Local Media7149370421094392278

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 153

‫‪ 

‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫الوعد القديم‬
‫‪THE OLD PROMISE‬‬
‫‪ ‬‬

‫مكتبة الحبر اإللكتروني



‫مكتبة العرب الحصرية‬


‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫الوعد القديم‬
‫‪THE OLD PROMISE‬‬

‫رواية‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫رزان العامر‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫{ِبْس ِم اِهَّلل الَّرَمْحاِن الَّرِح يِم }‬
‫الطبعة األولى‪ :‬تشرين األول‪/‬أكتوبر ‪ 2016‬م ‪ 1438 -‬ه‬

‫ردمك ‪978-614-02-2883-2‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫إهداء‬
‫لك يا من تقرأ لكي تزور عالم آخر من خالل كتاب‪ ،‬رافقني بين ناطحات السحاب واألضواء‬
‫الساطعة‬

‫وفي شوارع المدينة التي ال تنام‪ ،‬وتحديدًا في الشارع‬

‫الشرقي الواحد والخمسين تدور أحداث القصة!‬

‫لتأخذنا فيوليت روبرت معها إلى رحلة في ثنايا حاضرها وماضيها‪.‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫مكالمة هاتفية‬
‫‪ ‬‬

‫‪ 1‬ديسمبر‪ ،‬شتاء‪ ،‬نيويورك‪ ،‬الواليات المتحدة األمريكية‬

‫الشارع الشرقي الواحد والخمسون‬

‫“ليلة سعيدة فيوليت‪ ،‬أ ارِك الحقًا”‪.‬‬

‫“ليلة سعيدة لك أيضًا”‪.‬‬

‫أدخلت فيوليت المفتاح في القفل‪ ،‬ودخلت منزلها الذي كان دافئًا مقارنة بالجو البارد جدًا في‬
‫الخارج‪ .‬أطلقت تنهيدة راحة ألنها لم تكن تجد الراحة والدفء سوى داخل جدران منزلها الذي تعيش‬
‫فيه بمفردها‪ .‬لم تكن تكره الشتاء‪ ،‬بل كانت تستمتع بلعبة االختباء معه حيث كانت تختبئ‪ ،‬وتبحث‬
‫عن الدفء بين المالبس أو تحت البطانيات واألغطية‪ ،‬ولكنها أحيانًا ال تطيقه‪.‬‬

‫صعدت إلى حجرتها في الطابق الثاني‪ ،‬وبّد لت مالبسها‪ ،‬التي كانت بالكاد تحافظ على‬
‫دفء جسدها‪ ،‬بمالبس ثقيلة جدًا جعلتها تبدو كالكرة‪ ،‬ولكن جّل همها كان أال تصاب بالزكام‪.‬‬

‫أعدت كوب قهوتها المعتاد الذي يحتوي على مكعبين من السكر‪ ،‬وجلست على األريكة في‬
‫غرفة المعيشة‪ ،‬وشّغ لت جهاز األسطوانات‪ ،‬فبدأت الموسيقى الكالسيكية تصدح في أرجاء المنزل‪..‬‬
‫أخذت دفتر مذكراتها الجديد عن المنضدة‪ ،‬وبدأت تكتب ما يجول في خاطرها‪.‬‬

‫(بدأ الشتاء‪ ،‬وألنني أعيش بمفردي في هذا المنزل الكبير‪ ،‬شعرت بالوحشة نوعًا ما‪ ،‬ولكنني‬
‫سأعتاد األمر في األيام القادمة‪ ،‬أيًا يكن األمر فهذا ليس شتائي األول هنا‪ .‬في الواقع‪ ،‬إنه شتائي‬
‫الثاني في نيويورك‪ .‬لقد غادرت إنكلت ار منذ سنتين ليس بهدف إتمام دراستي كما يفعل بعض الناس‪،‬‬
‫بل غادرت ألنني لم أعد أطيق البقاء بكل بساطة‪ ،‬وألن كل شيء بدأ يصبح أكثر سوءًا‪ .‬اخترت‬
‫نيويورك ألنني أعتقد أن هدوئي يحتاج إلى بعض الصخب‪ ،‬وكانت المدينة التي ال تنام اختياري‪.‬‬
‫لدّي قليل من األصدقاء الذين أقضي بعض الوقت معهم‪ ،‬كما لدّي منزلي الذي ال أنوي مغادرته‬
‫عما قريب بالرغم من شوقي إلى حياتي القديمة بين الحين واآلخر‪ ،‬ولكنني متأكدة أن ما أنا عليه‬
‫أفضل بكثير مما كان)‪.‬‬

‫كانت تريد كتابة مزيد عن يومها‪ ،‬ولكن النوم بدأ يداعب جفونها‪ ،‬لذلك استجمعت ما بقي‬
‫من طاقتها‪ ،‬وصعدت الساللم نحو حجرة نومها‪ ،‬ومن شدة إرهاقها غطت في سبات عميق ما إن‬
‫ألقت نفسها على السرير‪.‬‬

‫*****‬

‫صوت المنبه الذي كان هدية من والدتها كان يتغلغل في أذنيها‪ ،‬وكم تمنت أن تحطمه‪،‬‬
‫لكنها لألسف كانت بحاجة إليه لكي يوقظها يوميًا لتذهب إلى عملها‪ ،‬حركت يدها تبحث عن المنبه‬
‫أخير صمت المنبه‪.‬‬
‫وعندما استطاعت لمسه لم تتردد في إغالقه‪ .‬و ًا‬

‫جلست على السرير بكسل‪ ،‬ونظرت إلى الساعة‪ ،‬وعندها اكتشفت أن المنبه كان يعمل منذ‬
‫مدة طويلة لكي يوقظها‪ .‬واآلن لم يعد لديها سوى خمس عشرة دقيقة لتستعد للذهاب إلى المطعم‪.‬‬

‫“سحقًا!” تذمرت وهي تقفز خارج السرير‪.‬‬

‫بعد أن غسلت أسنانها‪ ،‬ورّتبت شعرها‪ ،‬وارتدت مالبسها‪ ،‬خرجت من المنزل راكضة باتجاه‬
‫المطعم “ذا سميث” الواقع في نهاية الشارع‪ ،‬وفور دخولها كان مدير الفرع بانتظارها‪.‬‬

‫“في الوقت المناسب آنسة فيوليت”‪ .‬قال وهو ينظر إلى ساعة معصمه‪ ،‬فاكتفت فيوليت‬
‫بابتسامة مصطنعة‪ ،‬ودخلت غرف الموظفين لكي تضع معطفها وترتدي مئزرها‪ .‬بعد أن انتهت‪،‬‬
‫خرجت ووقفت في مكانها المعتاد؛ خلف الكاونتر وخلفها رفوف مليئة بأنواع عدة من المشروبات‪.‬‬
‫وألنها لم تتناول قهوتها هذا الصباح كانت مستاءة جدًا‪ ،‬وكان الصداع قد بدأ يداهمها‪ .‬لكنها استمرت‬
‫بالوقوف في مكانها منتظرة طلبات الزبائن‪ ،‬وتمنت من أعماق قلبها أن تمر الساعات القادمة‬
‫بسرعة‪ ،‬ألن العذاب الذي يمارسه المدير عليها كان على وشك أن يبدأ‪.‬‬

‫*****‬

‫نزعت فيوليت مئزرها‪ ،‬ووضعته في المكان المخصص له‪ ،‬ارتدت معطفها وبينما كانت‬
‫كثير‪ .‬نظر إليها بخبث‬
‫تغادر ألن ساعات عملها انتهت‪ ،‬كانت وجهًا لوجه مع المدير الذي تبغضه ًا‬
‫وقال‪“ :‬أوه آنسة فيوليت‪ ،‬ال تتأخري غدًا فأنا ال أرغب حقًا في أن أزيد ساعات عملك ألنني أعلم كم‬
‫تكرهين العمل”‪ .‬خرجت فيوليت من المطعم ولم تنبس ببنت شفة‪.‬‬

‫وقصير‪ ،‬وذا شارب أسود قصير‪ ،‬وشعر على جانبي رأسه ممشط بعناية‬
‫ًا‬ ‫كان المدير بدينًا‬
‫فائقة‪.‬‬

‫شدت المعطف حولها‪ ،‬وسارت في الشارع بينما نسمات الهواء البارد تداعب وجهها‪ ،‬وبدت‬
‫في ذهنها كلقطة سينمائية في فيلم ما‪ ،‬ضحكت فيوليت على نكتتها السيئة‪ .‬كانت تستمتع بالنكات‬
‫أمر رائعًا بالنسبة إليها‪.‬‬
‫السخيفة التي ترويها نفسها الداخلية دائمًا وكانت ًا‬

‫كان الشارع بعيدًا كل البعد عن الهدوء‪ ،‬فأصوات السيارات والمشاة تمأل األجواء‪ .‬صحيح‬
‫أنها كانت تكره الضجيج ولكّن كًّال منا يحتاج إلى مقدار قليل منه في الحياة‪.‬‬

‫كانت الطريق من المطعم إلى منزلها تستغرق ما بين الثالث إلى الخمس دقائق‪ ،‬لذلك كانت‬
‫تسير على مهل‪.‬‬

‫نظرت إلى السماء‪ ،‬فوجدتها ملبدة بالغيوم بشكل مخيف‪ ،‬فقالت لنفسها‪“ :‬ال أستبعد قدوم‬
‫عاصفة خالل أيام هذا األسبوع‪ ..‬ربما ينبغي عل متابعة أحوال الطقس في األيام القادمة”‪.‬‬
‫ّي‬
‫كانت تسير من دون أن ترى أين تضع قدمها‪ ،‬لذلك اصطدمت بجسد شخص ما! خطت‬
‫خطوة إلى الخلف‪ ،‬ثم تمتمت باعتذار‪ ،‬وأكملت طريقها‪ .‬ولم تتوقف حتى شعرت بيد شخص ما‬
‫تمسك يدها‪ .‬كانت اليد دافئة‪ ،‬لذلك خّم نت فيوليت أن صاحب اليد أيًا كان فهو كان يبقيها في جيبه‬
‫طوال الوقت‪.‬‬
‫”هذا مفتاحك لقد سقط منك قبل قليل‪ .”...‬قال صوت رخيم‪ ،‬وامتدت اليد نفسها التي‬
‫أمسكت بها منذ قليل حاملة المفتاح‪ .‬لم تكلف نفسها عناء النظر إلى الشخص الواقف أمامها‪،‬‬
‫“شكر!”‪ .‬وعادت لتكمل طريقها نحو المنزل‪.‬‬
‫ًا‬ ‫وأخذت المفتاح وهمست بخفوت‬

‫وصلت المنزل بعد دقيقة‪ ،‬وكانت قطرات المطر قد بدأت بالهطول‪ .‬أغلقت بابها بسرعة‬
‫خوفًا من أن تتسلل نفحات الهواء البارد وقطرات المطر إلى داخل المنزل‪ ،‬كان الهدوء يعم المنزل‬
‫وكأنه مهجور منذ سنوات! كان أثاث البيت بسيطًا‪ ،‬ولكنه ملفت ألنه الطراز المفّض ل لديها‪ ،‬وكم‬
‫كانت فيوليت سعيدة لكونها تسكن بمفردها! تضع ما تريد في أي مكان تريده وال يحركه أحد غيرها‬
‫ولو بعد أعوام‪ ،‬وترتدي ما تريده‪ .‬ال ترتبط بمواعيد استيقاظ أفراد آخرين في المنزل‪ ،‬وال ترتبط أيضًا‬
‫بما يأكلونه‪ ،‬تضع صوت التلفاز على االرتفاع الذي يناسبها هي فقط‪ ،‬وال أحد يعترض على نوع‬
‫الموسيقى الذي تشغله‪ ،‬وال اعتراضات أيضًا على رائحة معطر الجو سواء أكان بالفانيليا أو الالفندر‬
‫أو الياسمين‪ ،‬كان كل شيء موضوعًا على مزاجها هي فقط!‬

‫لم يكن يومها هذا يختلف عن أي يوم آخر في حياتها إال حين بدأ هاتفها بالرنين وكان‬
‫كثير!‬
‫ًا‬ ‫والدها هو المتصل! تجمعت أسئلة كثيرة وعالمات تعجب فوق رأسها‪ ،‬لم يكن والدها يتصل‬
‫وخاصة في هذه الساعة لكنها على كل حال ضغطت زر اإلجابة‪.‬‬

‫“مرحبًا!”‪.‬‬

‫“أهًال ابنتي! كيف هي األمور عندك؟”‪ .‬سأل والدها بصوته الممزوج بين الشدة والحنان‬
‫الذي لم تسمعه منذ مدة‪.‬‬

‫“ال شيء جديد‪ ،‬الروتين المعتاد‪ ،‬كيف هي األمور عندكم؟ وهل لي أن أسأل ما سبب هذا‬
‫االتصال المفاجئ!” أجابته باختصار‪ ،‬وحاولت الدخول مباشرة في لب الموضوع‪.‬‬

‫“أوه‪ ...‬األمر هو‪ ”..‬أجاب بتردد ثم تنفس بعمق واستأنف حديثه‪:‬‬

‫“في الحقيقة‪ ،‬نحن نمر بأزمة مالية نوعًا ما‪ ،‬لذلك سأضطر إلى تخفيض مصروفك‬
‫الشهري‪ ،‬أو يمكنك أن تحافظي عليه كما هو لكن بشرط أن تبحثي عن شخٍص ما يشاركك السكن‬
‫ويدفع نصف اإليجار”‪ .‬قال ذلك‪ ،‬وحبست هي أنفاسها محاولًة التعافي بسرعة من الصدمة‪.‬‬
‫هل كان الوقت مناسبًا لمتاعب أخرى! لم تتقبل أيًا من الفكرتين؛ مصروفها لن ينقص ألنها‬
‫تحتاج إلى كل دوالر منه! ومنزلها لم تتخيل شخصًا آخر يشاركها إياه‪ ،‬لذلك حاولت أن تحافظ على‬
‫رباطة جأشها وقالت‪“ :‬وهل يوجد خيار ثالث!؟”‪.‬‬

‫“لألسف يا ابنتي هذه كل أوراقي مكشوفة أمامك‪ ..‬أوه لدّي عمل اآلن ويجب أن أنجزه لعل‬
‫األمور تتحسن‪ ،‬أخبريني بقرارك في أسرع وقت‪ .‬حسنًا! وداعًا‪ ”...‬أنهى المكالمة من دون أن ينتظر‬
‫رّد ها‪ ،‬وتركها غارقة في دوامة أفكارها‪.‬‬

‫هل تتشارك منزلها مع شخص آخر؟ أم تعمل عمًال إضافيًا لتعوض النقص الذي سيحصل‬
‫في مصروفها؟ ويكون لديها مدير متسلط آخر يفسد أيامها؟‬

‫صحيح أن والدها يملك مصادر دخل كثيرة‪ ،‬ولكنه يحب أن يجعل أبناءه يقّد رون قيمة المال‬
‫وأن يعتمدوا على أنفسهم قدر المستطاع‪ .‬كان روبرت والد فيوليت شخصًا ذا تصرفات غريبة! وهذه‬
‫الصفة تتشاركها معه ابنته الكبيرة التي كانت تقف بين خيارين‪ ،‬ربما ليس أصعب ق ارراتها ولكنه‬
‫محير كفاية لها‪ ،‬ألن كال الخيارين سيصاحبهما تغيير في نظامها اليومي وهذا هو الشيء الذي ال‬
‫تحبه‪ .‬لذلك صعدت إلى غرفتها وعزمت على أن تحدد اختيارها قبل أن تخلد إلى النوم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫تحت سقف واحد‬


‫‪ ‬‬

‫الساعة العاشرة صباحًا‪ ،‬نيويورك‬

‫الشارع الشرقي الواحد والخمسون‬

‫تشرق شمس يوم جديد لتعطينا فرصة جديدة كي نعيش‪ ،‬فرصة جديدة لتحسين حياتنا‪،‬‬
‫فرصة جديدة لرؤية من نحب‪ ،‬فرصة جديدة لحل مشاكلنا‪ ،‬باختصار! فرصة أخرى ألن نعيش‪.‬‬

‫ولكن فيوليت‪ ،‬بعالمها المظلم‪ ،‬لم تكن تستطيع الشعور بهذه األمور‪.‬‬

‫حين فتحت النافذة‪ ،‬انصّبت أشعة الشمس على وجهها فأغمضت عينيها‪ ،‬بدا الطقس غائمًا‬
‫كالعادة‪ ،‬لذلك فتحت النافذة أكثر لكي يتبدل هواء الغرفة‪ ،‬وقادتها قدماها إلى األسفل لكي تحتسي‬
‫متعكر جراء مكالمة والدها البارحة‪ .‬لقد‬
‫ًا‬ ‫كوب قهوتها الصباحي لعله يحسن مزاجها‪ ،‬الذي ال يزال‬
‫اختارت ما ستفعل‪ ،‬وأرسلت إجابتها إلى والدها عن طريق رسالة نصية‪.‬‬

‫استعدت فيوليت وارتدت مالبسها ورتبت شعرها ثم حملت حقيبتها ومظلتها تحسبًا ألي ظرف‬
‫طارئ‪ ،‬وغادرت المنزل‪.‬‬

‫*****‬

‫دخلت مكتب العقارات القريب من منزلها بعد أن قطعت حوالى مخطط سكني واحد‪ .‬فتحت‬
‫الباب ودخلت فاهتَّز الجرس أعلى الباب ينبه لدخول شخص ما‪ .‬اتجهت مباشرة نحو المكتب الكبير‬
‫الوحيد الموجود في المكان‪ ،‬كان يجلس خلفه رجل يكسو شعره البياض‪ ،‬وهذا يجعلك تظن عندما‬
‫ترى شعره فقط أنه في السبعين‪ ،‬ولكن تجاعيد وجهه القليلة تثبت أنه ال يزال في الخمسينات من‬
‫عمره والحيوية ال تزال تدب في جسده‪.‬‬

‫“تفضلي آنستي بالجلوس!” قال وهو يشير إلى أحد الكراسي الموجودة أمام مكتبه‪.‬‬

‫جلست بهدوء‪ ،‬ووضعت حقيبتها الصغيرة بجانبها‪ ،‬وبدأت عيناها تجوالن في أرجاء المكان‪..‬‬
‫“كيف أستطيع خدمتك آنستي؟”‪ .‬سألها لكي يذكرها بسبب مجيئها وألنها أيضًا لم تتكلم منذ أن‬
‫دخلت‪.‬‬

‫تنحنحت وقالت وهي تعطيه كامل تركيزها‪“ :‬جئت إلى هنا لكي أعلن أنني بحاجة إلى شريك‬
‫سكن في المنزل الذي أقيم فيه”‪.‬‬

‫“أظن أنك محظوظة” قال مبتسمًا‪.‬‬

‫“ليس دائمًا‪ ،‬ولكن لماذا تقول هذا؟”‪.‬‬

‫“لقد أتى شاب قبل دقائق‪ ،‬يبحث عن منزل مشترك ألنه كما يقول ال يفضل أن يسكن‬
‫بمفرده”‪.‬‬

‫“ال أرغب في أن يكون شريك سكني فتى!”‪ .‬قالت بسرعة ودون تردد‪:‬‬

‫أومأ رأسه متفهمًا‪ ،‬ثم قال‪“ :‬لقد قال لي إنه مستعد لدفع أي ثمن‪ ،‬ليحصل على شريك منزل‬
‫جيد‪ ،‬ولكي أكون صادقًا معك يبدو أنه شاب جيد‪.”...‬‬

‫بعد تردد وتفكير وافقت فيوليت‪ ،‬ثم رافقته إلى منزلها بعد أن أخبرها أنه يريد أن يلقي نظرة‬
‫عليه‪ ،‬وبينما كانا في طريق عودتهما إلى المكتب‪ ،‬أخرج هاتفه وقال لها‪“ :‬لقد طلبت منه رقم هاتفه‬
‫ألتصل به فور عثوري له على منزل‪ ،‬سأتصل به لكي يأتي إلى المكتب لكي نتفق على الشروط‬
‫وقيمة اإليجار ونوقع العقد”‪.‬‬

‫لم تتوقع فيوليت أن تجري األمور بهذه السرعة والسهولة‪ ،‬ولكن لم يكن بيدها حيلة سوى أن‬
‫تقول “حسنًا” وتكمل معه الطريق‪.‬‬
‫انتظ ار في المكتب عشر دقائق بعدها رن صوت الجرس أعلى الباب‪ .‬يبدو أن الشاب ال‬
‫كثير عن المكتب ألنه حضر سريعًا‪.‬‬
‫يبتعد ًا‬

‫أسود طويًال‪ ،‬ذّك ر فيوليت بشخصيتها الخيالية المفضلة‬ ‫كان طويل القامة‪ ،‬يرتدي معطفًا‬
‫وله شارب خفيف‪ ،‬وشعت عيناه الخض اروان بسعادة بينما‬ ‫قصير‪،‬‬
‫ًا‬ ‫(شارلوك هولمز)‪ .‬وكان شعره بنيًا‬
‫كان يحييهما‪.‬‬

‫بدأ توتر فيوليت يختفي‪ ،‬ألنها فّك رت مع نفسها “بأنه ال يبدو من مظهره أنه من األشخاص‬
‫الذين يسببون المشاكل”‪.‬‬

‫وبدأ االتفاق‪:‬‬

‫“اآلنسة روبرت تبحث عن شريك يشاركها منزلها الذي يتألف من غرفة معيشة ومطبخ‬
‫وحجرتي نوم”‪ ،‬عرضت عليه فيوليت بعض الصور التي التقطها بالكامي ار لمنزلها‪ ،‬ثم تابع “اآلنسة‬
‫روبرت لم تحدد السعر والشروط بعد‪ ،‬لذلك إذا نال المنزل استحسانك بإمكانكما االتفاق‪ ،‬ثم نوقع‬
‫العقد اآلن”‪ .‬عاين الشاب الذي لم تعرف فيوليت اسمه بعض الصور بتمعن ثم قال‪“ :‬المنزل‬
‫رائع!!”‪ .‬بدأت فيوليت تشعر بالغيرة ألنها لم تتقبل بعد فكرة أن يشاركها المنزل شخص آخر‪ ،‬ولكن‬
‫لم يكن أمامها خيار آخر‪.‬‬

‫تركهما صاحب المكتب لكي يتفقا بعد أن أعطاهما ورقة لكي يكتبا فيها بعض البيانات‬
‫والشروط وما إلى ذلك‪.‬‬

‫“حسنًا آنسة روبرت ما اسمك األول! أنا أدعى هاري دينيس وقد تشرفت بمقابلتك” قال‬
‫وابتسم لها بينما كانت فيوليت متوترة بعض الشيء مما هي مقدمة عليه‪ ،‬وأدركت أيضًا من لكنته‬
‫البريطانية أنهما ينتميان إلى البلد نفسه‪.‬‬

‫“فيوليت‪ ،‬سررت بلقائك أيضًا”‪.‬‬

‫“حسنًا فيوليت‪ ،‬ما هي شروطك؟”‪.‬‬


‫“ليس لدّي كثير من الشروط‪ ،‬أوًال‪ :‬ال تجبرني على تغيير ذوقي الموسيقي‪ .‬ثانيًا‪ :‬ال تحاول‬
‫كبير في ديكور المنزل‪ ،‬ثالثًا‪ :‬ال يمكنك إقامة أي حفالت في المنزل‪ ،‬فأنا أحب‬
‫تغيير ًا‬
‫ًا‬ ‫أن تحدث‬
‫المحافظة عليه هادئًا ونظيفًا‪ .‬هذا كل ما لدي”‪.‬‬

‫“شروطك تناسبني”‪ .‬قال هاري‪ ،‬وقبل أن يتابعا نقاشهما رن هاتفه‪ ،‬أجاب وكانت مكالمة‬
‫سريعة وفهمت فيوليت أنه يجب أن يغادر لذلك سارع بالوقوف قائًال‪“ :‬حصل أمر طارئ أنا مضطر‬
‫للمغادرة‪ ،‬سوف أكون هنا في المساء‪ ،‬لكي أوّق ع العقد وغدًا سأنتقل إلى المنزل‪ ،‬ال أريد أن أقيم لفترة‬
‫أطول في الفندق‪ ،‬أراكما مساًء ”‪.‬‬

‫غادر هاري المكتب بسرعة‪ ،‬وعندما همت فيوليت بالمغادرة‪ ،‬وضعت رقم هاتفها على طاولة‬
‫صاحب المكتب‪ ،‬وطلبت منه أن يتصل بها حالما يعود هاري‪ ،‬ثم قصدت منزلها لتقضي لحظاتها‬
‫األخيرة بمفردها‪ ،‬ألنه ومنذ الغد لن يعود منزلها وحدها‪.‬‬

‫*****‬

‫غادرت فيوليت المنزل ما إن تلقت االتصال من صاحب المكتب الذي يخبرها فيه أن هاري‬
‫وصل لتوقيع العقد‪ ،‬وها هي اآلن تدخل المكتب بعد دقائق من المشي السريع في الهواء البارد‪.‬‬

‫فور دخولها استقبلها هاري قائًال‪“ :‬لم تتأخري فيوليت!”‪.‬‬

‫رفعت حاجبها بفخر فلم يكن من عادتها أن ال تتأخر‪.‬‬

‫كان االتفاق سهًال‪ ،‬فهاري لم يناقش فيوليت أبدًا في المبلغ الذي طلبته لقاء مشاركتها‬
‫اإلقامة في المنزل‪ ،‬فهو كان سعيدًا جدًا‪ ،‬ألنه سيتخلص من اإلقامة الفندقية‪ .‬لذا تناول العقد وشرع‬
‫بكتابة بياناته‪ ،‬وعندما أنهى مرر العقد إلى فيوليت التي‪ ،‬وبسبب فضولها‪ ،‬ألقت نظرة سريعة على‬
‫بيانات شريكها‪ ،‬لقد كان في الخامسة والعشرين أي أنه يكبرها بسنة واحدة‪ .‬ثم شرعت بملء‬
‫الفراغات المتبقية ببياناتها‪ ،‬ووقعت أسفل العقد‪.‬‬

‫“تهاني لكما” قال صاحب المكتب بينما بدا جليًا أنه فخور بأنه أتم عمله‪.‬‬

‫“بإمكاني االنتقال إلى المنزل غدًا‪ ،‬صحيح؟” سألها هاري بينما كان ال يزال يصافحها‪ .‬كان‬
‫بإمكانه مالحظة توترها بشأن األمر كله‪ ،‬وأنها لم تكن سعيدة أبدًا‪ ،‬لذلك شد قبضته على يدها لكي‬
‫يحاول إيصال رسالته لها أنها لن تندم أنها وّق عت العقد‪.‬‬

‫“أجل ال بأس بذلك”‪ .‬قالت‪ ،‬ثم انتهى األمر‪.‬‬

‫سار كل منهما في طريقه لكي يقضي ليلته األخيرة‪ :‬هي في منزلها بمفردها‪ ،‬وهو في الفندق‬
‫الذي لم يستطع النوم فيه في اليومين السابقين بسبب بكاء الطفل المتواصل في الغرفة المجاورة‪.‬‬

‫*****‬

‫بعد ليلة طويلة قضتها فيوليت في توديع منزلها وكأنها ستغادره‪ ،‬قامت بإخالء إحدى الغرف‬
‫من أجل شريكها الجديد‪ ،‬جمعت حاجياتها الخصوصية التي كانت موضوعة في أماكن عدة‬
‫باكر بانتظار وصول هاري‪ ،‬كانت رائحة‬
‫ووضعتها في حجرتها‪ ،‬في صباح اليوم التالي استيقظت ًا‬
‫فطورها المتواضع وقهوتها الصباحية تفوح في المنزل‪ ،‬وفي اللحظة التي المس فيها كوب القهوة‬
‫شفتيها رن جرس الباب‪ .‬تنهدت بغضب ووضعت كوبها على الطاولة‪.‬‬

‫وجدت هاري يقف أمام الباب وحقيبة على ظهره بينما واحدة أخرى كان يجرها خلفه “صباح‬
‫الخير فيوليت‪ ،‬حسنًا أنك مستيقظة”‪.‬‬

‫“مرحبًا هاري‪ ،‬حسن لي أيضًا أنني مستيقظة ألن استيقاظي على صوت جرس الباب لن‬
‫يكون مريحًا‪ .‬حجرتك في الطابق الثاني على اليمين”‪ .‬أفسحت له المجال ليدخل وغادرت لكي تكمل‬
‫فطورها‪.‬‬

‫دخل هاري المطبخ بعد أن وضع حقائبه في األعلى وقال بمرح‪“ :‬ألم تعدي لي اإلفطار‬
‫كاستقبال لليوم األول؟”‪.‬‬

‫“الخزانة الثالثة على اليمين فيها كل ما تحتاج إليه لتعد إفطارك!” أجابته‪.‬‬

‫*****‬

‫وصل أثاث حجرة هاري عند الظهيرة حيث إنه أخبرها أنه اختاره في اليوم السابق‪.‬‬

‫انتهى تركيب كل شيء بينما كانت فيوليت تضع رأسها بوهن على األريكة‪ ،‬وتحاول تجاهل‬
‫خيار سيئًا‪ .‬لقد كان هذا صعبًا‬
‫ًا‬ ‫صوت الندم بداخلها الذي يخبرها أن اختيار مشاركة المنزل كان‬
‫جدًا على فيوليت‪ ،‬ألن المنزل كان المساحة الوحيدة التي تكون فيها على طبيعتها وتكون حالتها‬
‫النفسية في مرحلة اطمئنان قصوى‪.‬‬

‫انخفضت األريكة عندما جلس هاري إلى جانبها‪ ،‬وبعد أن شاهد معالم وجهها قال‪“ :‬أعلم‬
‫أنك على األغلب مجبرة على مشاركة منزلك‪ ..‬أعني هذا واضح جدًا‪ ،‬ولكن بإمكاننا فسخ العقد في‬
‫أي لحظة تريدينها!”‪.‬‬

‫عّد لت من طريقة جلوسها‪ ،‬ثم تنفست بعمق وقالت‪“ :‬أرجوك فقط كْن جيدًا هنا‪ ،‬وال تجعلني‬
‫أندم على توقيع العقد”‪.‬‬

‫“سوف أكون”‪ .‬وارتسمت ابتسامة هادئة جدًا على وجهه‪ ،‬ثم سألها‪“ :‬هل تعملين؟”‪.‬‬

‫“في الحقيقة‪ ،‬كنت سأصعد إلى األعلى بعد لحظات لكي أستعد للذهاب إلى العمل‪ ،‬أنا‬
‫أعمل في المطعم الموجود في زاوية الشارع المقابل”‪.‬‬

‫لم يتحدث للحظات‪ ،‬بينما كان ينظر إلى لون عينيها المختلط بين عدة ألوان‪ ،‬حيث كان‬
‫لألزرق النصيب األكبر بينها يليه األخضر بلمسة صغيرة حول البؤبؤ‪ ،‬لقد كانت عيناها كلوحة فنية‬
‫لم يشاهد هاري أبهى منها‪ ،‬لذلك قال وقد علت شفتيه ابتسامة كبيرة‪“ :‬فيوليت عيناِك رائعتان! لونهما‬
‫ال يصدق‪ ،‬إنه شيء خيالي!”‪.‬‬

‫خالجها الخجل‪ ،‬ألنه كان أول شخص يقول لها شيئًا جيدًا عن عينيها‪ ،‬فقد اعتادت‬
‫التعليقات السيئة في الثانوية من قبيل‪ :‬عيون أفعى‪ ،‬غريبة‪ ،‬مخيفة‪ ..‬حاولت إبعاد عينيها عنه‬
‫ووقفت قائلة‪“ :‬عل االستعداد للمغادرة اآلن”‪.‬‬
‫ّي‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫الظاهر والباطن‬
‫‪ ‬‬

‫مطعم (ذا سميث)‬

‫وصلت فيوليت المطعم متأخرة دقائق معدودة‪ ،‬وهذا ما عّر ضها لتوبيخ المدير‪ ،‬وكان يومها‬
‫حتى تلك اللحظة سيئًا جدًا‪ ،‬فلم تكن قد حصلت على شيء جيد سوى تعليق هاري حول عينيها‪،‬‬
‫ولكن بالرغم من ذلك ارتسمت ابتسامة خبيثة على شفتيها بسبب ما فعلته قبل خروجها من المنزل إذ‬
‫كانت قد أخذت ظرف رسالة‪ ،‬ووضعته خلف باب حجرتها‪ ،‬وأغلقت الباب من دون إقفاله بالمفتاح‬
‫فإذا فتح شخص ما الباب سيسقط الظرف على األرض‪ ،‬وأيًا يكن الشخص لن يبالي‪ ،‬ألنه سيرى أن‬
‫كل ما في األمر ظرف رسالة فارغ موضوع على األرض‪ ،‬بينما هذا الظرف نفسه سيكون دليًال على‬
‫اقتحامه الغرفة بالنسبة إلى فيوليت‪ ..‬لقد فعلت كل هذا لكي تعرف مبدئيًا إن كان بإمكانها الوثوق‬
‫بهاري‪.‬‬

‫دخلت زبونة المكان‪ ،‬وتقدمت نحو طاولة المشروبات‪ ،‬بدأت بطلب المشروب الذي تريده‪،‬‬
‫وفور سماع فيوليت لصوتها أدركت أن التي أمامها لم تكن سوى صديقتها إزابيال‪ .‬عندما تناولت‬
‫مشروبها وقّد مت المال وضعت معه أيضًا ورقة صغيرة‪ ،‬ألنه‪ ،‬وحسب قوانين مدير الفرع‪ ،‬لم يكن‬
‫مسموحًا للموظفين التحدث مع الزبائن في أمور خارج إطار المطعم‪ ،‬ألن هذا فيه تضييع للوقت‪،‬‬
‫وأيضًا ممنوع منعًا باتًا استخدام الهاتف تحت أي ظرف كان‪ ..‬وكان مكتوبًا في الورقة التالي‪:‬‬

‫مرحبًا فيوليت‪ ،‬لقد طلب مني ليون أن أخبرك أن تأتي إلى منزله الليلة‪ ،‬ولماذا لم تجيبي‬
‫على اتصاالته أو حتى اتصاالتي؟ من األفضل أن تذهبي إليه طواعية وإال سيضطر إلى القدوم‬
‫ألخذك‪.‬‬
‫إزابيال‬

‫‪ ‬‬

‫ألقت فيوليت بالورقة في سلة المهمالت بعد أن أنهت قراءتها‪ ،‬ثم توجهت لخدمة زبون آخر‬
‫بينما هي تبرر لنفسها أنها تجاهلت اتصاالته ألنها أرادت بعض المساحة لكي تنجز أعمالها وتتفرغ‬
‫قليًال لنفسها‪.‬‬

‫عندما أنهت عملها خرجت‪ ،‬وبدأت تسير نحو المنزل‪ ،‬كانت قد تبادلت األرقام مع شريكها‬
‫في حال حدوث أمر طارئ‪ ،‬وقد توقعت اتصاله‪ ،‬ولكنه لم يتصل‪.‬‬

‫أغلقت باب المنزل خلفها بهدوء‪ ،‬وبدأت عيناها تجوالن في أرجاء المنزل باحثة عن شيء‬
‫أفسده في غيابها‪ .‬ولكن بدا لها أن كل شيء ال يزال على حاله كما تركته‪ ،‬حتى إنها أصيبت بخيبة‬
‫أمل ألن الدراما التي تخيلتها عند اكتشافها أن هاري اقتحم غرفتها تحطمت‪ .‬فقد ألقت نظرة سريعة‬
‫من تحت الباب وكانت الرسالة ال تزال في مكانها‪ .‬في تلك األثناء كان هاري يغط في نوم عميق‬
‫على سريره وكمبيوتره المحمول بجانبه بينما كان هناك فيلم يعرض على الشاشة‪.‬‬

‫ندمت فيوليت قليًال ألنها شكت به‪ ،‬ولكن كان يجب عليها أن تأخذ حذرها منه‪ ،‬وهي ستضع‬
‫الظرف غدًا أيضًا‪ ..‬بدأ هاتفها يرن‪ ،‬وكان ليون هو المتصل‪ ..‬أجابت هذه المرة على اتصاله‪.‬‬

‫“مرحبًا!”‪.‬‬

‫“حسنًا أنك أجبِت ‪ ،‬نحن ال نزال على موعدنا الليلة‪ ،‬صحيح؟”‪.‬‬

‫“أجل سوف أكون موجودة”‪.‬‬

‫“سآتي الصطحابك و‪ ”...‬قاطعته‪“ :‬ال عليك سأكون هناك على الموعد”‪ .‬أطلق ز ًا‬
‫فير ثم‬
‫قال‪“ :‬حسنًا‪ ،‬أ ارِك بعد ساعة! وداعًا”‪.‬‬

‫“وداعًا”‪.‬‬

‫بدا بوضوح من نبرة صوته أنه يحاول جاهدًا كبح غضبه‪ ،‬ربما ألنها انقطعت عنه من دون‬
‫تبرير‪ ،‬وألنها لم ترد على اتصاالته‪ ،‬ولكنها أخرجته سريعًا من رأسها‪ ،‬وبدأت تعد كوب قهوة ألنها ال‬
‫تريد مقابلته وهذا الصداع يفتك برأسها‪ .‬رفعت الكوب‪ ،‬وشربت قليًال‪ ،‬ثم شعرت بيد على كتفها‪.‬‬
‫تحركت بسرعة‪ ،‬وفي ثواٍن انسكب ما في الكوب على جلد بطنها‪ ،‬فصرخت متألمة‪ ،‬وهي تنظر إلى‬
‫الفانيلة التي أفسدتها القهوة‪ .‬لقد كانت يد هاري الذي لم تعتد بعد على وجوده معها في المنزل‪،‬‬
‫أسرع هاري بسكب كوب ماء بارد مكان انسكاب القهوة‪ ،‬فلم َتعْد تشعر بح اررة القهوة بالرغم من أن‬
‫جلدها ال يزال يؤلمها‪.‬‬

‫“لقد أفزعتني أيها األحمق‪ ،‬كل ما كان عليك فعله هو فقط التحدث قبل أن تلمسني!”‬
‫صرخت في وجهه‪.‬‬

‫“أظن أنك كنت ستفزعين في كلتا الحالتين‪ ،‬فأنِت متوترة طوال الوقت!” أجابها بينما كان‬
‫يبحث في الثالجة عن شيء ما‪.‬‬

‫“أنا متوترة بسبب وجودك هنا ألنني لم أعتد على هذا بعد!”‪ .‬وهمت بترك المطبخ لوال أنه‬
‫أمسك يدها وسحبها بخفة إلى الخلف “خذي هذا على األقل واهدئي‪ ،‬حسنًا؟” ومرر لها كيسًا فيه‬
‫بعض الثلج‪ .‬أخذته وأكملت طريقها نحو غرفتها‪ ،‬وهي تفكر‪ِ“ :‬لَم ال يكون شخصًا سيئًا فأطرده‬
‫وأخبر والدي أن األمر لم ينجح؟”‪ .‬ولكن الواقع لن يكون بهذه السهولة! وضعت الثلج على جلدها‪،‬‬
‫وبعد عشر دقائق كان االحمرار قد اختفى‪.‬‬

‫طرق هاري باب غرفتها ففتحت الباب جزئيًا وأخرجت رأسها‪“ :‬ماذا تريد؟”‪.‬‬

‫“أشعر بالملل ويبدو لي أنك متفرغة أيضًا‪ ،‬لذلك لَم ال نخرج ونتجول في المدينة! أنا لم أكن‬
‫هنا منذ وقت طويل”‪ .‬سألها‪.‬‬

‫“وهل أبدو لك مثل دليل سياحي؟”‪ .‬أجابته‪.‬‬

‫“أوه!” بدا أنه تفاجأ من فظاظة ردها‪ ،‬ولكنها وجدت نفسها تبرر له‪“ :‬أضف إلى ذلك أّن‬
‫لدّي موعدًا ويجب أن أخرج”‪.‬‬

‫“إذًا ال بد لي أن أبحث عن صديق هنا”‪ .‬قال وكأنه يحادث نفسه وابتعد عن بابها‪ ،‬فشعرت‬
‫باألسى ألجله‪ ،‬ألن ال أحد له هنا‪ ،‬وليس باستطاعتها مساعدته بشيء‪.‬‬
‫بدأت تستعد للخروج‪ ،‬وبعد نصف ساعة كانت تنزل الساللم ولم تصادف هاري في طريق‬
‫خروجها‪ ،‬لذلك وقفت على الرصيف بانتظار سيارة أجرة‪ .‬وبعد لحظات‪ ،‬وقفت أمامها سيارة األجرة‬
‫الصفراء‪ .‬أخبرت السائق بعنوان منزل ليون‪ ،‬وبعد قليل كانت السيارة تقف خارج المنزل المطلوب‪..‬‬
‫أعطت السائق أجرته‪ ،‬ومع الضغطة األولى على الجرس فتح ليون الباب‪ ،‬واستقبل حبيبته التي لم‬
‫يكن قد رآها خالل اليومين السابقين‪.‬‬

‫لقد كان اإلحساس بالذنب يجتاحها دائمًا عند وجودها مع ليون‪ .‬وكان ما يفعله وما يقوله لها‬
‫يجعل الشعور يكبر ويتجَّم ع بداخلها‪.‬‬

‫لم تكن فيوليت (ال تريد) أن تحبه بل لم تكن (تستطيع) أن تحبه وشتان ما بين االثنين‪.‬‬

‫“لقد افتقدتك فيوليت‪ ،‬لم أرِك منذ يومين!” قال لها بينما كانا يدخالن المنزل‪“ ..‬آخر مرة‬
‫رأيتك قبل يومين وربما ثالثة”‪“ .‬إنها ليست بالمدة الطويلة ليون” قالت لكي تضفي القليل من المرح‪،‬‬
‫ولكن يبدو أنه كانت لديه أفكار أخرى‪.‬‬

‫“لقد اعتدت رؤيتك يوميًا‪ ،‬لذلك ربما افتقدتك‪ ،‬تعلمين أنني أحبك فيوليت!”‪ .‬كان صوته‬
‫حزينًا جدًا‪ ،‬لذلك تنفست فيوليت بعمق‪ ،‬ألنها كانت تعرف التالي‪“ :‬ليون أرجوك ال تبدأ‪ ،‬تعلم أنني‬
‫ال أستطيع الكذب عليك‪ ،‬ليون أرجوك هذه الكلمات تزيد شعوري بالذنب”‪ .‬تحول مزاجها ألنها قبل‬
‫لحظات كانت تحاول أن تحسن الجو‪ ،‬واآلن تحاول جاهدة أن تبعد فكرة الدموع‪” ..‬أصغي إل‬
‫ّي‬
‫أرجوك‪ ،‬لقد صمدت لسنتين وأنا بانتظارك‪ِ ...‬لَم األمر بهذه الصعوبة! ال أظن أنني سأصمد أكثر‪،‬‬
‫وأنت تعلمين أنني ال أستطيع التخلي عنك! حاولي إيجاد حل فيوليت‪ ،‬تذكري أنك وعدتني‪ ،‬ال‬
‫تجعلي كل شيء يذهب”‪ .‬تحدث بصبر نافد‪ ،‬وألقى الوسادة التي بجانبه على األرض‪ ،‬ووقف بعيدًا‬
‫عنها‪ ،‬يبعثر شعره‪ ،‬ويحاول التحكم في انفعاله‪ ،‬بينما تكورت الغصة داخل حنجرتها‪ ،‬وأصبحت‬
‫رؤيتها غير واضحة بسبب الدموع‪ ،‬وسألت نفسها ِلَم يكون األمر صعبًا هكذا! “أنا‪ ...‬أنا ال أستطيع‬
‫أن أحبك ليون” خرجت هذه الكلمات القليلة من بين دموعها التي بدأت تنهمر وتشق طريقها نحو‬
‫أذنيه لعله يفهم القليل مما تعانيه‪.‬‬

‫انهارت لحظتها‪ ،‬وكأن كلمات ليون هي الخطوات الناقصة لتدفعها إلى الهاوية‪ .‬حاولت‬
‫بشتى الطرق أن توقف الدموع الساخنة على وجنتيها‪ ،‬ولكنها قضت األيام السابقة تحاول تجاهل‬
‫الحقيقة‪ ،‬ولكن ال بد للحقائق أن تعاود الظهور بين آن وآخر‪.‬‬

‫كثير أن تغلق الفراغ الكبير الموجود داخل قلبها‪ ،‬وأن تتجاهل ما أصابها وتعيش‬
‫ًا‬ ‫حاولت‬
‫طبيعية كالجميع؛ تِح ب وتَح ب‪ ،‬ولكن وكأن الحب حرم عليها‪ .‬منذ أن عرفت بما أصابها وكان ذلك‬
‫أيام مراهقتها لم تستطع التكيف مع ذلك‪ ،‬وانتقلت إلى نيويورك علها تهرب من قدرها‪ ،‬لكنه تمسك‬
‫بها‪ ،‬عاشت بمفردها لتنسي نفسها همومها‪ ،‬ولكن كل ما حصلت عليه هو عزلة طويلة لشهرين‬
‫كاملين‪ ،‬لم يخرجها منها سوى ليون وبعض أصدقائه‪ ،‬بعد محاوالت دامت لمدة طويلة جدًا‪ ،‬خرجت‬
‫من شرنقتها الصغيرة إلى شرنقة أكبر قليًال‪ .‬لقد أحبها ليون‪ ،‬ولكنها لم تستطع أن تحبه‪ ،‬وأن تكون‬
‫مبرر حبه بأنه “أحب قلبها‬
‫ًا‬ ‫فتاته التي يريدها‪ ،‬ألنه أحبها بالرغم من عيوبها التي ال تعد وال تحصى‪،‬‬
‫قبل كل شيء”‪ ،‬لذلك يجتاحها الشعور بالذنب عندما يمطرها بكلمات الحب‪ ،‬تستطيع الرد عليه‬
‫بكلمات كاذبة‪ ،‬ولكنها ال تريد ذلك فهو ال يستحق الكذب‪ ،‬كانت تعاني صراعًا مع نفسها يكاد يفتك‬
‫عاجز عن فعل أي‬
‫ًا‬ ‫بها‪ .‬وجودها أصبح بال معنى‪ ،‬هي تبكي في مكانها وهو يغمض عينيه بألم‬
‫شيء‪ ،‬لذلك حملت حقيبتها وهّم ت بالخروج‪ ،‬إال أنه أوقفها قائًال‪“ :‬ال تذهبي إليه” وسألت نفسها من‬
‫هو الذي ستذهب إليه! وقبل أن تسأله أجابها هو “ال تذهبي إلى شريك سكنك فيوليت”‪.‬‬

‫كيف عرف بأمر شريك سكني؟ ربما أخبرته ونسيت؟! بدأت األسئلة تتدفق إلى رأسها‪.‬‬

‫“سأذهب إلى منزلي ليون‪ ،‬ليس إلى شريك سكني‪ ..‬وهناك فرق”‪ .‬وغادرت منزل ليون من‬
‫دون أن تنبس ببنت شفة‪ ،‬وأغلقت الباب خلفها بقوة‪.‬‬

‫*****‬

‫يبدو أن أول ما عرفه هاري عنها بعد اسمها هو حبها للقهوة‪ ،‬هذا ما فّك رت فيه عندما‬
‫فتحت باب غرفتها بعد وقت ليس بالطويل منذ عودتها إلى المنزل لصنع قهوة لتعديل مزاجها‪،‬‬
‫ولكنها وجدت كوبها المفضل الساخن ينتظرها أمام باب غرفتها‪.‬‬

