المحاضرة الأولى

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 15

‫جامعة الجزائـر ‪03‬‬

‫كلية العلوم اإلقتصادية و العلوم التجارية و علوم التسيير‬

‫‪ -‬ملحـقـة بن عكنون ‪-‬‬

‫الدكتور‪ :‬طالب ياسين‬

‫أستاذ محاضـر قسم "أ"‬

‫دروس في مقياس‪:‬‬

‫القـانـون التجــاري‬
‫‪ -‬لطلبــة السنة األولى ‪- L.M.D‬‬

‫السداسي الثاني‬

‫السنــة الجامعية ‪2022 /2021‬‬


‫املحاضرة األولى‬
‫الفصل األول ‪:‬‬
‫مفهوم القانون التجاري‪ ،‬تطـوره التاريخي‬
‫و عالقته بفروع القانون ‪:‬‬
‫راج ٌع بالدرج ـةـ األولى إلى أن‬
‫اختل ــف الفقه ــاء ح ــول تعري ــف الق ــانون التج ــاري و تحدي ــد نطاق ــه‪،‬ـ وه ــذا ِ ـ‬
‫ه ــذا الف ــرع من ف ــروع الق ــانون الخ ــاص س ــريع التط ــور‪ ،‬ويت ــأثر ب ــالتحوالت السياس ــية و اإلقتص ــادية‬
‫واالجتماعية داخـل املجتمـع‪ ،‬وفيمـا يلي نحـاول التطـرق إلى تعريـف القـانون التجـاري وتطـوره التـاريخي‬
‫عبر العصور الزمنية املختلفة‪ ،‬وعالقته بمختلف فروع القانون األخرى على النحو التالي‪:‬ـ‬

‫املبحث األول ‪:‬‬


‫تعريف القانون التجاري و تطوره ‪:‬‬
‫القــانون التجــاري هــو فــرع من فــروع القــانون الخــاص املتفــرع عن القــانون املدني الــذي ُيعـ ُّـد الشــريعة‬
‫العام ــة لك ــل ف ــروع الق ــانون الخ ــاص‪ ،‬و ه ــو أي الق ــانون التج ــاري‪ ،‬ق ــانون ح ــديث النش ــأة اس ــتقل عن‬
‫القــانون املدني نتيجــة التطــورات اإلقتصــادية الحاصــلة في املجتمعــات‪ ،‬و يشــمل هــذا الفــرع من فــروع‬
‫القــانون مجمــوع القواعــد القانونيــة الــتي تنطبــق على طائفــة َّ‬
‫معينــة من األعمــال القانونيــة هي األعمــال‬
‫معينة من األشخاص هم ُّ‬
‫التجار‪.‬‬ ‫التجارية‪ ،‬و على فئــة َّ‬

‫املطلب األول ‪:‬‬


‫تعريف القانون التجاري ‪:‬‬
‫اختلفت تعــاريف القـانون التجــاري من فقي ــه إلى آخ ــر‪ ،‬و ظهــرت بـذلك آراء ونظريـات ع َّـدة‪ ،‬فمنهم من‬
‫ً‬
‫انطالق ا من موض ــوعه (األعم ــال التجاري ــة)‪ ،‬و منهم من ح ـ َّـدد نطاقـ ــه تحدي ـ ًـدا ًّ‬ ‫ُ ّ‬
‫ذاتيا شخص ـ ًّـيا‪ ،‬و‬ ‫ـ‬ ‫عرف ــه‬
‫ي ِ‬
‫معينــة هم التجــار‪ .‬و فيمــا يلي بعض التعــاريف الــتي قيلت بخصــوص القــانون‬ ‫جعلــه يقتصــر على فئــة َّ‬
‫التجاري ‪:‬‬
‫‪ -‬تعريـف األست ــاذ ‪ " : Georges Ripert‬هـو قـانون العمليـات القانونيـة الـتي يقـوم بهـا ُّ‬
‫التجـار‪ ،‬سـواء فيمـا‬
‫بينهم أو مع ُعمالئهم "‪.‬‬
‫‪ -‬تعريــف األست ــاذ ‪ " : Paul Didier‬هــو ذلــك الفــرع من فــروع القــانون الخــاص الــذي ينطبــق على طائفــة‬
‫معينة من األعمال القانونيـة هي األعمـال التجاريـة‪ ،‬و على طبقــة من األشـخاص هم ُّ‬
‫التج ــار‪ ،‬و أحكامـه‬ ‫َّ‬
‫ٌ‬
‫و قواعده محتــواة في مجموعة قانونيــة هي املجموعة التجارية "‪.‬‬

‫املطلب الثاني ‪:‬‬

‫تطور القانون التجاري عبر العصور الزمنيـة ‪:‬‬


‫ٌ‬
‫إن القــول بــأن القــانون التجــاري هــو قــانون حــديث النشــأة ال يعــني أنــه حــديث في قواعــده و نظمــه‪ ،‬بــل‬
‫أن هاتــه األخــيرة تضــرب جــذورهاـ في أعمــاق التــاريخ‪ ،‬نتيجــة تطــور املعــامالت و الضــرورات العمليــة‪ ،‬و‬
‫كــذا فــإن هــذا الفــرع كغــيره من فــروع القــانون املختلفــة مـ َّـر في تطــوره بمحطــات تاريخيــة ُيمكن إبرازهــا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ومرورا بالعصر الوسيط و وصوال إلى العصر الحديث على النحو التاليـ ‪:‬‬ ‫انطالقا من العصر القديم‬

‫الفرع األول ‪:‬‬

‫في العصر القديم ‪:‬‬

‫تبعـا لــذلك أحكــام وأعــراف خاصــة بهــا منــذ‬ ‫لقــد مــارس اإلنس ــان التجــارة منــذ أقــدم العصــور‪ ،‬فعــرفت ًـ‬
‫ً‬ ‫ًّ ُ ّ‬
‫العص ـ ــور األولى‪ ،‬و تط ـ ـ َّـورت ت ـ ــدريجيا م ِ‬
‫خلف ـ ــة وراءه ـ ــا إرثـ ــا كب ـ ــيرا من األع ـ ــراف و قواع ـ ــد املع ـ ــامالت‬
‫ً‬
‫تجسدت الحقـا في شكل ًنظم و قواعد مكتوبة شكلت "القانون التجاري"‪.‬‬ ‫َّ‬

