Professional Documents
Culture Documents
سيرة الشيخ أبو أنس الشامي
سيرة الشيخ أبو أنس الشامي
سيرة الشيخ أبو أنس الشامي
| هلل درك يــا شــامي -ســيرة العالــم املجاهــد أبــو أنــس الشــامي
-رحمــه اهلل| -
الطبعة األولى
1439هـ
أبي أنس الشامي
'الحمــد هلل الــذي جعــل الشــهادة يف ســبيله طريقــا يســير بنــوره املجاهــدون ويهتــدي بمنــاره
الســائرون ،والصــاة والســام ىلع نبينــا محمــد وىلع آلــه وصحبــه وســلم تســليما كثيــرا.
وبعد:
عندمــا رفــع علــم الجهــاد يف العــراق ونــادى املنــادي؛ حــي ىلع الجنــان ،لبــى الصادقــون
املخلصــون مــن كل حــدب وصــوب ،ونــادوا بــأىلع أصواتهــم؛ لبيــك اللهــم جهــادا وشــهادة يف
ســبيلك ،فانحــدرت جمــوع املجاهديــن إلــى ارض الرافديــن ،يبذلــون املــال واألرواح ،ويتســابقون
وعند ذاك صاح الناعقون ،وأرجف املنافقون قائلين ملن هاجر ليجاهد:
ّ
أفديهن بالنفس واألعمار وسمعت نوح املسلمات فقمت كي
قهار
تحدب ظهره رفع األكف لواحد ّ
ورأيت شيخًا قد ّ
2
أبي أنس الشامي
وغيــر بعيــد عــن أرض العــراق؛ لبــى املجاهــدون مــن كل مــكان نــداء الرحمــن ،فرمــت الجزيــرة
والشــام فلــذت أكبادهــا ،وخيــار رجالهــا ،فجــاءوا إلــى ارض العــراق ليرفعــوا علــم التوحيــد
والجهــاد.
ومــن هــؤالء الرجــال األســود؛ أســد الشــام والرافديــن ،العالــم املجاهــد الشــيخ أبــو أنــس الشــامي
رحمه اهلل.
ولــد أبــو أنــس الشــامي يف منطقــة الســاملية الكويتيــة عــام 1968م ،وهــو فلســطيني األصــل،
وعــاش طفولتــه يف كنــف والديــه ،وربــاه والــده منــذ نعومــة أظفــاره ىلع حــب اللغــة العربية،
فــكان متحدثــا بالفصحــى منــذ أن بلــغ الرابعــة عشــرة مــن عمــره ،وكان يكــره اللهجــة العاميــة
كانــت نشــأته يف بيــوت اهلل تعالــى ،فتعلــق قلبــه باملســاجد ،وحفــظ القــرآن الكريــم يف
الخامســة عشــرة مــن عمــره ،وبعــد إتمــام الثانويــة العامــة؛ توجــه للدراســة الشــرعية يف
الجامعــة اإلســامية يف الجزيــرة العربيــة -املدينــة النبويــة املنــورة -وهنــاك اجتمــع إلــى
وحفــظ الكثيــر مــن الكتــب واملتــون واألحاديــث ،حتــى قــال احــد تالمذتــه؛ إن أبــا أنــس كان
يحفــظ الكثيــر مــن كتــب شــيخ اإلســام ابــن تيميــة رحمــه اهلل.
ويف بدايــة صيــف العــام ١٩٩٠م -أي قبــل الغــزو البعثــي للكويــت -؛ ســافر إلــى أفغانســتان
بصحبــة زميلــه يف الجامعــة أبــي همــام الفلســطيني ،ومكثــا يف معســكر «الفــاروق» للتدريب
العســكري نحــو ثالثــة أشــهر ،وأجــادا خاللهــا اســتعمال األســلحة الخفيفــة ومضــادات الطائــرات
وتصنيــع املتفجــرات.
ثــم أديــا القســم ىلع عــدم اســتخدام مــا تعلمــاه ضــد املســلمين ،وذلــك بعــد مبايعــة أميــر
3
أبي أنس الشامي
عــاد بعــد ذلــك وقــد تحولــت حياتــه وتغيــر حالــه ،فأضحــى ُيبشــر بالجهــاد يف كل مجلــس
ويف صيــف العــام 1991م تــزوج أبــو أنــس مــن فتــاة فلســطينية ،وكان أهلهــا يعيشــون يف
«الســعودية» ،فعاشــت مــع زوجهــا يف األردن ،واســتقر بهمــا الترحــال يف حــي «اإلرســال»
بمنطقــة «صويلــح» األردنيــة ،حيــث عمــل الشــيخ إمامــا يف مســجد «مــراد» يف الحــي ذاتــه.
