سيرة الشيخ أبو أنس الشامي

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 19

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫| هلل درك يــا شــامي ‪ -‬ســيرة العالــم املجاهــد أبــو أنــس الشــامي‬
‫‪-‬رحمــه اهلل‪| -‬‬

‫الطبعة األولى‬
‫‪ 1439‬هـ‬
‫أبي أنس الشامي‬

‫'الحمــد هلل الــذي جعــل الشــهادة يف ســبيله طريقــا يســير بنــوره املجاهــدون ويهتــدي بمنــاره‬

‫الســائرون‪ ،‬والصــاة والســام ىلع نبينــا محمــد وىلع آلــه وصحبــه وســلم تســليما كثيــرا‪.‬‬

‫وبعد‪:‬‬

‫عندمــا رفــع علــم الجهــاد يف العــراق ونــادى املنــادي؛ حــي ىلع الجنــان‪ ،‬لبــى الصادقــون‬

‫املخلصــون مــن كل حــدب وصــوب‪ ،‬ونــادوا بــأىلع أصواتهــم؛ لبيــك اللهــم جهــادا وشــهادة يف‬

‫ســبيلك‪ ،‬فانحــدرت جمــوع املجاهديــن إلــى ارض الرافديــن‪ ،‬يبذلــون املــال واألرواح‪ ،‬ويتســابقون‬

‫إلــى بــاد األفــراح‪ ،‬حيــث الجنــان الحــور املــاح‪.‬‬

‫وعند ذاك صاح الناعقون‪ ،‬وأرجف املنافقون قائلين ملن هاجر ليجاهد‪:‬‬

‫توجع األحرارِ‬ ‫ُ‬


‫سمعت ُّ‬ ‫خرجت؟ ُ‬
‫قلت‪ :‬ألنني ح ٌر‬ ‫َ‬ ‫عالم‬
‫َ‬

‫ّ‬
‫أفديهن بالنفس واألعمار‬ ‫وسمعت نوح املسلمات فقمت كي‬

‫ورأيت دمع يتيمة تبكي ىلع فقد األحبة تحت كل دمار‬

‫أمًا تحتمي وصغارها يف خيمة محروقة بالنار‬


‫ورأيت ّ‬

‫فجعت بوليدها قد م ّزقته قذائف الغدار‬


‫ورأيت ثكلى ّ‬

‫قهار‬
‫تحدب ظهره رفع األكف لواحد ّ‬
‫ورأيت شيخًا قد ّ‬

‫وبكيت حين رأيت طف ً‬


‫ال خائفا عقباه تدمى الئذًا بفرار‬

‫والكل يسأل هل ترى من قومنا حرًا فتيًا آخذًا بالثار‬

‫‪2‬‬
‫أبي أنس الشامي‬

‫وغيــر بعيــد عــن أرض العــراق؛ لبــى املجاهــدون مــن كل مــكان نــداء الرحمــن‪ ،‬فرمــت الجزيــرة‬

‫والشــام فلــذت أكبادهــا‪ ،‬وخيــار رجالهــا‪ ،‬فجــاءوا إلــى ارض العــراق ليرفعــوا علــم التوحيــد‬

‫والجهــاد‪.‬‬

‫ومــن هــؤالء الرجــال األســود؛ أســد الشــام والرافديــن‪ ،‬العالــم املجاهــد الشــيخ أبــو أنــس الشــامي‬

‫رحمه اهلل‪.‬‬

‫إسمه؛ عمر يوسف جمعة‪.‬‬

‫ولــد أبــو أنــس الشــامي يف منطقــة الســاملية الكويتيــة عــام ‪1968‬م‪ ،‬وهــو فلســطيني األصــل‪،‬‬
‫وعــاش طفولتــه يف كنــف والديــه‪ ،‬وربــاه والــده منــذ نعومــة أظفــاره ىلع حــب اللغــة العربية‪،‬‬

‫فــكان متحدثــا بالفصحــى منــذ أن بلــغ الرابعــة عشــرة مــن عمــره‪ ،‬وكان يكــره اللهجــة العاميــة‬

‫وال يمــازح إال بالفصحــى‪.‬‬

‫كانــت نشــأته يف بيــوت اهلل تعالــى‪ ،‬فتعلــق قلبــه باملســاجد‪ ،‬وحفــظ القــرآن الكريــم يف‬

‫الخامســة عشــرة مــن عمــره‪ ،‬وبعــد إتمــام الثانويــة العامــة؛ توجــه للدراســة الشــرعية يف‬

‫الجامعــة اإلســامية يف الجزيــرة العربيــة ‪ -‬املدينــة النبويــة املنــورة ‪ -‬وهنــاك اجتمــع إلــى‬

‫مشــايخ الجهــاد واقتنــع بآرائهــم وتشــجع لهــا‪.‬‬

‫وحفــظ الكثيــر مــن الكتــب واملتــون واألحاديــث‪ ،‬حتــى قــال احــد تالمذتــه؛ إن أبــا أنــس كان‬

‫يحفــظ الكثيــر مــن كتــب شــيخ اإلســام ابــن تيميــة رحمــه اهلل‪.‬‬

‫ويف بدايــة صيــف العــام ‪١٩٩٠‬م ‪ -‬أي قبــل الغــزو البعثــي للكويــت ‪-‬؛ ســافر إلــى أفغانســتان‬

‫بصحبــة زميلــه يف الجامعــة أبــي همــام الفلســطيني‪ ،‬ومكثــا يف معســكر «الفــاروق» للتدريب‬

‫العســكري نحــو ثالثــة أشــهر‪ ،‬وأجــادا خاللهــا اســتعمال األســلحة الخفيفــة ومضــادات الطائــرات‬

‫وتصنيــع املتفجــرات‪.‬‬

‫ثــم أديــا القســم ىلع عــدم اســتخدام مــا تعلمــاه ضــد املســلمين‪ ،‬وذلــك بعــد مبايعــة أميــر‬

‫‪3‬‬
‫أبي أنس الشامي‬

‫املعســكر ىلع الســمع والطاعــة يف املنشــط واملكــره‪.‬‬

‫عــاد بعــد ذلــك وقــد تحولــت حياتــه وتغيــر حالــه‪ ،‬فأضحــى ُيبشــر بالجهــاد يف كل مجلــس‬

‫يجلســه‪ ،‬وازداد حرصــه ىلع طلــب العلــم والدعــوة إليــه‪.‬‬

‫ويف صيــف العــام ‪1991‬م تــزوج أبــو أنــس مــن فتــاة فلســطينية‪ ،‬وكان أهلهــا يعيشــون يف‬

‫«الســعودية»‪ ،‬فعاشــت مــع زوجهــا يف األردن‪ ،‬واســتقر بهمــا الترحــال يف حــي «اإلرســال»‬