‫“ربما يجب أن أشكر هاري!” فكرت خاصة وأنه حاول أن يواسيها عندما دخلت المنزل‬
‫باكية‪ ،‬ولكنها دفعته بعيدًا‪ .‬وها هو اآلن قد أعد لها ما تحتاج إليه بالضبط‪ ،‬وقبل أن يتسنى لها‬
‫الخروج وشكره‪ ،‬خرج من باب غرفته المقابلة لغرفتها‪.‬‬
‫“شكر على القهوة‪ ،‬ولكن كيف عرفت أنني أحبها؟” سألته مباشرة‪ ،‬فرفع رأسه ويبدو أنه‬
‫ًا‬
‫الحظ للتو أنها تقف أمامه‪ ،‬وارتسمت ابتسامة على وجهه وأجابها‪“ :‬تملكين صناديق كثيرة من‬
‫القهوة‪ ،‬وأكوابًا أيضًا‪ ،‬وتضعين مقادير صنع القهوة على الطاولة حتى يكون الوصول إليها سهًال‪،‬‬
‫أضف إلى ذلك أن رائحة القهوة ال تكاد تغادر المنزل‪ ،‬أما بشأن اختياري للكوب‪ ،‬فبحسب المرات‬
‫القليلة التي دخلت بها المطبخ أجده دائمًا إما بيديك وإما أنك نظفته بعناية ووضعته بجانب القهوة‪.‬‬
‫إنه أمر بديهي‪ ،‬صحيح؟”‪.‬‬

‫فخور بإجابته الذكية‪ ،‬بينما ارتشفت قليًال من الكوب‬


‫ًا‬ ‫تكّتف واّتكأ على طرف الباب‪ ،‬وكان‬
‫بين يديها‪ ،‬ورفعت حاجبها بإعجاب من مالحظته ومذاق القهوة‪.‬‬

‫مر الوقت‪ ،‬وهي تجلس أمام باب حجرتها المقابلة لبابه الذي كان يجلس أمامه أيضًا‪ ،‬وكانا‬
‫يتحدثان في مواضيع غير مهمة‪ ،‬تارة عن أصدقائه في إنجلترا‪ ،‬وتارة يسألها عن بعض األشياء في‬
‫المنزل‪.‬‬

‫عم الصمت للحظة‪ ،‬كان يتأمل وجهها بينما كانت تفكر كيف استطاع انتشالها من حزنها؟‬
‫لطالما كان األمر صعبًا على الجميع‪.‬‬

‫“ما زلت أحب لون عينيك”‪ .‬قال هاري بإعجاب‪ ،‬وفاجأتها سرعة تغييره لمجرى الحديث‪.‬‬

‫“ال أحب أن يطيل أحدهم النظر إلى عين ” قالت ووضعت يدها على عينيها بمرح‪ ،‬وألنها‬
‫ّي‬
‫حقًا كانت تكره أن ينظر أحدهم إلى عينيها‪ ،‬ألنها تشعر وكأنها مكشوفة أمامه ويستطيع النظر‬
‫مباشرة إلى روحها ورؤية حزنها‪ ،‬وألمها‪ ،‬ومشاعرها‪ ،‬وأعمق أسرارها من خالل عينيها فقط‪.‬‬

‫“تبدين لي مشّتتة وضعيفة”‪ .‬قال بهدوء غير معهود في صوته عندما أبعدت يديها عن‬
‫وجهها وهو يعقد حاجبيه بهدوء‪ ،‬فشعرت برغبة شديدة في البكاء‪ ،‬ربما ألنه ذّك رها بضعفها؟ أو ربما‬
‫ألنه عرف سرها؟‬

‫قال عندما شعر بأن مزاجها بدأ يصبح أكثر سوءًا‪“ :‬سواء أحببِت أن ينظر أحدهم إلى‬
‫عينيِك أم ال‪ ،‬أنا سأنظر إليهما دائمًا” وابتسم بهدوء ليهدئ أعصابها ثم وقف قائًال‪“ :‬ليلة سعيدة‪،‬‬
‫لي”‪.‬‬
 
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫أمطار ديسمبر‬
‫‪ ‬‬

‫الرابع من ديسمبر‪ ،‬نيويورك‬

‫الشارع الشرقي الواحد والخمسون‬

‫“فيوليت!” قال هاري بعد أن طرق الباب‪.‬‬

‫لم تستطع اإلجابة فقد كانت تسمع صوته ولكنها لم تكن تقوى على اإلجابة‪ .‬كانت تشعر‬
‫بكسل فظيع وبإجهاد نفسي وجسدي‪.‬‬

‫دفنت رأسها داخل وسادتها‪ ،‬ومرت دقائق وهي على تلك الوضعية ذاتها من دون أن تتحرك‬
‫إنشًا واحدًا! لم تكن أشعة الشمس تخترق الستائر كعادتها فبدأ دماغ فيوليت ينتبه وتساءلت‪ :‬هل‬
‫يعني هذا أن الشمس بدأت تغرب؟ وعملي؟ قفزت من السرير تاركة خلفها اإلجهاد والكسل واتجهت‬
‫صوب النافذة‪ ،‬فتحت الستائر‪ ،‬ولحسن حظها لم تكن الشمس قد غربت بعد‪ ،‬بل كانت الغيوم تخفيها‬
‫وقطرات المطر هنا وهناك‪.‬‬

‫جلست بجانب نافذتها‪ ،‬وأخذت تتأمل المنظر أمامها‪ :‬شارع من شوارع نيويورك مليء‬
‫بالمنازل متقاربة األلوان وبعض الفنادق‪ ،‬وفي نهايته هناك مقاٍه وبعض األسواق والمطاعم‪ .‬بعض‬
‫المشاة على الرصيف يحملون مظالت‪ ،‬وبعض األطفال يركضون ويضفون جوًا من المرح على‬
‫المكان‪ ،‬بينما تغطي الجميع سماء بال نهاية مليئة بالغيوم السود المتراكمة بعضها فوق بعض بشكل‬
‫يبعث الرهبة في النفس‪ ،‬بينما تتراقص قطرات المطر بخفة على األرض والنوافذ‪ .‬لم يكن المطر قويًا‬
‫بل كان هادئًا حتى اآلن‪ ،‬ولكن شكل الغيوم يوحي بأن أولى عواصف ديسمبر ستكون اليوم‪.‬‬
‫ظهر‪.‬‬
‫ًا‬ ‫نظرت فيوليت إلى ساعة الحائط خلفها وكانت تشير إلى الثانية‬

‫*****‬

‫أخير خرجت من غرفتها‪ ،‬وأخذتها قدماها بال تفكير إلى كوب القهوة داخل المطبخ لتمأله‪،‬‬
‫ًا‬
‫فوجدت هاري يجلس على الطاولة الصغيرة في المطبخ ويتناول شطيرة‪“ .‬لقد حاولت إيقاظك مرات‬
‫عدة” قال لها هاري‪.‬‬

‫فأومأت له بينما بدأت تعد كوب قهوتها‪.‬‬

‫“أشعر بالملل!” أفصح هاري‪.‬‬

‫“سأذهب إلى العمل‪ِ ،‬لَم ال تتجول في األرجاء وتتعرف إلى المنطقة؟!”‪ .‬قالت ذلك وغادرت‬
‫المطبخ قاصدة غرفة الجلوس‪“ :‬ربما” تمتم هاري خلفها‪.‬‬

‫جلست على أريكة بالقرب من نافذة غرفة الجلوس الكبيرة‪ ،‬وأعادت رأسها إلى الخلف تتأمل‬
‫قطرات المطر على النافذة وكأنها لم تمل منها‪.‬‬

‫“الطقس ينبئ بعاصفة الليلة” قال هاري بينما كان يقف إلى جوار النافذة‪.‬‬

‫“هذا ما خّم نته أيضًا” رفعت رأسها‪ ،‬وبدأت تتفحص وجهه بينما كان يسرح بخياله خارج‬
‫حدود المنزل‪ .‬كانت فيوليت تطيل النظر دائمًا إلى وجوه الناس علها تشعر بالحب تجاه أحدهم‪،‬‬
‫ولكن بال فائدة! حتى مع هاري الذي لم تمِض معه سوى يوم واحد‪ ،‬وانسجمت معه لدرجة لم‬
‫تتوقعها بهذه السرعة‪ ،‬لم يكن األمر ليساعدها‪ ،‬فهي لم تستطع أن تحب أحدًا منهم أو تشعر بالقليل‬
‫من المشاعر نحوهم‪ ،‬حتى هاري‪.‬‬

‫مع غروب الشمس بدأ المطر يزداد غ ازرة‪ ،‬ومنذ أن دخلت فيوليت المطعم لم يحضر سوى‬
‫بعض الزبائن؛ قليلون جدًا هم من يخرجون في مثل هذا الطقس‪ ،‬وقد غادر آخر زبون قبل خمس‬
‫عشرة دقيقة‪“ ..‬حسنًا على ما يبدو أن عمل الليلة سينتهي اآلن‪ ،‬ال زبائن كثر‪ ،‬والمحالت بدأت‬
‫تغلق أبوابها‪ ،‬والطقس يزداد سوءًا‪ ،‬لذلك بإمكانكم االنصراف”‪ .‬قال المدير‪ ،‬فظهرت مالمح الفرح‬
‫على الجميع‪.‬‬
‫هذه هي المرة األولى التي يحصل فيها أمر كهذا منذ أن عملت فيوليت هنا‪ .‬كانت في غاية‬
‫السعادة ونفسها الداخلية تردد‪( :‬أحبك يا ديسمبر‪ ،‬حتى أنني أحب عواصفك)‪ .‬كانت آخر من‬
‫سيخرج من الموظفين‪ ،‬فلقد كان عليها ترتيب بعض األمور‪ ،‬وفور انتهائها ارتدت معطفها‪ ،‬الذي‬
‫أصر هاري على أن تأخذه معلًال إص ارره بأن “الجو سيسوء وستمرضين”‪.‬‬

‫ولكن عند خروجها‪ ،‬تذكرت أنها نسيت جلب مظلة‪ ،‬وبدأت تفكر‪ :‬كيف سأصل إلى المنزل‬
‫اآلن؟ فكرة السير في هذا المطر والرياح الباردة تخيفها! وعندما تصل إلى المنزل ستكون قد تبّللت‬
‫كليًا‪.‬‬

‫أما المدير فقد أخبر الموظفين أنه سيبقى في المقهى‪.‬‬

‫بدأت الحركة تنعدم في الشوارع بسبب معرفة الجميع باحتمال قدوم عاصفة الليلة‪ .‬إذًا هل‬
‫تبقى مع المدير الليلة هنا؟ بالطبع لن تفعل ال يمكنها تحمل الـ‪ ...‬وقبل أن تعدد أسباب رفضها‬
‫الفكرة نهائيًا فاجأها صوته المميز‪.‬‬

‫“لي!” ومن غيره يناديها بـ‪” ‬لي”! التفتت إلى الخلف فوجدته بجسده الطويل يقف خلفها ويمد‬
‫“شكر هاري‪ ،‬لقد‬
‫ًا‬ ‫لها مظلة! انفرجت أساريرها‪ ،‬وتنفست الصعداء‪ ،‬وابتسمت ابتسامة عريضة‪.‬‬
‫أنقذتني”‪ .‬أخذت المظلة‪ ،‬وفتحتها فوقها لكي تبعد المطر‪ ،‬ولكن كيف عرف بأمر حاجتها إلى‬
‫المظلة؟ وقبل أن تسأل أجابها مبتسمًا‪:‬‬

‫“لقد خرجِت مسرعًة من المنزل‪ ،‬وعندما بدأت المحالت تغلق‪ ،‬عرفت أن المطعم الذي‬
‫تعملين فيه سيغلق أيضًا‪ ،‬ولكنك تأخرِت ولم تحضري‪ .‬وعندما نظرت إلى مكان المظالت عند‬
‫المدخل‪ ،‬وجدت أن عدد المظالت لم يتغير‪ ،‬لذلك خمنت ما أنِت فيه!”‪ .‬لقد بدأت تحب فكرة أن‬
‫يكون معها شريك سكن‪ ،‬ما دام يعد لها القهوة ويحضر لها مظلتها عندما تنساها‪.‬‬

‫خرجا من المطعم وبدأا يسيران بحذر على الرصيف الزلق جدًا بفعل الماء‪ ،‬كانت تسير‬
‫وخلفها هاري ولكن في غضون ثواٍن تغير كل شيء بلمح البصر عندما وقف بجانبها وأخذ المظلة‬
‫من يدها وأصبح يحملها فوق رأسيهما‪ ،‬ووضع يده األخرى حول كتفها حتى تغطي المظلة كًال‬
‫منهما‪“ .‬ما الذي يحدث!!” قالت بغضب من التغيير المفاجئ بينما ابتسم ببراءة وأشار لها لتنظر‬
‫إلى األعلى‪ ،‬رفعت بصرها فوجدت مظلته تحلق‪.‬‬
‫“لقد اقتلعتها الرياح من يدي عندما خّف فت قبضتي عليها” عّلل هاري‪ ،‬ورفع كتفيه وال تزال‬
‫ابتسامة بريئة على وجهه بينما رضيت هي بالواقع‪ ،‬وقد بدأت تستحسن الوضع‪ .‬لقد أصبح لديها‬
‫اآلن مظلتان‪.‬‬

‫“ما هو سر هذه االبتسامة!”‪ .‬لم تكن تعلم أنها تبتسم إال عندما سألها‪.‬‬

‫“كنت أملك مظلة واحدة‪ ،‬واآلن أصبح لدّي اثنتان‪ :‬أنت ومظلتي”‪.‬‬

‫ضحك على مزحتها قائًال‪“ :‬يا لك من أنانية”‪.‬‬

‫بعد نصف ساعة‪ ،‬كانا يجلسان على األريكة ملتفين داخل بطانيتين؛ هي تغير محطات‬
‫التلفاز دون أن ينال إعجابها أي برنامج‪ ،‬وهو يجلس إلى جانبها ويتمتم بأغنية ما‪ .‬حاولت حقًا أن‬
‫تعرف ما هي ولكن بال جدوى‪ ،‬ألنها بالكاد تلتقط كلمتين مما يغني‪.‬‬

‫توقفت عند نشرة األحوال الجوية‪“ .‬يبدو أن العاصفة ستستمر حتى الغد‪ ،‬وربما تسوء أكثر‪،‬‬
‫لذا نرجو من الجميع أخذ الحيطة والحذر‪ ،‬واالبتعاد عن مجاري السيول واألنهار واألودية‪ ،‬وعدم‬
‫الخروج من المنازل إال للضرورة القصوى”‪ .‬قال المذيع‪ .‬عندها أغلقت التلفاز‪ ،‬ووضعت جهاز‬
‫التحكم على الطاولة‪ ،‬وزفرت غضبًا ألنها تدرك أن ليون بالتأكيد لن يتركها اليوم وغدًا من دون أن‬
‫يراها‪ ،‬لذلك يجب عليها أن تنتظر وصوله في أي لحظة‪ ،‬وكانت خائفة أن يختلق بعض المشاكل‬
‫معها أو مع هاري أو يتفوه بما يجب أن ال يتفوه به‪.‬‬

‫مر بعض الوقت‪ ،‬بينما كانا يجلسان في صمت حتى سألته بعد أن فكرت في سؤالها لفترة‬
‫طويلة‪ ،‬ولم تستطع أن تخمن اإلجابة‪“ :‬لماذا انتقلت من إنجلترا؟”‪.‬‬

‫“لم يعد هناك شيء يجعلني أرغب في البقاء”‪ .‬أجابها ببساطة وأرخى رأسه على األريكة‬
‫ونظر إلى عينيها‪.‬‬

‫“لكنك عندما حدثتني عن أصدقائك‪ ،‬بدا لي أن لديك حياة جيدة هناك؟!”‪.‬‬

‫“كان ذلك‪ ،‬أما اآلن فلم أعد أحصل على ما كنت أحب هناك‪ ،‬كما أنني رغبت في تغيير‬
‫شيء في حياتي” صمتت ألنها لم تكن ترغب بسؤاله مرة أخرى رغم كمية األسئلة التي في رأسها‪،‬‬
‫فقررت أن تبقيها في فكرها حتى يحين وقتها‪ ،‬وحّد قت إلى الحائط أمامها لكي تتجنب عينيه‪ .‬وقف‬
‫هاري‪ ،‬وانحنى عند جهاز تشغيل الموسيقى‪ ،‬أطال النظر لأللبومات الموجودة بجانبه ثم قال‬
‫بابتسامته المعتادة “ذوقك الموسيقي يناسبني”‪ .‬فكرت مع نفسها‪ :‬جيد جدًا أنه ال يختلف مع ذوقي‬
‫الموسيقي‪ ،‬ألنه لو حدث هذا األمر ربما أخرج من المنزل‪ .‬الموسيقى الهادئة تناسبني حقًا‪ ،‬وكأنني‬
‫خلقت ألسمعها‪ .‬نحن ننسجم سويًا بشكل ما‪.‬‬

‫بدأ أحد األلبومات بالعمل‪ ،‬عندما أدخله هاري إلى الجهاز‪ ،‬عّد ل مستوى الصوت‪ ،‬وعاد‬
‫للجلوس إلى جانبها‪ ،‬والتف داخل بطانيته‪ ،‬كوبها الفارغ موجود أمامها ينتظر أن تعبئه مرة أخرى‪،‬‬
‫ولكنها أكسل من أن تقف وتترك هذا الدفء داخل البطانية‪.‬‬

‫“هل تؤمنين بالحظ؟” فاجأها بسؤاله بينما كان ينظر إلى الفراغ بال تركيز‪“ .‬ال‪ ،‬بل أؤمن أن‬
‫كل ما كتبه لك القدر سيحدث سواء كنت محظوظًا أم ال‪ ،‬وكل ما كتب لك أن تعيشه ستعيشه‪ .‬كما‬
‫أنني أثق أن كل شيء يحدث لسبب ما”‪.‬‬

‫“صحيح”‪ .‬تمتم‪ ،‬وذهب بخياله بعيدًا‪.‬‬

‫تحركت عقارب الساعة حتى مّر على جلوسهما الصامت ساعة كاملة‪ ..‬لم ينبسا ببنت شفة‪،‬‬
‫أفكار جديدة ينفذانها‪ ،‬أو ضوءًا بسيطًا يقودهما‬
‫ًا‬ ‫يفكران بعوالمهما لعلهما يجدان حلوًال لمشاكلهما‪ ،‬أو‬
‫إلى السعادة‪.‬‬

‫صوت أنفاسهما‪ ،‬الموسيقى الهادئة‪ ،‬صوت المطر على النوافذ‪ ،‬كلها اندمجت وصنعت‬
‫سيمفونية هادئة راق لهما سماعها‪ .‬ولكن بالطبع‪ ،‬الحياة ليست بالسهولة هذه‪ ،‬فرنين جرس الباب‬
‫تداخل مع السيمفونية لكي يفسدها‪ .‬نظر إليها هاري‪ ،‬بالطبع من هو خلف الباب سيكون ضيفها‬
‫فهذا منزلها في األساس لذا هي من يجب أن تفتح‪ .‬لذلك تركت دفء البطانية بعجز‪ ،‬وفتحت‬
‫الباب‪ ،‬وكما توَّق َع ت كان ليون‪ ،‬فهو لن يجعل العاصفة تعيقه عن زيارتها‪ .‬بينما تنظر إليه تذكرت‬
‫كلماته لها في ذلك اليوم‪ ،‬مرت كومضات لكنها أبعدتها سريعًا من رأسها وتمتمت ”تفضل” دخل‬
‫وسألها‪“ :‬هل هو هنا؟”‪.‬‬

‫“وكأن أحدًا ما يستطيع الخروج في هذا الطقس!” قالت بسخرية‪.‬‬


‫“باستثنائي” قال وضحك وبدا عليه أنه نسي ما حدث البارحة‪ ،‬لذلك قررت أن تنسى ما‬
‫حدث هي األخرى‪ ،‬فضحكت له دليل نسيان‪.‬‬

‫عندما شاهدهما يدخالن غرفة الجلوس‪ ،‬وقف وابتسم ابتسامته البشوشة المعتادة وقال‪:‬‬
‫“مرحبًا‪ ،‬أنا هاري شريك سكن فيوليت”‪ .‬وتساءلت هي ِلَم لم يقل “لي” كعادته؟‬

‫“أنت هاري وأنا ليون” قال ليون بنبرة لم تكن معتادة عليها‪ .‬وهكذا كان لقاؤهما األول‪ ،‬غريبًا‬
‫جدًا‪ ،‬جامدًا‪ ،‬مليئًا بالالمفهوم‪.‬‬

‫“سعدت بلقائك” قال هاري‪ ،‬ومّد يده ليصافح ليون الذي مّد يده أيضًا وتصافحا‪ .‬كان ليون‬
‫يمسح ويتفحص هاري بعينيه من األعلى نزوًال لألسفل‪ ،‬بعكس هاري الذي لم ينظر سوى إلى عيني‬
‫ليون دون اهتمام لبقية جسده‪ ،‬وكأنه َف هم وقتها كل شيء‪.‬‬

‫جلست على األريكة في مكانها السابق‪ ،‬وشاركها ليون بطانيتها‪ ،‬وجلس بجانبها مكان هاري‬
‫الذي أخذ بطانيته وجلس على األريكة األخرى والتف بداخلها‪.‬‬

‫*****‬

‫كانت فيوليت تتحدث مع ليون‪ ،‬أو باألحرى ليون يتحدث وهي تحاول أن تنصت إليه‪ .‬أما‬
‫هاري فأخرج هاتفه بعد فترة‪ ،‬وأخذ يكتب فيه بملل‪ ،‬ولم يكن قد تحدث مع ليون سوى عند دخول‬
‫األخير المنزل‪.‬‬

‫بعد دقائق‪ ،‬وقف هاري مبتعدًا عنهما‪ ،‬وبيده كوب أزرق قاتم “عمتم مساًء ‪ ،‬وسررت بلقائك‬
‫ليون‪ .‬أتمنى رؤيتك مرة أخرى”‪.‬‬

‫كثير”‪ .‬قال ليون وضحك‪.‬‬


‫“ستراني ًا‬

‫“يسرني هذا” وصعد الساللم تاركًا إياهما بمفردهما‪.‬‬

‫“يبدو شابًا جيدًا!” قال ليون لها فأومأت له من دون أن تنبس ببنت شفة‪.‬‬

‫تثاءبت وأخبرته عن رغبتها في الذهاب إلى السرير لتنام‪ ،‬وأصر على مرافقتها والبقاء حتى‬
‫تنام ثم سيغادر ألن لديه أعماًال في صباح الغد‪.‬‬
‫وهكذا انتهى اليوم‪ ،‬وأطِفئت آخر األضواء في منزل فيوليت وهاري‪.‬‬

‫*****‬

‫في صباح اليوم التالي‪ ،‬فتحت فيوليت عينيها بصعوبة‪ .‬لم يكن ليون بجانبها‪ ،‬ألنه غادر‬
‫البارحة عندما نامت‪ .‬ومن دون النظر إلى الساعة دخلت لالستحمام‪ ،‬ثم خرجت إلى العمل دون‬
‫حوار بينها وبين شريكها الذي يستلقي على سريره بينما مائة فكرة تدور في رأسه‪.‬‬

‫فيوليت‪ ،‬مع شعرها البني‪ ،‬وعينيها بلونهما الساحر‪ ،‬وحاجبيها المرتبين بشكل يناسب وجهها‬
‫كبير بالنسبة إليه وتعهد أن يحله قريبًا‪.‬‬
‫لغز ًا‬
‫تمامًا‪ .‬لقد كانت ًا‬

‫مرت الساعات وهو مستلٍق ‪ ،‬مسجون داخل صمت المكان وكوابيسه القديمة التي يحاول‬
‫الهرب منها‪ ،‬يستمع لتكتكات عقارب الساعة ويحسبها‪ ،‬غارقًا في صور حياته القديمة‪ .‬إنه لم ولن‬
‫يستطيع أن يغير فطرة البشر أو على األقل يحكم اختياراته ويغير كل شيء‪ .‬لم يستطع عقله تحمل‬
‫مزيد من التفكير فأغمض عينيه راجيًا غفوة قصيرة‪ .‬ولكن غفوته يبدو أنها لم تكن قصيرة على‬
‫اإلطالق‪ ،‬ألنه عندما استيقظ كانت هنالك أصوات تأتي من األسفل‪ .‬تبع تلك األصوات‪ ،‬وعندما‬
‫اقترب وجد فيوليت تتحدث مع فتاة أخرى ذات مالمح التينية‪ .‬وفي اللحظة التي لمحته فيها فيوليت‬
‫قالت “أهًال هاري! هذه صديقتي إزابيال‪ ،‬إزابيال هذا هاري شريكي في السكن”‪ .‬تصافحا‪ ،‬وعّر ف‬
‫هاري عن نفسه‪ ،‬وال تزال تلك االبتسامة المعتادة على وجهه‪ ،‬بينما كان على طبيعته يتشارك‬
‫الحديث معهما ثم يسرح بخياله‪ ،‬فتوقظه إزابيال بسؤال سخيف‪.‬‬

‫كانت العاصفة قد هدأت‪ ،‬ولكن هناك عاصفة أخرى بدأت في حياة فيوليت عندما سألتها‬
‫صديقتها “أال تزالين تهملين أدويتك؟”‪ .‬استقام جسد هاري ونظر نحو فيوليت ينتظر إجابتها‪ ،‬فقد‬
‫تأكد في تلك اللحظة أن لديه الكثير من األلغاز لكي يحلها حول الفتاة اللندنية‪ ،‬التي قررت أن‬
‫تعيش في نيويورك قبل سنتين‪ ،‬والتي أصبح يشاركها المنزل نفسه‪.‬‬

‫“ماذا؟ ألم تخبريه؟”‪ .‬سألت إزابيال عندما الحظت رد فعل كل منهما‪ .‬لم تتكلم فيوليت‪،‬‬
‫وكأنها لجمت وكل حروفها وكلماتها طارت بعيدًا‪.‬‬

‫وضع هاري كوبه على الطاولة‪ ،‬وقال بنبرة هادئة‪“ :‬ما الذي لم تخبرني عنه؟ أدوية ماذا؟”‪.‬‬
‫لم تجبه إزابيال بل أخذت حقيبتها ووقفت‪ .‬أراد سؤالها مرة أخرى‪ ،‬ولكنها أدركت خطورة‬
‫الموقف‪ ،‬فأسرعت بالمغادرة‪ ،‬وتمنت فيوليت لو أنها تستطيع المغادرة معها‪ ،‬ألنها ألقتها في الجحيم‬
‫وغادرت‪.‬‬

‫لم يسألها هاري سؤاًال آخر‪ ،‬ولكنه كان ينظر إليها وينتظر إجابتها‪ .‬وبعد دقائق من الصمت‬
‫أخير‪“ :‬أخبريني لي”‪ .‬غرقت فيوليت في التفكير وقررت أن تخبره القصة‪ ،‬القصة التي‬ ‫ًا‬ ‫تحدث‬
‫ار أن تمحوها من ذاكرتها‪ ،‬أن تقلب القدر وتتفاداها‪ ،‬ولكن قدرها سيظل معها حتى‬
‫ار وتكر ًا‬
‫حاولت مر ًا‬
‫النهاية‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫سّر فيوليت‬
‫‪ ‬‬

‫كل أسرارك سواء شئت أم أبيت لديها طريقتها في الظهور‪،‬‬

‫وغالبًا في أكثر الطرق التي ال تتوقعها‪ ..‬كْن مستعدًا!‪..‬‬

‫“بدأ األمر قبل انتقالي إلى نيويورك‪ ،‬كنت أشعر في ذلك األسبوع بإرهاق عام في كل‬
‫جسدي؛ انخفاض في ضغط الدم‪ ،‬وغثيان وقيء‪ ،‬اجتمعت كلها في ذلك األسبوع تحديدًا‪ ،‬لم يلحظ‬
‫أحد من عائلتي شيئًا فقد كان الجميع مشغولين بأمورهم الخاصة‪ .‬وذات يوم اشتد المرض‪ ،‬منتصف‬
‫الليل تحديدًا‪ ،‬حاولت مقاومته ولكن من دون جدوى‪ ،‬الجميع كانوا داخل غرفهم نائمين‪ ،‬لم أبدل‬
‫مالبسي‪ ،‬أخذت معطفي وخرجت من المنزل‪ ،‬واستقللت أول سيارة أجرة إلى المستشفى‪ .‬كانت‬
‫أخير‪ ،‬توقفت السيارة أمام المستشفى‬
‫ًا‬ ‫الشوارع فارغة تمامًا بال ألوان فشعرت بأن نهايتي اقتربت‪.‬‬
‫وحاولت بصعوبة الوقوف على قدم والدخول‪ ،‬وبعد محاوالت ساعدني سائق سيارة األجرة على‬
‫ّي‬
‫الدخول‪ .‬بعد دقائق اختفت األلوان واألصوات تمامًا”‪.‬‬

‫توقفت هنا‪ ،‬خرجت شهقاتها رغمًا عنها وكأنها خائفة أن تتكرر تلك الليلة لذلك تشبثت به‬
‫وأكملت‪“ :‬استيقظت بعد مدة‪ ،‬فتحت عين بصعوبة ألرى نفسي فوق سرير والمكان مليء بالبياض‬
‫ّي‬
‫فأدركت أنني في إحدى غرف المستشفى الكئيبة وبعض األطباء حول السرير‪ ،‬وهناك أنبوب‬
‫موصول بيدي‪ ،‬وجسدي منهك تمامًا‪ .‬سألني أحد األطباء ما الذي أشعر به‪ ،‬فلم أستطع اإلجابة‪.‬‬
‫مسح على شعري وقال أسوأ جملة سمعتها‪ ،‬وال تزال حتى اآلن تتردد داخل رأسي‪ :‬يؤسفني أن‬
‫أخبرك‪ ،‬لكن يا آنسة أنت مصابة بالغدة النخامية‪.1‬‬
‫نظرت إليه وتمنيت لو أنه كان كاذبًا‪ ،‬لو كان أي شيء‪ ،‬لكن أّال يكون صادقًا‪ .‬أغمضت‬
‫عين بأسى‪ ،‬وتجمدت مالمحي‪ ،‬ولم أستطع التصديق‪ .‬كم تمنيت أن أموت وال أسمع تلك الجملة‪،‬‬
‫ّي‬
‫تلك الجملة التي دّم رت حياتي‪ ،‬قلبي‪ ،‬وحتى مستقبلي‪ .‬نظرت إلى النافذة في نهاية الغرفة‪ ،‬كانت‬
‫الشمس تخرج من خلف الغيوم باستحياء‪ ،‬وكأنها حزينة على حالي”‪.‬‬

‫“في ساعات الصباح األولى‪ ،‬اجتمع كل أفراد عائلتي حولي في الغرفة‪ ،‬كانت أصواتهم‬
‫بعيدة جدًا‪ ،‬لم أستطع سماعها وكأنها ذكريات صعب تذكرها‪ ،‬لم أشعر بهم‪ ،‬أو بمن ذهب ومن‬
‫حضر‪ ،‬كانت عيناي معلقتين في السقف دون حركة واحدة‪ ،‬شعرت حينها وكأن حبهم نزع من قلبي‪،‬‬
‫حب الجميع‪ ،‬لم أعد أشعر برغبة في قضاء الوقت مع حبيبي‪ ،‬ألنه اختفى بعد أن َع ِلم بما أصابني‪،‬‬
‫تركني أواجه قدري بمفردي‪ .‬بعد أيام‪ ،‬خرجت من المستشفى وبحوزتي كثير من األدوية‪ ،‬علمت بعد‬
‫فترة أن أحد أعراض المرض هو “عدم القدرة على الشعور بالحب” كم بغضت حياتي عندما علمت‬
‫بذلك‪ ،‬بغضت يوم ذهابي إلى المستشفى‪ ،‬بغضت كل شيء‪ ،‬وغادرت بعدها بمدة إلى نيويورك”‪.‬‬
‫انتهت من سرد قصتها‪ ،‬وشعرت أن كل ما واجهها تلك الليلة يعود من جديد‪ ،‬واإلرهاق والخمول بدأا‬
‫يتحدان ويستوليان على جسدها‪ ،‬وكانت نائمة في غضون نصف ساعة‪ ،‬بينما لم يقل شريكها كلمة‬
‫كثير عن المرض وبدأ يسأل نفسه‪ :‬هل هذا‬ ‫واحدة‪ ،‬وال زالت حروفها تتردد في رأسه‪ .‬لم يكن يعرف ًا‬
‫سبب عزلتها وشخصيتها الحادة أحيانًا؟ ولكن ليون؟ أال تحبه؟ وإذا لم تكن تحبه فلماذا ال تزال معه؟‬
‫هل يعلم سرها؟‬

‫مبكر لتناول اإلفطار مع ليون ولم يتحدث أٌّي منهما عن‬


‫ًا‬ ‫في صباح اليوم التالي‪ ،‬غادرت‬
‫الليلة الماضية‪ ..‬عادت إلى المنزل قبل موعد ذهابها إلى عملها بعشر دقائق‪ ،‬وكانت قد توقفت عن‬
‫تنفيذ خدعة ظرف الرسالة ألنه استطاع كسب ثقتها‪ .‬ظهرت مالمح الضجر على وجه هاري عندما‬
‫رآها تنزل الساللم ذاهبة إلى عملها!‬

‫“ستذهبين إلى العمل!” قال لها والملل يطغى على صوته!‬

‫“سأتحدث معك أوًال!”‪ .‬أجابته وجلست بجانبه على األريكة‪ .‬أدار جسده بالكامل لها‪ ،‬يستمع‬
‫إليها بإصغاء‪.‬‬

‫“أنت جائع‪ ،‬صحيح!”‪.‬‬


‫“أجل”‪.‬‬

‫“ما رأيك إذًا أن نذهب معًا‪ ،‬أنا أعمل في المطعم وأنت تأكل هناك‪ ،‬وبعد ذلك بإمكانك أن‬
‫تذهب لتتسكع أو تعود إلى المنزل!”‪.‬‬

‫مفكر ثم قال‪“ :‬هذا جيد”‪.‬‬


‫ًا‬ ‫عقد حاجبيه‬

‫*****‬
‫مطعم (ذا سميث)‬

‫تقف اآلن خلف الكاونتر تنتظر قدوم الزبون التالي‪ ،‬وتحدق إلى هاري الذي يجلس إلى‬
‫طاولة قريبة ينتظر أن يصل طعامه‪ .‬ينظر إليها ويبتسم لها مواسيًا‪ ،‬كأنه يشعر بالملل والضجر‬
‫اللذين تشعر بهما‪.‬‬

‫دخلت صديقتها إزابيال المطعم وحّيتها‪ ،‬ولم تعتذر عن غلطتها الليلة الماضية‪ .‬بدأت تحدق‬
‫إلى الجالسين حولها حتى وقعت عيناها على هاري الذي كان يتناول المعكرونة الموجودة أمامه‬
‫بإحدى يديه‪ ،‬وبيده األخرى يعبث بهاتفه‪ .‬تركت إزابيال صديقتها‪ ،‬وذهبت لتبادل أطراف الحديث مع‬
‫هاري‪ .‬لم تشعر فيوليت بالراحة ألنها تعرف صديقتها وتكاد تجزم بالذي تريده منه‪ .‬بعد دقائق‪،‬‬
‫وصلتها رسالة على هاتفها “كيف تتركينه يجلس بمفرده؟”‪ .‬كانت من إزابيال‪ .‬ألقت عليها فيوليت‬
‫نظرة خاطفة‪ ،‬وكانت بالفعل تحملق إلى شاشة هاتفها‪.‬‬

‫“هل أترك عملي وأجلس معه إذًا!”‪.‬‬

‫“حديثه ممتع جدًا”‪.‬‬

‫“أعلم ذلك”‪ .‬ثم عادت وأرسلت بعد قليل‪:‬‬

‫“ال أفهم لماذا اختفى النادل من مطعمكم فجأة!!”‪.‬‬

‫“ألنه وبكل بساطة قرر أن يترك الوظيفة‪ ،‬ولم يقبل أحد العمل هنا بسبب قوانين المدير”‪.‬‬

‫أرسلت إزابيال بعد ثواٍن ‪“ :‬انظري خلفك”‪.‬‬


‫أدارت فيوليت رأسها إلى الخلف فرأت المدير يقف خلفها‪ ،‬والغضب باٍد في عينيه‪ .‬وضعت‬
‫هاتفها داخل جيبها بهدوء تنتظر القادم‪.‬‬

‫“فيوليت روبرت إلى مكتبي حاًال‪ ،‬فليجلس أحدكم خلف الكاونتر” صرخ وتطوعت إحدى‬
‫العامالت لتقف خلف الكاونتر خائفة‪.‬‬

‫نعم لقد كان يكره أن يعبث موظفوه بهواتفهم وقت العمل‪ ،‬ولكن لم يكن هناك أي زبون‬
‫ينتظر فيوليت‪ ،‬ولم تَر المدير لذلك ظنت أنه لم يحضر اليوم‪ .‬ولكن كيف فاتها أنه حضر حتى‬
‫عندما أنجبت امرأته وكان من المفترض أن يبقى معها في المستشفى‪.‬‬

‫دخلت خلفه مكتبه الصغير الموجود في نهاية المطعم‪.‬‬

‫“ماذا تريدينني أن أفعل آنسة فيوليت؟” سألها‪.‬‬

‫“اقتل نفسك” قالت في ِس ّرها ولم تتحدث في الواقع‪.‬‬

‫“أجيبيني!” صرخ‪ ،‬وهو يعلم أنها أعند من أن تجيبه‪.‬‬

‫“‪ ”...‬أراد أن يتحدث ولكن طرقات على الباب أوقفته‪.‬‬

‫“تفضل” دخل هاري ‪ -‬صدقوا أو ال تصدقوا ‪ -‬ولكنها شعرت بأنه سينقذها من دون أن‬
‫تملك أدنى فكرة عما يمكن أن يفعله‪.‬‬

‫“أعذرني سيدي” قال هاري‪ .‬وكان صوته ثابتًا‪ ،‬إنها المرة األولى التي تراه فيها جديًا تمامًا‪.‬‬

‫أراد المدير أن يتكلم ولكن هاري بدأ كالمه‪“ :‬هل تصرخ عليها ألنها عبثت بهاتفها قليًال؟ إذا‬
‫كثير ولم تجبني‪ ،‬ألنها لم‬
‫ًا‬ ‫كان األمر هكذا فأنت ال يحق لك ذلك‪ .‬أنا شريك سكنها وكنت أراسلها‬
‫أخير أجابتني‪ .‬كنت أسألها عن مفتاح المنزل!”‪.‬‬
‫تكن تريد مخالفة قوانينك‪ .‬و ًا‬

‫أحست بالفخر‪ ،‬لقد لفق كذبة جيدة في دقيقة واحدة فقط‪.‬‬

‫صمت المدير لبرهة وعندما أراد أن يتحدث قاطعه هاري قبل أن يبدأ مرة أخرى بقوله “ال‬
‫أرى أن األمر يستحق هذا الصراخ‪ ،‬صدقني!”‪.‬‬
‫“هل ستجعلني أتحدث أم ال!” قال المدير بصوت مرتفع‪ ،‬لقد أثار هاري غضبه‪.‬‬

‫“بالطبع‪ ،‬أنا أسمعك”‪ ،‬تحدث هاري وابتسامة تهكمية تعلو وجهه‪.‬‬

‫“إنها ليست المرة األولى”‪ .‬قال المدير محاوًال تجاهل ابتسامة هاري الساخرة‪.‬‬

‫“ما الذي ستفعله اآلن!”‪ .‬أصبح هاري يريد إنهاء النقاش سريعًا‪.‬‬

‫“ستصبح نادلة المطعم!” اقترح المدير بعد تفكير‪ .‬إنه ليس اقتراحًا بل هو أمر‪ .‬صمت‬
‫هاري برهة ثم نظر إلى فيوليت وسألها‪“ :‬ما رأيك؟”‪.‬‬

‫لم تكن وظيفة النادلة تناسبها فهي تتطلب الكثير من الحركة ومزاجًا جيدًا‪ ،‬بينما هي تعاني‬
‫من الخمول معظم الوقت والصداع يداهمها في بعض األوقات لكي يفسد مزاجها‪ .‬فأجابته “ال”‪،‬‬
‫وكانت تعلم أن رّد المدير سيكون “أنت مطرودة”‪ .‬قررت عندها أن هذا العمل لم يعد يناسبها لذلك‬
‫صرخت‪“ :‬أتعلم ماذا! أنا أستقيل”‪.‬‬

‫اعتلت الصدمة وجه هاري والمدير‪ ،‬ولكن سرعان ما تبّد ل رد فعل هاري إلى الفخر وقال‪:‬‬
‫“واآلن أعذرني سآخذها إلى المنزل‪ ،‬وأقترح أن تبدأ بالبحث عن الموظفين‪ ،‬فقد أصبح لديك وظيفتان‬
‫شاغرتان”‪.‬‬

‫خرجا من المكتب وكانت إزابيال قد غادرت بالفعل‪ ،‬ألنها وللمرة المليون تلقي بفيوليت في‬
‫الجحيم وتغادر‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫وظيفة جديدة‬
‫‪ ‬‬

‫“إذًا ما هي األعمال التي يمكن أن تقومي بها؟” سألها هاري وهو يَش غل محرك السيارة‪.‬‬

‫“أي عمل يكون في أيام محدودة في األسبوع‪ ،‬وبدوام جزئي!”‪.‬‬

‫همهم وقال “كما توقعت‪ ،‬لدّي مكان مناسب لك‪ ،‬ربما نعمل فيه معًا؟”‪.‬‬

‫“أبهرني إذًا”‪.‬‬

‫سارت السيارة وقد واجها بعض الصعوبة في الوصول إلى النقطة المعينة‪ ،‬خاصة مع‬
‫الزحمة المرورية ولكنهما كان يقفان اآلن أمام مبنى زجاجي طويل‪.‬‬

‫“هاري؟ أين نحن!”‪.‬‬

‫“فقط ثقي بي!” قال وخرج من السيارة وأغلق الباب خلفه‪ .‬وبقلة حيلة تركت السيارة هي‬
‫األخرى‪ ،‬ولحقت به بخطوات مترددة‪.‬‬

‫وقف هاري أمام الكاونتر الكبير الموجود في القاعة التي تستقبل زوار الشركة‪ .‬كان ثالثة‬
‫موظفين يقفون خلف الكاونتر‪ ،‬فتاة وشابان‪.‬‬

‫“عذر‪ ،‬هل السيد والتر هنا؟” سأل هاري الشاب الواقف أمامه‪.‬‬
‫ًا‬

‫“نعم‪ ،‬هل لديك موعد؟” أجابه الشاب‪.‬‬

‫“ال‪ ،‬ولكنني أرغب بمقابلته ألمر مهم”‪.‬‬


‫“جدول مواعيده مزدحم اآلن‪ ،‬بإمكانك أخذ موعد معه في األيام القادمة!” اقترح الشاب‪.‬‬

‫“أخبره أن هاري دينيس عاد ويريد مقابلته”‪.‬‬

‫“عاد؟” تساءلت فيوليت‪“ .‬ما الذي يحدث هنا” قالت في نفسها‪.‬‬

‫أما الفتاة الوحيدة خلف الكاونتر فتركت ما كانت منشغلة به‪ ،‬ورفعت بصرها فور سماعها‬
‫جملة هاري الذي بدوره التفت إليها وألقى عليها ابتسامة لطيفة “آنسة كاثرين‪ ،‬تسرني رؤيتك مرة‬
‫أخرى”‪.‬‬

‫بادلته االبتسامة وبريق المفاجأة يلمع في عينيها “تسرني رؤيتك أيضًا”‪.‬‬

‫وفهمت فيوليت جزءًا من األمر‪ :‬إنهم يعرفون هاري‪.‬‬

‫رفع الشاب الواقف خلف الكاونتر السماعة ليتصل بسكرتيرة السيد والتر! “بإمكانك مقابلته”‬
‫قال الشاب بعد حوالى دقيقة‪.‬‬

‫ابتسم هاري لفيوليت بينما تقدمتهما الموظفة إلى المصعد‪.‬‬

‫“إنهم يعرفونك هنا”‪ .‬قالت فيوليت لهاري بينما كان المصعد ال يزال يتحرك إلى األعلى‪.‬‬

‫“أوه‪ ،‬نعم‪ .‬لقد كنت هنا قبل مدة طويلة” توقف المصعد ليسي ار في ممر طويل‪.‬‬

‫“السيد والتر ينتظركما” قالت السكرتيرة‪ ،‬وفتحت لهما بابًا طويًال دخال منه إلى غرفة فسيحة‬
‫ومكتب كبير يتمركز في الوسط أمام الجدار الزجاجي الكبير الذي يطل على مباني الشارع الشاهقة‪.‬‬

‫حركت رأسها لتبحث عن هاري فوجدته يعانق شخصًا ما‪ ،‬وكان يبدو أقصر من هاري‪،‬‬
‫فهمست لنفسها “ال يمكن أن يكون هذا السيد والتر!” ألنه ال يبدو كما توقعته! ظنت أنه ال يعرف‬
‫كيف يضحك‪ ،‬وأنه صارم لدرجة ال تطاق ولكنه يعانق هاري وكأنه أخوه الصغير‪ ،‬وصوته المرح‬
‫يصدح في المكان وهو يقول لهاري “لقد مضى وقت طويل جدًا منذ آخر مرة رأيتك” ابتعد عنه‬
‫قليًال‪ ،‬ثم نظر إلى شعر هاري وأمسكه “أين اختفى الشعر الطويل؟”‪.‬‬
‫“لقد تخليت عنه قبل مدة طويلة‪ ،‬هكذا أفضل”‪ .‬قال هاري وهو يبعثر شعره أمام وجه السيد‬
‫والتر‪ ،‬ضحك هاري وشاركه اآلخر لسبب تجهله‪ ،‬و ًا‬
‫أخير تذك ار وجودها‪.‬‬

‫“مرحبًا” عيناه الزرقاوان تتفحصها بدقة‪.‬‬

‫“هذه صديقتي فيوليت”‪ ،‬قال هاري‪.‬‬

‫“سررت بمقابلتك فيوليت”‪.‬‬

‫“وأنا أيضًا”‪.‬‬

‫*****‬

‫بعد حوار دام مدة طويلة‪ ،‬لم يكن فيه سوى قليل من الجدية‪ ،‬ألن هاري والسيد والتر‪ ،‬الذي‬
‫اتضح أن اسمه األول هو زاك‪ ،‬لم يكونا قد تقابال منذ مدة‪ ،‬وهما صديقا طفولة‪ ،‬لذلك أصبح لقاؤهما‬
‫هذا مليئًا بالجنون والضحك‪ .‬كان الثالثة يجلسون على وسادات مربعة الشكل على األرضية‪،‬‬
‫ويتحدثون في كل ما يخطر على بالهم‪ .‬ألغى زاك جميع اجتماعاته ومواعيده لليوم‪ ،‬وقرر تمضيته‬
‫مع صديقه القديم وشريكة سكنه‪ ،‬بعد أن طلب منهما إحضار السيرة الشخصية لكل منهما‪ ،‬وهو‬
‫سيتكفل باختيار وظيفتين مناسبتين لهما‪.‬‬

‫كانت فيوليت سعيدة جدًا ألن رب عملها الجديد كان أكثر رب عمل رائع قابلته في حياتها‪،‬‬
‫وألنها لم تكن قد حظيت بجلسة ممتعة مثل هذه منذ مدة‪ ،‬ولكن يد هاري على ذراعها أعادتها إلى‬
‫الواقع‪.‬‬

‫“لي‪ ،‬سنذهب إلى حانة يقول زاك إن تمضية الوقت فيها ممتع جدًا‪ .‬هل تريدين مرافقتنا؟”‪.‬‬

‫“سأتحدث مع ليون أوًال”‪ .‬أخرجت هاتفها واتصلت به‪ ،‬مرة‪ ،‬مرتين‪ ،‬وهذه الثالثة‪ .‬ولكن ما‬
‫من إجابة‪.‬‬

‫كثير واعتبرت عدم رده‬


‫لم تكن المرة األولى التي ال يرد فيها على اتصاالتها‪ ،‬لذلك لم تهتم ًا‬
‫موافقة‪.‬‬

