‫هبن‬
‫عليه َّ‬
‫وس ِئل الزهري‪ : ‬كيف ينفث‪ ‬؟ قال‪ : ‬كان ُ‬
‫ينفث على يديه مث ميسح هبما‬ ‫ُ‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم‪- ‬‬
‫وجهه‪ . ‬وعن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪ : ‬أمرين ُّ‬
‫أو َأمَر‪ - ‬أن يُسرتقى من العني(‪. )5‬‬
‫مرفوع ا‪  : ‬العين حق ولو ك ان ش يء‬
‫ً‬ ‫((‬ ‫وعن ابن عب اس رضي اهلل عنهما‬
‫اس ُت ْغ ِسلتم فاغسلوا‪. )6(  ‬‬
‫))‬
‫سابق القدر لسبقته العين‪ ، ‬وإذا ْ‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ك ان إذا‬

‫(?) األدواء ‪ :‬األمراض ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر الطب النبوي البن القيم (‪. )272‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) النفث ‪ :‬هو النفخ مع الريق القليل ‪ .‬انظر مف ردات ألف اظ الق رآن لألص بهاني (‬ ‫‪3‬‬

‫‪. )816‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) رواه البخاري في كتاب الطب‪ -‬باب ل دقي ب القرآن والمع وذات (‪ )10/195‬رقم الح ديث‬
‫‪.5735‬‬
‫(?) رواه البخاري في كتاب الطب ‪ -‬باب رقية العين ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪- 189 -‬‬


‫اش تكى اإلنس ا ُن لش يء منه ك ان به قرحة أو ُج رح ق ال النيب ص لى اهلل عليه‬
‫وسلم بإصبعه هكذا [ ووضع سفيان وهو أحد رواة احلديث سبابته يف األرض‬
‫] مث رفعها باسم اهلل تربة أرضنا بريقة بعضنا ليُ ْش َفى به سقيمنا بإذن ربِّنا(‪. )1‬‬
‫‪ -3‬العس ــل ‪: ‬‬
‫[‪ ‬النح ل‪: ‬‬ ‫يه ِش َفاءٌ لِلن ِ‬
‫َّاس‪} ‬‬ ‫ف َألْوانُهُ فِ ِ‬ ‫ِ‬
‫قال تعاىل عن العسل‪َ  { : ‬ش َر ٌ‬
‫اب ُم ْختَل ٌ َ‬
‫‪ . ] 69‬عن ابن عب اس رضي اهلل عنه عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪: ‬‬
‫‪ ‬الش فاء في ثالث ة‪ : ‬في ش رطة محجم‪ ، ‬أو ش ربة عس ل‪ ، ‬أو كيَّة بن ار‪، ‬‬ ‫((‬

‫وأنهى َُّأمتي عن الكي‪. )2(  ‬‬


‫))‬

‫‪ -4‬الحبة السوداء‪: ‬‬
‫يب ص لى اهلل عليه وس لم يق ول‪: ‬‬
‫عن عائشة رضي اهلل عنها أهنا مسعت الن َّ‬
‫قلت‪ : ‬وما‬
‫‪ ‬إن ه ذه الحبَّة الس وداء ش فاءٌ من كل داء‪ ، ‬إال الس ام‪ُ .   ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫السام؟ قال‪ : ‬املوت(‪.)3‬‬


‫ُ‬
‫سط الهندي البحري‪ ، ‬والحجامة‪: ‬‬
‫‪ -5‬القُ ْ‬
‫عن أنس رضي اهلل عنه أن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪  : ‬إن أمثل ما‬
‫((‬

‫تداويتم به الحجامة والقسط البحري‪. )4(  ‬‬


‫))‬

‫(?) متفق عليه ‪ ،‬ورواه مسلم باب استحباب الرقية من العين ‪ ...‬والحمة والنظ رة (‬ ‫‪1‬‬

‫‪. )14/184‬‬
‫(?) رواه البخاري ‪ -‬كتاب الطب ‪ -‬باب الش فاء في ثالث (‪ )10/137‬ح ديث رقم (‬ ‫‪2‬‬

‫‪. )5681‬‬
‫(?) رواه البخاري ‪ -‬كت اب الطب ‪ -‬ب اب الحب ة الس وداء (‪ )10/143‬ح ديث رقم (‬ ‫‪3‬‬

‫‪. )5687‬‬
‫(?) رواه البخاري ‪ -‬كتاب الطب ‪ -‬باب الحجامة من ال داء (‪ )10/150‬ح ديث رقم‬ ‫‪4‬‬

‫‪ ، 5696‬والقس ط الهن دي ‪ :‬نب ات يب اع عن د أطب اء األعش اب أو العط ارين وه و‬


‫معروف عندهم والحار منه أفضل من البادر ‪.‬‬

‫‪- 190 -‬‬


‫وعن ج ابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫دم ا‪ ، ‬فق ال‪ : ‬ما ه ذا‪ ‬؟‬
‫يل منخ راه ً‬
‫يب تس ُ‬
‫وس لم دخل على عائشة وعن دها ص ُّ‬
‫فق الوا‪ : ‬به العُ ْذ َرةُ(‪ ، )1‬أو وجع يف رأس ه‪ ، ‬فق ال‪  : ‬ويْل ُك َّن‪ ، ‬ال تقتلن‬
‫((‬

‫أوالدكن‪ ،‬أيما ام رأة أص اب ول دها عُ ْذ َرةٌ أو وجع في رأسه فلتأخذ قس طًا‬


‫(‪)2‬‬
‫فص نع‬
‫هنديًّا فلتحكه بماء ثم تسعطه إياه‪ .   ‬فأمرت عائشة رضي اهلل عنها ُ‬
‫))‬

‫ذلك بالصيب فَرِب أ(‪. )3‬‬


‫‪ -6‬ألبان اإلبل‪ ، ‬والبقر‪: ‬‬
‫قم‪ ، ‬ق الوا‪ : ‬يا رس ول اهلل‪، ‬‬
‫ناس ا ك ان هبم َس ٌ‬
‫عن أنس رضي اهلل عنه أن ً‬
‫(‪)4‬‬
‫احلرة يف ذود‬
‫آونا وأطعمن ا‪ . ‬فلما ص ُّحوا ق الوا‪ : ‬إن املدينة ومخة‪ . ‬ف أنزهلم َّ‬
‫صحوا‪. )5(... ‬‬
‫له‪ ،‬فقال‪ : ‬اشربوا من ألباهنا‪ . ‬فلما ُّ‬
‫داء‬
‫وجل لم ينزل ً‬
‫عز َّ‬‫وعن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪  : ‬إن اهلل َّ‬
‫((‬

‫إال أن زل له ش فاء إال اله رم فعليكم بألب ان البقر فإنها ت رم من كل الش جر‬
‫))‬

‫( ‪. )6‬‬
‫‪ -7‬الم ــا ء ‪: ‬‬
‫عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪: ‬‬
‫(? ) العذرة ‪ :‬قيل هي قرحة تخرج فيما بين األذن والحلق وتعرض للصبيان غالبًا ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(? ) السعوط ‪ :‬ما يصب في األنف ‪ .‬انظر الطب النبوي البن القيم ( ص ‪)75 ،74‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪.‬‬
‫(?) أخرجه أحمد والحاكم وأبو يعلى ‪ ،‬والبزار ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) الذود ‪ :‬القطيع من اإلبل ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) رواه البخاري ‪ -‬كتاب الطب ‪ -‬باب الدواء بألبان اإلبل (‪ )10/141‬ح ديث رقم‬ ‫‪5‬‬

‫(‪. )5685‬‬
‫(?) أخرج ه الطيالس ي (‪ ، )366‬والنس ائي في الك برى (‪ ، )6863‬وابن حب ان (‬ ‫‪6‬‬

‫‪ ، )6075‬والحاكم ‪ ،197 ،4/196‬من حديث ابن مسعود ‪ ،‬رضي هللا عنه ‪ .‬وانظر‬
‫الصحيحة (‪. )518‬‬

‫‪- 191 -‬‬


‫‪ ‬احلمى من فيح جهنم ِ‬
‫فاطفئوها باملاء‪. )1(  ‬‬
‫))‬
‫ُ‬ ‫((‬

‫يب اللَّه أي وب عليه الس الم يف املاء‪ . ‬ق ال تع اىل‪َ  { : ‬واذْ ُك ْر‬
‫وك ان ش فاء ن ِّ‬
‫ض‬ ‫ب َو َع َذ ٍ‬
‫اب (‪ْ )41‬ار ُك ْ‬ ‫ص ٍ‬ ‫س نِ َي َّ‬
‫الش ْيطَا ُن بِنُ ْ‬ ‫وب ِإ ْذ نَ َ‬
‫ادى َربَّهُ َأنِّي َم َّ‬ ‫َع ْب َدنَا َأيُّ َ‬
‫اب‪ [ } ‬ص‪. ] 42 ،41 : ‬‬ ‫ك َه َذا ُمغْتَ َس ٌل بَا ِر ٌد َو َش َر ٌ‬‫بِ ِر ْجلِ َ‬
‫ق ال ابن كث ري‪ : ‬قيل بنصب يف ب دين وع ذاب يف م ايل وول دي فعند ذلك‬
‫اس تجاب له أرحم ال رامحني‪ ، ‬وأم ره أن يق وم من مقامه وأن ي ركض األرض‬
‫برجل ه‪ ، ‬ففعل ف أنبع اهلل تع اىل له عينًا وأم ره أن يغتسل منها ف أذهبت مجيع ما‬
‫ك ان يف بدنه من األذى‪ ، ‬مث أم ره فض رب األرض يف مك ان آخر ف أنبع له عينًا‬
‫أخ رى وأم ره أن يش رب منها ف أذهبت مجيع ما ك ان يف باطنه من الس وء‬
‫ض بِ ِر ْجلِ َ‬
‫ك‬ ‫اهرا وباطنً ا‪ ، ‬وهلذا ق ال تب ارك وتع اىل‪ْ  { : ‬ار ُك ْ‬
‫وتك املت العافية ظ ً‬
‫اب‪. )2(} ‬‬‫َه َذا ُمغْتَ َس ٌل بَا ِر ٌد َو َش َر ٌ‬
‫‪ -8‬م ـاء زم ـزم ‪: ‬‬
‫ثبت يف الص حيحني أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ش رب من م اء‬
‫طعم وش فاء س قم‪ . )3(  ‬وقد‬
‫))‬
‫زم زم‪ ، ‬وأنه ق ال‪  : ‬إنها مبارك ة‪ ، ‬وهي طع ام ٌ‬ ‫((‬

‫جربيل صدر النيب صلى اهلل عليه وسلم مباء زمزم‪. ‬‬


‫ُ‬ ‫غسل‬
‫‪ -9‬الصدقة‪: ‬‬
‫عن أيب أمامة رضي اهلل عنه ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪:‬‬

‫(?) رواه البخ اري ‪ -‬كت اب الطب ‪ -‬ب اب الحمى من فيح جهنم (‪ )10/174‬ح ديث‬ ‫‪1‬‬

‫رقم (‪.)5723‬‬
‫(?) تفسير ابن كثير (‪. )4/39‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أخرجه الطيالسي (‪ ، )459‬وأحمد ‪ ،175 ،5/174‬ومسلم (‪ ، )2473‬وغيرهم‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،‬من حديث أبي ذر ‪ ،‬رضي هللا عنه ‪ ،‬في قصة إسالمه ‪ .‬وليس عن د مس لم قول ه ‪:‬‬
‫((‪ ‬وشفاء سقم‪. )) ‬‬

‫‪- 192 -‬‬


‫داووا مرضاكم بالصدقة (‪.)1‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫دعاء اللَّه باسمه ‪ ‬الشافي‪  ‬تبارك وتعالى‪: ‬‬


‫))‬ ‫((‬

‫وقد جاء يف ذلك‪: ‬‬


‫‪ -1‬ال دعاء للمرضى ‪ :‬عن عائشة رضي اهلل عنها أن النيب ص لى اهلل عليه‬
‫رب الن اس‪، ‬‬
‫ول‪  : ‬اللهم َّ‬
‫بعض أهله ميسح بي ده اليُمىن ويق ُ‬
‫((‬
‫ود َ‬ ‫وس لم ك ان يع ُ‬
‫سقما‪ ‬‬ ‫ِ‬
‫))‬
‫شفاء ال يغادر ً‬
‫شفاء إال شفاؤك ً‬ ‫أذهب البأس اشف أنت الشافي ال َ‬
‫( ‪.  ) 2‬‬
‫‪ -2‬دع اء األخ ألخيه ‪ :‬وعن س عد بن أيب وق اص رضي اهلل عنه ق ال‪: ‬‬
‫ع ادين رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪ ، ‬فق ال‪  : ‬اللهم اش ِ‬
‫ف س ع ًدا‪ ، ‬اللهم‬ ‫((‬

‫ا ْش ِ‬
‫ف سع ًدا‪ ، ‬اللهم اشف سع ًدا‪. )3(  ‬‬
‫))‬

‫‪ -3‬دع اءٌ للعافي ة‪ : ‬وعن ابن عب اس رضي اللَّه عنهما عن النيب ص لى اهلل‬
‫ض ْرهُ أجلُ ه‪ ، ‬فق ال عن ده س بع‬ ‫مريض ا لم يَ ْح ُ‬
‫عليه وس لم‪ ، ‬ق ال‪  :‬من ع اد ً‬
‫((‬

‫رب العرش العظيم أن يَ ْش ِفيَ َ‬


‫ك‪ : ‬إال عافاه اللَّه من‬ ‫مرات‪ : ‬أسأل اهللَ العظيم َّ‬
‫ذلك المرض‪.)4(  ‬‬
‫))‬

‫‪ -4‬دعاء يُنجي من النار‪ : ‬عن أيب سعيد اخلدري‪ ، ‬وأيب هريرة رضي اهلل‬
‫عنهما أهنما ش هدا على رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم أنه ق ال‪  : ‬من ق ال‪: ‬‬
‫((‬

‫(? ) رواه أبو الشيخ في الثواب عن أبي أمامة ‪ ،‬وحسنه األلباني في صحيح الج امع‬ ‫‪1‬‬

‫(‪. )3353‬‬
‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪4‬‬
‫(?) رواه أبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬وقال ‪ :‬ح ديث حس ن ‪ ،‬وق ال الح اكم ‪ :‬ح ديث ص حيح على‬
‫شرط البخاري ‪.‬‬

‫‪- 193 -‬‬


‫ال إله إال اهلل‪ ، ‬واللَّه أكرب ص دَّقه رب ه‪ ، ‬فق ال‪ : ‬ال إله إال أن ا‪ ، ‬وأنا أك رب‪ . ‬وإذا‬
‫قال‪ : ‬ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ، ‬قال‪ : ‬يقول‪ : ‬ال إله إال أنا وحدي ال‬
‫شريك يل‪ ،‬وإذا قال‪ : ‬ال إله إال اهلل له امللك وله احلمد‪ ، ‬قال‪ : ‬ال إله إال أنا‪، ‬‬
‫يل امللك ويل احلم د‪ ، ‬وإذا ق ال‪ : ‬ال إله إال اهلل وال ح ول وال ق وة إال باهلل‪، ‬‬
‫يقول‪ : ‬من قاهلا يف مرضه‬
‫قال‪ : ‬ال إله إال أنا وال حول وال قوة إال يب‪ ، ‬وكان ُ‬
‫مث مات مل تطعمه النار‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫***‬

‫(?) صحيح ‪ .‬أخرجه الترمذي (‪. )5/3430‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 194 -‬‬


‫الغفور‪ ، ‬الغفار " تبارك وتعالى "‬
‫المعنى اللغوى‪: ‬‬
‫العرب‪: ‬‬
‫ُ‬ ‫أصل الغَ ْف ر‪ : ‬التغطية والسرت‪ ، ‬غفر اهلل له ذنوبه‪ : ‬سرتها وتقول‬
‫أمحل له وأغطى ل ه‪ . ‬وك ذا َغ َفر‬‫اص بُغ ثوبك بالس واد فهو أغفر لوس خه أى ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫الشيب باخلضاب وأغفره أى‪َ : ‬س رَت ه‪ ، ‬واملغفرة‪ : ‬التغطية‪ ، ‬وامل ْغ َف ر‪ : ‬هو حلق‬ ‫َ‬
‫(‪. )1‬‬
‫يتقنع به املتسلح يقيه ويسرته‬
‫دملَها‬
‫وقي ل‪ : ‬هو م أخوذ من الغَ َفر نبت تُ َداوى به اجلراح إذا ذَُّر عليها َ‬
‫وأبرأها بإذن اهلل(‪ . )2‬وهذا يبني أن املعصية داء واملغفرة دواء‪. ‬‬
‫الدليل الشرعى‪: ‬‬
‫ورد (اإلمسان) الغف ار‪ ، ‬والغف ور جل جالله وتقدست أمساؤه ىف الق رآن‬
‫اهلل الغفور ىف القرآن ىف إحدى وتسعني آية‪ ، ‬وأما امسه‬ ‫والس نة وقد ذُكر اسم ِ‬
‫ُّ‬
‫ُ‬
‫"الغف ار" فقد ج اء ىف مخس آي ات‪َ ، ‬فعُلِم أن ورود "الغف ور" ىف الق رآن أك ثر‬
‫بكثري من "الغفار" و"الغف ار" أبلغ من "الغف ور" وكالمها من أبنية املبالغة‪ ، ‬فمن‬
‫املواضع الىت ورد فيها اسم "الغفور"‪. ‬‬
‫يم‪[ } ‬الشورى‪. ]5 : ‬‬ ‫قال تعاىل‪َ { : ‬أالَ ِإ َّن اللَّه هو الْغَ ُفور َّ ِ‬
‫الرح ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َُ‬
‫ود‪[ } ‬الربوج‪. ]14 : ‬‬ ‫وقال‪َ  { : ‬و ُه َو الْغَ ُف ُ‬
‫ور ال َْو ُد ُ‬
‫وأما الغفار فقد جاء ىف قوله تعاىل‪َ { : ‬أالَ ُه َو ال َْع ِز ُيز الْغََّف ُار‪[ } ‬الزمر‪. ]5 : ‬‬
‫اسَت ْغ ِف ُروا َربَّ ُك ْم ِإنَّهُ َكا َن غَ َّف ًارا‪[ } ‬نوح ]‪. ‬‬ ‫وقوله تعاىل‪َ  { : ‬ف ُقل ُ‬
‫ْت ْ‬
‫معنى االسمين فى حق اهلل تعالى‪: ‬‬

‫(?) تفس ير األس ماء للزج اج (ص ‪ ، )37‬والنهاي ة (‪ ، )3/373‬واللس ان (‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ، )4/2743‬وغريب الحديث ألبى عبيد (‪. )3/348‬‬


‫(?) األسنى "للقرطبى" (‪. )1/152‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 195 -‬‬


‫ق ال الزج اج‪ : ‬ومعىن الغَ ْفر ىف حق اهلل س بحانه هو ال ذى يسرت ذن وب‬
‫(‪. )1‬‬
‫عباده ويغطيهم بسرته‬
‫وقال اخلطاىب‪ : ‬فالغفار الستري لذنوب عباده‪ ، ‬واملسدل عليهم ثوب عطفه‬
‫ورأفته ومعىن السرت ىف ه ذا‪ : ‬أنه ال يكشف أمر العبد خللقه وال يهتك س رته‬
‫(‪. )2‬‬
‫بالعقوبة الىت تُ ْش ِه ُرهُ ىف عيوهنم‬
‫وق ال أبو عبي د‪ : ‬واملغف رة من ال ذنوب إمنا هو إلب اس اهلل الن اس الغف ران‬
‫(‪. )3‬‬
‫وتغمدهم به‬
‫َّار )‪. ‬‬
‫ور – الغَف ُ‬
‫(الع ُف ُو – الغَ ُف ُ‬
‫وقال السعدى (رمحه اهلل)‪َ : ‬‬
‫ال ذى مل ي زل وال ي زال ب العفو معروفً ا‪ ، ‬وب الغفران والص فح عن عب اده‬
‫موص وفًا كل أح ٍد مض طر إىل عف وه ومغفرت ه‪ ، ‬كما هو مض طر إىل رمحته‬
‫وكرم ه‪ ، ‬وقد َو َع َد ب املغفرة والعفو ملن أتى بأس باهبا ق ال تع اىل‪َ  { : ‬وِإنِّي لَغََّف ٌ‬
‫ار‬ ‫َ‬
‫(‪. )4‬‬
‫صالِ ًحا ثُ َّم ْاهتَ َدى‪[ } ‬طه‪]82 : ‬‬
‫آم َن َو َع ِم َل َ‬
‫اب َو َ‬
‫ِ‬
‫ل َم ْن تَ َ‬
‫وقال ابن القيم ىف النونية‪: ‬‬
‫من غري شرك بل من العصيان‬ ‫وهو الغفور فلو أتى بقراهبا‬
‫(‪)5‬‬
‫سبحانه هو َو ِاس ُع الغفران‬ ‫ألتاه بالغفران ِملءَ قُراهِب ا‬
‫وقي ل‪ : ‬إن (الغف ار‪ ، ‬والغف ور) ص يغىت مبالغة لص فة املغف رة هلل عز وجل‬
‫فالغفور على وزن فعول أى كثري املغفرة ىف العدد والتكرار وأما (الغفَّار) على‬
‫(فعال) أى يغفر مغف رة عظيمة ىف ق درها وأثرها ف الغفور يناسب ك ثرة‬
‫وزن َّ‬
‫(?) تفسير األسماء (ص ‪. )38‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) شأن الدعاء (ص ‪. )52‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) غريب الحديث (‪. )3/348‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) "تيسير الكريم" (‪. )5/30‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) "النونية" (‪. )2/231‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪- 196 -‬‬


‫خطايا اخللق وتكرارها و(الغف ار) يناسب عظيم اإلج رام وكبري اآلث ام وكال‬
‫النوعني من الذنوب واقع من اخللق فسبحان اهلل الذى يعامل خلقه مبا يناسبهم‬
‫من أمسائه وصفاته‪. ‬‬
‫***‬
‫من آثار اإليمان بهذين اإلسمين الكريمين‬
‫أوالً‪ : ‬معرفة اللَّه ُ‬
‫وح ِّبه‪: ‬‬
‫من عرف مغفرة اهلل لعباده على ظلمهم‪ ، ‬وعظيم عفوه عنهم مع إساءهتم‬
‫عظيما من ص فات اللَّه جل جالل ه‪ ، ‬وإليك جانبًا من ه ذه‬
‫فقد ع رف جانبًا ً‬
‫الصفات‪: ‬‬
‫‪ -1‬ال يغفر الذنوب إال اهلل‪: ‬‬
‫وب ِإالَّ اللَّهُ‪[ } ‬آل عمران‪. ]135 : ‬‬ ‫قال تعاىل‪َ  { : ‬و َم ْن َيغْ ِف ُر ُّ‬
‫الذنُ َ‬
‫قال ابن كثري‪ : ‬أى ال يغفر أح ٌد سواه‪. ‬‬
‫وعن األس ود بن س ريع أن النىب ص لى اهلل عليه وس لم أتى بأسري فق ال‪: ‬‬
‫"اللهم إىن أت وب إليك وال أت وب إىل حمم د" فق ال النىب ص لى اهلل عليه وس لم‪: ‬‬
‫))(‪. )1‬‬
‫((عرف الحق ألهله‬
‫وكان من دعاء النىب صلى اهلل عليه وسلم‪(( : ‬وأبوءُ بذنبى فاغفر لى فإنه‬
‫))(‪. )2‬‬
‫ال يغفر الذنوب إال أنت‬
‫‪ -2‬إن ربك واسع المغفرة‪: ‬‬
‫ق ال تع اىل‪ِ { : ‬إ َّن َربَّ َك َو ِاس ُع ال َْم ْغ ِف َر ِة‪[ } ‬النجم‪ ، ]32 : ‬ف إن اللَّه عز‬

‫(?) رواه أحمد ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ُأ‬
‫(?) رواه البخاري ‪ (( .‬وأبو ُء‪ )) ‬أي ‪ :‬قِرُّ وأعترف ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 197 -‬‬


‫وجل وس عت رمحته كل ش يء‪ ، ‬ومغفرته أعظم من كل ذنب‪ ، ‬فقد ق ال اللَّه‬
‫غفرت‬
‫ُ‬ ‫تعاىل يف احلديث القدسي‪  : ‬يا ابن آدم‪ ، ‬إنك ما دعوتني ورجوتني‬ ‫((‬

‫لك على ما ك ان منك وال ُأب الي‪ ، ‬يا ابن آدم‪ ، ‬لو بلغت ذنوبُك عن ان‬
‫السماء ثم استغفرتني غفرت لك‪ ، ‬يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب األرض‬
‫خطايا ثم لقيتني ال تشرك بي شيًئا ألتيتك بقرابها مغفرة‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫جميعا‪: ‬‬
‫ً‬ ‫‪ -3‬إن اللَّه يغفر الذنوب‬
‫فمهما عظُمت ذنوب العبد فإن مغفرة اهلل ورمحته أعظم منها بل ومن كل‬
‫أبدا‪. ‬‬
‫شىء فال يقنط من رمحة اهلل وال ييأس من عفوه وغفرانه أح ٌد ً‬
‫َأس َرفُوا َعلَى َأْن ُف ِس ِه ْم الَ َت ْقنَطُ وا ِم ْن َر ْح َم ِة‬
‫ين ْ‬
‫اد َّ ِ‬
‫ي الذ َ‬
‫ِ ِ‬
‫قال تعاىل‪ { : ‬قُ ْل يَا عبَ َ‬
‫الذنُوب ج ِميعا ِإنَّه هو الْغَ ُفور َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‪. } ‬‬ ‫الرح ُ‬ ‫ُ‬ ‫اللَّه ِإ َّن اللَّهَ َيغْف ُر ُّ َ َ ً ُ ُ َ‬
‫ق ال ابن عب اس رضى اهلل عنهما فى ه ذه اآلية‪" : ‬قد دعا اهلل إىل مغفرته‬
‫من زعم أن املس يح هو اهلل‪ ، ‬ومن زعم أن املس يح هو ابن اهلل‪ ، ‬ومن زعم أن‬
‫عزي ًرا ابن اهلل‪ ، ‬ومن زعم أن اهلل فق ري‪ ، ‬ومن زعم أن يد اهلل مغلول ة‪ ، ‬ومن‬
‫زعم أن اهلل ث الث ثالثة يق ول اهلل تع اىل هلؤالء‪َ { : ‬أفَالَ َيتُوبُ و َن ِإلَى اللَّ ِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‪ . } ‬مث دعا إىل التوبة من هو أعظم ق والً من‬ ‫َويَ ْس َتغْف ُرونَهُ َواللَّهُ غَ ُف ٌ‬
‫ور َرح ٌ‬
‫ت لَ ُك ْم ِم ْن ِإل ٍَه غَْي ِري‪. } ‬‬
‫هؤالء‪ . ‬من قال {أنا ربكم األعلى} وقال {‪َ  ‬ما َعلِ ْم ُ‬
‫مث قال ابن عباس (رضى اهلل عنهما) من آيس عباد اهلل من التوبة بعد هذا‬
‫(‪. )2‬‬
‫فقد جحد كتاب اهلل عز وجل‬
‫فرحا ىف‬
‫وعن ابن مس عود رضى اهلل عنه ق ال‪ : ‬إن أك ثر آية ىف الق رآن ً‬

‫(?) رواه الترمذي ‪ ،‬وقال ‪ :‬حديث حسن ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) تفسير ابن كثير (‪ ، )4/58‬وآيس الناس ‪ :‬أي قنطهم ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 198 -‬‬