‫بمنطقــة «صويلــح» األردنيــة‪ ،‬حيــث عمــل الشــيخ إمامــا يف مســجد «مــراد» يف الحــي ذاتــه‪.‬‬

‫رزق أبــو أنــس بمولودتــه األولــى عــام ‪١٩٩٣‬م‪ ،‬واســماها ميمونــة‪ ،‬ثــم رزق بعــد ذلــك بنحــو ثــاث‬
‫ســنوات بابنــه أنــس‪ ،‬ثــم بعــده بســنتين جــاء ابنــه مالــك‪.‬‬

‫غــادر أبــو أنــس األردن إلــى «الســعودية» مــرات عــدة للقــاء املشــايخ والعلمــاء وطــرح بعــض‬

‫األســئلة عليهــم ومناقشــتهم يف أمــور كانــت تؤرقــه كثيــرا‪ ،‬منهــا الوجــود األمريكــي يف‬

‫جزيــرة العــرب التــي حــرم ىلع غيــر املســلمين املكــوث فيهــا أو اســتيطانها‪ ،‬فكيــف يمكــن‬

‫الســكوت عــن اغتصابهــا؟!‬

‫وكان محــاورا ممتــازا‪ ،‬يملــك الحجــة القويــة‪ ،‬واالســتدالالت الرصينــة‪ ،‬يســاعده يف ذلــك ســعة‬

‫اطالعــه وســرعة اســتحضاره للدليــل‪.‬‬

‫إجتهــد أبــو أنــس الشــامي بتدريــس العلــوم الشــرعية يف مســجده‪ ،‬وفتــح ثــاث مراكــز‬

‫لتحفيــظ القــرآن الكريــم والفقــه وأصولــه‪ ،‬ونشــط يف الدعــوة‪ ،‬وتأثــر بطرحــه عــدد كبيــر مــن‬

‫الشــباب‪.‬‬

‫وامتاز بشخصيته الهادئة‪ ،‬وخلقه الكريم ومرونته يف محاورة املخالفين‪.‬‬

‫غــادر أبــو أنــس األردن إلــى البوســنة والهرســك للتدريــس والدعــوة‪ ،‬وبقــي هنــاك ســنة ونصــف‪،‬‬

‫ثــم عــاد ليعمــل مدرســا ومربيــا وواعظــا متطوعــا يف «مركــز اإلمــام البخــاري» الــذي ســاهم‬

‫‪4‬‬
‫أبي أنس الشامي‬

‫بتأسيســه يف العاصمــة األردنيــة‪.‬‬

‫وبعــد أحــداث ‪/11‬ســبتمر؛ أراد الشــيخ الخــروج إلــى ارض الجهــاد يف أفغانســتان‪ ،‬لكنــه لــم‬

‫يتمكــن مــن ذلــك‪ ،‬فعــرف أن واجبــه الدعــوى أصبــح كبيــرا جــدا‪ ،‬فأخــذ يحــث النــاس ىلع‬

‫الذهــاب إلــى أفغانســتان ويحــرض ىلع الجهــاد يف ســبيل اهلل‪.‬‬

‫ويف عــام ‪٢٠٠٣‬م؛ تــم اعتقالــه إلعالنــه يف صفــوف طالبــه وأتباعــه أن النظــام الحاكــم يف‬

‫ـول البــاد إلــى ثكنــة عســكرية أمريكيــة يأتمــر بأمرهــا وينتهــي بنهيهــا‪ ،‬وان الحــرب‬
‫األردن حـ ّ‬
‫القادمــة ليســت ضــد النظــام العراقــي وإنمــا ضــد اإلســام‪ ،‬وذلــك أثنــاء االســتعدادات األمريكيــة‬

‫لشــن الحــرب ىلع العــراق‪ ،‬وكان يدعــو النــاس إلــى وجــوب معارضــة التوجــه الحكومــي يف‬
‫مســاندة األمريــكان والتوجــه إلــى العــراق لدعــم الجهــاد هنــاك‪ ،‬بعــد ذلــك تــم إطــاق ســراحه‬

‫ليعــود مجــددا إلــى حــث طالبــه وأتباعــه ىلع الجهــاد ضــد املحتــل األمريكــي يف العــراق‪.‬‬

‫أدى مــا عليــه مــن أمانــة التبليــغ؛ توجــه إلــى العــراق‪ ،‬بعــد أن أشــاع‬
‫وبعــد أن شــعر بأنــه ّ‬
‫خبــر نيتــه الســفر إلــى الســعودية للعمــل‪ ،‬وذلــك بعــد عودتــه مــن أداء مناســك العمــرة يف‬

‫شــهر ســبتمبر مــن عــام ‪٢٠٠٣‬م‪ ،‬فحــاول بــكل وســيلة الدخــول إلــى العــراق ومــا تــرك بابــا مــن‬

‫األبــواب التــي توصلــه إلــى هنــاك إال وطرقــه‪ ،‬حتــى يســر اهلل لــه ذلــك‪.‬‬

‫ويف أرض الخلفــاء التقــى بالشــيخ أبــي مصعــب الزرقــاوي‪ ،‬ولســان حــال أبــي أنــس الشــامي‬

‫حيــن وصــل إلــى ارض الجهــاد يقــول‪:‬‬

‫شوقي إلى دار الخلود الباقية‬ ‫ذكرى الشهادة واملعارك هيجت‬

‫يبدي حنيني للجهاد عالنية‬ ‫وزئير أسد اهلل يف الساحات كم‬

‫من حسرة فيما مضى من حالية‬ ‫يا لهف نفسي بالجاد فكم بها‬

‫وقد اشتريت بها الجنان العالية‬ ‫فألجل دين اهلل بعت رغائبي‬

‫‪5‬‬
‫أبي أنس الشامي‬

‫بــدأ أبــو أنــس مشــواره الجهــادي منــذ اليــوم األول‪ ،‬فــكان جنديــا مطيعــا‪ ،‬وداعيــا ومفتيــا‬

‫للمجاهديــن‪.‬‬

‫وكان يقــود بنفســه الكثيــر مــن املعــارك ضــد قــوات الصليــب‪ ،‬وكانــت لــه مواقــف وبطــوالت‬

‫عديــدة‪.‬‬

‫منهــا مــا حــكاه رفيقــه أبــو ســيف الشــامي حيــث قــال‪( :‬خــرج أبــو أنــس مــع عــدد مــن‬

‫املجاهديــن لضــرب إحــدى الســيطرات‪ ،‬فضربوهــا وســاروا قليــا‪ ،‬وفوجئــوا بســيطرة أخــرى‬