‫فقد مارس التجارة سكان بابل و عرفوا عمليات البنـوك وعقـود الخـدمات والوديعـة والشـركة‬
‫َّ‬
‫التجارية و املاليـة التي تضمنها قانون حمورابي ‪. 1‬‬ ‫و العمليات املصرفية‪،‬ـ و غيرها من النظم‬
‫كمـ ــا م ـ ــارس الفي ـ ــنيقيون التجـ ــارة أي ً‬
‫ض ـ ـا و ك ـ ــانوا من أوائ ـ ــل الـ ــذين ابتدع ـ ــوا أنظم ـ ــة التجاريـ ــة‬
‫ُ‬
‫البحريــة‪ ،‬و عملــوا على ازدهارهــا ُمســتغلين مــوقعهم الجغــرافي املطــل على البحــر األبيض املتو َّس ـط‪ ،‬و‬
‫من هات ــه األنظم ــة نظ ــام الرمـ ــي في البح ــر‪ ،‬و ال ــذي أص ــبح فيم ــا بع ــد أص ــل نظري ــة الخس ــارة املشترك ـ ــة‬
‫حاليا في التجارة البحرية ‪.2‬‬ ‫املعروفةـ ًّ‬

‫وعلى خالف البـ ــابليين و الفينيقـ ــيين فلم يكن للرومـ ــان ٌ‬
‫دور كبـ ـ ٌـير في تطـ ــوير القـ ــانون التجـ ــاري‬
‫وإرسـ ــاء قواعـ ــده كمـ ــا فعلـ ــوا مـ ــع القـ ــانون املدني‪ ،‬حيث كـ ــانوا يعت ــبرون أن هـ ــذا األخـ ــير هـ ــو الشـ ــريعة‬
‫‪ - 1‬حمورابي هو حاكم بابل (العراق حاليّأ)‪ ،‬امتدت فترة حكمه من ‪ 1792‬ق‪.‬م إلى ‪ 1750‬ق‪.‬م‪ ،‬و يُع ُّد قانون حمورابي أول‬
‫مجموعة شاملة من النصوص القانونيـة التي عرفها اإلنسان‪.‬‬
‫‪ - 2‬أحمد محرز‪ ،‬القانون التجاري الجزائري‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬ط ‪ ،1981 ،2‬ص ‪.24‬‬
‫العام ــة ال ــتي يجب أن تحكم جمي ــع التص ــرفات واملع ــامالت‪ ،‬ض ــف إلى ذل ــك أن ممارس ــة التج ــارة عن ــد‬
‫الروم ــان لم تكن من اهتم ــام طبق ــة األش ــراف والنبالء و إنم ــا ك ــان ُيمارس ــها العبي ــد و األج ــانب‪ ،‬األمـ ــر‬
‫ال ــذي لم ُيس ــاعد على تطوي ــر الق ــانون التج ــاري واالهتم ــام ب ــه‪ ،‬ورغم ذل ــك فق ــد ت ــرك الروم ــان بعض‬
‫ُ‬
‫البصــمات في مجــال التجــارة‪ ،‬حيث أنهم أول من وضــع قواعــد املمثــل التجــاري الــتي تعـ ُّـد أســاس نظريــة‬
‫النياب ــة الي ــوم‪ ،‬حيث أن التج ــارة واملع ــامالت التجاري ــة تتم في أحي ــان كث ــيرة بواس ــطة ن ــواب عن َّ‬
‫التجار‬ ‫ٍ‬
‫أنفســهم‪ ،‬كمــا اســتحدثوا نظــام املحاســبة و مســك الــدفاتر التجاريــة الــتي تحـ ّـد ُد املداخيل والنفقــات‪ ،‬و‬
‫عد قاعدة رومانية أصيلة‪.‬‬‫كذا فكرة نظام اإلفالس الذي ُي ُّ‬

‫الفرع الثاني ‪:‬‬

‫في العصــر الوسيط ‪:‬‬

‫ك ــانت بداي ــة ه ــذا العص ــر بس ــقوط األمبراطوري ــة الروماني ــة بس ــبب غ ــزوات ال ــبربر في الق ــرن الخ ــامس‬
‫عمت الفوضى و انكمشــت املعــامالت التجاريــة الداخليــة و الدوليــة لفــترة ّ‬
‫معينــة‪ ،‬لكنهــا‬ ‫للميالد‪ ،‬حيث َّ‬
‫ع ــاودت في اإلزده ــار من جدي ــد بس ــبب الح ــروب الص ــليبية بين الش ــرق و الغ ــرب‪ ،‬حيث ك ــانت املوانئ‬
‫اإليطاليــة تســتقبل كــل انــواع الســلع القادمــة من الشــرق‪ ،‬والســيما الســلع العربيــة‪ ،‬ممــا جعــل العــرب‬
‫بقدر ما في ازدهار املعــامالت التجاريـة في القـرنين ‪ 07‬و ‪ 08‬للميالد‪ ،‬بـل أنهم ابتكــروا قواعــد‬ ‫ُ‬
‫يساهمون ٍ‬
‫تجاريــة مــازالت موجــودة إلى اليــوم‪ ،‬مثــل شــركات األشــخاص‪ ،‬التعامــل بالســفتجة‪ ،‬املبــدأ الرضــائي في‬
‫العقود التجارية ‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫كمــا كــان لق ــرار الكنيســة ‪ -‬الــذي شــمل كامــل أراضي أوروبــا‪ -‬القاضي بحظــر التعامــل بالربــا في‬
‫مجـ ــال القـ ــرض‪ ،‬و الـ ــذي امتـ ــد من القـ ــرن ‪ 12‬إلى القـ ــرن ‪ 19‬م‪ ،‬في تطـ ــوير القـ ــانون التجـ ــاري بعـ ــد أن‬
‫احتكر اليهود تجارة العملة و العمليات املصرفيةـ ألنهم كانوا ال ُيؤمنون بسلطة الكنيسة عليهم‪.‬‬
‫يتميز هـ ــذا العصـ ــر أي ً‬
‫ضـ ـا في ظهـ ــور اإلسـ ــالم و مـ ــا أقرتـ ــه الشـ ــريعة اإلسالميـ ــة في مجـ ــال‬ ‫‪ -‬كمـ ــا َّ‬

‫املعامالت التجاريةـ من أحكام منها ‪:‬‬

‫‪ -‬حرية التجارة و النهي عن اإلستغالل و اإلحتكار‪.‬ـ‬

‫‪ -‬تحريم الشريعة اإلسالمية للربــا‪ ( ،‬اآلية ‪ 275‬من سورة البقرة )‪.‬‬

‫‪ -‬اشتراط الكتابة في إثبات بعض العقـود مثل القرض (‪ 282‬من سورة البقرة )‪.‬‬
‫ُ‬
‫غير أن الشريعة اإلسالمية لم ت ِّميز بين املعامالت التجاريـة و املدنية بل عالجتها ككل واحد‪.‬‬