‫“أنا معكما” قالت‪.‬‬


‫“إذن اذهبا إلى منزلكما اآلن‪ ،‬وسأكون بعد ساعتين أمام باب المنزل‪ ،‬هاري ال تنَس أن‬
‫ترسل لي موقع المنزل” قال زاك‪.‬‬

‫أخذه هاري في حضن سريع مودعًا إياه مؤقتًا‪ ،‬وصافحته فيوليت بدورها قبل أن يغاد ار‬
‫المكتب‪.‬‬

‫*****‬

‫“لي” صرخ هاري من غرفة الجلوس‪.‬‬

‫“حاًال” صرخت هي األخرى ونزلت من الساللم‪.‬‬

‫“لي” تمتم هاري فور وصولها غرفة الجلوس‪ .‬لقد كانت تبدو مذهلة بحلتها السوداء وشعرها‬
‫الطويل المنسدل على كتفيها وعينيها اللتين يزينهما الكحل األسود ليبرز لونهما الرائع‪.‬‬

‫“لقد أخبرتك أنني أحب عينيك؟ ولكنني أحبهما أكثر عندما تكونان محاطتين بهذا الكحل‬
‫األسود” همس بعد مدة من التحديق‪.‬‬

‫شكرته وتحركا إلى الخارج‪.‬‬

‫“كدت أترككما وأذهب!” تذمر زاك فور خروجهما من المنزل‪ .‬كان يقف خارج سيارته‬
‫الرياضية البيضاء‪ ،‬يتكئ على طرف الباب‪ ،‬والملل يغزو وجهه‪ .‬جلس هاري بجانب زاك بينما‬
‫جلست فيوليت في المقعد الخلفي‪ .‬صدح صوت الموسيقى في السيارة التي انطلقت مسرعة‪.‬‬

‫“لنحَظ ببعض المرح إذًا” مرت تلك الليلة بالنسبة إليهم بين صخب الموسيقى واألضواء‪،‬‬
‫وكانت نهايتها بفيوليت نائمة على كتف هاري على مقعد سيارة أجرة ألن زاك اختفى ولم يستطع‬
‫هاري إيجاده‪.‬‬

‫أخير‪ ،‬لم يتجول بها كما‬


‫ًا‬ ‫لم يكن هاري قد زار نيويورك منذ مدة طويلة‪ ،‬ولكنه عندما فعل‬
‫يفترض‪ ،‬فقد فّض ل البقاء مع فيوليت في المنزل يراقبها وهي تحتسي قهوتها‪ ،‬وتذهب إلى العمل‪،‬‬
‫نادر‪ ،‬أو حتى تنعزل داخل غرفتها دون أي صوت‪.‬‬
‫وتجلس مع ليون‪ ،‬تثرثر معه ًا‬
‫ساعدها على دخول المنزل‪ ،‬وأغلق الباب خلفه بقدمه‪ ،‬ويا للمفاجأة‪ ،‬كان ليون يجلس على‬
‫األريكة‪.‬‬

‫تساءل هاري‪ :‬عزيزتي فيوليت هل أعطيت مدير المقهى أيضًا نسخة من مفتاح المنزل؟‬

‫انفتحت عينا ليون على وسعهما!‬

‫“هل هي ثملة!” سأل ليون هاري‪.‬‬

‫“ونائمة” أجابه هاري‪ .‬أخذها ليون وأوصلها إلى سريرها وعاد من األعلى‪.‬‬

‫“ما الذي كنتما تفعالنه؟”‪.‬‬

‫“حّدْد ما الذي تقصده”‪.‬‬

‫صرخ به‪“ :‬تعود بها ثملة إلى المنزل وتساعدها على المشي!” بدأ هاري يحاول تجاهل فكرة‬
‫عكر‪.‬‬
‫أن يتشاجر معه ألن النعاس كان يجعل مزاجه ًا‬

‫“لقد اتصلْت بك قبل أن نذهب‪ ،‬ولكنك لم تجب على اتصاالتها‪ ،‬لذلك ذهبت معنا‪ ،‬وعندما‬
‫َثملت أعدتها إلى المنزل! ما الخطأ إذًا؟” وقبل أن ينتظر إجابته أضاف‪“ :‬سأذهب ألنام!”‪.‬‬

‫*****‬
‫الشارع الواحد والخمسون‪ ،‬الساعة ‪ 2:11:‬ظهرًا‬

‫متأخر وعندما دخل غرفة المعيشة وجد فيوليت جالسة في المطبخ!‬


‫ًا‬ ‫استيقظ هاري‬

‫”صباح الخير هاري‪ ،‬هل بإمكانك القدوم إلى هنا! أريد التحدث إليك” قالت مباشرة‪ ،‬فما كان‬
‫متوتر من دون سبب واضح‪.‬‬
‫ًا‬ ‫منه إال أن بدا‬

‫“لقد خرج ليون للتو‪ .‬تحدثت معه بشأن العمل في الشركة‪ ،‬ولكنه لم يوافق”‪ .‬قالت فيوليت‬
‫عندما جلس بجانبها‪.‬‬

‫أضافت‪“ :‬إنني أرغب حقًا بتجربة أمور جديدة‪ ،‬لذلك سأحاول إقناعه”‪.‬‬
‫سأل هاري نفسه‪“ :‬هل حقًا لن يوافق بسبب ما حدث البارحة!”‪ .‬وقبل أن يطول حديثهما‬
‫أكثر رن هاتف هاري وكان زاك المتصل‪.‬‬

‫“مرحبًا!” أجاب على الهاتف‪.‬‬

‫“أحتاج قدومكما اآلن إلى الشركة! “قال زاك من الجانب اآلخر على الهاتف‪.‬‬

‫“هل األمر مهم!”‪.‬‬

‫كثير‪ ،‬حقًا أرجو رؤيتك بعد دقائق” وأنهى المكالمة‪.‬‬


‫“ال تتحدث ًا‬

‫لم يعطه الفرصة حتى ليتحدث! هؤالء هم األصدقاء‪.‬‬

‫“لي‪ ،‬سنذهب إلى الشركة‪ ،‬أخبرني زاك أنه يريدنا حاًال”‪.‬‬

‫*****‬

‫“لقد تأخرنا!” أخبرها ألنها كانت تقف أمام مرآة معلقة على حائط غرفة المعيشة‪ ،‬ترفع‬
‫شعرها تارة‪ ،‬ثم تسدله على كتفيها تارة أخرى‪ ،‬ثم تعود وتكوره فوق رأسها‪ ،‬ثم تسدله مرة أخرى‪.‬‬

‫فّك ر في نفسه أنه ال ضرر في مساعدة صغيرة‪ ،‬فوقف خلفها وأبعد يدها التي كانت تمسك‬
‫خصل شعرها الذي كانت رائحة الورد تنبعث منه‪ ،‬وبعثر شعرها على كتفيها‪ ،‬وأصلحه من المقدمة‬
‫قليًال‪.‬‬

‫“إنه جيد اآلن”‪.‬‬

‫كثير وخرجا من المنزل‪.‬‬


‫وبالرغم من أنها لم تكن راضية تمامًا إال أنها لم تناقشه ًا‬

‫“ال بد أن أتصل بليون وأخبره” قالت بينما كانا في طريقهما إلى الشركة‪ ،‬وبعد دقائق كانت‬
‫تتحدث مع ليون عبر الهاتف بينما انشغل هو بتذكر الطريق الصحيح‪.‬‬

‫“أخبرني أنه سيقابلنا هناك”‪.‬‬

‫“هل يعرف الشركة؟”‪.‬‬


‫“لقد تحدثنا عنها قبل أن يغادر المنزل اليوم‪ ،‬وأخبرني أنها قريبة من مقر عمله‪ ،‬لذلك ربما‬
‫يصل إلى هناك قبلنا”‪.‬‬

‫وبالفعل قابال ليون فور دخولهما وصعدوا مباشرًة إلى مكتب المدير‪...‬‬

‫“لقد تأخرتما” قال زاك‪ ،‬بينما كانوا ثالثتهم يدخلون عبر الباب‪.‬‬

‫بعد أن رحب بهم بدأ يتحدث قائًال‪“ :‬حسنًا‪ ،‬فيوليت وهاري‪ ،‬أال تريدان معرفة سبب مقابلة‬
‫اليوم؟ لقد وجدت لكما وظيفتين مناسبتين‪ ،‬وبإمكانكما البدء بالعمل منذ الغد‪ ،‬فيوليت ستكونين في‬
‫قسم المحاسبة‪ ،‬هاري ستكون مساعدي الخاص ألنني في الحقيقة لم أجد لك عمًال مناسبًا” أكمل‬
‫زاك‪ .‬بالرغم من اإلهانة الصغيرة التي وِّج َه ت لهاري‪ ،‬إال أنه أومأ بابتسامة‪ ،‬كما فعلت فيوليت‪.‬‬

‫كان هناك شخص سعيد جدًا بسبب عدم وجود الشريكين في قسم واحد‪ .‬كادت ابتسامة ليون‬
‫أن تلمس عينيه وكانت أسنانه ظاهرة تمامًا‪ ،‬فلم يكن الشخص عينه الذي كان يرفض منذ ساعات‬
‫فكرة عمل فيوليت‪.‬‬

‫رفع زاك سماعة أحد الهواتف الموجودة بجانبه وطلب موظفًا “سيجول بكما أحد الموظفين‬
‫في أرجاء الشركة”‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫شرارة البداية‬
‫‪ ‬‬

‫الثاني عشر من ديسمبر‪ ، 2013،‬شتاء‬

‫مؤخر شديد‬
‫ًا‬ ‫مضت أيام عدة منذ مباشرتهما العمل في الشركة مع زاك‪ .‬أصبح ليون‬
‫االلتصاق بفيوليت‪ .‬في الحقيقة‪ ،‬لم تكن تحظى بالجلوس مع هاري إال لساعات قليلة من اليوم في‬
‫المنزل حين كان يأخذها ليون معه للخارج أو عندما تقابله في ممرات الشركة‪ ،‬ولكن بالرغم من ذلك‬
‫كانت عالقتها به ال تزال جيدة وكان يحرص دائمًا على أن يتحدث معها ويقضي معها بعض‬
‫الوقت‪.‬‬

‫لم تحبذ فكرة أنها تفتقده بالرغم من أنها تراه يوميًا‪ ،‬ولكنها تفتقد أبسط األشياء وهي الجلوس‬
‫والتحدث والضحك معه‪ .‬هي لم تفتقد ليون منذ أن عرفته‪ ،‬ولكنها أقنعت نفسها أنها لم تفعل ألنه‬
‫كان دائمًا إلى جانبها‪.‬‬

‫كانت تجلس إلى المكتب الصغير الذي يوجد في غرفة متوسطة الحجم‪ .‬بعد أن انتهت من‬
‫تفحص أوراق المحاسبة والتأكد من أن كل شيء في موضعه الصحيح‪ ،‬حّلق خيالها بعيدًا خلف‬
‫زجاج النافذة التي تطل على مباني الشركات الضخمة الموجودة على طول الشارع‪ ،‬لقد بدأ الثلج‬
‫يكسو سطوح المباني وأرصفة الشوارع‪.‬‬

‫“لي!” سمعت صوت هاري يهمس من خلفها‪.‬‬

‫تساءلت‪“ :‬كيف استطاع الدخول دون أن أشعر به؟”‪.‬‬


‫“لقد طرقت الباب ولم تجيبي‪ ،‬لذلك دخلت‪ ،‬آسف إن أخفتك” قال‪ ،‬بينما اتجهت يده إلى‬
‫نهاية رأسه وابتسم ابتسامته الدافئة المعتادة‪ .‬ومرة أخرى يجيب عن األسئلة التي في رأسها دون أن‬
‫تطرحها‪.‬‬

‫“ال بأس” تمتمت‪ ،‬وابتسمت له بالمقابل‪.‬‬

‫“لقد أحضرت لك شيئًا ما” قال ووضع على طاولة المكتب كوبًا مغطى ووردة‪.‬‬

‫أضاف‪“ :‬لقد أحضرت لك قهوة من المقهى القريب‪ .‬لم أرِك تطلبين القهوة ًا‬
‫كثير كالعادة لذلك‬
‫قررت أن أحضرها لك‪ ،‬ومررت بطريقي ببائع ورود لتلطيف الجو‪ .‬لقد أخبرني زاك أنك تقومين‬
‫بكثير من المهمات”‪.‬‬

‫وبالفعل كان البخار المتصاعد من الفتحة الصغيرة الموجودة أعلى الكوب قد بدأ ينقل إليهما‬
‫رائحة القهوة‪.‬‬

‫مؤخر‪ .‬كيف كان يومك؟”‬


‫ًا‬ ‫“شكر هاري‪ ..‬اجلس أريد التحدث إليك‪ ،‬لم أحَظ بوقت معك‬
‫ًا‬
‫سألته‪.‬‬

‫“على ما يرام” قال مع ضحكة صغيرة‪ .‬واستمر حوارهما لدقائق عدة‪ ،‬ثم نظر سريعًا إلى‬
‫مغادر‪.‬‬
‫ًا‬ ‫ساعته وقال‪“ :‬يجب أن أذهب اآلن‪ ،‬زاك لديه اجتماع بعد دقائق” ووقف‬

‫“انتظر” قالت قبل أن يخرج‪ ،‬وقد شعرت أنه ال بد أن تشكره مرة أخرى‬

‫“شكر مرة أخرى‪ ،‬أنت دائمًا تخالف توقعاتي بشكل جيد‪ ،‬ولست نادمة على توقيع عقد‬
‫ًا‬
‫الشراكة ذلك اليوم ألنني حصلت على أفضل صديق”‪ .‬وقبل أن تتحرك بعيدًا‪ ،‬وفي غضون ثانية‬
‫عانقها بشدة‪.‬‬

‫“ما الذي يحدث هنا؟” صرخ شخص ما‪ .‬ابتعدت عنه لترى ليون يقف عند الباب المفتوح‬
‫على مصراعيه‪.‬‬

‫“هل هذا ما تفعلينه عندما ال أكون معك؟” صرخ ليون وهو يقترب منهما بينما تراجعت هي‬
‫خطوة إلى الخلف أما هاري فظل مكانه‪ .‬رصدت عينا ليون الوردة التي على الطاولة فصاح‪“ :‬ورود‬
‫أيضًا!” وألقى بالوردة أرضًا‪ .‬فما كان من فيوليت إال أن انحنت والتقطتها‪ ،‬ورفعت رأسها لترى يد‬
‫ليون متجهه صوبها‪ - .‬يبدو أنه فقد تحكمه بأعصابه‪ - ‬ولكن يد هاري أوقفتها‪.‬‬

‫“ال تتجرأ” تحدث األخير من بين أسنانه‪.‬‬

‫“ابتعد قبل أن أحطم جمجمتك على هذا الحائط” صرخ ليون على هاري الذي لم يتحرك من‬
‫مكانه بل فتح ذراعيه وقال‪“ :‬افعلها”‪.‬‬

‫تنفس ليون بعمق وأمسك بمعصمها وسحبها خلفه باتجاه الساللم‪ ،‬وكانت يدها تؤلمها من‬
‫شدة قبضته‪ .‬خرجا من الشركة ووقفا أمام سيارة ليون‪ ،‬فتح بابها وقال لها بغضب‪“ :‬فيوليت‬
‫اصعدي”‪.‬‬

‫أخير‪ ،‬وصل هاري إال أنها أسرعت بدخول السيارة وأغلقت الباب خلفها‪ ،‬ألن تأخرها قد‬
‫ًا‬
‫يعني تأخر ليون وهذا ما قد يؤدي إلى عراك بينه وبين هاري‪ .‬وما إن دخلت السيارة حتى انطلق‬
‫ليون مسرعًا‪.‬‬

‫نظرت إلى هاري الذي كان يقف في مواقف السيارات وقبضتاه مشدودتان وهو ينظر إليها‪،‬‬
‫ثم ما لبث أن استدار وابتعد‪.‬‬

‫أرخت رأسها على مقعد السيارة وتنفست بعمق‪ .‬رفع ليون درجة صوت الراديو بينما أغمضت‬
‫عينيها‪.‬‬

‫سألت نفسها‪“ :‬لماذا بدأت حياتي الهادئة تزداد ضجة اآلن؟”‪ .‬ثم شعرت بالسيارة تتوقف‬
‫ففتحت عينيها بوهن‪ ،‬ووجدت أنهما أمام حديقة صغيرة‪ ..‬ترجلت وليون من السيارة الذي سار بعيدًا‬
‫عنها فتبعته‪ ،‬وعندما جلس على أحد الكراسي جلست إلى جانبه‪.‬‬

‫“لماذا فعلِت هذا!؟”‪.‬‬

‫“فعلت ماذا!” بدأ يزعجها ألنه يردد السؤال نفسه‪ ،‬وكأنها قتلت عائلته‪“ .‬فيوليت ال تتظاهري‬
‫بالغباء” تحدث بصوت قريب من الصراخ والغضب يكاد يسيطر عليه‪.‬‬
‫“ال يوجد شيء يدعو للغضب‪ .‬أنا أعرف ما الذي تخبرك به شياطينك‪ ،‬ولكن من األفضل‬
‫أن ال تصغي إليها”‪.‬‬

‫“أنِت ملكي”‪.‬‬

‫“أنت أكثر من يعلم أنني لن أستطيع أن أحب شخصًا ما‪ ،‬لقد كان األمر بريئًا‪ ،‬ليون‪ .‬حاول‬
‫استيعاب هذا‪ ،‬وال تعِط األمور أكبر من حجمها”‪.‬‬

‫”أنا أعلم”‪.‬‬

‫“خذني إلى المنزل! لقد انتهى عملي اليوم”‪.‬‬

‫“سنذهب معًا”‪.‬‬

‫*****‬

‫إنها الثامنة مساًء ‪ ،‬فيوليت وليون يجلسان في منزلها يشاهدان فيلمًا‪ .‬لم تباِل باسمه أو قصته‬
‫ألنها لم تكن تحب مشاهدة األفالم‪ ،‬وألن هاري لم يعد إلى المنزل مع أن عمله انتهى منذ ساعتين‪،‬‬
‫وقف ليون فجأة عندما ظهر هاري عند مدخل الشقة‪.‬‬

‫“اخرج” قال ليون وهو يقترب من هاري‪.‬‬

‫“اخرج من هنا‪ ،‬لن تبقى في هذا المنزل بعد اآلن!” صرخ ليون‪.‬‬

‫“ليون!” حذرته فيوليت ولكن هاري أجابه بهدوء “اعذرني‪ ،‬أهو منزلك؟! سأذكرك إن كنت‬
‫نسيت إنه منزلي أيضًا! إن لم يعجبك األمر أنني أتشارك المنزل معها فيمكنك المغادرة”‪.‬‬

‫ألقى هاري نظرة خاطفة عليها‪ ،‬وصعد إلى األعلى واختفى في حجرته‪.‬‬

‫عاد ليون للجلوس ودمه يغلي من الغضب‪ ،‬أصدر هاتفه صوتًا يعلن عن وصول رسالة‪،‬‬
‫فالتقطه عن الطاولة وق أر الرسالة‪ ،‬ضغط على جسر أنفه بغضب ووقف وحمل معطفه‪.‬‬

‫“سأذهب‪ ،‬لدّي عمل مسَتعجل” ودعها وغادر أما هي فأغلقت التلفاز‪ ،‬وحملت األطعمة‬
‫الموجودة على الطاولة ووضعتها على كاونتر المطبخ‪ ،‬وصعدت إلى حجرتها ولكن قبل أن تغلق‬
‫بابها كانت تسمع صوت موسيقى! أو صوت غيتار باألحرى‪ .‬ولم تشعر بنفسها إال وهي تقف أمام‬
‫باب حجرة هاري‪.‬‬

‫مستمر‪ ،‬ففتحت الباب بهدوء ورأته‬


‫ًا‬ ‫طرقت الباب مرة واثنتين ولكنها لم تلَق ردًا‪ ،‬وكان العزف‬
‫يجلس هناك يعزف على األوتار وينظر إلى الالشيء اقتربت منه وهمست‪“ :‬هاري”‪ .‬توقف عن‬
‫مداعبة األوتار ونظر إليها فقالت‪“ :‬لقد طرقت الباب‪ ،‬ولكنك لم تجب لذلك دخلت” أيمكنني التحدث‬
‫إليك؟”‪.‬‬

‫تحرك قليًال تاركًا لها مكانًا للجلوس إلى جانبه‪ ،‬فهمهمت قليًال قبل أن تسأله‪“ :‬هل أنت‬
‫غاضب مما حصل اليوم؟”‪.‬‬

‫“أتقصدين أنني غاضب منك؟ ال لست غاضبًا”‪.‬‬

‫وانتهت تلك الليلة الغريبة بسؤالها‪“ :‬هل تريدين أن أغني لك شيئًا ما؟” فوافقت‪ .‬بدأ يعزف‬
‫مجددًا على األوتار وغنى أول أغنية خطرت على باله‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫الحقيقة والواقع‬
‫‪ ‬‬

‫بينما كانت فيوليت تعد اإلفطار في المطبخ‪ ،‬دخل هاري وبيده جهازه المحمول‪“ .‬صباح‬
‫الخير” قال وابتسامة مشعة تنير وجهه‪.‬‬

‫“صباح الخير” بادلته االبتسام‪.‬‬

‫“إنه صباح آخر ممطر”‪.‬‬

‫“أجل”‪.‬‬

‫وضعت صحن البيض والتوست المحمص وبعض مربى التوت أمامه‪ ،‬وأخذت إبريق القهوة‬
‫ووضعته مع بقية الطعام على كاونتر المطبخ‪.‬‬

‫وضع هاري جهازه المحمول على الطاولة وسحب كرسيًا وجلس‪.‬‬

‫“كيف علمِت أنني جائع؟”‪.‬‬

‫“لقد خّم نت”‪ .‬قالت ذلك وهي تسمع صوت بطنه فأخفت ضحكتها‪.‬‬

‫كان يعبث على لوح األحرف في جهازه‪ ،‬وبدا لها أنه يبحث عن أمر ما‪.‬‬

‫أخير أغلق جهازه‬


‫ًا‬ ‫بعد أن أنهيا فطورهما أزعجها هدوؤه وكان ال يزال يعبث بلوح األحرف‪.‬‬
‫ونظر إليها وناداها بجدية‪“ :‬فيوليت”‪.‬‬

‫“همم!” همهمت وهي ترتشف من كوب القهوة‪.‬‬


‫“ستبدئين بحضور جلسات عالج في أحد المستشفيات القريبة!” اعتلتها الصدمة مما قاله‪،‬‬
‫فلم تستطع شرب القهوة‪ ،‬فأنزلت كوبها بهدوء إلى الطاولة‪ ،‬وقد اتسعت عيناها إلى أقصى حد‪.‬‬

‫لم يكن األمر بمثابة مفاجأة لها أنها لم تكن تعلم بوجود عالج‪ ،‬فهي في الحقيقة لم تفكر‬
‫بالعالج جديًا في السابق‪ ،‬كما أن أحدًا لم يعرض عليها الفكرة ويشجعها عليها‪.‬‬

‫لقد جربت األدوية لمرة واحدة قبل أن تهملها‪“ :‬اا‪ ...‬ول‪ ..‬ولكن” تمتمت وهي تحاول‬
‫استيعاب األمر‪.‬‬

‫في غضون ثانية كان هاري يجلس على ركبتيه أمامها ويضع يديه على ركبتيها ويضغط‬
‫بخفة‪.‬‬

‫“ال بأس‪ ،‬أعلم أنني تكلمت في الموضوع مباشرًة‪ ،‬ولكنني في الحقيقة بحثت أليام عدة على‬
‫اإلنترنت‪ ،‬حتى وجدت المعلومات الكافية‪ ،‬ولكن يجب علينا أن نجلس في مكان آخر”‪.‬‬

‫“غرفة المعيشة؟” اقترح فأومأت‪.‬‬

‫جلسا على األريكة بجانب النافذة وجهًا لوجه‪ ،‬وكانت آثار قطرات الماء ظاهرة بجالء على‬
‫النافذة‪.‬‬

‫“هناك طريقتان للعالج تختلفان باختالف الحالة‪ ،‬هنالك حاالت تتطلب العالج الجراحي‪،‬‬
‫وحاالت تحتاج العالج باألدوية فقط‪ ،‬ال ظن أنك تستطيعين إكمال حياتك من دون حب‪ .‬فرصة‬
‫العالج متاحة‪ ،‬فكري باألمر”‪.‬‬

‫لم تجبه بل جلست بصمت تفكر وتفكر ومرت دقائق‪ ،‬وفي النهاية قررت أن تحاول مجددًا‪.‬‬

‫فأحاطها بذراعيه وصرخ‪“ :‬أحسنِت ‪ ،‬هذا رائع”‪.‬‬

‫في تلك اللحظة‪ ،‬أدركت أن هاري من األشخاص الذين يمكن إسعادهم بسهولة‪ ،‬فما كان‬
‫منها إال أن ابتسمت‪.‬‬

‫*****‬
‫“هل أوصلك إلى المنزل أم أنك تودين الذهاب إلى مكان آخر!” سألها هاري وهما يخرجان‬
‫من الشركة بعد انتهاء دوام العمل ذلك اليوم‪ .‬وقبل أن تتمكن من إجابته رن هاتفها‪.‬‬

‫“مرحبًا”‪.‬‬

‫“مرحبًا فيوليت!” وصلها صوت ليون‪.‬‬

‫“هل بإمكانك القدوم إلى منزلي؟” سألها مباشرة‪“ .‬اهممم أعتقد ذلك‪ ،‬أراك بعد قليل”‪ .‬أجابته‬
‫وأنهت المكالمة‪.‬‬

‫“إذًا؟!”سألها هاري فور إدخالها هاتفها في الحقيبة‪.‬‬

‫“أوصلني إلى منزل ليون!” ما إن سمع ما قالته حتى تغيرت تعابير وجهه‪ ،‬ولكنه أومأ‬
‫بهدوء‪ ،‬وفتح لها باب السيارة‪.‬‬

‫“هل تعرفين عنوان المنزل؟” سألها وهو ينظر إلى الطريق أمامه‪.‬‬

‫“نعم” تمتمت له وبدأت بإعطائه االتجاهات‪.‬‬

‫أخير‪ ،‬توقفا أمام منزل ليون‪ ،‬ولكن هاري ضغط زر إغالق األبواب‪.‬‬
‫ًا‬

‫“هاري؟!” قالت بصوت مرتعب‪.‬‬

‫التفت إليها وأمسك بيدها‪.‬‬

‫“كوني بخير‪ ،‬واتصلي بي ألعيدك إلى المنزل‪ ،‬سوف أقضي الليلة في الخارج”‪ .‬همس‬
‫وطبع قبلة خفيفة على يدها‪ ،‬وتراجع‪ ،‬ثم ضغط على الزر ففتحت األبواب‪ ،‬فأسرعت بالنزول ووقفت‬
‫تراقب سيارته تبتعد بسرعة‪.‬‬

‫أطلقت تنهيدة طويلة‪ ،‬ودخلت المنزل الذي كانت تقف أمامه‪.‬‬

‫*****‬

‫العاشرة مساًء‬
‫كان مستلقيًا على العشب ويراقب النجوم التي تنضم إليها أضواء الطائرات بين الحين‬
‫واآلخر‪ .‬كانت فيوليت قد اتصلت به قبل نصف ساعة ليأتي ويقلها من منزل ليون‪ .‬ولكنه كان‬
‫عاجز جدًا عن القيادة‪ ،‬ويشعر بالكسل‪ ،‬وبدأ يتمنى أن يغمض عينيه وينام وسط هذه المنتزه‪.‬‬
‫ًا‬

‫كان قد تأخر فعًال عليها‪ ،‬لذلك قرر إبعاد الخمول والقيادة‪ ،‬وبعد دقائق وجد نفسه يشغل‬
‫محرك السيارة‪ ،‬ويقود مسرعًا قاصدًا منزل ليون القريب‪ .‬ولكنه ربط المكابح عندما رأى المنزل‬
‫مضيئًا! فقد كان اللهب يضيء جزءًا منه وسيارات اإلسعاف واإلطفاء تحيط بالمنزل! وسكان الحي‬
‫مجتمعون أيضًا‪.‬‬

‫*****‬

‫وقف خارج غرفة الطوارئ ينتظر األطباء ليخرجوا فيوليت‪ .‬أخبروه أنه أغمي عليها بسبب‬
‫استنشاق دخان الحريق‪ ،‬ولم يصبها أي مكروه آخر‪.‬‬

‫اطمأن لما أخبروه بذلك‪ ،‬ألنه لو أصابها مكروه لكان الم نفسه لتأخره عليها‪ .‬عندما خرج‬
‫أحد األطباء من غرفتها اندفع هاري نحوه وسأله‪“ :‬ما الذي حدث؟”‪.‬‬

‫“كل شيء بخير تحتاج إلى قليل من الراحة‪ ،‬تستطيع رؤيتها بعد دقائق”‪ .‬أخبره الطبيب‬
‫وسار مبتعدًا‪.‬‬

‫لديه دقائق قبل أن يراها ماذا يمكنه أن يفعل في غضونها؟ قرر الذهاب والبحث عن ليون‪.‬‬

‫نحن البشر ربما تعمي الضغينة بصيرتنا‪ ،‬ولكننا إخوة رغم كل شيء فعندما يتعلق األمر‬
‫بحياة شخص ما ال بد أن نضع كل الخالفات جانبًا‪.‬‬

‫“عذر‪ ،‬أردت االستعالم عن رجل نقل إلى هنا إثر حادثة الحريق األخيرة؟”‪ .‬قّلبت الممرضة‬
‫ًا‬
‫قليًال في األوراق أمامها‪ ،‬ثم رفعت رأسها ونظرت إليه قائلة‪“ :‬نعم يوجد رجل وفتاة! الرجل في‬
‫الطابق الثاني الغرفة األولى” شكرها واستقل المصعد إلى الطابق الثاني‪ ،‬وجد الغرفة مباشرًة‪ ،‬طرق‬
‫الباب بخفة ودخل‪ ،‬كان ليون مستلقيًا على سريره وهناك بعض الضمادات على كتفه‪.‬‬

‫“هل أنت بخير؟” سأل لكي ينتبه ليون لوجوده‪ ،‬نظر إليه وحاول بفشل الجلوس‪.‬‬
‫“يا إلهي‪ ،‬هاري! هل فيوليت بخير؟”‪.‬‬

‫”إنها كذلك”‪.‬‬

‫“شكر يا إلهي‪ ،‬متى سأستطيع الخروج؟”‪.‬‬


‫ًا‬

‫“ربما بعد ساعة أو ساعتين‪ ،‬ال أعلم حقًا ما الذي تعاني منه”‪.‬‬

‫“بعض الحروق الطفيفة”‪.‬‬

‫في تلك األثناء‪ ،‬دخلت إحدى الممرضات الغرفة فباد ار لسؤالها عن موعد خروجه‪ ،‬فأعلنت‬
‫أنه يستطيع الخروج ساعة يشاء‪.‬‬

‫*****‬

‫“أرجو أّال تمانعي إقامتي معك لبعض الوقت فيوليت” قال ليون بينما هم متجهان للمنزل‪،‬‬
‫متجاهًال تمامًا أن هاري شريكها في البيت‪.‬‬

‫“ال بأس بذلك” قالت بصوتها الناعس‪ ،‬وهي تنظر إلى هاري الذي أكمل تحديقه بالمنزل‬
‫وهم يقتربون منه متجاهًال تمامًا محادثتهما وهو يحدث نفسه‪“ :‬ال بأس هاري تمالك نفسك‪ ،‬أيام قليلة‬
‫وسيرحل”‪.‬‬

‫تمايلت فيوليت في مشيتها واتكأت على السيارة قبل أن يبتعدوا عنها‪“ .‬لي!” سألها هاري‬
‫والحقًا الحظهما ليون ومشى باتجاههما‪.‬‬

‫“سأحملها!” اقترح ليون‪.‬‬

‫“بربك ليون أنت بالكاد تحرك كتفك!” قالت فيوليت بسخرية‪ ،‬ونظرت إلى هاري‪.‬‬

‫”ال‪ ،‬بالطبع ال‪ ..‬ليس هاري!” قال ليون ورفع يده في الهواء معترضًا‪.‬‬

‫“ال أظن أنك تفضل رؤيتي مستلقية على الرصيف!” قالت فيوليت موجهة كالمها إلى ليون‬
‫الذي استسلم وقال “حسنًا” بسخط وسار مبتعدًا‪.‬‬
‫اقتربت فيوليت من هاري ووضعت إحدى يديها خلف أعلى كتفيه فحملها وبدأ يسير حاميًا‬
‫إياها من الثلج المتساقط والرياح الباردة‪ .‬في الحقيقة‪ ،‬لم تكن متعبة لدرجة تمنعها من السير‪ ،‬ولكنها‬
‫فقط كانت كسولة‪.‬‬

‫كانت تعلم أنها ال تحبه ألنها ال تزال ال تشعر بالفرشات التي يزعمها العشاق أو حتى تكره‬
‫إزابيال بسبب تقربها منه‪.‬‬

‫نظرت إليه وسألته‪“ :‬لماذا تأخرت اليوم؟” توقف ونظر إليها “آسف”‪ ،‬همس وأكمل سيره‪.‬‬

‫سألها بعد قليل‪“ :‬أخبريني كيف اندلع الحريق”‪.‬‬

‫“ليون لم يغلق الموقد ويرفع إناء الزيت قبل خروجه من المطبخ وكأنه نسي تمامًا إشعاله‬
‫للموقد قبل ساعات‪ ،‬إنه ال يطبخ عادًة ال أعلم ما الذي تغّير اليوم”‪.‬‬

‫أخير‪ ،‬توقفا عند عتبة المنزل‪ ،‬وكان ليون قد سبقهما إلى الداخل “خذني إلى حجرتي” قالت‬
‫ًا‬
‫لهاري قبل أن يفكر في إنزالها‪ ،‬ألنها ال تزال أكسل من أن تسير إلى حجرتها‪.‬‬

‫حاول محاولة فاشلة إخفاء ابتسامته‪ ،‬ولكنها ظهرت‪.‬‬

‫دخل هاري‪ ،‬وأغلق الباب بقدمه وصعد الساللم‪ ،‬وعندما خطا أولى خطواته في حجرتها كان‬
‫ليون بالفعل يجلس على السرير‪.‬‬

‫“ليلة سعيدة” قال هاري بصوت مختنق‪ ،‬وغادر الغرفة مغلقًا الباب خلفه‪.‬‬

‫شعر تلك الليلة بوحدة عجيبة أوهنت قلبه‪ ،‬وأدرك عندها أن الوحدة ال تشعر بها عندما تكون‬
‫وحدك‪ ،‬بل عندما ال يكون هناك من يهتم ألمرك‪ .‬فهو حاول الهروب من وحدته بالبحث عن سكن‬
‫مشترك‪ ،‬ولكن ال يبدو أن محاولته نجحت حتى اآلن‪.‬‬

‫*****‬

‫“هاري!” دخل صوت فيوليت أحالمه وهي تطرق الباب‪.‬‬


‫“أما زلت نائمًا؟ إنها الحادية عشرة صباحًا” فدفن رأسه داخل الوسادة وهو يسمع صوت فتح‬
‫الباب‪.‬‬

‫“هاري استيقظ‪ ،‬يجب أن نذهب إلى العمل‪ ،‬لقد ذهب ليون قبل نصف ساعة إلى عمله”‪.‬‬
‫وضعت يدها على كتفه فأزاح جسده مبتعدًا عنها‪ ،‬وال تزال الوسادة تغطي رأسه‪.‬‬

‫“هاري؟” همست بقلق‪ ،‬ودفعت كتفه فأصبح مستلقيًا على ظهره وأصبحا وجهًا لوجه‪.‬‬

‫“هاري‪ ،‬أكنت تبكي؟” همست وهي تضع يدها الباردة على جبينه فأغمض عينيه إثر لمستها‬
‫الباردة‪.‬‬

‫“هل أنت مريض؟ سأتصل بزاك ألخبره‪ ،‬ويمكنني ادعاء أنني ال أزال أعاني من بعض آثار‬
‫الحريق!”‪.‬‬

‫متذكر أن صديقه لديه اجتماعات مهمة اليوم‪.‬‬


‫ًا‬ ‫حرك هاري رأسه نافيًا‪ ،‬وجلس‬

‫*****‬

‫“هاري” نادته فيوليت وهما في طريقهما إلى الشركة‪.‬‬

‫“همم”‪.‬‬

‫“هل أنت بخير؟ هل تعاني من شيء ما؟” سألت والتفتت إليه وهي جالسة على مقعدها في‬
‫السيارة‪ ،‬فاجأه السؤال‪ ،‬وحاول البحث عن إجابة مناسبة‪“ :‬ال‪ ،‬ال يعدو األمر عن أنني أمضيت ليلة‬
‫صعبة‪ ،‬تعرفين كيف يكون الحال مع الحنين للعائلة والوطن”‪.‬‬

‫“كاذب” صرخ صوت في داخل رأسه‪.‬‬

‫“ولكن لماذا الحنين فأنت تقيم في نيويورك‪ ،‬يمكنك الذهاب وزيارتهم؟”‪.‬‬

‫“في الحقيقة‪ ،‬أنا هنا ألبتعد قليًال عن بعض األمور”‪ .‬كانت إجابته مقتضبة في محاولة منه‬
‫لوضع حّد لهذا الحوار‪ .‬أدركت فيوليت ما يرمي إليه‪ ،‬فأومأت بتفهم‪ ،‬ولم تعاود التطرق للموضوع‪.‬‬
‫وألنه يكره الصمت‪ ،‬شغل راديو السيارة‪ ،‬فكسرت األغنية المنبعثة من الراديو جدار الهدوء‬
‫والصمت‪.‬‬

‫*****‬

‫دخلت فيوليت مكتبها واتجه هو إلى مكتبه القريب من زاك! “سيدي هناك زائرة تنتظرك في‬
‫المكتب!” قالت له السكرتيرة قبل دخوله المكتب‪ ،‬وعندما فتح الباب وجد إزابيال تنتظره في الداخل‪.‬‬

‫*****‬

‫كانت األوراق مبعثرة على طاولة المكتب السوداء‪ ،‬ووجدت نفسها عاجزة عن إنجاز العمل‪،‬‬
‫فضغطت بيديها على رأسها الذي كان يؤلمها منذ ساعة‪ ،‬وأمسكت بهاتفها وغادرت مكتبها‪،‬‬
‫إلحضار القهوة من المقهى الذي في األسفل‪ .‬وما إن خطت خطوتها األولى خارج الشركة حتى‬
‫صفع الهواء البارد جسدها‪ .‬وأدركت كم تبدو لها نيويورك كئيبة في هذا الوقت‪.‬‬

‫فتحت باب المحل‪ ،‬فأصدر الجرس فوق الباب صوتًا‪“ .‬كوبا قهوة من فضلك” فركت يديها‪،‬‬
‫إحداهما باألخرى‪ ،‬ببعضها بينما كانت عيناها تجوالن في أرجاء المقهى‪ ،‬كانت رائحة القهوة تعبق‬
‫في المكان‪ ،‬وبدا لها الديكور محببًا ولطيفًا‪.‬‬

‫“تفضلي آنستي” قال الشاب ودفع الكوبين فوق الطاولة باتجاهها‪ ،‬نظرت إلى الئحة‬
‫األسعار‪ ،‬ووضعت النقود‪ ،‬وحملت الكوبين بيديها الباردتين وغادرت‪.‬‬

‫هرولت في الشارع في محاولة منها للوصول قبل أن تتجمد‪ ،‬فقد نسيت أن ترتدي معطفها‬
‫قبل أن تغادر مكتبها‪.‬‬

‫تجاهلت شتائم السائقين‪ ،‬ألنها عبرت الشارع قبل أن تضاء إشارة المشاة ولكنها كادت تتجمد‬
‫بكل ما للكلمة من معنى‪.‬‬

‫قصدت مباشرة الطابق الذي يقع فيه مكتب هاري‪ ،‬وفي اللحظة التي وضعت يدها على‬
‫مقبض الباب فتح الباب‪ .‬فقد كان هاري يودع شخصًا‪ .‬إنها إزابيال فقالت‪“ :‬أوه فيوليت‪ ،‬كنت ذاهبة‬
‫إلى مكتبك” وبدت الدهشة عليها من المفاجأة‪.‬‬
‫“وها أنا هنا”‪ .‬وأعطت هاري الكوبين‪ ،‬لتتمكن من معانقة صديقتها‪ ،‬التي سرعان ما غادرت‬
‫بحجة أنها كانت تنوي رؤيتها وها قد رأتها‪ .‬ولكن األمر لم ينطِل على فيوليت التي تعرف صديقتها‬
‫حق المعرفة‪.‬‬

‫سألها هاري بمرح‪“ :‬هل أحد الكوبين لي؟”‪.‬‬

‫“بالطبع” أجابته وارتسمت ابتسامة دافئة على وجهه‪.‬‬

‫لمس يدها وقال‪“ :‬يا إلهي أنت باردة جدًا”‪ ،‬وقبل أن تتمكن من الحديث‪ ،‬جلب معطفه‬
‫ووضعه على كتفها‪ .‬شكرته وجلس كالهما وسألته‪“ :‬لماذا كانت إزابيال هنا؟”‪.‬‬

‫“عرضت عل تناول اإلفطار معًا ولكنني رفضت‪ ،‬ودردشنا قليًال”‪ .‬أجابها وقد بدا الملل‬
‫ّي‬
‫جليًا في نبرة صوته‪ .‬عندها قالت‪“ :‬عل المغادرة فهناك أطنان من األوراق تنتظرني”‪ .‬فعبس‪.‬‬
‫ّي‬
‫أعادت له معطفه شاكرة إياه‪.‬‬

‫عادت سريعًا إلى مكتبها فوجدت ليون ينتظرها هناك هو اآلخر‪ ،‬فسألت نفسها هل اليوم يوم‬
‫الزيارات العالمي‪.‬‬

‫“كوب قهوة آخر من هاري؟!” سألها بسخرية وهو ينظر إلى الكوب في يدها‪ ،‬فردت عليه‬
‫وهي تجلس خلف مكتبها‪“ :‬لقد ابتعته بنفسي”‪.‬‬

‫“ال يهم‪ ،‬جئت ألخبرك أنني مسافر ليومين إلى إحدى الواليات‪ ،‬وفي أثناء سفري سيعملون‬
‫على إعادة ترميم المنزل”‪ .‬فرفعت حاجبها باستنكار وسألته‪“ :‬هل أنت مسافر اليوم”‪.‬‬

‫“نعم وبعد ساعة”‪.‬‬

‫“لماذا لم تخبرني من قبل؟”‪.‬‬

‫“لقد نسيت األمر تمامًا”‪ .‬قال بتوتر ثم ودعها وخرج وعادت هي لعملها‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫التفاحة الكبيرة‬
‫‪ ‬‬

‫“إذًا ماذا لدينا اليوم؟” سألت فيوليت هاري وهي تجلس إلى جانبه‪ ،‬بينما كان يحاول جاهدًا‬
‫إخفاء فرحته بمغادرة ليون‪ ،‬وكان ال بد أن يستغل الفرصة ويحفر بضع ذكريات في رأس شريكته‪.‬‬

‫“جولة سياحية في نيويورك”‪ .‬اقترح فنظرت إلى ساعتها‪.‬‬

‫“لنذهب إذًا‪ ،‬لدينا وقت كاٍف لزيارة األماكن المميزة” وقفت لتصعد السلم‪ ،‬لقد قررت أنهما‬
‫بحاجة لبعض المرح بعد تعب العمل في الشركة‪.‬‬

‫“سأستعد خالل دقائق” قالت ذلك‪ ،‬وبعد ذلك سمع صوت إغالق باب غرفتها‪.‬‬

‫*****‬

‫كان الطقس باردًا قليًال على غير العادة‪ ،‬وهذا ساعدهما بالطبع‪ .‬صخب الشوارع حتى في‬
‫النهار‪ ،‬وجموع الناس التي ال تنتهي‪ ،‬جميعها جعلت هاري يفكر كم سيكون اليوم رائعًا‪ ،‬خصوصًا‬
‫أنه سيكون خاليًا من إزعاجات ليون‪.‬‬

‫سأل فيوليت وهما يجلسان في السيارة‪“ :‬ما هي محطتنا األولى؟”‪ .‬فكرت وهي تحدق‬
‫بالخريطة أمامها “لنستقل القارب ونقصد جزيرة تمثال الحرية‪ ،‬وبعدها جسر بروكلين‪ ،‬ولتكن التايمز‬
‫سكوير محطتنا األخيرة”‪.‬‬

‫وافقها من دون أن يفكر بالمسافة التي تفصل بين هذه األماكن‪ ،‬فكل ما يريده هو تنفس‬
‫المدينة واستعادة ذكريات زيارته األخيرة لها‪.‬‬
‫*****‬

‫وصال في الوقت المناسب ليستقال القارب إلى الجزيرة‪ .‬وعند وصولهما إلى جزيرة الحرية‬
‫قدموا لهما أجهزة صغيرة تساعدهما على التجوال في المنطقة وأعطيا بعض المعلومات المهمة‬
‫جهاز إذًا؟‬
‫ًا‬ ‫ولكنهما تجاهالها ألن فيوليت زارت المكان مرات عدة وهاري مرة واحدة‪ ،‬لذلك من يحتاج‬
‫سا ار نحو التمثال ولكن لسوء الحظ كانت هناك بعض اإلصالحات لذلك لم يحصال على فرصة‬
‫الدخول لذلك وبعد أن تأمال التمثال عن قرب غاد ار الجزيرة بعد ساعة‪ ،‬إلى محطتهما التالية جسر‬
‫بروكلين‪.‬‬

‫*****‬

‫أخير أنه في‬


‫ًا‬ ‫كانا يسيران على الجسر ولكن هاري أحس أنه في السماء السابعة‪ ،‬ألنه شعر‬
‫المكان الذي ينتمي إليه‪ ،‬وهذا شعور ال يضاهى‪.‬‬

‫“يوجد متجر كعك قريب من هنا اعتدت زيارته‪ ،‬تملكه سيدة لطيفة‪ ،‬هل نذهب إليه؟”‬
‫اقترحت فيوليت‪.‬‬

‫وألن معدة هاري كانت تقرقر‪ ،‬وافق مباشرة على اقتراح فيوليت التي أخذت تحدد اتجاهات‬
‫سيرهما بينما عاد هو لتأمل المدينة‪.‬‬

‫مظهر‬
‫ًا‬ ‫تدمج نيويورك بين الحضارة والتراث بشكل رائع‪ ،‬وجسورها المتعددة تعطي المدينة‬
‫جميًال‪ ،‬تجد فيها كل األشكال واألجناس‪ ،‬الديانات والثقافات‪ ،‬مبانيها الشاهقة تالمس السحاب‪،‬‬
‫وتحتضن نيويورك أكبر حديقة في أمريكا لتعطيها لمسة سحرية فريدة بينما تشع أنوارها ليًال لتشكل‬
‫لوحة غاية في الجمال‪.‬‬

‫“لقد وصلنا” قالت فيوليت وهي تشير إلى محل صغير عند الزاوية‪.‬‬

‫اقتحمت رائحة الكعك الشهي أنفيهما عندما دخال المحل الذي كانت جدرانه من الخشب‬
‫البني‪ ،‬واثنان منها فيهما نافذتان كبيرتان تطالن على الشارع‪ ،‬توزعت طاوالت قليلة في األرجاء‪،‬‬
‫وكانت هناك سيدة ترتدي مريلة مطبخ تقف خلف الكاونتر‪ ،‬كان شعرها فضيًا‪ ،‬ووجهها البشوش‬
‫تعلوه ابتسامة‪“ .‬مرحبًا” هتفت فيوليت وابتسمت السيدة الكبيرة ولمعت عيناها‪ .‬خرجت من خلف‬
‫الكاونتر‪ ،‬وعانقت فيوليت قائلة‪“ :‬لم أرِك منذ مدة يا صغيرتي”‪ .‬وعندما انفكتا من عناقهما الحظت‬
‫السيدة وجود هاري فصافحته بود وغمزت لفيوليت ظنًا منها أن هاري ال يراها‪.‬‬