‫فضربوهــا‪ ،‬ثــم ســيطرة أخــرى وأخــرى‪ ،‬حتــى ضربــوا ســت ســيطرات‪ ،‬ومــا عــادوا حتــى نفــذت‬
‫ذخيرتهــم)‪.‬‬

‫وكان الشــيخ رحمــه اهلل مثــاال يف الطاعــة وال يعصــي أميــره‪ ،‬وقــد جــاب أرجــاء العــراق للدعــوة‬

‫والنصــح والتثبيــت والتدريــب‪.‬‬

‫ويف أحــداث الفلوجــة كان ينــادي يف املســاجد‪( :‬يــا أهــل الفلوجــة؛ حــي ىلع الجهــاد‪ ،‬حــي‬

‫ىلع الجهــاد)‪ ،‬وكان يحــث النــاس ويذكرهــم ويرغبهــم بالحــور العيــن‪ ،‬فأخــذ النــاس يتســابقون‬

‫إلــى الجهــاد‪ ،‬فــكان املحــرك للشــباب‪.‬‬

‫ولم تسر خلف طيف الزيف خذالنا‬ ‫هلل درك لم تأنس بدنيانا‬

‫تستمطر الذل اصغاء واذعانا‬ ‫ولم تعقر جبين العز مبتذال‬

‫وكان يســمي معركــة الفلوجــة؛ بـــ «معركــة األحــزاب»‪ ،‬وكان يذكــر النــاس بســيرة النبــي عليــه‬

‫صــاة والســام‪ ،‬وعندمــا يذهــب إلــى أي مــكان كان يكثــر مــن الدعــاء‪.‬‬

‫يــروي القائــد عمــر حديــد رحمــه اهلل تعالــى؛ أنهــم يف آخــر أيــام املعركــة يف منطقــة‬

‫«جبيــل» نفــذت ذخيرتهــم‪ ،‬فشــكوا األمــر إلــى أبــي أنــس‪ ،‬فقــال لــه‪( :‬اجمــع لــي األخــوة)‪،‬‬

‫‪6‬‬
‫أبي أنس الشامي‬

‫فعندمــا اجتمعــوا‪ ،‬اخــذ أبــو أنــس يدعــو رافعــا يديــه‪( :‬يــا رب األمــر أمــرك ونحــن عبيــدك‪،‬‬

‫خرجنــا لنصــرة دينــك وأخذنــا باألســباب فلــم يبــق إال نصــرك‪ ،‬ولــم يبــق إال مــددك‪ ،‬اللهــم هــذا‬

‫ذلنــا ظاهــر بيــن يديــك وحالنــا ال يخفــى عليــك‪ ،‬فانــزل علينــا نصــرك وثبــت أقدامنــا وانصرنــا‬
‫ىلع القــوم الكافريــن)‪ ،‬واخــذ يثبتنــا ويذكرنــا بوعــد اهلل بالنصــر‪ ،‬فمــا لبثــوا طويــ ً‬
‫ا إال وقــد‬

‫أعلنــت أمريــكا انســحابها مــن الفلوجــة تجــر أذيــال الخيبــة والخســران‪.‬‬

‫أو فلتموتي يف جهاد الكافر‬ ‫يا نفس عيشي يف الحياة أبية‬

‫جاء الخالص من اإلله القادر‬ ‫كل الشدائد إن تزايد وقعها‬

‫لكنه أبدًا رديف معاسر‬ ‫فاليسر ال يأتي رديف مسرة‬

‫وبعــد انتهــاء معركــة الفلوجــة؛ اســتمر الشــيخ يف جهــاده ودعوتــه‪ ،‬فاخــذ يعلــم املجاهديــن‬

‫ويربيهــم‪ ،‬وأصــدر بصوتــه عــددا مــن الــدروس يف الجهــاد‪ ،‬وبــث رســائله الجهاديــة العديــدة‬

‫مــن أرض املعركــة ىلع «االنترنــت»‪ ،‬وتابعهــا الشــباب الصادقــون يف مختلــف األقطــار‪ ،‬وبقــى‬

‫مرابطــا مجاهــدا حتــى ختــم اهلل لــه حياتــه بالشــهادة يف ســبيله ‪ -‬نحســبه كذلــك وال نزكــي‬

‫ىلع اهلل أحــدا ‪ -‬وذلــك يف معركــة «ســجن أبــي غريــب»‪.‬‬

‫«أبو غريب» والشهادة‪:‬‬

‫قبــل أن تبــدأ املعركــة؛ كان أبــو أنــس الشــامي يف ســامراء يعلــم اإلخــوة املجاهديــن ويربيهــم‬

‫ويتلــو عليهــم القــران ويحفظهــم‪ ،‬وبعــد أن انتهــى مــن هــذه املهمــة‪ ،‬أرســل إلــى الشــيخ أبــي‬

‫مصعــب الزرقــاوي حفظــه اهلل ليطلــب منــه املشــاركة يف تلــك املعركــة‪ ،‬فقــال لــه الشــيخ أبــو‬

‫مصعــب‪( :‬يــا أبــا أنــس لــو بقيــت معنــا ألننــا نحتاجــك)‪ ،‬فقــال أبــو انــس‪( :‬واهلل لئــن اقتــل يف‬

‫ســبيل اهلل مــن اجــل تحريــر أخواتــي الســجينات خيــر لــي مــن أن أعيــش)‪.‬‬

‫فكانت هذه الكلمات محفزة للمجاهدين ىلع خوض املعركة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫أبي أنس الشامي‬

‫وقبــل يــوم مــن املعركــة؛ جمــع أبــو أنــس إخوانــه املجاهديــن‪ ،‬وألقــى عليهــم درســا يرغبهــم‬

‫فيــه الجنــة‪ ،‬وكان ممــا قــال‪( :‬نحــن غــدًا يــا أخــوة بــأذن اهلل ســتكون معركــة الفتــح ‪ -‬يقينــا‬

‫ىلع اهلل تبــارك وتعالــى ســيفتح اهلل علينــا ‪ -‬ونســال اهلل تعالــى أن يــرى منــا خيــرا‪ ،‬وان يأخــذ‬

‫بأيدينــا)‪.‬‬

‫وأخــذ يدعــو‪( :‬اللهــم حــرر بأيدينــا إخواننــا وأخواتنــا‪ ،‬اللهــم ألحقنــا باألحبــة محمــدا وحزبــه‪،‬‬

‫اللهــم أحينــا ســعداء وامتنــا شــهداء‪ ،‬اللهــم ال تخذلنــا بذنوبنــا‪ ،‬اللهــم امنحنــا أكتافهــم‪ ،‬اللهــم‬