‫الفرع الثالث ‪:‬‬

‫في العصر الحديث ‪:‬‬

‫ـكل فع ـ ٍـال وواض ـ ٍـح في تط ــوير قواع ــد الق ــانون التج ــاري و‬ ‫ُ ّ‬
‫لع ــل أهم م ــا ي ِميــز ه ــذا العص ــر مس ــاهمتهـ بش ـ ٍ‬
‫إرساء أهم مبادئـه‪ ،‬حيث انتقلت هاتـه القواعـد من مج َّـرد عـادات و أعـراف تجاريـة إلى قواعـد مكتوبـة‬
‫َّ‬
‫تم ت ــدوينها في مجموع ــة واح ــدة‪ ،‬حيث ك ــانت الفك ــرة و اإلنطالق ــة من فرنس ــا ال ــتي أم ــر ملكه ــا بض ــرورة‬
‫وضـ ــع حـ ـ ٍّـد للفوض ى و اختالف األعـ ــراف التجاريـ ــة بين املدن الفرنسـ ــية‪ ،‬حيث َّ‬
‫تم ألول م ـ ـ َّـرة إصـ ــدار‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫األم ـ ــر امللكي الفرنس ي ع ــام ‪1673‬م ال ــذي نظم ع ــدة أم ــور تجاري ــة منه ــا ‪ :‬الش ــركات التجاري ــة‪ ،‬األوراق‬
‫َّ‬
‫التجاري ــة‪،‬ـ اإلفالس‪ ،‬اختص ــاصـ املح ــاكم التجاري ــة ‪ ...‬إلخ‪ ،‬و تبع ــه أم ـ ٌـر آخـ ــر ص ــدر س ــنة ‪1681‬م يتعلق‬
‫تم إلغاؤهمــا بعــد انــدالع الثــورة الفرنســية‬ ‫بتنظيم التجــارة البحريــة َّ‬
‫الدوليــة‪ ،‬غــير أن هــذين القــانونين َّ‬
‫ُ َّ َّ‬
‫إال على التجـ ــار َّ‬ ‫ً‬
‫املقيدين في السـ ــجل‬ ‫مباشـ ــرة س ــنة ‪1789‬م‪ ،‬بس ــبب أن كالهمـ ـاـ ق ــانون طـ ــائفي ال يطبق‬
‫التجاري‪ ،‬و هـذا مـا يتعـارض مـع مبـادئ الث ــورة الفرنسـية الـتي نـادت باملسـاواة بين ك ِ ّـل طوائـف املجتمـع‬
‫تم اســتبدالهما بقــانون آخــر هــو " قــانون شــابلييه " "‪ "La Loi Chapelier‬الــذي صــدر يــوم‬ ‫الفرنسي‪ ،‬و َّ‬
‫لكل فئـات الشعب الفرنسي املختلفـة‪.‬‬ ‫أقر حرية التجارة و الصناعة ّ‬ ‫‪17/03/1791‬م‪ ،‬و َّ‬
‫ِ‬

‫و في س ــنة ‪1801‬م تق ـ َّـرر وض ــع ق ــانون تج ــاري و آخ ـ ــر م ــدني َّتتـ ــفق أحكامه ــا م ــع مب ــادئ الث ــورة‬
‫صـدد إلى غايــة ‪1807‬م حيث صــدر أول قــانون تجــاري‬ ‫الفرنســية‪ ،‬حيث عملت لجــان مختلفــة في هــذا ال َّ‬
‫ّ‬
‫متعلقــة ب ـ ‪ :‬التجــارة البحري ــة و البريــة‪ ،‬أحكــام اإلفالس‪،‬‬ ‫مســتقل عن القــانون املدني‪ ،‬و تضـ َّـمن قواعــد ِ‬
‫ً‬
‫القضاء التجاري‪ ،‬إضافة إلى القواعد العامة‪.‬‬

‫الفت حيث ظهــرت الدولـة العثمانيـة كقـوة ُعظمى‬


‫ـكل ٍ‬‫لقد ازدهرت التجارة في هذا العصر بش ٍ‬
‫اسـ ـ ــتولت على النشـ ـ ــاط التجـ ـ ــاري‪ ،‬و انتقلت بـ ـ ــذلك الحركـ ـ ــة التجاريـ ـ ــة من البحـ ـ ــر املتوسـ ـ ــط (املوانئ‬
‫تم في هـذا العصــر اكتشــاف أمريكــا وطريــق الرجـاء‬ ‫اإليطالية) إلى بحر الشمال و املحيط األطلسي‪ ،‬كما َّ‬
‫دور ٌ‬ ‫للتوسع اإلستعماري ٌ‬ ‫ُّ‬ ‫ًّ‬
‫كبير في‬ ‫خاصة‪ ،‬كما كان‬ ‫الصالح‪ ،‬و هو ما عمل على ازدهارـ التجارة الدولية‬
‫تم إنشـ ــاء شـ ــركات رأسـ ــمالية كبـ ــيرة في البلـ ــدان املسـ ــتعمرة‬ ‫إرسـ ــاء قواعـ ــد القـ ــانون التجـ ــاري‪ ،‬حيث َّ‬
‫كشركة الهند الشرقية ‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫املبحث الثاني ‪:‬‬


‫عالقة القانون التجاري بفروع القانون األخــرى ‪:‬‬

‫س ــنتناول في ه ــذا املبحث عالق ــة الق ــانون التج ــاري‪ -‬باعتب ــاره ًـ‬
‫فرعـ ا من ف ــروع الق ــانون الخ ــاص ُينظم‬
‫مسائل ذات عالقة بالتجارة‪ -‬بالقانون املدني‪ ،‬القانون الدولي و علم اإلقتصاد ً‬
‫أيضا بإيجــاز على النحــو‬
‫التالي ‪:‬‬