‫َأس َرفُوا َعلَى َأْن ُف ِس ِه ْم‪} ‬‬
‫(‪. )1‬‬ ‫ِ ِ‬
‫اد َّ ِ‬
‫ين ْ‬‫ي الذ َ‬‫سورة الغرف‪ { : ‬قُ ْل يَا عبَ َ‬
‫وق ال النىب ص لى اهلل عليه وس لم‪(( : ‬لو يعلم الك افر ما عند اهلل من‬
‫)) (‪. )2‬‬
‫الرحمة ما قنط من جنته أحد‬
‫حىت الش رك يغف ره اهلل ملن ت اب فما أعظم ربنا وما أك رم إهلنا وما أحنَّه‬
‫على خلقه وهو غىن عنهم‪ ، ‬وما أحبه لِت وبتهم وهم ال يض رونه ش يًئا وال‬
‫ينفعونه‪. ‬‬
‫در القائل‪: ‬‬
‫وهلل ُّ‬
‫علمت أن عفوك أعظم‬
‫ُ‬ ‫فلقد‬ ‫يارب إن كثرت ذنوب عظيمة‬
‫فإذا رددت فمن ذا يرحم‬ ‫تضرعا‬
‫ً‬ ‫دعوتك ريب كما أمرت‬
‫فبمن يلوذ ويستجري اجملرم‬ ‫حمسن‬
‫إن كان ال يدعوك إال ٌ‬
‫وعظيم عفوك مث إىن مسلم‬ ‫ماىل إليك وسيلة إال الرجا‬
‫‪" -4‬الستر على عبده"‪: ‬‬
‫الحياء‬
‫َ‬ ‫ستير يحب‬
‫يى ٌ‬ ‫قال النىب صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬إن اهلل عز وجل َح ُّ‬
‫والستر …))(‪.)3‬‬
‫وقال ابن القيم رمحه اهلل‪: ‬‬
‫عند التجاهر منه بالعصيان‬ ‫وهو احلَىِي ُّ فليس يفضح عبده‬
‫فهو الستري وصاحب الغفران‬ ‫لكنه يلقى عليه سرته‬

‫(?) تفسير ابن كثير (‪. )4/58‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه مسلم (‪ )4/2755‬عن العالء عن أبيه عن أبى هريرة به ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ص حيح ‪ :‬أخرج ه أب و داود (‪ ، )4/4012‬والنس ائي (‪ ، )1/200‬وال بيهقي من‬ ‫‪3‬‬

‫طريق أبي داود (‪ )1/198‬عن النُّفيلي ‪ .‬حدثنا زهير عن عبد الملك بن أبي س ليمان‬
‫ال َعرزمي عن عطاء عن يعلى به‪.‬‬

‫‪- 199 -‬‬


‫فإن اهلل تبارك وتعاىل حيب السرت على عباده ىف الدنيا واآلخرة‪. ‬‬
‫فعن ابن عمر (رضى اهلل عنهم ا) ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫عملت ك ذا‬
‫َ‬ ‫وس لم‪(( : ‬ي دنو أح ُدكم من ربه ح تى يضع كنفه عليه فيق ول‪: ‬‬
‫وكذا‪ ‬؟ فيقول‪ : ‬نعم ويقول‪ : ‬عملت كذا وكذا‪ ‬؟ فيقول‪ : ‬نعم ‪ ,‬فيقرره‬
‫)) (‪. )1‬‬
‫رت عليك فى الدنيا‪ ، ‬فأنا أغفرها لك اليوم‬
‫ثم يقول‪ : ‬إنى َستَ ُ‬
‫وىف رواي ة‪(( : ‬ف إنى قد س ترتها عليك فى ال دنيا وإنى أغفرها لك الي وم‬
‫فيُعطى ص حيفة حسناته‪ ، ‬وأما الكف ار والمنافقون فيُنادى بهم على رؤوس‬
‫)) (‪. )2‬‬
‫الخالئق‪ : ‬هؤالء الذين كذبوا على اهلل‬
‫وإذا َستَر اهللُ مؤمنًا فى الدنيا فكذلك يستره يوم القيامة‪. ‬‬
‫النىب ص لى اهلل عليه وس لم قال‪(( : ‬ال‬
‫فعن أىب هري رة (رضى اهلل عن ه) عن ِّ‬
‫)) (‪. )3‬‬
‫يستر اهللُ على عبد فى الدنيا‪ ، ‬إال ستره اهلل يوم القيامة‬
‫بل ويس تر من س تر المس لمين فقد ق ال النىب ص لى اهلل عليه وس لم‪: ‬‬
‫)) (‪. )4‬‬ ‫((‬
‫مسلما ستره اهللُ يوم القيامة‬
‫… ومن ستر ً‬
‫ويَ ُذم من يتتبع ع ورات المس لمين ويفضح أم رهم ويكشف س رتهم‬
‫ىب ص لى اهلل عليه وس لم‪(( : ‬يا معشر من‬
‫وتوع دهم على ذل ك‪ ، ‬فقد ق ال الن ُّ‬
‫آمن بلس انه ولم ي دخل اإليم ان قلبه ال تغت ابوا المس لمين وال تتبع وا‬
‫(?) رواه البخاري في األدب (‪ ، )10/486‬وفي التوحيد (‪. )10/475‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه البخاري في ((‪ ‬المظ الم‪ ، )5/96( )) ‬وفي ((‪ ‬التفس ير‪ ، )8/353( )) ‬ومس لم‬ ‫‪2‬‬

‫في التوبة (‪. )4/2120‬‬


‫(?) رواه مسلم في ((‪ ‬البر والصلة واألدب‪. )4/2002( )) ‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) رواه البخاري في ((‪ ‬المظ الم‪ ، )5/97( )) ‬ومس لم في ال بر والص لة (‪)4/1996‬‬ ‫‪4‬‬

‫من ح ديث س الم بن عب د هَّللا عن أبي ه مرفو ًع ا ‪ ،‬وأول ه ‪ (( :‬المس لم أخ و المس لم ال‬
‫يظلمه ‪. )) ...‬‬

‫‪- 200 -‬‬


‫ع وراتهم فإنه من يتبع ع وراتهم‪ ، ‬يتَّبع اهللُ عورته ومن يتبع عورته يفض حه‬
‫فى بيته ))(‪. )1‬‬
‫فسبحان اللَِّه على سرته ملن عصاه ورمحته مبن جفاه‪. ‬‬
‫در القائل‪: ‬‬ ‫وللَّه ُّ‬
‫وأنت يا سيدى ىف الغيب تسرتىن‬ ‫فكم عصيتك يا موالى من جهل‬
‫ألبكني بكــاء الواله احلزن‬ ‫ألبكني بدم ــع العني من ندم‬
‫‪ -5‬إن اهللَ يحب التوابين‪: ‬‬
‫فإن اهلل عز وجل حيب التوبة أكثر من حب التائب هلا وحيب املغفرة أكثر‬
‫من حب الناس أن يُغفر هلم‪. ‬‬
‫ين‪[ } ‬البقرة‪. ]222 : ‬‬ ‫ين َويُ ِح ُّ‬
‫ب ال ُْمتَطَ ِّه ِر َ‬ ‫َّواب َ‬ ‫قال تعاىل‪ِ { : ‬إ َّن اللَّهَ يُ ِح ُّ‬
‫ب الت َّ ِ‬
‫اس ل ذهب‬
‫ومن ُحبَّه تب ارك وتع اىل للتوبة واالس تغفار أنه إذا مل يُ ذنب الن ُ‬
‫هبم وألتى بق وم لي ذنبوا فيس تغفروا ليغفر هلم‪ . ‬فعن أىب هري رة رضى اهلل عنه‬
‫ق ال‪ : ‬ق ال النىب ص لى اهلل عليه وس لم‪(( : ‬وال ذى نفسى بي ده لو لم ت ذنبوا‬
‫لذهب اهلل تعالى بكم‪ ،‬ولجاء ٍ‬
‫بقوم يذنبون فيستغفرون اهللَ تعالى فيغف ُر لهم‬
‫)) (‪. )2‬‬

‫وقد أحسن من قال‪: ‬‬


‫وليس من يدعو الكرمي خييب‬ ‫دعوت كرميًا قد وثقت بصنعه‬
‫ُ‬
‫وال عفو إال أن تكون ذنوب‬ ‫فيا من حيب العفو إىن مذنب‬

‫(?) حديث ص حيح ‪ :‬أخرج ه أحم د (‪ ، )421 -4/420‬وأب و داود (‪ )5/4880‬عن‬ ‫‪1‬‬

‫األسود بن عامر ح دثنا أب و بك ر بن عي اش عن األعمش عن س عيد بن عب د هَّللا بن‬


‫جريج عن أبي برزة األسلمي مرفوعًا ‪.‬‬
‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 201 -‬‬


‫‪ -6‬ويفرح بهم‪: ‬‬
‫عن أنس بن مالك رضى اهلل عنه ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫رح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بع يره وقد أضله فى‬ ‫((‬
‫وسلم‪ : ‬هللُ أف ُ‬
‫(‪. )2( )) )1‬‬
‫أرض فالة‬
‫فرحا بتوبة عب ده حين يت وب إليه من‬ ‫((‬
‫وىف رواية مس لم‪ : ‬هلل أشد ً‬
‫أح دكم ك ان على راحلته ب أرض فالة ف انفلتت(‪ )3‬منه وعليها طعامه وش رابه‬
‫فأيس(‪ )4‬منها فأتى شجرة فاضطجع فى ظلها وقد أيس من راحلته فبينما هو‬
‫ك ذلك إذ هو بها قائمة عن ده بخطامها(‪ )5‬ثم ق ال من ش دة الف رح‪ : ‬اللهم‬
‫أنت عبدى وأنا ربك‪ ، ‬أخطأ من شدة الفرح ))‪. ‬‬
‫‪ -7‬ويضحك إليهم‪: ‬‬
‫عن أىب هري رة (رضى اهلل عن ه) أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪: ‬‬
‫((يضحك اهلل سبحانه وتعالى إلى رجلين يقتل أحدهما اآلخر يدخالن الجنة‬
‫شه ُد ))‬
‫يقاتل هذا فى سبيل اهلل في ْقتَل ثم يتوب اهلل على القاتل فيسلم فيستَ ْ‬
‫ُْ َ‬ ‫ُ‬
‫(‪. )6‬‬

‫س ِّخر لهم مخلوقاته‪: ‬‬


‫وي َ‬
‫‪ُ -8‬‬
‫فمن عظيم رمحة اللَّه ع َّز وج َّل أنه حيب للت ائبني الرمحة والقب ول‪ ، ‬وأن‬

‫(?) فالة ‪ :‬أى أرض واسعة ال نبات بها وال ماء ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) فانفلتت ‪ :‬هربت ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أيس منها ‪ :‬يأس من الحصول عليها ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) خطامها ‪ :‬الحبل الذى تقاد به الدابة ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪- 202 -‬‬


‫يدخلهم اجلنة حىت أنه يُ َس ِّخر هلم األرض مثل ما حدث يف توبة قاتل املائة ؛ إذ‬
‫أوحي لألرض الطيبة أن تق رتب منه وأن تبتعد عنه األرض اخلبيثة حىت تأخ ذه‬
‫مالئكة الرمحة‪ . ‬فسبحان اهلل‪. ‬‬
‫عن أيب س عيد رضي اللَّه عنه عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪  : ‬ك ان‬
‫((‬

‫في ب ني إس رائيل رجل قتل تس عة وتس عين إنس انًا‪ ، ‬ثم خ رج يس أل‪ ، ‬ف أتى‬
‫راهبًا فس أله‪ ، ‬فق ال ل ه‪ : ‬هل من توب ة‪ ‬؟ ق ال‪ : ‬ال‪ ، ‬فقتل ه‪ ، ‬فجعل يس أل‪، ‬‬
‫أناس ا‬ ‫ِ‬
‫فق ال له رج ل‪ : ‬اْئت قرية ك ذا وك ذا‪ - ‬ويف رواية ملس لم‪ : ‬ف إن بها ً‬
‫يعب دون اللَّه فاعبد اهلل معهم‪ - ‬فأدركه الم وت فن اء بص دره نحوها‬
‫فاختص مت فيه مالئكة الرحمة ومالئكة الع ذاب‪ ، ‬ف أوحى اللَّه إلى ه ذه‪: ‬‬
‫أن تق َّربي‪ ، ‬وأوحى إلى ه ذه‪ : ‬أن تباع دي‪ ، ‬وق ال‪ : ‬قيس وا ما بينهم ا‪، ‬‬
‫َف ُو ِج َد إلى هذه(‪ )1‬أقرب بشب ٍر َفغُِف َر له‪. )2(  ‬‬
‫))‬

‫‪ -9‬ويغضب على من َّ‬


‫قنط الناس من رحمته‪: ‬‬
‫عن جنب (رضى اهلل عن ه) ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪: ‬‬
‫((إن رجالً ق ال‪ِ : ‬‬
‫واهلل ال يغفر اهللُ لفالن‪ . ‬ق ال اهللُ‪" : ‬من ذا ال ذى يت ألَّى‬
‫)) (‪. )3‬‬
‫غفرت لفالن وأحبطت عملك‬‫ُ‬ ‫على أن ال أغفر لفالن‪ ، ‬فإنى قد‬
‫َّ‬
‫وىف رواية ق ال‪(( : ‬فوال ذى نفس أبى القاسم بي ده‪ ، ‬لتكلم بكلمة‬
‫)) (‪. )5‬‬
‫أوبقت(‪ )4‬دنياه وآخرته‬

‫(?) هذه ‪ :‬أي األرض الطيبة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرجه البخاري (‪ ، )6/3470‬ومسلم (‪. )4/2118‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أوبقته ‪ :‬أى أهلكته ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) حسن ‪ .‬أخرجه أحمد (‪ )16/8275‬عن أبي هريرة رضي هللا عنه ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪- 203 -‬‬


‫ثانيا‪ : ‬المسارعة إلى التوب بعد الذنب‪: ‬‬
‫ً‬
‫ات‬
‫الس َم َو ُ‬ ‫ق ال تع اىل‪َ  { : ‬و َس ا ِرعُوا ِإلَى َم ْغ ِف َر ٍة ِم ْن َربِّ ُك ْم َو َجن ٍَّة َع ْر ُ‬
‫ض َها َّ‬
‫ين‪[ } ‬آل عمران‪. ]133 : ‬‬ ‫َّت لِل ِ‬ ‫واَألر ِ‬
‫ْمتَّق َ‬
‫ض ُأعد ْ ُ‬
‫َ ْ ُ‬
‫أخى احلبيب‪ : ‬أسرع أسرع‪ . ‬أدرك‪ . ‬أدرك‪. ‬‬
‫وال ت رتك حبيبك من أجل من يبغض ك‪ ، ‬وال ختاصم م والك من أجل‬
‫وأحن عليك من‬
‫وفر إليه من ذنوبك جتده أرحم بك من نفسك َّ‬
‫عدوه وعدوك َّ‬
‫وأسرِع إليه جتده إليك أسرع فإنه إىل توبتك بالفرح‪. ‬‬
‫ُأمك‪ْ ، ‬‬
‫قال تعاىل ىف احلديث القدسى‪ِ (( : ‬‬
‫واهلل هللُ أفرح بتوبة عبده من أحدكم‬
‫ذراع ا‪ ، ‬ومن تقرب‬
‫إلي شبرا تقربت إليه ً‬ ‫يجد ضالته بالفالة‪ ، ‬ومن تقرب َّ‬
‫)) (‪. )1‬‬
‫إلى يمشى أقبلت إليه أهرول‬
‫باعا‪ . ‬وإذا أقبل َّ‬
‫ذراعا تقربت إليه ً‬
‫إلى ً‬
‫َّ‬
‫ثالثًا‪ : ‬ا ْغ ِف ُروا ُي ْغفَر لكم‪: ‬‬
‫أال حتبون أن يغفر اهلل لكم‪ ‬؟‬
‫من غفر للن اس َغ َف َر اهلل ل ه‪ ، ‬ومن جتاوز عنهم جتاوز اهلل عنه واجلزاء من‬
‫جنس العمل‪. ‬‬
‫عن عبد اهلل بن عم رو عن النىب ص لى اهلل عليه وس لم أنه ق ال وهو على‬
‫))(‪. )2‬‬
‫املنرب‪(( : ‬ارحموا ُت ْر َح ُموا‪ ، ‬وا ْغ ِف ُروا يغفر اللَّه لكم …‬
‫وعن أىب هري رة (رضى اهلل عن ه) ق ال‪ : ‬ق ال النىب ص لى اهلل عليه وس لم‪: ‬‬
‫ت ُم ْع ِس ًرا فتج اوز عنه‬
‫اين الناس‪ ، ‬فكان يقول لفتاه‪ : ‬إذا َأَت ْي َ‬ ‫كان رجل يُ َد ُ‬
‫((‬

‫(?) أخرجه البخاري (‪ ، )7405‬ومسلم (‪ ، )2675‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رض ي‬ ‫‪1‬‬

‫هللا عنه ‪.‬‬


‫(?) أخرج ه أحم د ‪ ،219 ،2/165‬والبخ اري في األدب المف رد (‪ ، )380‬وانظ ر‬ ‫‪2‬‬

‫الصحيحة (‪. )480‬‬

‫‪- 204 -‬‬


‫)) (‪. )1‬‬
‫لعل اهلل أن يتجاوز عنَّا‪َ ، ‬فلَقى اهللَ فتجاوز عنه‬
‫َّ‬
‫رابعا‪ : ‬من عالمات المغفرة‪: ‬‬
‫ً‬
‫إن من احلق أن نعلم أن املغف رة بيد اللَّه وح ده وال يعلمها إال اللَّه ‪ ،‬ولكن‬
‫اللَّه ع َّز وج َّل قد جعل هلا عالم ات ُ‬
‫ومبش رات ‪ ،‬فمن ُرزق إياها يُ رجى أن‬
‫يكون غُ ِفر له ‪.‬‬
‫‪ – 1‬أن يُرزق توبة نصوح‪. ‬‬
‫ِ‬ ‫قال تعاىل‪ { : ‬فَمن تَ ِ‬
‫وب َعلَْي ِه ِإ َّن اللَّهَ‬ ‫اب م ْن َب ْع د ظُل ِْم ِه َو ْ‬
‫َأص لَ َح فَ ِإ َّن اللَّهَ َيتُ ُ‬ ‫َْ َ‬
‫يم‪[ } ‬املائدة‪. ]39 : ‬‬ ‫غَ ُف ِ‬
‫ور َرح ٌ‬
‫ٌ‬
‫وقي ل‪(( : ‬من ُرزق التوبة مل حُي َرم من القب ول‪ ، ‬ومن ُرزق الش كر مل حيرم‬
‫من الزي ادة‪ ، ‬ومن ُر ِزق التوكل مل حُي رم من الكفاي ة‪ ، ‬ومن رزق االس تغفار مل‬
‫حيرم من املغفرة‪ ، ‬ومن رزق الدعاء مل حيرم من اإلجابة))‪. ‬‬
‫وقيل عن التوبة النصوح‪ : ‬هي التوبة الصادقة من كل الذنوب واخلطايا‪. ‬‬
‫‪ – 2‬الندم‪. ‬‬
‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪(( : ‬الندم توبة‪ ، ‬والتائب من الذنب‬
‫)) (‪. )2‬‬
‫كمن ال ذنب له‬
‫‪ -3‬فرحة التائب بالمغفرة‪: ‬‬
‫فإن التائب الذي جنا من ذنبه وخرج من معصيته كغريق ُأنْ ِق َذ بعد ما رأى‬
‫املوت‪ ، ‬وكم ريض ُش ِفي بعد ما ي أس من الش فاء وك ٍأم وج دت ول دها بعد‬ ‫َ‬

‫(?) رواه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) حس ن ‪ :‬رواه الط براني في الكب ير ‪ ،‬وأب و نعيم في الحلي ة عن أبي س عيد‬ ‫‪2‬‬

‫األنصاري وحسنه األلباني في ((‪ ‬صحيح الجامع‪ )) ‬رقم (‪. )6803‬‬

‫‪- 205 -‬‬


‫ض ياعه منه ا‪ ، ‬ومن ذلك ما فعله كعب بن مالك رضي اهلل عنه حين بُشر‬
‫كرا هلل وتص دق بكث ير من ماله وأعطى‬ ‫َّ‬
‫بالتوبة من الله فقد خ َّر س اج ًدا ش ً‬
‫َّ‬
‫بش َره بالتوبة مالبسه التي يرتديها وهو ال يملك غيرها‪. ‬‬
‫فعن كعب بن مالك رضي اهلل عنه ق ال حني مسع البُش رى‪  : ‬فخ ررت‬
‫((‬

‫رج‪ ، ‬فلما ج ائني ال ذي س معت ص وته يبش رني‬ ‫س اج ًدا وع رفت أنه ج اء ف ٌ‬
‫وبي فكس وتهما إي اه ببش راه‪ ، ‬واللَّه ما أملك غيرهما يومئذ‪.   ‬‬
‫))‬
‫ن زعت له ث َّ‬
‫ول اللَّه ص لى اهلل عليه وس لم ق ال ل ه‪  : ‬إن من توب تي أن أنخلع‬
‫((‬ ‫فلما أتى رس َ‬
‫من مالي صدقة إلى اللَّه وإلى رسوله‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫‪ -4‬البكاء من خشية اهلل‪. ‬‬


‫قال النىب صلى اهلل عليه وسلم‪(( : ‬عينان ال تمسهما النار أب ًدا عين بكت‬
‫)) (‪. )2‬‬
‫من خشية اهلل وعين باتت تحرس فى سبيل اهلل‬
‫بطوع الدمع ىف ظلم اللياىل‬ ‫أال يا عيىن وحيك أسعديىن‬
‫خبري الدهر ىف تلك اللياىل‬ ‫لعلك ىف القيامة أن تفوزى‬
‫إىل أن الرمحة قد ت نزلت‬ ‫ق ال عمر بن ذر‪(( : ‬ما رأيت باكيًا ق َّ‬
‫ط إال ُخيل َّ‬
‫مرفوع ا‪" : ‬ط وىب ملن ملك لس انه‪ ، ‬ووس عه بيت ه‪ ، ‬وبكى‬
‫ً‬ ‫عليه))‪ . ‬وعن ثوب ان‬
‫(‪. )3‬‬
‫على خطيئته"‬
‫وق ال س فيان بن عيين ة‪ : ‬البك اء من مف اتيح التوب ة‪ ، ‬أال ت رى أنه ي رق‬

‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) صحيح ‪ .‬رواه أبو يعلى في ((‪ ‬مسنده‪ ، )) ‬والضياء عن أنس ‪ ،‬وصححه األلب اني‬ ‫‪2‬‬

‫في ((‪ ‬صحيح الجامع‪ )) ‬رقم (‪. )3992‬‬


‫(?) حس ن ‪ .‬رواه الط براني في ((‪ ‬الص غير‪ ، )) ‬وأب و نعيم في ((‪ ‬الحلي ة‪ ، )) ‬وحس نه‬ ‫‪3‬‬

‫األلباني في ((‪ ‬صحيح الجامع‪ )) ‬رقم (‪. )3929‬‬

‫‪- 206 -‬‬


‫فيندم‪. ‬‬
‫وعن جماه د‪ : ‬أن نىب اهلل داود (عليه الس الم) بكى من خطيئته حىت ه اج‬
‫ما حوله‪. ‬‬
‫أيضا من حيائه من اهلل عز وجل‪. ‬‬
‫وقد يكون البكاء ً‬
‫‪ – 4‬تبديل السيئات حسنات‪. ‬‬
‫ِّل اللَّهُ‬ ‫ص الِ ًحا فَُأولَِئ َ‬
‫ك ُيبَ د ُ‬ ‫آم َن َو َع ِم َل َع َماًل َ‬ ‫ق ال تع اىل‪ِ { : ‬إالَّ َم ْن تَ َ‬
‫اب َو َ‬
‫ورا َر ِح ًيما‪[ } ‬الفرقان‪. ]7 : ‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َسيَِّئات ِه ْم َح َسنَات َو َكا َن اللَّهُ غَ ُف ً‬
‫وىف معىن هذه اآلية قوالن‪: ‬‬
‫القول األول‪ : ‬أهنم يبدَّلون مكان عمل السيئات بعمل احلسنات‪. ‬‬
‫روى عن ابن عب اس (رضى اهلل عنهم ا) أنه ق ال ق ال ىف ه ذه اآلي ة‪ : ‬هم‬
‫املؤمن ون ك انوا من قبل إمياهنم على الس يئات ف رغب اهلل هبم عن الس يئات‬
‫فحوهلم إىل احلسنات فأبدهلم مكان السيئات حسنات(‪. )1‬‬
‫وقال عطاء بن أىب رباح‪ : ‬هذا ىف الدنيا يكون الرجل على صفة قبيحة مث‬
‫خريا(‪. )2‬‬
‫يبدله اهلل هبا ً‬
‫وق ال س عيد بن جب ري‪ : ‬أب دهلم اهلل بعب ادة األوث ان عب ادة ال رمحن وأب دهلم‬
‫بقتال املسلمني قتال املشركني وأبدهلم بنكاح املشركات نكاح املؤمنات(‪. )3‬‬
‫وقال احلسن البصرى‪ : ‬أبدهلم اهلل بالعمل السىيء العمل الصاحل‪ ، ‬وأبدهلم‬
‫إسالما(‪. )4‬‬
‫إخالصا‪ ، ‬وأبدهلم بالفجور إحصانًا‪ ، ‬وبالكفر ً‬
‫ً‬ ‫بالشرك‬

‫(?) انظر تفسير ابن كثير (‪. )3/311‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر تفسير ابن كثير (‪. )3/311‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر تفسير ابن كثير (‪. )3/311‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) نفسه ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪- 207 -‬‬


‫"أما الق ول الث اني"‪ : ‬أن تلك الس يئات املاض ية تنقلب بنفس التوبة‬
‫النصوح حسنات(‪: )1‬‬
‫عن أي ذ ٍر قال‪ : ‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وس لم‪  : ‬إني ألعلم َ‬
‫آخر‬ ‫((‬

‫خروجا منها‪ ، ‬رجل يؤتى به يوم‬


‫ً‬ ‫أهل الجنةُ دخوالً الجنة‪ ، ‬وآخر أهل النار‬
‫القيام ة‪ ، ‬فيق ال‪ : ‬اعرض وا عليه ص غار ذنوب ه‪ ، ‬وارفع وا عنه كباره ا‪، ‬‬
‫غار ذنوب ه‪ ، ‬فيق ال‪ : ‬عملت ي وم ك ذا وك ذا ك ذا وك ذا‪، ‬‬
‫فتع رض عليه ص ُ‬
‫وعملت ي وم ك ذا وك ذا ك ذا وك ذا‪ ، ‬فيق ول‪ : ‬نعم‪ ، ‬ال يس تطيع أن ينكر‬
‫فإن لك مكان كل‬ ‫وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تُعرض عليه‪ ، ‬فيقال له‪َّ : ‬‬
‫عملت أش يًئا ال أراها هاهنا‪ .   ‬فلقد رأيت‬
‫))‬
‫ُ‬ ‫س ٍ‬
‫يئة حس نةً‪ ، ‬فيق ول‪ : ‬رب قد‬
‫رسول اللَّه صلى اهلل عليه وسلم يضحك حىت بدت نواجذه(‪. )2‬‬
‫خامسا‪ : ‬من موانع المغفرة‪: ‬‬
‫ً‬
‫‪ – 1‬الشرك‪: ‬‬
‫ف إن املش رك قد كفر باللَّه ال ذي له ص فة املغف رة وال ذي ال يغفر س واه‪، ‬‬
‫فكيف يُ ْغ َفر ملن كفر مبن يغفر ال ذنوب ويسرت العي وب‪ ، ‬ول ذلك ق ال تع اىل‪: ‬‬
‫{‪ِ ‬إ َّن اللَّهَ الَ َي ْغ ِف ُر َأ ْن يُ ْش َر َك بِ ِه َو َي ْغ ِف ُر َما ُدو َن ذَلِ َك لِ َم ْن يَ َشاءُ‪[ } ‬النساء‪.]48 : ‬‬
‫‪ – 2‬أصحاب البدع‪: ‬‬
‫فكما أن أصحاب البدع يريدون للناس الضالل وحيبون حياة الظالم فإن‬
‫اهلل ال خيرجهم إىل نور التوبة واهلداية‪ ، ‬حىت يتوبوا من ذلك‪. ‬‬
‫فعن أنس (رضى اهلل عن ه) ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪: ‬‬

‫(?) نفسه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه مسلم (‪ ، )1/314‬وأحمد (‪ ، )5/170‬والترمذي (‪. )4/2596‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 208 -‬‬