رزق أبــو أنــس بمولودتــه األولــى عــام ١٩٩٣م ،واســماها ميمونــة ،ثــم رزق بعــد ذلــك بنحــو ثــاث
ســنوات بابنــه أنــس ،ثــم بعــده بســنتين جــاء ابنــه مالــك.
غــادر أبــو أنــس األردن إلــى «الســعودية» مــرات عــدة للقــاء املشــايخ والعلمــاء وطــرح بعــض
األســئلة عليهــم ومناقشــتهم يف أمــور كانــت تؤرقــه كثيــرا ،منهــا الوجــود األمريكــي يف
جزيــرة العــرب التــي حــرم ىلع غيــر املســلمين املكــوث فيهــا أو اســتيطانها ،فكيــف يمكــن
وكان محــاورا ممتــازا ،يملــك الحجــة القويــة ،واالســتدالالت الرصينــة ،يســاعده يف ذلــك ســعة
إجتهــد أبــو أنــس الشــامي بتدريــس العلــوم الشــرعية يف مســجده ،وفتــح ثــاث مراكــز
لتحفيــظ القــرآن الكريــم والفقــه وأصولــه ،ونشــط يف الدعــوة ،وتأثــر بطرحــه عــدد كبيــر مــن
الشــباب.
غــادر أبــو أنــس األردن إلــى البوســنة والهرســك للتدريــس والدعــوة ،وبقــي هنــاك ســنة ونصــف،
ثــم عــاد ليعمــل مدرســا ومربيــا وواعظــا متطوعــا يف «مركــز اإلمــام البخــاري» الــذي ســاهم
4
أبي أنس الشامي
وبعــد أحــداث /11ســبتمر؛ أراد الشــيخ الخــروج إلــى ارض الجهــاد يف أفغانســتان ،لكنــه لــم
يتمكــن مــن ذلــك ،فعــرف أن واجبــه الدعــوى أصبــح كبيــرا جــدا ،فأخــذ يحــث النــاس ىلع
ويف عــام ٢٠٠٣م؛ تــم اعتقالــه إلعالنــه يف صفــوف طالبــه وأتباعــه أن النظــام الحاكــم يف
ـول البــاد إلــى ثكنــة عســكرية أمريكيــة يأتمــر بأمرهــا وينتهــي بنهيهــا ،وان الحــرب
األردن حـ ّ
القادمــة ليســت ضــد النظــام العراقــي وإنمــا ضــد اإلســام ،وذلــك أثنــاء االســتعدادات األمريكيــة
لشــن الحــرب ىلع العــراق ،وكان يدعــو النــاس إلــى وجــوب معارضــة التوجــه الحكومــي يف
مســاندة األمريــكان والتوجــه إلــى العــراق لدعــم الجهــاد هنــاك ،بعــد ذلــك تــم إطــاق ســراحه
ليعــود مجــددا إلــى حــث طالبــه وأتباعــه ىلع الجهــاد ضــد املحتــل األمريكــي يف العــراق.
أدى مــا عليــه مــن أمانــة التبليــغ؛ توجــه إلــى العــراق ،بعــد أن أشــاع
وبعــد أن شــعر بأنــه ّ
خبــر نيتــه الســفر إلــى الســعودية للعمــل ،وذلــك بعــد عودتــه مــن أداء مناســك العمــرة يف
شــهر ســبتمبر مــن عــام ٢٠٠٣م ،فحــاول بــكل وســيلة الدخــول إلــى العــراق ومــا تــرك بابــا مــن
األبــواب التــي توصلــه إلــى هنــاك إال وطرقــه ،حتــى يســر اهلل لــه ذلــك.
ويف أرض الخلفــاء التقــى بالشــيخ أبــي مصعــب الزرقــاوي ،ولســان حــال أبــي أنــس الشــامي
من حسرة فيما مضى من حالية يا لهف نفسي بالجاد فكم بها
وقد اشتريت بها الجنان العالية فألجل دين اهلل بعت رغائبي
5
أبي أنس الشامي
بــدأ أبــو أنــس مشــواره الجهــادي منــذ اليــوم األول ،فــكان جنديــا مطيعــا ،وداعيــا ومفتيــا
للمجاهديــن.
وكان يقــود بنفســه الكثيــر مــن املعــارك ضــد قــوات الصليــب ،وكانــت لــه مواقــف وبطــوالت
عديــدة.