‫“اختيار جيد” ضحكت فيوليت على سوء فهم السيدة‪ ،‬وقالت موضحة األمر‪“ :‬السيدة باربرا‪،‬‬
‫هاري شريك سكني‪ .‬هاري‪ ،‬السيدة باربرا”‪.‬‬

‫“كم يجب عل أن أخبرك أن ال تضيفي (السيدة) إلى اسمي! هذا يجعلني أبدو كبيرة في‬
‫ّي‬
‫السن” تذمرت السيدة بارب ار وكتم هاري ضحكته‪.‬‬

‫“إنه يقابلك للمرة األولى يجب أن أعرفه عليك”‪ .‬تذّم رت فيوليت‪.‬‬

‫“اآلنسة باربرا!” قال هاري فلمعت عينا السيدة‪ .‬قال في نفسه إنه ال بأس من أن يتجاهل‬
‫شعرها الفضي وتجاعيد وجهها ويلقبها آنسة طالما أن األمر يسعدها‪.‬‬

‫“نعم هذا جيد”‪ .‬قالت السيدة بارب ار وألقت نظرة منتصرة سريعة على فيوليت التي أدارت‬
‫عينيها بابتسامة‪ .‬جلسا إلى طاولة بالقرب من الزجاج المطل على الشارع‪ ،‬أتت السيدة باربرا‪،‬‬
‫وقّد مت لهاري قائمة بأنواع الكعك الذي يقدمونه‪ ،‬ولم تقدمها لفيوليت فهي بالطبع تعرف كل أنواع‬
‫الكعك الذي يقدمونه هنا‪.‬‬

‫“فيوليت؟” قالت السيدة بارب ار تستفسر عن طلب فيوليت ألنها قررت أنها هي بنفسها من‬
‫سوف يخدمهما‪.‬‬

‫“كعكة القرفة وكوب قهوة‪ ،‬كالعادة” قالت فيوليت وهي تحدق إلى وجه هاري منتظرة جوابه‪،‬‬
‫بينما كان يتظاهر بأنه يختار نوعًا من الكعك بينما في الحقيقة لم يق أر أي شيء‪“ .‬هاري؟” سألت‬
‫السيدة باربرا‪ ،‬أو اآلنسة بارب ار كما تحب‬

‫“هممم‪ ...‬كعكة القرفة تبدو جيدة‪ ،‬وكوب قهوة” قال وحاولت السيدة بارب ار إخفاء ابتسامتها‬
‫بينما رفعت فيوليت حاجبها بسخرية‪.‬‬

‫بعد دقائق كان الكعك وكوبا القهوة على طاولتهما‪ ،‬واعترف هاري لفيوليت أنه ألذ شيء‬
‫تناوله منذ مدة طويلة‪.‬‬
‫*****‬

‫عندما كانت الشمس تودع سماء مانهاتن وبدأت أضواء ناطحات السحاب والشوارع تأخذ‬
‫منها مشعل إمداد البشر بالضوء‪ ،‬كان هاري وفيوليت يسيران في شوارع مانهاتن ويتجوالن بين‬
‫المباني واألسواق‪ .‬وبالرغم من الضجيج الذي كان يحيط بهما‪ ،‬كان كل منهما يرى المنظر من‬
‫صمت عالمه‪ ،‬ألن قلبيهما احتاجا إلى بعض الصمت ليخفيا ضجيجهما‪.‬‬

‫بدأت قدما فيوليت تؤلمانها لذلك اقترحت على هاري‪“ :‬هاري‪ ،‬هل بإمكاننا تأجيل الذهاب‬
‫إلى وجهتنا األخيرة إلى الغد!؟ لقد تعبت حقًا‪ .‬ربما يمكننا الجلوس في مكان ما؟”‪.‬‬

‫“بالطبع‪ ،‬فأنا تعبت أيضًا” كذب عليها ألنه كان في الحقيقة منشغًال بالسعادة التي بدأت‬
‫تنير قلبه طوال هذا الوقت ولم يفكر في آالم قدميه‪“ .‬لنعد إلى السيارة إذًا” قال وعادا من الطريق‬
‫الذي أتيا منه‪.‬‬

‫وقف االثنان أمام السيارة واتجه هو إلى باب الراكب لكي يفتحه لفيوليت‪ ،‬ولكن قبل أن‬
‫تصعد فيوليت وفي لحظة مفاجأة ودون مقدمات‪ ،‬وقفت أمامه وأمسكت بكلتا يديه‪“ :‬همم‪...‬‬
‫هاري‪ ...‬أردت فقط إخبارك‪ ”...‬حرك رأسه ينتظر منها أن تكمل حديثها‪“ .‬أردت إخبارك أنني قبلت‬
‫فكرة البدء بالعالج‪ ،‬وبإمكانك ترتيب موعد ذهابنا إلى المستشفى في أي وقت” قالت مع ابتسامة‬
‫متوترة‪.‬‬

‫عانقها‪ ،‬وكانت فرحة غريبة تتدفق في أوردته‪“ :‬إنني ال أجد الكلمات التي تعبر عن سروري”‬
‫أخبرها بعد لحظات‪.‬‬

‫ابتسمت ابتسامة أوسع وهمست‪“ :‬يجب أن ال تقول شيئًا‪ ،‬فأنا أستطيع اإلحساس بما تشعر‬
‫به”‪.‬‬

‫لم يكن هذا باألمر الكبير‪ ،‬ولكن فكرة أنها قبلت بدء رحلة عالج طويلة كانت تبث بداخله‬
‫مشاعر غريبة‪ ،‬ألنه أوًال سيكون سببًا مساهمًا في تحرير جسدها وقلبها مما أصابها‪ ،‬وألنه سيحصل‬
‫على فرصة ضئيلة في سرقة قلبها‪ ،‬فقد أدرك وفي تلك اللحظة تحديدًا أنه يرغب في االستيالء على‬
‫قلبها أكثر من أي شيء آخر‪.‬‬
‫لم يتعّو د في حياته الحصول على ما يرغب فيه‪ ،‬ولم يتعّو د القتال ألجل الحصول على ما‬
‫يريده‪ ،‬ولكن األمور تتغير اآلن‪.‬‬

‫فتح باب السيارة لفيوليت‪ ،‬وأغلقه عندما ركبت‪ ،‬واتجه هو إلى الباب اآلخر‪ ،‬وبدأت قطرات‬
‫المطر الخفيفة بالهطول‪ ،‬شغل محرك السيارة وانطلقا إلى المنزل‪.‬‬

‫امتدت يد فيوليت إلى الراديو‪ ،‬وبدأت موسيقى األسطوانة األولى في ألبوم ‪First love‬‬
‫للعازف والملحن الكوري ييروما تستولي على هدوء السيارة‪ .‬إنها إحدى المقطوعات المفضلة لدى‬
‫هاري‪.‬‬

‫*****‬
‫اليوم التالي‪ ،‬الشارع الشرقي الواحد والخمسون‬

‫فتح هاري عينيه بصعوبة‪ ،‬وعندها أدرك أنه صباح اليوم الجديد من خالل رؤية أشعة‬
‫الشمس تحاول اختراق الستائر‪ .‬وبعد دقائق من محاوالت االعتياد على إضاءة الحجرة‪ ،‬حاول‬
‫ظهر‪ ...‬أخذ هاتفه عن الطاولة‪ ،‬هنالك بعض األمور‬
‫ًا‬ ‫تحريك رأسه والنظر إلى الساعة‪ ،‬كانت الثانية‬
‫يجب أن يعدها‪.‬‬

‫*****‬

‫توقف حلم فيوليت عندما بدأت تشعر بشيء ما يدغدغ وجهها! حاولت إبعاده ولكن بال‬
‫جدوى لذلك استسلمت وفتحت عينيها لتجد وجه هاري المبتسم أمامها وتبين أن أصابعه هي من‬
‫أيقظتها‪.‬‬

‫“صباح الخير”‪.‬‬

‫“صباح الخير”‪.‬‬

‫“لن نذهب للشركة اليوم‪ ،‬لقد تحدثت مع زاك‪ ،‬لدينا كثير من األشياء لنفعلها اليوم‪ ،‬لذلك من‬
‫مغادر “سوف أنتظرك في المطبخ!” وخرج‪.‬‬
‫ًا‬ ‫فور” ترك السرير ووقف‬
‫األفضل أن تستيقظي ًا‬
‫بعد دقائق كانت فيوليت تنزل الساللم وما إن اقتربت من المطبخ حتى بدأت تستنشق رائحة‬
‫طيبة‪ .‬وفور دخولها قال بفرح‪“ :‬لقد ال عددت لك الفطور”‪ .‬ودفع صحن الفطائر بالعسل أمامها‪.‬‬

‫“هل أعددته من أجلي؟” سألته أغبى سؤال ربما يسمعه فيحياته‪.‬‬

‫“أجل”‪.‬‬

‫“هل كنت تدرس في مدرسة طبخ من قبل؟”‪ .‬كان هذا أول سؤال تبادر إلى ذهنها عندما‬
‫قضمت قضمتها األولى‪.‬‬

‫كثير وهذه النتيجة”‪ .‬قال ووضع كوب قهوة بجانب‬


‫“ال‪ ،‬في الحقيقة كنت أجالس أختي وأمي ًا‬
‫صحنها وجلس أمامها‪.‬‬

‫“ألن تأكل؟” سألته عندما شاهدته يتكئ على مرفقه ويحدق إلى وجهها‪.‬‬

‫“لقد تناولت طعامي بالفعل” قال وتابع تحديقه ثم قال‪“ :‬بدلي مالبسك فيجب أن نغادر في‬
‫غضون دقائق” ووقف‪.‬‬

‫مبكر!” قالت وهي تحاول أخذ القطع األخيرة‪.‬‬


‫ًا‬ ‫“إلى أين سنذهب؟ ال يزال الوقت‬

‫“إنها تكاد تكون الثالثة بالفعل يا عزيزتي” قال هاري فحركت رأسها قليًال لتتمكن من رؤية‬
‫ساعة الحائط خلفه‪.‬‬

‫*****‬
‫بعد خمس عشرة دقيقة‬

‫“سنذهب إلى موعدك األول في المستشفى” قال وهو يفتح لها باب السيارة‪.‬‬

‫سقط الخبر المفاجئ عليها كالصاعقة‪“ ،‬ها‪ ..‬أعني كيف‪ ..‬اآلن؟” سألت بفزع عندما ركب‬
‫هاري في المقعد بجانبها‪.‬‬

‫“أجل اآلن‪ ،‬لقد كان حجز الموعد سهًال جدًا” أخبرها وهما يبتعدان عن المنزل‪.‬‬
‫كانت فيوليت حينها خائفة لدرجة أنها بدأت تشعر وكأن عظامها تجمدت‪ ،‬حتى أنها لم‬
‫تشعر بالطريق‪ ،‬مع أن السيارة كانت تركن في مواقف السيارات الخاصة بالمستشفى‪.‬‬

‫أوقف هاري عمل محرك السيارة وانتظرها أن تترجل‪ ،‬ولكنها لم تحرك ساكنًا‪.‬‬

‫“فيوليت!” ناداها وأجابت بعد مدة قصيرة‪.‬‬

‫“أنا خائفة” قالت له وهي تحدق إلى يدها‪ .‬كانت هذه هي المرة األولى التي تقول فيها هذه‬
‫الكلمة منذ مدة طويلة‪ ،‬ربما منذ أن كان عمرها أحد عشر عامًا‪ ،‬هي ال تتذكر‪.‬‬

‫تغيرت مالمح هاري وابتسم ألنه رآها في تلك اللحظة مثل طفلة صغيرة تزور طبيب أسنان‬
‫للمرة األولى “أعدك ستكونين بخير” ولسبب ما أعطتها كلماته هذه قليًال من الثقة‪ ،‬بالرغم من‬
‫الخوف والهلع الذين كانت تعيشهما قبل دقائق‪ ،‬فطرحت كل األسئلة السلبية‪ :‬ماذا لو كانت حالتي‬
‫صعبة؟ ماذا لو أجبروني على الخضوع لعملية جراحية؟ ماذا لو كان شفائي مستحيًال؟ ماذا لو‬
‫تألمت؟ حين انتهت األسئلة بدأت تسير نحو أبواب المستشفى وهاري يسير خلفها‪ ،‬ثم تقدم بعض‬
‫الخطوات‪ ،‬ووضع يده على كتفها “سيكون كل شيء بخير”‪.‬‬

‫كان هاري يتحدث مع موظفة االستقبال بينما هي تتفحص المكان حولها‪ ،‬البياض يغطي‬
‫المكان وممرات طويلة يتخللها كثير من الغرف‪ ،‬أطباء وممرضات‪ ،‬كل هذه األشياء جعلتها تعود‬
‫إلى ذكرى اكتشافها لمرضها وإلى ذلك اليوم الذي لن تستطيع نسيانه‪ .‬ابتلعت ريقها تحاول إزالة‬
‫الغصة التي بدأت تتكورفي حنجرتها‪.‬‬

‫قادتهما الممرضة إلى إحدى الغرف‪ ،‬فتحت الباب ودخل االثنان الغرفة التي كانت تحتوي‬
‫على سرير أبيض صغير في الزاوية‪ ،‬ومكتب اسود يجلس عليه رجل يبدو في بداية األربعينات من‬
‫عمره‪ .‬كتب على لوحة في مقدمة المكتب (الدكتور‪ .‬سميث هولين)‪.‬‬

‫صافح هاري الدكتور وصافحته هي بدورها بيد مرتجفة‪.‬‬

‫قال‪“ :‬تفضال” فجلسا على كرسيين أمام المكتب‪.‬‬


‫تولى هاري زمام األمور‪ ،‬ألنه كان يشرح كل شيء؛ كيف علمت هي باألمر وكم كان‬
‫عمرها حينها‪ ،‬وتعجبت هي كيف استطاع تذكر كل هذا بالرغم من أنها أخبرته به منذ مدة‪.‬‬

‫كانت تنظر إليهما بعينين ضائعتين‪ ،‬وبدأ الرجل الجالس خلف المكتب يسألها أسئلة نسيتها‬
‫ما إن خرجت من الغرفة للذهاب إلى غرفة األشعة كما طلب منها‪ ،‬وهذا هو األمر الوحيد الذي‬
‫تذكرته‪.‬‬

‫رافقها هاري ولم يكف عن منحها الكلمات اإليجابية‪ ،‬والضغط على يدها بين الحين واآلخر‬
‫لتهدئتها‪.‬‬

‫أوصلتهما الممرضة إلى غرفة ولكنه توقف وقال لفيوليت‪“ :‬سأبقى هنا”‪.‬‬

‫“لن أتأخر‪ ..‬أعتقد” أخبرته لكي تحاول أن تهدئ من روعها‪ ،‬وتركت يده‪ ،‬وتبعت الممرضة‬
‫إلى الداخل‪.‬‬

‫*****‬

‫“هل فتاتي بخير؟” سألها بمرح فور خروجها فضربت كتفه‪“ .‬توقف عن معاملتي مثل فتاة‬
‫في الخامسة!” وبدأا بالسير مرة أخرى‪.‬‬

‫“هل انتهينا؟” سألته عندما الحظت أنهما يقتربان من بوابة الخروج‪.‬‬

‫“أجل لقد انتهينا اليوم‪ ،‬سنعود غدًا لكي نرى النتائج” أخبرها وتوجها إلى السيارة‪.‬‬

‫“إلى المنزل؟” سألته ووضعت حزام األمان‪.‬‬

‫“ال‪ ،‬هناك مكان يجب علينا أن نزوره أوًال”‪.‬‬

‫*****‬

‫ترك االثنان السيارة وسا ار لمدة طويلة في الشوارع حتى بدأت قدما فيوليت تؤلمانها‪ ،‬وبدا لها‬
‫أخير دخال مركز روكفلر‪.‬‬
‫ًا‬ ‫أن هاري يعرف المكان جيدًا‪.‬‬
‫“ابقي هنا” أمرها هاري‪ ،‬تركها في وسط الردهة وابتعد عنها‪ ،‬وكانت عيناها تراقبانه وهو‬
‫يتحدث مع بعض الرجال ثم عاد باتجاهها‪.‬‬

‫“هيا” قال وأمسك يدها وبدأت تسير خلفه حتى دخلت المصعد واختار هاري رقم الطابق‪،‬‬
‫بينما هي منشغلة بمراقبة رحلتهما الغريبة داخل المصعد‪ ،‬ألوان تظهر من حولهما‪ ،‬تارة أحمر وتارة‬
‫أزرق ثم أخضر في طريقهما إلى األعلى وبدأت تتسأل عن الذي ينتظرها‪.‬‬

‫انتهت رحلة المصعد ووقف هاري خلفها وغطى عينيها بيده‪.‬‬

‫“ها‪ ..‬هاري ما الذي تفعله؟”‪.‬‬

‫أخير ابتعدت يدا هاري عن‬


‫ًا‬ ‫“أشش! لقد اقتربنا” بدأت تشعر بنفحات الريح تداعب بشرتها ثم‬
‫عينيها وهاجمتها قشعريرة من هول المنظر‪.‬‬

‫كانت ترى نيويورك بأكملها اآلن‪ ،‬لوحة في غاية الجمال‪ ،‬الشمس تختفي خلف السحب‪،‬‬
‫والمباني المرتبة بشكل رائع جعلتها تدرك كم نيويورك مدينة ساحرة‪ ،‬كان هاري ال يزال يقف خلفها‪.‬‬

‫“لقد بدأِت رحلة طويلة وصعبة اليوم‪ ،‬وكما يقولون دائمًا رحلة األلف ميل تبدأ بخطوة‪ ،‬أردت‬
‫أن تكون الخطوة األولى ذكرى جميلة لك‪ ،‬وليست مستشفى وغرفة أشعة‪ ،‬أردتها أن تكون ذكرى‬
‫ألجمل لوحة يمكنني أن أجعلك تشاهدينها‪ ،‬أردت أن تكون الخطوة األولى رائعة لتتذكريها دائمًا‬
‫وترتسم ابتسامة رائعة على ثغرك‪“ .‬فيوليت روبرت‪ ،‬أنت تستحقين أن تكوني سعيدة”‪ ،‬قال هاري‬
‫هامسًا في أذنها ألن كلماته هذه كانت لها بمفردها وإلى قلبها‪ .‬وعندما توقف أضيئت أضواء المباني‬
‫على امتداد بصرها لكي تجعل ما تراه اآلن شيئًا لن تستطيع الحروف وصفه‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫خاتم في البنصر‬
‫‪ ‬‬

‫انعقد لسانها ولم تستطع إخراج شيء يعبر عما تشعر به‪ ،‬حاولت وحاولت حتى قالت‪:‬‬
‫“هاري‪ ...‬أ‪ ..‬أنا‪ ..‬ال أستطيع أن أصيغ الحروف ألعبر عما أشعر به اآلن‪ ،‬هذا خيالي‪ ،‬شيء لم‬
‫أختبره من قبل‪ ،‬أرغب ببقاء هذه اللحظة إلى األبد‪ ،‬أشعر وكأن قلبي بدأ ينبض من جديد وكأنني‬
‫ولدت من جديد‪ ،‬هاري‪ ...‬أ‪ ..‬أنا‪ ..‬أنا فقط” لم تستطع التحدث أكثر ألنها كانت تحاول كبح‬
‫دموعها‪ ...‬عانقته بقوة ألنه أعطاها سعادة لم تشعر بمثلها منذ مدة‪.‬‬

‫*****‬

‫استيقظت فيوليت صباح اليوم التالي على صوت رنين هاتفها وأخذته عن الطاولة‪.‬‬

‫“مرحبًا؟”‪.‬‬

‫“مرحبًا فيوليت” سمعت صوت ليون من الجهة األخرى‪.‬‬

‫“ليون”‪.‬‬

‫“أين أنِت ؟”‪.‬‬

‫“وأين يمكن أن يكون الشخص في التاسعة صباحًا! في المنزل طبعًا”‪.‬‬

‫“ألم تذهبي إلى العمل؟”‪.‬‬

‫”ال‪ ،‬لقد ذهبت إلى المستشفى البارحة”‪.‬‬


‫“ماذا؟” صرخ ليون على الجانب اآلخر فتداركت األمر قائلة‪“ :‬لقد ذهبت إلجراء فحوصات‬
‫أولية‪ ،‬أنت تعلم‪ ...‬للبدء برحلة العالج”‪.‬‬

‫“كيف سارت األمور؟” سألها بهدوء مخيف‪.‬‬

‫“ال شيء مهم خضعت ألشعة واليوم سأذهب لرؤية النتائج”‪.‬‬

‫“هممم هذا جيد‪ ،‬سوف أكون في نيويورك‪ ،‬وسوف نذهب إلى الموعد برفقة هاري”‪.‬‬

‫أدركت مباشرة أنه يجهز ألمر ما عن طريق المكر الذي كان موجودًا في نبرته وتساءلت!‬
‫كيف؟ هاري سوف يكون برفقتهما؟ ولكن ليون ال يحب هاري‪.‬‬

‫“ولكن لماذا سيكون هاري معنا”‪.‬‬

‫“وداعًا فيوليت‪ ،‬أحبك”‪ .‬وأنهى المكالمة‪.‬‬

‫ألقت بهاتفها على السرير وزفرت طويًال‪.‬‬

‫“هل كل شيء بخير؟” صوت هاري الثقيل من خلفها‪ ،‬وأدركت أنها كانت الشعوريًا تسير‬
‫في المنزل أثناء تحدثها مع ليون‪.‬‬

‫“نعم” اختصرت وقررت أّال تخبره اآلن‪.‬‬

‫*****‬

‫استيقظت فيوليت مرة أخرى قرابة الساعة العاشرة‪ ،‬ونزلت الساللم إلى غرفة المعيشة لتجد‬
‫هاري نائمًا على األريكة وكوب قهوة فارغ على الطاولة‪ ،‬ويبدو أنه عاد للنوم بعد استيقاظه في‬
‫الساعة التاسعة‪.‬‬

‫جلست على األريكة المقابلة‪ ،‬ونظرت إليه وابتسمت بألم‪ ،‬وتمنت لو أنه كان هو ليون منذ‬
‫مبكر‪ ،‬ولكانت قد تعافت اآلن‪ .‬كانت‬
‫ًا‬ ‫البداية ألن هذا سيغير كل شيء‪ ،‬ولكانت قد بدأت في العالج‬
‫فيوليت مع ليون ألنه فقط‪ - ‬من وجهة نظرها‪ - ‬كان أول شخص أخرجها من شرنقتها‪ ،‬وألنه أراد‬
‫دومًا أن يكون حبيبها‪ ،‬ولذلك قبلت بهذا بالرغم من أن كليهما يعلم أنها لن تستطيع أن تحب‪،‬‬
‫وكانت تدرك أنه لم يعرض عليها يومًا أن تبدأ رحلة العالج‪.‬‬

‫كان بإمكانها أن تستبدل ليون بهاري ولكنها تعلم تمامًا أنها ال تريد أن تكون مع هاري ألنه‬
‫يستحق فتاة أخرى تحبه ويحبها‪.‬‬

‫كانت تريد أن تحب وأن تَح ب‪ ،‬تريد أن تكون لشخص ما‪ ،‬تريد أن تشعر أن هنالك شخصًا‬
‫يهتم ألمرها‪ ،‬تريد أن تشعر بالغيرة‪ ،‬بالدفء‪ ،‬بالثقة‪ ،‬باألمل‪ ،‬بالمحبة‪ ،‬تريد أن يمتلئ الفراغ الكبير‬
‫الذي بداخلها‪ ،‬تريد أن تشعر أن قلبها ينبض‪ ،‬تريد أن تشعر أن حياتها ممتلئة‪ .‬ولكن هذا مستحيل‬
‫بالنسبة إليها‪.‬‬

‫لطالما آمنت أن الحب هو الضوء بعد كل شيء‪ ،‬ولكن هذا الضوء انطفأ سريعًا عندما‬
‫أدركت أنها لن تستطيع أن تحب مرة أخرى‪.‬‬

‫لم تكن تعلم أن كليهما أراد الشيء نفسه‪.‬‬

‫أن يحصال على حب ينسيهما كل ما م ار به‪.‬‬

‫“لي!” استيقظ هاري‪.‬‬

‫*****‬

‫عصر‪ ،‬وكان االثنان يجلسان في السيارة يقطعان‬


‫ًا‬ ‫كانت عقارب الساعة تشير إلى الرابعة‬
‫المسافة للوصول إلى المنزل بعد أن تناوال اإلفطار في مطعم خارج المنزل‪.‬‬

‫كثير منذ أن استيقظا‪ ،‬كان هاري صامتًا على غير‬


‫ًا‬ ‫موسيقى هادئة في الخلفية‪ ،‬لم يتحدثا‬
‫عادته‪ ،‬وهي بدورها لم تمانع بعضًا من الصمت‪.‬‬

‫أسندت فيوليت رأسها إلى زجاج النافذة متأملة الشوارع التي بدأ الثلج يكسوها‪ ،‬السماء متلبدة‬
‫بالغيوم ولكن دفء السيارة السوداء جعل األمور أفضل‪.‬‬

‫“لقد دفعت إيجار المنزل” قال هاري بينما توقفت السيارة عند اإلشارة‪.‬‬
‫“ها‪ ...‬ولكن أنا لم أدفع معك!” قالت بفزع‪.‬‬

‫“هذا ال يشكل فرقًا‪ ،‬لقد غيرِت عملك لذلك دفعت حصتك‪ ،‬وانتهيت من اإليجار لهذا الشهر‬
‫والشهر القادم”‪.‬‬

‫“هاري ولكن‪.”...‬‬

‫“انتهى النقاش لي” قاطعها‪.‬‬

‫أغلقت فمها‪ ،‬واستسلمت لألمر الواقع‪ ،‬وقررت أنها سترد له الجميل‪ ،‬وتدفع الشهرين التاليين‪.‬‬

‫ركنا السيارة في المكان المعتاد وترجال منها‪ ،‬سارت بجانب هاري‪ ،‬ولكنه توقف فجأة فحدقت‬
‫إلى المكان الذي كان يحدق إليه‪ .‬لقد كان يحدق إلى ليون‪.‬‬

‫كان ليون بالتأكيد في الداخل ألنه كان يملك نسخة من مفتاح الباب األمامي‪ ،‬لذلك أغلقت‬
‫فيوليت عينيها بتعب مدركًة تمامًا أن وجوده يعني بنسبة كبيرة وجود مشكلة‪.‬‬

‫كانت تعلم أن ليون سيصل اليوم‪ ،‬ولكن مواجهة الحقيقة أصعب قليًال‪ ،‬خصوصًا أن ليون‬
‫سيأخذها في موعد الليلة‪ ،‬واألصعب أيضًا أن هاري سوف يكون عجلة ثالثة برفقتهما‪.‬‬

‫صعدا الدرجات أمام باب المنزل‪ ،‬أدخل هاري المفتاح في القفل وأداره‪ ،‬أخذت خطواتها‬
‫وفور كان ليون أمامها مباشرة وعانقها بشدة‪ ،‬بينما كان هاري يقف خلفها‪ ،‬فشعر‬
‫ًا‬ ‫داخل المنزل‪،‬‬
‫بموجات من األلم تضرب صدره‪ ،‬وحينها تأكد أن مشاعره تورطت‪.‬‬

‫“افتقدتك” همس في أذنها‪.‬‬

‫“أنا أيضًا”‪.‬‬

‫أخير الحظ هاري الواقف خلفها الذي بدا وجهه بال تعابير تمامًا‪.‬‬
‫ابتعد عنها‪ ،‬و ًا‬

‫صافح ليون وأبعد يده سريعًا‪.‬‬

‫“أين كنتما؟” سأل ليون‪.‬‬


‫“تجولنا قليًال في الخارج” حاول هاري الهرب من المكان‪ ،‬وكانت هناك برودة عظيمة تنتشر‬
‫في جسده‪ ،‬لذلك سارع بالتوجه نحو الساللم‪.‬‬

‫“هل أخبرتك فيوليت بشأن العشاء الليلة؟”‪ .‬وّج ه ليون كالمه إلى هاري الذي كان يصعد‬
‫الساللم فتوقف‪ ،‬استدار هاري وعلى وجهه عالمات التعجب‪.‬‬

‫“سنذهب نحن الثالثة لتناول العشاء”‪ .‬فّس ر ليون‪.‬‬

‫حسنًا” تمتم هاري بعد أن توقف في صمت لبرهة ثم استمر بالصعود‪.‬‬

‫“ما باله؟” سألها ليون‪.‬‬

‫“ال أعلم” قالت وهي تراقب هاري الذي بدأ يختفي عن نظرها‪.‬‬

‫*****‬

‫كانت الساعة تشير إلى الثامنة مساًء ‪ ،‬عندما كان هاري يقفل آخر زر من أزرار قميصه‬
‫األبيض وارتدى فوقه سترة جلدية اختارها عشوائيًا‪.‬‬

‫كان قد اتصل بالمستشفى في وقت سابق‪ ،‬لكي يخبرهم بتأجيل موعد فيوليت للغد‪ ،‬ألنهما‪- ‬‬
‫وكما يبدو له‪ - ‬لن يستطيعا الذهاب اليوم‪ .‬كان قد جلس بمفرده مدة ساعة يفكر في كل ما حدث‬
‫خالل األيام الماضية؛ يفكر كيف أنه ال يريد ليون في أي مكان بالقرب من فيوليت‪ .‬ولكن ألن‬
‫رغباتنا ال تتحقق دائمًا‪ ،‬ها هو ذا يستعد للخروج مع فيوليت ولكن برفقة ليون‪.‬‬

‫خرج من حجرته في اللحظة ذاتها التي خرجت فيها فيوليت‪ ،‬كانت تبحث عن شيء ما‬
‫داخل حقيبتها‪ ،‬ولم تنتبه لوجوده‪ ،‬كانت ترتدي فستانًا أسود بكمين طويلين وعقد فضي يستقر على‬
‫أخير نظرت‬
‫ًا‬ ‫عنقها‪ ،‬واستطاع هاري أن يلمح الفتحة البيضاوية التي تظهر جزء من ظهرها النحيل‪.‬‬
‫إليه‪ ،‬كان شعرها البني مرفوعًا أعلى رأسها‪ ،‬وكانت عيناها محاطتين بالكحل األسود الذي لم يزدها‬
‫إال جماًال‪ ،‬وكانت شفتاها مغطاتين بأحمر الشفاه الداكن الذي كان بمثابة اللمسة السحرية األخيرة‪.‬‬

‫“يا إلهي‪ ،‬تبدين في غاية الجمال فيوليت! أنا محظوظ حقًا” قاطع أفكاره صوت ليون‪ .‬وشتم‬
‫ار وهو يشاهده يأخذ يدها بين يديه‪ ،‬ونزل الساللم‪ .‬فتح لها ليون باب سيارته‬ ‫هاري حظه مر ًا‬
‫ار وتكر ًا‬
‫بينما جلس هاري في الخلف‪ ،‬أو باألحرى وحيدًا في الخلف‪.‬‬

‫*****‬

‫أخير‪ ،‬توقفت السيارة تحت أحد المباني الكبيرة‪ ،‬ولم يكلف هاري نفسه عناء النظر إلى‬
‫ًا‬
‫المبنى‪ .‬أعطى ليون الموظف مفتاح السيارة لكي يركنها‪ ،‬ثم أخذ بيد فيوليت مرة أخرى‪ .‬انقبض قلب‬
‫هاري وهو يشاهدهما‪ ،‬وسأل نفسه عن جدوى وجوده معهما‪ .‬ضغط ليون زر المصعد‪ ،‬ولما كان‬
‫هاري يسير ببطء فقد كانت هنالك فجوة كبيرة بينهم‪ .‬دخل كل من ليون وفيوليت المصعد‪ ،‬وحاول‬
‫هاري تدارك الوضع وهرول لكي يصل بالوقت المناسب من أجل أن يستقل المصعد نفسه معهما‪،‬‬
‫ولكن الباب كان قد بدأ باالنغالق‪ ،‬ولم يبذل ليون أي حركه لكي يقترب من زر فتح األبواب‪ ،‬فتراجع‬
‫هاري خطوة إلى الخلف‪“ .‬حقير” خرجت الكلمة من بين أسنان هاري واشتدت قبضته‪“ :‬ألم يفكر‬
‫حتى أنني ال أعرف في أي طابق هما”‪ .‬فما كان منه إال أن اتصل بفيوليت كاظمًا غضبه‪.‬‬

‫“في أي طابق أنتما؟” سأل مباشرًة عندما توقف رنين الخط‪.‬‬

‫“في الطابق الثالث والعشرين‪ ،‬الطاولة رقم سبعة” قالت وأنهت المكالمة بسرعة‪ .‬بعد دقائق‬
‫انفتح باب المصعد في الطابق المطلوب‪ ،‬فدخل قاعة فسيحة جدرانها من الزجاج وأرضيتها سوداء‬
‫أما اإلضاءة الذهبية فكانت تعم المكان‪ ،‬بينما تتوزع الطاوالت والكراسي داخل القاعة‪ ،‬لمح من بعيد‬
‫فيوليت وليون يجلسان إلى طاولة قريبة من الزجاج‪ ،‬وتمنى في أعماق قلبه أّال ينسيها ما تراه من‬
‫خلف الزجاج ما رأته باألمس‪.‬‬

‫عندما اقترب من الطاولة لم يكن هنالك سوى كرسيين فقط وعادت شحنات الغضب إلى‬
‫هاري وتساءل مرة أخرى عن سبب دعوته إلى هذا المكان‪ ،‬ولكن فيوليت أنقذت الموقف عندما‬
‫رفعت يدها‪ ،‬وطلبت من النادل كرسيًا آخر وهذا جعل مشاعر هاري تتورط معها أكثر فأكثر‪.‬‬

‫“ال تبالي بما فعله ليون‪ ،‬حسنًا”‪ .‬همست له بينما جلس بجانبها‪ ،‬أومأ بهدوء وابتسامة صغيرة‬
‫ارتسمت على وجهه وتبخر جزء كبير من غضبه‪.‬‬

‫“حسنًا فيوليت‪ ..‬ما رأيك برقصة قبل أن نتناول العشاء؟” قال ليون بعد نصف ساعة من‬
‫جلوسهما وانقبض قلب هاري مرة أخرى‪.‬‬
‫“أجل‪ ،‬ال بأس” قالت فيوليت‪ ،‬وأخذت يد ليون التي كانت ممدودة لها‪ ،‬وقفا في ساحة‬
‫الرقص الموجودة في الوسط والموسيقى الهادئة تعم المكان‪ .‬تغيرت الموسيقى إلى أخرى وانبثق‬
‫ضوء عمودي على ليون وانحنى على ركبته ورفع بيده علبة فيها خاتم‪ ،‬وابتسامة كبيرة على وجهه‪،‬‬
‫فجذب انتباه كل الموجودين ومن ضمنهم هاري‪.‬‬

‫“هل تقبلين الزواج بي؟” قال‪ ،‬وبدأ صراخ الجميع حولهم “نعم”‪ .‬بينما كان هاري يصرخ‬
‫داخليًا “ال‪ ،‬أرجوك يا إلهي‪ ،‬ال”‪ .‬مرت ذكريات سريعة لكل ما حدث له مع فيوليت منذ اللحظة‬
‫األولى التي شاهدها في مكتب العقار‪ ،‬إلى حين أخذها لتبدأ رحلة عالجها‪ ،‬عندما أستطاع أن يرسم‬
‫ابتسامة جميلة على ثغرها‪ ،‬وكان يشعر بأن كل األكسجين الموجود في المكان ال يكفيه‪ .‬لقد كانت‬
‫حبيبته‪ ،‬حبيبته التي لم تحبه يومًا‪.‬‬

‫“نعم” أجابت فيوليت وأغمضت عينيها‪ .‬ال تريد أن تكمل حياتها مع ليون هذا ما أدركته في‬
‫تلك اللحظة ولكنها ال تستطيع أن ترفض وبدأ صراخ وتصفيق من حولهما يرنان في أذنيها‪.‬‬

‫أدارت رأسها لترى هاري‪ ،‬ولكن كرسيه كان فارغًا‪ ،‬واجتاحها ألم في صدرها قاطعه يد ليون‬
‫التي أمسكت بيدها لكي تضع الخاتم حول أصبعها‪ ،‬بينما هي ال زالت تحدق بكرسي هاري الفارغ‪.‬‬

‫“ال بد أنه ذهب إلى دورة المياه” همس ليون في أذنها عندما الحظ المكان الذي تنظر إليه‪،‬‬
‫ولكنها لم تحرك ساكنًا واستمرت بالتحديق وتساءلت هل هاري يكن بعض المشاعر لها؟ وبالرغم من‬
‫وجود ليون بجانبها تمامًا إال أنها شعرت بالوحدة التي أخذت تدب في جسدها‪.‬‬

‫أين أنت يا هاري؟‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫ما بعد الموجة األولى‬


‫‪ ‬‬

‫في إحدى سيارات األجرة‬

‫وضع هاري وجهه بين يديه‪ ،‬وبدأت األسئلة تتزاحم داخل دماغه‪ .‬هل أراده ليون أن يكون‬
‫شاهدًا على خطبته لفيوليت؟! هل أراد أن يثبت لهاري أن فيوليت ملك له؟! هل فيوليت تحبه؟! هل‬
‫تريد أن تكمل بقية حياتها بجانبه؟! صفع جبينه ألن رأسه بدأ يؤلمه‪ ،‬وتسللت يده لكي تعبث بشعره‬
‫ار أن هذا مجرد كابوس مزعج وسيستيقظ قريبًا لكي يحدق‬
‫ار وتكر ًا‬
‫“اهدأ هاري‪ ،‬اهدأ” ردد في سره مر ًا‬
‫إلى وجه فيوليت دون أن تشعر به‪.‬‬

‫“لقد وصلنا‪ ،‬األجرة لو سمحت!” قال السائق‪ ،‬فأخرج هاري ما وقعت يده عليه ودون أن‬
‫يأخذ البقية ترك السيارة وأغلق الباب‪.‬‬

‫“سيدي لقد نسيت باقي النقود”‪ .‬صرخ السائق من نافذة السيارة‪.‬‬

‫“احتفظ بها‪ ،‬تمّتع بعشاء جيد مع حبيبتك” قال له هاري‪ ،‬وهو يكمل سيره دون أن يلتفت‬
‫وينظر إلى السائق‪ .‬وضع المفتاح في القفل‪ ،‬وعندما اخترقت رائحة معطر الجو بالفانيليا الذي‬
‫اعتادت فيوليت استخدامه أنفه أدرك أن هذا اليوم لم يكن أحد كوابيسه المزعجة‪ ،‬ألنه ليس من‬
‫العادة أن يستنشق الروائح في أحالمه‪.‬‬

‫خلع معطفه وألقاه على األريكة‪ ،‬وصعد الساللم‪ ،‬ووقف أمام باب حجرة فيوليت‪ ،‬وضع يده‬
‫على المقبض بهدوء‪ ،‬أداره ودخل‪ ،‬واجتاحت رائحة عطر فيوليت أنفه‪ ،‬فأغمض عينيه‪ ،‬وعاد‬
‫بذاكرته لكل اللحظات التي قضاها معها‪.‬‬
‫وعاد لسؤال نفسه‪ :‬هل حقًا لن تكون ملكه! ربما ما كان يجب عليه أن يحبها منذ البداية‪.‬‬

‫مشاعر من الغضب والحزن وخيبة األمل بدأت تستولي عليه‪ ،‬لذلك خرج مسرعًا‪ ،‬وأغلق‬
‫الباب خلفه‪ ،‬فتح باب حجرته وأخرج أول شيء وجده في الخزانة‪ ،‬وألقى بالبدلة التي كان يرتديها في‬
‫سلة الغسيل الصغيرة‪ ،‬لم يكن يريد أن يراها مجددًا وال حتى في أسوأ كوابيسه‪.‬‬

‫غادر الحجرة‪ ،‬ربما يجب أن يغادر لألبد‪ ،‬ربما من األفضل أن ال يرى فيوليت مرة أخرى‪،‬‬
‫من األفضل أن ال يعود إلى ذلك المنزل‪.‬‬

‫ومع هذه األفكار التي كانت تدور في رأسه قاد هاري سيارته وابتعد عن المنزل‪.‬‬

‫*****‬

‫لوحت فيوليت نحو ليون‪ ،‬بينما ابتعدت سيارته‪ ،‬وضعت المفتاح في قفل الباب‪ ،‬ودخلت‬
‫المنزل الذي كان معدومًا من الحياة بكل األشكال‪ ،‬ال يوجد سوى معطف هاري األسود على األريكة‬
‫أخذته في يدها واتجهت إلى حجرة هاري التي كان بابها مفتوحًا‪.‬‬

‫“هاري!” نادته بينما دخلت الحجرة‪ ،‬وأول شيء وقعت عيناها عليه هو بدلته الملقاة في سلة‬
‫الغسيل الصغيرة الخالية تمامًا إال من البدلة السوداء والقميص األبيض‪.‬‬

‫*****‬
‫اليوم التالي‪ ،‬الرابعة عصرًا الشارع الشرقي الواحد والخمسون‬

‫ركن هاري سيارته بالقرب من المنزل‪ ،‬وأوقف عمل المحرك‪ ،‬ووضع رأسه على المقود‪ .‬لم‬
‫يكن قد تناول شيئًا منذ ما يقارب ‪ 24‬ساعة ولم يحصل حتى على غفوة‪ ،‬وكل ما كان يفعله طوال‬
‫مثير للشفقة‪.‬‬
‫الليل والصباح هو قيادة السيارة بال هدف ويكاد يجزم أن مظهره اآلن يبدو ًا‬

‫ظل يفكر طوال الليل‪ ،‬وما خرج به ال نقاش فيه‪ :‬سوف يكمل رحلة عالج فيوليت‪ ،‬بالرغم‬
‫من كل شيء‪ .‬هو من بدأ هذا األمر وهو من سوف ينهيه‪ ،‬سوف يؤلمه أن يرى فيوليت مع ليون‪،‬‬
‫ولكن سوف يؤلمه أكثر أن يراها مع شخص ال تحبه أو أن تعيش بال حب‪.‬‬
‫في المقام األول كان يسعى اآلن لتحرير قلب فيوليت‪ ،‬وعندها سيختار قلبها بملء إرادته من‬
‫يريد‪ ،‬وعندها سيبتعد عن الساحة‪.‬‬

‫أغلق السيارة‪ ،‬وبدأ بالمشي على الرصيف المغطى بالثلج‪.‬‬

‫لم ير سيارة ليون أمام المنزل‪ ،‬وهذا لم يجلب سوى فكرة واحدة إلى رأسه “لقد أخذها ليون‬
‫إلى فندق”‪ .‬تسارعت خطواته‪ ،‬وفتح الباب‪ ،‬وفي لحظة كان يقف أمام األريكة التي تنام عليها‬
‫فيوليت وتحتضن معطفه الذي ألقاه على األريكة نفسها البارحة‪ .‬تنفس براحة نفسًا طويًال حتى‬
‫امتألت رئتاه باألكسجين وشحنات ضئيلة من األمل‪ .‬ركع‪ ،‬ووضع يده على يديها التي تمسك‬
‫بمعطفه بقوة‪ ،‬وبدأت تفتح عينيها اللتين لطالما أحب لونهما‪.‬‬

‫“يا إلهي‪ ،‬هاري كنت أنتظرك” قالت والبهجة تتضح في صوتها بعد أن أصبحت تجلس‬
‫اآلن‪ ،‬ابتعد عن األريكة ووقف هو بدوره ينتظر ما الذي سوف تفعله‪ ،‬وقفت وطوقته بذراعيها “لقد‬
‫خفت أن تكون رحلت‪ ،‬أو‪ ..‬أو أصابك مكروه” همست وبدا صوتها مختنقًا‪.‬‬

‫“ال بأس أنا هنا اآلن”‪ .‬أجابها بينما كان يشعر وكأن قطعة منه عادت إلى مكانها الصحيح‬
‫أخير‪.‬‬
‫ًا‬

‫“هل كل شيء بخير؟!” ابتعدت عنه‪ ،‬وسألته وكانت عيناها تتفحصان وجهه‪.‬‬

‫“أ‪ ..‬أوه‪ ،‬أجل لقد كنت في منزل زاك”‪ ،‬كانت كذبة بيضاء صغيرة‪ ..‬رفعت حاجبها غير‬
‫مصدقة ولكي يتجنب أسئلة أخرى قال‪“ :‬هيا استعدي يجب أن نذهب إلى المستشفى”‪.‬‬

‫“ولكن‪.”...‬‬

‫“هيا بسرعة ال يوجد مّتسع من الوقت” قاطعها ودفعها برفق إلى الساللم‪ ،‬صعدت الساللم‬
‫ببطء وهو استدار وتنّف س بعمق‪.‬‬

‫“فيوليت!” صدح صوت ليون من عند الباب‪ ،‬وفزع هاري وقال لنفسه‪“ :‬هل يعرف كيف‬
‫يقرع الجرس يا ترى!”‪.‬‬

‫“أوه‪ ،‬أهًال!” قال لهاري وابتسامة بغيضة على وجهه‪.‬‬


‫حدق هاري إلى وجهه‪ ،‬وبدأ الغضب يجتاحه من جديد وعاودته األفكار القاسية “لقد أخذها‬
‫مني”‪“ ،‬لقد تركها في المنزل وحيدة بعد أن طلب الزواج منها”‪ .‬لم يكن هاري قد سمع إجابة فيوليت‬
‫سواء بالقبول أو بالرفض‪ ،‬ولكن‪ - ‬ومن االبتسامة على وجه ليون ‪ - ‬استطاع معرفة الحقيقة المرة‬
‫أن فيوليت وافقت على الزواج منه لسبب يجهله‪.‬‬

‫“هيا هار‪ ”...‬توقفت فيوليت عن الكالم وهي تنظر إلى ليون‪“ .‬أهًال زوجة المستقبل” قال‬
‫ليون وأدار هاري رأسه لكي ال يرى المشهد القادم ألنه لن يسره‪.‬‬

‫“آسفة ليون ليس لدّي وقت‪ ،‬يجب أن أذهب إلى المستشفى مع هاري”‪ .‬قالت فيوليت ونظر‬
‫هاري إليهما ليجد فيوليت تضع يديها على صدر ليون لكي تبعده‪.‬‬

‫“ال‪ ،‬لن تذهبي”‪.‬‬

‫“هيا لنذهب فيوليت” قال هاري ووضع يده خلف كتفها‪.‬‬

‫“قلت لن تذهب” كرر ليون‪.‬‬

‫“عذر ليون‪ ،‬ولكن يجب أن أذهب‪ ،‬حتى لو لم يرضك هذا”‪ .‬قالت فيوليت ألنها لم تكن‬
‫ًا‬
‫تفكر في طاعة ليون في أمور عالجها نهائيًا‪ ،‬وابتعدت عن قبضته‪ .‬سارت فيوليت وخطا هاري‬
‫أولى خطواته خلفها‪ ،‬عندما شعر بيد ليون تحاول جعله يستدير‪ ،‬وفي ذلك الجزء من الثانية تمامًا‬
‫تفجر غضب هاري‪ ،‬واستدار بالفعل وأمسك بياقة ليون ودفعه نحو الجدار‪.‬‬

‫صّر أسنانه وقال‪“ :‬ال تجبرني على القيام بما قد ال يسرك”‪.‬‬

‫“هاري”‪ .‬قالت فيوليت فترك ليون وخرج من المنزل دون أن يسمع رد األخير‪ .‬شّغ ل محرك‬
‫السيارة الذي لم يكن قد هدأ سوى أثناء الدقائق السابقة‪ ،‬وسلك طريق المستشفى وهو يشعر بأن‬
‫أنفاسه بدأت تهدأ‪ ،‬ربما ألنه نّف س قليًال من غضبه‪.‬‬