‫اجعــل يــوم غــد فتحــا مبينــا)‪.‬‬

‫ودعــه إخوانــه املجاهــدون‪ ،‬وكان آخــر مــن ودعــه القائــد عمــر حديــد‬
‫وعندمــا خــرج للمعركــة؛ ّ‬
‫‪-‬أبــو خطــاب رحمــه اهلل‪-‬‬

‫وقــد روى لنــل رحلــة الــوداع‪ ،‬فقــال‪( :‬ودعنــي أبــو أنــس وداع مفــارق‪ ،‬ورأيــت يف وجهــه نــور‬

‫الشــهادة‪ ،‬وعلمــت انــه لــن يرجــع‪ ،‬فقبلــت رأســه وعينيــه‪ ،‬وطلبــت منــه أن يشــفع لــي‪ ،‬فقــال‬

‫لــي؛ الــوداع يــا أبــا الخطــاب‪ ،‬فقلــت لــه؛ ال تقــل الــوداع وقــل اللقــاء‪ ،‬فقــال؛ لقاؤنــا يف الجنــة‬

‫إن شــاء اهلل)‪.‬‬

‫وخرج إلى املعركة؛ فكانت الشهادة بانتظاره‪ ،‬والحور العين يف استقباله ‪ -‬نحسبه ‪-‬‬

‫ونترك الكالم ألحد األمراء الذين رافقوه يف املعركة‪ ،‬ليروي لنا تفاصيل املعركة تلك‪:‬‬

‫(تحــرك هــذا الجيــش بقيــادة أبــي أنــس وكان يقــول‪« :‬يــا حبــذا املــوت ىلع أبــواب أبــي‬

‫غريــب»‪ ،‬وكان الترتيــب للمعركــة بحســب مــا أمكــن وتيســر‪ ،‬وعندمــا ذكرنــا ذلــك ألبــي أنــس‪،‬‬

‫قــال‪« :‬علينــا أن نقــدم مــا عندنــا ونتــوكل ىلع اهلل»‪.‬‬

‫وعندمــا ســرنا وركبنــا الســيارة كان يدعــو إلخوانــه‪ ،‬ويســال اهلل أن يفتــح عليهــم فتحــا مبينــا‪،‬‬

‫وان ينصرهــم نصــرا مــؤزرا‪ ،‬ونســال اهلل أن يثبتنــا ويكتــب هــذا النصــر بأســمائنا‪ ،‬وان يختــم لنــا‬

‫بالشــهادة يف ســبيله‪ ...‬وألــح كثيــرا ىلع طلــب الشــهادة‪ ،‬وأكثــر مــن البــكاء‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫أبي أنس الشامي‬

‫وكان أبــو أنــس ُمجهــدًا‪ ،‬قــد ظهــر عليــه اثــر التعــب‪ ،‬فهــو لــم يــذق طعــم النــوم منــذ أربعــة‬

‫أيــام‪ ،‬ولكنــه كانــت لــه إشــراقة غريبــة‪ ،‬شــهد لــه بذلــك اإلخــوة املجاهــدون‪.‬‬

‫وصلنــا إلــى موضــع املبيــت‪ ،‬قريبــا مــن ســاحة املعركــة‪ ،‬وكان الجميــع يبتســم ويضحــك‪ ،‬كأنــه‬

‫مقبــل ىلع زواج‪.‬‬

‫وســمعنا صــوت الطائــرة تحلــق يف الســماء‪ ،‬ومــا هــي إال لحظــات إذ ســمعنا صــوت الصــاروخ‬

‫ينطلــق مــن الطائــرة وســقط ىلع البيــت الــذي كنــا فيــه‪ ،‬ولكننــا نجونــا ولــم نمــت‪ ،‬ونفــض أبــو‬

‫أنــس عــن وجهــه التــراب‪ ،‬فقلــت‪« :‬يــا أبــا أنــس لــو أخرجنــا اإلخــوة مــن البيــت وســحبناهم إلــى‬
‫الفلوجــة»‪ ،‬فقــال‪« :‬نعــم»‪ ،‬فلــم يفــر مــن البيــت‪ ،‬بــل بلــغ مــن الشــهامة أن ذهــب إلــى اإلخــوة‬

‫ليخرجهــم‪ ،‬مــع أن البيــت كان مظنــة القصــف مــرة أخــرى‪.‬‬

‫فــإذا بصــاروخ ثــان يســقط ىلع املنــزل‪ ،‬وإذا بابــي أنــس [جريحــا] ىلع األرض‪ ،‬واســلم الــروح‬

‫إلــى بارئهــا تــاركا وراءه حطــام الدنيــا وزينتهــا‪.‬‬

‫أمــا اإلخــوة الباقــون؛ فــكان منهــم مــن قتــل‪ ،‬ومنهــم مــن جــرح‪ ،‬فانســحبوا إلــى الفلوجــة‪،‬‬

‫واخــذ اإلخــوة يصبــر احدهــم اآلخــر بهــذه املصيبــة‪ ،‬ويقــول بعضهــم لبعــض‪« :‬ال تحــزن إن اهلل‬

‫معنــا»)‪.‬‬

‫وذاع نبــأ استشــهاد الشــيخ أبــي أنــس رحمــه اهلل‪ ،‬وكان وقــع املصيبة ىلع املســلمين شــديدا‪،‬‬

‫إذ إنهــم فقــدوا عاملــا مجاهــدا وصديقــا ومعلما‪.‬‬

‫وهــا هــو الشــيخ أبــو مصعــب حفظــه اهلل يــروي لنــا عظــم هــذا الخبــر عليــه‪ ،‬ويرثيــه بكلمــات‬

‫رائقــة وبأبيــات جميلــة‪:‬‬

‫فقــال‪( :‬وصلنــي خبــر مقتلــه‪ ،‬ولــم اصــدق بــاديء ذي بــدء‪ ،‬وبقيــت بيــن الرجــاء والخــوف‪ ،‬حتــى‬

‫جــاء الخبــر اليقيــن‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫أبي أنس الشامي‬

‫ذكريــات تلقــي بظاللهــا كلمــا تــراءى أمامــي شــيء مــن اثــر الجهــاد واملجاهديــن يف أرض‬

‫الخلفــاء؛ أرض الرافديــن‪.‬‬

‫شــعرت وكأن جســمي انشــق شــقين‪ ،‬ومــا كانــت تســتطيع العيــن إال أن ُت َنفــس بدمعــات بيــن‬

‫حيــن وأخــرى‪ ،‬قــد كان رفيــق دربــي يف األتــراح واألفــراح‪ ،‬ويف الحــل والترحــال‪ ،‬كالظــل ال‬