منهــا مــا حــكاه رفيقــه أبــو ســيف الشــامي حيــث قــال( :خــرج أبــو أنــس مــع عــدد مــن
املجاهديــن لضــرب إحــدى الســيطرات ،فضربوهــا وســاروا قليــا ،وفوجئــوا بســيطرة أخــرى
فضربوهــا ،ثــم ســيطرة أخــرى وأخــرى ،حتــى ضربــوا ســت ســيطرات ،ومــا عــادوا حتــى نفــذت
ذخيرتهــم).
وكان الشــيخ رحمــه اهلل مثــاال يف الطاعــة وال يعصــي أميــره ،وقــد جــاب أرجــاء العــراق للدعــوة
ويف أحــداث الفلوجــة كان ينــادي يف املســاجد( :يــا أهــل الفلوجــة؛ حــي ىلع الجهــاد ،حــي
ىلع الجهــاد) ،وكان يحــث النــاس ويذكرهــم ويرغبهــم بالحــور العيــن ،فأخــذ النــاس يتســابقون
ولم تسر خلف طيف الزيف خذالنا هلل درك لم تأنس بدنيانا
وكان يســمي معركــة الفلوجــة؛ بـــ «معركــة األحــزاب» ،وكان يذكــر النــاس بســيرة النبــي عليــه
صــاة والســام ،وعندمــا يذهــب إلــى أي مــكان كان يكثــر مــن الدعــاء.
يــروي القائــد عمــر حديــد رحمــه اهلل تعالــى؛ أنهــم يف آخــر أيــام املعركــة يف منطقــة
«جبيــل» نفــذت ذخيرتهــم ،فشــكوا األمــر إلــى أبــي أنــس ،فقــال لــه( :اجمــع لــي األخــوة)،
6
أبي أنس الشامي
فعندمــا اجتمعــوا ،اخــذ أبــو أنــس يدعــو رافعــا يديــه( :يــا رب األمــر أمــرك ونحــن عبيــدك،
خرجنــا لنصــرة دينــك وأخذنــا باألســباب فلــم يبــق إال نصــرك ،ولــم يبــق إال مــددك ،اللهــم هــذا
ذلنــا ظاهــر بيــن يديــك وحالنــا ال يخفــى عليــك ،فانــزل علينــا نصــرك وثبــت أقدامنــا وانصرنــا
ىلع القــوم الكافريــن) ،واخــذ يثبتنــا ويذكرنــا بوعــد اهلل بالنصــر ،فمــا لبثــوا طويــ ً
ا إال وقــد
وبعــد انتهــاء معركــة الفلوجــة؛ اســتمر الشــيخ يف جهــاده ودعوتــه ،فاخــذ يعلــم املجاهديــن
ويربيهــم ،وأصــدر بصوتــه عــددا مــن الــدروس يف الجهــاد ،وبــث رســائله الجهاديــة العديــدة
مــن أرض املعركــة ىلع «االنترنــت» ،وتابعهــا الشــباب الصادقــون يف مختلــف األقطــار ،وبقــى
مرابطــا مجاهــدا حتــى ختــم اهلل لــه حياتــه بالشــهادة يف ســبيله -نحســبه كذلــك وال نزكــي
قبــل أن تبــدأ املعركــة؛ كان أبــو أنــس الشــامي يف ســامراء يعلــم اإلخــوة املجاهديــن ويربيهــم
ويتلــو عليهــم القــران ويحفظهــم ،وبعــد أن انتهــى مــن هــذه املهمــة ،أرســل إلــى الشــيخ أبــي
مصعــب الزرقــاوي حفظــه اهلل ليطلــب منــه املشــاركة يف تلــك املعركــة ،فقــال لــه الشــيخ أبــو
مصعــب( :يــا أبــا أنــس لــو بقيــت معنــا ألننــا نحتاجــك) ،فقــال أبــو انــس( :واهلل لئــن اقتــل يف
ســبيل اهلل مــن اجــل تحريــر أخواتــي الســجينات خيــر لــي مــن أن أعيــش).
7
أبي أنس الشامي
وقبــل يــوم مــن املعركــة؛ جمــع أبــو أنــس إخوانــه املجاهديــن ،وألقــى عليهــم درســا يرغبهــم
فيــه الجنــة ،وكان ممــا قــال( :نحــن غــدًا يــا أخــوة بــأذن اهلل ســتكون معركــة الفتــح -يقينــا
ىلع اهلل تبــارك وتعالــى ســيفتح اهلل علينــا -ونســال اهلل تعالــى أن يــرى منــا خيــرا ،وان يأخــذ
بأيدينــا).