‫وبال سابق إنذار تذكر المرة األولى التي أخبرته فيها فيوليت عن مرضها‪ ،‬ولكنه لم يكن‬
‫يتذكر كيف بدأ األمر‪ ،‬وكرر في سره “تذّك ر هاري‪ ،‬تذّك ر” توقف عند إشارة وأغمض عينيه بقوة‬
‫أخير‪ ،‬لمعت الذكرى في رأسه‪“ :‬فيوليت هل تذكرين عندما حدثتني للمرة األولى عن‬
‫محاوًال التذكر و ًا‬
‫مرضك!” سألها وشاهدها تعطيه إيماءة صغيرة من طرف عينيها‪“ .‬لقد تحّد ثت إزابيال عن أدوية! ما‬
‫الذي كانت تتحدث عنه؟” سألها‪.‬‬

‫“أ‪ ..‬همم‪ ..‬في الحقيقة‪ ..‬لقد أخذت أدوية لبضعة أيام ثم تخلصت منها جميعها” قالت وهي‬
‫تحدق إلى الالشيء‪.‬‬

‫“لماذا!”‪.‬‬

‫“لم يكن لدّي الدافع” قالت‪ ،‬وأدرك أنها لم تكن ترغب في التحدث عن التفاصيل لذلك انتهى‬
‫النقاش‪.‬‬

‫ركن السيارة في أول مكان فارغ وجده‪ ،‬وترجال من السيارة‪ .‬دخال المستشفى الذي كانت‬
‫درجة الح اررة فيه أعلى من الخارج‪ ،‬وجلسا على كراسي االنتظار المرصوصة في الممر األبيض‪،‬‬
‫بعد دقائق خرجت ممرضة وجالت بنظرها حتى رأتهما‪ ،‬فابتسمت وحركت رأسها‪ :‬فقال‪“ :‬هّيا‬
‫فيوليت”‪ .‬وقف ولكن لثانية أصبحت رؤيته مشوشة‪“ :‬هل أنت بخير؟” سألته فيوليت ووضعت يدها‬
‫على كتفه‪“ .‬بالطبع” أخبرها ووضع ذراعه حول كتفها ودخال غرفة الطبيب‪.‬‬

‫*****‬

‫أخذ كيس األدوية وسار بجانب فيوليت‪“ :‬هذا جيد جدًا‪ ،‬لم تتطلب حالتك تدخًال جراحيًا‪،‬‬
‫فقط داومي على هذه األدوية وسيكون كل شيء على ما يرام” قال لها بينما كانا يغادران المستشفى‪،‬‬
‫وكان الثلج يتساقط بغ ازرة ويغطي سطوح السيارات واألرصفة‪.‬‬

‫وقفت فيوليت أمام هاري‪ ،‬ولفت يديها حول جسده‪ ،‬وللمرة األولى لم يكن دافئًا كالعادة‪،‬‬
‫رفعت رأسها ونظرت إليه وتساءلت لماذا لم تلحظ شحوب بشرته؟ وضعت كلتا يديها على خديه‬
‫بحثًا عن أي مؤشرات إيجابية بينما أغمض عينيه وسحب نفسًا طويًال‪ .‬وبال سابق إنذار أغمض‬
‫عينيه وظهرت ابتسامة صغيرة على وجهه‪ ،‬ثم خارت قواه وسقط جسده على األرض المغطاة بالثلج‪.‬‬

‫*****‬

‫أخير‪ ،‬عاد شعور الواقع إلى هاري‪ ،‬وبدأ يشعر بجسده‪ ،‬فتح عينيه لكي يتسلل ضوء اإلنارة‬
‫ًا‬
‫مسببًا إغالقه لهما مرة أخرى‪ ،‬وحاول بعد ثوان فتحهما ببطء أكبر‪ ،‬وكان أول ما رآه هو بياض‬
‫الغرفة‪ ،‬الغرفة التي أدرك مباشرة أنها غرفة المستشفى وأخذت عيناه تجوبان المكان‪ ،‬ولم يكن هنالك‬
‫شيء مهم لرؤيته‪.‬‬

‫ثم سمع صوت مقبض الباب‪ ،‬ودخلت فيوليت‪ .‬ارتسمت ابتسامة كبيرة على شفتيها جعلته‬
‫يحاول جاهدًا أن يبتسم بدوره‪ ،‬ولكن هذا كان صعبًا على عضالت وجهه التي كانت مسترخية طوال‬
‫الساعات الماضية‪ ،‬ولكن ما لفت نظره تبديل فيوليت لما كانت ترتديه‪.‬‬

‫“هل أنت بخير اآلن!؟” سألته بينما كانت تخطو نحوه‪.‬‬

‫“أأ‪ ..‬أجل‪ ..‬ما الذي حدث لي!”‪ .‬خرج صوته بصعوبة‪.‬‬

‫“لقد فقدت وعيك بسبب قلة النوم والطعام‪ ،‬إنها التاسعة مساًء ؛ لقد نمت فترة طويلة”‪ .‬أجابته‬
‫مبتسمة وقد بدت مرحة‪.‬‬

‫“هل ذهبِت إلى المنزل؟”‪ ،‬سألها وهو ينظر إلى مالبسها‪.‬‬

‫“أجل لقد بدلت مالبسي‪ ،‬وجلبت لك بعض المالبس أيضًا‪ .‬لقد وصلت للتو ولم أتأخر ألن‬
‫ليون لم يكن في المنزل”‪ .‬أجابته ووضعت حقيبة الظهر في الخزانة الصغيرة بجانب السرير‪ .‬ثم‬
‫جلست إلى جانبه‪ ،‬ووضعت يدها على جبينه “هل تشعر بتحسن؟” همست له وهي تحدق إلى عينيه‬
‫فأومأ‪ ،‬وامتدت يدها األخرى لكي تضغط على زر استدعاء الممرضة لكي تخبرها عن استيقاظ‬
‫هاري‪ .‬ولم تمر دقائق حتى وصلت الممرضة‪ ،‬ومعها أخرى وفي يدها صحن يحتوي على أصناف‬
‫عدة من الطعام‪ ،‬أو الطعام الصحي باألحرى‪.‬‬

‫“ال أريد تناول هذا؟” تذمر هاري ما إن غادرت الممرضتان الغرفة بعد أن فحصته إحداهما‪،‬‬
‫ووضعت له األخرى الطعام‪.‬‬

‫“هذا الخيار ليس متاحًا‪ ،‬في الحقيقة ستتناول هذا بالكامل‪ ،‬وسأشرف شخصيًا على ذلك”‪.‬‬
‫أخبرته بنبرة صارمة تخفي خلفها رنة من المرح‪ .‬رفع ظهره لكي يستطيع الجلوس‪ ،‬ووضعت يدها‬
‫خلف ظهره لكي تساعده‪ ،‬وبسبب األنبوب المتصل بيده‪ ،‬لم يحصل على الحرية الكافية لكي يحرك‬
‫يده‪ ،‬لذلك ساعدته فيوليت في إيصال الطعام إلى معدته الخاوية‪.‬‬

‫*****‬
‫“أما زلت ممنوعًا من تناول الطعام غير الصحي‪ ”.‬تذمر هاري بينما اتكأ على طاولة‬
‫المطبخ يحدق إلى فيوليت التي كانت تعد شيئًا ما‪ ،‬وبسبب األيام السابقة استطاع أن يدرك أنها تعد‬
‫وجبة صحية‪ ،‬فهي لم تسمح له بتناول أي طعام ضار‪ ،‬واستمرت بإطعامه أطنانًا من الفواكه‪ .‬لم‬
‫يكن ليون قد زارهما منذ ذلك اليوم‪ ،‬تستمر فيوليت باالتصال به ولكن دون الحصول على إجابة‪،‬‬
‫والغريب أنها لم تقلق مبررة ذلك لهاري بأنه دائمًا ما يفعل هذا‪.‬‬

‫كانت األمور تسير على ما يرام بالنسبة إلى هاري الذي كانت توليه فيوليت عناية فائقة‪،‬‬
‫ولكن ال بد للغيوم أن تعاود الظهور في السماء الصافية‪ .‬لذلك‪ ،‬وفي اليوم ذاته‪ ،‬اتصل والد فيوليت‬
‫لكي يخبرها بأمر ما كان كفيًال بتغيير مزاجها تمامًا‪ ،‬وطلبت في تلك الليلة من هاري أن يبقى قريبًا‬
‫منها‪ .‬وقبل أن يغط في النوم بدا له أنه سمع صوتها وهي تهمس “أنا آسفة”‪.‬‬

‫في اليوم التالي‪ ،‬استيقظ ليجد ورقة صغيرة على الطاولة التي أمامه‪.‬‬

‫مرحبًا هاري‪ ،‬لقد غادرت إلى إنجلت ار فقد توفيت جدتي وعائلتي بحاجة إل ‪ ،‬سأبقى هناك‬
‫ّي‬
‫حتى أنهي كل شيء‪ ،‬أتمنى العودة سريعًا‪ .‬لقد أخذت أدويتي وسأبذل قصارى جهدي ألخذها في‬
‫مواعيدها‪ ،‬استمر بتناول الطعام الصحي‪ ،‬لكي تستعيد صحتك وعافيتك‪ ،‬سأتصل بك ألتأكد أن كل‬
‫شيء يسير على خير ما يرام‪.‬‬

‫أراك قريبًا‪.‬‬

‫فيوليت‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫حزب الكارهين‬
‫‪ ‬‬

‫بدأت فيوليت بصعود سلم الطائرة‪ ،‬فقد كان والدها قد حجز التذكرة مسبقًا‪ ،‬وكل ما احتاجته‬
‫هو رسالة على البريد اإللكتروني فيها جميع ما تحتاج إليه لكي تجلس على مقعدها في الطائرة التي‬
‫لم تكن تعلم أنها سوف تكون على متنها إال قبل ساعات‪.‬‬

‫أخير‪ ،‬دخلت فيوليت الطائرة لكي ترى المقاعد‬


‫“أتمنى لك رحلة ممتعة” قالت المضيفة‪ .‬و ًا‬
‫الزرق المرتبة بدقة‪ ،‬والممرات الضيقة بين المقاعد‪ ،‬واإلضاءة البسيطة في السقف‪ .‬ألنها لم تركب‬
‫طائرة منذ مدة طويلة‪ ،‬كادت أن تنسى كيف تبدو‪.‬‬

‫كانت عالقة فيوليت مع عائلتها بسيطة‪ ،‬كانوا يعطون فيوليت المساحة الكافية لها‪ ،‬لذلك لم‬
‫تلتِق عائلتها منذ فترة طويلة وال هم أتوا لزيارتها سوى مرات قليلة وأقصى مدة يستطيعون قضاءها‬
‫معها هو ثالثة أيام‪.‬‬

‫جلست على مقعدها في المقدمة بجانب النافذة وفتحت الستارة لكي تستطيع رؤية األرض‬
‫التي تظهر عليها آثار الثلج‪ ،‬ألن الطقس بارد لدرجة ال تحتمل‪ ،‬وتمنت أن تكون إنجلت ار أكثر دفئًا‬
‫ولو قليًال‪.‬‬

‫جلست بجانبها امرأة بدت في األربعين من عمرها‪ ،‬ابتسمت لها بلطف‪ ،‬فبادلتها فيوليت‬
‫االبتسامة‪.‬‬

‫ربطت حزام المقعد حولها‪ ،‬وأخرجت سماعة األذن من حقيبتها‪ ،‬ووضعتها في أذنيها‪،‬‬
‫وشغلت أول أغنية وجدتها على القائمة وأعادت رأسها إلى الخلف متمنية النوم بعض الوقت‪.‬‬
‫*****‬

‫“سوف نهبط بعد قليل‪ ،‬استيقظي”‪ .‬بدأ الصوت يدخل رأسها لكي يعيدها إلى الواقع‪ ،‬وشعرت‬
‫بيد تحرك كتفها‪ .‬فتحت عينيها ببطء وكانت إضاءة الطائرة خفيفة‪ .‬حركت رأسها لكي تبحث عن‬
‫مصدر الصوت الذي أيقظها‪ ،‬والذي كان مصدره المرأة الجالسة بجانبها‪.‬‬

‫“شكر إليقاظي” قالت فيوليت بينما حاولت تصفية صوتها فأومأت لها المرأة‪ ،‬وابتسمت‬
‫ًا‬
‫بلطف لها مرة أخرى‪ .‬حدقت فيوليت من النافذة لكي تشاهد لندن ومن البياض الذي كان يكسوها‬
‫أخير‪ ،‬حطت الطائرة في مطار هيثرو‬
‫ًا‬ ‫أدركت مباشرًة أن طقسها لن يكون أفضل حاًال من نيويورك‪.‬‬
‫بلندن‪.‬‬

‫“أتمنى لك إقامة ممتعة” قالت المضيفة لفيوليت بينما كانت تغادر الطائرة وحولها كثير من‬
‫الركاب الذي ال تعرفهم‪ .‬حتى إنه لم يعد بوسعها رؤية المرأة التي كانت تجلس إلى جانبها‪ ،‬وقفت‬
‫كثير‪ ،‬أمسكتها وحملتها بعيدًا عن السير‬
‫ًا‬ ‫بانتظار حقيبتها ولحسن حظها لم تضطر ألن تنتظر‬
‫المتحرك الذي يحمل حقائب كثيرة بأشكال وألوان مختلفة‪.‬‬

‫بينما كانت تسير في أروقة المطار‪ ،‬لمحت محل قهوة من بعيد فقرقرت معدتها وكأنها‬
‫تستطيع مشاهدته هي األخرى‪ ،‬وقبل أن تدرك ما تفعله كانت بالفعل تطلب من البائع فطيرة مع‬
‫كوب قهوة‪.‬‬

‫وضع ما طلبته أمامها بعد دقيقتين‪ ،‬وجلست إلى إحدى الطاوالت الموجودة‪ ،‬وبعد دقائق‬
‫أمضتها في مشاهدة المسافرين وتناول طعامها وبينما كانت تقضم قضمتها األخيرة من الفطيرة‪ ،‬رن‬
‫هاتفها لكي يظهر اسم هاري على الشاشة‪ ،‬وبالرغم من أنها كادت أن تختنق من قطعة الفطيرة التي‬
‫لم تستطع ابتالعها ضغطت على زر اإلجابة‪ ،‬وبما أن سماعة األذن ال تزال موجودة لم تكن هنالك‬
‫بحاجة لكي ترفع الهاتف‪.‬‬

‫“لي!” صوت هاري من الجهة األخرى‪.‬‬

‫“أهًال هاري” قالت بينما أخذت رشفة من القهوة‪.‬‬


‫تنفس بعمق وقال‪“ :‬لقد قرأت رسالتك للتو‪ ،‬هل وصلِت إنجلترا؟” أخذت الكوب الورقي‬
‫المغطى في يدها وغادرت الطاولة‪.‬‬

‫“لقد وصلت للتو‪ ،‬مهًال هل تناولت إفطارك؟”‪.‬‬

‫“في الحقيقة ال”‪ .‬قال وكانت تستطيع أن تتخيله يعبث بشعر رأسه بيده‪.‬‬

‫“حسنًا‪ ،‬أنا أنتظر أن تثبت لي أنك تناولت الفاكهة مع اإلفطار”‪.‬‬

‫“حسنًا‪ ،‬ولكن هل ستطيلين البقاء في إنجلترا؟” سألها ولم تستطع معرفة ما خلف صوته‪.‬‬

‫“ليس لدّي أدنى فكرة‪ ،‬هل بإمكانك التحدث مع زاك بشأن العمل‪ .‬أنت تعلم أنني لم أذهب‬
‫إلى العمل في األيام السابقة‪ ،‬ولن أستطيع الذهاب في األيام القادمة”‪.‬‬

‫“بالطبع ال تقلقي تجاه هذا األمر إطالقًا”‪.‬‬

‫“شكر لك هاري”‪ .‬وكادت تجزم أن هذا كان أصدق شكر نطقت به في حياتها‪.‬‬
‫ًا‬

‫“ال حاجة‪ ،‬اعتني بنفسك وكوني بخير‪ ...‬سوف أفتقدك”‪ .‬وبدا بائسًا‪.‬‬

‫“وأنت أيضًا”‪ .‬قالت‪ ،‬وانتهت المكالمة‪.‬‬

‫“سوف أفتقدك أنا أيضًا” تمتمت بينما حدقت إلى شاشة هاتفها‪.‬‬

‫*****‬

‫وضعت فيوليت يدها على مقبض باب حجرتها‪ ،‬حجرتها التي لم تدخلها منذ مدة طويلة‪.‬‬

‫كانت قد حصلت على استقبال اعتيادي من والديها‪ ،‬لم تحظ برؤية إخوتها بعد‪ ،‬وحسب‬
‫كالم والدها هم اآلن خارج المنزل‪ .‬فور دخولها الحجرة اندفعت الذكريات إلى رأسها‪ ،‬حبيبها القديم‬
‫الذي تركها فور علمه بمرضها‪ ،‬إيقاظ والدتها لها كل يوم‪ ،‬السهر حتى وقت متأخر على مشاهدة‬
‫البرامج التلفزيونية‪ ،‬الليلة التي عرفت بها بالمرض الذي هي مصابة به‪ ،‬وتذكرت أختها الصغيرة‬
‫هانا عندما توقظها لكي تسمح لها بالنوم بجانبها‪ ،‬أنتم تعرفون الخوف من الوحش داخل الخزانة‪.‬‬
‫كل هذه الذكريات أبت إال أن تتزاحم داخل رأسها‪ ،‬وتمر مثل صور متحركة أمام عينيها واحدة تلو‬
‫األخرى‪ ،‬خطت داخل الحجرة الكبيرة‪ ،‬التي كانت عالمها الصغير سابقًا‪ ،‬ولم يكن أحد قد مسها بناء‬
‫لطلبها‪ ،‬كان كل شيء كما طلبته‪ ،‬خزانة خاوية‪ ،‬والبطانية البيضاء التي لطالما التف جسدها‬
‫بداخلها مع شخص ال تريد تذكره‪ ،‬كل شيء لم يتحرك‪ ،‬ولكنه بدا لها اآلن خاليًا من األلوان‪.‬‬

‫وقفت أمام الستار الذي يخفي خلفه نافذتها الكبيرة التي كانت تقضي ساعات طويلة أمامها‪،‬‬
‫تق أر كتابًا‪ ،‬تستمع ألغنية مفضلة أو ترتب أفكارها‪.‬‬

‫فتحت الستارة بقوة لكي يقتحم ضوء الشمس الغرفة‪ ،‬وانتشر وكأنه افتقد الدخول إلى هذا‬
‫ونادر‪.‬‬
‫ًا‬ ‫المكان‪ ،‬ضوء الشمس الذي كان توفر القليل منه في هذا الطقس شيئًا جميًال‬

‫ولكن صوت الباب جعلها تحرك رأسها لكي تنظر إلى الفتاة التي كانت تندفع نحوها‬
‫وتعانقها‪.‬‬

‫“فيوليت‪ ،‬يا إلهي لقد افتقدتك” همست في أذنها وبدا أنها ستبكي في أي ثانية‪.‬‬

‫هذه كانت أختها‪ ،‬أختها الصغرى هانا‪.‬‬

‫كثير” همست فيوليت ألختها بينما‬


‫ًا‬ ‫ابتعدت عنها قليًال وك رت وجهها بين يديها “لقد تغيرِت‬
‫ّو‬
‫كانت تتفّح ص وجهها‪“ .‬ولكنك لم تكوني بجانبي عندما أردتِك ”‪ .‬قالت وبدأت دموعها تتدحرج على‬
‫خدها‪ ،‬فاحتضنتها فيوليت ومسحت بيدها على رأسها‪.‬‬

‫“أنا هنا اآلن”‪.‬‬

‫*****‬

‫جلست إلى طاولة الطعام مع عائلتها مرة أخرى‪ ،‬بوجود أخيها البكر إيان وأختها التي‬
‫جلست إلى جانبها‪ .‬ولم تكف عن التحديق بوجه أختها‪ ،‬لكي تتأكد أنها ال تزال إلى جانبها‪.‬‬

‫ولما كان الوضع هادئًا على طاولة الطعام قررت فيوليت أنه الوقت المناسب للتحدث لذلك‬
‫أخذت نفسًا عميقًا وقالت‪“ :‬لقد طلب ليون الزواج مني” بينما رفعت يدها التي تحتوي على الخاتم‬
‫وفور إنهائها هذه الجملة حدقت كل األعين إليها‪ ،‬وسقطت الملعقة من يد والدها‪.‬‬
‫“أوه تهاني عزيزتي‪ ،‬لماذا لم تخبريني من قبل”‪ .‬قالت والدتها بسعادة بالغة بعد أن تخطت‬
‫الصدمة سريعًا‪.‬‬

‫“لقد حدث هذا قبل أيام عدة فقط” قالت ثم عاد كل منهم إلى التحديق في صحنه‪.‬‬

‫نعم‪ ،‬لقد كان الجميع في صف والدها الذي أخبرها بأنه ال يجدر بها االستمرار مع ليون ما‬
‫دامت ال تحبه‪ ،‬وهي تجزم أن طلب ليون لم يزد والدها وإيان إال كرهًا لليون‪.‬‬

‫أما والدتها فكانت الداعم الوحيد لعالقتها مع ليون‪ ،‬ألنها ال تريد أن ترى ابنتها عزباء إلى‬
‫األبد‪ .‬وال تريد أن يحول هذا المرض دون أن تعيش حياتها بشكل طبيعي‪ .‬ولكنها في الحقيقة‪ ،‬لم‬
‫تكن تقيم وزنًا لرأي أي واحد منهم‪.‬‬

‫ما إن أنهت طعامها حتى نهضت مغادرة ألنها كانت بحاجة إلى قسط من الراحة‪ ،‬نظرت‬
‫إلى عيني إيان الجالس أمامها ووجدت عينيه تحرقانها بالفعل‪ ،‬وكانت متيقنة أنه لو كان ليون هنا‬
‫لكان إيان قد حطم رأسه‪.‬‬

‫صعدت الساللم الطويلة‪ ،‬وسارت في الممر حتى وصلت أمام باب حجرتها‪ ،‬كانت شاشة‬
‫هاتفها الملقى على السرير بإهمال تحمل إشارة رسالة جديدة‪.‬‬

‫أخذت هاتفها‪ ،‬وفتحت الرسالة التي كانت من هاري‪ ،‬وقد أرسلت لها منذ الصباح‪ ،‬ولكنها‬
‫تشاهدها حتى اآلن في التاسعًة مساًء ‪ ،‬وتمنت أن ال يكون قد انتظر ردًا منها طوال هذا الوقت‪.‬‬
‫كانت الرسالة تحتوي صورة لقشور الفاكهة‪ .‬صحيح أن عددها أقل من المعتاد‪ ،‬ولكن كان من الجيد‬
‫بالنسبة إليها أنه تناولها دون أن تقف فوق رأسه حتى يدخلها إلى فمه‪.‬‬

‫وقبل أن تغلق الهاتف وصلتها رسالة أخرى من إزابيال‪“ :‬ليس حسنًا أن تتركي هذا الفتى هنا‬
‫شعر رائعًا‪ ،‬ال بد أن تجربي تمرير أصابعك عبره”‪ .‬وأرفقتها بصورة‬‫ًا‬ ‫بمفرده‪ ،‬وبالمناسبة هو يملك‬
‫كان هاري فيها يضع رأسه على كتفها بينما يبدو غارقًا في النوم‪.‬‬

‫وعندها تأكدت فيوليت أن هذا هو كل ما أرادته إزابيال‪ .‬ولو لم تكن تعرفها جيدًا لتركتها‬
‫تفعل ما تريده ولكن من وجهة نظرها هاري يستحق األفضل‪ ،‬وبالتأكيد إزابيال ليست األفضل‪.‬‬
‫فتح الباب فجأة‪ ،‬ودخل إيان مباشرة متوجهًا إلى سريرها الذي تجلس عليه وقال‪“ :‬ما الذي‬
‫يحدث معك؟”‪ .‬سألها أو باألحرى صرخ‪.‬‬

‫“ال شيء” تحدثت بالمباالة وكانت تعلم أنها تثير غضبه إلى درجة جنونية‪ .‬سحب نفسه‬
‫بقوة واستدار لكي يخرج‪ ،‬ولكن قبل أن يغلق باب الحجرة خلفه‪ ،‬التفت ونظر مباشرة إلى عينيها‬
‫وقال “غدًا مراسم الدفن‪ ،‬بعدها سوف نعود سويًا‪ ،‬أنا وأنت‪ ،‬إلى نيويورك”‪ .‬ثم خرج وصفق الباب‬
‫خلفه‪.‬‬

‫*****‬
‫الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬نيويورك‬

‫خرج هاري من الشركة ولم تكن الشمس قد أفلت بعد‪ ،‬ولكن لم يكن ألشعتها تأثير يذكر‬
‫على الطقس‪.‬‬

‫تحدث مع زاك عن أمر فيوليت التي غادرت البالد صباح اليوم‪ ،‬فلم يظهر أي انزعاج وكل‬
‫ما قاله هو‪“ :‬خذ الوقت الذي تريده ولكن عندما تعود ينتظرك كثير من العمل”‪ .‬وطبطب على كتف‬
‫هاري وغادر إلى االجتماع التالي الذي كان بانتظاره‪.‬‬

‫بدأ هاتفه الموجود في جيب بنطاله يرن‪ ،‬ومن حسن حظه تزامن هذا مع توقف اإلشارة‪.‬‬

‫“أهًال!” أجاب على الهاتف‪ ،‬وكان صوت إزابيال من الجهة األخرى “أهًال هاري هل أنت في‬
‫المنزل؟ أنا أقف في الخارج منذ مدة”‪.‬‬

‫“آه‪ ...‬ال في الحقيقة أنا في طريقي إلى المنزل اآلن‪ ،‬هل بإمكانك االنتظار قليًال؟” أجابها‬
‫بينما عادت حركة السير‪.‬‬

‫“أجل بالطبع‪ ،‬سأنتظرك” وأنهت المكالمة‪.‬‬

‫ظن أن من األفضل أن تكون موجودة حاليًا ألن كل ما يحتاجه اآلن هو شخص ما‪.‬‬

‫ركن السيارة في المكان المعتاد وترجل منها سريعًا‪ ،‬وبالفعل كانت إزابيال تنتظره أمام المنزل‬
‫واعتلت وجهها ابتسامة كبيرة عندما رأته يسير وحيدًا‪.‬‬
‫عند وصوله لكي يصافحها طوقته بذراعيها وعانقته بشدة لم يعتدها منها‪ .‬وقبل أن تبتعد‬
‫تراجع خطوة إلى الخلف وأكبر ابتسامة متوترة ترتسم على وجهه‪.‬‬

‫“أين فيوليت؟” سألته مع تعابير غريبة على وجهها لم يستطيع فهمها‪.‬‬

‫“لقد غادرت إلى إنجلت ار في زيارة مهمة إلى عائلتها”‪ .‬اختصر بينما أدار المفتاح داخل القفل‬
‫لكي يفاجأ بوجود ليون على األريكة!‬

‫“ما الذي تفعله هنا؟” سأل ليون هاري واتضح من اتجاه بصره أنه يسأل عن فيوليت فأخذ‬
‫هاري نفسًا عميقًا‪ ،‬ألنه أدرك تمامًا أن آخر شيء يريده اآلن هو الدخول في نقاش معه‪.‬‬

‫“إن كنت هنا من أجل فيوليت فابحث عنها في إنجلترا‪ ،‬واآلن هل يمكنك المغادرة؟”‪.‬‬

‫التف رأسه ونظر إلى هاري بعينين واسعتين “انتظر‪ ،‬ما الذي تفعله فيوليت هناك!”‪.‬‬

‫“لست متحدثًا باسمها‪ ،‬بإمكانك االتصال بها وطرح السؤال عليها بنفسك‪ ،‬واآلن هل‬
‫خرجت؟” تحدث هاري من بين أسنانه‪.‬‬

‫“إنه منزل خطيبتي إن كنت نسيت”‪.‬‬

‫فارتفع حاجبا هاري باستهزاء ثم قال‪“ :‬ولكنه منزلي‪ ،‬إن كنت نسيت!” وأنهى جملته بإشارته‬
‫إلى الباب‪ ،‬ولكن ألن ليون لن يخرج هكذا لذلك وقبل خروجه اقترب من أذن هاري وهمس بصوته‬
‫المقزز‪“ :‬صحيح إنه منزلك أيضًا‪ ،‬ولكن فيوليت لن تكون لك أبدًا”‪.‬‬

‫*****‬

‫“هاري” سمع صوت شخص بدا له صوت فيوليت وهذا كان سبب اقترابه أكثر من مصدر‬
‫الصوت والتفاف يده حول الشخص بجانبه‪“ ،‬ولكن مهًال‪ ،‬هذه ليست رائحة فيوليت” أدرك هذا‬
‫ومباشرًة فتح عينيه بسرعة وعاد للخلف لكي يرى إزابيال الجالسة بجانبه‪.‬‬

‫“لقد نمت أثناء الفيلم وأيقظتك لكي تنام بشكل أفضل” قالت وابتسامة غريبة على وجهها‪،‬‬
‫ولم يدرك هاري أنها أثناء نومه كانت قد التقطت تلك الصورة بعد تحريكها لرأس هاري لتضعه على‬
‫كتفها وترسلها إلى فيوليت‪.‬‬
‫مغادر “ولكن مهًال ماذا‬
‫ًا‬ ‫شكر‪ ”...‬قال محاوًال تجاهل فعلته الغبية قبل قليل ووقف‬
‫ًا‬ ‫“أوه‬
‫عنِك !” سألها بينما كان يضع قدمه على أول درجات السلم‪ ،‬إذا كان هو ذاهبًا للنوم فما الذي سوف‬
‫تفعله هي!‬

‫“ليست لدي أدنى فكرة حقًا‪ ،‬الوقت تأخر و‪ ...‬هل يمكنني النوم هنا؟ ولكن هل يوجد مكان‬
‫لي؟” قالت وهي تحاول أن تبدو لطيفة‪ .‬ثم بدأ هاري يفكر في نفسه‪“ :‬ال مانع لدي في نومها هنا‪،‬‬
‫ألن البقاء وحيدًا فكرة ال أفضلها أبدًا‪ ،‬ولكن صحيح أين يمكن أن تنام؟ حجرة فيوليت مستبعدة‪ ،‬وأنا‬
‫أعلم كم تكره فيوليت أن يدخل أحد حجرتها‪ ،‬ولكن ال يوجد مكان آخر صالح للنوم سوى‪.”...‬‬

‫“سوف تنامين في حجرتي” قال لها وهذا ما رسم ابتسامة غريبة على وجهها‪.‬‬

‫“أنا آسفة بإمكاني الذهاب لو أردت”‪ ،‬قالت بينما كانا يصعدان درجات السلم‪.‬‬

‫“ال‪ ،‬ال بأس” قال بصوت ال يتوقع أن تكون سمعته حتى فتحت باب حجرته‪ .‬كانت‬
‫اإلضاءة خافته جدًا وهذا جلب له مزيدًا من النعاس‪.‬‬

‫“أغلقي الباب رجاًء ” قال‪ .‬ولكن تصرفات إزابيال كانت غريبة في تلك اللحظة‪ ،‬وبدت مقززه‬
‫بالنسبة إلى هاري الذي أدرك أن نواياها لم تكن طيبة‪ ،‬لذلك قرر أنه من األفضل إيقاف األمور قبل‬
‫أن تبدأ‪.‬‬

‫“سوف أوصلك إلى منزلك‪ ،‬استعدي” قال ذلك وتمكن من رؤية خيبة األمل والغضب على‬
‫وجهها‪ .‬نسي التعب واإلرهاق وأخذ مفتاح سيارته وخرج ينتظرها في األسفل‪.‬‬

‫*****‬
‫‪ -‬اليوم الثاني‬

‫أمضى اليوم على السرير والكمبيوتر المحمول موضوع بجانبه‪ ،‬وصحن فواكه‪ ،‬ليس من‬
‫أجل صحته بل من أجل فيوليت التي أخبرته أن جنازة جدتها اليوم وهي ترغب في أن تعود سريعًا‬
‫وهذا ما أثار فضوله‪ .‬هل يوجد أحد ال يرغب في أن يبقى وقتًا أطول مع عائلته؟‬

‫‪ -‬اليوم الثالث‬
‫األمطار تكاد ال تتوقف منذ البارحة‪ ،‬والجو أصبح أكثر برودة حتى داخل المنزل‪ .‬لم يخرج‬
‫من حجرته وصحن الفواكه باإلضافة إلى قوارير المياه بدأت تنفد‪.‬‬

‫‪ -‬اليوم الرابع‬

‫اضطر للخروج من الغرفة لجلب أطعمة أخرى لكي يتناولها أثناء جلوسه على السرير‪ ،‬وألنه‬
‫لم يغادر حجرته منذ يومين بدا المنزل موحشًا وخاويًا من كل أشكال الحياة‪ ،‬ورائحة معطر الجو‬
‫بالفانيليا اختفت تمامًا‪ .‬لم ترفع فيوليت هاتفها ولم ترد على رسائله وهذا لم يجلب له سوى مزيد من‬
‫القلق‪.‬‬

‫‪ -‬اليوم الخامس‬

‫الطقس متجمد في الخارج‪ ..‬يجلس وحيدًا في حجرته وركبتاه تالمسان صدره‪ .‬لم يجلب هذا‬
‫له سوى شيء واحد‪ ..‬ذكريات إنجلت ار التي جاء إلى هنا هربًا منها‪.‬‬

‫لماذا يبدو كل شيء بال طعم؟ وال رائحة؟ وال لون؟ لماذا لم يرن هاتفه ولم تضئ شاشته منذ‬
‫مدة! لماذا لم يلحظ شخص ما اختفاءه؟ أم أن وجوده وعدمه لم يشّك ال فرقًا؟ لماذا كل ما هرب منه‬
‫يحاول العودة إليه اآلن؟ لماذا يشعر أن تلك المرحلة السوداء التي ظن أنه تخطاها تحاول العودة‬
‫مجددًا؟ كان بحاجة إلى شخص ما‪ ،‬بحاجة إليك فيوليت‪.‬‬

‫‪ -‬اليوم السادس‬

‫فتح عينيه بصعوبة بسبب الصداع الفظيع‪ ،‬وبسبب رنين هاتفه‪.‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫الوعد القديم‬
‫‪ ‬‬

‫على مقاعد الطائرة التي تحلق على ارتفاع أكثر من ‪ ٢٠‬ألف قدم‬

‫ها هي مرة أخرى تجلس على مقعد الطائرة ولكن مع بعض االختالفات‪ :‬جلوس إيان على‬
‫المقعد المجاور لها‪ ،‬اختالف الوجهة والتي كانت هذه المرة إلى المنزل‪ ..‬المنزل الحقيقي الذي‬
‫يسكن فيه قلبها‪.‬‬

‫قاطع أفكارها إيان “لماذا قبلِت ؟!”‪.‬‬

‫“قبلت بماذا!” تساءلت بغباء‪.‬‬

‫“فيوليت‪ ،‬ال تفقديني أعصابي لماذا قبلِت الزواج من ذلك الشخص؟!”‪.‬‬

‫“عالقاتي ال شأن لك بها” قالت متجاهلة كرهه لليون إلى درجة أنه لم يرغب بذكر اسمه‪.‬‬
‫ورغبة منها في أن ينتهي النقاش هذا حّو لت نظرها إلى النافذة‪.‬‬

‫“أنا شقيقك فيوليت”‪.‬‬

‫“معلومة قديمة”‪.‬‬

‫وقبل أن تعود إلى خيالها مرة أخرى وضع إيان يده على ذقنها لكي يحرك رأسها وسبب هذا‬
‫اتصاًال بصريًا بينهما‪ .‬كان منحنيًا على مقبض المقعد‪ ،‬ينظر إليها وبعض الحزن غطى على‬
‫صوته “أنا شقيقك‪ ،‬وألنني كذلك يمكنني معرفة أنك لم ولن تقعي في حبه‪ .‬ولكنك توافقين على‬
‫الزواج منه وهذا ما يحيرني! فيوليت لقد بقيت بعيدًا عنك في السنوات الماضية وأظن أن الوقت‬
‫حان لكي أعود”‪.‬‬

‫“إنه وعد قديم” قالت باختصار ألن قلبها بدء يلين ولكن إجابتها كانت سببًا لتجمد مالمح‬
‫إيان بال فهم‪ .‬فتح فمه لكي يقول شيئًا ما ولكنها كانت محاولة فاشلة إذ لم يخرج أي شيء سوى‬
‫همهمة بالكاد تسمع‪ ،‬عندها قررت فيوليت أن الوقت قد حان‪“ :‬حسنًا‪ ،‬حسنًا‪ ..‬كل ما في األمر لقد‬
‫قطعت وعدًا على نفسي أكثر من مرة لكي أكون أكثر دقة‪ .‬لقد ساعدني ليون لكي أخرج من‬
‫شرنقتي‪ ،‬أحبني بالرغم من أنه كان يعلم أنه ليس لديه أدنى فرصة في الحصول على حبي‬
‫بالمقابل‪ ،‬لذلك بدوري قطعت وعدًا على أن أبقى معه إلى أن يرفض هو بقائي” قالت ومع كل جملة‬
‫كانت تخرج من فمها كانت عينا إيان تتوسعان أكثر‪.‬‬

‫“هل تمازحينني!” صرخ فاتجهت كل األنظار إليهما‪.‬‬

‫“وهل يبدو لك أنني أمازحك؟” حركت رأسها نحو النافذة ورفعت سماعتي الرأس لكي تكونا‬
‫داخل أذنيها اآلن‪ ،‬وعندها ندمت ألنها أخبرته بذلك الوعد‪ .‬تستطيع اآلن أن تشعر بأخيها يكاد‬
‫ينفجر بجانبها وهذا سبب كاٍف لكي تزفر الهواء بتأفف‪.‬‬

‫*****‬

‫“سيداتي‪ ،‬سادتي‪ :‬هنا كابتن الطائرة‪ ،‬لقد هبطنا للتو بمطار جون إف كينيدي الدولي في‬
‫نيويورك حيث تسجل الح اررة درجتين مئويتين‪ .‬يرى البقاء جلوسًا أثناء الدوران وحافظوا على ربط‬
‫أحزمة األمان إلى أن تتوقف الطائرة كليًا‪ ،‬حاذروا من تساقط أمتعتكم عند فتح مقصورات األمتعة‬
‫وتحققوا من عدم نسيان أي شيء‪ ،‬باسم فريق الطائرة كله‪ ،‬نتمنى لكم يومًا ممتعًا ونأمل رؤيتكم قريبًا‬
‫على متن خطوطنا”‪.‬‬

‫استيقظ أيان بصعوبة يحاول جاهدًا إبعاد النعاس‪ ،‬ولملمت فيوليت حاجياتها التي كانت قد‬
‫أخرجتها من حقيبة الظهر لتستخدمها أثناء الرحلة‪.‬‬

‫“ال تخبريني أننا سوف نستخدم سيارة األجرة!” قال إيان ألخته بينما هما يسيران في ساحات‬
‫المطار الواسعة ألن إيان يكره استخدام سيارات األجرة ظنًا منه أنه يمكن أن يخطف أو أن يكون‬
‫السائق قد دس في حقيبته كيس مخدرات‪ .‬كانت تلك األوهام تسيطر على عقله الذي يبلغ من العمر‬
‫‪ 22‬عامًا‪.‬‬

‫لذلك فكرت فيوليت أنه ال يمكن ألي شخص أن يأخذهما إلى المنزل سوى هاري حيث إن‬
‫ليون مستبعد ألنه غاضب منذ أن اتصل بفيوليت يتذمر ألن هاري يعلم بأمر سفرها وهو ال يعلم‪،‬‬
‫لذلك تمتمت فيوليت بينما هي ترفع هاتفها‪“ :‬يا للرجال”‪.‬‬

‫ولكنها لم تتواصل معه منذ مدة‪ ،‬وشعرت بالخجل من ذلك‪ .‬ولكن كانت لديها أسبابها‬
‫وأولها‪ :‬لم ترغب في فتح هاتفها لكي ال تتشاجر مع ليون‪ ،‬وبعد ذلك االلتزامات التي كان يجب‬
‫أخير النقاشات الحادة مع ”حزب كارهي ليون”‪.‬‬
‫عليها حضورها مع عائلتها بعد الجنازة‪ ،‬و ًا‬

‫“ال‪ ...‬سوف أتصل بهاري” أفصحت بينما بدأت أصابعها تبحث عن رقم هاري في قائمة‬
‫الهاتف‪.‬‬

‫“ومن يكون “هاري”؟” سأل وكانت تستطيع رؤية الرجاء في عينيه أن ال تكون صدمة‬
‫جديدة‪.‬‬

‫“الشخص الذي بسبب والدي كان ال بد أن يشاركني السكن” أجابته وما زالت عيناها تبحثان‬
‫عن اسم هاري‪.‬‬

‫“مهًال لماذا تتحدثين عنه هكذا؟ هل هو شخص سيئ؟ ليون آخر أعني!” قال ووقف أمامها‬
‫مانعًا إياها من التقدم‪.‬‬

‫“ال‪ ،‬إنه شخص لطيف‪ .‬واآلن هل بإمكاني إيجاد رقمه واالتصال دون سماع مقاطعاتك!”‬
‫صرخت‪ .‬فعاد للوقوف بجانبها مع ابتسامة خبيثة على وجهه‪.‬‬

‫ضغطت على رقم هاري ووضعت الهاتف على أذنها لكي تستمع إلى الرنين الذي توقف بعد‬
‫الرنة السادسة “مرحبًا” أجاب وكان صوته ثقيًال وغريبًا جدًا ألذنيها‪.‬‬

‫“هل أنت بخير؟” خرج السؤال دون أن تشعر به‪.‬‬

‫“أوه‪ ،‬أجل‪ ..‬لقد استيقظت للتو” قال بعد تنهيدة صغيرة‪.‬‬


‫“أنا آسفة على إيقاظك ولكن هل بإمكانك أخذي من المطار؟ لقد أصر أخي على السفر‬
‫معي وهو لديه فوبيا سيارات‪.”...‬‬

‫وقبل أن تكمل جملتها قاطعها “أنا قادم” وأغلق الخط‪.‬‬

‫“إنه قادم” قالت وهي تدير ظهرها لكي تكتشف أن إيان ليس بجانبها! حدقت إلى أرجاء‬
‫المكان الذي يعج بالمسافرين‪ ،‬وبعد دقائق كانت تراه يتقدم من بعيد وفي يده علبة بداخلها كرات عدة‬
‫من المثلجات‪.‬‬

‫وبعد أن الحظ نظرتها الخائبة تحدث وفمه ممتلئ “ماذا؟! هل تنقص المثلجات من‬
‫الرجولة؟” فأدارت عينيها في ضجر‪“ .‬هاري قادم”‪.‬‬

‫“بالتأكيد سوف يأتي! لقد سألِت إذا كان بخير وهذا شيء ًا‬
‫نادر ما يصدر من “فيوليت”‪ ،‬قال‬
‫مع ابتسامته الخبيثة‪.‬‬

‫وألنها شقيقته‪ ،‬استطاعت معرفة ما الذي يجول في عقله الصغير‪.‬‬

‫“كلما راودتَك هذه األفكار عليك أن تلقي نظرة إلى الخاتم في يدي”‪ ،‬قالت وتخطته‪ .‬ثم‬
‫سمعت جملته التي كشفت نواياه في القدوم إلى هنا‪“ :‬أنا هنا ألصلح هذا األمر”‪.‬‬

‫استدارت صارخة في وجهه‪ ،‬ألنها اكتفت اآلن من هرائه “إذا كان في مخيلتك الصغيرة أنك‬
‫تستطيع إقناعي للتخلي عن وعدي فهذا لن يحدث حقًا سوى في مخيلتك‪ ،‬لذلك أنصحك بأن تتقدم‬
‫للبحث عن أقرب رحلة للعودة إلى لندن”‪.‬‬

‫“لماذا كل هذا من أجل وعد سخيف! جميعنا نقطع وعودًا وجميعنا ال ننفذها كلها”‪ ،‬قال‬
‫محاوًال أن ال يرتفع صوته‪.‬‬

‫“صدقني‪ ،‬أنت ال تعرفني‪ ،‬قد أقتل فقط ألنفذ وعدًا قطعته‪ ،‬و”جميعنا” هذه ال تشملني”‬
‫مكتفية من هراء إيان نهائيًا‪ .‬سارت بعيدًا عنه‪ ،‬وتمتمت لنفسها مرة أخرى‪“ :‬يا للرجال”‪.‬‬

‫*****‬
‫أخذها هاري في عناق قوي مباشرًة بعد أن ترجل من السيارة‪ ،‬ال تعلم عدد المرات التي‬
‫همس فيها “اشتقت إليك” ولكن ما تعلمه هو أن آخر مرة رددها أضاف لها شيئًا آخر “اشتقت إليك‪،‬‬
‫وهذا مؤلم”‪ .‬بعد أن ابتعدت عنه الحظت بسهولة شحوب بشرته‪ ،‬ولكن ابتسامته كانت بدفئها‬
‫أخير لكي يحدق إلى إيان الذي كان يحمل على وجهه مالمح‬
‫ًا‬ ‫المعتاد‪ .‬حرك هاري نظره من وجهها‬
‫غريبة‪.‬‬

‫“مرحبًا” قال هاري بينما كان يصافح إيان‪.‬‬

‫ومن تعابير وجه هاري استطاعت معرفة أنه نسي من يكون هذا الشخص‪ ،‬وألن رأسها‬
‫يصل إلى كتفه اضطرت إلى الوقوف على أصابع قدميها لكي تهمس له‪“ :‬إنه أخي”‪ .‬بعد دقائق‬
‫كان هاري يشغل المحرك بعد أن وضع حقائبهما داخل السيارة‪.‬‬

‫وبعد جلوسها على المقعد األمامي‪ ،‬لمعت شاشة هاتفها تنبه إلى استقبال رسالة جديدة‪.‬‬

‫إيان‪ :‬أنِت غبية‪.‬‬

‫فيوليت‪ :‬اذهب إلى الجحيم‪.‬‬

‫إيان‪ :‬هل تريدين أن تعرفي السبب؟‬

‫فيوليت‪ :‬ال‪.‬‬

‫إيان‪ :‬حسنًا سوف أخبرك‪ .‬لم أقِض مع هاري سوى دقائق معدودة ولكنني أستطيع أن أرى‬
‫بوضوح أنه يحبك‪.‬‬

‫مؤخر؟! أنا حقًا ال أستطيع إيجاد كلمات معبرة كفاية‪.‬‬


‫ًا‬ ‫فيوليت‪ :‬هل شاهدت أفالمًا كثيرة‬
‫توقف عن التخريف إيان‪.‬‬

‫“هل هذا ليون؟”‪ ،‬سألها هاري وإصبعه يشير إلى هاتفها‪ ،‬بينما كانت السيارة تتوقف بسبب‬
‫حركة المرور التي توقفت لدقيقة‪ .‬أجابته بالنفي وتحركت السيارات مرة أخرى وتحرك رأسها إلى‬
‫شاشة هاتفها‪.‬‬
‫إيان‪ :‬يا إلهي مهًال‪ ،‬هل سمعِت كيف ينطق اسم ليون حتى! وكأنه ينطق اسم قاتل عائلته‪،‬‬
‫أنِت غبية حقًا‪.‬‬

‫سحبت نفسًا طويًال وبدأت بالكتابة‪.‬‬

‫فيوليت‪ :‬تبًا لك‪ ،‬توقف عن قول الترهات‪.‬‬

‫إيان‪ :‬سوف تكونان ثنائيًا لطيفًا‪.‬‬

‫أغلقت هاتفها وألقت به داخل حقيبة الظهر معلنة بهذا انتهاء المحادثة التي بدت لها سخيفة‬
‫جدًا وقتها‪.‬‬

‫وهكذا كان أخوها إيان‪ ،‬منذ أن عرفت نفسها كانت النقاشات تحتد فيما بينهما‪ ،‬وكان كٌّل‬
‫منهما ينظر إلى الحياة من منظور مختلف‪ ،‬لم يحصل على فتاة أحالمه بعد وعندما تسأله عن‬
‫سبب عدم بحثه عن فتاة يخبرها بأن القدر هو من سوف يجلبها له‪ ،‬إيان الذي يملك شخصين‬
‫بداخله‪:‬‬