‫يفارقنــي‪ ،‬صديــق صــدوق نصــوح شــفوق‪.‬‬

‫رحمــك اهلل يــا أبــا أنــس‪ ،‬فنعــم حامــل رســالة كنــت‪ ،‬لقــد تركــت فراغــا ال يمــاءه احــد‪ ،‬وأورثــت‬

‫لنصدقــن‪،‬‬
‫ُ‬ ‫القلــوب لوعــة ال يســكن لهيبهــا إال بلقيــاك هنــاك يف الجنــان‪ ،‬فــواهلل لئــن ُســئلنا‬
‫ولئــن اس ُتشــهدنا لنشــهدن؛ انــك كنــت فارســا من فرســان اإلســام حقــا‪ ،‬وعاملــا عامــا مجاهدا‪،‬‬

‫ســام ىلع روحــك يف الخالديــن‪.‬‬

‫واسكبيه ىلع اعز الرفاق‬ ‫عيني جودي بد معك الرقراق‬

‫وأشاع األحزان يف أعماقي‬ ‫أي خطب قد أثار شجوني‬

‫فخذها من قلبي الخفاق‬ ‫يا أخي يا أخا املودة والحب‬

‫صاحب الفضل والسجايا الرقاق‬ ‫ٌ‬


‫ويف‬ ‫إن ِحبي الشامي ٌ‬
‫خل‬

‫قد وجدت البكاء حلو املذاق‬ ‫ال تلمني ىلع البكاء فاني‬

‫انما الصبر اعظم الترياق‬ ‫إن فيه راحة وعزاء‬

‫ُ‬
‫وكسيت األحزان كاألطواق)‪.‬‬ ‫إيه يا شام قد فقدنا عزيزا‬

‫هــذه هــي قصــة بطلنــا وأســدنا أبــي أنــس الشــامي رحمــه اهلل تعالــى‪ ،‬قصــة كلهــا عبــرة‬

‫‪10‬‬
‫أبي أنس الشامي‬

‫وعظــة‪ ،‬ونــور وضيــاء‪.‬‬

‫اللهــم هــيء لنــا رجــاال كابــي أنــس الشــامي‪ ،‬يرفعــون رايتــك ويضحــون مــن أجــل دينــك‪ ،‬انــك‬

‫ســميع قريــب‪.‬‬

‫وصلى اهلل ىلع نبينا محمد وىلع آله وصحبه وسلم‬

‫اللجنة الشرعية‬

‫املصدر ‪ :‬مجلة ذروة سنام اإلسالم التابعة لتنظيم القاعدة يف بالد الرافدين‬

‫محرم‪ 6241 /‬هـ‬

‫| الشــيخ املجاهــد أبــي أنــس الشــامي ‪-‬رحمــه اهلل‪ -‬ومســيرته‬


‫الجهاديــة |‬

‫مسؤول اللجنة الشرعية‬


‫بجماعة التوحيد والجهاد ‪ /‬العراق‬

‫بقلم ‪ :‬أبو إسماعيل املهاجر‪.‬‬

‫علــم مــن أعــام اإلســام‪ ،‬ال تحويــه الســطور‪ ،‬وال لشــرفه وفضلــه تســعفني الكلمــات‪ ،‬ولقــد‬
‫تــرددت كثيــرا قبــل الكتابــة عــن هــذا األســد ّ‬
‫وأخــرت الكتابــة عنــه لعــل غيــري يكــون أصــدق‬
‫تعبيــرا وأســعف بيانــا‪ ،‬وعلــم اهلل أن تأخــري لســبب واحــد‪ ،‬أنــي خشــيت أال ّ‬
‫أوف الرجــل حقــه‬

‫يف بيــان فضلــه وشــرفه وعلــو منزلتــه ومكانتــه بيــن إخوانــه وتاريخــه يف الدعــوة والجهــاد‬
‫ودوره يف التوحيــد والجهــاد‪ ،‬ثــم يف قاعــدة الجهــاد‪ ،‬ومــا ّ‬
‫مــن اهلل عليــه وىلع إخوانــه‬

‫‪11‬‬
‫أبي أنس الشامي‬

‫بالتبعيــة بوجــوده بينهــم‪.‬‬

‫فمــن يتكلــم عــن الشــهم الكريــم‪ ،‬الشــجاع البطــل‪ ،‬األســد الهصــور‪ ،‬العالــم الربانــي‪ ،‬العالــم‬

‫العامــل‪ ،‬الفقيــه الحافــظ‪ ،‬التقــي النقــي‪ ،‬الســهل الواضــح ثــم املعلــم املربــي‪ ،‬املتمســك‬

‫بدينــه‪ ،‬الحريــص ىلع إخوانــه‪ ،‬الناصــح النصــوح‪ ،‬الحــي املــؤدب‪ ،‬الغيــور ىلع الديــن والعــرض‪،‬‬

‫الجامــع لشــمل املؤمنيــن واملفــرق لصــف املنافقيــن والكافريــن‪.‬‬

‫ـري بمثلــه ان يتوقــف‬


‫بــاهلل عليكــم مــن يعــد قطــرات النهــر؟‪ ،‬فنهــر كأبــي أنــس الشــامي حـ ّ‬
‫عنــد وصفــه‪ ،‬ويتأنــى قبــل أن يخــوض فيــه‪ ،‬ثــم ال بــد أن يكــون ســليم الــذوق ال َمــرور الحلــق‬

‫حتــى يســتعذب صفــاء مائــه وخفــة مذاقــه‪ ،‬وكيــف لــي بهــذا وكلماتــي يتقطــر الحــزن مــن‬

‫ثناياهــا وفــؤادي يعتصــر أملــا عنــد ذكــره ثــم بالحديــث عنــه‪ ،‬وإن كان والبــد حتمــا فهاكــم‬

‫الرجــل وتلــك نتفــة مــن ســيرته وعالقتــي بــه ومــا يمكــن أن أقولــه عنــه وأول معرفتــي بــه‪.‬‬

‫أقــول أول معرفتــي بالرجــل انــي دخلــت يومــا أو بدعــوة ىلع شــيخ اإلســام أبــي مصعــب‬

‫الزرقــاوي رحمــه اهلل فلفــت انتباهــي شــاب يف الثالثينيــات مــن العمــر يجلــس ىلع فرشــه‬

‫مقابلــة كأنــه زهــرة ىلع بســاط أخضــر‪ ،‬جميــل الصــورة‪ ،‬نضــر الوجــه‪ ،‬ليــس بــه نمــش وال ســواد‪،‬‬

‫ناعــم الشــعر‪ ،‬رائــع القســمات‪ ،‬فنــاداه صاحبــي فأقبــل إلينــا فلمحــت البــراءة يف عينيــه ثــم‬