وأخــذ يدعــو( :اللهــم حــرر بأيدينــا إخواننــا وأخواتنــا ،اللهــم ألحقنــا باألحبــة محمــدا وحزبــه،
اللهــم أحينــا ســعداء وامتنــا شــهداء ،اللهــم ال تخذلنــا بذنوبنــا ،اللهــم امنحنــا أكتافهــم ،اللهــم
ودعــه إخوانــه املجاهــدون ،وكان آخــر مــن ودعــه القائــد عمــر حديــد
وعندمــا خــرج للمعركــة؛ ّ
-أبــو خطــاب رحمــه اهلل-
وقــد روى لنــل رحلــة الــوداع ،فقــال( :ودعنــي أبــو أنــس وداع مفــارق ،ورأيــت يف وجهــه نــور
الشــهادة ،وعلمــت انــه لــن يرجــع ،فقبلــت رأســه وعينيــه ،وطلبــت منــه أن يشــفع لــي ،فقــال
لــي؛ الــوداع يــا أبــا الخطــاب ،فقلــت لــه؛ ال تقــل الــوداع وقــل اللقــاء ،فقــال؛ لقاؤنــا يف الجنــة
وخرج إلى املعركة؛ فكانت الشهادة بانتظاره ،والحور العين يف استقباله -نحسبه -
ونترك الكالم ألحد األمراء الذين رافقوه يف املعركة ،ليروي لنا تفاصيل املعركة تلك:
(تحــرك هــذا الجيــش بقيــادة أبــي أنــس وكان يقــول« :يــا حبــذا املــوت ىلع أبــواب أبــي
غريــب» ،وكان الترتيــب للمعركــة بحســب مــا أمكــن وتيســر ،وعندمــا ذكرنــا ذلــك ألبــي أنــس،
وعندمــا ســرنا وركبنــا الســيارة كان يدعــو إلخوانــه ،ويســال اهلل أن يفتــح عليهــم فتحــا مبينــا،
وان ينصرهــم نصــرا مــؤزرا ،ونســال اهلل أن يثبتنــا ويكتــب هــذا النصــر بأســمائنا ،وان يختــم لنــا
بالشــهادة يف ســبيله ...وألــح كثيــرا ىلع طلــب الشــهادة ،وأكثــر مــن البــكاء.
8
أبي أنس الشامي
وكان أبــو أنــس ُمجهــدًا ،قــد ظهــر عليــه اثــر التعــب ،فهــو لــم يــذق طعــم النــوم منــذ أربعــة
أيــام ،ولكنــه كانــت لــه إشــراقة غريبــة ،شــهد لــه بذلــك اإلخــوة املجاهــدون.
وصلنــا إلــى موضــع املبيــت ،قريبــا مــن ســاحة املعركــة ،وكان الجميــع يبتســم ويضحــك ،كأنــه
وســمعنا صــوت الطائــرة تحلــق يف الســماء ،ومــا هــي إال لحظــات إذ ســمعنا صــوت الصــاروخ
ينطلــق مــن الطائــرة وســقط ىلع البيــت الــذي كنــا فيــه ،ولكننــا نجونــا ولــم نمــت ،ونفــض أبــو
أنــس عــن وجهــه التــراب ،فقلــت« :يــا أبــا أنــس لــو أخرجنــا اإلخــوة مــن البيــت وســحبناهم إلــى
الفلوجــة» ،فقــال« :نعــم» ،فلــم يفــر مــن البيــت ،بــل بلــغ مــن الشــهامة أن ذهــب إلــى اإلخــوة
فــإذا بصــاروخ ثــان يســقط ىلع املنــزل ،وإذا بابــي أنــس [جريحــا] ىلع األرض ،واســلم الــروح
أمــا اإلخــوة الباقــون؛ فــكان منهــم مــن قتــل ،ومنهــم مــن جــرح ،فانســحبوا إلــى الفلوجــة،
واخــذ اإلخــوة يصبــر احدهــم اآلخــر بهــذه املصيبــة ،ويقــول بعضهــم لبعــض« :ال تحــزن إن اهلل
معنــا»).