‫املطلب األول ‪:‬‬

‫عالقـة القانون التجـاري بالقانون املدني ‪:‬‬


‫ُ‬
‫س ــبق و أن قلن ــا أن الق ــانون املدني ه ــو الش ــريعة العام ــة أو األص ــل ال ــذي تس ــتمد من ــه مختل ــف ف ــروع‬
‫القـانون الخــاص أحكامهـا‪،‬ـ بمـا فيهـا القــانون التجــاري‪ ،‬حيث ُيؤخـذ بأحكــام القــانون املدني إذا لم يوجـد‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫حكم في القــانون التجــاري بخصــوص مســألة أو معاملــة تجاريــة‪ ،‬أي أننــا نطبــق القــانون التجــاري أوال و‬
‫إذا لم يوجد نص قانوني بخصوص املسألة املعروضة ننتقل إلى أحكام القانون املدني باعتبــار أحكامــه‬
‫تنطبق على التجار و غير التج ــار‪ ،‬و من ثمـة فـإن أحكـام القـانون التجـاري عبـارة عن اسـتثناءات وردت‬
‫على القاعـ ــدة العامـ ــة الـ ــتي تتمثـ ــل في القـ ــانون املدن ـ ــي‪ ،‬هـ ــذا من جهـ ــة تـ ــأثير القـ ــانون املدني في القـ ــانون‬
‫التجاري‪ ،‬أما من جهة تأثير القانون التجاري في القانون املدني فيمكن الحــديث عن مفهـوم الشخصـية‬
‫املعنويــة الــذي انتقــل من الشــركات التجاريـةـ إلى الشــركات املدنيــة‪ ،‬و كــذا تطــبيق بعض الــدول العربيــة‬
‫لنظام اإلفالس على جميع األفراد دون تفرقة بين التاجر و غير التاجر‪.‬‬

‫املطلب الثاني ‪:‬‬

‫عالقـة القانون التجـاري بالقانون الدولي ‪:‬‬

‫نش ــأت العالق ــة بين الق ــانون التج ــاري والق ــانون ال ــدولي في الحقيق ــة نتيج ــة تدخ ـ ــل الدول ــة في توجي ـ ــه‬
‫اإلقتص ــاد الوط ــني‪ ،‬من خالل إب ــرام اتفاقي ــاتـ تجاري ــة دولي ـ ــة باس ــمها و ليس عن طري ــق الخ ــواص‪ ،‬و‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وحفاظا على معامالتها التجارية من الفوضى‪.‬‬ ‫ذلك وفقا ملا تقتضيه مصالحها ِ‬

‫و من أوج ــه العالق ـ ــة م ــا بين الق ــانونين ه ــو لج ــوء ال ــدول إلى توحي ــد املج ــال اإلتف ــاقي من خالل‬
‫وض ــع قواع ــد اتفاقي ـةـ موح ـ َّـدة للعالق ــات الدولي ــة في مج ــال التج ــارة الخارجيـ ــة‪ ،‬و ذل ــك ُّ‬
‫تجن ً ـبـا لح ــدوث‬
‫منازعات في هــذه املعامالت‪ ،‬و من ذلك توحيد عقود البيع الدولية كعقود التصدير و اإلستيراد‪.‬‬
‫ُأ‬
‫و من أمثل ــة اإلتفاقي ــات الدولي ــة ال ــتي ب ـ ِـرمت بقص ــد توحي ــد أحك ــام الق ــانون التج ــاري و تنظيم‬
‫العالقات التجارية الدولية نجد ‪:‬‬

‫‪ -‬اتفاقية " بون " لسنة ‪1953‬م املتعلقة بالنقــل بالسكك الحديدية العابر للحدود‪.‬‬

‫‪ -‬اتفاقية " جنيف " لسنة ‪1930‬م الخاصة بتوحيد السفتجة و السندات‪.‬‬

‫‪ -‬اإلتفاقيةـ الدولية لتوحيد أحكام الشيك لسنة ‪1931‬م‪.‬‬

‫فانضمام الدولة إلى مثل هاته اإلتفاقيات و توقيعهاـ عليهـا ُيلزمهـا بالتقيـد بالشـروط الــواردة فيهـا‬
‫ً‬
‫أوال‪ ،‬وتعديل قانونها الداخلي بما يتطابق مع أحكام هاته اإلتفاقي ــات ًّ‬
‫ثانيـا‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪:‬‬

‫عالقة القانون التجاري بعلم اإلقتصاد ‪:‬‬

‫من الواضـح جـ ًّـدا أن علم اإلقتصـاد يســعى إلى إشـباع حاجــات األف ــراد من مختلــف املواد و السـلع‪ ،‬كمــا‬
‫ضـا بدراسـة عوامـل أو مظـاهر إنتـاج أو توزيـع واسـتهالك الث ــروة في املجتمـع‪ ،‬فكـل هاتـه املسـائل‬ ‫ُيعنـى أي ً‬

‫يهتم بهــا علم القــانون التجــاري‪ ،‬بحيث يقــوم بتنظيمهــا من الناحيــة اإلتفاقيــة والقانونيــة والقضــائية‪ ،‬و‬
‫ذل ــك عن طري ــق خل ــق قواع ــد قانوني ــة جدي ــدة في املج ــال التج ــاري و الص ــناعي واملالي‪ ،‬كم ــا ت ــبرز الصــلة‬
‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫أي ً‬
‫تجاريا‬ ‫ض ـا بين اإلقتص ــاد و الق ــانون التج ــاري من خالل اعتب ــار ك ــل مؤسس ــة اقتص ــادية تتخ ــذ شــكال‬
‫وتستعين في إدارتها باألساليب التجارية‪ ،‬تدخــل ضمن نطاق القانون التجاري‪.‬‬

‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫التمييز بين األعمال املدنيــة و األعمال التجارية‬

‫نتنـ ــاول في هـ ــذا الفصـ ــل معـ ــايير التميـ ــيز بين األعمـ ــال املدنيـ ــة و األعمـ ــال التجاريـ ــة (املبحث األول)‪ ،‬ثم‬
‫عرج بعدها إلى دراسة نتائج التمييز بينهما (املبحث الثاني) على النحو التالي‪:‬ـ‬ ‫ُن ّ‬
‫ِ‬
‫املبحث األول ‪:‬‬

‫معايير التمييز بين األعمال املدنيــة و األعمال التجارية‬


‫اختل ــف الفق ــه الق ــانوني و تض ــاربت آراؤه ح ــول مض ــمون نط ــاق الق ــانون التج ــاري‪ ،‬ه ــل تهتم قواع ــده‬
‫بطائفــة من األشــخاص هم التجــار‪ ،‬أم يحكم طائفــة من األعمــال القانونيــة هي األعمــال التجاريــة؟ من‬
‫هن ــا ظه ــرت نظريت ــان متض ــاربتانـ هم ــا النظري ــة املوض ــوعية ال ــتي تق ــوم على اإلعتب ــارات اإلقتص ــادية‬
‫(نظريـة املضـاربة‪،‬ـ نظريـة التـداول) و النظريـة الشخصـية الـتي تقـوم على اإلعتبـارات القانونيـة (نظريـة‬
‫ُ‬
‫الحرفـ ــة‪ ،‬نظريـ ــة املقاولـ ــة أو املشـ ــروع)‪ ،‬حيث تمث ـ ــل كـ ـ ٌّـل منهمـ ــا جانبـ ــا من الفقـ ــه القـ ــانوني‪ ،‬وفيمـ ــا يلي‬
‫ّ‬
‫املشرع الجزائـري منهما ‪:‬‬ ‫سنحاول معرفة مضمون النظريتين مع تحديد موقف‬
‫ِ‬