‫األول هو إيان العابث اللعوب‪ ،‬أما الثاني فهو الغاضب القاسي الجدي تمامًا والذي يفعل‬
‫دائما ما يجول في رأسه‪ ،‬وشتان ما بين االثنين ولكن هذا هو إيان‪ ،‬أخوها‪.‬‬

‫*****‬

‫كانت الحقيبة ال تزال منتصبة في وسط حجرتها‪ ،‬لم تتحرك من مكانها منذ أن وضعها‬
‫هاري‪.‬‬

‫إيان الذي توعد أنه لن ينام في منزلهما مرة أخرى بما أنه ينام اآلن على األريكة في غرفة‬
‫المعيشة‪ ،‬كانت تكاد تجزم بأنه لن ينام غدًا سوى على سرير الفندق الكبير‪.‬‬

‫عند دخولها المنزل بدا كل شيء خاليًا من الحياة‪ ،‬وبعد محادثة بينها وبين هاري أخبرها أنه‬
‫لم يترك الغرفة طوال المدة التي غادرت فيها واستمر في تناول الفواكه من أجلها‪ .‬أخبرها أيضًا أن‬
‫كوابيس كانت توقظه في كل ليلة‪ ،‬وهي بدورها أخبرته عن كل شيء حدث معها منذ أن ذهبت حتى‬
‫لحظة عودتها‪ :‬عن جنازة جدتها وعن عائلتها وأفرادها‪ ،‬وبالتأكيد لم تنَس أن تخبره بأنها كانت‬
‫منتظمة في تناول الدواء ألنه كان يسألها مرة تلو األخرى‪.‬‬

‫انتهت من إعادة حاجياتها إلى الخزانة وقبل أن تغوص في سحر سريرها‪ ،‬أو حتى قبل أن‬
‫تجلس على السرير‪ ،‬كانت هنالك يد تطرق على الباب‪ ،‬وأيضًا قبل أن تسمح للطارق أن يدخل فتح‬
‫الباب بهدوء ودخل هاري‪.‬‬

‫“هل يمكنني التحدث معك قليًال!” سألها هاري بينما تحركت يده تلقائيًا إلى نهاية رأسه‪.‬‬

‫أومأت له وتقدم لكي يجلس بجانبها‪.‬‬

‫“أردت فقط أن أتحدث معك عن الموعد القادم في المستشفى هل أنِت مستعدة له؟”‪.‬‬

‫“أجل‪ ..‬أظن ذلك‪ ،‬ال بأس”‪.‬‬

‫“لقد أحضرت لك شيئًا ما” قالت ألن الصمت أصبح مزعجًا وألنها‪ ،‬للتو فقط‪ ،‬تذّك رت العقد‬
‫الذي أحضرته من لندن‪ ،‬دائرة فضية رقيقة محفور على كال جانبيها وجه مبتسم‪.‬‬

‫كانت تعلم أنه سخيف جدًا ولكن ألن البائع كان يقول “اشتِر هذا العقد لشخص وأخبره أن‬
‫يبتسم عندما يراه” ولكي تكون جملته صادقة جعلتها تشتري العقد مباشرة‪ ،‬عقدين وليس واحدًا للدقة‪،‬‬
‫األول لهانا واآلخر لهاري‪.‬‬

‫بعد أن أخذت العقد من الحقيبة الصغيرة وقفت أمام هاري الجالس على طرف السرير ثم‬
‫حركت يدها خلف رقبته لكي تغلق القالدة التي أخذت مكانها على صدره‪ ،‬كان ينظر إليها مع‬
‫ضياع كبير داخل عقله ويظهر في عينيه‪.‬‬

‫“أريد منك أن تبتسم في كل مرة ترى فيها هذا العقد على رقبتك‪ ،‬وأرجوك ال تنزعه أبدًا‪،‬‬
‫ألنني أريد أن تكون االبتسامة دائمًا على وجهك” بعد ذلك َق ّب َلها هاري‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫المالك األصفر‬
‫‪ ‬‬

‫ارتخت قبضة هاري حول فيوليت بعد أن أدرك أنه ارتكب خطيئة‪.‬‬

‫“أ ‪ -‬أنا ‪ -‬آسف” قال هاري بصعوبة وهو يجلس بعد أن ابتعدت هي عنه مسافة كبيرة‪،‬‬
‫يحاول جاهدًا ضبط ضربات قلبه بينما كان وجهه خاليًا تمامًا من أي تعابير‪.‬‬

‫وقف دون أن يتج أر على النظر في اتجاه فيوليت ثم حرك قدميه وغادر الحجرة‪ ،‬ولم ينَس‬
‫بالتأكيد إغالق الباب‪.‬‬

‫وقف أمام باب حجرته تتزاحم في عقله األفكار والمشاعر وأشياء كثيرة لم يستطع تفسيرها‪.‬‬

‫فتح باب حجرته لكي يفاجأ بوجود إيان على السرير وابتسامة غريبة بدت على وجهه‪،‬‬
‫عندما شاهد تعابير هاري التي ال تزال ضائعة‪.‬‬

‫*****‬
‫اليوم التالي ‪:‬ديسمبر‪ ،‬الساعة الثانية ظهرًا الشارع الشرقي الواحد والخمسون‬

‫أيقظ صوت المنبه فيوليت‪ ،‬بالرغم من أن عينيها ما زالتا مغمضتين‪ .‬كانت تحرك يدها‬
‫بعشوائية تبحث عن المنبه لكي توقف رنينه‪.‬‬

‫بعد أن وجدته وأغلقته‪ ،‬حاولت أن تفتح عينيها‪ ،‬وبالفعل فتحتهما بصعوبة لكي تبدأ مالمح‬
‫سقف حجرتها تتضح أمامها‪ .‬طرقات خفيفة على الباب وصوت إيان من خلف الباب ساعدها في‬
‫أدراكها للواقع أسرع‪.‬‬
‫فتح الباب بهدوء لكي يظهر إيان من خلفه “جيد أنك مستيقظ اآلن فلن أتكبد عناء إيقاظك‪.‬‬
‫هيا‪ ،‬هيا‪ ..‬يجب عليك الذهاب إلى العمل”‪.‬‬

‫أبعدت األغطية ووقفت على األرضية الباردة وبالرغم من أن جهاز التدفئة يعمل بشكل جيد‬
‫إال أن الحجرة تكاد أن تتجمد‪.‬‬

‫تذّم رت فيوليت وهي تحاول السير “يا لصعوبة االستيقاظ في الشتاء”‪.‬‬

‫*****‬

‫كانت نيويورك تسبح في الثلوج‪.‬‬

‫الثلوج في كل مكان‪ ،‬سطوح المباني‪ ،‬سطوح السيارات‪ ،‬األرصفة‪ ،‬أعمدة اإلنارة‪ ،‬الئحات‬
‫المطاعم والمحالت‪ ،‬المظالت‪.‬‬

‫كانت السنترال بارك بمساحتها الشاسعة‪ ،‬تسبح أيضًا في الثلوج‪ ،‬وكانت الثلوج تتساقط‬
‫بغ ازرة‪ ،‬لكي تجعل شكل المدينة موحشًا ويكاد يخلو من األلوان ألن البياض كان يطغى على كل‬
‫شيء‪.‬‬

‫أعداد السائحين تزداد بشكل رهيب‪ ،‬بسبب احتفاالت رأس السنة التي بدأت بالفعل‪.‬‬

‫ولكن األطفال هم الجزء الممتع في هذا الفصل‪ ،‬رجل الثلج‪ ،‬حرب كرات الثلج‪ ،‬وأشياء كثيرة‬
‫كثير عندهم‪.‬‬
‫مميز ًا‬
‫ًا‬ ‫تجعل هذا الفصل‬

‫كانت فيوليت تجلس على كرسي المكتب بعد أن أنهت األعمال التي كانت متراكمة بسبب‬
‫غيابها‪ .‬كان ظهرها مقابًال للمكتب بينما كانت تتأمل اإلطاللة من النافذة‪ ،‬ظالم الليل لم يضِف‬
‫على المدينة سوى وحشة أكثر‪ ،‬المحالت سوف تغلق أبوابها قريبًا ولحسن الحظ كانت قد أخذت كل‬
‫ما تحتاجه من لندن‪.‬‬

‫كان اليوم آخر يوم عمل في الشركة قبل أن تبدأ إجازة رأس السنة‪ ،‬أدركت أن هذا اليوم‬
‫األخير عندما خرجت لجلب بعض الطعام وشاهدت الموظفين يجمعون حاجياتهم المهمة قبل بدأهم‬
‫في اإلجازة التي تستلزم عدم العودة للعمل في الشركة إال بعد انتهاء مدة اإلجازة‪.‬‬
‫طرقات على الباب جعلتها تعود إلى الواقع‪ ،‬استدارت “ادخل” صدح صوتها في الغرفة‬
‫الهادئة‪.‬‬

‫تحرك مقبض الباب لكي تدخل سكرتيرة زاك “مرحبًا آنسة فيوليت‪ ،‬اجمعي حاجياتك فهاري‬
‫ينتظرك في األسفل” قالت بسرعة واستطاعت فيوليت أن تلمح ملفات عدة في يدها‪ ،‬أغلقت الباب‬
‫وذهبت‪.‬‬

‫ارتبكت للمرة األولى منذ أن قابلت هاري‪ ،‬كانت اآلن مرتبكة بسبب مقابلته‪ ،‬لم تشاهده منذ‬
‫ليلة البارحة ولم تقابل عيناها عينيه‪ ،‬حتى أنها لم تنتظره واستقّلت سيارة أجرة للذهاب للشركة‪.‬‬

‫أّج لت التفكير وجمعت حاجياتها القليلة على المكتب وسارعت بحمل حقيبتها وغادرت‪.‬‬

‫كانت أروقة الشركة والردهة خالية تقريبًا من الموظفين‪ ،‬وبجانب البوابة كان هاري يقف‬
‫مشير‬
‫ًا‬ ‫بمعطفه األسود الطويل‪ .‬أضاف لمسة مهيبة إلى مظهره‪ ،‬ابتسم ابتسامة صغيره وحرك رأسه‬
‫لها أن تلحق به إلى الخارج‪.‬‬

‫بالرغم من أن الساعة هي الثامنة والنصف مساًء إال أن الحركة ال تزال تدب بكثرة في‬
‫الشوارع‪ ،‬ألن نيويورك وكما هو متعارف عليه ال تعرف النوم‪ .‬جلست فيوليت على المقعد الجلدي‬
‫األسود في سيارة هاري‪“ ،‬هذا لك” قال‪ ،‬وناولها أحد كوبي القهوة الذي أخذته فيوليت دون نقاش‪.‬‬
‫وضع كوبه في المكان المخصص لألكواب بجانبه ثم شغل محرك السيارة وجهاز التدفئة والراديو‪،‬‬
‫لتبّد د إحدى أغاني عيد الميالد هدوء السيارة‪.‬‬

‫*****‬

‫لم يكن يبدد ظالم السيارة سوى أضواء الشوارع والمباني التي كانت تتسلل من نوافذ السيارة‪.‬‬
‫عندما الحظت فيوليت أن الطريق مختلف عدلت طريقة جلوسها ونظرت إلى هاري الذي تدارك‬
‫الوضع وتحدث بسرعة “يجب أن أتحدث معك‪ ،‬سوف نذهب إلى مكان ما”‪ .‬كان التوتر يصبغ‬
‫وجهه‪ ،‬لذلك ومن باب التخفيف عنه حاولت هي التحدث بصوت مرتاح “ال بأس”‪.‬‬

‫ركن السيارة في مكان ليس غريبًا بالنسبة إليها‪ ،‬وبعد مغادرتها السيارة بجانب هاري أدركت‬
‫أن المكان الذي كان هاري يتحدث عنه هو السنترال بارك‪.‬‬
‫رفعت فيوليت يدها لكي تتساقط عليها حبات الثلج‪ ،‬ثم نظرت إلى السماء التي كانت مخيفة‬
‫بظالمها الحالك وغيومها المتراكمة وامتدادها الالنهائي‪.‬‬

‫أوقفت تأملها عندما تحرك هاري نحو أحد الكراسي الموضوعة على األرصفة والذي كان‬
‫منتظر منها الجلوس‬
‫ًا‬ ‫أيضًا مغطى بالثلوج‪ .‬أزاح هاري الثلج بيده عن الكرسي وجلس‪ ،‬نظر إليها‬
‫بجانبه‪.‬‬

‫حركت قدميها داخل الثلج وجلست بجانبه‪ ،‬وقبل أي شيء تحدث هو بينما كان ينظر إلى‬
‫األرض بال هدف‪“ :‬أنا آسف” كان صوته يخرج بصعوبة لم تعلم سببها‪ ،‬وأضاف‪“ :‬أنا لم أدخل‬
‫حجرتك البارحة بقصد تقبيلك فقط والخروج‪ ،‬أنا حقًا لم أكن أخطط لهذا‪ ،‬لقد كنت أريد التحدث معك‬
‫في أي شيء يخطر على بالي‪ ،‬لقد أردت الضحك معك لكي أعوض المدة التي قضيتها وحيدًا‬
‫عندما كنِت في لندن‪ ،‬ولكن أنا ال أعلم حقًا ما حدث” أخذ نفسًا طويًال ثم تحدث مرة أخرى‪“ :‬ال‬
‫أريدك أن تكوني غاضبة”‪.‬‬

‫ولم تقدر سوى أن تبتسم ألن الموضوع لم يكن يعني لها الكثير‪ ،‬ألن قلبها كانت تغطيه‬
‫كومة من الثلج من هذا الذي يغطي األرصفة هذه األيام ويمنعه من الشعور بأي شيء‪.‬‬

‫هاري كان إحدى مفاجآت القدر التي لم تكن فيوليت تتوقعها‪.‬‬

‫رن هاتفها وحين أجابت سمعت صوت إيان يتحدث بهدوء‪“ :‬يجب أن تعودي إلى المنزل‪،‬‬
‫ليون يريدك هنا”‪ .‬مكالمة قصيرة كانت بداية لشيء آخر‪.‬‬

‫أعادت هاتفها إلى الحقيبة ونظرت إلى عيني هاري المتسائلة “يجب أن نعود إلى المنزل‪،‬‬
‫ليون هناك” قالت والحظت تعابير الضجر على وجه هاري‪.‬‬

‫وقف لكي يغاد ار ولكنها قبضت على معصمه “ثمة بعض األمور عل إخبارك بها قبل أن‬
‫ّي‬
‫نعود” عقد حاجبيه وجلس بجانبها ينتظر منها البدء‪.‬‬

‫“هاري‪ ،‬أنت تعلم أنه ال يمكننا أن نكون‪ ...‬استمع‪ ،‬أنا ال أدرك ما الذي داخل عقلك‪ ،‬ولكنك‬
‫تدرك هذا على أي حال‪ ...‬صحيح؟!” سألته بصوت متردد‪.‬‬
‫صمت للحظات ألنه لم يكن يتوقع كلماتها هذه‪ ،‬لكنه تمالك نفسه سريعًا وابتسم بدفء‬
‫كعادته وأخذ خصلة من شعرها بين أصابعه وأبعد بعض حبات الثلج عنها وقال “أنا أدرك أنك‬
‫تملكين وعدًا قديمًا يا حلوتي‪ ،‬لقد أخبرني إيان بهذا”‪ .‬حاولت تجاهل معرفته بالحقيقة وإجابته‬
‫الملتوية وفتحت فمها لكي تتحدث ولكن هاري رفع إصبعه لكي يسكتها “وأدرك أيضًا أنك ال‬
‫تستهينين بوعودك”‪ .‬لم تجد هي أي كلمات تستطيع قولها لذلك تصّر ف هو؛ أخذ يدها ووقف‬
‫“لنذهب اآلن” وبهذا كانت مرة أخرى في سيارة هاري‪ ،‬ولكن هذه المرة أقل ًا‬
‫توتر بشأن هاري‪ ،‬وأكثر‬
‫توتر بشأن ليون ونبرة إيان الغريبة‪.‬‬
‫ًا‬

‫*****‬

‫“يجب أن نذهب غدًا إلى المستشفى‪ ،‬أنِت تعلمين أننا يجب أن نذهب أسبوعيًا‪ ،‬ولقد مر‬
‫أكثر من أسبوع منذ المرة األخيرة‪ ،‬ما رأيك غدًا بعد خروجنا من الشركة؟!” تحدث هاري بينما كانا‬
‫يسيران على الرصيف ويقتربان رويدًا رويدًا من المنزل‪.‬‬

‫وقفت أمامه فجأة ألنها تذكرت السؤال الذي بقي يدور في رأسها‪“ :‬هاري! لماذا أنت مهتم‬
‫لعالجي؟” سألته ولم تنَس مراقبة مالمحه‪.‬‬

‫“همممم” همهم ورفع بصره إلى زاوية عينه يتظاهر بأنه يفكر “ببساطة ألنني أرى أنك‬
‫تستحقين أن تحظي بفرصة لكي تحبي من جديد‪ ،‬وألسباب أخرى سوف أخبرك بها الحقًا ولكن‬
‫بشرط!” قال‪ ،‬فنظرت إليه بعينين حائرتين! أومأت برأسها إشارة منها إلى أنها تنتظر شرطه‪.‬‬

‫“ال تسأليني حتى أخبرك أنا بنفسي‪ ،‬اتفقنا؟!” قال ورفع يده ينتظر منها أن تضع يدها عليها‬
‫إشارة إلى موافقتها‪.‬‬

‫“يبدو أن لديك بعض األسرار” سخرت بعد أن صفعت باطن يده‪.‬‬

‫“مثلك تمامًا” قال بينما فتح باب المنزل لكي تفاجأ بمنظر لم تتوقع في حياتها أن تشاهده؛‬
‫ليون وإيان يقهقهان سويًا بصوت مرتفع! كان أقل شيء توقعت مشاهدته هو آثار لكمة زرقاء في‬
‫وجه أحدهم! ولكنها لم تكن تعلم أن إيان يتظاهر بهذا كله بغرض محاولة التعرف إلى شخصية‬
‫ليون الذي اختفت ابتسامته عندما وقع بصره على هاري بجانبها‪ ،‬ولكنه تجاهله‪ .‬وهاري بدوره سار‬
‫نحو إيان وشاهدته وهو يجلس بجانبه ويمدد قدميه على الطاولة التي أمام األريكة‪ ،‬ثم أخذ جهاز‬
‫التحكم وبدأ يتخطى محطة وخلفها أخرى ويمكنها أن تجزم بأنه مشّتت فكريًا ولم يكن يدرك ما الذي‬
‫يفعله‪.‬‬

‫جلسا هي وليون على أريكة أخرى‪“ :‬كيف تسير مواعيدك حبيبتي؟” سألها‪.‬‬

‫“أوه‪ ..‬جيدة‪ ،‬في الحقيقة سوف أذهب غدًا‪ ”..‬قالت مع محاولة أن ترسم ابتسامة على‬
‫وجهها‪.‬‬

‫“سوف نذهب سويًا” قال وفرك يدها برقه‪ ..‬وقبل أن تتحدث بأي شيء سمعت صوت هاري‬
‫“عذر! أنا من بدأ هذا وأنا من سوف ينهيه‪ ،‬إنها خطيبتك ولديك كل‬
‫ًا‬ ‫الذي كان ينصت لحديثها‪:‬‬
‫شيء ولكنك لن تأخذ ما بدأته أنا”‪ .‬قال ذلك بينما كانت فيوليت تدعو هللا لكي ال تتحول غرفة‬
‫الجلوس إلى ساحة مالكمة في أي ثانية‪ .‬رفع هاري صوت التلفاز وأخذ بضع رقائق من الصحن‬
‫بجانبه الذي كان يستقر بين ذراعي إيان‪.‬‬

‫“من الجيد أنك تعترف بأنها خطيبتي‪ ..‬حقير” قال ليون دون أن يحرك عينيه عن هاري‬
‫الذي خّف ض صوت التلفاز ونظر إلى ليون‪.‬‬

‫“ماذا قلت؟!” سأل هاري واشتدت قبضته‪.‬‬

‫“حقي‪ ”..‬أجاب ليون‪ .‬وقبل أن يخرج آخر حرف من شفتيه كان على األرضية وكانت لكمة‬
‫هاري تستقر على وجهه‪ .‬وللمرة األولى قاوم ليون وأصبح هو فوق هاري ولكمه على فكه‪ .‬تقدمت‬
‫فيوليت خطوة باتجاههما ولكنها تذكرت أنها لن تستطيع فعل أي شيء‪ ،‬وتحول الوضع وأصبح‬
‫هاري هو المسيطر وسّد د لكمة أخرى إلى وجه ليون‪.‬‬

‫نظرت إلى إيان الذي كان يجلس بالوضعية نفسها يتناول الرقائق وابتسامة مستمتعة تستقر‬
‫على وجهه‪ .‬ولكنه تدارك الوضع بعد أن شاهد عيني فيوليت التي كان من الممكن أن تحرقه في أي‬
‫لحظة‪ .‬وضع صحن الرقائق على الطاولة وأمسك ليون وشده لكي يبعده عن هاري قبل أن يوجه‬
‫لكمة إلى وجهه‪.‬‬

‫“اهدأ‪ ،‬اهدأ” قال إيان بينما أخذ ليون إلى بوابة الخروج‪.‬‬
‫جلس هاري ووضع يده على وجهه ثم أبعدها بسرعة ألنها سببت له ألمًا ًا‬
‫كبير‪.‬‬

‫نظرت فيوليت من النافذة خلفها بعد أن سمعت صوت محرك سيارة وشاهدت سيارة ليون‬
‫تبتعد‪ .‬أخذت نفسًا عميقًا واستدارت لكي تشاهد إيان وهو يأخذ مفاتيح سيارة هاري‪ ،‬ثم طبطب على‬
‫كتفه بخفة وغادر المنزل‪.‬‬

‫كان هاري ال يزال يقف في المطبخ يبحث عن كيس ثلج يمكنه أن يخفف األلم‪ ،‬ولكنه أسقط‬
‫الكيس مباشرة عندما وضعه على فكه‪.‬‬

‫ال تعلم فيوليت متى وصلت إلى المطبخ ولكنها التقطت الكيس عن األرض ووضعته على‬
‫فك هاري ببطء‪.‬‬

‫“هل أنت بخير؟! أنا حقًا ليست لدي أدنى فكرة عن كيفية معالجة لكمة” قالت بينما حاولت‬
‫تركيز بصرها على كيس الثلج فقط‪.‬‬

‫ولكنه أمسك يدها التي تمسك بكيس الثلج على خده “أرجوك ال تتزوجي به‪ .‬إنه ليس‬
‫الشخص المناسب لك‪ ،‬أرجوك!” قال بينما كانت مالمحه غير قابلة للقراءة‪ .‬لم تستطع أن تفهم‬
‫القصد من جملته وقتها‪ ،‬ولكنها سوف تدركه الحقًا‪.‬‬

‫بعد أن شاهد عالمات عدم الفهم على وجهها ابتسم بخيبة وأخذ كيس الثلج من يدها قائًال‬
‫“عمِت مساًء لي”‪.‬‬

‫*****‬
‫‪ 10‬صباحًا‪ ،‬شتاء‪ ،‬بروكلين‪ ،‬نيويورك‬

‫منذ أن دخل هاري إلى حجرته البارحة‪ ،‬حتى اآلن‪ ،‬الساعة العاشرة صباحًا‪ ،‬لم يستطع‬
‫الحصول سوى على أربع ساعات من النوم المتقطع‪ .‬كانت وسادة فيوليت التي كانت قد نسيتها ذات‬
‫مرة على سريره ال تزال موجودة منذ أن تركتها‪ ،‬وهو لم يكن ليشتكي وال يعيدها إليها‪.‬‬

‫عندما نام إيان البارحة هنا‪ ،‬كان أول شيء فعله هاري هو أخذ وسادة فيوليت ووضعها‬
‫تحت رأسها لكي تبقى خارج اختيارات إيان‪ ،‬الذي كان يغير طريقة نومه كل عشر دقائق‪ .‬وهذا كان‬
‫سببًا ألن يخسر هاري بعض ساعات نومه في مراقبة إيان لكي ال يسقط أو تهوي إحدى قدميه أو‬
‫ذراعيه على وجه هاري‪.‬‬

‫وقف أمام النافذة لكي يشاهد حبات الثلج تضرب النافذة بنعومة‪.‬‬

‫قرقرت معدته وكان ال يتذكر المرة األخيرة التي تناول فيها وجبة كاملة‪ ،‬خرج من الغرفة‬
‫ونزل الساللم لكي يشاهد فيوليت تضع بعض الصحون على الطاولة ورائحة الفطور تنتشر في‬
‫األنحاء‪.‬‬

‫“صباح الخير” قالت فيوليت مع ابتسامة عندما شاهدته‪ ،‬وهذا أعطاه راحة كبيرة ألنه‪ ،‬وكما‬
‫يبدو‪ ،‬لقد نسي كالهما أحداث البارحة‪.‬‬

‫“صباح الخير‪ ،‬هل كنت تعلمين أنني جائع!” سألها بمرح بينما كان يجلس على إحدى‬
‫المقاعد حول الطاولة‪.‬‬

‫“ال‪ ،‬ولكنني أدرك أنك لم تأكل طعامك جيدًا منذ مدة” أجابت ووضعت كوب قهوة أمامه‬
‫وجلست بجانبه‪.‬‬

‫“سوف نذهب إلى المستشفى بعد الفطور‪ ،‬صحيح!” سألته بعد أن أخَذ ت رشفة من كوبها‪.‬‬

‫*****‬

‫كانت أروقة المستشفى خالية تقريبًا سوى من األطباء القلة الذين كانوا يسيرون هنا وهناك‪.‬‬

‫جلس هو على المقعد الحديدي في غرفة األخصائي الذي كان يجري بعض الفحوصات‬
‫بينما كانت فيوليت تستلقي على سرير صغير في زاوية الغرفة‪.‬‬

‫صدر صوت صغير من حقيبة فيوليت التي كانت قريبة منه‪.‬‬

‫“هاري هل يمكنك قراءة الرسالة لي على هاتفي؟! أنا ال أستطيع قراءتها حاليًا” طلبت منه‬
‫ألنها ال تملك الحرية الكاملة لكي تحرك رأسها‪.‬‬
‫“أجل‪ ،‬بالطبع” أجاب بينما يده منشغلة في البحث عن الهاتف داخل الحقيبة‪ ،‬وتبادر إلى‬
‫ذهنه سؤال “هل تملك فيوليت حجرة صغيرة داخل حقيبتها؟” لقد كان هناك أشياء كثيرة داخل‬
‫أخير لمست يده الهاتف‪ ،‬أخرجه وفتح صندوق الرسائل لكي يجد رسالة جديدة في أول‬ ‫ًا‬ ‫الحقيبة‪.‬‬
‫القائمة من ليون وهذا ما جعله يقرر قراءتها أوًال بصوت منخفض لنفسه‪.‬‬

‫ق أر الرسالة التي كانت سببًا أللم بدأ يدب في صدره ألن الواقع كان يعود كل مرة لكي‬
‫يصفعه بم اررته‪ ،‬ألنه ربما ما زال يلعب في حرب هو خاسر فيها في كل األحوال‪ .‬وكما يبدو أن‬
‫أفكاره لقضاء بداية السنة الجديدة مع فيوليت ذهبت في مهب الريح‪ .‬رفع رأسه بعد أن أغلق الهاتف‬
‫ووضعه داخل الحقيبة “يجب أن تجّه زي حقائبك‪ ،‬سوف تسافرين مع ليون” قال لها وعيناه تحدقان‬
‫إلى الحائط األبيض‪.‬‬

‫(مرحبًا فيوليت‪ ،‬صباح الخير‪ ،‬لقد حّض رت لك مفاجأة‪ ،‬جّه زي حقائبك‪ ،‬سوف نسافر خارج‬
‫البالد أليام عدة‪ .‬قبالتي)‪.‬‬

‫المرسل‪ :‬ليون‪.‬‬

‫*****‬

‫ال يزال الثلج يغطي كل شيء ويتساقط بغ ازرة رغبة منه بتغطية ما تبقى‪ ،‬شّغ ل هاري التدفئة‬
‫داخل السيارة فور جلوسهما داخلها وضم كفه لألخرى ونفخ فيهما طالبًا بعض الدفء‪.‬‬

‫“إذًا؟ هل ستذهبين؟!” سأل فيوليت محاوًال أن يكون طبيعيًا دون أن تظهر أي تعابير على‬
‫وجهه‪.‬‬

‫“أنا حقًا ال أعلم‪ ،‬لم أتخذ قراري بعد” قالت بينما وضعت رأسها بهدوء على النافذة وسرحت‬
‫بخيالها خارج حدود السيارة‪.‬‬

‫أدار محرك السيارة وخرج من المواقف الخاصة بالسيارات الذي لم يكن مكتّظ ًا باألشكال‬
‫واأللوان المختلفة كالعادة‪.‬‬
‫قصير وهادئًا وساكنًا‪ ،‬حتى بدا له وكأنهما يسيران وحدهما في شوارع المدينة‪.‬‬
‫ًا‬ ‫كان الطريق‬
‫لم يكن يشعر بالضوضاء أو بأي شيء خارجي‪ ،‬كالهما غارق في أفكاره لذلك لم يفتح أي موضوع‬
‫للمناقشة‪ .‬الهدوء كان سيد الموقف هذه المرة‪.‬‬

‫ركن السيارة في المكان المعتاد وترجل منها برفقة فيوليت التي يبدو أنها ال تزال غارقة في‬
‫أفكارها‪ ،‬سا ار جنبًا إلى جنب على الرصيف مقتربين من المنزل في نهاية الشارع‪.‬‬

‫كانت كل منازل الشارع مزينة ومبهرجة تستعد لكي تستقبل بحفاوة السنة الجديدة؛ العائالت‬
‫بدأت تجمع أطرافها وتعد الهدايا‪ ،‬بينما هناك منزل متطابق الحجم مع أقرانه ولكنه خاٍل من أي زينة‬
‫أو بهرجة أو أضواء معّلقة على أسواره وأبوابه‪ .‬نعم كان منزلهما هو وفيوليت‪ .‬وللمرة األولى لم يلَق‬
‫منزلهما استحسان هاري‪.‬‬

‫لمح هاري ستائر النافذة األمامية تتحرك‪ ،‬فأسرع بحجة أنه يريد الدخول إلى المنزل سريعًا‬
‫ألنه ال يرتدي الكفاية من المالبس‪ ،‬والحجة الحقيقية هي أنه أدرك أن هنالك شخصًا ما في المنزل‪،‬‬
‫ولكنه أبقى فمه مغلقًا لكي ال يثير رعب فيوليت‪.‬‬

‫فتح باب المنزل بهدوء وسار داخل الرواق الخاص بالباب األمامي ثم وقف وسط غرفة‬
‫المعيشة‪ .‬امتدت يد إلى كتفه‪ ،‬فتوقف شعر جسده واستدار لكي يجد إيان الذي‪ ،‬فور رؤيته وجه‬
‫هاري الذي بدا وكأنه رأى شبحًا‪ ،‬وقع على األرض يضحك بقوة ويضع يده على بطنه‪.‬‬

‫“سحقًا لك‪ ،‬كدت أن تتسّبب لي بنوبة قلبية” تذمر هاري وهو يضع يده على وجهه‪.‬‬

‫توقف إيان عن الضحك عندما حرك نظره إلى البوابة‪ .‬اختفت االبتسامة كليًا عندما رأى‬
‫كالهما ليون يقف مع فيوليت على عتبة المنزل‪.‬‬

‫“مرحبًا” قال ليون إليان‪ .‬بدا أن لكمة البارحة لم تترك ذلك األثر الكبير على وجهه ألنه‬
‫كان يغطيها‪ ،‬بينما تركت لكمته على وجه هاري بعض االحمرار الطفيف‪.‬‬

‫لم ينظر ليون إلى وجه هاري الذي حرك نظره بعيدًا‪“ .‬هاري هل يمكننا التحدث قليًال!”‬
‫سألت فيوليت بينما بدأت تصعد الساللم‪ ،‬فلحق بها تاركًا ليون وإيان يتحدثان معًا‪.‬‬
‫وقف هو وفيوليت أمام باب حجرتها‪“ .‬هاري هل تعلم أين قضى إيان ليلته البارحة؟ هو لم‬
‫يعد إلى المنزل سوى اآلن كما يبدو!” سألته وبدا له كأن هذه فقط مقدمة بعيدة عما تريد قوله فعًال‪.‬‬

‫“في الحقيقة لقد استعار سيارتي البارحة لكي يبحث عن فندق يبيت فيه طوال مدة بقائه‬
‫هنا‪ ،‬وقد أعاد لي مفتاح سيارتي مساء البارحة في وقت متأخر‪ .‬ربما هو اضطر إلى استعمال سيارة‬
‫األجرة في ذهابه وعودته اآلن‪ ،‬هل لديه بعض المشاكل مع سائقي األجرة!”‪.‬‬

‫“أنت تعلم فوبيا سيارات األجرة” قالت فيوليت واقتربت منه لكي تبدأ الموضوع األساسي كما‬
‫توقع‪..‬‬

‫“هاري‪ ،‬سوف أذهب مع ليون أليام عدة‪ ،‬بإمكانك فعل ما تريده بالمنزل‪ ،‬ال أزال أتذكر‬
‫عندما أخبرتني في لقائنا األول أنك ال تحبذ فكرة السكن وحيدًا‪ ،‬وثبت لي األمر عندما ذهبت للندن‬
‫وعدت‪ .‬كان يمكنني رؤية الهاالت السود تحت عينيك واصفرار بشرتك‪ .‬هاري أبِق إيان هنا ودعه‬
‫ينام في حجرتك وأنت بإمكانك النوم في حجرتي ألنني أثق أنك لن تفسدها‪ .‬يجب أن أذهب ألنني‬
‫أحتاج للتغيير قليًال‪ ،‬حسنًا هاري؟” قالت وكانت الجملة األولى كافية ألن تعيد له األلم في صدره‪.‬‬
‫كانت تتحدث معه ويدها تمسك قبضة يده وكأنها تتحدث إلى طفل صغير‪ .‬ولقد شعر عندها ولوهلة‬
‫أن فيوليت َتخاف َع ليه من أن يكسر‪.‬‬

‫“أجل‪ ،‬ال بأس” اختصر بينما سمح لنفسه أن يسبح في عينيها اللتين يحب التحديق إليهما‬
‫دائمًا‪ .‬سمعا وقع األقدام على األرضية الخشبية للساللم‪ ،‬فابتعدت فيوليت ودخلت إلى حجرتها‬
‫وشاهد إيان وليون يصعدان‪ .‬أدار ظهره وفعل مثلما فعلت هي‪.‬‬

‫باكر” قال محاوًال مواساته‪.‬‬


‫ولكن إيان اقترب ولحق به وطبطب على ظهره‪“ :‬سوف تعود ًا‬

‫“ما الذي يجعلك واثقًا هكذا!” سأل هاري محاوًال أن يخرج صوته طبيعيًا‪.‬‬

‫“ألنني شقيقها”‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫بين السنة واألخرى‬


‫‪ ‬‬

‫رحلت‪.‬‬

‫أخذت حقيبتها وغادرت برفقته‪.‬‬

‫تاركة خلفها وحشة المكان‪ .‬رحلت للمرة الثانية‪ ،‬رحلت وكأنما أخذت جزءًا منه معها‪ ،‬كان‬
‫قصير وتلك كانت المرة األولى التي يودعها‪ ،‬أخذها داخل ذراعيه‪ ..‬قبل رأسها وأخبرها أن‬‫ًا‬ ‫الوداع‬
‫تبقى حذرة وأن تتصل به دائمًا متجاهًال تمامًا وقوف إيان وليون بجانبهما‪ .‬أما هي فلم تفعل شيئًا‬
‫سوى أن تقول له إنها ال تريد أن تعود وتراه كالمرة السابقة‪ .‬لم تكن تعلم أنها سوف تجده أسوأ ألنها‬
‫هذه المرة سوف تكون برفقة ليون‪.‬‬

‫غادر إيان مع زاك‪ ،‬نعم زاك‪ .‬ثمة أمور يجب أن ينجزها كل منهما من أجل هاري‪ ،‬ألن هذا‬
‫هو كل ما كان يطلبه منهما‪.‬‬

‫جلس بجانب النافذة الكبيرة األمامية في المنزل وبيده كوب القهوة الذي كان يفتقد حالوته‪.‬‬
‫األضواء الساطعة المتسللة من النافذة بسبب المنازل األخرى كانت مصدر الضوء الوحيد للمكان‪.‬‬

‫لقد أخبروه دائمًا أن مشاعر الحزن واليأس تمنعك من االستمتاع بكل شيء‪ :‬األلوان‪،‬‬
‫األضواء‪ ،‬األطعمة‪ ،‬الروائح‪ ،‬واآلن كان يعايش هذه التجربة ألن اليأس بدأ يتسلل إلى قلبه‪.‬‬

‫الساعة التاسعة مساًء ‪ ،‬كان جسده مرهقًا بشكل عجيب‪ ،‬أغلق هاتفه وأغلق ستار النافذة ثم‬
‫أغلق باب المنزل جيدًا‪ ،‬وصعد إلى حجرة فيوليت‪ .‬لقد أخبرته أنه يمكنه النوم فيها ولم يكن ليضيع‬
‫الفرصة بالرغم من كل شيء‪ .‬تمدد على سريرها المغطى ببضعة ورود صغيرة مرسومه في كل إنش‬
‫من بياض الغطاء‪ .‬كانت رائحة عطرها ال تزال موجودة لذلك ابتسم هاري لنفسه‪.‬‬

‫بدأ النوم يداعب جفنيه اللذين بدأا يثقالن ويغلقان‪ ،‬بينما كان ما يشغل عقله هو فيوليت‪،‬‬
‫فيوليت فقط‪.‬‬

‫*****‬
‫‪ 27‬ديسمبر‬

‫مضى على احتفاالت الكريسماس يومان‪ ،‬وال يزال الناس بانتظار احتفاالت السنة الجديدة‪.‬‬

‫بينما كان هاري جالسًا على مقعد المطعم برفقة زاك وإيان قرر أن يفتح هاتفه الذي ال يزال‬
‫مغلقًا من البارحة‪.‬‬

‫وفور بدء شاشة الهاتف بالعمل وبعد ثواٍن تزاحمت إشعارات المكالمات الفائتة والرسائل غير‬
‫المقروءة على الشاشة‪.‬‬

‫‪ -‬مكالمتان من فيوليت ‪ -‬مكالمة من زاك ‪ -‬ثالث مكالمات من إيان ‪ -‬رسالة واحدة من‬
‫فيوليت‪:‬‬

‫(مرحبًا هاري‪ ،‬لقد اتصلت ولكن هاتفك كان مغلقًا‪ .‬هل كل شيء بخير؟ لقد حطت الطائرة‬
‫في لوس أنجلس قبل نصف ساعة من وقت إرسالي الرسالة هذه‪ .‬أتمنى أن يكون كل شيء على ما‬
‫يرام)‪.‬‬

‫أجابها هاري بكذبة بيضاء صغيرة‪( :‬أجل‪ ،‬كل شيء على ما يرام‪ ،‬استمتعي بوقتك)‪.‬‬

‫*****‬
‫‪ 28‬ديسمبر‬

‫لم يحب أبدًا قصص األشباح التي نسجها األطفال حول منزلهما‪ ،‬لذلك وضع زينة غير‬
‫مبالغ فيها على واجهة المنزل‪.‬‬
‫اتصلت فيوليت صبيحة اليوم وتحدثا لمدة أربع دقائق ثم أغلق كل منهما الخط‪ .‬كانت‬
‫مكالمة خالية من أي أشكال المرح‪ .‬كانت تتمحور حول “هل كل شيء بخير؟” وعن بعض األمور‬
‫التي فعلها هو البارحة والتي كانت فقط الخروج مع إيان وزاك‪ ،‬كانت مكالمة يتيمة حرفيًا‪.‬‬

‫ثم لم يسمع بعدها من فيوليت أبدًا‪ ،‬وهو بدوره لم يرسل أي شيء آخر‪ .‬هي تحتاج بعض‬
‫الوقت كما أخبرته‪.‬‬

‫*****‬
‫بعد أيام‪ ،‬ليلة رأس السنة‬

‫البارحة غادر زاك لكي يحتفل مع عائلته‪ ،‬وأوكل األعمال التي كلفه هاري بها إلى بعض‬
‫رجاله‪.‬‬

‫إيان؟ ها هنا يقف بجانب هاري يحمل زجاجة البيرة بيده ويحدق إلى فراغ الشارع من خالل‬
‫زجاج النافذة‪ .‬أخبر هاري أن الملل أصابه من قضاء هذه األيام سنويًا مع عائلته وقرر التغيير هذه‬
‫المرة‪.‬‬

‫كثير عن حالته ولكنه كان أسوأ‪.‬‬


‫هاري؟ لم يكن مختلفًا ًا‬

‫إيان يزعجه بقاؤه بال حبيبة وشخص يشاركه أحزانه‪ ،‬وهاري يزعجه حبه غير المتبادل‪،‬‬
‫ماضيه وحاضره‪.‬‬

‫نظر إيان إلى هاري قائًال‪“ :‬نخب العزاب” وضرب زجاجته بزجاجة هاري وقبل أن يرتشف‬
‫منها رن هاتفه الموضوع على الطاولة‪.‬‬

‫تذمر واقترب من الهاتف لكي يجد اسم فيوليت يظهر على شاشة الهاتف‪ ،‬وضع الزجاجة‬
‫على الطاولة وخالل ثانية فتح الخط‪.‬‬

‫“مرحبًا هاري‪ ،‬خذ مفتاح سيارتك وغادر المنزل إلى المطار حاًال‪ ،‬ليس لدينا متسع من‬
‫حذر” فاجأته دون مقدمات “ما‪ ”...‬وقبل أن يكمل حديثه قاطعته “ال‬
‫ًا‬ ‫الوقت‪ .‬أسرع أرجوك‪ ،‬وكن‬
‫تحضر إيان معك‪ .‬أنا أعلم أنه ال يزال في نيويورك‪ ،‬أريدك أنت بمفردك هاري”‪.‬‬
‫*****‬

‫الحياة تحمل مفاجآت كثيرة‪ ،‬أنت ال تدرك متى سوف تنجح أو تفشل‪ ،‬تحب أو تكره‪ ،‬أنت ال‬
‫تدرك ما الذي ينتظرك غدًا‪ ،‬الشهر القادم‪ ،‬السنة القادمة‪ ،‬كل ما عليك فعله هو الجلوس وانتظار‬
‫مفاجآت القدر إما أن تسعدك وإما أن تصفعك‪.‬‬

‫وضعت فيوليت حقيبتها في المقاعد الخلفية ولم تكلف نفسها بوضعها في نهاية السيارة ثم‬
‫فتحت باب الراكب األمامي وجلست بجانبه‪ .‬اقترب منها بعد أن عّد لت هي جلستها وفتحت ذراعيها‬
‫لكي تأخذه في عناق سريع‪ ،‬لم يستفسر عند سبب عودتها المبكرة ولم يستفسر عن عدم وجود ليون‬
‫معها‪ .‬كان مشغوًال بسخرية القدر التي أسعدته وقدمت له فيوليت قبل بداية السنة الجديدة بساعة‬
‫واحدة فقط‪.‬‬

‫“إلى (التايمز سكوير)‪ ،‬أسرع هاري يجب أن نصل في الوقت المناسب” قالت فيوليت‬
‫واتضحت خطتها أمامه‪ ،‬الذهاب إلى ساحة التايمز سكوير عند تقاطع شارع برودواي والجادة‬
‫السابعة لحضور احتفاالت رأس السنة التي تقام هناك كل عام ويحضرها مئات اآلالف‪.‬‬

‫“لِك ما أردِت ” سارت السيارة باتجاه الوجهة المطلوبة‪ ،‬موسيقى بصوت منخفض في الخلفية‬
‫وابتسامة وديعة على وجهه ثم تحدثت فيوليت‪“ :‬أنت تتساءل لماذا ال أحتفل بالكريسماس صحيح؟‬
‫في الحقيقة أنا لم أعتد على االحتفال به وحيدة منذ أن تركت عائلتي وانتقلت إلى هنا‪ ،‬ولم أرد أن‬
‫أتكبد عناء السفر ألجل احتفال لم يكن مهمًا بالنسبة إل ولكنني خمنت أنك كنت تقضيه دائمًا مع‬
‫ّي‬
‫عائلتك‪ ،‬لذلك وضعت لك هدية خبأتها داخل خزانتك هل شاهدتها؟” سألته وتردد في اإلجابة بينما‬
‫بدأ يتذكر متى كانت آخر مرة فتح فيها الخزانة!‬

‫كثير‪ ..‬أنا أرتدي المالبس الملقاة هنا وهناك”‪.‬‬


‫“آه في الحقيقة أنا ال أفتح الخزانة وأبعثر فيها ًا‬

‫تجاهلت فيوليت إجابته واقتربت منه وأخذت نفسًا طويًال قريبًا منه‪“ :‬سحقًا هاري‪ ،‬هل‬
‫كثير‪ ..‬لم‬
‫ًا‬ ‫تناولت الكحول قبل قدومك؟!” صرخت في وجهه‪“ .‬أهم‪ ..‬مم ال‪ ،‬نعم‪ ،‬في الحقيقة ليس‬
‫أكمل حتى نصف زجاجة وهي ال تحتوي نسبة عالية من الكحول” قال بتردد وهو يحاول التركيز‬
‫على الطريق‪.‬‬
‫“من الجيد أنك وصلت إلى المطار بسالم‪ ،‬توقف اآلن”‪.‬‬

‫“ولكن‪.”...‬‬

‫“هاري توقف!” قالت من بين أسنانها فأوقف السيارة على حافة الطريق‪ ،‬وفي أقل من دقيقة‬
‫كانت فيوليت تجلس أمام المقود وهو في مقعد الراكب‪“ .‬هل كنت أتحدث عن سخرية القدر؟” تمتم‬
‫هاري لنفسه‪.‬‬

‫“كيف يمكنك القيادة وأنِت ال تملكين سيارة؟” سألها وهو يريح رأسه على المقعد‪.‬‬

‫“لقد تعلمت القيادة قبل مدة من سكنك معي‪ ،‬ولكنني لم أملك سيارة بعد‪ ،‬فما هي المشكلة؟”‬
‫قالت وداست على دواسة الوقود لكي تنطلق السيارة على الطريق مرة أخرى‪.‬‬

‫*****‬

‫‪0 - 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10‬‬

‫وانطلقت الموسيقى واالحتفاالت تعلن بداية السنة الجديدة‪ .‬لقد وصل هو وفيوليت قبل خمس‬
‫دقائق تمامًا وما إن أخذوا مكانًا مناسبًا حتى بدأ العد التنازلي‪ .‬اقتربت فيوليت وقّب لت خده‪ ،‬كان‬
‫معزوًال تمامًا عن العالم من حوله وكل ما يفكر به هو فيوليت التي أبعدت رأسها عن وجهه ونظرت‬
‫شكر على كل شيء قدمته لي‪ ،‬لقد كنت إضافة جميلة‬
‫إلى عينيه وقالت‪“ :‬سنة جديدة سعيدة هاري‪ً ،‬ا‬
‫إلى حياتي”‪.‬‬

‫خيار‪،‬‬
‫ًا‬ ‫أنهت كالمها بابتسامة لطيفة على وجهها عندها أدرك هاري شيئًا ما‪ ...‬الحب ليس‬
‫أنت ال يمكنك اختيار مع من سوف تقع في الحب ألنك تقع وحسب‪ .‬الحب سالح ذو حدين وهو ال‬
‫يعطيك سعادة أبدية وال يعطيك ألمًا أبديًا‪.‬‬