وذاع نبــأ استشــهاد الشــيخ أبــي أنــس رحمــه اهلل ،وكان وقــع املصيبة ىلع املســلمين شــديدا،
وهــا هــو الشــيخ أبــو مصعــب حفظــه اهلل يــروي لنــا عظــم هــذا الخبــر عليــه ،ويرثيــه بكلمــات
فقــال( :وصلنــي خبــر مقتلــه ،ولــم اصــدق بــاديء ذي بــدء ،وبقيــت بيــن الرجــاء والخــوف ،حتــى
9
أبي أنس الشامي
ذكريــات تلقــي بظاللهــا كلمــا تــراءى أمامــي شــيء مــن اثــر الجهــاد واملجاهديــن يف أرض
شــعرت وكأن جســمي انشــق شــقين ،ومــا كانــت تســتطيع العيــن إال أن ُت َنفــس بدمعــات بيــن
حيــن وأخــرى ،قــد كان رفيــق دربــي يف األتــراح واألفــراح ،ويف الحــل والترحــال ،كالظــل ال
رحمــك اهلل يــا أبــا أنــس ،فنعــم حامــل رســالة كنــت ،لقــد تركــت فراغــا ال يمــاءه احــد ،وأورثــت
لنصدقــن،
ُ القلــوب لوعــة ال يســكن لهيبهــا إال بلقيــاك هنــاك يف الجنــان ،فــواهلل لئــن ُســئلنا
ولئــن اس ُتشــهدنا لنشــهدن؛ انــك كنــت فارســا من فرســان اإلســام حقــا ،وعاملــا عامــا مجاهدا،
قد وجدت البكاء حلو املذاق ال تلمني ىلع البكاء فاني
ُ
وكسيت األحزان كاألطواق). إيه يا شام قد فقدنا عزيزا
هــذه هــي قصــة بطلنــا وأســدنا أبــي أنــس الشــامي رحمــه اهلل تعالــى ،قصــة كلهــا عبــرة
10
أبي أنس الشامي
اللهــم هــيء لنــا رجــاال كابــي أنــس الشــامي ،يرفعــون رايتــك ويضحــون مــن أجــل دينــك ،انــك
ســميع قريــب.
اللجنة الشرعية
املصدر :مجلة ذروة سنام اإلسالم التابعة لتنظيم القاعدة يف بالد الرافدين
علــم مــن أعــام اإلســام ،ال تحويــه الســطور ،وال لشــرفه وفضلــه تســعفني الكلمــات ،ولقــد
تــرددت كثيــرا قبــل الكتابــة عــن هــذا األســد ّ
وأخــرت الكتابــة عنــه لعــل غيــري يكــون أصــدق
تعبيــرا وأســعف بيانــا ،وعلــم اهلل أن تأخــري لســبب واحــد ،أنــي خشــيت أال ّ
أوف الرجــل حقــه
يف بيــان فضلــه وشــرفه وعلــو منزلتــه ومكانتــه بيــن إخوانــه وتاريخــه يف الدعــوة والجهــاد
ودوره يف التوحيــد والجهــاد ،ثــم يف قاعــدة الجهــاد ،ومــا ّ
مــن اهلل عليــه وىلع إخوانــه
11
أبي أنس الشامي
فمــن يتكلــم عــن الشــهم الكريــم ،الشــجاع البطــل ،األســد الهصــور ،العالــم الربانــي ،العالــم
العامــل ،الفقيــه الحافــظ ،التقــي النقــي ،الســهل الواضــح ثــم املعلــم املربــي ،املتمســك
بدينــه ،الحريــص ىلع إخوانــه ،الناصــح النصــوح ،الحــي املــؤدب ،الغيــور ىلع الديــن والعــرض،
حتــى يســتعذب صفــاء مائــه وخفــة مذاقــه ،وكيــف لــي بهــذا وكلماتــي يتقطــر الحــزن مــن
ثناياهــا وفــؤادي يعتصــر أملــا عنــد ذكــره ثــم بالحديــث عنــه ،وإن كان والبــد حتمــا فهاكــم
الرجــل وتلــك نتفــة مــن ســيرته وعالقتــي بــه ومــا يمكــن أن أقولــه عنــه وأول معرفتــي بــه.
أقــول أول معرفتــي بالرجــل انــي دخلــت يومــا أو بدعــوة ىلع شــيخ اإلســام أبــي مصعــب
الزرقــاوي رحمــه اهلل فلفــت انتباهــي شــاب يف الثالثينيــات مــن العمــر يجلــس ىلع فرشــه
مقابلــة كأنــه زهــرة ىلع بســاط أخضــر ،جميــل الصــورة ،نضــر الوجــه ،ليــس بــه نمــش وال ســواد،
ناعــم الشــعر ،رائــع القســمات ،فنــاداه صاحبــي فأقبــل إلينــا فلمحــت البــراءة يف عينيــه ثــم
تكلــم ،فتكلــم بالفصحــى بــا تقطــع وال تكلــف بــل يمــازح ويالطــف يف أدب كبيــر ،ثــم جلــس
فاستشــاره الشــيخ أبــو مصعــب يف عمــل عســكري مــا ،فأشــار واقتــرح بمــا يســتطيع ويعــرف ثم
صمــت عمــا ال يعــرف ،وتلــك واهلل شــيم العلمــاء ،ثــم خلــوت بالشــخ أبــي مصعــب وســألته عــن
الرجــل ،فمــدح وزاد يف مدحــه بمــا يــدل ىلع أن الرجــل وقــع مــن الشــيخ موقعــه املناســب،
/2ان عــادة الشــيخ لــم تتخلــف عنــه حتــى بعدمــا صــار معروفــا مشــهورا ،فمنــذ كان يف
أفغانســتان كان يق ـ ّرب ويأتــي ويذهــب مــع أحــد كبــار طلبــة العلــم ،وهــذا يــدل ىلع فهــم
الرجــل وتحريــه للشــرع يف أمــره ونهيــه ،وتقريبــه للعلمــاء ،وتلــك واهلل شــيم الصالحيــن.