‫املطلب األول ‪:‬‬

‫النظرية املوضوعية (املادية) ‪:‬‬

‫و تقوم هاته النظرية على حقيقـة مفادهـا أن القـانون التجـاري هـو قـانون نشـاط تجـاري‪ -‬بغض النظـر‬
‫عن صفة القائم به تاجرا أم غير تاجر‪ -‬يقوم على فكرتي املضاربةـ و التداول ‪:‬‬

‫الفرع األول ‪:‬‬

‫نظريــة املضاربة ‪:‬‬


‫تعـ ــني املضـ ــاربة في اللغ ـ ــة العربيـ ــة ‪ " :‬السـ ــفر بغـ ــرض التجـ ــارة "‪َّ ،‬أما اصـ ـ ً‬
‫ـطالحا فتعـ ــني ‪ " :‬السـ ــعي وراء‬
‫تحقيق الربح النقدي عن طريق العمل التجاري الذي يحترفه التاجر‪ ،‬وذلك من خالل فروق األســعار‬
‫َّ‬
‫ال ــتي تتجلى خصوص ــا في عملي ــة الش ــراء ألج ــل ال ــبيع "‪ ،‬بعب ــارة أبس ــط و أوض ــح و أدق إذا ُو ِ ـج د قص ـ ٌـد‬
‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تجاريا ال عمال مدني ـا‪ .‬إذن أنصـار هاتـه النظريـة يـرون أن املضـاربة‬ ‫ًّ‬ ‫عمل مـا ُـع َّد عمال‬
‫لتحقيــق الربح في ٍ‬
‫هي املعيار الجوهري في العمل التجاري‪.‬‬
‫َّ‬
‫تجارية مث ــل املهن الحـ ـ َّـرة‬ ‫نقــد ‪ :‬هن ــاك أعم ــال ته ــدف إلى تحقي ــق ال ــربح لكنه ــا أعم ــال مدني ـ ــة ال أعم ــال‬
‫(الطب‪ ،‬املحاماة‪ ،‬الزراعــة ‪ ...‬إلخ)‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪:‬‬

‫نظريـة التداول ‪:‬‬


‫ـخص آلخـ ــر‪ ،‬أي تـ ــداول النقـ ــود‪ ،‬البضـ ــائع‪ ،‬السـ ــلع‪،‬‬
‫التـ ــداول يعـ ــني انتقـ ــال الـ ــثروة و تحريكهـ ــا من شـ ـ ٍ‬
‫الســندات‪...‬إلخ‪ .‬فالعمــل التجــاري يقــوم في جوه ــره على تــداول الســلع و البضــائع من وقت خروجهـاـ من‬
‫يد املنتج إلى وقت وصولها إلى يد املستهلك‪ ،‬عن طريق الوساطة‪.‬‬
‫و قد استبعدت هاته النظرية من نطاقهاـ َّ‬
‫عمليات الزراعة و الصــناعات اإلسـتخراجية و العمليـات‬
‫اإلستهالكية‪ ،‬ألن عنصر التداول ال يظهـر فيها‪ ،‬و بالتالي فإنها تخضع لقواعد القانون املدني‪.‬‬

‫انتق دت هاتــه النظريــة من جهــة أن الوســاطة في تــداول الــثروات الــذي ال يســتهدف تحقيــق الــربح‬ ‫نقــد ‪ِ :‬ـ‬
‫ال ُيع ـ ُّـد من األعم ــال التجاري ــة ‪ ،‬مث ــل عم ــل الجمعي ــات التعاوني ــة ال ــتي تش ــتري و ت ــبيع بس ــعر التكلف ــة‪،‬‬
‫فعملها هذا يدخل في نطاق األعمال املدنيــة‪.‬‬

‫املطلب الثاني ‪:‬‬

‫النظرية الشخصيــة (الذاتيــة) ‪:‬‬

‫تعتمــد هاتــه النظريــة في تميــيز األعمــال املدنيــة عن األعمــال التجاريــة على الشــخص القــائم بالعم ــل أو‬
‫النشاط‪ ،‬و هــي تقوم بدورها على نظريتين هما ‪ :‬نظرية الحرفــة‪ ،‬ونظرية املقاولة (املشروع)‪.‬‬

‫الفرع األول ‪:‬‬


‫نظ َّ‬
‫ـرية الحرفــة ‪:‬‬

‫من أوائل الذين نـادوا بهاتـه النظريـة هـو الفقيـه الفرنسي ‪ ،George Ripert‬و مفـاد هاتـهـ النظريـة هـو‪" :‬‬
‫ممارســة نشــاط بصــورة متواصــلة و مسـ َّ‬
‫ـتمرة ومعتــادة في بعض املهــام من أجــل تحقيــق الــربح"‪ .‬فالعمــل‬
‫التج ـ ــاري ه ـ ــو ذل ـ ــك العم ـ ــل ال ـ ــذي يص ـ ــدر عن ش ـ ــخص على س ـ ــبيل الحرف ـ ــة و اإلعتي ـ ــاد‪ ،‬أي أن يتخ ـ ــذ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الشــخص عمــل أو نشــاط مــا حرفـ ــة معتــادة لــه‪ ،‬مــع ربــط هاتــه الحرفــة بمظاه ــر خارجي ـةـ (فتح محــل‪،‬‬
‫َّ‬
‫تجارية‪.‬‬
‫ً‬
‫عد أعماله أعماال‬ ‫اإلتصال بالجمهور ‪ُ )...‬تكسب الشخص صفة التاجر و بالتاليـ ُت ُّ‬
‫ِ‬

‫انتقدت هاته النظرية من وجهين و هما ‪:‬‬


‫نقــد ‪ِ :‬‬

‫‪ -‬صعوبة تحديد معنى الحرفة التجارية‪.‬‬

‫‪ -‬معيار الحرفة معيـار غير دقيـق‪.‬‬


‫الفرع الثاني‪:‬‬

‫نظرية املقاولة (املشروع) ‪:‬‬


‫ُ ّ‬
‫عرف الفقيه ‪ Escara‬فكـرة املقاولة كمعيارـ للعمل التجاري بقوله‪ " :‬هي تكـرار لألعمـال التجاريـة على‬
‫ي ِ‬
‫ّ‬
‫منهي مسبق"‪.‬‬ ‫وجه اإلحتـراف ً‬
‫تنظيم ٍ‬
‫ٍ‬ ‫بناء على‬