‫)) (‪. )1‬‬ ‫((إن اهلل حجب التوبة عن كل صاحب ٍ‬
‫بدعة حتى يَ َدع بدعته‬
‫‪ – 3‬المجاهرة بالمعاصى‪: ‬‬
‫فكما أن العاصى ال يس تحى من ذنبه وجيهر به ف إن اهلل ال يسرت عيبه وال‬
‫يغفر ذنب ه‪ . ‬فعن أىب هري رة (رضى اهلل عن ه) ق ال‪ : ‬مسعت رس ول اهلل يق ول‪: ‬‬
‫الرجل بالليل‬
‫ُ‬ ‫((كل أمتى معافى إال المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل‬
‫عمالً ثم يصبح وقد ستره اهلل‪ ، ‬فيقول‪ : ‬يا فالن عملت البارحة كذا وكذا‬
‫)) (‪. )2‬‬
‫وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر اهلل عنه‬
‫‪ -4‬طلوع الشمس من مغربها‪: ‬‬
‫وذلك حني يتغري نظام الكون وال يكون أح ٌد من الناس على وجه األرض‬
‫نفس ا إمياهنا مل تكن آمنت من قبل أو‬
‫إال آمن‪ ، ‬ولكن ه ذا موضع ال ينفع ً‬
‫كس بت يف إمياهنا خ ًريا‪ . ‬عن أيب هري رة رضي اهلل عنه ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬من ت اب قبل أن تطلع الش مس من مغربه ا‪ ، ‬ت اب‬
‫((‬

‫اهلل عليه‪. )3(  ‬‬


‫))‬

‫وعن أيب موسى األش عري رضي اهلل عنه عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫قال‪  : ‬إن اللَّه تعالى يبسط يده بالليل ليت وب مسيءُ النهار‪ ، ‬ويبسط يده‬ ‫((‬

‫بالنهار ليتوب مسيءُ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها‪. )4(  ‬‬


‫))‬

‫(?) أخرجه الطبراني في األوسط (‪ ، )4202‬والبيهقي في الشعب (‪ ، )9457‬وقال‬ ‫‪1‬‬

‫المنذري في الترغيب والترهيب ‪ : 1/86‬إسناده حسن ‪ .‬وانظر السلس لة الص حيحة‬


‫(‪. )1620‬‬
‫(?) أخرجه البخاري (‪ ، )6069‬ومسلم (‪. )2990‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪- 209 -‬‬


‫‪ -5‬الغرغرة‪: ‬‬
‫عن عبد اللَّه بن عمر رضي اهلل عنهما عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪: ‬‬
‫‪ ‬إن اهلل عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر‪. )1(  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫‪ -6‬الهجران بين المسلمين‪: ‬‬


‫عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪ : ‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪: ‬‬
‫ال في كل اث نين وخميس َفيغْ ِف ُر اللَّهُ لكل ام رٍئ ال يُ ْش ُ‬
‫رك‬ ‫ض األعم ُ‬ ‫‪ُ  ‬ت ْع َر ُ‬
‫((‬

‫َّ‬
‫رءا ك انت بينه وبين أخيه ش حناء فيق ول اترك وا ه ذين‬ ‫بالله ش يًئا‪ ، ‬إالَّ ام ً‬
‫حتى يصطلحا‪. )2(  ‬‬
‫))‬

‫سادسا‪ : ‬من أسباب المغفرة‪: ‬‬


‫ً‬
‫ف إن اللَّه برمحته قد جعل للمغف رة أس بابًا يُيَ ِّس ُرها ملن ش اء ويوفق إليها من‬
‫يريد‪ ، ‬وسنعرض فيما يلي لبعض هذه األسباب‪ ، ‬وهي كما يلي‪: ‬‬
‫‪ – 1‬اإلسالم يكفر كل ما سبق من السيئات‪. ‬‬
‫عن أىب س عيد اخلدرى (رضى اهلل عن ه) ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل‬
‫كل سيئة كان‬ ‫إسالمه‪ ، ‬يُ ِّ‬
‫كف ُر اهللُ عنه َّ‬ ‫فحس َن‬ ‫((‬
‫ُ‬ ‫عليه وسلم‪ : ‬إذا أسلم العب ُد ُ‬
‫القصاص‪ ، ‬الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف‬ ‫ُ‬ ‫زلَّفها وكان بعد ذلك‬
‫)) (‪. )3‬‬
‫والسيئة بمثلها إال أن يتجاوز اهلل عنها‬
‫‪ – 2‬الموت على التوحيد‪. ‬‬

‫(? ) رواه الترمذي ‪ ،‬وقال ‪ :‬حديث حسن ‪ .‬يغرغر ‪ :‬أي ‪ :‬ما لم تبلغ روحه حلقوم ه‬ ‫‪1‬‬

‫في سكرات الموت ‪.‬‬


‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أخرجه البخاري (‪. )41‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 210 -‬‬


‫ق ال تع اىل ىف احلديث القدس ى‪ (( : ‬يا ابن آدم إنك لو أتيت نى بق راب‬
‫)) (‪. )1‬‬
‫األرض خطايا ثم لقيتنى ال تشرك بى شيًئا ألتيتك بقرابها مغفرة‬
‫‪ – 3‬اإلتباع لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪. ‬‬
‫ق ال تع اىل‪ { : ‬قُ ْل ِإ ْن ُك ْنتُ ْم تُ ِحبُّو َن اللَّهَ فَ اتَّبِعُونِي يُ ْحبِْب ُك ُم اللَّهُ َو َيغْ ِف ْر لَ ُك ْم‬
‫ذُنُوبَ ُك ْم‪[ } ‬احلجرات‪. ]14 : ‬‬
‫‪ – 4‬األذان‪. ‬‬
‫ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪ (( : ‬إن اهلل ومالئكته يص لون على‬
‫الصف المق دم والم ؤذن يغفر له م َّد ص وته‪ ، ‬ويُ َ‬
‫ص دِّقه من س معه من رطب‬
‫)) (‪. )2‬‬
‫مثل أجر من صلى معه‬
‫ويابس‪ ، ‬وله ُ‬
‫‪ – 5‬الذكر عند األذان‪. ‬‬
‫عن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم أنه ق ال‪ (( : ‬من ق ال حين يس مع‬
‫الم ؤذِّن‪ : ‬وأنا أش هد أن ال إله إال اهلل وح ده ال ش ريك ل ه‪ ، ‬وأن محم ًدا‬
‫عب ده ورس وله‪ ، ‬رض يت باهلل ربًا وبمحم ٍد رس والً وباإلس الم دينًا غُ ِف َر له‬
‫)) (‪. )3‬‬
‫ذنبه‬
‫‪ – 6‬إحسان الوضوء‪. ‬‬
‫عن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم أنه ق ال‪ (( : ‬من َّ‬
‫توض أ فأحسن‬

‫(?) أخرج ه الترم ذي (‪ )3540‬من ح ديث أنس رض ي هللا عن ه ‪ .‬وق ال ‪ :‬حس ن‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح ‪ .‬وانظر صحيح جامع الترمذي (‪. )2805‬‬


‫(?) أخرجه أحمد ‪ ، 4/284‬والنسائي (‪ ، )645‬من حديث البراء ‪ ،‬رضي هللا عنه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫وانظر صحيح الجامع (‪. )1837‬‬


‫(?) أخرجه مسلم (‪ )386‬من حديث سعد بن أبي وقاص ‪ ،‬رضي هللا عنه ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 211 -‬‬


‫))(‪. )1‬‬
‫الوضوء‪ ، ‬خرجت خطاياه من جسده‪ ، ‬حتى تخرج من تحت أظافره‬
‫‪ – 8 ، 7‬المشى إلى المسجد وانتظار الصالة‪. ‬‬
‫عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪ (( : ‬أال أدلكم على ما يمحو‬
‫اهلل به الخطايا ويرفع به ال درجات‪ ‬؟‪  ‬ق الوا‪ : ‬بلى يا رس ول اللَّه‪ ، ‬ق ال‪: ‬‬
‫))‬

‫‪ ‬إس باغ الوض وء على المك اره وك ثرة الخطا إلى المس اجد‪ ، ‬وانتظ ار‬ ‫((‬

‫))(‪. )2‬‬
‫ط‪ ، ‬فذلكم الرباط‪ ، ‬فذلكم الرباط‬
‫فذلكم الربا ُ‬
‫ُ‬ ‫الصالة بعد الصالة‬
‫وعن أىب هري رة (رضى اهلل عن ه) ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم‪(( : ‬من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بي وت اللَّه‪ ، ‬ليقضي‬
‫فريضة من ف رائض اهلل‪ ، ‬ك انت خطواته إح داها تحط خطيئة‪ ، ‬واألخ رى‬
‫)) (‪. )3‬‬
‫ترفع درجة‬
‫‪ – 9‬الصالة‪. ‬‬
‫عن أىب هري رة (رضى اهلل عن ه) ق ال‪ : ‬مسعت رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس‬ ‫((‬
‫وسلم يقول‪ : ‬أرأيتم لو أن ً‬
‫م رات هل يبقى من درنه ش ىء‪ ‬؟ ق الوا‪ : ‬ال يبقى من درنه ش يء‪ . ‬ق ال‪: ‬‬
‫))(‪. )4‬‬
‫مثل الصلوات الخمس يمحو اهلل بهن الخطايا‬
‫فذلك ُ‬
‫وعن عثم ان بن عف ان (رضى اهلل عن ه) ق ال‪ : ‬مسعت رس ول اهلل ص لى اهلل‬
‫رىء مس لم تحض ره ص الة مكتوبة فيحسن‬ ‫عليه وس لم يق ول‪(( : ‬ما من ام ٍ‬

‫(?) أخرجه مسلم (‪ )245‬من حديث عثمان ‪ ،‬رضي هللا عنه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫هَّللا‬
‫(?) أخرجه مسلم ( ‪ 1‬ق ‪ ) 2‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي عنه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أخرجه مسلم (‪. )666‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أخرجه البخاري (‪ ، )528‬ومسلم (‪ . )667‬والدرن ‪ :‬الوسخ ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪- 212 -‬‬


‫وضوءها وخشوعها وركوعها إال كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم‬
‫ُّ ))(‪. )1‬‬ ‫ي ِ‬
‫ؤت كبيرةً وذلك َّ‬
‫الد ْه ُر كلهُ‬ ‫ُ‬
‫‪ – 10‬صالة الجمعة‪. ‬‬
‫عن أىب هريرة (رضى اهلل عنه) قال‪ : ‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ق ال‪ (( : ‬من اغتس ل‪ ، ‬ثم أتى الجمعة فص لى ما قُ دِّر ل ه‪ ، ‬ثم أنصت ح تى‬
‫ام من خطبت ه‪ ، ‬ثم يص لى مع ه‪ ، ‬غُ ِفر له ما بينه وبين الجمعة‬ ‫يف رغ اإلم ُ‬
‫))(‪. )2‬‬
‫األخرى‪ ، ‬وفضل ثالثة أيام‬
‫‪ – 11‬صالة ركعتين بعد الوضوء‪. ‬‬
‫يقبل عليها بقلبه ووجه ه‪ : ‬عن النىب ص لى اهلل عليه وس لم أنه ق ال‪ (( : ‬ما‬
‫منكم من أحد يتوضأ فيس بغ الوض وء ثم يق وم ف يركع ركع تين‪ُ ، ‬ي ْقبِ ُل‬
‫))(‪. )3‬‬
‫عليهما بقلبه ووجهه‪ ، ‬إال وجبت له الجنة وغُ ِفر له‬
‫‪ – 12‬من وافق تأمي ُنه تأمين المالئكة‪. ‬‬
‫قال أبو هريرة (رضى اهلل عنه)‪ : ‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪(( : ‬‬
‫أمين المالئك ِة غفر له ما تق دم‬
‫ام ف ِّأمنوا فإنه من وافق تأمينُه ت َ‬
‫إذا َّأمن اإلم ُ‬
‫))(‪. )4‬‬
‫من ذنبه‬
‫‪ – 13‬السجود‪. ‬‬
‫ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪ (( : ‬إنك ال تس جد هلل س جدة إال‬
‫(?) أخرجه مسلم (‪. )228‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرجه مسلم (‪. )857‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أخرجه أحمد ‪ ،4/146‬ومسلم (‪ ، )234‬من حديث عقبة بن ع امر ‪ ،‬رض ي هللا‬ ‫‪3‬‬

‫عنه ‪.‬‬
‫(?) أخرجه البخاري (‪ ، )780‬ومسلم (‪. )410‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪- 213 -‬‬


‫))(‪. )1‬‬ ‫رفعك اهللُ بها درجة‪َّ ، ‬‬
‫وحط عنك بها خطيئة‬
‫‪ – 14‬الذكر ُد ُب ُر كل صالة‪. ‬‬
‫عن أىب هري رة (رضى اهلل عن ه) ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫وحمد اهلل ثالثًا‬ ‫((‬
‫وس لم‪ : ‬من س بح اهلل فى ُدبُر ك ِّل ص الة ثالثًا وثالثين‪َ ، ‬‬
‫وثالثين‪ ، ‬وكبَّر اهلل ثالثًا وثالثين فتلك تسع وتس عون وق ال تم ام المائة ال‬
‫إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد‪ ، ‬وهو على كل ٍ‬
‫شىء‬
‫))(‪. )2‬‬
‫قدير‪ ، ‬غُفرت خطاياه‪ ،‬وإن كانت مثل َزبَد البحر‬
‫‪ – 15‬قيام الليل‪. ‬‬
‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ (( : ‬عليكم بقيام الليل‪ ، ‬فإنه دأب‬
‫الصالحين قبلكم‪ ،‬وإن قيام الليل قربةٌ إلى اهلل‪ ، ‬ومنهاة عن اإلثم‪ ، ‬وتُكف ير‬
‫))(‪. )3‬‬
‫للسيئات‪ ، ‬ومطردة للداء عن الجسد‬
‫‪ – 16‬الصدقة‪. ‬‬
‫ق ال النىب ص لى اهلل عليه وس لم‪ (( : ‬والص دقة تطفىء الخطيئةَ كما‬
‫))(‪. )4‬‬
‫النار‬
‫يطفىء الماءُ ُ‬
‫‪ – 17‬صيام رمضان‪. ‬‬
‫قال النىب صلى اهلل عليه وسلم‪ (( : ‬من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُ ِفر‬
‫(?) أخرجه مسلم (‪ )488‬من حديث ثوبان وأبي الدرداء ‪ ،‬رضي هللا عنهما ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرجه مسلم (‪ )597‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي هللا عنه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ص حيح ‪ :‬رواه أحم د ‪ ،‬والترم ذي ‪ ،‬والح اكم ‪ ،‬وال بيهقي في س ننه عن بالل ‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫وصححه األلباني في صحيح الجامع ( رقم ‪. )4079‬‬


‫(?) صحيح ‪ :‬رواه أحمد في مسنده ‪ ،‬والترمذي والحاكم في المس تدرك ‪ ،‬وال بيهقي‬ ‫‪4‬‬

‫في ش عب اإليم ان ‪ ،‬وابن ماج ه ‪ ،‬وص ححه األلب اني في ص حيح الج امع ( رقم‬
‫‪. )5136‬‬

‫‪- 214 -‬‬


‫))(‪. )1‬‬
‫له ما تقدم من ذنبه‬
‫‪ – 18‬قيام رمضان‪. ‬‬
‫قال النىب صلى اهلل عليه وسلم‪ (( : ‬من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر‬
‫))(‪. )2‬‬
‫له ما تقدم من ذنبه‬
‫‪ – 19‬قيام ليلة القدر‪. ‬‬
‫ق ال النىب عليه الص الة والس الم‪ (( : ‬من ق ام ليلة الق در إيمانًا واحتس ابًا‬
‫))(‪. )3‬‬
‫غُ ِفر له ما تقدم من ذنبه‬
‫‪ – 20‬صوم يوم عرفة‪. ‬‬
‫قال النىب صلى اهلل عليه وسلم‪ (( : ‬صوم ي وم عرفة يكفر س نتين ماضية‬
‫))(‪. )4‬‬
‫ومستقبلة‬
‫‪ – 21‬صوم عاشوراء‪. ‬‬
‫قال النىب صلى اهلل عليه وسلم‪ … (( : ‬صوم عاشوراء يُ ِّ‬
‫كفر سنة ماضية‬
‫))(‪. )5‬‬

‫‪ – 22‬الحج المبرور‪. ‬‬
‫ق ال النىب ص لى اهلل عليه وس لم‪ (( : ‬من حج ه ذا ال بيت فلم ي رفث ولم‬
‫))(‪. )6‬‬
‫يفسق رجع كيوم ولدته ُُّأمه‬

‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) رواه أحمد ومسلم والترمذي ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) رواه أحمد ومسلم والترمذي ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي هللا عنه ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪- 215 -‬‬


‫الحج يه دم ما ك ان قبله ))(‪ . )1‬أي يه دم ما‬
‫أيض ا‪ ... (( : ‬وأن َّ‬
‫وق ال ً‬
‫كان قبله من الذنوب‪. ‬‬
‫الع ْمرة‪. ‬‬
‫‪ُ – 23‬‬
‫ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪ (( : ‬العم رة إلى العم رة كف ارة لما‬
‫))(‪. )2‬‬
‫بينهما …‬
‫أيض ا‪ (( : ‬تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب‬
‫وقال ً‬
‫))(‪. )3‬‬
‫الكير خبث الحديد‬
‫كما ينفى ُ‬
‫‪ – 24‬مسح الحجر األسود والركن اليمانى‪. ‬‬
‫عمر رضى اهلل عنهما قال‪ : ‬قال النىب صلى اهلل عليه وسلم‪(( : ‬إن‬
‫عن ابن ُ‬
‫))(‪. )4‬‬
‫مسح الحجر األسود والركن اليمانى يحطان الخطايا حطَّا …‬
‫‪ – 25‬الشهادة فى سبيل اهلل‪. ‬‬
‫عن املقدام بن معديكرب (رضى اهلل عنه) قال‪ : ‬قال رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وس لم‪ (( : ‬للش هيد عند اهلل ست خص ال‪ : ‬يُغفر له فى أول دفعة من‬
‫دمه‪ ، ‬ويرى مقعده من الجنة‪ ، ‬ويجار من عذاب القبر‪ ، ‬ويأمن من الفزع‬
‫األك بر‪ ، ‬ويحلى حلة اإليم ان‪ ، ‬وي زوج من الح ور العين‪ ، ‬ويش فع فى‬
‫))(‪. )5‬‬
‫سبعين إنسانًا من أقاربه‬
‫(?) رواه مسلم في صحيحه عن عمرو بن العاص ‪ ،‬وصححه األلب اني في ص حيح‬ ‫‪1‬‬

‫الجامع ( رقم ‪. 1/283 )1329‬‬


‫(?) رواه مالك والبخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) تقدم تخريجه ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) صحيح ‪ :‬رواه أحم د في مس نده ‪ ،‬والترم ذي ‪ ،‬وص ححه األلب اني في ص حيح‬ ‫‪4‬‬

‫الجامع ( رقم ‪.)2194‬‬


‫(?) رواه الترم ذي (‪ )7/161‬فض ائل الجه اد ‪ ،‬وق ال ‪ :‬ه ذا ح ديث حس ن ص حيح‬ ‫‪5‬‬

‫‪- 216 -‬‬


‫وعن عبد اهلل بن عمرو بن العاص (رضى اهلل عنهما) أن رسول اهلل صلى‬
‫))(‪. )1‬‬
‫اهلل عليه وسلم قال‪(( : ‬يُغفر للشهيد كل ذنب إال الدين‬
‫‪ – 26‬ذكر اهلل‪. ‬‬
‫التسبيح‪ : ‬عن سعد (رضى اهلل عنه) قال‪ : ‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪(( : ‬أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة‪ ‬؟‪  ‬فسأله سائل من‬
‫))‬

‫جلس ائه‪ : ‬كيف يكسب أح دنا ألف حس نة‪ ‬؟ ق ال‪  : ‬يس بح مائة تس ٍ‬
‫بيحة‬ ‫((‬

‫))(‪. )2‬‬
‫ألف خطيئة‬
‫ب له ألف حسنة‪ ، ‬أو يُحط عنه ُ‬
‫فيُكتَ ُ‬
‫‪ – 27‬قول سبحان اهلل وب ـحمده ‪. ‬‬
‫عن أىب هري رة (رضى اهلل عن ه) ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم‪(( : ‬من ق ال س بحان اهلل وبحم ده فى ي وم مائة م رة ُحطَّت خطاي اه‪، ‬‬
‫وإن ك انت مثل زبد البحر))(‪ . )3‬وىف رواي ة‪ (( : ‬من ق ال حين يمسى وحين‬
‫يصبح))‪. ‬‬
‫‪ – 28‬الصالة على النبى عليه الصالة والسالم‪. ‬‬
‫عن أنس (رضى اهلل عن ه) ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪: ‬‬
‫ت عنه‬‫وحطَّ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫((من صلى َّ‬
‫ص لوات ُ‬ ‫على صالة واحدةً‪ ، ‬صلى اهلل عليه عشرة َ‬
‫ورفِ ْ‬
‫))(‪. )4‬‬
‫عت له عشر درجات‬ ‫عشر خطيئات ُ‬
‫غريب ‪ ،‬وابن ماجه (‪ )2799‬واللفظ له ‪ ،‬وأحمد (‪ ، )4/131‬وصححه األلباني ‪.‬‬
‫(?) رواه مسلم (‪ )13/30‬اإلمارة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ص حيح ‪ :‬رواه مس لم ‪ ،‬وأحم د في مس نده ‪ ،‬والنس ائي عن س عد ‪ ،‬وص ححه‬ ‫‪2‬‬

‫األلباني في صحيح الجامع ( رقم ‪. 1/520 )2665‬‬


‫(?) رواه البخاري ومسلم ‪ ،‬وأحمد ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬وابن ماجه ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) ص حيح ‪ :‬رواه أحم د في مس نده ‪ ،‬والبخ اري في األدب المف رد والنس ائي ‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫والحاكم عن أنس ‪ ،‬ورواه ابن حبان في ص حيحه ‪ ،‬وص ححه األلب اني في ص حيح‬

‫‪- 217 -‬‬


‫‪ – 29‬كفارة المجلس‪. ‬‬
‫عن جبري بن مطعم (رضى اهلل عن ه) ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم‪(( : ‬من ق ال‪ : ‬س بحان اهلل وبحم ده‪ ، ‬س بحانك اللهم وبحم دك‪، ‬‬
‫أش هد أن ال إله إال أنت‪ ، ‬اس تغفرك وأت وب إلي ك‪ ، ‬فقالها فى مجلس ذكر‬
‫))(‪. )1‬‬
‫كانت كالطابع يُطبع عليه ومن قالها فى مجلس لغ ٍو كانت كفارة له‬
‫‪ – 30‬العفو عن الناس‪. ‬‬
‫ص َف ُحوا َأالَ تُ ِحبـُّو َن َأ ْن َيغْ ِف َر اللَّهُ لَ ُك ْم‪[ } ‬النور ]‪. ‬‬
‫قال تعاىل‪َ  { : ‬ولَْي ْع ُفوا َولْيَ ْ‬
‫عن أىب هري رة (رضى اهلل عن ه) ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم‪ (( : ‬ك ان رج ٌل ي داين الن اس فك ان يق ول لفت اه‪ : ‬إذا أتيت ُمعس ًرا‬
‫))(‪. )2‬‬
‫لعل اهلل أن يتجاوز عنا‪ ، ‬فلقى اهلل فتجاوز عنه‬
‫فتجاوز عنه َّ‬
‫‪ – 31‬السهولة فى التجارة‪. ‬‬
‫عن ج ابر (رضى اهلل عن ه) ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪: ‬‬
‫((غفر اهلل لرجل ممن ك ان قبلكم‪ ، ‬ك ان س هالً إذا ب اع س هالً إذا اش ترى‬
‫))(‪. )3‬‬
‫سهالً إذا اقتضى‬
‫‪ – 32‬إماطة األذى عن طريق المسلمين‪. ‬‬
‫قال النىب صلى اهلل عليه وسلم‪ (( : ‬بينما رجل يمشى بطريق وجد غصن‬
‫الج امع ( رقم ‪ ،)2/1088 ،6359‬وأخرج ه مس لم من ح ديث أبي هري رة ‪ ،‬ب دون‬
‫قوله ‪ (( :‬حطت ‪. )) ...‬‬
‫(?) صحيح ‪ :‬رواه النس ائي ‪ ،‬والح اكم وص ححه ‪ ،‬وص ححه األلب اني في ص حيح‬ ‫‪1‬‬

‫الجامع ( رقم ‪.)6430‬‬


‫(?) رواه أحمد ‪ ،‬والبخاري ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬والنسائي ‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) صحيح ‪ :‬رواه أحم د ‪ ،‬والترم ذي ‪ ،‬وال بيهقي في س ننه ‪ ،‬وص ححه األلب اني في ص حيح‬
‫الجامع (‪ ‬رقم ‪. )4162‬‬

‫‪- 218 -‬‬


‫))‪. ‬‬ ‫ٍ‬
‫شوك على الطريق فأخَّره ف َش َك َر اهللُ له فغفر له‬
‫وىف رواية ق ال‪ (( : ‬لقد رأيت رجالً يتقلب فى الجنة فى ش جرة قطعها‬
‫))(‪. )1‬‬
‫من ظهر الطريق كانت تؤذى المسلمين‬
‫‪ – 33‬عيادة المريض‪. ‬‬
‫عن على (رضى اهلل عن ه) ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪: ‬‬
‫مريض ا ممس يًا إال خ رج معه س بعون ألف ملك‬
‫ود ً‬ ‫(( ما من رج ٍل يع ُ‬
‫بحا‪ ،‬خرج معه سبعون ألف ملك‬
‫ص ً‬‫يستغفرون له حتى يصبح‪ ، ‬ومن أتاه ُم ْ‬
‫يستغفرون له حتى يمسى))(‪.)2‬‬
‫‪ – 34‬تغسيل المسلم وتكفينه‪. ‬‬
‫فس َت َرهُ‪َ ، ‬س َت َره‬ ‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ (( : ‬من َّ‬
‫غس ل ميتًا َ‬
‫))(‪. )3‬‬
‫اهللُ من الذنوب‪ ، ‬ومن َّ‬
‫كفنه‪ ، ‬كساه اهلل من السندس‬
‫‪ – 35‬من صلى عليه مائة عند موته‪. ‬‬
‫عن ابن عمر (رضى اهلل عنهم ا) ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫))(‪. )4‬‬
‫وسلم‪(( : ‬ما من رجل يصلِّى عليه مائة إال غُ ِفر له‬
‫‪ – 36‬مصافحة المسلم أخاه‪. ‬‬
‫ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪ (( : ‬إذا تص افح المس لمان‪ ، ‬لم‬
‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ص حيح ‪ :‬رواه أب و داود ‪ ،‬والح اكم ‪ ،‬وص ححه الح اكم واأللب اني في ص حيح‬ ‫‪2‬‬

‫الجامع ( رقم ‪.)5717‬‬


‫أيض ا ابن بش ران‬
‫(?) حس ن ‪ :‬رواه الط براني في الكب ير عن أبي أمام ة ‪ ،‬ورواه ً‬ ‫‪3‬‬

‫وحسنه األلباني في صحيح الجامع ( رقم ‪. )6403‬‬


‫‪4‬‬
‫(?) صحيح‪ :‬رواه الطبراني في الكبير ‪ ،‬وأبو نعيم في الحلية ‪ ،‬وصححه األلب اني في ص حيح‬
‫الجامع (‪ ‬رقم ‪.)5716‬‬

‫‪- 219 -‬‬


‫))(‪. )1‬‬
‫تفرق أ ُك ُّفهما حتى ُي ْغ َفر لهما‬
‫َّ‬
‫‪ – 37‬البالء‪. ‬‬
‫ىب ص لى اهلل عليه‬ ‫عن أىب س عيد وأىب هري رة (رضى اهلل عنهم ا) عن الن ِّ‬
‫ب وال َه ِّم وال َح َزن‬‫ص ٍ‬ ‫يب المس لم من نص ٍ‬ ‫((‬
‫ب وال َو َ‬ ‫وس لم ق ال‪ : ‬ما يُص ُ‬
‫))(‪. )2‬‬
‫الشو َكةَ يُ َشا ُكها إال َك َّف َر اهلل بها من خطاياه‬
‫ى وال غَ ِّم حتى َّ‬
‫وال أ َذ ً‬
‫النصب‪ : ‬أى التعب‪ ، ‬والوصب‪ : ‬أى املرض‪. ‬‬
‫بالح َّمى‪. ‬‬
‫‪ – 38‬المرض ُ‬
‫عن ج ابر (رضى اهلل عن ه) ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪- ‬‬
‫آدم كما‬
‫الح َّمى‪ ، ‬فإنها ت ذهب خطايا ب نى َ‬ ‫((‬
‫تس بِّى ُ‬ ‫ألم الس ائب‪ : - ‬ال ُ‬
‫))(‪. )3‬‬
‫الكير خبث الحديد‬ ‫ِ‬
‫ب ُ‬ ‫يُذه ُ‬
‫‪ – 39‬الصرع‪. ‬‬
‫عن أىب ُأمامة (رضى اهلل عنه) قال‪ : ‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪: ‬‬
‫))(‪. )4‬‬ ‫((‬
‫ما من عبد يصرعُ صرعةً من مرض‪ ، ‬إالَّ بعثه اهللُ منها ً‬
‫طاهرا‬
‫‪ – 40‬رحمة الحيوان‪. ‬‬
‫عن أىب هري رة (رضى اهلل عن ه) أنه ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬

‫‪1‬‬
‫(?) صحيح ‪ :‬رواه الطبراني في الكبير عن أبي أمامة ‪ ،‬وصححه األلباني في صحيح الج امع‬
‫( رقم ‪. )433‬‬
‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ص حيح ‪ :‬رواه مس لم عن ج ابر ‪ ،‬والبخ اري في األدب المف رد ‪ ،‬وابن س عد ‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫وصححه األلباني في صحيح الجامع ( رقم ‪. )7323‬‬


‫(?) صحيح ‪ :‬رواه الطبراني في الكبير ‪ ،‬والضياء عن أبي أمام ة ‪ ،‬وك ذا رواه ابن‬ ‫‪4‬‬

‫أبي الدنيا ‪ ،‬وصححه األلباني في صحيح الجامع ( رقم ‪. )5743‬‬

‫‪- 220 -‬‬


‫وس لم‪ (( : ‬بينما كلب يُطيف(‪َ )1‬بركيَّ ٍة(‪ )2‬قد ك اد يقتله العطش إذ رأته بَ ِغ ُّى‬
‫))(‪. )3‬‬
‫ت موقها فاستقت لهُ بِ ِه فسقته فغُِفر لها به‬‫من بغايا بنى إسرائيل َفَن َز َع ْ‬
‫سن الظن باهلل تعالى‪. ‬‬
‫‪ُ -41‬ح ْ‬
‫ق ال تع اىل ىف احلديث القدس ى‪ (( : ‬أنا عند ظن عب دى بى‪ ، ‬وأنا معه‬
‫))(‪. )4‬‬
‫حيث يذكرنى‬
‫فمن ظن أنه يرمحه رمحه‪ ، ‬ومن ظن أنه يغفر له غفر له‪. ‬‬
‫عن ابن عب اس (رضى اهلل عنهم ا) ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫درة على مغف رة ال ذنوب‪، ‬‬‫وس لم‪(( : ‬ق ال اهلل تع الى‪ : ‬من علم أنى ذو ق ٍ‬
‫))(‪. )5‬‬
‫غفرت له وال أبالى‪ ، ‬ما لم يشرك بى شيًئا‬
‫فعلى العبد املؤمن احملب لربه أن يع رف مجيل ص فحه ويرجو عظيم عف وه‬
‫وليقول بلسان حاله‪: ‬‬
‫ِ‬
‫لعفوك ُسلَّما‬ ‫جعلت الرجا مىن‬ ‫فلما قسى قلىب وضاقت مذاهىب‬
‫رىب كان عفوك أعظما‬ ‫تعاظمىن ذنىب فلما قرنته بعفوك‬
‫***‬
‫شيء في مغفرته‬
‫ٌ‬ ‫سابعا ‪ :‬ليس كمثله‬
‫ً‬
‫‪ -1‬فمن يغفر من الناس إمنا يغفر أخطاءً دون أخرى ‪ ،‬فقد يغفر الصغائر‬

‫(?) يُطيف ‪ :‬يدور حول الشىء ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ف‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬


‫(?) َر ِكيَّة ‪ :‬وهى البئر ‪ ،‬و((‪ ‬الموق‪ : )) ‬الخ ُّ‬ ‫‪2‬‬

‫(?) رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) رواه مس لم (‪ )4/19‬في ال ذكر وال دعاء عن أبي هري رة رض ي هللا عن ه ‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫والبخاري في األدب المفرد‪. ‬‬


‫‪5‬‬
‫َّ‬
‫وحس نه األلب اني في ص حيح‬ ‫(?) حس ن ‪ :‬رواه الط براني في الكب ير ‪ ،‬والح اكم وص ححه ‪،‬‬
‫الجامع (رقم ‪. )4330‬‬

‫‪- 221 -‬‬


‫دون الكب ائر ويعفو عن القليل دون الكثري وإذا غفر ذنبًا كب ًريا قد يت ذكره‬
‫لص احبه بعد حني فيؤمله ذلك ويثري عليه أحق اده وض غائنه م ر ًة ُأخ رى ‪ ،‬وقد‬
‫ح دث مثل ه ذا لعمر بن اخلط اب رضي اهلل عنه حني أس لم الرجل ال ذي قتل‬
‫زيد بن اخلطاب أخا عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه ‪ ،‬فقد كان يكره النظر إىل‬
‫ه ذا الرجل ‪ ،‬أما اللَّه عز وجل فإنه يغفر ال ذنوب ً‬
‫مجيعا مهما َعظُ َمت كما‬
‫سلف يف الشرح ‪.‬‬
‫الناس ملن أساء إليهم مضطرين إىل ذلك ملصلحة هلم عند من‬
‫‪ -2‬قد يغفر ُ‬
‫ٍ‬
‫لضعف منهم ‪.‬‬ ‫آذاهم أو خشية ممَّن ظلمهم أو‬
‫أما اللَّه عز وجل فإنه يغفر عن ع زة ‪ ،‬فقد أخرب اللَّه عن نبيه عيسى أنه‬
‫ت الْع ِزيز ال ِ‬ ‫اد َك َوِإ ْن َتغْ ِف ْر لَ ُه ْم فَِإ نَّ َ‬ ‫ِ‬
‫يم‪} ‬‬ ‫ْحك ُ‬ ‫ك َأنْ َ َ ُ َ‬ ‫قال‪ِ { :‬إ ْن ُت َع ِّذ ْب ُه ْم فَ ِإ َّن ُه ْم عبَ ُ‬
‫[‪ ‬املائدة ‪. ] 118 :‬‬
‫ِ‬ ‫ِإ َّ‬
‫ويعفو عن ق درة ‪ .‬ق ال تع اىل ‪ { :‬فَ َّن اللهَ َك ا َن َع ُف ًّوا قَ ً‬
‫ديرا‪ [ } ‬النس اء ‪:‬‬

‫‪.] 149‬‬
‫‪ -3‬قد يغفر الن اس عن جه ٍل بعظيم اجلناية اليت ارتُ ِكبَت يف حقهم ‪،‬‬
‫فمنهم من لو علم م دى اإلس اءة من اجلاين وتفاص يل معص يته ومك ره به‬
‫وترص ده له لكي يظفر منه بلحظة غفلة كي يض ره أو يس يء إليه أو علم ما‬
‫ك ان خيفيه يف ص دره من خيانة وس وء طوية ملا اس تطاع أن يغفر له أب ًدا ‪ ،‬أما‬
‫عز وجل فإنه يعلم كل ٍ‬
‫شيء عن معصية العصاة الظاهر من أمرهم والباطن‬ ‫اللَّه َّ َّ‬
‫‪ ،‬ومع ذلك فإنه يغفر وي رحم ويعفو ويتك رم ويتج اوز عما يعلم ‪ ،‬وقد ق ال‬
‫الص ُدو ِ‬ ‫اج َهروا بِ ِه ِإنَّهُ َعلِيم بِ َذ ِ‬ ‫ِ‬
‫ر‪ [ } ‬امللك ‪] 13 :‬‬ ‫ات ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫تعاىل ‪َ  { :‬وَأس ُّروا َق ْولَ ُك ْم َأ ِو ْ ُ‬
‫‪ ،‬لذلك عندما مسع اإلمام أمحد بن حنبل رجالً يقول ‪:‬‬

‫‪- 222 -‬‬


‫يوما فال تقل خلوت ولكن قل علي رقيب‬‫إذا ما خلوت الدهر ً‬
‫وال حتسنب اللَّ َه يغفل ســاعة أو أن ما خُت في عليه يغيب‬
‫فبكى رمحه اللَّه ودخل بيته وأغلق عليه الباب وهو يردد ‪  :‬إذا ما خلوت‬
‫((‬

‫يوما ‪.  ...‬‬
‫))‬
‫الدهر ً‬
‫لذلك قد جاء من الدعاء ‪  :‬اللهم ا ْغ ِف ْر وارحم واعفو َّ‬
‫وتكرم وتجاوز‬ ‫((‬

‫عما تعلم إنك أنت األعز األكرم‪.  ‬‬


‫))‬

‫‪ -4‬قد يغفر العبد التقي لغريه ولكن هل يستطيع أن ميحو سيئات العاصي‬
‫أو أن يُص لح حاله أو يزيد يف حس ناته ؟ كال ال يفعل ذلك إال اللَّه ف إن اللَّه‬
‫يعفو ويغفر وميحو السيئات ‪ ،‬بل ويب دهلا حسنات ملن َح ُس نت توبته وخلصت‬
‫وب ِإالَّ اللَّهُ‪ [ } ‬آل عم ران ‪ ، ] 135 :‬لذلك ُحق‬ ‫الذنُ َ‬ ‫نيته ‪ .‬قال تعاىل ‪َ  { :‬و َم ْن َي ْغ ِف ُر ُّ‬
‫للمؤمنني التائبني أن يقولوا للَّه ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ت َولُِّينَا فَا ْغ ِف ْر لَنَا َو ْار َح ْمنَا َوَأنْ َ‬
‫ت َخ ْي ُر الْغَاف ِر َ‬
‫ين‪ [ } ‬األعراف ‪. ] 155 :‬‬ ‫{‪َ ‬أنْ َ‬

‫ثام ًنا‪ : ‬دعاء اهلل باسميه الغفار والغفور‬


‫‪ -1‬عن ش داد بن أوس (رضى اهلل عن ه) عن النىب ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫ق ال‪(( : ‬س يد االس تغفار أن تق ول‪ : ‬اللهم أنت ربى ال إله إال أنت خلقت نى‬
‫وأنا عب دك‪ ، ‬وأنا على عه دك ووع دك ما اس تطعت‪ ، ‬أع وذ بك من شر ما‬
‫على وأب وء لك ب ذنبى ف اغفر لى فإنه ال يغفر‬
‫ص نعت أب وءُ لك بنعمتك َّ‬
‫ال ذنوب إال أنت‪ . ‬ق ال‪ : ‬ومن قالها فى النه ار موقنًا بها فم ات من يومه‬
‫قبل أن يمسى فهو من أهل الجن ة‪ ، ‬ومن قالها من الليل وهو م وقن بها‬

‫‪- 223 -‬‬


‫))(‪. )1‬‬
‫فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة‬
‫‪ -2‬وعن عائشة رضى اهلل عنها ق الت‪ : ‬ك ان رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫وسلم يكثر أن يقول قبل موته (( سبحان اهلل وبحمده‪ ، ‬استغفر اهللَ وأتوب‬
‫))(‪. )2‬‬
‫إليه‬
‫‪ -3‬وعن ابن عمر رضي اهلل عنه قال‪ : ‬كنَّا نعد لرسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫علي إنك أنت‬
‫وس لم يف اجمللس الواحد مائة م رة‪  : ‬رب اغفر لي وتب َّ‬
‫((‬

‫التواب الغفور‪.)3(  ‬‬


‫))‬

‫‪ -4‬عن علي رضي اهلل عنه ق ال‪ : ‬ك ان رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫إذا ق ام إىل الص الة يك ون من آخر ما يق ول بني التش هد والتس ليم‪  : ‬اللهم‬
‫((‬

‫اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت‪ ، ‬وما أس رفت‪ ، ‬وما‬
‫أنت أعلم به مني‪ ، ‬أنت المقدم‪ ، ‬وأنت المؤخر ال إله إال أنت‪. )4(  ‬‬
‫))‬

‫***‬

‫(?) رواه البخاري ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه أحمد البخاري ومسلم ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) رواه أبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬وقال ‪ :‬حديث حسن صحيح ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪- 224 -‬‬


‫‪ ‬الودود‪  ‬تبارك وتعالى‬‫))‬ ‫((‬

‫المعنى اللغوي‪: ‬‬
‫ق ال ابن ِس َ‬
‫يده‪  : ‬ال ُو ُّد‪ :   ‬هو احلب يك ون يف مجيع م داخل اخلري‪، ‬‬ ‫))‬ ‫((‬

‫ت الشيء أوده‪ ، ‬وهو من ‪ ‬األمنية‪  ‬وشدة التعلق حبدوث الشيء‪. ‬‬ ‫ِ‬


‫))‬ ‫((‬
‫وود ْد ُ‬
‫َ‬
‫ف َس نَ ٍة‪ [ } ‬البق رة‪ ] 96 : ‬أي‪: ‬‬ ‫مثل قوله تع اىل‪َ  { : ‬ي َو ُّد َ‬
‫َأح ُد ُه ْم لَ ْو ُي َع َّم ُر َألْ َ‬
‫يتمىن أن يعيش ألف س نة‪ . ‬وكقوله تع اىل‪َ  { : ‬ي َو ُّد ال ُْم ْج ِر ُم لَ ْو َي ْفتَ ِدي ِم ْن‬
‫احبَتِ ِه َو َِأخ ِيه‪ [ } ‬املعارج‪. ] 12 ،11 : ‬‬
‫اب يو ِمِئ ٍذ بِبنِ ِيه (‪ )11‬وص ِ‬
‫َ َ‬ ‫َع َذ ِ َ ْ َ‬
‫ق ال ابن الع ريب‪ : ‬اتفق أهل اللغة على أن املودة هي احملب ة‪ . ‬ق ال تع اىل‪: ‬‬
‫{‪َ  ‬و َج َع َل َب ْينَ ُك ْم َم َو َّد ًة َو َر ْح َم ةً‪ [ } ‬ال روم‪ . ] 21 : ‬ومجع بينهما األص فهاين فق ال‪: ‬‬
‫‪ ‬ال ُو ُد حمبة الش يء ومتين كون ه‪ ، ‬ويس تعمل يف كل واحد من املعن يني على أن‬ ‫((‬

‫الو ِّد ؛ ألن التمين هو تَ َش ِّهي حصول ما توده‪. )1(  ‬‬


‫))‬
‫التمين يتضمن معىن ُ‬
‫ود َد‪  ‬مبعىن الوتد‬
‫أيض ا مبعىن املالزمة مع التعل ق‪ ، ‬وج اء منها ‪ ‬ال َ‬
‫))‬ ‫((‬
‫وي أيت ً‬
‫لثبوته ولش دة مالزمته للخمية وتعلقه هبا‪ ، ‬وك ان أص لها ال ودد مث أض غمت‬
‫الداالن‪. ‬‬
‫الدليل الشرعي‪: ‬‬
‫ورد هذا االسم الكرمي يف القرآن الكرمي مرتني‪: ‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األولى‪ : ‬يف قوله تع اىل‪ { : ‬و ِ‬
‫اس َت ْغف ُروا َربَّ ُك ْم ثُ َّم تُوبُ وا ِإل َْي ه ِإ َّن َربِّي َرح ٌ‬
‫يم‬ ‫َ ْ‬
‫َو ُدو ٌد‪ [ } ‬هود‪. ] 90 :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الثاني ة‪ : ‬يف قوله تع اىل‪ِ { : ‬إنَّهُ ُه َو ُي ْب دُئ َويُعي ُد (‪َ )13‬و ُه َو الْغَ ُف ُ‬
‫ور‬
‫ود‪ [ } ‬الربوج‪. ] 14 ،13 : ‬‬
‫ال َْو ُد ُ‬

‫(?) مفردات ألفاظ القرآن ( ص ‪. )360‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 225 -‬‬


‫معنى االسم في حق اللَّه تبارك وتعالى‪: ‬‬
‫قال ابن عباس‪ : ‬الودود‪ : ‬هو الرحيم‪ . ‬رواه علي بن أيب طلحة‪. ‬‬
‫وقال البخاري‪ : ‬الودود‪ : ‬هو احلبيب‪. ‬‬
‫ق ال الزج اجي فيه ق والن ؛ أح دهما‪ : ‬أنه مفع ول مبعىن فاعل كقول ك‪: ‬‬
‫‪ ‬غف ور‪  ‬مبعىن غ افر‪ ، ‬وش كور مبعىن ش اكر‪ ، ‬فيك ون معىن ال ودود يف ص فات‬ ‫))‬ ‫((‬

‫اللَّه عز وجل على ه ذا املذهب من أهل اللغة أنه تب ارك وتع اىل ي ُّ‬
‫ود عب اده‬
‫الصاحلني وحُي بهم‪ . ‬الثاني‪ : ‬أنه فعول‪ ، ‬فتقديره أنه عز وجل مودود ؛ أي يوده‬
‫عباده وحيبونه(‪. )1‬‬
‫وقد نطق الق رآن بكليتهما وأثبتهما اللَّه لنفسه يف كتابه وس نة رس وله‪. ‬‬
‫ف يَْأتِي اللَّهُ بَِق ْوٍم يُ ِحُّب ُه ْم َويُ ِحبُّونَهُ‪ [ } ‬املائدة‪. ] 54 : ‬‬ ‫قال تعاىل‪ { : ‬فَ َ‬
‫س ْو َ‬
‫قال ابن القيم رمحه اللَّه‪: ‬‬
‫أحبابه والفضل ملنان‬ ‫وهو الودود حيبهم وحيبه‬
‫يف قلوهبم وجازاهم حبب ثان‬ ‫وهو الذي جعل احملبة‬
‫ال معاوضة وال لتوقع الشكران‬ ‫هذا هو اإلحسان حمضا‬
‫لكن حُيِ ُّ‬
‫(‪)2‬‬
‫وش ُك َورهم ال الحتياج منه للشكران‬
‫ُ‬ ‫ب َش ُك َورهم‬
‫قال السعدي رمحه اللَّه‪ : ‬الودود الذي حيب أنبياءه ورسله وأتباعهم وحيبونه‬
‫فهو أحب إليهم من كل شيء قد امتلئت قلوهبم من حمبته وهلجت ألسنتهم بالثناء‬
‫وإخالصا وإنابة من مجيع الوجوه(‪. )3‬‬
‫ً‬ ‫عليه واجنذبت أفئدهتم إليه ُو َّداً‬
‫ق ال اخلط ايب‪ : ‬وقد يك ون معن اه أن ي وددهم إىل خلقه كقوله جل وع ز‪: ‬‬

‫(?) إشتقاق اسماء هَّللا ( ص ‪. ) 152‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) النونية ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) تفسير الكريم (‪. )5/302‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 226 -‬‬


‫الصالِح ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫الر ْح َم ُن ُودًّا‪ [} ‬مرمي‪.)1(] 96 : ‬‬
‫ات َسيَ ْج َع ُل ل َُه ُم َّ‬ ‫آمنُوا َو َعملُوا َّ َ‬ ‫{‪ِ ‬إ َّن الذ َ‬
‫ين َ‬
‫وقي ل‪  : ‬ال ودود‪ :   ‬هو املتحبب إىل أولي اءه مبعرفت ه‪ ، ‬وإىل الط ائعني‬‫))‬ ‫((‬

‫بقرب ه‪ ، ‬وإىل املذنبيني مبغفرت ه‪ ، ‬وإىل الت ائبني بقب وهلم وعف وه عنهم‪ ، ‬وإىل‬
‫املت وكلني بكفايت ه‪ ، ‬وإىل احملس نني برمحت ه‪ ، ‬وإىل املتقني بنعمت ه‪ ، ‬وإىل عامة‬
‫الناس بعظيم إفضاله وكثري إنعامه‪. ‬‬
‫الواد ألهل طاعته‪ ، ‬والراضي عنهم بأعماهلم واحملسن إليهم‬
‫وقد قيل‪ : ‬هو ُّ‬
‫ألجلها واملادح هلم هبا‪. ‬‬
‫در القائل‪: ‬‬
‫وهلل ُّ‬
‫وتثىن عليهم والثناء مجيل‬ ‫ودود حتب اخلري للخلق كلهم‬
‫فأنت غين عن سواك مجيل‬ ‫ودود بال ميل ودود بال هوى‬
‫عزيز ومن مل ترض عنه ذليل‬ ‫لك احلمد من ترضى عنه فإنه‬
‫مفاتيح الغيب ما إليه سبيل‬ ‫ودود قريب من عبادك مالِك‬
‫وق ال الش يخ الس عدي‪  : ‬إن اللَّه يت ودد إىل أولي اءه وخ ِّ‬
‫واص خلقه مبحبته‬ ‫((‬

‫غرس ا ومنَّاها كما تُنَمى البذرةُ حىت تكون‬


‫هلم ووضع حمبته يف قلوهبم‪ ، ‬غرسها ً‬
‫عدوا حببه يف ال دنيا وبقربه يف دار نعيمه يف اآلخ رة‪ ، ‬فه ذا هو‬
‫ش جرة‪ ، ‬فس ُ‬
‫اإلحس ان احملض على احلقيق ة‪ ، ‬إذ منه الس بب ومنه املس بب‪ ، ‬فاملص لحة كلها‬
‫عائدة إىل العبد فتبارك الذي جعلها‪ - ‬أي تلك احملبة‪ - ‬وأودعها يف قلوهبم مث‬
‫مل يزل ينميها ويقويها حىت وصلت يف قلوب األصفياء إىل حالة تتضائل عندها‬
‫اب‪ ، ‬وتُل ِّذذُ هلم‬ ‫ِ‬
‫احملاب‪َ ، ‬وتُ َس ليِّهم عن األحب اب‪ ، ‬و ُت َه ِو ُن عليهم املص َ‬
‫مجي ُع ِّ‬
‫مشقة الطاعات‪ ، ‬وتغنيهم عن حمبة ما سواه‪ . )2(  ‬ولسان حاهلم يقول‪: ‬‬
‫))‬

‫(?) شأن الدعاء ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) شرح النونية البن القيم ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 227 -‬‬


‫ضاب‬ ‫ِ‬
‫وليتك ترضى واألنام غ َ‬ ‫ليتك تعفو واحلياه مريرة‬
‫وبيين وبني العاملني خراب‬ ‫ليت الذي بيين وبينك عامر‬
‫وكل ما فوق الرتاب تراب‬ ‫هني‬
‫الو ُّد فالكل ٌ‬
‫إذا صح منك ُ‬
‫‪ ‬من آثار اإليمان بهذا االسم الكريم‪ ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫هلذا االسم الكرمي أثران عظيمان‪: ‬‬


‫األول‪ : ‬حب اللَّه لعباده املؤمنني وعالماته وأسبابه‪. ‬‬
‫الثاني‪ : ‬حب املؤمنني للَّه تعاىل وعالماته وأسبابه‪. ‬‬
‫وس نحاول فيما يلي أن نتناوهلا ببعض التفص يل والش رح‪ ، ‬وس نبدأ‪ - ‬إن‬
‫ش اء اللَّه تع اىل‪ - ‬حبب اخللق للَّه عز وج ل‪ ، ‬تأدبًا مع اللَّه عز وجل وس عيًا إىل‬
‫حبِّه ومرضاته‪ ، ‬عسى أن جيعلنا من أحبابه وحُم بِّيه‪. ‬‬
‫أوالً‪ : ‬حب المؤمنين للَّه ‪ ‬عز وجل‪  ‬وعالماته‪: ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫احلب لشيءٌ عجيب يودعه اللَّه َ‬


‫قلوب األصفياء من خلقه‬ ‫أيها األحبة‪ ، ‬إن َّ‬
‫نفوس هم‪ ، ‬وهتنأ به قل وهُب م‪ ، ‬فتس هر ملناجاته اجلف ون‪ ، ‬وتبكي من‬
‫فتس عد به ُ‬
‫الش وق إليه العي ون‪ ، ‬ف احلب عالمة على س المة الفط رة‪ ، ‬ودليل على احلي اة‪، ‬‬
‫فتدق باحلب قلوهُب ا وتتأثر هبا نفوسها‪ . ‬وقبل‬
‫فالكائنات من حولنا تشعر وحتب ُ‬
‫حنب أن نتعرف على بعض هذه املخلوقات حىت‬
‫حب املؤمنني لرهبم ُّ‬
‫أن نبدأ يف ِّ‬
‫بعض ا من الص ور املش رقة من حمبة تلك‬
‫نعلم م اذا تعين كلمة احلب‪ ، ‬وإليك ً‬
‫الكائنات ما أمجلها وما أبلغها‪. ‬‬
‫فانظر إلى الفرس العربي وهو مشغول بحب صاحبه له ويدعو اللَّه عز‬
‫وجل أن حُيَبِّبَه إىل صاحبه‪ ، ‬وذلك يف كل يوم‪ ، ‬فكل أيامه سؤاالً للمحبة‪. ‬‬
‫فعن أيب ذر رضي اللَّه عنه ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اللَّه ص لى اهلل عليه وس لم‪: ‬‬

‫‪- 228 -‬‬


‫‪ ‬إنه ليس من فرس عربي إال يؤذن له مع كل فجر يدعو بدعوتين يقول‪: ‬‬ ‫((‬

‫اللهم إنك خولت ني من خولت ني من ب ني آدم ف اجعلني من أحب أهله وماله‬


‫إليه‪.)1(  ‬‬ ‫))‬

‫ف الفرس الع ريب حيب ص احبه ويألفه ويف رح لقربه وحيزن لفق ده‪ُ . ‬روي أن‬
‫رجالً امسه الزعرتي كان له فرس حيبه ويرعاه‪ ، ‬وكان خيلط له الشعري بالسكر‪، ‬‬
‫رس عن الطع ام ووقف عند ب اب‬‫رتي أض رب الف ُ‬‫رس‪ ، ‬فلما م رض الزع ُ‬‫فأحبه الف ُ‬
‫احلج رة اليت هبا ص احبه ومل يربح ه‪ ، ‬فلما م ات الزع رتي انطلق الف رس إىل أحد‬
‫الروايب فوق اجلبل وألقى بنفسه ليلقى مصرعه حزنًا على صاحبه الذي أحبه(‪.)2‬‬
‫ب ‪: ‬‬
‫حب وتُ َح ُّ‬
‫حتى الجماد والصخور تُ ُّ‬
‫فتأمل ق ول النيب ص لى اهلل عليه وس لم عن جبل ُأح د‪  : ‬ه ذا جب ٌل يحبنا‬
‫((‬

‫ونحبه‪. )3(  ‬‬ ‫))‬

‫اللَّه أك بر‪ . ‬الجبل يحب الخل ق‪ ، ‬فكيف حبه ل ِّ‬


‫رب الخل ق‪ ! ‬وقد بكى‬
‫ج ذع النخل حبًّا لرس ول اللَّه ص لى اهلل عليه وس لم واش تياقًا إليه وإىل ما ك ان‬
‫يسمع من ذكر اللَّه‪. ‬‬
‫يب ص لى اهلل عليه‬
‫فعن ج ابر رضي اهلل عنه ق ال‪ : ‬ك ان ج ذع يق وم إليه الن ُّ‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وسلم‪ ، ‬يعين يف اخلطبة‪ ، ‬فلما كان يوم اجلمعة قعد ُّ‬
‫على املن رب‪ ، ‬فص احت النخلة ال تي ك ان يخطب عن دها ح تى ك ادت أن‬
‫بي ص لى اهلل عليه‬
‫تنش ق‪ . ‬ويف رواي ة‪ : ‬فص احت ص ياح الص بي ف نزل الن ُّ‬

‫(?) رواه اإلم ام أحم د في ((‪ ‬مس نده‪ ، )) ‬والنس ائي ‪ ،‬والح اكم في ((‪ ‬المس تدرك‪، )) ‬‬ ‫‪1‬‬

‫وصححه األلباني في صحيح الجامع رقم (‪. )2414‬‬


‫(?) من شريط دعوة للتأمل ((‪ ‬للشيخ عائض القرني‪. )) ‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) رواه البخاري ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 229 -‬‬