ثــم عــدت إلــى عملــي وبعــد فتــرة شــاءت األقــدار ان أرجــع وأكــون يف أماكــن كثيــرة هــو فيهــا،
كان أهمهــا أيــام الفلوجــة األولــى وبعدهــا ،تلــك الغــزوة التــي ســطر لهــا الشــيخ كتــاب باســم
12
أبي أنس الشامي
(غــزوة األحــزاب) وكنــت أحــب أن يســميها غــزوة بــدر ألن آثارهــا كانــت كآثــار غــزوة بــدر وعــدة
اهلهــا كعــدة أهــل بــدر وحالهــم أشــبه بهــم يف كثيــر مــن األشــياء.
وقــد التقيــت الشــيخ أبــي أنــس يف إحــدى املــرات قبــل الفلوجــة األولــى ملــا زرت أحــد اإلخــوة
يف زوبــع وكان عنــده األخ الشــهيد (مولــود) ،كلــن الجــو ممحــا فســألت عــن الحــال؟
فقــال لــي :توبــة أن أذهــب مــع الشــيخ أبــي أنــس ،قلــت :ولــم؟ ،قــال يــا رجــل كــدت أمــوت
رعبــا مــن فــرط شــجاعة الرجــل ،تخيــل باألمــس هاجــم أكثــر مــن أربــع ســيطرات يف نفــس
الســاعة ،يخــرج مــن واحــدة ثــم يهاجــم األخــرى ويف كل مــرة يأمرنــي أن أتوقــف إلــة جانــب
الســيطرة حتــى إذا مــا توقفنــا أمــر الجميــع بإطــاق النــار وهكــذا دواليــك حتــى كدنــا نمــوت
نفســه ملــا كتــب قصتهــا ،لكــن أبــرز أهــم مــا قــام بــه:
/1كان لــه الــدور الكبيــر والهــام يف تحفيــز النــاس وخاصــة األنصــار وتبشــيرهم بالنصــر وحثهــم
/2كان عملــه يســبق قولــه ،فــكان يحفزهــم ويتقــدم أمامهــم فــكان يســرع حينمــا يبطــئ
النــاس.
/3كان يشــكل مــع عمــر حديــد وأبــي عــزام «رحــم اهلل الجميــع» أشــبه بمجلــس حــرب يديــر
/4كان لثقــة اإلخــوة املهاجريــن منهــم وخاصــة األنصــار بــه عامــل هــام جــدا يف أن تســير
األمــور ىلع النحــو املطلــوب ،فمثــا ملــا كانــت هنــاك مفاوضــات ،كنــا نقــول يف كل شــيء
مــا قــال أبــو أنــس يف هــذا األمــر ،هــل وافــق؟ هــل أجــازه؟ فمــا وافــق عليــه ،وافقنــاه ،ومــا
رفضــه رفضنــاه ،لثقتنــا بعلمــه وشــجاعته ،ورب قائــل يقــول ومــا دخــل العلــم بالشــجاعة؟
فأجيبــه وأقــول :نعــم كنــت مثلــك ال أعــرف هــذا حتــى جــاءت الفلوجــة األولــى.
فحينمــا كان يشــير أبــو أنــس مثــا بوقــف القتــال ،كنــا نحســب أن الرجــل يــرى األصلــح دينــا
وال جبنــا وال خــور ،فالجميــع يعلــم أنــه بالنســبة إلــى أبــي أنــس ليــس بجبــان ،كمــا أن الرجــل
ناصــح حريــص فــا يتخــذ قــرارا إال بعــد أن يشــير ىلع شــيخه ومــن معــه -فرحمــة اهلل عليــه.-
13
أبي أنس الشامي
وممــا أذكــر جيــدا وال أنســاه مــا حييــت ،أنــه زارنــا يومــا يف الجــوالن وكان قليــا جــدا مــا يزورنــا
نظــرا ألن إخــوة الجــوالن كان معظمهــم املهاجريــن وكان ال يــرى حاجــة ملحــة للمجــيء إليهــم.