‫أما حبهما فقد كان مسألة صعبة‪ ،‬فهذا الحب الذي هو سعادة لهذا القلب هو أيضًا وجع له‪.‬‬

‫*****‬

‫كان كٌّل من هاري وفيوليت يجلسان إلى الطاولة المعتادة بجانب النافذة في مقهى الجدة‬
‫بارب ار أو كما تفضل هي اآلنسة باربرا‪.‬‬
‫لم يطلب ثنائي القصة سوى كوبين من القهوة‪.‬‬

‫“بارب ار تحب أن تعمل حتى في هذا اليوم! لقد أخبرتني ذات مرة عندما مررت من هذا‬
‫الشارع ووجدت المقهى يستقبل الزوار‪ ،‬أن أبناءها حصل كٌّل منهم على حياته الخاصة ولم يعودوا‬
‫بحاجة إليها!” قالت فيوليت بينما هي تتمعن النظر في الجدة بارب ار التي كانت تبتسم بفرح وهي‬
‫تؤدي العمل الذي تحبه متجاهلة تمامًا ألم واقعها؛ كبر سنها‪ ،‬وموت زوجها‪ ،‬وتخلي أبنائها عنها‪،‬‬
‫ولكن مع ذلك كان بإمكانها أن تجد سعادتها ومتعتها في األشياء الصغيرة حولها‪.‬‬

‫“الحياة صعبة يا عزيزتي” قال هاري لفيوليت بينما كان هو أيضًا يمعن النظر إلى باربرا‪.‬‬

‫بالرغم من أنها كانت ساعة متأخرة من الليل إال أن الشوارع كانت تعج بالحياة واألشخاص‪.‬‬

‫“سنة جديدة سعيدة” قال كٌّل من هاري وفيوليت إلى الجدة بارب ار بعد أن أرسال ابتسامة‬
‫لطيفة إليها ثم تركا المال على الطاولة وغاد ار المقهى ويد هاري وجدت طريقها لكي تمسك يد‬
‫فيوليت‪.‬‬

‫“لقد وصلتني رسالة من إيان يخبرني فيها أنه عاد إلى الفندق لكي ينام” قالت فيوليت وهي‬
‫تحرك شاشة هاتفها بيدها األخرى‪.‬‬

‫لم يجب هاري بل استمر في السير ثم اقترح عليها‪“ :‬ما رأيك أن نجلس أمام النهر بالقرب‬
‫من الجسر؟!”‪.‬‬

‫“ال مشكلة لدّي مع ذلك” قالت فيوليت وهي تعيد هاتفها إلى الحقيبة‪ .‬كانت هذه الساعات‬
‫التي يعيشها هاري اآلن ربما هي أفضل ساعات يعيشها على اإلطالق‪ ،‬لقد حصل على فيوليت في‬
‫آخر ساعات السنة القديمة وأول الجديدة‪ ،‬واألفضل بالنسبة إليه أنها تركت ليون خلفها وها هي اآلن‬
‫معه‪.‬‬

‫صحيح أن هاري لم يتحدث مع فيوليت بعد بشأن عودتها المفاجأة بدون ليون‪ ،‬ولكنه ال‬
‫يبالي ألنه لن يطلب أكثر مّم ا حصل عليه في الساعات القليلة السابقة‪.‬‬
‫وقف االثنان في المكان المطلوب‪ ،‬أمامهما النهر وبجانبه جسر بروكلين الشهير وكان‬
‫بإمكانهما رؤية أضواء السيارات التي تسير من فوقه‪ ،‬المياه تندفع بهدوء ومن منظرها فقط يمكنك‬
‫إدراك أنها باردة إلى حد الموت‪.‬‬

‫لم يكن الثلج يتساقط آنذاك‪ ،‬فقط غيوم سوداء متكتلة‪.‬‬

‫كانت الساعة هي الثالثة صباحًا عندما جلس كل منهما بالقرب من النهر‪ ،‬وقد بدأت تختفي‬
‫الحركة في الشوارع تدريجيًا‪.‬‬

‫ولكن ما لم يخمنه أحد أنهما سوف يستمران بالتسكع في نفس البقعة والحديث في كل شيء‬
‫يرغبان في التحدث فيه (باستثناء عودة فيوليت وموضوع ليون) حتى بدأت الشمس بالبزوغ من‬
‫خلف السحب‪ ،‬تطل بأشعتها بخجل على المدينة األكثر كثافة سكانية في أمريكا‪ ،‬وتحاول بفشل بث‬
‫بعض الدفء‪.‬‬

‫“يا إلهي‪ ،‬هاري إنها الخامسة صباحًا” قالت فيوليت أو باألحرى صرخت وهي تنظر إلى‬
‫السماء ثم إلى ساعة هاتفها‪.‬‬

‫“لم ألحظ مرور الوقت” تذمر هاري‪.‬‬

‫“آه‪ ..‬ال مشكلة‪ ،‬في الحقيقة لم نشعر به” سخرت فيوليت ووقفت على أحد المقاعد الكثيرة‬
‫الموجودة هنا وهناك‪.‬‬

‫“لنذهب إلى المنزل‪ ،‬أنا مرهق وال بد أن تكوني أيضًا كذلك” قال هاري وأخذ يد فيوليت مرة‬
‫أخرى‪.‬‬

‫*****‬
‫‪ 1‬يناير (كانون الثاني)‪ ،‬نيويورك‪ ،‬الشارع الشرقي الواحد والخمسون‬

‫أغلق هاري الهاتف بعد أن أنهى مكالمته للتو مع إيان وعاد إلى المطبخ‪ .‬كانت فيوليت‬
‫تغسل الصحون القليلة التي تناوال فيها اإلفطار قبل دقائق‪.‬‬
‫“هل نذهب إلى المستشفى اليوم؟ صحيح لم يمر أسبوع بعد ولكن آخر مرة ذهبنا فيها كانت‬
‫األسبوع السابق!” سألها هاري بتردد وغسلت فيوليت يديها ألنها أنهت غسيل الصحون بالفعل‬
‫“البأس” قالت وهي تستدير لتنظر إليه‪.‬‬

‫“استعدي إذًا” قال هاري وهو يفرك يده على كتف فيوليت مع ابتسامة جعلت فيوليت تبتسم‬
‫أيضًا‪.‬‬

‫*****‬

‫مؤخر‪ .‬توقفت السيارة أمام‬


‫ًا‬ ‫في مكان آخر من المدينة كان إيان يقود السيارة التي استأجرها‬
‫المنزل المطلوب‪ ،‬تفحص إيان المنزل من نافذة السيارة ثم أخرج هاتفه وأرسل رسالة‪:‬‬

‫(المنزل يبدو خاليًا تمامًا‪ ،‬وأيضًا ال أرى سيارته مركونة أمام المنزل أو في أي مكان قريب)‪.‬‬
‫أغلق هاتفه ووضعه على المقعد بجانبه وتحرك إلى المطار لكي يقل زاك‪.‬‬

‫*****‬

‫“آنسة فيوليت‪ ،‬سوف تأخذك الممرضة إلجراء بعض الفحوصات‪ ،‬رافقيها من فضلك” قال‬
‫الطبيب وذهبت فيوليت مع الممرضة‪.‬‬

‫“أنت بإمكانك االنتظار هنا في مكتبي” قال لهاري‪ ،‬وبالفعل جلس هاري على الكرسي‬
‫الجلدي بجانب مكتب الطبيب‪.‬‬

‫“كم تستغرق رحلة العالج عادًة؟!” سأل هاري الطبيب‪ .‬رفع األخير نظره من األوراق‬
‫المكومة على طاولة مكتبه “هذا يعتمد عادة على الشخص المصاب بالمرض‪ ،‬ربما بضعة أشهر‬
‫تتراوح ما بين أربعة إلى ثمانية‪ ،‬ولكن يجب عليك أنت أيضًا أن تبدأ بمالحظة األعراض إذا بدأت‬
‫باالختفاء ما دمت تسكن معها في المنزل نفسه كما أخبرتني سابقًا” أومأ هاري بإصغاء كامل مع‬
‫كلمات الطبيب‪ ،‬ولكن صوتًا في آخر رأسه بدأ يخبره أنه لن يصمد أربعة أشهر إذا بقي ليون داخل‬
‫اللعبة‪.‬‬

‫بعد ما يقارب ‪ 25‬دقيقة دخلت الممرضة برفقة فيوليت “يمكنكما المغادرة اآلن” قال الطبيب‪.‬‬
‫“هل سار كل شيء على ما يرام؟!” سأل هاري بينما كان يخطو الخطوة األولى خارج بوابة‬
‫المستشفى‪.‬‬

‫“أجل بالطبع” قالت فيوليت بينما كان من الواضح جدًا أنها ال تعلم ما هو سؤال هاري‪.‬‬

‫كان الطريق هادئًا جدًا‪ ،‬بدأ القلق يدب داخل هاري ألن فيوليت لم تكن بخير أو تتحدث‬
‫كثير معه كالعادة‪ ،‬ألن كل ما كانت تفعله هو إجابات مختصرة وسرحان طوال الوقت‪.‬‬
‫ًا‬

‫المسكينة فيوليت كانت تعيش صراعًا داخليًا مع نفسها‪ ،‬وهاري الذي جعلها تتخلى عن‬
‫عاداتها الغربية‪ ،‬هاري الذي زرع الفرحة في قلبها القاحل من جديد‪ ،‬هاري الذي أخذها إلى أماكن‬
‫وجعلها تشعر أنها تراها للمرة األولى‪ ،‬هاري الذي عرض عليها بدء رحلة العالج ولم يفوت موعدًا‬
‫واحدًا‪ ،‬هاري الذي أدخل الدفء إلى قلبها مع كل ابتسامة كان يرسمها على وجهها‪ ،‬هاري الذي‬
‫كان يأخذها بين ذراعيه عندما تحتاج هي إلى ذلك‪ ،‬هاري الذي أعطاها كل األشياء بينما لم تتمكن‬
‫هي من إعطائه ولو شيئًا واحدًا‪.‬‬

‫هاري وفيوليت لم يكونا ثنائيًا ولم يكونا صديقين‪ ،‬لقد كانا شيئًا ما في المنتصف‪.‬‬

‫فور دخول هاري المنزل وإغالقه الباب أمسك معصم فيوليت وأدارها بعد وضع يده على‬
‫ظهرها “هل بإمكانك أخباري ما الذي يحدث! أنِت لست كعادتك! كنت أنتظر منك إخباري بشأن‬
‫عودتك وحيدة ولكن يبدو أنك ال تفكرين حتى في إخباري! فيوليت هل كل شيء بخير؟!” قال هاري‬
‫وخفض صوته في الجملة األخيرة‪.‬‬

‫أغمضت فيوليت عينيها اللتين كانتا تتألآلن بفعل الدموع‪ ،‬وارتمت على صدر هاري بضعف‬
‫“ال‪ ،‬ال شيء بخير” قالت بين نحيبها‪.‬‬

‫وضع هاري يده تحت ركبتيها وحملها إلى األعلى بينما اقترب من أذنها لكي يهمس بهدوء‬
‫“ال بأس‪ ،‬أنِت تعلمين أنني هنا من أجلك‪ ،‬صحيح؟” وبهذا أمسكت فيوليت كنزة هاري بقوة ودّس ت‬
‫وجهها أكثر في كتفه‪.‬‬

‫وضعها هاري على السرير ومسح على رأسها بهدوء‪ ،‬وكان يقبل جبينها بينما يتمتم كلمات‬
‫تطمئنها بين لحظة وأخرى‪.‬‬
‫شعر هاري أنها صغيرة‪ ،‬وحيدة‪ ،‬محّط مة‪ ،‬خالية من األمل‪ ،‬ولكن فيوليت‪ - ‬ألنها فيوليت‪- ‬‬
‫جلست فجأة بعد أن مسحت دموعها الجديدة بقوة ووضعت خصًال من شعرها خلف أذنيها‪.‬‬

‫“إنه ليون‪ ،‬لقد أصبح شخصًا مختلفًا‪ ،‬أشعر أنه بدأ يكرهني فجأة‪ ،‬طوال فترة بقائي معه‬
‫األيام السابقة كان يغير األماكن التي أضع فيها دوائي لكي يصعب عل إيجاده‪ .‬لقد كان يطلب‬
‫ّي‬
‫مني أن أبقى بعيدة عنك‪ ،‬ويتصرف مثل طفل في الخامسة! ولكنني ضقت ذرعًا بتصرفاته لذلك‬
‫أخبرته ما الذي يحدث معه! فأخبرني بأنه ال يريد مني أن أكمل رحلة العالج وأن أنتقل معه إلى‬
‫منزله‪ ،‬ولكنني اعترضت واحتد النقاش‪ .‬خرجت من الفندق‪ ،‬وعدت متأخرة ولم أجده لذلك جمعت‬
‫حاجياتي وعدت إلى هنا”‪.‬‬

‫تنفست فيوليت وقبل أن يفتح هاري فمه بكلمة أضافت‪“ :‬ومن الجانب اآلخر كانت عائلتي‪،‬‬
‫مؤخر وهذا لم يحدث من قبل‪ ،‬هناك أفكار كثيرة تتضارب بداخلي” وغطت‬
‫ًا‬ ‫أنا أفتقد دفء العائلة‬
‫وجهها‪.‬‬

‫ولكنها لم تلبث حتى أبعد هاري يديها عن وجهها ومسح دموعها “خذي كل شيء بهدوء‬
‫وسهولة وافعلي ما تريدينه أنِت ‪ ،‬أنا هنا من أجلك‪ ،‬وإيان أيضًا‪ .‬يجب أن تأخذي قسطًا من الراحة”‬
‫قال هاري وهو يضع األغطية على جسدها بعد أن استلقت هي‪ ،‬بعد دقائق كانت قد سكنت‬
‫وأغمضت عينيها وبعد أن شعر هاري أنها غّط ت في نوم عميق انسحب بهدوء من السرير والغرفة‬
‫بأكملها‪.‬‬

‫فتح هاتفه لكي يجد رسائل عدة من إيان‪ ،‬تذكر هاري أنه أخذ رقم الطبيب منذ مدة لذلك‬
‫اتصل به مباشرة‪.‬‬

‫“مرحبًا”‪.‬‬

‫“مرحبًا‪ ،‬أنا هاري‪ ،‬مرافق فيوليت” قال هاري بسرعة تدل على توقه الشديد لمعرفة أي خبر‬
‫كثير من األفكار‬
‫ًا‬ ‫يطمئنه عنها‪ ،‬وأضاف‪“ :‬فيوليت تبدو غير مستقرة داخليًا‪ ،‬ولقد أخبرتني أن‬
‫تتصارع داخل رأسها” أكمل هاري دون أن ينتظر إجابة الطبيب‪.‬‬
‫“في الحقيقة أنا أيضًا كنت أحاول البحث عن طريقة لكي أتواصل معكم وأخبركم أن فيوليت‬
‫تتحسن‪ ،‬تتحسن جيدًا وبشكل سريع غير قابل للتصديق” قال الطبيب‪.‬‬

‫*****‬

‫في ساعات المساء األولى من اليوم التالي كان ليون يقف على عتبة باب منزل فيوليت‬
‫وهاري‪.‬‬

‫لم يكن هاري يتوقع عودته‪ ،‬لم يكن يتوقع أن يزور ليون المنزل وبتلك السهولة يأخذ فيوليت‬
‫معه بحجة أنه يريد التحدث معها‪ ...‬لقد حدث كل شيء سريعًا‪ ..‬طوال وقت تحدثه معها قبل‬
‫ذهابهما كان هاري يشعر وكأنه إحدى قطع األثاث بال فائدة‪ ،‬كان ساكنًا يحدق كأنه يشاهد فيلمًا‬
‫قديمًا‪.‬‬

‫وألن بقاءه في المنزل وحيدًا لم يكن الخيار األفضل‪ ،‬قرر زيارة زاك‪.‬‬

‫أرسل له زاك عنوان المنزل ألنه كان بالكاد يتذكره وأخبره أن إيان برفقته‪ ،‬وها هو اآلن‬
‫يستطيع أن يرى المنزل يلوح في األفق‪.‬‬

‫“مرحبًا يا صاح‪ ،‬يبدو األمر وكأنني لم أرك منذ سنوات” قال زاك عندما رأى هاري واقفًا‬
‫على عتبة بابه‪.‬‬

‫“يبدو أن هاري انشغل بعودة فيوليت حتى نسي وجودنا!” قال إيان من خلف زاك‪.‬‬

‫تجاهل هاري كالمهما واتجه نحو األريكة‪“ .‬لقد عاد‪ ”..‬اختصر بينما أخذ مكانًا على األريكة‬
‫الكبيرة أمام شاشة التلفاز المسطحة الموجودة في غرفة المعيشة‪.‬‬

‫“ماذا!!”‪.‬‬

‫لقد عاد وأخذها ألنه وبكل بساطه يريد التحدث معها‪ ،‬وهي ذهبت معه بسهولة! لقد كان كل‬
‫شيء يسير على خير ما يرام ثم عاد هو وأفسد كل شيء!” صرخ هاري منّف سًا عن غضبه بينما‬
‫ألقى الوسادة على األريكة‪.‬‬
‫“هاري اهدأ” همس زاك بينما وضع يده بخوف على كتفي هاري الذي أخذ نفسًا عميقًا وعاد‬
‫للجلوس ووضع رأسه بين يديه‪“ .‬لقد تعبت من المحاربة في معركة أنا الطرف الخاسر فيها من‬
‫البداية” همس لنفسه‪ ،‬ولكنهما تمكنا من سماعه ألنه شعر بطبطبة على كتفه‪.‬‬

‫“هاري!” نادى زاك بهدوء ليرفع هاري رأسه وينظر إليهما‪ ،‬لقد كانت الطاولة الموجودة وسط‬
‫غرفة الجلوس عليها كثير من الصور والمالحظات‪ ..‬صورة ليون يغادر المطار وصورة أخرى له‬
‫يغادر منزله‪ ،‬ومالحظات كتب فيها وقت حضوره ووقت مغادرته وغير ذلك كثير‪ .‬نعم هذا ما كانوا‬
‫يفعلونه طوال المدة السابقة‪ ،‬تتبع ليون‪.‬‬

‫صغير لكي يكتشفا الحقيقة الكاملة خلف الرجل الغامض الذي‬


‫ًا‬ ‫لقد شّك ال مكتب مباحث‬
‫سوف يصبح زوج فيوليت؛ صديقة زاك وأخت إيان‪ ،‬وحب هاري‪.‬‬

‫“لم نجد شيئًا سيئًا! لم يفد حتى تقربي منه!” قال إيان وخفض رأسه بأسف‪.‬‬

‫“ولكننا سوف نتابع المهمة‪ ،‬وإن لم نحصل على شيء خالل األيام القادمة فسوف نوقف‬
‫هذا كله‪ ،‬حسنًا؟” استأنف زاك بدًال من إيان‪.‬‬

‫“لماذا ال يمكنني الحصول على يومين جيدين متتاليين على األقل!” كان هذا أول سؤال‬
‫سأله هاري لنفسه بعد أن سمع ما قيل له قبل لحظات‪.‬‬

‫لقد شعر للحظه وكأن الجميع تخلوا عنه‪ ،‬ولكنه قرر أنه يجب أن يخرج بأقل الخسائر اآلن‪،‬‬
‫فشيء أفضل من ال شيء‪.‬‬

‫أخير‪ .‬بضعة أيام! بضعة أيام هي فقط كل ما يملكه‪ ،‬هي أمله‬


‫ًا‬ ‫“أجل أنا أتفهم” قال هاري‬
‫األخير‪ .‬أو يمكن لليون الحصول على فيوليت كزوجة له ألنه سوف يكون رجًال صالحًا! وهذا ما ال‬
‫يتمناه هاري‪.‬‬

‫*****‬
‫في الجانب اآلخر من المدينة‬
‫“إلى أين تأخذني اآلن؟” سألت فيوليت ليون بينما كانا داخل السيارة‪ ،‬وقد ابتعدا عن المنزل‬
‫بضعة أمتار فقط‪.‬‬

‫“إلى منزلي” قال‪.‬‬

‫“ال” قالت‪ ،‬فنظر إليها ولم يفهم‪“ .‬ابحث عن مكان آخر” أضافت‪ .‬زفر بقوة وقال‪“ :‬هل‬
‫تريدين مني أن أقف على قارعة الطريق إذًا؟”‪.‬‬

‫“ال مشكلة لدّي ” قالت بابتسامة‪.‬‬

‫“لك ما أردِت ” قال وأوقف السيارة على رصيف الشارع‪.‬‬

‫جلست باعتدال ونظرت إليه مع إعطائها إشارة (يمكنك البدء) “أنا آسف‪ ...‬أنا آسف حقًا‪،‬‬
‫لقد كنت أتصرف بحماقة‪ ،‬ولكن‪ ...‬لكنني فقط لم أكن أريد خسارتك‪ .‬فيوليت‪ ،‬كان يمكنني رؤية‬
‫ذلك‪ ،‬لقد كنِت تفضلين البقاء معه‪ ،‬الحديث معه‪ ،‬فيوليت لقد أخذتك في تلك الرحلة لكي أذكرك‬
‫بأنني أحبك‪ ،‬وكي نتحدث عن استعدادات الزفاف‪ ،‬ولكنني كنت خائفًا‪ ،‬أرجو منك مسامحتي‪ ،‬سوف‬
‫أفعل كل شيء من أجل ذلك”‪ .‬حّن قلب فيوليت نحوه للحظات‪“ ،‬وأيضًا أنِت قطعت وعد‪ ،‬فيوليت”‬
‫ذّك رها‪ .‬تنفست بعمق وأغمضت عينيها ومرت صورة هاري في ذهنها‪.‬‬

‫“ال بأس” قالت‪ ،‬واستطاعت أن تشاهد من زاوية عينها ليون يبتسم “هل نذهب إلى منزلي‬
‫لكي نناقش أمور الزفاف؟” اقترح عليها‪.‬‬

‫“ال‪ ،‬خذني إلى المنزل أرجوك‪ ،‬سوف آتي إلى منزلك غدًا‪ ،‬حسنًا؟ أحتاج بعض الوقت‬
‫بمفردي”‪.‬‬

‫“كما تشائين” قال‪ ،‬وأدار السيارة مرة أخرى نحو منزلها هي وهاري‪.‬‬

‫“متى تريدين أن يقام الزفاف!” سأل ليون والحماس يطغى على صوته‪ .‬وصدمها قطار‬
‫الواقع لكي يذكرها بأن الجالس بجانبها هو أب ألطفالها في المستقبل‪.‬‬

‫*****‬
‫“هاري‪ ،‬يجب أن تخبرها” قال إيان بصوت هادئ‪ ،‬بينما كان هاري يأخذ معطفه ويستعد‬
‫للخروج “أخبر من بماذا؟” استفسر بغباء‪.‬‬

‫“أخبر فيوليت بحقيقة مشاعرك”‪ .‬أغمض هاري عينيه ووضع الفكرة مباشرة في نهاية دماغه‬
‫ألنها لن تسبب إال مزيدًا من الفوضى‪.‬‬

‫“ليلة سعيدة” قال هاري وأغلق باب منزل زاك خلفه‪.‬‬

‫أخذ خطواته على الثلج الذي يغطي الساحة األمامية للمنزل‪ ..‬لقد كان غاضبًا‪ ،‬محطمًا‪،‬‬
‫يائسًا‪ ،‬وأشياء أكثر لم يكن هو نفسه يعرف ماهيتها‪ .‬فتح سيارته السوداء وجلس بداخلها ثم أدار‬
‫المحرك وداس على دواسة الوقود بقوة لكي تنطلق السيارة بسرعة في الشارع الهادئ وتصدر صوت‬
‫استطاع زاك وإيان سماعه وكانت هذه رسالة صغيرة من هاري لهم تمنى أنها وصلت‪.‬‬

‫فتح الخريطة اإللكترونية باحثًا عن أقرب حانة ألنه أراد أن يبتعد قليًال عن عقله وأفكاره‪.‬‬

‫ولحسن حظه كانت أقرب حانة على بعد ثالثة شوارع‪.‬‬

‫أوقف سيارته في مكان قريب وكان يسير باتجاه الحانة في حين كان رجالن ذوا قامة‬
‫ضخمه يسيران خلفه‪.‬‬

‫فور دخوله بدأت الموسيقى ترن داخل أذنيه‪ ،‬لقد كانت مدة طويلة منذ آخر مرة كان في‬
‫مكان كهذا‪.‬‬

‫“ثالث جرعات فودكا من فضلك” طلب‪ .‬وبعد دقائق كانت أمامه فتناولها واحدة تلو‬
‫األخرى‪.‬‬

‫“ثالث أخرى!” وأيضًا كانت األخرى أمامه ولم يعد يتذكر كم شرب‪ ،‬ولكن األكيد أن مفعولها‬
‫بدأ تأثيره ألنه أخرج هاتفه وبدون تفكير اتصلت أصابعه على رقم فيوليت‪.‬‬

‫“هاري‪ ،‬أين أنت؟ إنها الثانية بعد منتصف الليل! هل حدث لك شيء؟” وصله صوتها‬
‫سريعًا من الجهة األخرى‪.‬‬
‫“في حانة قريبة من منزل زاك‪ ،‬مهًال!! لماذا تتحدثين وكأن األمر يهمك! أخبريني فقط هل‬
‫حصلت على فستان زفافك؟” تحدث فمه وقلبه ولم يتحدث عقله‪.‬‬

‫“هاري‪ ،‬ما الذي تتحدث عنه!” قالت بصوت منخفض أكثر‪.‬‬

‫“ماذا! ألم تدركي بعد أنني أحبـ‪ ”...‬وقبل أن يكمل جملته جاءه صوت من خلفه‪:‬‬

‫“هي!” فاستدار ومباشرة تلقى لكمة كانت موجهة إلى معدته‪.‬‬

‫تلتها ركلة أخرى تسببت في سقوطه على األرض وسقوط الهاتف من يده وانزالقه بعيدًا عنه‪.‬‬

‫توالت اللكمات والركالت ومع وجود الكحول داخل جسده كان قد استسلم في الدفاع عن‬
‫نفسه‪.‬‬

‫ولكن قبل أن يغفو شاهدهما‪ ..‬إنهما الرجالن اللذان كانا خلفه عند دخوله الحانة‪ ،‬رفع‬
‫أحدهما الهاتف‪“ :‬تمت المهمة” وقبل إدراكه أي شيء آخر كان قد أغمض عينيه وغاص في‬
‫الظالم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫مالٌك في الجحيم‬
‫‪ ‬‬

‫كانت فيوليت تصفع وجنتي هاري بخفة لعله يستيقظ بينما كان كل من زاك وإيان يحاوالن‬
‫مساعدتها في إيقاظه‪.‬‬

‫فور انقطاع الخط مع هاري أدركت فيوليت أن شيئًا ما حدث‪ ،‬اتصلت بإيان وأحضر زاك‬
‫معه‪ ،‬ولحسن الحظ فور إخبارهما أن هاري قال لها إنه في حانة قريبة من منزل زاك استطاعا‬
‫معرفة المكان المقصود‪ .‬كان وصولهما في زمن قياسي ال يزيد عن ‪ 15‬دقيقة‪ ،‬ولكن ما أثار‬
‫غضبها هو أن هاري كان مستلقيًا على األرضية وبجانبه شخص يحاول مساعدته‪ .‬كان رجال‬
‫األمن خارج الصورة ولم يتصل أي شخص بسيارة إسعاف‪.‬‬

‫لقد كانت هناك دماء في زاوية فمه ورفع زاك كنزته لكي تظهر لهم آثار الكدمات‪ .‬سألت‬
‫فيوليت نفسها‪“ :‬أي وحش يمكنه فعل هذا؟”‪.‬‬

‫“هاري!! هااري!!” عادت تناديه بصوت أعلى بجانب رأسه وشاهدته يفتح عينيه بهدوء‪.‬‬

‫لقد كانت عيناها غارقتين بالدموع التي تريد منها أن تطلق سراحها ولكن فيوليت كانت تفعل‬
‫ما بوسعها إلبقائها في الداخل‪.‬‬

‫“هاري‪ ،‬هل أنت بخير؟” سأل إيان‪ ،‬وحرك هاري رأسه نفيًا بينما كان يعقد حاجبيه‪.‬‬

‫وضعت يدها خلف رأسه ورفعته بحذر “سوف نأخذه إلى المستشفى” قالت بعد أن رفعت‬
‫رأسها لتنظر نحو إيان وزاك‪.‬‬
‫“ال” تحدث هاري بصعوبة فتحّو ل نظر الثالثة إليه‪ .‬خذوني إلى المنزل فقط” قال وسعل‬
‫بقوة‪.‬‬

‫“فيوليت ابتعدي عنه سوف أحمله إلى السيارة” قال زاك وانحنى لكي يضع ذراعه تحت‬
‫ركبتي هاري واألخرى تحت رأسه‪.‬‬

‫فتح إيان باب السيارة وجلست هي بالداخل ووضع زاك هاري على المقعد بجانبها بينما رأسه‬
‫أخير متجهة إلى المنزل‪.‬‬
‫ًا‬ ‫في حجرها لكي تتأكد من بقائه مستيقظًا وتحركت السيارة‬

‫“هل تريد شيئًا ما!” همست فيوليت لهاري الذي حرك رأسه نافيًا وأغمض عينيه محاوًال‬
‫االبتعاد عن شعور األلم الذي يبدأ بصداع رأسه وينتهي بالكدمات التي تتوزع في جسده‪.‬‬

‫كانت فيوليت تعلم أنه يعاني من صداع عنيف لذلك بدأت تحرك يدها على رأسه‪ ،‬وكان رد‬
‫فعله أن فتح عينيه قليًال ونظرت هي إلى الزمردتين الخضراوين القابعتين بالداخل‪.‬‬

‫أغمض عينيه وابتسم وابتسمت هي أيضًا لسبب تجهله‪.‬‬

‫*****‬

‫“طبعًا ال! ذهابي إلى المستشفى يعني سؤالي عن سبب الحادثة وربما تسبب في مشاكل‬
‫أكبر! كدمات وسوف تزول قريبا” قال هاري بينما كان مستلقيًا على َس ِر يره “ماذا لو كانت هناك‬
‫بعض األضالع المكسورة!” صرخ زاك في المقابل “يمكنني الشعور بجسدي لو كان فيه شيء‬
‫مكسور‪ ،‬زاك أرجوك ال أريد الخوض في هذه المحادثة” قال هاري وأغمض عينيه بقوة‪.‬‬

‫كانوا قد وضعوا المرهم على كدمات هاري فور وصولهم إلى المنزل وضمدوا الجراح التي‬
‫مصر على عدم خروجه‬‫ًا‬ ‫يجب تضميدها وكانوا اآلن يحاولون أخذ هاري إلى المستشفى ولكنه كان‬
‫أخير وتحرك إيان مبتعدًا عن فيوليت بعد ما كان‬
‫ًا‬ ‫من المنزل‪ ،‬وبعد محاوالت دامت طويًال استسلموا‬
‫يقف بجانبها “سوف نذهب اآلن‪ ،‬إذا حصل أي أمر طارئ اتصلوا بنا‪ ،‬سوف نتحدث غدًا” قال‬
‫ودفع زاك خارج الغرفة‪ ،‬وبعد دقائق سمعوا صوت إغالق الباب الخارجي‪.‬‬
‫جلست فيوليت بجانب هاري المستلقي على السرير الذي كان يفكر في أمور عديدة في تلك‬
‫اللحظة ولكن وجه ليون ظهر جليًا بين كل األفكار لذلك قرر أن يسأل فيوليت السؤال الذي كان‬
‫يجول في خاطره منذ الظهيرة “ما الذي حدث بشأن ليون!” سألها‪ ،‬وكان سؤاله مفاجئًا لها فتلعثمت‬
‫وأصبحت أفكارها تركض في اتجاهات كثيرة وبدأت تتحدث‪“ :‬في الحقيقة لقد برر لي تصرفاته بأنه‬
‫يخشى خسارتي‪ ،‬ولقد غفرت له‪ .‬أنت تعرف أنا بالفعل خطيبته اآلن ولقد وعدته سابقًا وسوف‬
‫أصبح زو‪.”...‬‬

‫“اششششش” قاطعها ورفع يده ألن كلماتها بدأت تؤلم قلبه “لقد فهمت”‪.‬‬

‫لم يقل أي شيء‪ ،‬وشعرت بأنها يجب أن تتركه يرتاح لذلك وقفت مغادرًة‪.‬‬

‫“ال تذهبي” قال لها بهدوء وأدارت ظهرها لكي تنظر إليه‪“ .‬هنالك شيء ما يجب أن أخرجه‬
‫من قلبي وأخبره لشخص ما‪ ،‬مرة وإلى األبد”‪ .‬كانت فيوليت متعجبة من تغير أسلوبه المفاجئ ولكنها‬
‫أطاعت رغبته وعادت للجلوس بجانبه‪ ،‬لم تتحدث ألنها كانت تدرك أنه يحاول استجماع قوته لكي‬
‫يقول ما سوف يقوله‪ ،‬وحركت نظرها إلى النافذة التي كانت أطرافها الخارجية مغطاة بالثلج‪.‬‬

‫“لقد كنت في مركز إعادة التأهيل‪ ،2‬قبل أن أنتقل هنا إلى نيويورك!” قال بال مقدمات‪ .‬قال‬
‫وألقى عليها مفاجأة جديدة لم تكن تترقبها‪.‬‬

‫بالرغم من أنها تفاجأت إال أنها لم تهلع ألن دخول مراكز إعادة التأهيل في أيامنا هذه‬
‫أصبح شيئًا اعتياديًا‪ ،‬المشاهير وكبار الشخصيات يلجؤون إلى هذه المراكز‪ ،‬ولكن لم تتوقع أن‬
‫يكون هاري المستلقي بجانبها قد مر بهذه التجربة‪.‬‬

‫جلست أقرب إليه وكانت تصغي بانتباه له‪“ :‬لقد بدأ األمر كله قبل سنة واحدة‪ ،‬كنت قد‬
‫خرجت من عالقة عاطفية فاشلة‪ ،‬لم أجِن منها سوى دخولي في متاهة من الحزن والكآبة‪ ،‬قررت‬
‫الهروب من واقعي عن طريق الشرب‪ ..‬كل ليلة‪ ..‬وبعد مدة ازدادت حالتي سوءًا وتدهورت صحتي‬
‫وأنا ما زلت في ريعان شبابي‪.‬‬

‫كثير من أصدقائي المزيفين في تلك المرحلة وخسرت عملي‪ ،‬ولكن هذا لم يشكل‬
‫ًا‬ ‫خسرت‬
‫كبير ألن عائلتي لديها ما يغرقها من األموال‪ ،‬ولكنني كنت المشكلة ألنني قد تغيرت آنذاك‪،‬‬
‫ًا‬ ‫فرقًا‬
‫أصبحت شخصًا جديدًا أنا نفسي لم أعرفه‪ ،‬تفّر ق الجميع من حولي ولكن! قبل فوات األوان تدخلت‬
‫والدتي لكي ترسلني إلى مركز إعادة التأهيل‪ .‬كان بإمكاني البقاء في المنزل وتلقي العالج ولكن‬
‫والدتي أصرت على بقائي في المركز‪ ،‬وبعد أن تماثلت للشفاء وعادت إل صحتي خرجت‪ ،‬ثم‪”...‬‬
‫ّي‬
‫كان يحكي لها ذكرياته وينظر إلى السقف وكأنه يشاهد تلك الذكريات ولكنه توقف فجأة لكي ينظر‬
‫داخل عينيها وشعرت مرة أخرى أن تينك العينين تستطيعان مشاهدة ما بداخل روحها “ثم قررت أن‬
‫أغادر لندن لبدء حياة جديدة‪ ،‬كان أول خياراتي نيويورك التي كنت قد عشت فيها سابقًا لمدة وجيزة‪.‬‬
‫بحثت عن منزل مشترك فور وصولي ألن بقائي بمفردي في منزل لم يكن الخيار الصحيح‪ ،‬ثم‪..‬‬
‫بوم! وجدتك أنِت ‪ ..‬ولقد كنِت أنِت شفائي” أضاف‪ ،‬وكانت فيوليت تعيش حالة صدمة تخطتها نوعًا‬
‫ما ولكنها لم تستطع أن تخرج أي شيء من فمها لذلك عانقته ولكن بحذر حتى ال تلمس أيًا من‬
‫جروحه أو كدماته‪.‬‬

‫أخير بعد أن ابتعدت عنه ولكنه عاد وتحدث وكأنه لم‬


‫ًا‬ ‫“أقدر حقًا إخبارك لي بهذا” قالت‬
‫يسمعها “هذا أحد األسباب التي جعلتني أصر على أن تبدأي عالجك‪ ،‬ألنني أردتك أن تشعري‬
‫بذلك الشعور الرائع عندما ينتهي األمر” قال لها وابتسامة صغيره تزّين وجهه‪.‬‬

‫أدركت هي في تلك اللحظة أن القدر أعطاها هدية جميلة‪ ،‬ولم تكن لتطلب أكثر‪.‬‬

‫“أنت تعلم أنك تعني الكثير لي صحيح؟” قالت بينما بدأت دموع تجهل سببها تجعل رؤيتها‬
‫ضبابية‪.‬‬

‫“ال” قال وابتسامة سخرية اعتلت وجهه‪.‬‬

‫“حسنًا إذًا‪ ،‬إليك معلومة جديدة! أنت تعني الكثير لي” قالت بعد أن استلقت بجانبه‪.‬‬

‫“من الجيد معرفة هذا” كان يمسك يدها لكي يتأكد من أنها ال تزال بجانبه بينما عاد‬
‫وأغمض عينيه‪ ،‬كانت فيوليت تشعر باسترخاء يغطي قلبها واطمئنان يحيطها وكأنها تملك الكون‬
‫وكل ما فيه‪ .‬وفي تلك الثانية الصغيرة شكرت فيوليت أيًا كان من ساعد في تسبب الضائقة المالية‬
‫لعائلتها ألنه أرسل لها هاري بطريقة غير مباشرة‪.‬‬
‫بعد دقائق ارتخت قبضته أكثر وانتظم تنفسه وكان يغط في نوم عميق‪ .‬لذلك أبعدت يدها‬
‫بهدوء وانسحبت من الحجرة‪.‬‬

‫*****‬

‫فتحت فيوليت عينيها بهدوء عندما شعرت بالباب يفتح وصوت خطوات على األرضية‪.‬‬

‫“فيوليت!! يجب أن تستيقظي” صوت إيان ويد وضعت على كتفها لكي تهزها بهدوء‪.‬‬

‫أصدرت صوت تذمر “في أي وقت نحن اآلن!” سألت بصعوبة وما زالت تفرك عينيها‬
‫محاولة االعتياد على ضوء الغرفة‪.‬‬

‫“العاشرة صباحًا‪ ،‬لقد أحضرنا أنا وزاك اإلفطار وأيقظنا هاري ولم يبَق سواك!” قال إيان “لقد‬
‫وضعنا الطعام في غرفته‪ ،‬اعتني به ألنه يبدو مجهدًا‪ ،‬وأعتقد إن أعطيِت ه بعض الحنان لن تكون‬
‫فكرة سيئة و‪ ”...‬قبل أن يخرج كلمة أخرى تناولت وسادة بجانبها وألقتها عليه ولكنه كان قد خرج‬
‫من الغرفة ضاحكًا بالفعل‪.‬‬

‫أبعدت األغطية عن جسدها ووقفت خارج السرير‪ ،‬ليلة البارحة لم تستطع النوم جيدًا‪ ،‬كانت‬
‫األفكار فكرة وخلفها فكرة تتزاحم في رأسها‪.‬‬

‫أرسلت رسالة مختصرة إلى ليون في الساعة الثانية مساًء تخبره فيها أنها لن تستطيع مقابلته‬
‫الليلة ألن هاري متعب ولن تستطيع الخروج‪.‬‬

‫ولكن ما أثار تعجبها هو أن ليون لم يستفسر عن هاري‪ ،‬وكل ما قاله هو‪:‬‬

‫“ال بأس‪ ،‬سوف أشتاق إليك”‪.‬‬

‫*****‬

‫“صباح الخير! يبدو أنك تناولت إفطارك بالفعل” قالت بينما دخلت حجرة هاري وشاهدت‬
‫طاولة الطعام الصغيرة موضوعة على السرير عليها صحن فارغ وكوب بيد هاري‪.‬‬
‫“أجل فعلت” قال وابتسامة بهجه ارتسمت على وجهه‪ ،‬سارت فيوليت باتجاه النافذة ووقفت‬
‫بجانبها لكي ترى حال الطقس لهذا اليوم‪.‬‬

‫كانت الثلوج تتساقط وتضرب زجاج النافذة بهدوء لكي تجعل الرؤية أصعب‪..‬‬

‫وكان قلباهما‪ ،‬مثل هذه المدينة في الشتاء‪ ،‬باردين‪ ،‬وكل ما يحتاجانه هو الحب لكي يصبحا‬
‫أجمل وأكثر دفئًا‪.‬‬

‫“هاري”‪“ ..‬لي” نادى كل منهما اآلخر في الوقت نفسه‪.‬‬

‫“ال بأس‪ ،‬تحدثي أنِت أوًال” قال وأمال رأسه ينظر إليها‪.‬‬

‫“زفافي قريب‪ ،‬قريب جدًا هاري” قالت وشاهدت مالمحه تتجمد‪ .‬لم تكن ترغب في التحدث‬
‫معه بهذا الشأن ولكن التوتر كان يأكلها ومشاعر الخوف والتردد تكبلها‪.‬‬

‫“أوه‪ ،‬جيد” هذه كانت إجابة هاري‪ ،‬مع أكبر ابتسامة مزيفة على وجهه‪ ،‬ولكنها لم تسأله عن‬
‫السبب ألنها كانت وبشكل ما تخشى معرفة اإلجابة‪ ،‬وتذكرت أيضًا أن هاري سبق وأن طلب منها‬
‫أن ال تتزوج من ليون‪.‬‬

‫“أشعر بالملل” قالت في محاولة منها لتغيير محور الحديث الذي كان من الواضح جدًا أنه‬
‫غير مريح لهاري الذي رفع بصره عن يده ألنه كان يحدق إليها وكأنها مشكلة العالم كله‪.‬‬

‫“هل يمكنك إحضار الغيتار إذًا؟ إنه هناك في زاوية الحجرة” أشار إلى الزاوية بجانبها بينما‬
‫كان يحاول تعديل طريقة جلوسه‪ .‬أحضرت الحقيبة السوداء التي تحوي بداخلها الغيتار ووضعتها‬
‫بجانبه على السرير وجلست هي األخرى تشاهده يفتح الحقيبة وابتسامة ناعمة على وجهه‪.‬‬

‫“هل تستطيع أن تعزف؟”‪.‬‬

‫“هيا فيوليت! لن أمارس كرة السلة فقط سوف أحرك أوتار الغيتار ولن يؤثر هذا على‬
‫جسدي!”‪.‬‬

‫ثم أغمض عينيه بينما بدأ بالعزف لكي يجعلها تسافر إلى مكان آخر‪ ،‬مكان رائع جدًا‪.‬‬
A certain type of wind has swept me up

A chill has found each bone

I am overcome

There is an icy breath that escapes my lips

And I am lost again

A certain type of darkness has stolen me

Under a quiet mask of uncertainty

I wait for light like water from the sky

And I am lost again

In the sea of lovers without ships

And lovers without sight

You’re the only way out of this

Sea of lovers losing time

And lovers losing hope

Will you let me follow you

Wherever you go

Bring me home
 

.‫ لقد كانت تشعر بالدفء‬،‫لم تكن تشعر ببرودة الجو‬


‫ولم تشعر بأن زاك وإيان كانا يقفان ويشاهدان بصمت‪.‬‬

‫لقد كانت مأخوذة تمامًا بصوت هاري والكلمات التي كان يغنيها بصوت عذب يجعلها‬
‫ترغب في سماعه إلى األبد‪ ،‬شيء ما بشأنه يشتتها تمامًا‪ ،‬يغير أفكارها‪ ،‬ويجعلها تتمنى أن يبقى‬
‫هنا دائمًا‪.‬‬

‫حب األشياء‪ ،‬التعلق بها واالعتياد على وجودها‪ ،‬أشياء خطرة كانت تحذر نفسها دائمًا من‬
‫الوقوع فيها ولكن ولألسف‪ ،‬لقد أحبت وجوده‪ ،‬وتعلقت به‪ ،‬واعتادت على قربه‪.‬‬

‫لم تكن تخطط لحدوث هذا كله ولكن سخرية القدر تفوز دائمًا‪.‬‬

‫“واو‪ ،‬هذا كان رائعًا” صوت إيان وهو يصفق بيديه جعلها تدرك أنها وهاري لم يكونا‬
‫الوحيدين في الحجرة‪.‬‬

‫رفع هاري رأسه وعقد حاجبيه “هل الحصول على بعض الخصوصية صعب جدًا بوجودكما‬
‫هنا؟”‪.‬‬

‫“هل تتوقع من شخص ما سماع هذا العزف والصوت دون البحث عن مصدرهما! بجدية‪،‬‬
‫هاري هل توقعت هذا؟”‪ ،‬قال زاك فتظاهر هاري بالتفكير ثم حرك رأسه نافيًا وابتسامة مستمتعة على‬
‫وجهه‪.‬‬

‫“حسنًا‪ ،‬يجب أن نغادر‪ .‬نحن اآلن لدينا أمور عدة يجب أن ننجزها‪ ،‬وداعًا”‪ .‬قال زاك وكان‬
‫خارج الباب هو وإيان خالل ثوان‪.‬‬

‫ساعدها هدوء الشارع على سماع صوت محرك السيارة خارج المنزل‪ ،‬لكي تدرك أنهما‬
‫غادرا‪ ،‬فاستدارت لكي تواجه هاري‪“ :‬لقد كان هذا رائعًا!” صرخت لكي تشاهد االبتسامة تكبر على‬
‫وجهه‪ ،‬وقبل أن تعبر أكثر عن مشاعرها سمعت صوتًا من هاتفها يعلن عن وصول رسالة جديدة‪.‬‬

‫إيان‪ :‬فيوليت‪ ،‬هل يمكنك أن تخبريني ماذا كان يحدث قبل قليل!‬

‫فيوليت‪ :‬هاري يغني من أجل فيوليت!‬

‫إيان‪ :‬حاولي مرة أخرى‪.‬‬


‫فيوليت‪ :‬هاري يغني ألنه وفيوليت يشعران بالملل!‬

‫إيان‪ :‬ال‪ ،‬مرة أخرى‪.‬‬

‫فيوليت‪ :‬صديق يغني من أجل صديقته!‬

‫إيان‪ :‬أنا أستسلم ولكن‪ ،‬هل أخبرتك مسبقًا إلى أي درجة أنِت غبية؟‬

‫وكانت حقًا غبية ألنها لم تق أر لغة جسد هاري‪ ،‬ولم تسمع ما خلف كلماته لكي تدرك أنه كان‬
‫يغني لها و‪ ..‬عنها‪.‬‬

‫*****‬

‫رن جرس الباب بينما كانت في المطبخ تعد لهاري شيئًا ما لكي يأكله‪ ،‬ولكنها تركت ما‬
‫كانت تعده وغادرت المطبخ بعد أن غسلت يديها‪.‬‬

‫فتحت الباب لكي تجد إزابيال تقف أمام الباب وهي ترتدي معطف فرو أبيض مع وشاح‬
‫صوفي أحمر وشعرها البني ينسدل على كتفيها‪.‬‬

‫“لقد مّر وقت طويل” قالت وعانقت فيوليت التي لم تكن سعيدًة جدًا بضيفتها‪.‬‬

‫لقد كانت إزابيال صديقتها ولكن صداقتهما لم تكن قوية‪ .‬كانت فيوليت تقابلها بين الحين‬
‫واآلخر وتتسكعان سويًا‪ .‬لقد قابلتها عن طريق ليون في البداية‪ ،‬وبعد ذلك كانت قريبة منها نوعًا ما‪،‬‬
‫ثم بدأت صداقتهما القصيرة تختفي مالمحها على مر األيام‪.‬‬