‫الصبي الذي يُ َس َّك ُ‬
‫ت حتى‬ ‫ِّ‬ ‫تئن أنين‬
‫فضمها إليه فجعلت ُّ‬
‫وسلم حتى أخذها َّ‬
‫استقرت‪ . ‬قال‪  : ‬بكت على ما كانت تسمع من الذكر‪. )1(  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫تلك الكائن ات حتب من أحبها وأحسن إليه ا‪ ، ‬فكيف باللَّه عز وجل‬


‫سبحانه وحبمده تتابعت نعمه وزاد كرمه وفاض بره‪ ، ‬وأسبغ على خلقه نعمه‬
‫ظ اهرة وباطن ة‪ ، ‬حىت عج زوا عن إحص اء آالئ ه‪ ، ‬فكيف جيب أن تك ون حمبتُه‬
‫وكيف غفل عنه الغ افلون وأع رض عنه العص اة واملذنبون‪ ، ‬جل جالله‬
‫وتقدست أمساؤه‪. ‬‬
‫فأين البَ َش ر الذين مل تدق قلوهبم حبب اللَّه من هذه الكائنات‪ ‬؟ فواللَّه إهنا‬
‫ألعقل منهم‪ ، ‬وإن الص خر أللني من قل وهبم ف إهنم أن اس قست قل وهبم ولو‬
‫ظلما للحجارة‪. ‬‬‫شبهناها باحلجارة لكان ذلك ً‬
‫ت ُقلُ وبُ ُك ْم ِم ْن َب ْع ِد‬ ‫وأصدق وصف هلم هو قول اللَّه عز وجل‪ { : ‬ثُ َّم قَ َ‬
‫س ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ْح َج َار ِة َْأو َ‬ ‫ك فَ ِهي َكال ِ‬ ‫ِ‬
‫َأش ُّد قَ ْس َوةً َوِإ َّن م َن الْح َج َارة ل ََما َيَت َف َّج ُر مْن هُ اَألْن َه ُ‬
‫ار‬ ‫َذل َ َ‬
‫ط ِم ْن َخ ْش يَ ِة اللَّ ِه‪} ‬‬ ‫ج ِم ْن هُ ال َْم اءُ َوِإ َّن ِم ْن َها ل ََما َي ْهبِ ُ‬ ‫َوِإ َّن ِمْن َها ل ََما يَ َّ‬
‫ش َّق ُق َفيَ ْخ ُر ُ‬
‫[‪ ‬البقرة‪.] 74 : ‬‬
‫ِ‬
‫وخالقه وإهله ومعبوده‪ ‬؟ بل كيف حييا‬ ‫ب ِ‬
‫رازقه‬ ‫فكيف يعيش العبد بغري ُح ِّ‬
‫دون أن يع رف إن ك ان اللَّهُ حُيِ بُّه أم ال‪ . ‬فإنه ليس بعد احلب إال البغض وليس‬
‫بعد النعيم إالَّ اجلحيم‪. ‬‬
‫ب على كل َم ْن ك ان له قلب أو ألقى الس مع وهو‬ ‫من أجل ذلك َو َج َ‬
‫حب اللَّه عز وجل يتع َّرف عليه ويس أل نفسه هل حيب اللَّ َه‪ ‬؟‬
‫ش هيد أن يتعلم َّ‬
‫وهل هو صادق يف ذلك‪ ‬؟ وما عالمات احلب الصادق للَّه عز وجل‪ ، ‬كذلك‬

‫(?) رواه البخاري ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 230 -‬‬


‫ب اللَّه ل ه‪ ‬؟ من أجل ذلك حنن س نتناول‬ ‫هل حيبه اللَّه أم ال‪ ‬؟ وما عالم ات ُح ِّ‬
‫هذا ببعض التفصيل‪ ، ‬نبدأ حبب العبد لربه وعالماته وباللَّه التوفيق‪: ‬‬
‫ب المؤمنين لربهم تبارك وتعالى‪: ‬‬
‫معنى ُح َّ‬
‫ق ال ابن القيم رحمه اللَّه تع الى‪ : ‬ال يك ون العبد موح ًدا ص ادقًا يف حبه‬
‫هلل عز وجل إال بأربعة شروط‪: ‬‬
‫يحب اللَّه عز وجل حبًّا من جنس حب العب ادة المق رون‬
‫أوالً‪  : ‬أن َّ‬ ‫((‬

‫بالذلة والخض وع واالفتق ار والطاعة المطلقة‪ .   ‬حبًّا ال يش ابه أي ٍ‬


‫حب‬ ‫))‬

‫آخ ر‪ ، ‬حبًّا ال يش ابه حب الش هوة للنس اء‪ ، ‬وال حب الرب لآلب اء وال ُحب‬
‫الش فقة باألبن اء وال حب الندِّية لألص دقاء‪ ، ‬بل حيبه تب ارك وتع اىل حب العابد‬
‫لرب ه‪ ، ‬واملخل وق خلالق ه‪ ، ‬واململ وك ملالك ه‪ ، ‬واملرزوق لرازق ه‪ ، ‬حبًّا مقرونًا‬
‫باخلش ية‪ ، ‬ق ال تع اىل‪ِ { : ‬إَّن ُهم َك انُوا يس ا ِرعُو َن فِي الْ َخ ْي ر ِ‬
‫ات َويَ ْدعُو َننَا َرغَبًا‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ْ‬
‫ين‪ [ } ‬األنبياء‪. ] 90 : ‬‬ ‫ِِ‬
‫َو َر َهبًا َو َكانُوا لَنَا َخاشع َ‬
‫ثانيً ا‪  : ‬أن ال يحب ش يًئا مثله مع ه‪ ، ‬بل وال تبقى مثق ال ذرة من ه ذا‬ ‫((‬

‫صرفَها للَّه وحده‪ ،   ‬فال حيب ً‬


‫أحدا غري اللَّه‬ ‫الحب‪ -‬أي حب العبادة‪ - ‬إال َ‬
‫))‬

‫أحدا أكثر من اللَّه بل ال‬


‫عز وجل مثله يف النوع‪ ، ‬وكذلك يف الكمية فال حيب ً‬
‫أحدا مثل اللَّه أص الً حىت وإن كان حبُّه هلذه األشياء ليس حب العبادة‪. ‬‬
‫حيب ً‬
‫عرض نفسه لعقوبة اللَّه عز وجل‪. ‬‬
‫فمن فعل ذلك َّ‬
‫اج ُك ْم‬‫فقد ق ال تع اىل‪ { : ‬قُ ْل ِإ ْن َك ا َن آبَ اُؤ ُك ْم َو َْأبنَ اُؤ ُك ْم َوِإ ْخ َوانُ ُك ْم َوَأ ْز َو ُ‬
‫س اكِ ُن َت ْر َ‬
‫ض ْو َن َها‬ ‫اد َها َو َم َ‬
‫س َ‬ ‫ش ْو َن َك َ‬ ‫وها َوتِ َج َارةٌ تَ ْخ َ‬ ‫َو َع ِش َيرتُ ُك ْم َو َْأم َو ٌ‬
‫ال اقَْت َر ْفتُ ُم َ‬
‫ص وا َحتَّى يَْأتِ َي اللَّهُ بِ َْأم ِر ِه‪} ‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ ِ ٍ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ب ِإل َْي ُك ْم م َن اللَّه َو َر ُسوله َوج َه اد في َس بِيله َفَت َربَّ ُ‬ ‫َأح َّ‬
‫َ‬
‫[‪ ‬التوبة‪. ] 24 : ‬‬

‫‪- 231 -‬‬


‫ق ال احلسن البص ري‪ : ‬ه ذه أش ُّد آية يف الوعيد ملن آثر ش يًئا يف احملبة على‬
‫اللَّه ورسوله واجلهاد يف سبيله‪. ‬‬
‫احلب يف اللَّه تب ارك‬
‫ثالثً ا‪ : ‬أال حيب ش يًئا غري اللَّه إال من أجل ه‪ . ‬وهو َّ‬
‫وتعاىل‪. ‬‬
‫رابع ا‪ : ‬أن يبغض ما يباع ده عن اللَّه أشد من بغضه ألبغض األش ياء إليه‬‫ً‬
‫وهي النار‪. ‬‬
‫وقد مجع ثالثة منها ح ديث النيب ص لى اهلل عليه وس لم ال ذي ق ال في ه‪: ‬‬
‫‪ ‬ثالث من كن فيه وجد حالوة اإليمان‪ ، ‬أن يكون اللَّهُ ورسولُه َّ‬
‫أحب إليه‬ ‫((‬

‫رء ال يُحبُّه إال للَّه وأن يك ره أن يع َ‬


‫ود في‬ ‫مما س واهما‪ ، ‬وأن يحب الم َ‬
‫الكفر بعد إذ أنقذه اللَّهُ منه كما يكره أن يقذف في النار‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫عالمات محبة العبد لربه‪: ‬‬


‫كالطيب خيرج من حامل املسك‬ ‫فإن احلب ال ختفى دالئله‬
‫اعلم أخي احلبيب وفقين اللَّه وإي اك إىل ما فيه رض اه أن العبد مل خُي لق إال‬
‫ليحب اللَّ َه ويعبده وهناك عالمات لذلك احلب تفرق بني الصادق والكاذب؛‬
‫ألن اإلنس ان قد يظن أنه حيب اللَّه عز وجل وهو ليس ك ذلك‪ ، ‬وقد يظن أنه‬
‫قريب من اللَّه وهو منه بعيد‪ . ‬وللَّه در القائل‪: ‬‬
‫ورىب ال يقر هلم بذاكا‬ ‫وكل يدَّعي حبًا لريب‬
‫تبني من بكى ممن تباكا‬ ‫إذا اشتبكت دموع يف خدود‬
‫وينطق بالكذب من قد تباكا‬ ‫وجدا‬
‫فأما من بكى فيذوب ً‬

‫(?) رواه أحمد ‪ ،‬والبخاري ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن ماجه عن أنس‬ ‫‪1‬‬

‫‪.‬‬

‫‪- 232 -‬‬


‫فكم من من غافل وهو يظن أنه من الذاكرين‪. ‬‬
‫وكم من عاص وهو يظن أنه من الطائعني‪. ‬‬
‫وكم من كفور وهو يظن أنه من الشاكرين‪. ‬‬
‫وكم من جهول وهو يظن أنه من العاملني‪. ‬‬
‫ٍ‬
‫وكم من عب د ي دعوه اللَّه عز وجل ليقلع عن ذنبه ويع ود إىل ربه َ‬
‫ويَن َعم‬
‫حببه وهو مع رض عنه ويظن أنه من املقبلني عليه املتق ربني إليه وليس ه ذا إال‬
‫اءه من ربه اهلدى‪. ‬‬ ‫ألنه حيكم هبواه ويتبع الظن وما هتوى األنفس ولقد ج‬
‫صدق على هؤالء قول القائل‪: ‬‬
‫ويَ ُ‬
‫وتظل تبكيه بدمع ساجم‬ ‫املراحل عن حبيبك دائبًا‬
‫َ‬ ‫تطوى‬
‫تشكو البعاد وأنت عني الظامل‬ ‫كذبتك نفسك لست من أحبابه‬
‫وهلذا وأمثاله نقول‪ : ‬أفق وأدرك ما فاتك‪ ، ‬فواللَّه لو ضاعت منك الفرصة‬
‫وانتهت حياتك وأنت على ه ذا لتك ونن من ال ذين ق ال اللَّه فيهم‪ { : ‬قُ ْل َه ْل‬
‫ْحيَ ِاة ال ُّد ْنيَا َو ُه ْم‬ ‫ِ‬
‫ض َّل َس ْعُي ُه ْم في ال َ‬
‫َّ ِ‬
‫ين َأ ْع َم االً (‪ )103‬الذ َ‬
‫ين َ‬ ‫س ِر َ‬
‫ِ‬
‫ُننَبُِّئ ُك ْم باَأل ْخ َ‬
‫ِ‬
‫سبُو َن ََّأن ُه ْم يُ ْحسنُو َن ُ‬
‫ص ْن ًعا‪ [ } ‬اهلكف‪. ] 104 ،103 : ‬‬ ‫يَ ْح َ‬
‫ف أزل عن عينيك غش اوة املعاصي وعن قلبك حكم اهلوى‪ ، ‬من قبل أن‬
‫ينطبق عليك قول القائل‪: ‬‬
‫املزار‬
‫وتطلبهم إذا بعد ُ‬ ‫أترتك من حتب وأنت جار‬
‫الديار‬
‫وترجو أن ختربك ُ‬ ‫تركت سؤاهلم وهم حضور‬
‫اعتذار‬
‫ُ‬ ‫كمدا فليس لك‬
‫ومت ً‬ ‫فنفسك مُل وال َتلُم املطايا‬
‫فمن أحب اللَّهَ ح ًقا ظه رت عليه عالم ات احلب‪ ، ‬ف إن احلب يف القلب‬
‫ولكن تظهر آثاره على البدن كله‪. ‬‬

‫‪- 233 -‬‬


‫فقد ق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬في الجسد مض غة إذا ص لحت‬
‫((‬

‫صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله‪ ، ‬أال وهي القلب‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫حب اللَّه عز وجل اعتق ًادا باجلن ان وق والً باللس ان وعمالً‬


‫ل ذلك يك ون ُّ‬
‫باألركان يزيد بالطاعة وينقص باملعصية‪ ، ‬فمن هذه العالمات‪: ‬‬
‫‪ -1‬طاعة اللَّه وترك معصيته‪: ‬‬
‫كما قال بعضهم‪: ‬‬
‫هذا وريب يف القياس بديع‬ ‫تعصي اإلله وأنت تزعم حبه‬
‫إن احملب ملن حيب ُمطيع‬ ‫إن كنت صادقًا يف حبه ألطعته‬
‫وقال آخر‪: ‬‬
‫دام‬
‫إن احملبني لألحباب ُخ ُ‬ ‫وكن لربك ذا ُحب لتخدمه‬
‫‪ -2‬اتباع النبي صلى اهلل عليه وسلم في كل شيء‪: ‬‬
‫بفعل ما أمر به وترك ما هنى عنه‪ . ‬قال تعاىل‪ { : ‬قُ ْل ِإ ْن ُك ْنتُ ْم تُ ِحبُّو َن اللَّهَ‬
‫فَاتَّبِعُونِي يُ ْحبِْب ُك ُم اللَّهُ َو َيغْ ِف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم‪ [ } ‬آل عمران‪. ] 31 : ‬‬
‫وم أهنم حيب ون اللَّه‬
‫ق ال احلسن البص ري وغ ريه من الس لف‪ : ‬زعم ق ُ‬
‫ف ابتالهم‪ - ‬أي امتحنهم‪ - ‬هبذه اآلي ة‪ { : ‬قُ ْل ِإ ْن ُك ْنتُ ْم تُ ِحبُّو َن اللَّهَ فَ اتَّبِ ُعونِي‬
‫يُ ْحبِْب ُك ُم اللَّهُ‪ [ } ‬آل عمران‪. ] 31 : ‬‬
‫وكانوا يسموهنا آية احملنة(‪ ، )2‬فإذا صدقوا يف دعواهم واتبعوا رسول اللَّه‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم أحبهم اللَّه عز وج ل‪ ، ‬وذلك أعظم هلم من أن حيب وه‪. ‬‬
‫قال بعض السلف‪  : ‬ليس الشأن أن حُتِ ب ولكن الشأن أن حُتَب‪.   ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫(?) أخرج ه البخ اري (‪ ، )52‬ومس لم (‪ ، )1599‬من ح ديث النعم ان بن بش ير ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫رضي هللا عنهما ‪.‬‬


‫(?) المحنة ‪ :‬االختبار واالمتحان ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 234 -‬‬


‫ب اللَّهَ ألنه قد يكون حبُّك هذا ادعاء ولكن الشأن‬ ‫ِ‬
‫أي ليس الشأن أن حُت َ‬
‫أن حُيِ بَّك اللَّهُ ألن اللَّه ال حيب إال الطيبني‪. ‬‬
‫قال رسول اللَّه ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬إن اللَّه طيب ال يقبل إال طيبًا‪ ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫( ‪.  ) 1‬‬
‫‪ -3‬حب القرآن‪: ‬‬
‫سره أن يحب اللَّه ورسوله‬
‫قال رسول اللَّه صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬من َّ‬
‫((‬

‫فليقرأ في المصحف‪. )2(  ‬‬


‫))‬

‫وق ال ابن مس عود رضي اللَّه عن ه‪  : ‬من ك ان يحب أن يعلم أنه يحب‬
‫((‬

‫اللَّهَ فليع رض نفسه على الق رآن‪ ، ‬ف إن ك ان يحب الق رآن فهو يحب اللَّهَ‬
‫فإنما القرآن كالم اللَّه‪.   ‬‬
‫))‬

‫وكان ابن مسعود رضي اللَّه عنه إذا ُأهدي إليه املصحف يفرح به ويقول‬
‫كالم ريب كالم ريب‪. ‬‬
‫أيض ا‪  : ‬أطلب قلبك عند ثالثة مواضع ؛ عند ق راءة الق رآن‪، ‬‬
‫وق ال ً‬ ‫((‬

‫ومج الس العلم‪ ، ‬ووقت الس حر‪ ، ‬ف إن لم تجد قلبك فسل اللَّهَ أن يَ ُمن‬
‫عليك ٍ‬
‫بقلب فإنك ال قلبك لك‪.   ‬‬
‫))‬

‫وق ال عثم ان بن عف ان رضي اللَّه عن ه‪  : ‬لو طَ ُه َر ْ‬


‫ت قل وبكم ما ش بعت‬ ‫((‬

‫من كالم ربكم‪.   ‬‬


‫))‬

‫مؤنس ا وب الموت‬ ‫َّ‬


‫وق ال الفض يل بن عي اض‪ : ‬كفى بالله حبيبًا وب القرآن ً‬
‫مؤنسا فال آنس اللَّه وحشته‪. ‬‬ ‫َّ‬
‫واعظًا ومن لم يتخذ الله صاحبًا والقرآن ً‬
‫(?) أخرجه مسلم (‪ )1015‬من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) حسن ‪ .‬رواه أب و نعيم في ((‪ ‬الحلي ة‪ ، )) ‬وال بيهقي في الش عب عن ابن مس عود ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫وحسنه األلباني في الصحيحة (‪. )2342‬‬

‫‪- 235 -‬‬


‫وكان بعض املشايخ من حمف ِ‬
‫ِّظي القرآن يقسم أنه عندما يقرأ القرآن يشعر‬
‫حبالوة العسل تنزل يف ريقه‪  : ‬اللهم ارزقنا حالوة ذكرك يا كرمي‪ .   ‬آمني‪. ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫‪ -4‬الشوق إلى لقاء اللَّه تبارك وتعالى ورؤية وجهه الكريم‪: ‬‬


‫مقل تراك وما هلن جفون‬ ‫ت أن جواجني وجوارحي‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫َود ْد ُ‬
‫حىت عزيز الدمع فيك يهون‬ ‫َو ِد ْدت دمع اخلافقني ملقلىت‬
‫أخي الكرمي‪ ، ‬هل رأيت حبيبًا ال حيب رؤية حبيبه‪ ‬؟‬
‫فمن أحب أح ًدا أحب رؤيته ؛ ل ذلك ي بيت املؤمن ون ويص بحوا ومَهُّهم‬
‫َأج َل اللَّ ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األكرب لقاء اللَّه ورؤيته‪ . ‬قال تعاىل‪َ  { : ‬م ْن َكا َن َي ْر ُجو ل َق َ‬
‫اء اللَّه فَ ِإ َّن َ‬
‫يم‪ [ } ‬العنكبوت‪. ] 5 : ‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫آلت و ُهو َّ ِ‬
‫يع ال َْعل ُ‬
‫السم ُ‬ ‫َ َ‬
‫ق ال أبو عثم ان احلريي‪ : ‬ه ذه تعزية للمش تاقني‪ . ‬معن اه‪ : ‬إين أعلم أن‬
‫ت أجالً وعن ق ريب يك ون وص ولوكم إىل ما‬
‫َأج ْل ُ‬
‫إيل غ الب وأنا َّ‬
‫اش تياقكم َّ‬
‫تشتاقون إليه(‪ . )1‬وهو لقائكم يب ورؤيتكم يل‪. ‬‬
‫وك ان رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم عن ده من الش وق إىل لق اء اهلل عز‬
‫وجل ما أذهب ص ربه على لق اء ربه ال رحيم ورؤية وجهه الك رمي حىت ك ان‬
‫يسأل اهلل عز وجل ويدعوه به ويتمىن حدوثه‪ ، ‬فانظر إىل دعائه ورجائه صلى‬
‫نعيما ال ينفد‪ ، ‬وأسألك قرة عين‬
‫اهلل عليه وس لم‪ ، ‬حيث يقول‪  : ‬وأسألك ً‬
‫((‬

‫ال تنقطع‪ ، ‬وأسألك الرضا بعد القضاء‪ ، ‬وأسألك برد العيش بعد الموت‪، ‬‬
‫وأس ألك ل ذة النظر إلى وجهك والش وق إلى لقائك في غ ير ض راء م ِ‬
‫ض َّرة‬ ‫ُ‬
‫وال فتنة مضلة‪ ، ‬اللهم زينا ِ‬
‫بزينة اإليمان واجعلنا هداة مهتدين‪. )2(  ‬‬
‫))‬
‫ُ‬
‫(?) من كت اب ((‪ ‬م وارد الظم آن في محب ة ال رحمن‪ )) ‬لل دكتور س يد العف اني ( ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪. )159‬‬
‫(?) أخرجه النسائي (‪ )1305 ،1304‬من حديث عمار رضي هللا عنه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 236 -‬‬


‫وكان صلى اهلل عليه وسلم يفرح باملطر ويتلقاه بثوبه وملا يُسئل عن ذلك‬
‫يقول‪  : ‬إنه حديث عهد بربه‪. )1(  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫وجل‪ ، ‬فإذا‬ ‫ومن أجل ذلك يكون أعظم نعيم ألهل اجلنة هو رؤية اللَّه َّ‬
‫عز َّ‬
‫رأوه تض اءلت أم ام رؤيته كل الل ذات وش غلوا به عما س واه‪ ، ‬ولس ان ح اهلم‬
‫يقول‪: ‬‬
‫جاءت وفايت ومل أشبع من النظر‬ ‫ولو أن عيين إليك الدهر ناظرة‬
‫وقال الشافعي رمحه اللَّه‪ :‬لو مل أعلم أين سأرى اهلل يوم القيامة ملا عبدته‪.  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫‪ -5‬الحب في اللَّه والبغض في اللَّه‪: ‬‬


‫ففيه حالوة اإليم ان‪ ، ‬وهو أوثق ُع رى اإليم ان‪ : ‬عن أنس بن مالك‬
‫كن فيه وجد حالوة اإليم ان ؛ أن يك ون‬ ‫رضي اللَّه عنه ق ال‪ٌ   : ‬‬
‫ثالث من َّ‬ ‫((‬

‫اللَّهُ ورس وله َّ‬


‫أحب إليه مما س واهما‪ ، ‬وأن يحب الم رء ال يحبه إال هلل‪، ‬‬
‫وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه اهلل منه كما يكره أن يقذف في‬
‫النار‪. )2(  ‬‬
‫))‬

‫وقال رسول اللَّه صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬أوثق ُعرى اإليمان الموالة في‬
‫((‬

‫اللَّه والمعاداة في اللَّه والحب في اهلل والبغض في اللَّه عز وجل‪. )3(  ‬‬


‫))‬

‫وبه كمال اإليمان‪. ‬‬


‫قال رسول اللَّه صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬من أحب للَّه وأبغض هلل وأعطى‬
‫((‬

‫(?) أخرجه مسلم (‪ )898‬من حديث أنس ‪ ،‬رضي هللا عنه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سبق تخريجه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) صحيح ‪ :‬رواه الطبراني في الكب ير عن ابن عب اس ‪ ،‬والطيالس ي ‪ ،‬والح اكم ‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫والطبراني في الكبير واألوس ط عن ابن مس عود ‪ ،‬وأحم د ‪ ،‬وابن أبي ش يبة ‪ ،‬وابن‬
‫نصر عن البراء ‪ ،‬وصححه األلباني في ((‪ ‬صحيح الجامع‪ )) ‬رقم (‪. )4312‬‬

‫‪- 237 -‬‬


‫هلل ومنع هلل فقد استكمل اإليمان‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫معنى الحب في اللَّه‪: ‬‬


‫وحد احلب يف اللَّه‪ : ‬هو كل حب لوال اإلميان باللَّه واليوم اآلخر مل‬
‫قيل‪ُّ : ‬‬
‫وجوده فهو حب يف اللَّه يزيد بالطاعة وينقص باملعصية‪. ‬‬
‫ُ‬ ‫ص َّور‬
‫يُتَ َ‬
‫وق ال حيىي بن مع اذ‪ : ‬احلب يف اللَّه ال يزيد ب الرب وال ينقص باجلف اء‪ ، ‬أي‬
‫ال يزيد ب أم ٍر من أم ور ال دنيا من اهلدايا والعطايا وإمنا يزيد بالطاعة واهلداي ة‪، ‬‬
‫وال ينقص بالبُعد واجلفاء وإمنا ينقص باملعصية والتقصري‪. ‬‬
‫واد اثن ان في اللَّه ُ‬
‫في َف َّرق‬ ‫وق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬ما ت َّ‬
‫((‬

‫بينهما إال بذنب يحدثه أح ُدهما‪. )2(  ‬‬


‫))‬

‫وال يكون لألنساب والرحم‪ : ‬قال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬إن من‬
‫((‬

‫عب اد اللَّه لعب ً‬


‫ادا يغبطهم األنبي اء والش هداء قي ل‪ : ‬من هم لعلنا نحبهم‪ ‬؟‬
‫قال‪ : ‬هم قوم تحابوا بروح اللَّه على غير أموال وال أنساب‪. )3(  ‬‬
‫))‬

‫وانظر إلى مصعب بن عمير وكيف كان حبه في اللَّه‪. ‬‬


‫بالل بن رب اح رضي اهلل عنه أخا مص عب بن عمري‬ ‫َأس َر ُ‬
‫ففي غ زوة ب در َ‬
‫مصعب فقال لبالل‪ : ‬يا بالل َّ‬
‫شد وثاق أسريك‪ ، ‬فإن له ًّأما‬ ‫ُ‬ ‫رضي اللَّه عنه فرآه‬
‫غنية س تفديه ٍ‬
‫مبال كث ٍري‪ . ‬فق ال له أخ وه‪ : ‬أتق ول ه ذا وأنا أخ وك‪ ‬؟ فق ال له‬
‫مصعب‪ : ‬إن بالالً أخي دونك‪. ‬‬
‫بالحب في اللَّه‪: ‬‬
‫ِّ‬ ‫أحق الخلق‬
‫(?) ص حيح ‪ :‬رواه أب و داود في الض ياء المخت ارة عن أبي أمام ة ‪ ،‬وص ححه‬ ‫‪1‬‬

‫األلباني في الصحيحة ( رقم ‪ ، )380‬وصحيح الجامع رقم (‪. )5965‬‬


‫(?) ص حيح ‪ :‬رواه البخ اري في األدب المف رد عن أنس وص ححه األلب اني في‬ ‫‪2‬‬

‫((‪ ‬الصحيحة‪ )) ‬رقم (‪ ،)637‬وصحيح الجامع رقم (‪. )5603‬‬


‫(?) رواه أحمد وأبو يعلى بإسناد حسن ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 238 -‬‬


‫أوالً‪ : ‬رسول اللَّه صلى اهلل عليه وسلم‪: ‬‬
‫قال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬فوالذي نفسي بيده ال يؤمن أحدكم‬
‫((‬

‫حتى أكون أحب إليه من والده وولده‪. )1(  ‬‬


‫))‬

‫أحب إليه من أهله وماله‬


‫أيض ا‪  : ‬ال ي ؤمن عب ٌد ح تى أك ون َّ‬
‫وق ال ً‬ ‫((‬

‫والناس أجمعين‪. )2(  ‬‬ ‫))‬

‫ثانيا‪ : ‬أصحاب النبي صلى اهلل عليه وسلم من المهاجرين واألنصار‪. ‬‬


‫ً‬
‫ب األنص ار وآية‬
‫فقد ق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬آية اإليم ان ُح ُّ‬
‫((‬