‫نظرية املقاولـة تقـوم على عنصـرين و همـا ‪ :‬التكـرار‬ ‫جليا أن َّ‬ ‫من خالل هذا التعريـف يتضـح لنـا ًّ‬
‫تجاريا و اكتسـ ــب املقـ ــاول ًـ‬
‫تبعــا لـ ــذلك صـ ــفة‬ ‫ًّ‬ ‫و التنظيم‪ ،‬فمـ ــتى تواف ـ ــر هـ ــذان الشـ ــرطان ُ‬
‫اعت ِـب ــر العمـ ــل‬
‫التــاجر‪ ،‬هــذا األخــير يعمــل على تجميــع الوســائل املاديــة و البشــرية و تكريســها للعمــل التجــاري في شــكل‬
‫منهي و منظم بقصد تحقيـق الربح‪.‬‬
‫ُ‬
‫انتقدت هاته النظرية من ّ‬
‫عدة أوجه منها‪:‬‬ ‫نقـد‪ِ :‬‬

‫‪ -‬أنها ال تشمل كل التعداد القانوني لألعمال التجارية‪.‬‬

‫‪ -‬استبعاد العمل التجاري املنفرد كالشراء من اجل البيع‪.‬‬

‫‪ -‬وج ــود مقـ ــاوالت تخضـ ــع للق ــانون املدني و ليس للقـ ــانون التج ــاري (املهن الحـ ـ َّـرة‪ ،‬أص ــحاب ِـ ـ‬
‫الح رف‪،‬‬
‫اإلنتاج الفكري و األدبي ‪ ...‬إلخ‪.).‬‬

‫املطلب الثالث ‪:‬‬

‫موقف املشرع الجزائري ‪:‬‬


‫نص املشـ ّـرع الجزائــري في املادة األولى من القــانون التجــاري على تعريــف التــاجر بقولــه ‪ُ " :‬يعـ ُّـد تـ ً‬
‫ـاجرا‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫تجاريا و َّ‬ ‫ً‬
‫يقض القـ ــانون‬
‫ِ‬ ‫لم‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫ـ‬
‫م‬ ‫ـه‪،‬‬‫ـ‬ ‫ـ‬
‫ل‬ ‫ـادة‬‫ـ‬ ‫ـ‬
‫ت‬ ‫مع‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫ـ‬
‫ن‬ ‫مه‬ ‫ذه‬ ‫خ‬
‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ِ‬ ‫يت‬ ‫ًّ‬ ‫عمال‬ ‫كـ ــل شـ ــخص طـ ــبيعي أو معنـ ــوي ُيباشـ ــر‬
‫بخالف ذل ـ ــك "‪ .‬كم ـ ــا نص في املواد ‪،02‬ـ ـ ـ ‪،03‬ـ ـ ـ ‪ 04‬من ـ ــه على ان ـ ــواع األعم ـ ــال التجاري ـ ــة و هي األعم ـ ــال‬
‫التجارية حسـب موضـوعها (م ‪ 02‬ق‪.‬ت‪.‬ج)‪ ،‬األعمـال التجاريـة حسـب شـكلها (م ‪ 03‬ق‪.‬ت‪.‬ج) و األعمـال‬
‫التجارية بالتبعية ( م ‪ 04‬ق‪.‬ت‪.‬ج)‪.‬‬
‫ّ‬
‫املشرع الفرنسي‪.‬‬ ‫ّ‬
‫املشرع الجزائــري جمع بين النظريتين كما فعل‬ ‫* ومن ثمة نقول أن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املبحث الثاني ‪:‬‬
‫نتائـج التمييز بين األعمال املدنيــة و األعمال التجارية‬

‫ـور عـ ــدة ُيمكن إجمالهـ ــا في النقـ ــاط التاليـ ــة ‪ :‬نظـ ــام‬ ‫َّ‬
‫تتميز األعمـ ــال التجاريـ ــة عن األعمـ ــال املدني ـ ــة في أمـ ـ ٍ‬
‫اإلختصاص‪،‬ـ قواعــد اإلثبات‪ ،‬و جزاء اإللتزام‪ .‬و فيما يلي تفصيل كل حالة على ِحدى ‪:‬‬

‫املطلب األول ‪:‬‬

‫نظام اإلختصاص القضائي ‪:‬‬


‫ُيقصـ ــد باإلختصـ ــاصـ القضـ ــائي السـ ــلطة َّ‬
‫املخولـ ــة ملحكمـ ــة مـ ــا للنظـ ــر والفصـ ــل في املنازعـ ــات املرفوعـ ــة‬
‫أمامهــا باتبــاع إجــراءات خاصــة‪ .‬و ُيق َّس ـم اإلختصــاص القضــائي إلى نــوعين همــا ‪ :‬اإلختصــاصـ النــوعي و‬
‫اإلختصاصـ املحلي ‪:‬‬

‫الفرع األول ‪:‬‬

‫اإلختصاص النوعي (م ‪ 32‬ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ) ‪:‬‬

‫على خالف فرنس ـ ــا ال ـ ــتي تعتم ـ ــد نظ ـ ــام التخص ـ ــيص من خالل إنش ـ ــاء مح ـ ــاكم تجاري ـ ــة مختص ـ ــة‪ ،‬ف ـ ــإن‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫الج ــزائر‪ -‬رغم تبنيهــا لقــانون تجــاري مســتقل عن القــانون املدني‪ -‬إال أنهــا اعتمــدت وح ــدة القضــاء بــدال‬
‫من مب ـ ــدأ التخص ـ ــيص‪ ،‬حيث تنص املادة ‪ 32‬من الق ـ ــانون ‪ 08/09‬املؤرخ في ‪25/02/2008‬م املتض ـ ــمن‬
‫ق ـ ـ ــانون اإلج ـ ـ ــراءات املدني ـ ـ ــة واإلداري ـ ـ ــة(ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ) على م ـ ـ ــا يلي ‪ " :‬املحكم ـ ـ ــة هي الجه ـ ـ ــة القض ـ ـ ــائية ذات‬
‫ُ َّ‬ ‫شكل من أقســام‪ُ ،‬يمكن ً‬ ‫ُ َّ‬
‫أيضا أن تشكل من أقطاب متخصصة‪.‬ـ‬ ‫اإلختصاصـ العام‪ ،‬ت‬

‫تفصـ ـ ــل املحكمـ ـ ــة في جميـ ـ ــع القضـ ـ ــايا‪ ،‬السـ ـ ــيما املدنيـ ـ ــة و التجارية و البحريـ ـ ــة و اإلجتماعيـ ـ ــة‬
‫ًّ‬
‫إقليميا "‪.‬‬ ‫والعقارية و قضايا شؤون األســرة و التي تختص بها‬