‫تكلــم‪ ،‬فتكلــم بالفصحــى بــا تقطــع وال تكلــف بــل يمــازح ويالطــف يف أدب كبيــر‪ ،‬ثــم جلــس‬

‫فاستشــاره الشــيخ أبــو مصعــب يف عمــل عســكري مــا‪ ،‬فأشــار واقتــرح بمــا يســتطيع ويعــرف ثم‬

‫صمــت عمــا ال يعــرف‪ ،‬وتلــك واهلل شــيم العلمــاء‪ ،‬ثــم خلــوت بالشــخ أبــي مصعــب وســألته عــن‬

‫الرجــل‪ ،‬فمــدح وزاد يف مدحــه بمــا يــدل ىلع أن الرجــل وقــع مــن الشــيخ موقعــه املناســب‪،‬‬

‫ففرحــت ألســباب أهمهــا‪:‬‬

‫‪ /1‬أن الشيخ جعل مستشاره من أهل العلم والصدق والنصح‪.‬‬

‫‪ /2‬ان عــادة الشــيخ لــم تتخلــف عنــه حتــى بعدمــا صــار معروفــا مشــهورا‪ ،‬فمنــذ كان يف‬

‫أفغانســتان كان يق ـ ّرب ويأتــي ويذهــب مــع أحــد كبــار طلبــة العلــم‪ ،‬وهــذا يــدل ىلع فهــم‬

‫الرجــل وتحريــه للشــرع يف أمــره ونهيــه‪ ،‬وتقريبــه للعلمــاء‪ ،‬وتلــك واهلل شــيم الصالحيــن‪.‬‬

‫ثــم عــدت إلــى عملــي وبعــد فتــرة شــاءت األقــدار ان أرجــع وأكــون يف أماكــن كثيــرة هــو فيهــا‪،‬‬

‫كان أهمهــا أيــام الفلوجــة األولــى وبعدهــا‪ ،‬تلــك الغــزوة التــي ســطر لهــا الشــيخ كتــاب باســم‬

‫‪12‬‬
‫أبي أنس الشامي‬

‫(غــزوة األحــزاب) وكنــت أحــب أن يســميها غــزوة بــدر ألن آثارهــا كانــت كآثــار غــزوة بــدر وعــدة‬

‫اهلهــا كعــدة أهــل بــدر وحالهــم أشــبه بهــم يف كثيــر مــن األشــياء‪.‬‬

‫وقــد التقيــت الشــيخ أبــي أنــس يف إحــدى املــرات قبــل الفلوجــة األولــى ملــا زرت أحــد اإلخــوة‬

‫يف زوبــع وكان عنــده األخ الشــهيد (مولــود)‪ ،‬كلــن الجــو ممحــا فســألت عــن الحــال؟‬

‫فقــال لــي‪ :‬توبــة أن أذهــب مــع الشــيخ أبــي أنــس‪ ،‬قلــت‪ :‬ولــم؟‪ ،‬قــال يــا رجــل كــدت أمــوت‬

‫رعبــا مــن فــرط شــجاعة الرجــل‪ ،‬تخيــل باألمــس هاجــم أكثــر مــن أربــع ســيطرات يف نفــس‬

‫الســاعة‪ ،‬يخــرج مــن واحــدة ثــم يهاجــم األخــرى ويف كل مــرة يأمرنــي أن أتوقــف إلــة جانــب‬

‫الســيطرة حتــى إذا مــا توقفنــا أمــر الجميــع بإطــاق النــار وهكــذا دواليــك حتــى كدنــا نمــوت‬

‫جميعــا مــن الرعــب او نقــع يف األســر لكــن اهلل ســلم‪.‬‬


‫ثــم جــاءت الفلوجــة األولــى وكان للشــيخ أبــي أنــس دور بــارز جــدا فيهــا لــم يحكــه الرجــل عــن‬

‫نفســه ملــا كتــب قصتهــا‪ ،‬لكــن أبــرز أهــم مــا قــام بــه‪:‬‬

‫‪ /1‬كان لــه الــدور الكبيــر والهــام يف تحفيــز النــاس وخاصــة األنصــار وتبشــيرهم بالنصــر وحثهــم‬

‫ىلع الصبــر والثبــات‪.‬‬

‫‪ /2‬كان عملــه يســبق قولــه‪ ،‬فــكان يحفزهــم ويتقــدم أمامهــم فــكان يســرع حينمــا يبطــئ‬

‫النــاس‪.‬‬

‫‪ /3‬كان يشــكل مــع عمــر حديــد وأبــي عــزام «رحــم اهلل الجميــع» أشــبه بمجلــس حــرب يديــر‬

‫األزمــة ويســد الثغــر ويشــد العضــد‪.‬‬

‫‪ /4‬كان لثقــة اإلخــوة املهاجريــن منهــم وخاصــة األنصــار بــه عامــل هــام جــدا يف أن تســير‬

‫األمــور ىلع النحــو املطلــوب‪ ،‬فمثــا ملــا كانــت هنــاك مفاوضــات‪ ،‬كنــا نقــول يف كل شــيء‬

‫مــا قــال أبــو أنــس يف هــذا األمــر‪ ،‬هــل وافــق؟ هــل أجــازه؟ فمــا وافــق عليــه‪ ،‬وافقنــاه‪ ،‬ومــا‬

‫رفضــه رفضنــاه‪ ،‬لثقتنــا بعلمــه وشــجاعته‪ ،‬ورب قائــل يقــول ومــا دخــل العلــم بالشــجاعة؟‬

‫فأجيبــه وأقــول‪ :‬نعــم كنــت مثلــك ال أعــرف هــذا حتــى جــاءت الفلوجــة األولــى‪.‬‬

‫فحينمــا كان يشــير أبــو أنــس مثــا بوقــف القتــال‪ ،‬كنــا نحســب أن الرجــل يــرى األصلــح دينــا‬

‫وال جبنــا وال خــور‪ ،‬فالجميــع يعلــم أنــه بالنســبة إلــى أبــي أنــس ليــس بجبــان‪ ،‬كمــا أن الرجــل‬

‫ناصــح حريــص فــا يتخــذ قــرارا إال بعــد أن يشــير ىلع شــيخه ومــن معــه ‪-‬فرحمــة اهلل عليــه‪.-‬‬

‫‪13‬‬
‫أبي أنس الشامي‬

‫وممــا أذكــر جيــدا وال أنســاه مــا حييــت‪ ،‬أنــه زارنــا يومــا يف الجــوالن وكان قليــا جــدا مــا يزورنــا‬

‫نظــرا ألن إخــوة الجــوالن كان معظمهــم املهاجريــن وكان ال يــرى حاجــة ملحــة للمجــيء إليهــم‪.‬‬