أقــو لزارنــا الشــيخ ونحــن أحــوج إليــه مــن غيرنــا يف النصــح ورفــع الهمة وكانــت األمور يف أشــد
مــا يكــون ضيقــا ،فســأل الحاضريــن ،مــن يعــرف رمــز الحــزب الجمهــوري األمريكــي (أهــو الحمــار
أم الفيــل)؟ فقــال أحــد الحاضريــن أظنــه الفيــل يــا شــيخ ،فالحمــار رمــز الحــزب الديمقراطــي،
وأ ّيــده آخــر ،فقــال الشــيخ :كنــت أعلــم هــذا لكــن أردت أن أتأكــد إن صــدق مــا تقولــون فأبشــروا
ـل َر ُّبـ َ َ َ
ـاب اْل ِفيـ ِ
ـل} ،حتــى أتــى ـك ِبأ ْص َحـ ِ ـم َت ـ َر َك ْيـ َ
ـف َف َعـ َ وأملــوا ،ثــم تــا علينــا قولــه تعالــى{ :ألَـ ْ
ّ
إلــى نهايتهــا وأخــذ بتفســيرها.
ثــم أردف قائــا :اصبــروا إخوانــي فــواهلل لجمــع كجمــع الكفــار يف األحــزاب وســوف يفــرق اهلل
ولقــد صــدق واهلل الشــيخ ،فكانــت شــهر أو قريــب مــن الشــهر ،حيــث اســتمر الحصــار ســبعة
وعشــرين يومــا ،فالحمــد هلل ىلع النعمــة .وجــاء الــدور األبــرز للشــيخ بعــد املعركــة ،فالرجــل
كان يــدرك أن النصــر البــد مــن قطــف ثمرتــه وعــدم تركهــا للدجاليــن مــن الحــزب الــا إســامي
العراقــي والصوفيــة الغــاة واملشــعوذين وغيرهــم ،فــكان ال بــد مــن وضــع األمــور يف مســارها.
فشــكل وأســس (مجلــس شــورى مجاهــدي الفلوجــة) بالتنســيق وبأمــر الشــيخ أبــي مصعــب
الزرقــاوي وحتــى ال تذهــب الثمــرة إلــى مــن جــاء بعــد املعركــة ،فــكان هــذا املجلــس تقريبــا
ثــم لعــب الشــيخ فيمــا بعــد أحــداث الفلوجــة األولــى الــدور األهــم واألبــرز يف حياتــه كلهــا ،بــل
فلقــد بــدأ الرجــل بــرص الصــف وتأليــف القلــوب ىلع أبــي مصعــب وجمــع الشــمل لــه فبــدأ
باألقــرب وهــي الفلوجــة ،فبــدأ يطــوف ىلع كثيــر مــن املجموعــات الصغيــرة يف ّنــد شــبههم
14
أبي أنس الشامي
ثــم بــدأ بمــا حــول الفلوجــة ثم بغــداد فكلمــا ســمع بكتيبة أو ســرية حســنة العقيدة والســلوك
والعمــل ،جــاء إلــى أميرهــا وحــاوره وال يــزال بــه حتــى يدخلهــم إلى صــف التوحيــد والجهاد.
وكان مــن مآثــره أن ســامراء أن ســامرا لــم يكــن للتوحيــد فيهــا احــد فزارهــم ومــا زال يتــردد بيــن
ســراياها وكتائبهــا حتــى جعــل ســامراء كلهــا تقريبــا للتوحيــد والجهــاد ،ثــم صــارت فيمــا بعــد
كالفلوجــة أو أشــد ،ولقــد ظ ّلــت (امللويــة) املأذنــة الشــهيرة يف التاريــخ اإلســامي والعراقــي
ثــم بــدأ الشــيخ الشــهيد الحبيــب بعــد ذلــك يتخــذ طابعــا عســكريا أكثــر منه غيــر ذلك ،فأشــهد
بــاهلل أنــه مــا ثــارت ثائرتــه قــط يف الفلوجــة إال وجدتــه مــن أول القادميــن املتقدميــن ،يحرض
ويقاتــل ويفعــل كل مــا بوســعه فعلــه ثــم رأيتــه بعــد ذلــك حاضــرا لجميــع لجنــات التنســيق
العســكري التــي كانــت تتــم يف الفلوجــة وكان لــه الــدور األبــرز بيــن اإلخــوة.