‫فاألقســام على مســتوى املحــاكم اإلبتدائيــة و الغ ــرف على مســتوى املجــالس القضــائية ال ُيمكن‬
‫حال من األحوال اعتبارها محاكم تجارية مستقلـة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫بأي ٍ‬
‫ِ‬
‫الفرع الثاني ‪:‬‬

‫اإلختصاص املحلي ( اإلقليمي) م ‪ 37‬ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ ‪:‬‬


‫تنص املادة ‪ 37‬ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ على م ــا يلي ‪" :‬ي ــؤول اإلختص ــاص اإلقليمي للجه ــة القض ــائية ال ــتي يق ــع في دائ ــرة‬
‫اختصاصها موطن َّ‬
‫املدعى عليه‪."...‬ـ‬
‫من نص هاتـ ــه املادة يتضـ ــح لنـ ــا ًّ‬
‫جليا أن القاعـ ــدة العامـ ــة تقض ي أن رفـ ــع الـ ــدعوى القضـ ــائية‬
‫تكــون في مــوطن املدعى علي ــه‪ ،‬غير أنه في املواد التجاريــة تقــع بعض اإلســتثناءات عن القاعــدة العامــة‬
‫ُ‬
‫أين ُيمكن للمدعي رفع الدعوى القضائية على امل َّدعــى عليه على النحو التالــي ‪:‬‬
‫ُ‬
‫* ترف ـ ــع ال ـ ــدعاوى التجاري ـ ــة‪ -‬غ ـ ــير اإلفالس و التس ـ ــوية القض ـ ــائية‪ -‬أم ـ ــام الجه ـ ــة ال ـ ــتي وق ـ ــع في دائ ـ ــرة‬
‫اختصاصـ ــها الوعـ ــد وتسـ ــليم البضـ ــاعة‪ ،‬أو أمـ ــام الجهـ ــة القضـ ــائية الـ ــتي يجب أن يتم الوفـ ــاء في دائـ ــرة‬
‫اختصاصها (م ‪ 39/04‬ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ)‪.‬‬
‫ُ‬
‫* ترف ــع الـ ــدعاوى املرفوع ــة ضـ ــد شرك ـ ــة أم ــام الجهـ ــة القضـ ــائية الـ ــتي تقـ ــع في دائ ــرة اختصاصـ ــها أحـ ــد‬
‫مؤسساتها أو فروعها ( م ‪ 39/04‬ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ)‪.‬‬
‫ُ‬
‫* ترف ــع ال ــدعاوى العقاري ــة أو دع ــاوى اإليج ــارات أم ــام املحكم ــة الــتي يق ــع في دائ ــرة اختصاص ــها م ــوطن‬
‫العقــار (م ‪ 40/01‬ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ)‪.‬‬
‫ُ‬
‫* ترفع دعاوى اإلفالس و التسوية القضائية أمام املحكمة التي يقع في دائـرة اختصاصـها مكـان افتتـاح‬
‫اإلفالس أو التسوية القضائية (م ‪ 40/03‬ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ)‪.‬‬
‫ُ‬
‫* ترفع الدعاوى ما بين الشركاء أمـام املحكمـة الـتي يقـع في دائـرة اختصاصـها املقـر اإلجتمـاعي للشرك ــة‬
‫( م ‪ 40/03‬ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ)‪.‬‬

‫املطلب الثاني ‪:‬‬

‫قواعــد اإلثبـات م ‪ 30‬ق‪.‬ت‪.‬ج ‪:‬‬

‫تنص املادة ‪ 30‬ق‪.‬ت‪.‬ج على ما يلي ‪:‬‬


‫" ُيثبت كــل عقد تجاري بـ ‪:‬‬
‫‪ -‬سندات رسمية‪.‬‬
‫‪ -‬سندات عرفيــة‪.‬‬
‫‪ -‬بفاتورة مقبولة‪.‬‬
‫‪ -‬بالرس ــائل‪.‬‬
‫‪ -‬بدفاتــر الطرفيــن‪.‬‬
‫‪ -‬باإلثبــات بالبينة أو بأية وسيلة أخرى إذا رأت املحكمة وجوب قبولها "‪.‬‬

‫من نص هاتـ ــه املادة يتضـ ــح لنـ ــا مبـ ــدأ حريـ ــة اإلثب ـ ــات في املواد التجاريـ ــة‪،‬ـ حيث يجـ ــوز إثبـ ــات‬
‫التصرفات القانونية التجارية مهما كانت قيمتها بكافةـ طرق اإلثبات املشار إليها في م ‪ 30‬ق‪.‬ت‪.‬ج‪.‬‬
‫ّ‬ ‫و م ـ ـ ُّ‬
‫ـرد حري ـ ــة اإلثب ـ ــات في املع ـ ــامالت و التص ـ ــرفات التجاري ـ ــة ه ـ ــو ِاتس ـ ــام الق ـ ــانون التج ـ ــاري‬
‫بالسرعة‪ ،‬الثقـة و اإلئتمـان‪ ،‬أي السـرعة في انعق ــاد العقـود التجاريـة و تحريرهـا‪ ،‬و الثقـة املتبادلـة بين‬
‫أطراف العالقــة التجارية‪.‬‬
‫أمــا في املعــامالت املدنيــة فــإن اإلثبــات َّ‬
‫مقيد بمبلــغ مــالي‪ ،‬حيث تنص املادة ‪ 333‬ق‪.‬ت‪.‬ج على مــا‬
‫يلـ ــي ‪ " :‬في غ ــير املواد التجاري ــة إذا ك ــان التص ــرف الق ــانوني تزي ــد قيمت ــه عن ‪ 100.000‬دج أو ك ــان غ ــير‬
‫محدد القيمــة‪ ،‬فال يجوز اإلثبات بالشهود في وجوده أو انقضائه ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك "‪.‬‬ ‫َّ‬

‫* إن القول بمبدأ حرية اإلثبــات في املواد التجارية ال يعني أن هذا املبدأ مطل ــق‪ ،‬بل ِترد عليه‬
‫استثناءات ُيمكن ذكــرهاـ على النحو التالي ‪:‬‬
‫َّ‬
‫‪ -‬اشـ ــتراط الكتابـ ــة الرسـ ــمية في عقـ ــد الشـ ــركة‪ ،‬حيث يجب أن يكـ ــون هـ ــذا العقـ ــد رسـ ــمي و إال كـ ــانت‬
‫الشركة باطلـة (م ‪ 545‬ق‪.‬ت‪.‬ج ‪ +‬م ‪ 418‬ق‪.‬م‪.‬ج )‪.‬‬