‫أقــو لزارنــا الشــيخ ونحــن أحــوج إليــه مــن غيرنــا يف النصــح ورفــع الهمة وكانــت األمور يف أشــد‬

‫مــا يكــون ضيقــا‪ ،‬فســأل الحاضريــن‪ ،‬مــن يعــرف رمــز الحــزب الجمهــوري األمريكــي (أهــو الحمــار‬

‫أم الفيــل)؟ فقــال أحــد الحاضريــن أظنــه الفيــل يــا شــيخ‪ ،‬فالحمــار رمــز الحــزب الديمقراطــي‪،‬‬

‫وأ ّيــده آخــر‪ ،‬فقــال الشــيخ‪ :‬كنــت أعلــم هــذا لكــن أردت أن أتأكــد إن صــدق مــا تقولــون فأبشــروا‬
‫ـل َر ُّبـ َ َ‬ ‫َ‬
‫ـاب اْل ِفيـ ِ‬
‫ـل}‪ ،‬حتــى أتــى‬ ‫ـك ِبأ ْص َحـ ِ‬ ‫ـم َت ـ َر َك ْيـ َ‬
‫ـف َف َعـ َ‬ ‫وأملــوا‪ ،‬ثــم تــا علينــا قولــه تعالــى‪{ :‬ألَـ ْ‬
‫ّ‬
‫إلــى نهايتهــا وأخــذ بتفســيرها‪.‬‬

‫ثــم أردف قائــا‪ :‬اصبــروا إخوانــي فــواهلل لجمــع كجمــع الكفــار يف األحــزاب وســوف يفــرق اهلل‬

‫ـدة األحــزاب‪ ،‬شــهر أو قريــب شــهر‪.‬‬


‫ـدة كعـ ّ‬
‫جمعهــم يف عـ ّ‬

‫ولقــد صــدق واهلل الشــيخ‪ ،‬فكانــت شــهر أو قريــب مــن الشــهر‪ ،‬حيــث اســتمر الحصــار ســبعة‬

‫وعشــرين يومــا‪ ،‬فالحمــد هلل ىلع النعمــة‪ .‬وجــاء الــدور األبــرز للشــيخ بعــد املعركــة‪ ،‬فالرجــل‬

‫كان يــدرك أن النصــر البــد مــن قطــف ثمرتــه وعــدم تركهــا للدجاليــن مــن الحــزب الــا إســامي‬

‫العراقــي والصوفيــة الغــاة واملشــعوذين وغيرهــم‪ ،‬فــكان ال بــد مــن وضــع األمــور يف مســارها‪.‬‬

‫فشــكل وأســس (مجلــس شــورى مجاهــدي الفلوجــة) بالتنســيق وبأمــر الشــيخ أبــي مصعــب‬

‫الزرقــاوي وحتــى ال تذهــب الثمــرة إلــى مــن جــاء بعــد املعركــة‪ ،‬فــكان هــذا املجلــس تقريبــا‬

‫صمام أمان فيما بعد لكثير من املعضالت‪.‬‬

‫ثــم لعــب الشــيخ فيمــا بعــد أحــداث الفلوجــة األولــى الــدور األهــم واألبــرز يف حياتــه كلهــا‪ ،‬بــل‬

‫والــذي أرجــو مــن اهلل ان يجزيــه عليــه خيــر الجــزاء‪.‬‬

‫فلقــد بــدأ الرجــل بــرص الصــف وتأليــف القلــوب ىلع أبــي مصعــب وجمــع الشــمل لــه فبــدأ‬

‫باألقــرب وهــي الفلوجــة‪ ،‬فبــدأ يطــوف ىلع كثيــر مــن املجموعــات الصغيــرة يف ّنــد شــبههم‬

‫وينصحهم ويعضهم حتى جمعهم جميعا تحت راية التوحيد والجهاد‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫أبي أنس الشامي‬

‫ثــم بــدأ بمــا حــول الفلوجــة ثم بغــداد فكلمــا ســمع بكتيبة أو ســرية حســنة العقيدة والســلوك‬

‫والعمــل‪ ،‬جــاء إلــى أميرهــا وحــاوره وال يــزال بــه حتــى يدخلهــم إلى صــف التوحيــد والجهاد‪.‬‬

‫وكان مــن مآثــره أن ســامراء أن ســامرا لــم يكــن للتوحيــد فيهــا احــد فزارهــم ومــا زال يتــردد بيــن‬

‫ســراياها وكتائبهــا حتــى جعــل ســامراء كلهــا تقريبــا للتوحيــد والجهــاد‪ ،‬ثــم صــارت فيمــا بعــد‬

‫كالفلوجــة أو أشــد‪ ،‬ولقــد ظ ّلــت (امللويــة) املأذنــة الشــهيرة يف التاريــخ اإلســامي والعراقــي‬

‫خاصــة محاطــة بعلــم التوحيــد والجهــاد أكثــر مــن ثالثــة أشــهر‪.‬‬

‫ثــم بــدأ الشــيخ الشــهيد الحبيــب بعــد ذلــك يتخــذ طابعــا عســكريا أكثــر منه غيــر ذلك‪ ،‬فأشــهد‬

‫بــاهلل أنــه مــا ثــارت ثائرتــه قــط يف الفلوجــة إال وجدتــه مــن أول القادميــن املتقدميــن‪ ،‬يحرض‬
‫ويقاتــل ويفعــل كل مــا بوســعه فعلــه ثــم رأيتــه بعــد ذلــك حاضــرا لجميــع لجنــات التنســيق‬

‫العســكري التــي كانــت تتــم يف الفلوجــة وكان لــه الــدور األبــرز بيــن اإلخــوة‪.‬‬

‫وصــل الشــيخ إلــى املــكان ثــم بــدأ القصــف وكان الشــيخ خــارج املنــزل‪ ،‬ثــم فجــأة رأى صاروخــا‬

‫يدمــر البيــت ىلع أكثــر مــن أربعيــن أخ وصلــوا لتوهــم ولــم يفرقــوا إلــى أماكنهــم بعــد‪ ،‬فصــرخ‬

‫الشــيخ بــأىلع صوتــه يف األخ الــذي خــارج املنــزل والذيــن بعــد لــم ينزلــوا مــن الســيارة يأمرهم‬

‫باإلســراع يف االنتشــار واالبتعــاد عــن املــكان ألنــه يعــرف كمــا يعــرف جميــع أهــل الفلوجــة‬

‫والذيــن اكتــووا بنيــران القصــف الجــوي األعمــى أن الطائــرات األمريكيــة يف الغالــب تقصــف‬

‫املــكان أكثــر مــن مــرة يف نفــس الوقــت‪ ،‬لكــن شــجاعة وشــهامة ومــروءة الشــيخ لــم تتخلــف‬