وصــل الشــيخ إلــى املــكان ثــم بــدأ القصــف وكان الشــيخ خــارج املنــزل ،ثــم فجــأة رأى صاروخــا
يدمــر البيــت ىلع أكثــر مــن أربعيــن أخ وصلــوا لتوهــم ولــم يفرقــوا إلــى أماكنهــم بعــد ،فصــرخ
الشــيخ بــأىلع صوتــه يف األخ الــذي خــارج املنــزل والذيــن بعــد لــم ينزلــوا مــن الســيارة يأمرهم
باإلســراع يف االنتشــار واالبتعــاد عــن املــكان ألنــه يعــرف كمــا يعــرف جميــع أهــل الفلوجــة
والذيــن اكتــووا بنيــران القصــف الجــوي األعمــى أن الطائــرات األمريكيــة يف الغالــب تقصــف
املــكان أكثــر مــن مــرة يف نفــس الوقــت ،لكــن شــجاعة وشــهامة ومــروءة الشــيخ لــم تتخلــف
عنــه حتــى يف أحلــك املواقــف وأشــد الظــروف ولــو هتــف بــه املــوت مــن كل مــكان ،حيــث
ســمع أنينــا يأتــي مــن بعيــد مــن بيــن األنقــاض فأســرع إلــى إخــراج مــا يمكــن إخراجــه مــن بيــن
األنقــاض حتــى وصــل إلــى أخ يـ ّ
ـأن بقــوة وســط ركام البيــت بينمــا تبعــه األخ الشــهيد أبــو عبــد
اهلل ســعد والــذي حكــى لــي القصــة وكان أبــو عبــد اهلل يف طــرف البيــت يحــاول إنقــاذ أخ آخــر
ويف تلــك اللحظــة جــاء الصــاروخ الثانــي وليرمــي بأبــي عبــد اهلل مســافة بعيــدة لكــن دون
بينمــا دفــن الصــاروخ عاملــا ربانيــا بيــن أشــاء إخوانــه ولتختلــط الدمــاء بهــم ،اختلطــت األرواح
زمانــا طويــا وليتعانــق الجميــع عظامــا وأرواحــا يف جنــات عــدن عنــد مليــك مقتدر ،نحســبهم
15
أبي أنس الشامي
واهلل حسيبهم.
بقــي أن أذكــر بعــض األشــياء ىلع عجــل يف ســيرة الرجــل اإلمــام ،أنــه كان ال ينســى قــط
ويفتــر عــن ذكــر اهلل فــكان االســتغفار ســمة أبــي أنــس ،فــا تــكاد تســمعه إال وهــو يقــول:
«أســتغفر اهلل» ،حتــى أنهــا صــارت عــادة أظنــه لــو حــاول أن يمنعهــا مــا قــدر كمــا أظــن أن
ذلــك كان هــو س ـ ّر نضــارة وجــه أبــي أنــس الشــامي رحمــه اهلل.
كمــا أنــه كان خالــص الــود والحــب لزوجــه «ام أنــس» ،فمــا كان ينســاها قــط ولــو يف أحلــك
املواقــف.
وأذكــر أننــا يف أثنــاء أحــداث الفلوجــة األولــى ويف لحظــة مــن لحظــات الضيــق والشــدة نظــر
ـوه أن الشــيخ ســافر إلــى البوســنة والهرســك قائمــا بأمــر اهلل يف الدعــوة إلــى
ثــم أحــب أن أنـ ّ
العقيــدة الصحيحــة والتــي ألجلهــا أســس مــع مجموعــة مــن إخوانــه مركــز اإلمــام البخــاري بعــد
رجوعه من الهرسك.
كمــا ان الرجــل أبتلــي يف ذات اهلل حيــث اعتقــل عــام 2003م إلنتقــاده نظــام الطاغيــة عيــن
أمريــكا «عبــد اهلل» وبعــد اإلفــراج عنــه أســرع إلــى أرض العــزة والجهــاد بــاد الرافديــن.
بقــي أن أقــول أن أذكــر أن اســم الشــيخ الحقيقــي هــو (عمــر يوســف جمعــة) ،وهــو فلســطيني
األصــل ،ومــن مواليــد عــام 1969م ومتــزوج ولــه مــن األوالد «أنــس ومالــك» و ُبنيــة هــي األكبــر
«ميمونــة».
فرحمــة اهلل ىلع ميمــون الســيرة ،ميمــون العمــل ،ميمــون املقــام عنــد اهلل -نحســبه كذلــك
وال نزكــي ىلع اهلل أحــدا ،-أســأل اهلل أن يخلفنــا فيــه خيــرا ،فــواهلل مــا جــاء بعــده مثلــه ،واهلل
16
أبي أنس الشامي
وهذه مرثية الشيخ حامد العلي يف الشهيد أبي أنس الشامي رحمه اهلل.
17
أبي أنس الشامي
18
أبي أنس الشامي
19