‫النفاق بغض األنصار‪. )3(  ‬‬


‫))‬

‫))‬ ‫أيض ا يف األنصار‪  : ‬ال يحبهم إال مؤمن وال يبغض هم إال منافق‪ ‬‬
‫((‬
‫وقال ً‬
‫( ‪. )4‬‬
‫ب آل بيت النبي صلى اهلل عليه وسلم‪. ‬‬
‫ثالثًا‪ُ : ‬ح ُّ‬
‫فقد ق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬أحب وا اللَّه لما يغ ذوكم به من‬
‫((‬

‫النعم وأحبوني لحبكم للَّه وأحبوا أهل بيتي لحبكم لي‪. )5(  ‬‬
‫))‬

‫ودهم واحلف اظ عليهم ورع ايتهم وص لتهم‪ ، ‬فقد ق ال النيب‬


‫وحبُّهم يعين َّ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬أذكركم اللَّه في أهل بيتي‪ ، ‬أذكركم اللَّه في أهل‬
‫((‬

‫(‪)6‬‬
‫اد القب ور ب الطواف ح ول املقام ات والقب ور‬
‫بي تي‪ .   ‬وليس كما يفعل عبَّ ُ‬ ‫))‬

‫والن ذر هلا والنحر عن دها ف إن ذلك من الش رك ال ذي هنى عنه اهللُ ورس ولُه ؛‬

‫(?) صحيح البخاري رقم الحديث ‪. )1/58( 14‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) رواه الترمذي ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪- 239 -‬‬


‫ل ذلك ق ال علي بن احلسني بن علي رضي اهلل عنه ملن غ اىَل يف ُحبِّهم‪: ‬‬
‫عارا علينا‪.   ‬‬
‫‪ ‬احببتمونا حتى أصبح حبكم ً‬
‫))‬ ‫((‬

‫‪ -6‬الرضا بقضاء اللَّه وقدره‪: ‬‬


‫فعن أنس رضي اللَّه أن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪  : ‬إن اللَّه تع الى‬
‫((‬

‫))‬ ‫قوما ابتالهم فمن رضى فله الرضى ومن س خط فله الس خط‪ ‬‬
‫أحب ً‬
‫إذا َّ‬
‫( ‪.  ) 1‬‬
‫وعن أيب سعيد اخلدري رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪- ‬‬
‫يف ابتالء األنبياء والصاحلني ‪  :- ‬إن كان أحدهم ليُبتلى بالفقر حتى ما يجد‬
‫((‬

‫إال العب اءة يحويه ا‪ ، ‬وإن ك ان أح دهم ليف رح ب البالء كما يف رح أح دكم‬
‫بالرخاء‪. )2(  ‬‬
‫))‬

‫وعن النيب ص لى اهلل عليه وس لم أن اللَّه عز وجل ق ال‪  : ‬إن عب دي‬


‫((‬

‫المؤمن عندي بمنزلة كل خير يحمدني وأنا أنزع نفسه من بين جنيه‪. )3(  ‬‬
‫))‬

‫‪ -7‬حب الصالة والشوق إليها‪: ‬‬


‫على شبا الشوك امل ْح َمى من اإلب ِر‬ ‫سبحان من لو سجدنا بالعيون له‬
‫ُ‬
‫وال العُ َشْيَر وال ُع ْشًرا من العُ ْشر‬ ‫شر ِم ْن ِم ْع َشار نعمته‬
‫مل نبلغ العُ َ‬
‫من يل سواك من أرجوه يا ذُخري‬ ‫احلب يا أملي‬‫أنت احلبيب وأنت ُ‬
‫اشعُو َن‪} ‬‬ ‫وقال تعاىل‪ { : ‬قَ ْد َأ ْفلَح الْمْؤ ِمنُو َن (‪ )1‬الَّ ِذين هم فِي صالَتِ ِهم َخ ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ ُ‬
‫ين يَبِيتُ و َن لِ َربِّ ِه ْم‬ ‫َّ ِ‬
‫[‪ ‬املؤمن ون‪ ،] 2 ،1 : ‬وق ال تع اىل يف وص فه لعب اد ال رمحن‪َ  { : ‬والذ َ‬
‫وجعلت ق رةُ‬ ‫ِ‬
‫ُس َّج ًدا َوقيَ ًاما‪ [ } ‬الفرق ان‪ ،  ] ‬وق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪ُ   : ‬‬
‫((‬

‫(?) رواه الترمذي وقال ‪ :‬حديث حسن ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) حديث حسن ‪ :‬أخرجه ابن ماجه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) صحيح ‪ :‬أخرجه أحمد ( ج ‪. )16/8473‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 240 -‬‬


‫عيني في الصالة‪ . )1(  ‬وكان يقول‪  : ‬يا بالل أقم الصالة أرحنا بها‪. )2(  ‬‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬

‫وك ان يص لي من الليل حىت تت ورم ق دماه‪ ، ‬ويق ول‪  : ‬أفال أك ون عب ًدا‬


‫((‬

‫شكورا‪. )3(  ‬‬
‫))‬
‫ً‬
‫وكان إذا نودي للصالة خرج وترك أهله وولده‪ . ‬فعن عائشة رضي اللَّه‬
‫عنها قالت‪ : ‬كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يكون في مهنة أهله‪ ، ‬ف إذا‬
‫حضرت الصالة خرج إلى الصالة(‪. )4‬‬
‫أيضا من أجل صالته بالليل‪. ‬‬
‫أحب الناس إليه ً‬
‫ورمبا ترك َّ‬
‫عن عط اء ق ال‪ : ‬دخلت أنا وعبيد بن عمري على عائشة رضي اللَّه عنها‬
‫فقال عبيد بن عمري‪ : ‬حدِّثينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وس لم‪ ، ‬فبكت وق الت‪ : ‬ق ام ليلة من اللي الي‪ ، ‬فق ال‪  : ‬يا عائش ة‪ ، ‬ذري ني‬
‫((‬

‫أتعبد لربي‪ .   ‬قالت‪ : ‬قلت‪ : ‬واللَّه إني ألحب قربك‪ ، ‬وأحب ما ُّ‬
‫يسرك‪. ‬‬ ‫))‬

‫بل حجره‪ ، ‬ثم‬


‫قالت‪ : ‬فقام فتطهر‪ ، ‬ثم قام يصلي‪ ، ‬فلم يزل يبكي حتى َّ‬
‫بل األرض(‪. )5‬‬
‫بكى‪ ، ‬فلم يزل يبكي حتى َّ‬
‫‪ -8‬ذكر اللَّه واإلكثار منه‪: ‬‬
‫وأرقتين أحزا ٌن وأوجاع‬ ‫وإذا ذكرتك كاد الشوق يقتلين‬
‫(?) أخرج ه أحم د ‪ ،199 ،3/128‬والنس ائي (‪ ، )3949‬والح اكم ‪ ،2/160‬من‬ ‫‪1‬‬

‫ح ديث أنس ‪ ،‬رض ي هللا عن ه ‪ .‬وق ال الحاف ظ ‪ :‬إس ناده حس ن ‪ .‬وانظ ر التلخيص‬
‫الحبير ‪ ،3/116‬وصحيح سنن النسائي (‪. )3680‬‬
‫(?) أخرجه أحمد ‪ ،5/364‬وأب و داود (‪ ، )4985‬وانظ ر ص حيح س نن أبي داود (‬ ‫‪2‬‬

‫‪. )4171‬‬
‫(?) أخرج ه البخ اري (‪ ، )4837 ،1130‬ومس لم (‪ ، )2820 ،2819‬من ح ديث‬ ‫‪3‬‬

‫المغيرة وعائشة ‪ ،‬رضي هللا عنهما ‪.‬‬


‫(?) أخرجه البخاري (‪ )676‬من حديث عائشة رضي هللا عنها ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) صحيح ‪ :‬رواه أبو الشيخ في ((‪ ‬أخالق النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ، )) ‬وابن حبان‬ ‫‪5‬‬

‫‪ ،‬وصححه األلباني ‪.‬‬

‫‪- 241 -‬‬


‫ت صار ُكلِّي فيك أمساع‬ ‫ِ‬ ‫ف إذا ذكرتك ص ار كلي فيك‬
‫وإذا مَس ْع ُ‬
‫ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬أحب األعم ال إلى اللَّه أن تم وت‬
‫((‬ ‫قالسنةً‬
‫ولسانك رطب من ذكر اللَّه‪ .   ‬وقال ً‬
‫(‪)1‬‬
‫أيض ا‪  : ‬سبق المفردون‪ .   ‬قالوا‪: ‬‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬

‫))‬
‫ما املفردون يا رسول اهلل‪ ‬؟ قال‪  : ‬الذاكرون اللَّه ً‬
‫كثريا والذاكرات‪. )2(  ‬‬ ‫((‬

‫وق ال ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬وعليك ب ذكر اهلل تع الى‪ ، ‬وتالوة‬


‫((‬

‫القرآن‪ ، ‬فإنه روحك في السماء وذكرك في األرض‪. )3(  ‬‬


‫))‬

‫أخي احلبيب‪ : ‬إن اللَّه ي ذكر املؤم نني وال ينس اهم‪ ، ‬فكيف ينس اه احملب ون‬
‫آمنُ وا اذْ ُك ُروا اللَّهَ ِذ ْك ًرا‬ ‫َّ ِ‬
‫الص ادقون يف حبهم‪ . ‬ق ال تع اىل‪ { : ‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫ين َ‬
‫ص لِّي َعلَْي ُك ْم َو َمالَِئ َكتُ هُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َكث ًيرا (‪َ )41‬و َس بِّ ُحوهُ بُ ْك َر ًة َوَأص يالً (‪ُ )42‬ه َو الَّذي يُ َ‬
‫يما‪ [ } ‬األحزاب‪. ] 43 ،42 : ‬‬ ‫ات ِإلَى النُّو ِر و َكا َن بِالْمْؤ ِمنِ ِ‬
‫لِي ْخ ِرج ُكم ِمن الظُّلُم ِ‬
‫ين َرح ً‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ْ َ‬
‫فإذا ذكرته ذكرك م رة ثاني ة‪ ، ‬قال تع اىل يف احلديث القدس ي‪  : ‬أنا عند‬
‫((‬

‫ظن عب دي بي‪ ، ‬وأنا معه إذا ذك رني‪ ، ‬ف إن ذك رني في نفسه ذكرته في‬
‫نفسي‪ ،‬وإن ذكرني في مٍإل ذكرته في مٍإل خير منهم‪. )4(  ‬‬
‫))‬

‫اش ُكروا لِي والَ تَ ْك ُف ر ِ‬


‫ون‪ } ‬وقيل‪: ‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وقال تعاىل‪ { : ‬فَ اذْ ُك ُروني َأذْ ُك ْر ُك ْم َو ْ ُ‬
‫ليس العجب قوله‪  :‬فاذكروين‪ ،   ‬ولكن العجب كلُّه من قوله‪  : ‬أذكركم‪.  ‬‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬

‫(?) حسن ‪ :‬رواه ابن حبان ‪ ،‬وابن الس ني في ((‪ ‬عم ل الي وم والليل ة‪ ، )) ‬والط براني‬ ‫‪1‬‬

‫في ((‪ ‬الكبير‪ ، )) ‬والبيهقي في شعب اإليمان عن معاذ ‪ ،‬وحسنه األلباني في ((‪ ‬صحيح‬


‫الجامع‪. )165( )) ‬‬
‫(?) رواه مسلم ‪ ،‬والترمذي ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المف ردون ‪ :‬ال ذين ذهب الق رن ال ذي ك انوا في ه وبق وا هم ي ذكرون هللا ‪ .‬ق ال ابن‬
‫األعرابي ‪ :‬فرَّد الرجل إذا تفقَّه واعتزل الناس بمراعاة األمر والنهي ‪.‬‬
‫(?) حسن ‪ :‬رواه أحمد عن أبي سعيد ‪ ،‬وحسنه األلباني في ((‪ ‬صحيح الج امع‪ )) ‬رقم‬ ‫‪3‬‬

‫(‪. )2543‬‬
‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪- 242 -‬‬


‫أخي احلبيب‪ : ‬هل تعلم أنه ما من ش يء يف ه ذا الك ون إال حيب اللَّه‬
‫وي ذكره‪ . ‬ق ال تع اىل‪َ  { : ‬وِإ ْن ِم ْن َش ْي ٍء ِإالَّ يُ َس بِّ ُح بِ َح ْم ِد ِه‪ ، } ‬وق ال تع اىل‪: ‬‬
‫ض َو َم ْن فِي ِه َّن‪ ،} ‬وقال النيب صلى اهلل عليه‬
‫اَألر ُ‬
‫الس ْب ُع َو ْ‬
‫ات َّ‬
‫الس َم َو ُ‬ ‫{‪ ‬تُ َ‬
‫س بِّ ُح لَهُ َّ‬
‫وسلم‪  : ‬ما تستقل الشمس فيَبقى شيءٌ من خلق اللَّه إال س بَّح اللَّهَ بحمده‬ ‫((‬

‫إال ما كان من الشياطين وأغبياء بني آدم‪. )1(  ‬‬


‫))‬

‫آمنُ وا الَ ُت ْل ِه ُك ْم َْأم َوالُ ُك ْم َوالَ َْأوالَ ُد ُك ْم َع ْن‬ ‫َّ ِ‬


‫وق ال تع اىل‪ { : ‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫ين َ‬
‫ِذ ْك ِر اللَّ ِه‪. } ‬‬
‫أخي احلبيب‪ : ‬هل مسعت ن داء اللَّه لك ب أن ال يلهيك عنه ش يء‪ ‬؟ وما‬
‫عسى أن تكون اإلجابة‪ ‬؟ إن إجابة هذا النداء ال تكون إال بدمع العيون ورقة‬
‫والرب الكرمي‪ . ‬وقل كالذي قال‪: ‬‬
‫ِّ‬ ‫القلوب وحنينها إىل هذا اإلله العظيم‬
‫ِ‬
‫والولد‬ ‫نسيت بامسك ذكر ِ‬
‫املال‬ ‫مال وال ول ٌد‬
‫ما عنك يشغلين ٌ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫هبا حروف امسك مل تنقص ومل تزد‬ ‫ت دمائي يف الرتب النكتبت‬ ‫ِ‬
‫فلو ُسف َك ْ‬
‫وانظر إلى المحبين الصادقين وكيف كان ذكرهم لرب العالمين‪. ‬‬
‫رس ول اللَّه ص لى اهلل عليه وس لم ال ي أتي عليه وقت إال وهو ذاكر‬
‫لرب ه‪ ، ‬عن عائشة رضي اللَّه عنه ا‪ ، ‬ق الت‪  : ‬ك ان رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫((‬

‫وسلم يذكر اهلل تعالى على كل أحيانه‪. )2(  ‬‬


‫))‬

‫حىت يف النوم‪ ، ‬فقد قال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬يا عائشة إن عينَ َّي‬
‫((‬

‫تنامان وال ينام قلبي‪. )3(  ‬‬ ‫))‬

‫(?) حسن ‪ :‬رواه ابن السني ‪ ،‬وأبو نعيم في الحلي ة عن عم رو بن عبس ة ‪ ،‬وحس نه‬ ‫‪1‬‬

‫األلباني في ((‪ ‬صحيح الجامع‪ )) ‬رقم (‪. )5599‬‬


‫(?) رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) رواه البخاري والنسائي ‪ ،‬ومالك ‪ ،‬وأحمد وأبو داود ‪ ،‬والطحاوي عن عائشة ‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫رضي هللا عنها ‪.‬‬

‫‪- 243 -‬‬


‫أبو الدرداء يسبح مائة ألف تسبيحة في كل يوم‪: ‬‬
‫عن أيب حلبس‪ : ‬قيل أليب الدرداء‪ ، ‬وكان ال يفرت عن الذكر‪ : ‬كم تسبح‬
‫يف كل يوم‪ ‬؟ قال‪ : ‬مائة ألف إال أن ختطئ األصابع(‪. )1‬‬
‫وانظر إلى أحمد بن حرب‪ . ‬قال زكريا بن َدلََّويْه‪ : ‬كان أمحد بن حرب‬
‫إذا جلس بني يدي احلجام ليُحفى شاربه‪ ، ‬يسبح‪ ، ‬فيقول له احلجام‪ :‬اسكت‬
‫ساعة‪ ، ‬فيقول‪ : ‬اعمل أنت عملك‪ ، ‬ورمبا قطع من شفته وهو ال يعلم‪.‬‬
‫حب الموت مع الراحة والعافية‪: ‬‬
‫‪ُّ -9‬‬
‫ب املوت مع الراحة‬‫‪ -1‬ق ال أبو عثم ان النيس ابوري‪ : ‬عالمة االش تياق ُح ِّ‬
‫ب مل يقل‪ : ‬توفَّين وحني ُأدخل السجن‬ ‫والعافية‪ ، ‬فإن يوسف حني ُألقي يف اجلُ ِّ‬
‫مل يقل توفين وحني ُم ِّكن يف األرض وأص بح من املل وك ومتت له النعمة ق ال‪: ‬‬
‫ين‪. } ‬‬ ‫ْح ْقنِي بِ َّ ِ ِ‬
‫{‪َ  ‬توفَّنِي مسلِما وَأل ِ‬
‫الصالح َ‬ ‫َ ُْ ً َ‬
‫وكان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أعظم الناس اشتياقًا لربه فقد كان‬
‫يتعجل لق اءه‪ ، ‬فعن أيب س عيد اخلدري رضي اهلل عنه ق ال‪ : ‬خطب رس ول اللَّه‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم الن اس وق ال‪  : ‬إن اللَّه خ ير عب ًدا بين ال دنيا وبين ما‬
‫((‬

‫عن ده فاخت ار ذلك العبد ما عند اهلل‪ .   ‬ق ال‪ : ‬فبكى أبو بكر رضي اهلل عنه‬
‫))‬

‫فعجبنا لبكائه أن خيرب رس ول اللَّه ص لى اهلل عليه وس لم عن عبد ُخ ري‪ ، ‬فك ان‬
‫املخري وك ان أبو بكر رضي اللَّه عنه‬
‫رس ول اللَّه ص لى اهلل عليه وس لم هو ُ‬
‫أعلمنا(‪. )2‬‬
‫أحب اجلوع‬
‫أبو ال درداء‪ : ‬ك ان من املش تاقني‪ ، ‬فيق ول رضي اهلل عن ه‪ُّ : ‬‬

‫(?) إسناده صحيح ‪ :‬أخرجه ابن سعد في ((‪ ‬الطبقات‪. )3/500( )) ‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه البخاري في صحيحه ‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة رقم (‪. )7/12 -3654‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 244 -‬‬


‫حتب أشياء ال حيبها كثريٌ من الناس‪ ، ‬فقال‪:‬‬
‫واملرض واملوت‪ ، ‬فقيل له‪  : ‬إنك َّ‬
‫((‬

‫خف ذنبي‪ ، ‬وإن ُّ‬


‫مت قابلت ربي‪.  ‬‬
‫))‬ ‫رق قلبي‪ ، ‬وإن مرضت َّ‬ ‫ت َّ‬
‫أنا إن ُج ْع ُ‬
‫ومع اذ بن جب ل‪ : ‬يس تعذب املوت للق اء اهلل فيق ول عند موت ه‪  : ‬أخنق‬
‫((‬

‫خنقك فواهلل إين ألحبك‪.   ‬‬


‫))‬

‫وروي أن إب راهيم عليه الس الم ق ال مللك املوت ملا أت اه ليقبض روح ه‪: ‬‬
‫ُ‬
‫يميت خليل ه‪ ‬؟ ف أوحى اللَّه تع الى إلي ه‪ : ‬قل ل ه‪ : ‬هل‬
‫‪ ‬هل رأيت خليالً ُ‬ ‫((‬

‫رأيت خليالً يكره لقاء خليله‪ ‬؟ فقال‪ : ‬يا ملك الموت‪ ، ‬اآلن فاقبض‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫ويف رواية أخ رى‪  : ‬ق ال ملك الم وت‪ : ‬يا رب‪ ، ‬إن عب دك إب راهيم‬
‫((‬

‫ج زع من الم وت‪ ، ‬فق ال‪ : ‬قل ل ه‪ : ‬الخليل إذا ط ال به العهد من خليله‬


‫اشتاق إليه‪ . ‬فبلغه‪ ، ‬فقال‪ : ‬نعم يا رب‪ ، ‬قد اشتقت إلى لقائك‪ ، ‬فأعطاه‬
‫ريحانة فشمها فقبض فيها‪. )2(  ‬‬
‫))‬

‫وصف جامع في المحبة‬


‫ٌ‬
‫اجتمع الشيوخ يف مكة‪ - ‬شرفها اللَّه‪ - ‬فتذاكروا أشياءً يف احملبة‪ ، ‬فقالوا‬
‫للجنيد وك ان أص غرهم س نًا‪  : ‬ه ات ما عن دك يا ع راقي‪ ، ‬ف أطرق رأسه‬
‫((‬

‫ائم‪ ، ‬ب أداء‬


‫ذاهب عن نفس ه‪ ، ‬متصل ب ذكر ربه ق ٌ‬
‫ودمعت عين اه وق ال‪ : ‬عب ٌد ٌ‬
‫ناظر إليه بقلبه‪ ، ‬أحرق قلبه نور هيبته‪ ، ‬وصفا شربه من كأس مودته‪،‬‬
‫حقوقه‪ٌ ، ‬‬
‫فانكش فت له ص فات اجلب ار من أس تار غيب ه‪ ، ‬ف إن نطق فباهلل‪ ، ‬وإن تكلم فعن‬
‫اهلل‪ ، ‬وإن س كن فمع اللَّه‪ ، ‬فهو هلل وباهلل ومع اللَّه‪ ، ‬فبكى الش يوخ وق الوا‪ : ‬ما‬

‫(?) قال ابن حجر في فتح الباري عند شرحه لحديث ((‪ ‬من أحب لق اء هللا ‪ )) ...‬ذك ر‬ ‫‪1‬‬

‫بعض الشراح ‪ (( :‬أن إبراهيم عليه ‪ )) ....‬فتح الباري (‪. )11/361‬‬
‫(?) المصدر السابق ‪ ،‬قال ابن حجر ‪ (( :‬ووجدت في المبت دأ‪ )) ‬ألبي حذيف ة إس حاق‬ ‫‪2‬‬

‫بن بشر البخاري أحد الضعفاء بسند له عن ابن عمر قال ‪ .‬فذكره ‪.‬‬

‫‪- 245 -‬‬


‫على هذا مزي ٌد جربك اهلل يا تاج العارفني‪.   ‬‬
‫))‬

‫***‬

‫‪- 246 -‬‬


‫حب اللَّه لعباده الصالحين وعالماته‬
‫ُّ‬
‫أوالً‪ : ‬فضل حب اللَّه للمؤمنين‪: ‬‬
‫ق ال بعض الص احلني‪ : ‬ليس الش أن أن حُتِ ب ولكن الش أن أن حُت ب‪ ، ‬أي‬
‫ليس األمر أن تظن أنك حتب اللَّه‪ ، ‬ولكن الش أن العظيم أن حيبك اللَّه‪ ‬؛ ألن‬
‫اللَّه ال حيب إال من استحق ذلك احلُب ‪.‬‬
‫وحلب اللَّه لعبده فضائل كثرية‪ ، ‬بل اخلري كله تابع لتلك احملبة ‪.‬‬
‫ّ‬
‫فمن هذه الفضائل‪: ‬‬
‫‪ -1‬أحباب اللَّه هم الطيبون‪: ‬‬
‫))‬
‫ق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬إن اللَّه ٌ‬
‫طيب ال يقبل إال طيبًا‪. )1(  ‬‬ ‫((‬

‫فإن كان اللَّه ال يقبل إال طيبًا فكيف حيب من مل يكن طيبًا ‪.‬‬
‫‪ -2‬إن اللَّه يدافع عن أحبابه‪: ‬‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫آمنُوا‪ ، } ‬وجعل ألولياءه النص يب‬ ‫قال تعاىل‪ِ { : ‬إ َّن اللَّهَ يُ َداف ُع َع ِن الذ َ‬
‫ين َ‬
‫األعظم من ه ذا ال دفاع‪ ، ‬فق ال تع اىل يف احلديث القدس ي‪  : ‬من ع ادى لي‬
‫((‬

‫وليًا فقد آذنته بالحرب‪. )2(  ‬‬


‫))‬

‫‪ -3‬إن اللَّه ال ُي ِّ‬


‫عذب أحبابه‪: ‬‬
‫َت الْيه ود والنَّص ارى نَحن َأبن اء اللَّ ِه و ِ‬
‫َأحبَّاُؤ هُ قُ ْل فَلِ َم‬ ‫ِ‬
‫قال تعاىل‪َ  { : ‬وقَ ال َ ُ ُ َ َ َ ْ ُ ْ َ ُ َ‬
‫ُي َع ِّذبُ ُك ْم بِ ُذنُوبِ ُك ْم بَ ْل َأْنتُ ْم بَ َش ٌر ِم َّم ْن َخلَ َق‪ [ } ‬املائدة‪. ] 18 : ‬‬
‫قال ابن كثري رمحه اللَّه‪  : ‬قال بعض الشيوخ لبعض الفقهاء‪ : ‬أين جتد يف‬ ‫((‬

‫القرآن أن احلبيب ال يعذب حبيبه ؟ فلم يرد عليه‪ ، ‬فتال عليه الشيخ هذه اآلية‪:‬‬

‫(?) تقدم تخريجه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه البخاري ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 247 -‬‬


‫{‪ ‬قُ ْل فَلِ َم ُي َع ِّذبُ ُك ْم بِ ُذنُوبِ ُك ْم‪ ، } ‬وه ذا ال ذي ق ال حسن وله ش اهد يف املس ند‬
‫مر النيب عليه الصالة والسالم يف نف ٍر من أصحابه وصيب‬ ‫لإلمام أمحد أنه قال‪َّ : ‬‬
‫يف الطريق‪ ، ‬فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ‪ ، ‬فأقبلت تسعى‬
‫وتقول‪ : ‬ابين ابين‪ ، ‬وسعت فأخذته‪ ، ‬فقال القوم‪ : ‬يا رسول اللَّه‪ ، ‬ما كانت‬
‫ه ذه لتلقي ول دها يف الن ار‪ ، ‬ق ال فحفظهم النيب ص لى اهلل عليه وس لم فق ال‪: ‬‬
‫‪ ‬ال واهلل ما يلقي حبيبه في النار‪. )1(  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫‪ -4‬يحبه جبريل وأهل السماء ‪ ‬يحببه إلى خلقه‪:   ‬‬


‫))‬ ‫((‬

‫عن أيب هري رة رضي اهلل عنه ق ال‪ : ‬أن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪: ‬‬
‫أحب اللَّه تعالى العبد نادى جبريل‪ : ‬إن اللَّه تعالى يحب فالنًا فأحببه‬
‫‪ ‬إذا َّ‬ ‫((‬

‫ادى في أهل السماء‪  : ‬إن اللَّه يحب فالنًا فأحبوه فيحبه‬ ‫فيحبه جبريل فينَ ِ‬
‫((‬
‫ُ‬
‫أهل السماء ثم يوضع له القبول في األرض‪. )2(  ‬‬
‫))‬

‫ثانيا ‪ :‬معنى محبة اللَّه للمؤمنين‪: ‬‬


‫ً‬
‫إن اللَّه ٌ‬
‫طيب غاية الطيب‪ ، ‬مجيل غاية اجلم ال‪ ، ‬كامل الص فات والنع وت‬
‫أحدا فال بد أن يكون مجيالً طيبًا فإن اللَّه عز وجل ال‬
‫غاية الكمال فإذا أحب ً‬
‫احلب لص لة‬‫بعض ا ف إن اخللق قد حيدث بينهم ُ‬ ‫حيب كما حُي ب اخللق بعض هم ً‬
‫جل جالله فال حيب باهلوى وال للدنيا فإهنا‬‫النسب أو للهوى والدنيا‪َّ ، ‬أما اهلل َّ‬
‫ال ت زن عن ده جن اح بعوضة فقد ق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬إن اللَّه ال‬
‫((‬