‫عنــه حتــى يف أحلــك املواقــف وأشــد الظــروف ولــو هتــف بــه املــوت مــن كل مــكان‪ ،‬حيــث‬

‫ســمع أنينــا يأتــي مــن بعيــد مــن بيــن األنقــاض فأســرع إلــى إخــراج مــا يمكــن إخراجــه مــن بيــن‬
‫األنقــاض حتــى وصــل إلــى أخ يـ ّ‬
‫ـأن بقــوة وســط ركام البيــت بينمــا تبعــه األخ الشــهيد أبــو عبــد‬

‫اهلل ســعد والــذي حكــى لــي القصــة وكان أبــو عبــد اهلل يف طــرف البيــت يحــاول إنقــاذ أخ آخــر‬

‫ويف تلــك اللحظــة جــاء الصــاروخ الثانــي وليرمــي بأبــي عبــد اهلل مســافة بعيــدة لكــن دون‬

‫أذى يذكــر والحمــد هلل‪.‬‬

‫بينمــا دفــن الصــاروخ عاملــا ربانيــا بيــن أشــاء إخوانــه ولتختلــط الدمــاء بهــم‪ ،‬اختلطــت األرواح‬

‫زمانــا طويــا وليتعانــق الجميــع عظامــا وأرواحــا يف جنــات عــدن عنــد مليــك مقتدر‪ ،‬نحســبهم‬

‫‪15‬‬
‫أبي أنس الشامي‬

‫واهلل حسيبهم‪.‬‬

‫بقــي أن أذكــر بعــض األشــياء ىلع عجــل يف ســيرة الرجــل اإلمــام‪ ،‬أنــه كان ال ينســى قــط‬

‫ويفتــر عــن ذكــر اهلل فــكان االســتغفار ســمة أبــي أنــس‪ ،‬فــا تــكاد تســمعه إال وهــو يقــول‪:‬‬

‫«أســتغفر اهلل»‪ ،‬حتــى أنهــا صــارت عــادة أظنــه لــو حــاول أن يمنعهــا مــا قــدر كمــا أظــن أن‬

‫ذلــك كان هــو س ـ ّر نضــارة وجــه أبــي أنــس الشــامي رحمــه اهلل‪.‬‬

‫كمــا أنــه كان خالــص الــود والحــب لزوجــه «ام أنــس»‪ ،‬فمــا كان ينســاها قــط ولــو يف أحلــك‬

‫املواقــف‪.‬‬

‫وأذكــر أننــا يف أثنــاء أحــداث الفلوجــة األولــى ويف لحظــة مــن لحظــات الضيــق والشــدة نظــر‬

‫ـي مبتســما قائــا‪« :‬وداعــا ام أنــس»‪.‬‬


‫إلـ ّ‬

‫ـوه أن الشــيخ ســافر إلــى البوســنة والهرســك قائمــا بأمــر اهلل يف الدعــوة إلــى‬
‫ثــم أحــب أن أنـ ّ‬
‫العقيــدة الصحيحــة والتــي ألجلهــا أســس مــع مجموعــة مــن إخوانــه مركــز اإلمــام البخــاري بعــد‬

‫رجوعه من الهرسك‪.‬‬

‫كمــا ان الرجــل أبتلــي يف ذات اهلل حيــث اعتقــل عــام ‪2003‬م إلنتقــاده نظــام الطاغيــة عيــن‬

‫أمريــكا «عبــد اهلل» وبعــد اإلفــراج عنــه أســرع إلــى أرض العــزة والجهــاد بــاد الرافديــن‪.‬‬

‫بقــي أن أقــول أن أذكــر أن اســم الشــيخ الحقيقــي هــو (عمــر يوســف جمعــة)‪ ،‬وهــو فلســطيني‬

‫األصــل‪ ،‬ومــن مواليــد عــام ‪1969‬م ومتــزوج ولــه مــن األوالد «أنــس ومالــك» و ُبنيــة هــي األكبــر‬

‫«ميمونــة»‪.‬‬

‫فرحمــة اهلل ىلع ميمــون الســيرة‪ ،‬ميمــون العمــل‪ ،‬ميمــون املقــام عنــد اهلل ‪-‬نحســبه كذلــك‬

‫وال نزكــي ىلع اهلل أحــدا‪ ،-‬أســأل اهلل أن يخلفنــا فيــه خيــرا‪ ،‬فــواهلل مــا جــاء بعــده مثلــه‪ ،‬واهلل‬

‫املســتعان وعليــه التــكالن‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫أبي أنس الشامي‬

‫وهذه مرثية الشيخ حامد العلي يف الشهيد أبي أنس الشامي رحمه اهلل‪.‬‬

‫حل البكاء وأظلمت أيامي‬

‫هذا كالم اهلل ليس كالمي !!!‬

‫أبا أنس هذي مصارع عزة‬

‫ملوت سابقنا اإلمام الشامي‬

‫جئت العراق لتبتغي إكرامها‬

‫فلقد تشرفت صفعها املترامي‬

‫ولقد تباهت أرضها بجهادك‬

‫من مثله من قائد مقدام‬


‫ولقد تطاولت العراق لكي ترى‬

‫هل يف العراق احق باإلكرام‬

‫فتراجع الطرف وشيكا قائال‬

‫هذا اإلمام رأيت يف أحالمي‬

‫فلقد رأيت العز يبغي معلما‬

‫يزهو عليه فجال يف األعالم‬

‫فبدا أبو أنس بطلعة وجهه‬

‫فتبشبش العز وصاح امامي‬

‫ما هذه األنوار عند فراتنا‬

‫قال الفرات أما رأيت حسامي‬

‫أو ما رأيت املجد يف أوطاننا‬

‫يحكي عليك حكاية األيام‬

‫فيقص ذكر مجاهد متفقة‬

‫ليث يصول صيالة الضرغام‬

‫فتعانق املجد وعز فراتنا‬

‫وتحوال تاجا برأس الشامي‬

‫كم يف ترابك يا عراق شهادة‬

‫شهدت له بشهادة اإلعظام‬

‫‪17‬‬
‫أبي أنس الشامي‬

‫أبا أنس هل قد رحلت وما‬

‫ودعت من أخاك يف اإلسالم‬


‫ّ‬
‫ال بل أنت حي يف العال‬

‫أنت الشهيد بمحكم األحكام‬

‫وكتبه‪ /‬أبو إسماعيل املهاجر‪.‬‬

‫املصدر ‪ :‬سلسلة سير أعالم الشهداء العدد السابع والثالثون‬

‫‪18‬‬
‫أبي أنس الشامي‬

‫‪19‬‬

You might also like