‫‪ -‬اشتراط الكتابة الرسمية في بيع املحل التجاري (م ‪ 79‬ق‪.‬ت‪.‬ج )‪.‬‬

‫‪ -‬اشتراط الكتابة الرسمية في رهــن املحل التجاري ( م ‪ 120‬ق‪.‬ت‪.‬ج )‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪:‬‬

‫ج ــزاء اإللت ـ ـ ـ ــزام ‪:‬‬

‫و ُيقصد به القواعد الخاصة باإللتزامات التجارية‪ ،‬و يمكن ذكــرها بإيجــاز على النحو التالي ‪:‬‬

‫* تضامن املدينين ‪ :‬استقر العرف التجاري و من بعده نص القانون على قاعــدة التضــامن بين املدينين‬
‫في حال ـ ـ ــة تع ـ ـ ـ ُّـددهم م ـ ـ ــا لم ينص الق ـ ـ ــانون على خالف ذل ـ ـ ــك ( م ‪ 551‬ق‪.‬ت‪.‬ج)‪ ،‬أم ـ ـ ــا في التص ـ ـ ــرفات و‬
‫َّ‬
‫املعامالت املدنية فال ُيفترض التضامن إال بنص قانوني أو اتفاق (م ‪ 217‬ق‪.‬م‪.‬ج)‪.‬‬
‫ً‬
‫* مهلـ ــة الوف ـ ــاء (نظـ ــرة امليسـ ــرة) ‪ :‬إذا عجـ ــز املدين عن الوفـ ــاء بـ ــدين مـ ــدني جـ ــاز للقاض ي منحـ ــه أجال‬
‫ـوال لتنفيــذ إلتزام ــه‪ ،‬مــا لم ُيلحــق ذلــك ضـ ً‬ ‫ً‬
‫ـررا بالدائ ــن‪ ،‬أمــا في األعمــال التجاريـةـ فال يجــوز للقاضي‬ ‫معقـ‬
‫منح هاته املهلة للمدين التاجر‪ ،‬ألن طبيعة املعامالت التجارية تقوم على اإلئتمان و السرعة‪ ،‬وتوقــف‬
‫عرضه لشهــر اإلفالس‪.‬‬ ‫ُ ّ‬
‫التاجـر عن دفع ديونه التجارية ي ِ‬
‫* اكتســاب صــفة التاجـر ‪ :‬يشــترط القــانون التجــاري في املادة ‪ 01‬منــه الكتســاب صــفة التــاجر ضــرورة‬
‫ممارسة األعمال التجاريةـ و اتخاذها مهنـة معتادة‪ ،‬وما ينج ُّـر عن ذلـك من التزامـات كالقيـد في السـجل‬
‫التجاري و مسك الدفاتــر التجاريــة‪.‬‬

‫* نظ ــام اإلفالس ‪ُ :‬يطب ــق نظ ــام اإلفالس على التاج ــر إذا توق ــف عن دف ــع ديون ــه التجاري ــة‪ ،‬و يتم ً ـ‬
‫تبعـا‬
‫لذلك شهــر إفالسه‪ ،‬و على العكس ال يتم شهــر اإلفالس إذا توقف التاجر عن دفـع ديونـه املدنيـة‪ ،‬أمـا‬
‫املدين العادي فإنه يخضع ألحكام القانون املدني السيما املواد من ‪ 188‬إلى ‪ 202‬منه‪.‬‬

‫* اإلع ـ ــذار ‪ :‬يتم اإلعــذار في املواد املدني ــة بعــد تأخ ــر املدين عن الوفــاء بديونــه في األجــل املحـ َّـدد بورق ــة‬
‫رســمية‪ ،‬في حين أن اإلع ــذار في املســائل التجاريــة فيكفي أن يتم بورقــة عاديــة أو خطــاب عــادي‪ ،‬نظـ ًـرا‬
‫لطبيعة األعمال التجارية التي تتسم بالســرعة‪.‬‬
‫* النف ــاذ َّ‬
‫املعج ــل ‪ :‬األحكــام الصــادرة بشــأن املســائل التجاري ـةـ تكــون قابلــة للتنفيــذ فـ ً‬
‫ـورا‪ ،‬ســواء كــانت‬
‫هات ــه األحك ــام قابل ــة للمعارضـ ـةـ أو اإلس ــتئناف ش ــرط تق ــديم كفالـ ـةـ من ِقب ــل التاجـ ــر الص ــادر الحك ـ ــم‬
‫َّ‬
‫ملصـ ــلحته‪،‬ـ أمـ ــا في املسـ ــائل املدنيـ ــة فغن األحكـ ــام القضائي ـ ــة ال تكـ ــون قابلـ ــة للتنفيـ ــذ إال حـ ــازت حجيـ ــة‬
‫الشيء املقضي فيــه‪.‬‬

‫* التق ــادم ‪ :‬التق ــادم املس ــقط في املس ــائل املدنيـ ــة ه ــو ‪ 15‬س ــنة (م ‪ 197‬ق‪.‬م‪.‬ج)‪ ،‬في حين أن التق ــادم في‬
‫املسائل التجارية فيك ــون على النحو التالــي ‪:‬‬

‫‪ -‬بمــرور ‪ 05‬سنوات في دعاوى تصفية الشركات التجاريــة‪.‬‬


‫ً‬
‫ابتداء من تاريخ اإلستحقاق (م ‪ 461‬ق‪.‬ت‪.‬ج)‪.‬‬ ‫‪ -‬بمرور ‪ 03‬سنوات في الدعاوى املتعلقـة بالسفتجة‬

‫* الفائ ــدة القانونيـة ‪ :‬ح ـ َّـرم املش ـ ّ ِـرع الجزائ ــري التعام ــل بالفائ ــدة بين األفـ ــراد في مج ــال الق ــرض‪ ،‬حيث‬
‫كل ّ‬ ‫ً‬
‫باطال ُّ‬
‫نص يخالف‬
‫ٍ‬ ‫نصت املادة ‪ 454‬ق‪.‬م‪.‬ج عل أن ‪ " :‬القرض بين األفـراد يكون بدون أجـر‪ ،‬و يقع‬
‫ذلـ ــك "‪ ،‬و لكن املشـ ـ ّ ِـرع ذاتـ ــه أجـ ــاز للمؤسسـ ــات املاليـ ــة ذلـ ــك حسـ ــب نص املادتين ‪ 455‬و ‪ 456‬ق‪.‬م‪.‬ج‬
‫قصد تشجيع اإلدخارـ والنشاط اإلقتصادي الوطني‪.‬‬

You might also like