‫))‬ ‫ينظر إلى أجس امكم وال إلى ص وركم ولكن ينظر إلى قل وبكم وأعم الكم‪ ‬‬
‫أحب باحلق‪ ، ‬وإذا أبغض أبغض باحلق ‪ .‬وللَّه ُّ‬
‫أحب اللَّه َّ‬
‫( ‪)3‬‬
‫در القائل‪: ‬‬ ‫‪ .‬فإذا َّ‬
‫(? ) رواه أحمد في المسند عن ابن أبي عدي عن حميد عن أنس ‪ ،‬وتفرد به أحمد ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 248 -‬‬


‫غين عن سواك مجيل‬
‫فأنت ٌ‬ ‫ودود بال هوى‬ ‫ودود بال ميل ٌ‬ ‫ٌ‬
‫لذلك جند أن حب اللَّه تبارك وتعاىل لعباده مقرونًا بصفات طيبة وأعمال‬
‫أيض ا‪: ‬‬ ‫ِِ‬ ‫صاحلة ‪ .‬قال تعاىل‪ِ { : ‬إ َّن اللَّهَ يُ ِح ُّ‬
‫ين‪ [ } ‬البقرة‪ ، ] 195 : ‬وقال ً‬ ‫ب ال ُْم ْحسن َ‬
‫أيض ا‪: ‬‬ ‫ين‪ [ } ‬البق رة‪ ، ] 222 : ‬وق ال ً‬ ‫ين َويُ ِح ُّ‬
‫ب ال ُْمتَطَ ِّه ِر َ‬
‫ب الت َّ ِ‬
‫َّواب َ‬ ‫{‪ِ ‬إ َّن اللَّهَ يُ ِح ُّ‬
‫ب‬‫أيض ا‪ِ { : ‬إ َّن اللَّهَ يُ ِح ُّ‬‫ين‪ [ } ‬آل عم ران‪ ، ] 76 : ‬وق ال ً‬ ‫{‪ ‬فَ ِإ َّن اللَّهَ ي ِح ُّ ِ‬
‫ب ال ُْمتَّق َ‬ ‫ُ‬
‫ين ُي َق اتِلُو َن فِي‬ ‫الْمَتو ِّكلِين‪ [ } ‬آل عم ران‪ ، ] 159 : ‬وقال أيض ا‪ِ { : ‬إ َّن اللَّهَ ي ِح ُّ َّ ِ‬
‫ب الذ َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َُ َ‬
‫ِِ‬
‫وص‪ [ } ‬الصف‪. ] 4 : ‬‬ ‫ص ٌ‬ ‫َسبِيله َ‬
‫ص ًّفا َك ََّأن ُه ْم ُب ْنيَا ٌن َم ْر ُ‬
‫وك ذلك بغضه ال يك ون إال للمعص ية والعص اة والطغي ان والطغ اة‪ ، ‬ق ال‬
‫ين‪ [ } ‬البق رة‪ ، ] 190 : ‬وقال تعاىل‪َ  { : ‬واللَّهُ الَ‬ ‫ِ‬ ‫تعاىل‪ِ { : ‬إ َّن اللَّهَ الَ يُ ِح ُّ‬
‫ب ال ُْم ْعتَ د َ‬
‫ب‬‫ب ُك َّل َك َّفا ٍر َأثِ ٍيم‪ [ } ‬البق رة‪ ، ] 276 : ‬وق ال تع اىل‪َ  { : ‬واللَّهُ الَ يُ ِح ُّ‬ ‫يُ ِح ُّ‬
‫ِِ‬
‫ين‪ [ } ‬آل عمران‪. ] 140 : ‬‬ ‫الظَّالم َ‬
‫ثالثًا ‪ :‬من أسباب حب اللَّه للعبد‪: ‬‬
‫أوالً‪ : ‬اتباع النبي صلى اهلل عليه وسلم‪: ‬‬
‫ق ال تع اىل‪ { : ‬قُ ْل ِإ ْن ُك ْنتُ ْم تُ ِحبُّو َن اللَّهَ فَ اتَّبِعُونِي يُ ْحبِْب ُك ُم اللَّهُ َو َي ْغ ِف ْر لَ ُك ْم‬
‫ذُنُوبَ ُك ْم‪ [ } ‬آل عمران‪. ] 31 : ‬‬
‫الثاني‪ : ‬التقرب إلى اللَّه جل جالله بالنوافل بعد الفرائض‪: ‬‬
‫ب‬
‫أح َّ‬ ‫ٍ‬
‫إلي عبدي بش يء َ‬ ‫قال تعاىل يف احلديث القدسي‪ ...  : ‬وما تقرب َّ‬ ‫((‬

‫إلي بالنوافل ح تى أحبَّه‪ ‬‬


‫))‬
‫إلي مما افترضت علي ه‪ ، ‬وما ي زال عب دي يتق رب َّ‬
‫َّ‬
‫(‪. )1‬‬
‫الثالث‪ : ‬القرآن الكريم‪: ‬‬

‫(?) رواه البخاري ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 249 -‬‬


‫ٍ‬
‫ق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬ما ِأذ َن للَّه لش يء ما أذن لن ٍّ‬
‫بي حسن‬ ‫((‬

‫يتغنى بالقرآن يجهر به‪. )1(  ‬‬


‫))‬
‫الصوت َّ‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها أن النيب صلى اهلل عليه وسلم بعث رجالً على‬
‫سرية وكان يق رأ ألص حابه يف صالهتم فيختم بـ {‪ ‬قُ ْل ُه َو اللَّهُ َ‬
‫َأح ٌد‪ ، } ‬فلما‬
‫رجعوا ذكروا ذلك للنيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ، ‬فقال‪  : ‬سلوه ألي ٍ‬
‫شيء يصنع‬ ‫((‬
‫ِّ‬
‫ذلك ؟‪  ‬فس ألوه‪ ،‬فق ال‪ :‬ألهنا ص فة ال رمحن وأنا أحب أن أق رأ هبا‪ ،‬فق ال النيب‬ ‫))‬

‫صلى اهلل عليه وسلم‪  :‬أخبروه أن اللَّه يحبه‪.)2(  ‬‬


‫))‬ ‫((‬

‫الحب في اهلل‪ ، ‬والتجالس في اهلل‪ ، ‬ونحو ذلك‪: ‬‬


‫ُّ‬ ‫الرابع‪: ‬‬
‫في‬
‫ت محب تي للمتح ابين ّ‬ ‫ق ال تع اىل يف احلديث القدس ي‪َ   : ‬و َجبَ ْ‬
‫((‬

‫في‪. )3(  ‬‬


‫في والمتزاورين َّ‬
‫))‬
‫في والمتباذلين َّ‬‫والمتجالسين ّ‬
‫وحقت محب تي‬
‫في‪ُ ، ‬‬‫حقت محب تي للمتح ابين َّ‬ ‫وق ال عز وج ل‪َّ   : ‬‬ ‫((‬

‫وح َّقت محب تي‬


‫في‪ُ ، ‬‬
‫في وحقت محب تي للمتناص حين َّ‬ ‫للمتواص لين َّ‬
‫في على من ابر من‬
‫في المتح ابين َّ‬ ‫في َّ‬
‫وحقت محب تي للمتب اذلين َّ‬ ‫للم تزاورين َّ‬
‫نور‪ ، ‬يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون والشهداء‪. )4(  ‬‬
‫))‬

‫وق ال رس ول اللَّه ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬إن اللَّه تع الى يق ول ي وم‬


‫((‬

‫القيام ة‪ :‬أين المتح ابون لجاللي‪ ، ‬الي وم أظلهم في ظلي‪ ، ‬ي وم ال ظل إال‬

‫(?) متفق عليه ‪ ،‬ومعنى ((‪َ ‬أ ِذن هَّللا ‪ ، )) ‬أي ‪ :‬استمع ‪ ،‬وهو إشارة إلى الرضا والقبول‬ ‫‪1‬‬

‫‪.‬‬
‫(?) رواه البخاري (‪ )348 ،11/347‬رقم الحديث ‪. 7375‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) رواه أحم د في مس نده ‪ ،‬والط براني في الكب ير ‪ ،‬والح اكم في المس تدرك ‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫والبيهقي في شعب اإليمان عن معاذ ‪ ،‬وص ححه األلب اني في ص حيح الج امع (رقم‬
‫‪ ، )4331‬وتخريج المشاكاة ‪. 5011‬‬
‫(? ) أخرجه أحمد والطبراني في الكبير ‪ ،‬والحاكم في المستدرك ‪ ،‬وص ححه عب اده‬ ‫‪4‬‬

‫بن الصامت ‪ ،‬وصححه األلباني في صحيح الجامع رقم ‪. 4321‬‬

‫‪- 250 -‬‬


‫ظلي‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫حب األنصار‪: ‬‬
‫الخامس‪ُّ : ‬‬
‫عن الرباء قال‪ : ‬قال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬األنصار ال يحبهم إال‬
‫((‬

‫م ؤمن وال يبغض هم إال من افق‪ ، ‬فمن أحبَّهم أحبه اللَّه ومن أبغض هم أبغضه‬
‫اللَّه‪. )2(  ‬‬
‫))‬

‫السادس ‪ : ‬الزهد في الدنيا‪: ‬‬


‫عن أيب العبَّاس س هل بن س عد الس اعدي رضي اهلل عنه ق ال‪ : ‬ج اء رج ٌل‬
‫إىل النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪ ، ‬فق ال‪ : ‬يا رس ول اللَّه‪ُ ، ‬دلين على عمل إذا‬
‫عملته أحبين اللَّهُ وأحبين الن اس‪ ، ‬فق ال‪  : ‬ازهد في ال دنيا يُ ِحبُّ َ‬
‫ك اللَّهُ‪، ‬‬ ‫((‬

‫الناس‪. )3(  ‬‬


‫وازهد فيما عند الناس يحبك ُ‬
‫))‬

‫السابع‪ :‬قوة اإليمان‪: ‬‬


‫وأحب إلى اللَّه‬
‫ُّ‬ ‫ق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬الم ؤمن الق وي خ ٌير‬
‫((‬

‫من المؤمن الضعيف‪. )4(  ‬‬


‫))‬

‫الثامن‪ : ‬المداومة على العمل الصالح‪: ‬‬


‫أحب األعم ال إلى اللَّه أدومها وإن‬
‫ق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪ُّ   : ‬‬
‫((‬

‫قل‪. )5(  ‬‬


‫َّ‬‫))‬

‫التاسع‪ : ‬ثالث خصال من ُحسن الخلق‪: ‬‬

‫(?) رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) حديث حس ن ‪ :‬رواه ابن ماج ه وغ يره بأس انيد حس نة ‪ .‬ق ال األلب اني ‪ :‬يتق وى‬ ‫‪3‬‬

‫الحديث بغير طريقه وبشواهد خرجتها في ((‪ ‬الصحيحة‪. )944( )) ‬‬


‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫هَّللا‬
‫(?) أخرجه البخاري (‪ ، )6464‬ومسلم (‪ )783‬من حديث عائشة رضي عنها ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪- 251 -‬‬


‫الخفى‪. )1(  ‬‬
‫))‬
‫َّ‬ ‫الغنى‬ ‫‪ ‬إن اللَّه يحب العبد َّ‬
‫التقي َّ‬ ‫((‬

‫العاشر‪ : ‬أن ُيعطيه الدين واإليمان‪: ‬‬


‫قال ابن مسعود رضي اهلل عنه‪  : ‬إن اللَّه يُعطي الدنيا من يُ ُّ‬
‫حب ومن ال‬ ‫((‬

‫أحب‪. )2(  ‬‬


‫ِّين إال لمن َّ‬
‫))‬
‫يحب وال يعطي الد َ‬
‫ّ‬
‫ويف رواية‪ ...  : ‬وال ُي ْع ِطي اإليما َن إال من َّ‬
‫أحب‪.  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫الحادي عشر‪ : ‬إلتماس مرضاة اللَّه‪: ‬‬


‫عن ثوبان عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪  : ‬إن العبد يلتمس مرضاة‬
‫((‬

‫اللَّه عز وجل فال ي زال ك ذلك‪ ، ‬فيق ول‪ : ‬يا جبري ل‪ ، ‬إن عب دي فالنًا‬
‫يلتمس أن يرض يني برض ائي عليه ‪ .‬ق ال‪ : ‬فيق ول جبريل عليه الس الم‪: ‬‬
‫رحمة اللَّه على فالن‪ ، ‬وتق ول حملة الع رش‪ ، ‬ويق ول ال ذين يل ونهم ح تى‬
‫يق ول أهل الس ماوات الس بع ثم يهبط إلى األرض‪ ،   ‬مث ق ال رس ول اللَّه‬
‫))‬

‫ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬وهي اآلية ال تي أن زل اللَّه عليكم في كتابه‪ِ { : ‬إ َّن‬
‫((‬

‫الص الِح ِ‬
‫ات َس يَ ْج َع ُل ل َُه ُم ال َّر ْح َم ُن ُودًّا‪ [ } ‬م رمي‪ ، ] 96 : ‬وإن‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫آمنُ وا َو َعملُ وا َّ َ‬
‫ين َ‬
‫الذ َ‬
‫العبد ليلتمس س خط اللَِّه فيق ول اللَّه عز وج ل‪  : ‬يا جبري ل‪ ، ‬إن فالنًا‬
‫((‬

‫يستس خطني أال وإن غض بي عليه‪ .  ‬فيق ول جربي ل‪ : ‬غضب اللَّه على فالن‬
‫))‬

‫وتق ول محل ةُ الع رش ويق ول َم ْن دوهنم‪ ، ‬حىت يقوله أهل الس ماوات الس بع مث‬
‫يهبط إىل األرض(‪. )3‬‬
‫الثاني عشر ‪ :‬هؤالء الثالثة يحبهم اللَّ ُه ويضحك إليهم‪: ‬‬
‫(?) رواه مس لم ‪ :‬عن س عد بن أبي وق اص رض ي هَّللا عن ه ‪ ،‬والم راد بـ ((‪ ‬ال ِغنَى‪ ‬‬
‫))‬
‫‪1‬‬

‫غنى النفس ‪.‬‬


‫(?) أخرج ه أحم د ‪ ،1/387‬والح اكم ‪ . 2/447‬وص حح الح اكم رفع ه ‪ ،‬وص حح‬ ‫‪2‬‬

‫الدارقطني الوقف ‪.‬‬


‫(? ) صحيح ‪ :‬أخرجه الطبراني في األوسط كما في مجمع الزوائد ( ج ‪. )10/272‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 252 -‬‬


‫عن أيب الدرداء رضي اللَّه عنه عن النيب عليه الصالة والسالم قال‪  : ‬ثالثة‬
‫((‬

‫يُحبهم اللَّهُ‪ ، ‬ويض حك إليهم‪ ، ‬ويستبشر بهم‪ : ‬ال ذي إذا انكش فت فِئةٌ‬
‫قاتل وراءها بنفسه هلل عز وجل فإما أن ُي ْقتَ ل‪ ، ‬وإما أن ينص ره اللَّه عز‬
‫ص َب َر لي بنفسه ؟‬
‫وجل ويكفيه فيق ول‪ : ‬انظ روا إلى عب دي ه ذا كيف َ‬
‫وال ذي له ام رأة َح َس نَةٌ وف راش ليِّ ٌن حس ٌن فيق وم من اللي ل‪ ، ‬فيق ول‪ : ‬يَ َذ ُر‬
‫شهوتَه ويذ ُك ُرني ولو شاء َرق َد‪ ، ‬والذي إذا كان في سفر وكان معه ركب‬
‫الس َحر في ض راء وس راء‪ . )1(  ‬ف إن اللَّه عز‬
‫))‬ ‫فس ِه ُروا ثم هجع وا‪ ، ‬فق ام من َّ‬‫َ‬
‫وجل أحق من جياهد يف سبيله وأعظم من ُس ِهر من أجله ‪ ،‬وللَّه ُّ‬
‫در القائل ‪:‬‬
‫وبكاؤهن لغري فقدك ضائع‬ ‫سهر العيون لغري وجهك باطل‬
‫رابعا ‪ :‬عالمات محبة اللَّه للعبد‪: ‬‬
‫ً‬
‫حلب اهلل لعب اده‬
‫ب املؤم نني هلل له عالم ات تؤك ده‪ ، ‬ف إن ِّ‬ ‫كما أن ُح َّ‬
‫عالم ات ك ذلك وهي كالبُش رى العاجلة هلم لتطمئن هبا قل وهُب م‪ ، ‬وتس عد هبا‬
‫نفوس هم فيا س عادة من ُوفِّ َق وكانت فيه هذه العالمات أو بعض ها‪ ، ‬ويا فرحة‬
‫ُ‬
‫من أكرمه اللَّه حببِّه وأسعده بقربه‪ ، ‬وسنذكر هنا بعض هذه العالمات‪: ‬‬
‫عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪ : ‬قال رسول اللَّه صلى اهلل عليه وسلم‪: ‬‬
‫إلي بالنوافل حتى ُأحبَّهُ‪ ، ‬فإذا‬ ‫‪ ‬إن اللَّه تعالى قال‪ : ‬وما يزال عبدي َّ‬
‫يتقرب َّ‬ ‫((‬

‫كنت س معه ال ذي يسمع ب ه‪ ، ‬وبص ره ال ذي يبصر ب ه‪ ، ‬وي ده ال ذي‬


‫أحببته ُ‬
‫يبطش بها ورجله ال تي يمشي بها وإن س ألني ُأل ْع ِطينه ولئن اس تعاذني‬
‫ُألعيذنه‪. )2(  ‬‬
‫))‬

‫(? ) حسن ‪ .‬أخرجه الطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد ( ج ‪ 2‬ص ‪، )255‬‬ ‫‪1‬‬

‫والترغيب والترهيب للمنذري ( ج ‪ 1‬ص ‪. ) 556‬‬


‫(?) رواه البخاري (‪ )11/341‬مع الفتح ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 253 -‬‬


‫ست عالمات حملبة اللَّه لعبده‪: ‬‬
‫ويف هذا احلديث ذُكرت ُ‬
‫‪ -1‬كنت سمعه الذي يسمع به‪: ‬‬
‫أي ال يسمع إال ما حيبه اهلل ويرضاه كسماعه للدعوة إىل اللَّه ولكالم اللَّه‬
‫يء مثلما ِأذن‬‫ورس وله‪ ‬؛ لق ول النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬ما أذن اللَّه لش ٍ‬
‫((‬

‫لنبي حسن الصوت يقرأ القرآن يجهر به‪. )1(  ‬‬


‫))‬

‫وكذلك ال حيب االستماع إىل السوء من القول كالكذب والغيبة وغريها‬


‫الس ِ‬
‫وء ِم َن الْ َق ْو ِل‬ ‫ْج ْه َر بِ ُّ‬ ‫ف إن اللَّه ال حيب ذلك كقوله تع اىل‪ { : ‬الَ يُ ِح ُّ‬
‫ب اللَّهُ ال َ‬
‫ِإالَّ َم ْن ظُلِ َم‪. } ‬‬
‫وك ذلك يع رض عن اللغو والغن اء احملرم‪ ، ‬ق ال اللَّه يف عب اد ال رمحن‪: ‬‬
‫{‪َ  ‬وِإذَا َم ُّروا بِ اللَّ ْغ ِو َم ُّروا كِ َر ًاما‪ [ } ‬الفرق ان‪ ، ] ‬وقد يك ون مسعه ال ذي يس مع به‬
‫أيض ا أن يرزقه الفراسة يف األق وال فيع رف ما تعنيه كلم ات احلق أو كلم ات‬
‫ً‬
‫الباطل فيع رف أص ناف الن اس من خط اهبم‪ ، ‬كما ق ال تع اىل‪َ  { : ‬ولَ ْو نَ َش اءُ‬
‫َح ِن الْ َق ْو ِل‪. } ‬‬ ‫َأَلرينَا َكهم َفلَعر ْف َتهم بِ ِسيماهم ولََتع ِر َفن ِ‬
‫َّه ْم في ل ْ‬
‫َ ْ ُ ْ ََ ُ ْ َ ُ ْ َ ْ ُ‬
‫ق ال ابن كثري يف ه ذه اآلي ة‪ : ‬أي فيما يب دو من كالمهم ال دال على‬
‫مقاصدهم يُفهم املتكلم من أي احلزبني هو مبعاين كالمه وفحواه وهو املراد من‬
‫أسر أح ٌد سريرة إال‬
‫حلن القول كما قال عثمان بن عفان رضي اهلل عنه‪  : ‬ما َّ‬
‫((‬

‫أبداها اللَّه على صفحات وجهه وفلتات لسانه‪.  ‬‬


‫))‬

‫ويف احلديث‪  : ‬ما أس َّر أح ٌد س ريرة إال كس اه اللَّه تع الى جلبابها إن‬ ‫((‬

‫شرا فشر‪. )2(  ‬‬


‫))‬
‫خيرا فخير وإن ً‬
‫ً‬

‫(?) سبق تخريجه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر تفسير ابن كثير ( ج ‪. )175 / 4‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 254 -‬‬


‫أيض ا أن يك ون حكمه على ما يس مع بش رع اللَّه تب ارك‬
‫وقد يعين ب ذلك ً‬
‫وتع اىل‪ ، ‬ف الطيب ما ك ان يف الش رع طيبً ا‪ ، ‬واخلبيث ما حكم عليه الش رع‬
‫باخلبث مهما كان فيه تزيني الشيطان وإغرائه ‪.‬‬
‫‪ -2‬وبصره الذي يبصر به‪: ‬‬
‫َفيُ ِحب النظر آلي ات اللَّه الكونية مثل الس ماوات واألرض وما فيها أو‬
‫الش رعية مثل كت اب اللَّه وس نة رس وله ص لى اهلل عليه وس لم كما ق ال تع اىل‪: ‬‬
‫ات ُأِلولِي اَأللْبَ ِ‬
‫اب‪} ‬‬ ‫َّه ا ِر آَل ي ٍ‬ ‫ات واَألر ِ ِ ِ‬
‫ض َوا ْختالَف اللَّْي ِل َوالن َ َ‬
‫ْق َّ ِ‬
‫الس َم َو َ ْ‬ ‫{‪ِ ‬إ َّن فِي َخل ِ‬
‫[‪ ‬آل عمران‪.] 190 : ‬‬
‫وال حيب النظر إىل ما ح َّرم اللَّه ك أن يش اهد ش يًئا من الباطل أو حيض ره‪، ‬‬
‫ور‪ [ } ‬الفرق ان‪ ، ] 72 : ‬و ‪ ‬الزور‪  ‬قيل‪: ‬‬ ‫َّ ِ‬
‫))‬ ‫((‬
‫الز َ‬ ‫كما قال تعاىل‪َ  { : ‬والذ َ‬
‫ين الَ يَ ْش َه ُدو َن ُّ‬
‫هو الشرك وعبادة األصنام‪ ، ‬فال يشهدونه وال حيضرونه ‪.‬‬
‫وقي ل‪ : ‬هو أعي اد املش ركني‪ ، ‬وق ال عم رو بن قيس‪  : ‬هي جمالس الس وء‬
‫((‬

‫واخلنا‪ .  ‬وقال حممد ابن احلنفية‪  : ‬هو اللغو والغناء‪.  ‬‬


‫))‬ ‫((‬ ‫))‬

‫وق ال مالك عن الزه ري‪ : ‬ش رب اخلمر ال حيض رونه وال يرغب ون فيه كما‬
‫ج اء يف احلديث‪  : ‬من ك ان ي ؤمن باللَّه والي وم واآلخر فال يجلس على‬‫((‬

‫مائدة يدار عليها الخمر‪ . )1(  ‬اهـ ‪.‬‬


‫))‬

‫وقد يكون ذا بصرية فيما يراه من كثرة حفظه لنظره وبعده عن احلرام ‪.‬‬
‫فقد كان عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه يرى بنور اهلل ‪ .‬فعن ابن عمر‬
‫رضي اهلل عنه ق ال‪ : ‬ما س معت عمر رضي اهلل عنه يق ول لش ٍ‬
‫يء ق ط‪ : ‬إني‬

‫(?) ابن كثير ( ج ‪. )313 / 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 255 -‬‬


‫يظن(‪. )1‬‬
‫ألظنه كذا إال كان كما ُّ‬
‫عمر ظ اهره باتب اع الس نة وباطنه‬
‫وق ال ش اه بن ج اع الكرم اين‪  : ‬من َّ‬
‫((‬

‫ب دوام املراقب ة‪ ، ‬وغض بص ره عن احلرام وكف نفسه عن الش هوات واعت اد‬
‫احلالل مل ختطئ فراسته‪ .  ‬وكان شاه هذا ال ختطئ له فراسة(‪.)2‬‬
‫))‬

‫‪ -3‬ويده التي يبطش بها‪: ‬‬


‫أي ال متتد ي ده إال إىل ما حيب اهلل ويرضى كالتع اون على الرب والتق وى‬
‫ويكفها عما ح َّرم اللَّه تع اىل فال ميس هبا ما ال ُّ‬
‫حيل له كالنس اء األجنبي ات أو‬
‫يأخذ هبا ما ليس له كحق وق الن اس وال متتد ب األذى ك أن يض رب أو يظلم‪، ‬‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم‪  : ‬المسلم من سلم المسلمون من لسانه‬
‫((‬
‫كما قال ُّ‬
‫ويده‪ ، ‬والمهاجر من هجر ما نهى اللَّه عنه‪. )3(  ‬‬
‫))‬

‫وقد كان لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أعظم النصيب من هذا احلب‪، ‬‬
‫ول ذلك فقد ق الت عائشة رضي اهلل عنه ا‪  : ‬ما ض رب رس ول اهلل ص لى اهلل‬
‫((‬

‫خادما إال أن يجاهد في سبيل اهلل‪، ‬‬


‫عليه وسلم شيًئا قط بيده وال امرأة وال ً‬
‫وما نيل منه ش يءٌ قط فينتقم من ص احبه إال أن ينتهك ش يءٌ من مح ارم اهلل‬
‫تعالى فينتقم هلل تعالى‪. )4(  ‬‬
‫))‬

‫‪ -4‬ورجله التي يمشي بها‪: ‬‬


‫حرم اهلل من األعمال واألماكن‪ ، ‬فقد قال النيب صلى اهلل‬
‫فال ميشي إىل ما ّ‬
‫والرجل زناها ال ُخطا‪. )5(  ‬‬
‫))‬ ‫عليه وسلم‪ِّ   : ‬‬
‫((‬

‫(?) رواه البخاري ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) من كتاب البحر الرائق للشيخ أحمد فريد ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) رواه مسلم (‪ -206 ،16/205‬القدر ) ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪- 256 -‬‬


‫وال يتكرب يف مش يته‪ ، ‬فإهنا مش ية يبغض ها اهلل ورس وله‪ ، ‬فقد ق ال النيب‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه ُم َر َّجل رأسه‬ ‫((‬

‫يخت ال في مش يته‪ ‬؛ إذ خسف اهلل به فهو يتجلجل في األرض إلى ي وم‬


‫القيامة‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫ولكنه يسعى يف اخلري كاجلهاد يف سبيل اهلل‪ ، ‬فقد قال النيب صلى اهلل عليه‬
‫خير من الدنيا وما فيها‪. )2(  ‬‬
‫))‬
‫وسلم‪  : ‬لغدوة في سبيل اهلل أو روحة ٌ‬ ‫((‬

‫أو املشي إىل املس اجد‪ ، ‬فقد ق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬من غ دا‬
‫((‬

‫أعد اللَّه له في الجنة نزالً كلما غدا أو راح‪. )3(  ‬‬


‫))‬ ‫إلى المسجد أو راح َّ‬
‫‪ -5‬وإ ن سألني أعطيته‪: ‬‬
‫ف أي أجر أعظم من ه ذا‪ ، ‬وأي ج ائزة هي أفضل من أن يعطيه اللَّهُ ما‬
‫س أل‪ ،‬فمن ذلك ما أك رم اللَّه به أص حاب الكهف من اآلي ات العظيمة حني‬
‫ق الوا‪َ  { :‬ر َّبنَا آتِنَا ِم ْن لَ ُدنْ َك َر ْح َم ةً َو َهيِّْئ لَنَا ِم ْن َْأم ِرنَا َر َش ًدا‪ ، } ‬وحني ق ال‬
‫ِِ‬ ‫ك ِإنِّي ُك ْن ُ ِ‬
‫ت م َن الظَّالم َ‬
‫ين‪، } ‬‬ ‫ت ُس ْب َحانَ َ‬‫ي ونس عليه الس الم‪ { : ‬الَ ِإلَ هَ ِإالَّ َأنْ َ‬
‫ين‪. } ‬‬‫ِِ‬ ‫استَج ْبنَا لَهُ ونَ َّج ْينَاهُ ِمن الْغَ ِّم و َك َذلِ َ ِ‬
‫ك ُن ْنجي ال ُْمْؤ من َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فقال تعاىل‪ { : ‬فَ ْ َ‬
‫َّ‬
‫ُألعيذنه‪: ‬‬ ‫‪ -6‬ولئن استعاذني‬
‫وإذا استعاذ باهلل من شر ٍ‬
‫فتنة أو بطش ظامل أعاذه اهلل فمن ذلك ‪:‬‬
‫حفاظته ليوسف عليه الس الم حين راودته ام رأة العزي زعن نفس ه‪، ‬‬
‫ِ‬
‫اي‪ ، } ‬فأعاذه اهلل من ذلك ‪.‬‬ ‫فقال‪َ  { : ‬م َعاذَ اللَّه ِإنَّهُ َربِّي ْ‬
‫َأح َس َن َم ْث َو َ‬
‫وكفايته من بطش الطغ اة لطفل أص حاب األخ دود‪ ، ‬فكلما أرادوا قتله‬
‫(?) متفق عليه ‪ُ ،‬مرجَّل ‪ :‬أي ُم َم َّشط ‪ ،‬يتجلجل ‪ :‬أي يغوص وينزل ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه البخاري (‪ )6/13‬الجهاد ‪ ،‬ومسلم (‪ )13/27‬اإلمارة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 257 -‬‬


‫قال‪  : ‬اللهم أكفنيهم بما شئت‪ ،   ‬فيكفيه اللَّه وينجيه ويهلك أعداءه ‪.‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫عص مته لعاصم بن ث ابت من نجس المش ركين ‪ .‬فقد قتل عاصم بن‬
‫عاصما وتشرب يف‬
‫ً‬ ‫ثابت اثنني من املشركني يوم أحد‪ ، ‬فنذرت أمهما أن تقتل‬
‫قحف رأسه اخلمر وجعلت ملن ج اء برأسه مائة ناق ة‪ ، ‬فلما غ درت ه ذيل‬
‫باملس لمني وأرادوا قتل عاصم بن ث ابت ق ال‪ : ‬اللهم إين أمحي ل دينك وأدافع‬
‫ِ‬
‫عن ه‪ ،‬ف احم حلمي وعظمي وال تُظفر هبما أح ًدا من أع داء اللَّه ‪ .‬وق ال ً‬
‫أيض ا‪: ‬‬
‫اللهم إين محيت دينك أول النه ار ف احم جس دي آخ ره ‪ .‬فلما قُتل أح اط به‬
‫ال دَّبْر ( وهو النحل وال ذنانري ) فما اس تطاع أح دهم ملس ه‪ ، ‬فق الوا‪ : ‬دع وه إىل‬
‫عاصما فذهب به ‪ .‬فلما بلغ عمر بن اخلطاب‬ ‫ً‬ ‫الليل‪ ، ‬فبعث اللَّه الوادي فاحتمل‬
‫ما ح دث ق ال‪ : ‬حيفظ اللَّه العبد املؤمن‪ ، ‬ك ان عاصم ن ذر أال ميسه مش رك وال‬
‫أبدا يف حياته‪ ، ‬فمنعه اللَّه بعد وفاته كما امتنع يف حياته(‪. )1‬‬
‫ميس مشر ًكا ً‬
‫‪ُ -7‬حسن الخاتمة‪: ‬‬
‫ق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪  : ‬إذا أراد اللَّه بعبد خ ًيرا عس له قبل‬
‫((‬

‫موته‪ .  ‬قيل‪ : ‬وما عسله ؟ قال‪  : ‬يفتح له عمل صالح بين يدي موته حتى‬
‫((‬ ‫))‬

‫يرضى عنه‪. )2(  ‬‬


‫))‬

‫لقاء اللَّ ِه‬


‫لقاءه‪ ، ‬ومن كره َ‬
‫أيضا‪  : ‬من أحب لقاء اللَّ ِه َّ َّ‬
‫أحب اللهُ َ‬ ‫وقال ً‬
‫((‬

‫اءه‪ .  ‬فق الت عائشة رضي اللَّه عنه ا‪ - ‬أو بعض أزواج ه‪ :- ‬إنا‬ ‫َّ‬
‫ك ره اللهُ لق َ‬
‫))‬

‫شر‬ ‫لنكره املوت‪ ، ‬فقال‪  : ‬ليس ذلك‪ ، ‬ولكن المؤمن إذا حضره الموت بُ ِّ‬
‫((‬

‫أحب لق اء اللَّه‬ ‫برض ِ‬


‫وان اللَّه وكرامته فليس ش يء أحب إليه مما أمام ه‪ ، ‬ف َّ‬
‫(?) انظر كتاب الجزاء من جنس العمل (‪ )43 ،2/42‬بتصرف ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرج ه أحم د ‪ ،5/224‬وابن حب ان (‪ ، )343 ،342‬والح اكم ‪ ،1/340‬من‬ ‫‪2‬‬

‫حديث عمرو بن الحمق ‪ ،‬رضي هللا عنه ‪ ،‬وصححه الحاكم ‪.‬‬

‫‪- 258 -‬‬


‫فأحب اللَّه لقاءه‪. )1(  ‬‬
‫))‬

‫ٍ‬
‫وروي عن عائشة رضي اهلل عنه ا‪  : ‬إذا أراد اللَّه بعب د خ ًريا قيَّ َ‬
‫ض له قبل‬ ‫((‬
‫ُ‬
‫ِّده ويوفقه حىت يقال مات خبري ما كان‪ ، ‬فإذا حضر ورأى‬ ‫موته ٍ‬
‫بعام َملَ ًكا يُ َسد ُ‬
‫أحب لقاء اللَِّه وأحب اللَّهُ لقاءَه‪.)2(  ‬‬
‫))‬ ‫ثوابه اشتاقت نفسه‪ ، ‬فذلك حني َّ‬
‫(‪)3‬‬
‫‪:‬‬ ‫ليس كمثله شيء في محبته‬
‫فكل من أحب غري اللَّه فنس أله بعض األس ئلة ومن إجابته عليها س يعلم‬
‫وحب غريه ‪:‬‬ ‫الفرق بني حب اللَّه ُ‬
‫‪ -‬هل َعلِم من حتبه أنك حتبه وكم حتبه ؟‬
‫أيضا ؟‬
‫ك احملبة وأحبك هو ً‬‫‪ -‬هل إذا علم حمبتك له بَ َادلَ َ‬
‫‪ -‬هل إذا أحبَّك من حتب تض من ثباته على ذلك احلب وأال يتقلب عليك‬
‫َق ْلبُه ويتحول عنك ُحبُّه ؟‬
‫‪ -‬وهل إذا أحبَّك تض من أال ينافسك يف حمبته غ ريُك فينص رف عنك‬
‫ويهجرك ؟‬
‫‪ -‬وإذا ضمنت ذلك كله هل تضمن بقاءَه معك لتنعم حببه وهتنأ بقربه ؟‬
‫اإلجابة عن هذه األسئلة بكلمة واحدة وهي ‪  :‬ال‪.  ‬‬
‫))‬ ‫((‬

‫حب اللَّه وحده ‪ ،‬فمن ذلك ‪:‬‬


‫فال تتوافر هذه الشورط إال يف ِّ‬
‫‪ -1‬فإنه يعلم حمبتك له وكم حتبه من غري أن تتكلم فإنه يعلمها من قلبك‬
‫فإنه عليم بذات الصدور ‪.‬‬

‫(?) رواه البخاري (‪. )11/357‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ذكره الحافظ ابن حجر ‪ ،‬فقال ‪ :‬عند عبد بن حميد عن عائش ة مرفو ًع ا ‪ .‬انظ ر‬ ‫‪2‬‬

‫((‪ ‬فتح الباري‪. )11/359( )) ‬‬


‫هَّللا‬
‫(?) انظر معنى محبة العبد لربه ومعنى محبة لعباده المؤمنين ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 259 -‬‬


‫وجل يبادل الناس احملبة ‪ ،‬إمنا نقول أن اللَّه تبارك‬ ‫‪ -2‬وال نقول أن اللَّه َّ‬
‫عز َّ‬
‫وتعاىل حيب أحبابه قبل حبهم له ‪ ،‬قال تعاىل ‪  :‬حيبهم وحيبونه‪ ،  ‬فقدَّم حمبتَه‬
‫))‬ ‫((‬

‫هلم على حمبتهم له ‪.‬‬


‫وحب اللَّه للخلق ال يغ ريه ش يء إال أن يغري العبد ما بنفسه جتاه ربه‬ ‫‪ُّ -3‬‬
‫ك ُمغَِّي ًرا نِ ْع َم ةً‬ ‫فينقض عه ده وي رتك ُو َّده ‪ ،‬ق ال تع اىل ‪ { :‬ذَلِ َ‬
‫ك بِ َّ‬
‫َأن اللَّهَ لَ ْم يَ ُ‬
‫ع ِليم‪ [ } ‬األنف ال ‪:‬‬
‫يع َ ٌ‬ ‫َأن اللَّهَ َس ِم ٌ‬‫َأْن َع َم َها َعلَى َق ْوٍم َحتَّى ُيغَِّي ُروا َما بَِأْن ُف ِس ِه ْم َو َّ‬
‫‪. ] 53‬‬
‫وجاء عن علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه أنه قال ‪  :‬ما من قوم كانوا‬
‫((‬

‫حولهم اللَّه مما يغضبهم‬


‫على ما يغضب اللَّهَ فتحولوا عنه إلى ما يرضيه إال َّ‬
‫إلى ما يرض يهم ‪ ،‬وما من ق وم ك انوا على ما يُرضى اللَّه عز وجل َّ‬
‫فتحول وا‬
‫حولهم اللَّه مما يرضيهم إلى ما يغضبهم‪.  ‬‬
‫))‬ ‫عنه إلى ما يغضبه إال َّ‬
‫‪ -4‬وك ثرة املتنافسني على حب اهلل ال تزي دهم عن ده إال حمبة هلم ورضا‬
‫عنهم وال يشغله بعضهم عن بعض فإن الطريق إىل اللَّه يتسع هلم كلما تنافسوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫حب اللَّه ألحبابه ب اقي ال يفىن إذا م اتوا على ذلك فهو معهم يف‬
‫‪ُّ -5‬‬
‫الدنيا ويف القرب ويف الدار اآلخرة ‪ ،‬فقد قال جربيل عليه السالم للنيب صلى اهلل‬
‫مجزي به‬
‫ٌّ‬ ‫عليه وسلم ‪  :‬عش ما شئت فإنك ميت ‪ ،‬واعمل ما شئت فإنك‬ ‫((‬

‫‪ ،‬وأحبب من شئت فإنك مفارقه ‪. )1(  ...‬‬


‫))‬

‫وصدق من قال ‪:‬‬

‫(?) أخرج ه الط براني في األوس ط (‪ ، )4278‬وق ال المن ذري في ال ترغيب‬ ‫‪1‬‬

‫والترهيب (‪ : )1/431‬إسناده حسن ‪.‬‬

‫‪- 260 -‬‬


‫ومن كانت لغري اللَّه خلته فخليله منه على خطر‬
‫***‬

‫‪- 261 -‬‬


‫دعاء اللَّه باسمه ‪ ‬الودود‪  ‬جل جالله وتقدست أسماؤه‬
‫))‬ ‫((‬

‫وإهلام ال ي أيت به إال اهلل‪ ، ‬فمن أراده على احلقيقة س أل‬


‫وحى ٌ‬ ‫احلب ٌّ‬
‫ف إن َّ‬
‫اهللَ عز وجل أن يرزقه إياه‪ ، ‬وتأمل أخي احلبيب هذا الدعاء لنيب اهلل داود عليه‬
‫السالم‪ ، ‬وانظر ماذا كان يسأل‪: ‬‬
‫‪ -1‬عن أيب ال درداء رضي اهلل عنه ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم‪  : ‬ك ان من دع اء داود عليه الس الم‪ : ‬اللهم إني أس ألك ُحبَّك‪، ‬‬ ‫((‬

‫ب من يُحبُّك‪ ، ‬والعم َل ال ذي ُيَبلِّغ ني ُحبَّك‪ : ‬اللهم اجعل حبك َّ‬


‫أحب‬ ‫وح َّ‬
‫ُ‬
‫( ‪)1‬‬
‫إلي من نفسي‪ ، ‬وأهلي‪ ، ‬ومن الماء البادر‪.  ‬‬
‫))‬
‫َّ‬
‫وحب‬
‫َّ‬ ‫‪ -2‬فقد علَّم اللَّه نبيه محم ًدا صلى اهلل عليه وسلم أن يسأله حبَّه‬
‫يب ص لى اهلل عليه‬
‫من يحبه ‪ .‬فعن مع اذ بن جبل رضي اهلل عنه ق ال‪ : ‬أن الن َّ‬
‫وسلم قال‪  : ‬إن اللَّه قال له‪ : ‬قل‪ : ‬اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك‬
‫((‬

‫المنك رات وحب المس اكين‪ ، ‬وأن تغفر لي وترحم ني‪ ، ‬وإذا أردت فتنة‬
‫ق وم فتوف ني غ ير مفت ون‪ ، ‬أس ألك حبك وحب من يحب ك‪ ، ‬وحب عمل‬
‫يقرب إلى حبك‪. )2(  ‬‬
‫))‬

‫أحب الكالم إلى اهلل ورسوله‪: ‬‬


‫سبحان اهلل وبحمده سبحان اهلل العظيم‪: ‬‬
‫عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪ : ‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪: ‬‬

‫(?) رواه الترمذي ‪ ،‬وقال ‪ :‬حديث حس ن ‪ ،‬وق ال الش يخ األلب اني ‪ُ :‬‬
‫قلت ‪ .‬ك ذا ق ال‬ ‫‪1‬‬

‫الترمذي ‪ :‬وفيه نظر ظاهر ‪ ،‬فإن في سنده عبد هللا بن ربيعة الدمشقي وهو مجه ول‬
‫كما قال الحافظ ‪.‬‬
‫(?) أخرجه الترمذي (ج‪ ، )55/3235‬وق ال ‪ :‬ه ذا ح ديث حس ن ص حيح ‪ ،‬س ألت‬ ‫‪2‬‬

‫محمد بن إسماعيل ‪ -‬وهو اإلمام البخاري ‪ -‬عن ه ذا الح ديث فق ال ‪ :‬ح ديث حس ن‬
‫صحيح ‪.‬‬

‫‪- 262 -‬‬


‫‪ ‬كلمت ان خفيفت ان على اللس ان‪ ، ‬ثقيلت ان في الم يزان‪ ، ‬حبيبت ان إلى‬ ‫((‬

‫الرحمن‪ : ‬سبحان اهلل وبحمده‪ ، ‬سبحان اهلل العظيم‪. )1(  ‬‬


‫))‬

‫‪ -2‬وعن أيب ذ ٍر رضي اهلل عنه ق ال‪ : ‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫أحب الكالم إىل اهلل‪ : ‬سبحان‬
‫بأحب الكالم إىل اهلل ؟ إن َّ‬
‫ِّ‬ ‫وسلم‪  : ‬أال أخربك‬
‫((‬

‫اهلل وحبمده‪. )2(  ‬‬


‫))‬

‫***‬
‫الجزء األول من سلسلة ‪ ‬النور األسنى في‬
‫((‬
‫ُ‬ ‫تحم بحمد اللَّه وتوفيقه‬
‫شرح أسماء اللَّه الحسنى‪.  ‬‬
‫))‬

‫والحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات ‪.‬‬


‫وموعدنا مع الجزء الثاني ‪ ،‬إن شاء اللَّه تبارك وتعالى ‪.‬‬

‫موضوعات الكتاب‬
‫تقديم الكتاب‬
‫المقدمة‬
‫(?) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 263 -‬‬


‫الباب األول‪ :‬من فضائل األسماء الحُسنى‬
‫األولى‪ :‬األسماء الحسنى من أعظم أسباب دخول الجنة‬
‫الثانية‪ :‬األسماء الحسنى تعرِّ فك باهَّلل ع َّز وج َّل‬
‫الثالثة‪ :‬األسماء الحسنى أصل عبادة هَّللا تبارك وتعالى‬
‫الرابعة‪ :‬األسماء الحسنى أعظم األسباب إلجابة الدعاء‬
‫الخامسة‪ :‬إن هَّللا يحب من أحب أسمائه الحُسنى‬
‫السادسة‪ :‬دعاء هَّللا باسمائه الحسنى أعظم أسباب تفريج الكروب‬
‫وزوال الهموم‬
‫السابعة‪ :‬األسماء الحسنى أصل كل شيء‬
‫الثامنة‪ :‬معرفة هَّللا باسمائه وصفاته هي أصل خشيته تبارك‬
‫وتعالى‬
‫التاسعة‪ :‬من عرف األسماء الحسنى كما ينبغي فقد عرف كل شيء‬
‫العاشرة‪ :‬حسن الظن باهَّلل ع َّز وج َّل‬
‫الحادية عشرة‪ :‬ال يضر مع اسم هَّللا شيء‬
‫الثانية عشرة ‪ :‬األسماء الـحُسنى وأثرها في الحالل والحرام‬
‫الثالثة عشرة‪ :‬العلم بأسماء هَّللا الحسنى أعظم العلوم وأشرفها‬
‫الرابعة عشرة‪ :‬بركة األسماء الحسنى في المعيشة‬
‫الخامسة عشرة‪ :‬بركة األسماء الحسنى تلحق الذرية‬
‫السادسة عشرة‪ :‬أسماء هَّللا سبب للشفاء‬
‫السابعة عشرة‪ :‬النجاة من الوسوسة‬
‫الباب الثاني‪ :‬قواعد األسماء الحسنى‬
‫القاعدة األولى‪ :‬أسماء هَّللا تعالى كلها حسنى‬
‫القاعدة الثانية‪ :‬أسماء هَّللا توقيفية‬
‫القاعدة الثالثة‪ :‬ليس كمثله شي ٌء‬
‫القاعدة الرابعة‪ :‬األسماء الحسنى ليست أعال ًما فقط ولكنها تحمل‬
‫معاني وصفات‬
‫القاعدة الخامسة‪ :‬باب الصفات أوسع من باب األسماء‬
‫القاعدة السادسة ‪ :‬األسماء الحسنى ال تزيد وال تنقص‬

‫‪- 264 -‬‬


‫القاعدة السابعة‪ :‬هل حُصرت األسماء الحسنى بعدد معين ؟‬
‫الباب الثالث‪ :‬أربعة تنبيهات هامة‬
‫األول‪ :‬إحصاء األسماء الحسنى«معناه أنواعه»‬
‫الثاني‪ :‬اإللحاد في األسماء الحسنى«معناه أنواعه»‬
‫الثالث‪ :‬دعاء هَّللا بأسمائه الحسنى«معناه أنواعه»‬
‫الرابع‪ :‬النهي عن التسمي بأسماء هَّللا وتغيير االسم من أجل ذلك‬
‫الباب الرابع‪«:‬شرح األسما ُء الحُسنى»‬
‫‪«2 ،1‬الرحمن الرحيم»‬
‫الفرق بين االسمين‬
‫ربكم ذو رحمة واسعة‬
‫إن هَّلل مائة رحمة‬
‫الرحمة بيد هَّللا وحده‬
‫هَّللا سبحانه وتعالى أرحم بعباده من األم بولدها‬
‫فانظر إلى آثار رحمة هَّللا‬
‫القرآن واإلسالم من رحمة هَّللا‬
‫ندائه في الثلث األخير من الليل ليرحم عباده‬
‫تقربه إلى خلقه وذكره لهم‬
‫صبره ج َّل جالله على األذى من خلقه‬
‫رحمته بالتائبين‬
‫صالته على المؤمنين‬
‫النجاة من النار ودخول الجنة بشفاعة أرحم الراحمين‬
‫رحمته بالمخلوقات الضعيفة‬
‫ليس كمثله شي ٌء في رحمته‬
‫ال تقنطوا من رحمة هَّللا‬
‫من أسباب الحرمان من رحمة هَّللا تبارك وتعالى‬
‫‪ -1‬من ال يَرحم ال يُرحم‬
‫‪ -2‬تعذيب الناس‬
‫‪ -3‬تعذيب الحيوانات‬

‫‪- 265 -‬‬


‫‪ -4‬االختالف والفُرقة‬
‫من أسباب رحمة الخلق‬
‫طاعة هَّللا ورسوله‬
‫صلة الرحم‬
‫التماس مرضاة هَّللا‬
‫الصبر‬
‫رحمة الناس‬
‫الجماعة رحمة‬
‫دعاء هَّللا باسميه«الرحمن‪ ،‬الرحيم»‬
‫‪«5 ،4 ،3‬الملك المالك المليك»‬
‫ال ملك إال هَّللا‬
‫فعالٌّ لما يريد‬
‫ذلُّ الملوك بين يدي ملك الملوك‬
‫احتجاب هَّللا عنهم يوم القيامة‬
‫يأتون إلى هَّللا مغلولة أيديهم إلى أعناقهم‬
‫يحرمون الشفاعة‬
‫ال يدخلون الجنة‬
‫هم أشد الناس عذابًا‬
‫لمن الملك اليوم ؟‬
‫النهي عن التسمية بملك الملوك‬
‫ك تواضعًا هلل‬ ‫النبي عليه الصالة والسالم يترك ال ُمل َ‬ ‫ُّ‬
‫ليس كمثله شي ٌء في ملكه‬
‫دعاء هَّللا بهذه األسماء الكريمة‬
‫‪ -6‬القدوس ج َّل جالله‬
‫القدسية التامة هلل وحده من جميع الوجوه‬
‫تقدس عن الشركاء واألنداد والزوجة والولد‬
‫تقدس عن كل نقص وعيب«الموت‪ ،‬والنوم‪ ،‬والكذب‪»...‬‬
‫التقديس الحق هلل تعالى يكون بشرعه‬

‫‪- 266 -‬‬


‫ليس كمثله شي ٌء في قدسيته‬
‫دعاء هَّللا باسمه القدوس‬
‫‪« -7‬الغني» ج َّل جالله وتقدست أسماؤه‬
‫ال يوصف بالغنى المطلق إال هَّللا‬
‫غني عن كل ما سواه‬
‫أنتم الفقراء إلى هَّللا‬
‫فقر العباد إلى هَّللا عز وجل فقران‬
‫ليس كمثله شيء في غناه‬
‫وأنه هو أغنى وأقنى‬
‫من أسباب الغنى«هؤالء يغنيهم هَّللا »‬
‫من أسباب الفقر«هؤالء يفقرهم هَّللا »‬
‫‪« -8‬الوهاب» تبارك وتعالى‬
‫الوهاب على الحقيقة هو هَّللا وحده‬
‫دعاء هَّللا باسمه الوهاب‬
‫ليست الهبة مجرد العطاء‬
‫شكر هَّللا على هباته‬
‫الرضا بالعطاء‬
‫الصبر على فقد النعم‬
‫ليس كمثله شي ٌء في هباته‬
‫‪ 11 ،10 ،9‬العلي األعلى المتعال‬
‫وجوب اإليمان بالعلو المطلق هلل تبارك وتعالى من كل الوجوه‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم وأصحابه رضي هَّللا عنهم يؤمنون بأن‬
‫هَّللا في السماء‬
‫ثبوت اإليمان لمن آمن بعلو هَّللا تبارك وتعالى‬
‫التواضع وذم التعالي‬
‫ما عال شي ٌء من الدنيا إال ُوضع‬
‫إن هَّللا يحب معالي األمور‬
‫اإلخالص‬

‫‪- 267 -‬‬


‫من أسباب العلو‬
‫‪ -1‬العلم واإليمان‬
‫‪ -2‬القرآن الكريم‬
‫‪ -3‬التواضع‬
‫‪ -4‬الشهادة في سبيل هللا‬
‫ليس كمثله شي ٌء في علوه‬
‫‪« -12‬الواسع» تبارك وتعالى‬
‫معنى االسم في حق هللا‬
‫العلم بأن هَّللا هو الواسع الحق‬
‫الواسع في رحمته مغفرته‬
‫الواسع في علمه‬
‫الواسع في شرعه‬
‫من عبادة هللا باسمه الواسع‬
‫الفرار بالدين من الفتن‬
‫اإلنفاق في سبيل هللا‬
‫الصبر هو أوسع الرزق‬
‫حبُّ هَّللا وطاعته هما أوسع الفضل‬
‫المعصية والتنطع هما أعظم أسباب الضيق‬
‫دعاء هَّللا باسمه الواسع‬
‫‪ -13‬الشافي جل جالله وتقدست أسماؤه‬
‫ال شافي إال هَّللا‬
‫المرض جندي من جنود هللا‬
‫المرض رحمة بالمؤمنين‬
‫من المرضى من له أجر الشهداء‬
‫المرض عذاب لمن عصى هَّللا ورسوله‬
‫الفحشاء والظلم سبب للعقوبة باألمراض‬
‫صور لمن عوقبوا باألمراض«أبو لهب األسود بن يغوث غالم‬
‫أحمد القادياني»‬

‫‪- 268 -‬‬


‫ومن أهل جهنم من يُعذب باألمراض‬
‫تدووا يا عباد هللا‬
‫قد يكون الشفاء من االبتالء‬
‫ليس كمثله شيء في شفائه‬
‫من أسباب الشفاء‬
‫دعاء هَّللا باسمه«الشافي» تبارك وتعالى‬
‫دعا ٌء للعافية‬
‫وكلمات من قالها لم تطعمه النار‬
‫‪ 15 ،14‬الغفور‪ ،‬الغفار‪ ،‬جل جالله وتقدست أسماؤه‬
‫ال يغفر الذنوب إال هللا‪:‬‬
‫إن ربك واسع المغفرة‪:‬‬
‫إن هَّللا يغفر الذنوب جميعًا‪:‬‬
‫ستر هللا على عباده‬
‫إن هللا يحب التوابين ‪ ،‬ويفرح بهم ‪ ،‬ويضحك إليهم‬
‫ُسخر لهم مخلوقاته‬ ‫وي ِّ‬
‫ويغضب على من قنط الناس من رحمته‬
‫المسارعة للتوبة‬
‫من عالمات المغفرة‬
‫من موانع المغفرة‬
‫من أسباب المغفرة‬
‫ليس كمثله شيء في مغفرته‬
‫دعاء هللا باسمايه الغفار والغفور‬
‫‪ -16‬الودود‬
‫الودود« هو الحبيب »‬
‫حب المخلوقات هلل‬
‫معنى حب المؤمنين هلل‬
‫من عالمات حب العبد لربه‬
‫‪ -1‬طاعة هللا وترك معصيته‬

‫‪- 269 -‬‬


‫‪ -2‬اتباع النبي عليه الصالة والسالم‬
‫‪ -3‬حب القرآن‬
‫‪ -4‬الشوق إلى لقاء هللا ورؤية وجهه الكريم‬
‫‪ -5‬الحب في هللا والبغض في هللا‬
‫أحق الناس بالحب في هللا‬
‫‪ -6‬الرضا بالقضاء‬
‫‪ -7‬حب الصالة والشوق إليها‬
‫‪ -8‬اإلكثار من ذكر هللا‬
‫‪ -9‬حب الموت مع الراحة والعافية‬
‫وصف جامع في المحبة‬
‫حب هللا لعباده الصالحين‬
‫أواًل ‪ :‬فضل حب هللا للمؤمنين‬
‫إن هللا ال يعذب أحبابه‬
‫يحبه جبريل وأهل السماء‬
‫ثانيًا ‪ :‬معنى محبة هللا للمؤمنين‬
‫ثالثًا ‪ :‬من أسباب حب هللا للعبد‬
‫التقرب إلى هللا« تعالى » بالنوافل بعد الفرائض‬
‫القرآن الكريم‬
‫حب األنصار‬
‫الزهد في الدنيا‬
‫صفات يحبها هللا ويحب أصحابها‬
‫هؤالء الثالثة يحبهم هللا‬
‫رابعًا ‪ :‬من عالمات محبة هللا للمؤمنين‬
‫ليس كمثله شيء في محبته‬
‫دعاء هللا باسمه« الودود » تبارك وتعالى‬
‫أحبَّ الكالم إلى هللا‬

‫‪- 270 -‬‬


- 271 -

You might also like