‫“هل هاري هنا! أرغب التحدث معه”‪.‬‬

‫“أجل إنه في األعلى‪ ،‬متعب قليًال”‪.‬‬

‫“أوه‪ ،‬أخبرني ليون بالفعل” قالت وهي تصعد الساللم خلف فيوليت‪.‬‬

‫“أريد التحدث معه على انفراد” قالت وهي تقف أمام باب حجرته وتنظر إلى فيوليت التي‬
‫أومأت وتركتها وبدأت تتساءل‪“ :‬لماذا تريد التحدث معه؟ هل حدث شيء ما سابقًا؟ هل يربطهما‬
‫شيء ما؟) كانت األسئلة تركض داخل رأسها بينما شعرت بأن ألمًا خفيفًا بدأ يدب في صدرها‪.‬‬
‫مؤخر جعلتها تشعر وكأن قلبها عاد للحياة من جديد وأدركت‬
‫ًا‬ ‫المشاعر التي بدأت تخالجها‬
‫أن آثار العالج بدأت تظهر وأن رحلة عالجها لن تدوم طويًال بالرغم من أنها كانت سعيدة إال أنها‬
‫كانت خائفة أيضًا‪.‬‬

‫كانت خائفة من الوقوع في الحب‪ ،‬ولكن من يخاف من الوقوع في الحب هو غالبًا واقع‬
‫بالفعل فيه‪.‬‬

‫*****‬

‫غادرت إزابيال حجرة هاري وأغلقت الباب خلفها‪.‬‬

‫كانت قد أتت لكي تطمئن على صحة هاري حسب أقوالها ولكي تعتذر عما حدث تلك‬
‫الليلة‪ ،‬أخبرها بدوره أنه ال داعي لالعتذار وكان يعنيها حقًا‪ .‬ال داعي العتذارها ألنه‪ ،‬حسب ما يفكر‬
‫فيه لن يراها مرة أخرى‪ ..‬أبدًا‪.‬‬

‫فتح الباب مرة أخرى ودخلت فيوليت تحمل بيدها صحنًا‪ ،‬لذلك أخذ هاري الطاولة الصغيرة‬
‫ووضعها على السرير‪.‬‬

‫“في الحقيقة المعكرونة هي أفضل ما أجيد طهوه” قالت بمرح مصطنع وهي تضع الصحن‬
‫على الطاولة‪.‬‬

‫الحظ هاري أن هناك شيئًا ما يزعجها ولم يستطع التحّك م في نفسه فسألها “لماذا أنِت‬
‫منزعجة؟”‪.‬‬

‫“ها!” قالت ونظرت إليه مباشرة غير مَتوِّقعة سؤاله‪.‬‬

‫“أنِت ‪ ،‬أنِت تبدين منزعجة!” قال وعقد حاجبيه باستفهام‪.‬‬

‫“أوه‪ ،‬ال عليك‪ ،‬كل شيء بخير” قالت وجلست بجانبه‪.‬‬

‫“ماذا كانت تريد إزابيال!” سألته بعد لحظات‪ ،‬وتساءل هاري هل كان هذا ما يزعجها أم أنه‬
‫يتوهم؟‬
‫“لقد أخبرتني أنها هنا لتطمئن على صحتي‪ ،‬على كل حال ال أتوقع أن أراها مرة أخرى”‬
‫كذب في جملته األولى كذبة بيضاء صغيرة ألن القصة انطوت‪ ،‬وليس من المهم أن تعرف فيوليت‪.‬‬

‫*****‬

‫“هل فتحت الهدية التي كنت قد وضعتها لك في خزانتك؟ هدية عيد الميالد!”‪ ،‬سألت‬
‫فيوليت‪.‬‬

‫كل ما كانا يفعالنه منذ ساعات هو االستلقاء على السرير ومشاهدة السقف وكأنه أهم‬
‫األشياء في العالم‪ ،‬والتحدث في أي شيء يفكران فيه‪.‬‬

‫شكر على الكنزة‪ ،‬لقد أحببتها” وابتسم عندما تذكرت أنه الشخص الوحيد الذي ربما‬
‫ًا‬ ‫“أجل‪،‬‬
‫حصل على هدية منها في عيد الميالد‪ ،‬ربما حصل ليون على واحدة ولكن إيان لم يحصل عليها‬
‫بالتأكيد‪.‬‬

‫“هل تريد بعض القهوة!” سألته فيوليت وهي تقف مغادرة‪.‬‬

‫“أجل‪ ،‬لنصنعها سويًا” قال‪ ،‬ووضع إحدى قدميه خارج السرير‪.‬‬

‫“ولكن هاري!‪.”..‬‬

‫“ال عليك أنا بخير” ووقف واستند إلى فيوليت لكي تساعده بالنزول من الساللم‪.‬‬

‫“أنا سوف أصنع القهوة” قاال في اللحظة نفسها فور دخولهما‪.‬‬

‫“هاري بربك! أنت تعلم أنه يمكنني صنع قهوة أفضل من التي تصنعها أنت”‪ .‬قالت فيوليت‬
‫ووضعت يدها على خصرها‪.‬‬

‫“أنِت تصنعين قهوة رائعة صحيح‪ ،‬ولكنها ال تضاهي روعة قهوتي” رد بفخر‪.‬‬

‫فتحت فيوليت فمها لكي تقول شيئًا ما ولكن رنين هاتف هاري قاطعها‪“ .‬مرحبًا!”‪.‬‬

‫“مرحبًا هاري هل تجلس بمفردك؟” صوت زاك من الطرف اآلخر‪.‬‬


‫“ال‪ ،‬ما هي المشكلة؟” وبدأ هاري يسير مبتعدًا عن فيوليت التي بدأت تعد القهوة‪.‬‬

‫“أنا آسف هاري ولكن‪ ..‬ليون على ما يبدو رجل صالح‪ ،‬لذلك توقفنا قبل لحظات عن‬
‫البحث خلفه‪ ،‬توقفنا نهائيًا‪ ”...‬وقبل أن يكمل جملته أغلق هاري الخط وتظاهر بأنه يودعه حتى ال‬
‫تشك فيوليت باألمر‪.‬‬

‫لقد ظن أن شكوكه خانته هذه المرة‪ ،‬وعلى ما يبدو أن فرصه قد نفدت‪ .‬الحب ليس‬
‫مسابقة‪ ..‬ولكن هاري كان يخسر‪.‬‬

‫*****‬
‫الرابع من يناير (كانون الثاني)‬

‫استيقظت فيوليت في منتصف الظهيرة‪ ،‬وجلست على سريرها وفتحت هاتفها لكي تتفقده‬
‫ولكنها لم تجد فيه أي مكالمات جديدة أو رسائل‪.‬‬

‫بعد أن اغلق هاري هاتفه حين انتهى من مكالمة زاك كان يطيل النظر إلى وجه فيوليت‬
‫ويتفحص كل جزء منه وكأنه يرغب في ترسيخ صورة في ذهنه‪ ،‬ولم يتركها تذهب للنوم سوى في‬
‫وقت متأخر من الليل ألنه كان يريد قضاء أطول وقت ممكن برفقتها‪.‬‬

‫كان المنزل هادئًا جدًا عندما خرجت فيوليت من حجرتها ولم يكن باب حجرة هاري مغلقًا‬
‫بالكامل‪ ،‬لذلك اتجهت ناحيته لكي توقظ هاري‪ ،‬فتحته لكي تجد الحجرة فارغة من أي أثر لهاري‬
‫والخزانة الزجاجية لم يعد فيها مالبس‪ ،‬والطاولة الصغيرة بجانب السرير ال يوجد عليها الكمبيوتر‬
‫المحمول أو حتى كوب القهوة منذ البارحة‪ ،‬كل شيء فارغ‪ ،‬وكأن هاري لم يكن سوى أحد أحالمها‬
‫أخير استيقظت من هذا الحلم‪.‬‬
‫ًا‬ ‫وهي‬

‫ثم وقعت عيناها على ظرف رسالة موضوع بعناية على السرير كتب على ظهره‪“ :‬إلى‬
‫فيوليت‪ ،‬أو كما أحب أنا‪ ..‬لي”‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫عزيزتي فيوليت‪ ،‬أو كما أحب أنا ‪..‬لي‬


‫‪ ‬‬

‫عزيزتي فيوليت‪ ،‬أو كما أحب أنا‪ ..‬لي‪.‬‬

‫عندما تقرأين هذه الرسالة لن أكون هنا مرة أخرى‪ .‬كتبت هذه الرسالة لكي أخبرك أشياء‬
‫عديدة لم أكن شجاعًا كفاية لكي أخبرك بها وجهًا لوجه‪ ،‬أو ربما لو لم تسر األمور بهذه الطريقة‬
‫ار ولكنني لم أستطع‪ .‬ال أعلم السبب ولكنها ربما‬
‫ار وتكر ًا‬
‫لكنت قد أخبرتك‪ ،‬وصدقيني لقد حاولت مر ًا‬
‫كانت قلة شجاعة مني‪ ،‬قلة شجاعة مني لكي أخبرك بأنني قابلتك للمرة األولى عندما أعدت لك‬
‫المفتاح الذي سقط منك‪ ،‬ولم أكن أدرك حينها أنني في اليوم التالي سوف أصبح شريك سكنك‪.‬‬
‫أخبرك بأنني أحببت عينيك أوًال ثم روحك ثانيًا‪ ،‬أخبرك بأنني كنت أتمنى قتل ليون عندما يقترب‬
‫منك‪ ،‬ولكي أخبرك أيضًا بأنني واقع في حبك بالرغم من أنك كنِت حبيبته واآلن خطيبته وقريبًا‬
‫زوجته‪ ،‬ولكن قلبي كان غبيًا كفاية ولم يبصر هذا كله ألن كل ما كنت أراه هو أنِت وليس هو‪ .‬أعلم‬
‫أن مشاعري خاطئة ولكن لقد كان عدم الوقوع في حبك صعبًا‪ ،‬صعبًا جدًا!‪ ..‬لقد أحببت الطريقة‬
‫التي تبتسمين فيها‪ ،‬أحببت تذمرك من إيان‪ ،‬أحببت خوفك من الذهاب إلى المستشفى‪ ،‬أحببت‬
‫الطريقة التي تجعلينني فيها شخصًا جيدًا‪ ،‬أحببت كل شيء واآلن أدرك أنه ال يمكنني أن أملك أي‬
‫شيء‪ ،‬فور دخولي المنزل للمرة األولى شعرت بشيء ما! صدقي أو ال تصدقي ولكنني شعرت‬
‫بأنني أنتمي إلى هذا المنزل‪ ..‬لم يكن بالشيء الكثير ولكنه كان كل ما احتجته يومًا‪.‬‬

‫ار كثيرة وأنِت فعلت بالمثل ولكن أهم ما أخفيته أنا عنك كانت مشاعري‪ ،‬في‬
‫لقد أخفيت أسر ًا‬
‫كل مرة كنت أراه بجانبك كنت أرغب بأن أنتزعك بعيدًا عنه ولكنني ال أستطيع‪ ..‬لماذا؟ ألنني مجرد‬
‫شريك سكن أخرق وقع في حب شريكته التي تملك شخصًا ما بالفعل‪ ،‬والتي ال تراه سوى صديق‪،‬‬
‫لكن أتمنى على األقل أنني كنت شريك سكن جيدًا! ويجب عليك االطمئنان ألنك كنِت أفضل‬
‫شريكة حصلت عليها إطالقًا‪ .‬أعتذر ألنني تركتك قبل أن تنهي رحلة عالجك التي يمكنني إخبارك‬
‫اآلن أن نهايتها اقتربت؛ لقد تحدثت مع الطبيب سابقًا وأخبرني أنك تتحسنين بشكل سريع ولن‬
‫تحتاجي لمدة طويلة قبل أن تحصلي على الشفاء الكامل لذلك أنا مطمئن اآلن ألنك تخلصت مما‬
‫كان يعيقك لكي تعودي إلى حياتك الطبيعية‪.‬‬

‫لم أدرك في البداية أنه ال يمكنني الحصول عليك ولكن يمكنني أن أدرك اآلن أنك سوف‬
‫تكونين أفضل بدون هاري‪ ،‬سوف تستعيدين منزلك وحياتك السابقة‪ ،‬لن ينافسك شخص ما في صنع‬
‫القهوة‪ ،‬لن يتوجب عليك االعتناء بما يصيبني‪ ،‬لن تضطري ألن تتعاملي مع مشاعري الغبية‪ ،‬لذلك‬
‫أنا سوف أغادر بهدوء‪ ،‬تأكدي أن تأخذي كنزتك الحمراء من الخزانة األخيرة‪ ،‬لقد أخذتها قبل مدة‬
‫ألنها كانت تحتفظ برائحتك بين خيوطها الصوفية‪ ..‬ويا لي من عاشق مغفل‪ ،‬أعلم هذا‪ ..‬كنِت قد‬
‫أخبرتني البارحة بأنني أعني لك الكثير ولكن حتى لو كنت كذلك سوف تستطيعين تخطي أمري‬
‫واالستمرار في حياتك صحيح! كوني قوية ألجل نفسك‪.‬‬

‫احرصي على أن ترفعي شعرك في زفافك ألنه سوف يبدو رائعًا جدًا‪ ،‬حاولي االقتراب من‬
‫عائلتك ألنك سوف تحتاجين إليها عاجًال أو آجًال‪ ،‬كوني أمًا جيدة ألطفالك‪ ..‬لن أطلب منك تذّك ري‬
‫شخصيًا ولكن تذّك ري كلماتي السابقة‪ ،‬لقد أوصيت زاك أن يوفر لك أي شيء تحتاجينه‪ ،‬ولقد تركت‬
‫الغيتار هنا‪ ،‬فمن يعلم! ربما تحتاجين ألن تعزفي للشخص الذي تحبينه ولكن تأكدي أوًال‪ ..‬أن يكون‬
‫عذر‪ ..‬أتمنى لك حياة سعيدة بجانب أي‬‫هو يحبك أيضًا‪ .‬إن كنت سببت لك األذى فأنا أستميحك ًا‬
‫كان من سوف يحصل على قلبك‪ ،‬وألنها المرة األخيرة التي سوف أحادثك فيها ربما يمكنني أن أقول‬
‫لك‪ ..‬أحبك‪.‬‬

‫هاري دينيس‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫حطام القلوب‬
‫‪ ‬‬

‫كانت فيوليت تجلس على سرير هاري وال تزال الصدمة تسيطر عليها عندما رن جرس‬
‫الباب‪ ،‬وقفت سريعًا وركضت لكي تفتحه ألنها كانت تأمل أن يكون هاري هو الذي يقف عند الباب‬
‫ألنه قرر العودة‪.‬‬

‫لكن فور فتحها الباب ورؤيتها زاك وإيان يقفان أمامها تبددت كل آمالها‪.‬‬

‫“لقد ذهب!” قالت إليان الذي وضع يده على خدها لكي يمسح دموعها‪ ،‬قالت له وكأنها‬
‫تحاول إثبات هذه الحقيقة لنفسها‪.‬‬

‫أغلق زاك الباب وعادت بنظرها إلى إيان “هذا مجرد كابوس‪ ،‬صحيح!”‪“ .‬أرجوك أخبرني أنه‬
‫مجرد كابوس!” قالت عندما لم يجب إيان وبدأت دموعها تنهمر من جديد‪ .‬حرك إيان رأسه نافيًا‬
‫ويده ال تزال على خدها “تعالي إلى هنا” قال‪ ،‬وقّر بها لكي يعانقها‪ .‬ولكنها دفعته “ال يمكنه! ال يمكنه‬
‫الرحيل هكذا” صرخت في وجه أخيها‪.‬‬

‫“هذا ال يمكن أن يحدث!” عاودت الصراخ ولكن هذه المرة اقترب زاك منها ووضع يده على‬
‫كتفها “فيوليت اهدئي!” ولكنها صفعت يده بعيدًا “أنت! لقد كنت تعلم؟ صحيح؟ كنت تعلم أنه يحبني‬
‫ولكنك أبقيت فمك مغلقًا! ألم يكن من السهل إخباري؟ فقط أخبرني ثم اصمت إلى األبد” ضربت‬
‫صدر زاك الذي طأطأ رأسه دون أن يقول كلمة واحدة‪.‬‬

‫عادت للخلف بينما دموعها ترفض التوقف وجلست على األريكة ودفنت رأسها داخل يديها‪،‬‬
‫وبدأت تردد داخل نفسها‪“ :‬ال يمكن لهذا أن يحدث! ال يمكنه أن يغادر بهذه السهولة‪ ،‬ال يمكنه أن‬
‫يغادر ويخبرني أنه من األفضل رحيله‪ .‬قال لي‪ :‬لن ينافسك شخص في صنع القهوة ولم يعرف أنني‬
‫كنت أخبره أنني أفضل منه ألنه بهذا سوف يصنع لي قهوة رائعة لكي يثبت العكس! قال إنني لن‬
‫أضطر إلى االعتناء به ولم يعرف أنني كنت أحب ذلك! قال إنني سوف أكون أفضل من دونه ولم‬
‫يعرف أنني شخص أفضل معه! أخبرني أنني شفاؤه ولم تتسَّن لي الفرصة ألخبره أنه كان شفائي‬
‫أيضًا! لم يعرف بشأن بدلته التي رماها في اليوم الذي طلب مني ليون الزواج منه‪ ،‬لم يعرف أنني‬
‫احتفظت بها داخل خزانتي‪ ،‬لم يعرف هذا كله ولكنه رحل!”‪.‬‬

‫ولكن هاري لم يكن يعلم أن ذهابه ليس ق ارره وحده أو حتى من الق اررات المتاحة له‪ ،‬ألنه‬
‫جعل فيوليت تقع‪ ..‬تقع في شباكه‪.‬‬

‫“فيوليت لقد أخبرني والدي أن أخبرك أنك وليون مرحب بكما في المنزل في إنجلترا” قال‬
‫إيان الذي أصبح يقف بعيدًا عنها اآلن‪.‬‬

‫“هل أستطيع استعادة هاري؟” لم تهتم لكالم والدها وسألتهما عن الذي يهمها‪.‬‬

‫“أخشى إخبارك بهذا ولكن ال أتوقع أن تحصلي على فرصة رؤيته مرة أخرى‪ ،‬نحن ال نعلم‬
‫أين هو اآلن‪ ،‬لقد تلقيت رسالة منه في الصباح الباكر يخبرني فيها أنني يجب أن أزور منزلك فور‬
‫استيقاظي‪ ،‬وأتيت هنا على الفور عندما قرأت الرسالة” أجابها زاك ونظر بعيدًا إلى النافذة المغطى‬
‫زجاجها بحبات الثلج‪ ،‬لم يكن يمكنها أن تستمر بدون هاري ولم تعد تحتاج ألن تستمر في العالج‬
‫ألنها بالفعل تستطيع الشعور بالحب اآلن‪ ،‬ألنها واقعة في حب هاري‪ ،‬ولكنه رحل قبل أن يدع لها‬
‫الفرصة لكي تخبره! ولكن أيضًا كان لديها وعد قديم يذكرها بحجم غبائها عندما قطعته‪.‬‬

‫وبدأت تتساءل كيف يمكن لشيء جميل جدًا أن يفَس د في لحظة واحدة؟ ويتحول كل شيء‬
‫من مثالي إلى فوضى كبيرة خالل لحظات؟‬

‫لم تعد تريد العودة إلى حياتها القديمة وال تريد البقاء في المنزل من دون شريك سكن أو‬
‫باألحرى من دون هاري‪.‬‬

‫ألنه كان أفضل ما منحته لها الحياة‪ ،‬ولكنها أخذته سريعًا‪ ،‬سريعًا جدًا‪.‬‬

‫*****‬
‫‪ 19‬يناير (كانون الثاني)‪2014‬‬

‫خمسة عشر يومًا مرت على رحيله‪ ،‬لم تستطع إيجاد أثر له في أي مكان ولم يحادثها ولم‬
‫تستمع إلى صوته‪ ،‬والحجرة التي كان ينام فيها سابقًا خاليًة اآلن! خالية تمامًا‪ .‬لقد تركت العمل في‬
‫شركة زاك ألنها لم تعد تمتلك العزم أو الدافع للعمل مرة أخرى ولم تعد تهتم بأي شيء حولها وكأنها‬
‫توقفت عن عيش حياتها شخصيًا وأصبحت تعيش حياة شخص آخر ال تعرفه وال يعرفها‪.‬‬

‫أصبح الجلوس في المنزل شيئًا تبغضه ألن كل شيء حولها يذكرها بأنها لم تستطع الحفاظ‬
‫على هاري‪ .‬وحتى عند خروجها من المنزل أصبحت كل األماكن التي اعتادت الذهاب إليها تذكرها‬
‫به وكأن كل شيء يصرخ باسمه لكي يذكرها برحيله المرير‪.‬‬

‫ضاقت بها السبل ولم تستطع أن تجد طرف خيط يدلها عليه‪.‬‬

‫رحل وكأنه ورقة شجرة سقطت مع قدوم الشتاء‪ ،‬ورقة شجرة أخذتها الرياح بعيدًا‪ ،‬دون أن‬
‫تطلب اإلذن منها أو حتى أن تسمح لها برؤيتها على أغصان الشجرة للمرة األخيرة‪.‬‬

‫كانت في حجرتها ممسكة ببدلته التي احتفظت بها ألنها والغيتار هما كل ما تبقى لكي‬
‫يذكراها بأن هاري لم يكن شخصية من نسج خيالها بل هي شخصية حقيقية‪ ،‬أو باألحرى مالك‬
‫حقيقي أرسل لها من السماء لكي ينقذها ثم يرحل بسهولة‪.‬‬

‫مسحت دموعها التي سقطت على وجنتيها عنوة “ادخل!” قالت للشخص الذي كان يطرق‬
‫الباب والذي اتضح أنه إيان‪.‬‬

‫“يجب أن تبدئي اآلن في تجهيز نفسك” قال وألقى نظرة على البدلة التي ما زالت في‬
‫حجرها‪ .‬أومأت له وتركها مرة أخرى بمفردها بعد أن أغلق الباب‪ .‬وقفت لكي تخبئ البدلة داخل‬
‫الخزانة وتخرج فستان الزفاف‪.‬‬

‫لم يكن هذا فستان الزفاف الذي لطالما حلمت به‪ ،‬لقد أخذته ألن والدتها أعجبت به ولم تكن‬
‫هي لتبحث بنفسها عن واحد آخر ألنها لم تكن تهتم لزفافها أساسًا‪ ،‬وكانت تقبل اختياراتهم لها دون‬
‫مناقشة وأصبحت وكأنها تعاقب نفسها‪ ،‬وتعاقب روحها‪.‬‬
‫مرت األيام السابقة بين حجز الكنيسة وقاعة االستقبال والكعكة واألطعمة والمشروبات‪،‬‬
‫أخير تأجير من سوف يقومون بصف‬
‫باإلضافة إلى االتفاق مع أشخاص ما من أجل إحياء الحفل‪ ،‬و ًا‬
‫الورود والزينة وبين البحث عن هاري دون علم ليون‪.‬‬

‫مسحت على الفستان الذي أصبحت ترتديه اآلن‪ ،‬رفعت شعرها كما طلب هو‪ ..‬لقد كان هذا‬
‫آخر ما طلبه منها لذلك سوف تنفذ رغبته األخيرة منها‪ ،‬وضعت العقد على رقبتها فسبب لها رعشة‬
‫بسبب برودة معدنه‪.‬‬

‫تدرك في ق اررة نفسها أنها لم ترد أيًا من هذا ولكنها تفعله فقط ألنها قطعت وعدًا سخيفًا‬
‫قديمًا‪ ..‬وأدركت أيضًا أنها ال تمتلك أي مشاعر تجاه ليون ولكنها ظلت تقنع نفسها أنه هو على‬
‫األقل يحبها‪.‬‬

‫*****‬

‫لقد كان صوت الموسيقى يرن في أذنيها وكان جسدها يرقص مع ليون بينما كل ذرة في‬
‫عقلها وروحها في مكان آخر‪.‬‬

‫بعد أن أصبحت رسميًا زوجًة لليون كان من المفترض أنها اآلن تعيش أفضل لحظات‬
‫حياتها ألنها تعيش أمنية فتيات كثيرات أال وهي الزواج من رجل يحبها‪ ،‬ولكنها في الحقيقة كانت‬
‫مؤخر أنها ال تكن له أكثر من مشاعر‬
‫ًا‬ ‫تعيش اآلن أسوأ أيام حياتها ألنه يوم زفافها لشخص أدركت‬
‫الصداقة‪.‬‬

‫كانت تشاهد وجوه عائلتها حولها‪ ..‬سعادة بريئة على وجه أختها هانا التي تظنها وجدت‬
‫سعادتها ولم تعلم أنها أضاعتها بالفعل قبل خمسة عشر يومًا‪ ،‬كانت االبتسامة على وجه والدتها‬
‫أخير وأنها سوف ترى أحفادها قريبًا أما وجه إيان ووجه‬
‫ًا‬ ‫التي تظن أن حياة ابنتها الكبيرة استقرت‬
‫والدها فكانا يظِه ران ابتسامات كبيرة مزيفة منذ بداية اليوم‪.‬‬

‫توقفت الموسيقى واستغلت الفرصة مبتعدة عن ليون‪ ،‬ازدادت سرعة خطواتها عندما اقتربت‬
‫من إيان ولكن قبل وصولها له أمسكت يد ما بمعصمها وأدارت رأسها لكي تجد هانا وبيدها باقة من‬
‫زهور األقحوان والليزانثس الزهرية والبيضاء التي تعني اإلخالص والوفاء وأيضًا الرحيل‪ .‬كانت‬
‫فيوليت تعرف هذه المعلومات ألنها ال تزال تذكر عندما تحدث معها هاري عن هوايته السرية في‬
‫قراءة الفلسفات حول الزهور‪.‬‬

‫“هذه لك‪ ،‬شخص ما أخبرني أن أوصلها” قالت وسلمت ألختها الباقة‪.‬‬

‫“هل تعرفين من أعطاك هذه؟” سألت فيوليت أختها بعد أن الحظت أن الباقة لم تكن تحمل‬
‫أي بطاقة تدل على هوية مرسلها‪.‬‬

‫“شخص غريب وطويل وأيضًا وشعره بني لم أستطع تمييز مالمحه جيدًا ألنه يرتدي نظارة‬
‫شمسية باإلضافة إلى أنه قال‪ :‬ال بد أنك أختها‪ ،‬أنِت تشبهينها ًا‬
‫كثير‪ .‬ثم أدار ظهره وغادر سريعًا”‬
‫بعد أن أجابت هانا تبددت شكوك فيوليت ألن الشخص الذي هو مجهول الهوية لهانا كانت هي‬
‫تعرفه جيدًا‪ ،‬جيدًا جدًا‪.‬‬

‫“ال أتوقع أنه يمكنك رؤيته اآلن ألنه أعطاني هذه منذ مدة ولكنك كنِت ترقصين مع ليون‬
‫ويسار تبحث‬
‫ًا‬ ‫آنذاك لذلك لم أرغب بمقاطعتكما” قالت هانا عندما شاهدت أختها تحرك رأسها يمينًا‬
‫عنه‪.‬‬

‫ومرة أخرى كان ليون عقبة بينهما‪.‬‬

‫*****‬
‫‪ 20‬يناير (كانون الثاني)‬

‫عادت ليلة البارحة مع ليون إلى منزله الذي سوف يصبح منزلها قريبًا بعد أن تنقل حاجياتها‬
‫بالكامل إليه‪.‬‬

‫ضغطت على عينيها بأطراف أصابعها بعد أن لسعتها أشعة الشمس المتدفقة من النافذة‪.‬‬

‫أخرجت قدمها خارج السرير ووقفت ثم لفت روبها األبيض الطويل حول جسدها وخرجت من‬
‫الحجرة تبحث عن ليون الذي لم يكن في السرير عند استيقاظها‪.‬‬

‫فور وصولها إلى الطابق السفلي وجدته يجلس على األريكة يحمل بيده كوب شاي وشعره‬
‫القصير مبعثر على أعلى رأسه وفرحة كبيرة ترتسم على تقاسيم وجهه‪.‬‬
‫“صباح الخير” قال واتسعت ابتسامته أكثر عندما رآها فأومأت له وجلست بجانبه‪.‬‬

‫عاد هاري إلى رأسها‪ ..‬في الحقيقية هو لم يغادره‪ ..‬وكانت تعرف لو أنه كان هو اآلن بدًال‬
‫من ليون لكان أعد كوب قهوة إضافيًا من أجلها‪.‬‬

‫حركت رأسها لكي تبعد فكرة المقارنة بين هاري وليون ألنها لن تجلب لها ما يسرها أبدًا‪.‬‬

‫ومرت ساعات ذلك اليوم ببطء قاتل وتمنت فيوليت لو تستطيع أن توقف حياتها عند هذا‬
‫الحد‪.‬‬

‫*****‬

‫استيقظت لليوم الثاني على التوالي وليون لم يكن بجانبها‪.‬‬

‫فتحت هاتفها لكي تتفقد إن كان أٌّي من زاك أو إيان وجد طرف خيط عن هاري فوجدت‬
‫رسالة من إيان‪ ،‬أكملت النزول من الساللم بينما ضغطت على رسالة إيان‪.‬‬

‫(إنه كاذب! شيطان لعين‪ ،‬ابتعدي عنه‪ .‬لقد َع ِلمت بحقيقة كل األمور‪ ،‬أنا قادم إلى منزله‬
‫اآلن)‪.‬‬

‫رفعت فيوليت عينيها وتقدمت خطوة بعد أن انتهت من رسالة إيان واستطاعت سماع صوت‬
‫ليون قريبًا من البوابة الخارجية وهو يقول‪“ :‬أنا رجل متزوج اآلن‪ ،‬لست متفرغًا لكن كما في‬
‫السابق!”‪.‬‬

‫يبدو أن النتائج الحقيقية للبحث خلف ليون والتي كان يريدها هاري أتت بعد فوات األوان‪.‬‬

‫“ما الذي يحدث هنا!” قالت فيوليت بينما فتحت الباب أكثر ووقفت بجانب ليون‪ ،‬وحاولت‬
‫وضع كل مشاعرها جانبًا‪.‬‬

‫“سوف أذهب اآلن” قالت الفتاة التي كانت الطرف اآلخر في الحوار مع ليون‪ ،‬والتي كانت‬
‫تنظر في كل مكان باستثناء عيني فيوليت‪.‬‬

‫“لن تذهبي إلى أي مكان” أمسكت فيوليت ذراعها لكي تتوقف‪.‬‬


‫“يمكنك أن تذهبي!” قال لها ليون ولكنها كانت أقرب إلى صرخة‪.‬‬

‫“أنا أدعوِك لتناول كوب شاي ويمكننا التحدث قليًال” عرضت فيوليت عليها وسحبت ذراعها‬
‫إلى داخل المنزل سريعًا ووقفت أمام الباب تمنع بذلك دخول ليون وهي تقول “أتمنى حقًا أن ال‬
‫يكون ما أفكر به هو ما سوف تخبرني به الفتاة هذه” ثم أغلقت الباب تاركة ليون في الخارج‪.‬‬

‫*****‬

‫الخيانة شعور مزيج بين األلم والخذالن‪ ،‬ليست الخيانة دومًا متعلقة بعالقة حب‪ ،‬بحبيب‬
‫وحبيبته‪ ،‬ربما بين أخ وأخته‪ ،‬أب وابنه‪ ،‬صديق وآخر‪ ،‬أو أي كان‪ ،‬ولكن في حالتها هذه كانت بين‬
‫زوج وزوجته‪.‬‬

‫“سوف أذهب اآلن” قالت الفتاة وحملت حقيبتها ووقفت مغادرة‪.‬‬

‫لم تنطق فيوليت كلمة أخرى وبعد ثواٍن عدة سمعت صوت إغالق الباب فأدركت أنها‬
‫غادرت‪ .‬تحطمت ِد فاعات فيوليت األخيرة ودفنت وجهها داخل كفيها بينما سمحت للشهقات الصغيرة‬
‫بالخروج‪ ،‬الشهقات التي لطالما كتمتها‪.‬‬

‫مستخدمة‬

‫بال فائدة‬

‫وحيدة‬

‫وكلمات كثيرة بدأت تتدفق إلى رأسها ألن ما حصلت عليه من معلومات في الدقائق السابقة‬
‫كان كافيًا لتحطيم كل شيء بقي في داخلها‪.‬‬

‫كان ليون‪ ،‬الذي هو في تلك اللحظة زوج فيوليت‪ ،‬يقوم بأعمال مشبوهة وكان منشغًال‬
‫بالنساء في أوقات فراغه‪ .‬كان يخبر أصدقاءه‪ ،‬وأحدهم الفتاة التي أخبرت فيوليت بكل شيء قبل‬
‫لحظات‪ ،‬أنه سوف يحصل على فيوليت يومًا ما وسوف يروض ِع نادها‪ ،‬ومع الوقت أصبح هذا هو‬
‫هاجسه‪ .‬وكان يرغب فقط في تمّلك فيوليت ولم يهتم لروحها وال حتى لقلبها‪ ،‬ولم يهتم إن كان ال‬
‫كبير منه‪ ،‬وكأن شيطانًا من‬
‫ًا‬ ‫يحبها‪ ،‬وأنه لم يكن يومًا وفيًا لها ألن األنانية كانت تحتل جزءًا‬
‫الشياطين زرع في داخله‪.‬‬

‫أدركت أن كل شيء كان واضحًا أمامها من البداية! ألن هاري كان يعطيها وال يأخذ منها‪،‬‬
‫يسعدها ويفرش لها طرقًا من الورد ويغني لها ويجعلها ترى الكون كما لم تره من قبل‪ .‬بينما كان‬
‫كثير بعذر عمله‪ ،‬وعدم اهتمامه بمرضها ألن هذا شأنها هي بمفردها‪ ،‬ولم يباِل بوعدها‬
‫ليون يغيب ًا‬
‫ويتذكر أنها قطعته على نفسها ألنها كانت تحترم مشاعره حتى ولو لم تكن تستطيع أن تحبه‪ .‬لكنه‬
‫بالمقابل استغل وعدها ضدها‪.‬‬

‫شعرت بيد على كتفها والتفت سريعًا لكي تجده يقف خلفها‪.‬‬

‫“ال تتج أر وتلمسني!” صرخت في وجهه ووقفت بعيدًا عنه‪“ .‬فيولـ‪ ”...‬قال ولكنها كانت قد‬
‫اكتفت منه بالفعل‪.‬‬

‫“ال! ال يوجد أي شيء يقال‪ ،‬لقد حصلت على ما أردته واآلن دعني! أشعر بالقرف من‬
‫ذاتي ومنك أيضًا” صرخت وصعدت الساللم إلى األعلى مبتعدة عنه‪.‬‬

‫فور وصولها إلى الحجرة التي كانت تنام فيها أخذت حقيبتها وفتحتها بينما بدأت تجمع كل‬
‫ما تقع عيناها عليه من حاجياتها‪.‬‬

‫أغلقت الحقيبة التي جمعت كل ما يخصها فيها خالل دقائق‪ ،‬تاركة فستان الزفاف خلفها‬
‫وسحبت حقيبتها ولم تكن تريد أي شيء آخر سوى أن تغادر هذا المكان بأسرع وقت‪.‬‬

‫“فيوليت توقفي‪ ”...‬صوت ليون‪.‬‬

‫“أنت أيها الحقير!” سمعت صرخة إيان الذي انقض على ليون ولكمه بكل ما أوتي من قوة‬
‫في فكه وكان صوت ارتطام أسنانه مسموعًا‪.‬‬

‫غطت الدموع رؤية فيوليت وأصبحت ساقاها ال تستطيعان حملها فسقطت على ركبتيها‪.‬‬
‫بينما كان كل ما تريده وكل ما تحتاجه اآلن هو‪ ،‬هاري‪.‬‬

‫*****‬
‫يوجد كثير من األشياء الصعبة التي تواجهنا في حياتنا ولكن بالنسبة إلى فيوليت أصعب ما‬
‫واجهته كان ما هي به اآلن‪ .‬باإلضافة إلى ليون وحقيقته لقد كانت تفتقد هاري‪ ،‬تفتقده أكثر مما‬
‫يمكنه أن يتخيله‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫عندما تحب شخصًا إلى درجة ال يمكنك أنت نفسك استيعابها‪ ،‬وعندما تعتاد على وجود‬
‫شخص في حياتك‪ ،‬وتعتاد على بقائه حولك‪ ،‬واهتمامه بك‪ ،‬يكون هو الشخص الوحيد الذي تحتاج‬
‫إليه‪ ،‬الشخص الوحيد الذي يفهمك‪ .‬ولكن عندما يختفي من حياتك فجأة وال يمكنك الوصول إليه‬
‫ويقف كل شيء حائًال بينكما‪ ،‬تشعر بأنه قريب جدًا منك ولكنه بعيد جدًا في الوقت ذاته‪.‬‬

‫“يوجد شيء ما يجب أن أخبرك به” قال إيان الجالس بجانب فيوليت بينما كانت ذراعاها‬
‫تتمسكان بقوة بغطاء السرير الملفوف حولها ألنها كانت تجلس على سريرها في األيام السابقة ولم‬
‫تغادره سوى مرات قليلة‪.‬‬

‫“قبل أن يذهب هاري بمدة أخبرنا أنه يحمل شكوكًا حول ليون! طلب مني ومن زاك أن‬
‫نتحّرى حوله وبالفعل كان هذا ما فعلناه‪ ،‬وفي بداية هذا الشهر استسلمنا ألننا لم نجد خلفه أي شيء‬
‫وأخبرنا هاري بهذا وأوقفنا البحث خلف ليون‪ .‬ولكن بعد أن غادر هاري أصر زاك على أن نستأنف‬
‫البحث مرة أخرى‪ ،‬واستطعنا الوصول إلى أحد أصدقائه‪ ،‬الذي ولحسن الحظ استطعنا بسهولة معرفة‬
‫كل شيء منه”‪ .‬الحظ إيان صمتها الطويل وعدم إجابتها على ما قاله لذلك تحدث مرة أخرى “ربما‬
‫يجب عليك أن تغادري نيويورك إلى األبد‪ ،‬ربما تكون سعادتك المقدرة لك خارجها”‪.‬‬

‫وهنا تحديدًا كانت نقطة البداية الجديدة لفيوليت‪.‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫الخاتمة‬
‫‪ ‬‬

‫بداية إدراكها أهمية دفاعها عن األشياء التي تحبها‪.‬‬

‫“ابحث عن حجوزات الطيران إلى لندن سوف أتصل بزاك” قالت إليان وقفزت خارج السرير‪.‬‬

‫وضعت هاتفها على أذنها ورنين الخط يزامن دقات قلبها بينما بدأت يداها تتعرقان‪.‬‬

‫“مرحبًا” أجاب زاك‪.‬‬

‫“هل لديك رقم هاتف أي شخص من عائلة هاري؟” سألته دون أن تدخل في متاهة‬
‫المقدمات‪.‬‬

‫“أمهليني لحظة!” قال وابتعد عن الهاتف‪ ..‬بدأت قدمها تدق على األرضية الخشبية‬
‫وموجات من التوتر تدب في داخلها‪.‬‬

‫“آه نعم‪ ،‬لدي رقم والدته‪ ،‬ولكنني لست متيقنًا تمامًا من أنها ال تزال تستخدم هذا الرقم حتى‬
‫اآلن!”‪.‬‬

‫“ال بأس‪ ،‬ولكنني ال أملك ورقة اآلن!” قلت بينما دارت حول نفسها تبحث عن ورقة هنا أو‬
‫هناك‪.‬‬

‫“سوف أرسله رسالة نصية إذًا‪ ،‬وداعًا” قال وأغلق الخط وعلى ما يبدو أنها اتصلت في وقت‬
‫غير مناسب‪.‬‬
‫وبعد دقيقة واحدة أنارت شاشة هاتفها تعلن عن وصول رسالة جديدة‪ ،‬والتي كانت طبعًا من‬
‫زاك‪.‬‬

‫تأملت الرقم وقرأته مرة تليها أخرى‪ ،‬وبعد تجميعها لكلماتها اتصلت على الرقم‪ ،‬مع رجاء من‬
‫كل قلبها أن يبتسم لها الحظ‪.‬‬

‫*****‬

‫أخذت فيوليت نفسًا عميقًا بينما ابتعدت عجالت الطائرة عن األرض‪.‬‬

‫لقد تحدثت مع والدة هاري قبل ثالثة أيام‪ ،‬ثالثة أيام بقيت خاللها في نيويورك لكي تنهي‬
‫كل ما يصلها بليون‪.‬‬

‫كذبت على والدة هاري بقولها إنها تريد مقابلة ابنها دون علمه ألنها نسيت شيئًا يخصها‬
‫كثير‪.‬‬
‫معه‪ ،‬والجيد أنها كانت سيدة لطيفة ولم تجادلها ًا‬

‫واآلن بعد أن تأكدت أن ما تريده موجود في لندن ها هي تشد الرحال إليها‪.‬‬

‫“هل تتوقعين أن يسير كل شيء على ما يرام؟” سأل إيان الجالس بجانبها بقلق يظهر جليًا‬
‫في صوته‪.‬‬

‫“أتمنى ذلك” قالت وأعادت بصرها إلى النافذة لكي تراقب نيويورك من األعلى‪.‬‬

‫التوتر‪ ،‬الخوف‪ ،‬الحزن‪ ،‬جميعها أصرت على أن تخيم على قلبها بينما أفكارها تتضارب في‬
‫اتجاهات عدة‪.‬‬

‫لم تكن تريد أن تعيش بقية حياتها في حسرة وندم‪ ،‬وال تريد أن تخسر سعادة ال تظن أنها‬
‫سوف تحصل عليها مرة أخرى‪.‬‬

‫*****‬

‫“إقامة ممتعة!” قالت المضيفة بينما كانوا يغادرون الطائرة‪ ،‬ولفحتهم رياح لندن الباردة فور‬
‫بدء خطواتهم على سلم الطائرة‪.‬‬
‫شدت فيوليت قبضتها على حقيبتها التي بيدها والتي ال تحمل غيرها ألنها ال تنوي البقاء‬
‫طويًال هنا‪.‬‬

‫“هل نأخذ سيارة أجرة إلى المنزل؟ والدي ينتظرنا” سأل إيان بتوتر بينما كانوا يسيرون عبر‬
‫ردهات المطار‪.‬‬

‫“في الحقيقة أنا أملك عنوان منزل هاري بالفعل” أجابته‪.‬‬

‫“ولكن‪.”...‬‬

‫“بإمكانك الذهاب إلى المنزل وحيدًا في سيارة أجرة إذا أردت! ألنني لن أذهب إلى المنزل‬
‫قبل ذهابي إلى منزل هاري” قالت مع استغاللها لخوفه من سيارات األجرة‪.‬‬

‫“كما تشائين!” تذمر وابتعد عنها‪.‬‬

‫“يؤسفني أن أخبرك هذا إيان‪ ،‬ولكن هذه المرة يجب أن تركب سيارة األجرة!” قالت وابتسامة‬
‫مكر رقصت على وجهها‪.‬‬

‫“إلهي‪ ،‬ساعدني!” تذمر مرة أخرى بصوت أعلى‪ ،‬بينما ضحكت بخفة وسارت بجانبه‪.‬‬

‫*****‬

‫أغلقت باب سيارة األجرة التي يجلس إيان في داخلها وتقدمت خطواتها بهدوء نحو منزل‬
‫عائلة هاري‪.‬‬

‫أدارت رأسها لكي تأخذ نظرة على المكان ولمحت سيارة هاري السوداء تقف بعيدًا قليًال وهذا‬
‫كان سببًا كافيًا ألن تعود الذكريات إلى رأسها‪ ،‬تقشعر بدنها بينما بدأت تشعر أنها أضعف‪.‬‬

‫“ماذا لو صفع الباب في وجهي؟ ماذا لو كانت هنالك فتاة بجانبه؟ ماذا لو صرخ في‬
‫وجهي؟ ولكن ماذا لو عانقني مرة أخرى وأخبرني أن كل شيء بخير؟” كانت هذه األفكار تجري‬
‫داخل رأسها ولكن الفكرة األخيرة بحد ذاتها جعلتها تخطو خطوة لألمام‪.‬‬

‫هبت نسمة جعلت شعرها يغطي وجهها‪ ،‬أبعدته لكي تلحظ أنها تقف أمام الباب اآلن‪.‬‬
‫رفعت يدها وقرعت جرس الباب‪.‬‬

‫دقيقة‪.‬‬

‫اثنتان‪.‬‬

‫ال إجابة‪..‬‬

‫بدأ التوتر يزيد ورفعت يدها لكي تقرع الجرس‪ ،‬وقبل مالمستها له‪ ..‬فتح الباب وظهر جسد‬
‫طويل بشعر بني وعينين خضراوين‪.‬‬

‫ولم تعد تسمع أي شيء سوى نبضات قلبها التي كانت سريعة لدرجة مخيفة‪.‬‬

‫لم تدرك مدى اشتياقها إلى عينيه إال عندما رأته‪ ،‬بشرته تبدو شاحبة بينما شعره يسقط‬
‫بإهمال على جبينه‪.‬‬

‫من هو ليون؟ كل أثقالها حّلقت بعيدًا فور رؤيتها له وكل ذرة حزن غادرتها‪ ،‬ولكن ما جعل‬
‫قلبها يؤلمها مرة أخرى هو أن مفاهيم الحزن كانت تتلخص في عينيه‪ ،‬وما آلمها أكثر أنها كانت‬
‫هي السبب‪.‬‬

‫“مرحبًا” همست‪ ،‬وبالكاد سمعت نفسها‪.‬‬

‫“لقد كنت محقًا!” همست مرة أخرى وأضافت‪“ :‬ليون ليس رجًال صالحًا” قالت وشاهدت بؤبؤ‬
‫عينه يتوسع‪.‬‬

‫فتح فمه ولكنه أغلقه مرة أخرى دون أن يقول أي شيء‪.‬‬

‫ووجدت نفسها تقول‪“ :‬كيف لك أن ترحل دون أن تخبرني؟ دون أن تسمح لي أن أكون‬
‫بقربك لمرة أخيرة؟ ولكنني غبية ولم أدرك كم أريدك إال عندما ابتعدت”‪ .‬عاتبته ودمعة‪ ،‬لم تعلم متى‬
‫خرجت‪ ،‬كانت تنزلق على خدها اآلن‪.‬‬

‫“رحلت دون أن تدعني أخبرك كم أحبك‪ ،‬دون أن أخبرك أنك كنت أيضًا شفائي‪ ،‬كنت‬
‫سعادتي‪ ،‬كنت كل ما أرغب فيه! أنا أدرك أنني كنت غبية إلصراري على تنفيذ وعد مثل وعدي‬
‫القديم ولكن! أنا ال أستطيع تغيير نفسي”‪ .‬وتركت دمعة أخرى عينها‪.‬‬

‫“لقد أخبرت والدتك أنني نسيت شيئًا يخصني معك‪ ،‬هل يمكنك أن تعيد لي قلبي على‬
‫األقل؟!” سألت بينما كانت مالمحه خالية من أي تعابير سوى دموع كانت تستطيع رؤيتها في عينيه‬
‫ألنه كان يعيش في صدمة كبيرة‪ ،‬ولم يكن يعلم هل هذا حقيقة أم خيال! كيف لفيوليت حبيبته التي‬
‫لم تحبه والتي رآها بعينيه تتزوج من شخص غيره تقف أمام بابه بعد أقل من أسبوع لكي تخبره أنها‬
‫تحبه!‬

‫مسحت هي دموعها بعنف بينما جمعت نفسها وقالت‪:‬‬

‫“لقد أخبرني الجميع أن أترك نيويورك وأبحث عن سعادتي خارجها! لكن كل قطعة من‬
‫نيويورك تحمل ذكرى لك‪ ،‬لذلك لن أبحث عن سعادتي خارج هذه المدينة‪ ،‬فأنت كنت سعادتي ولن‬
‫أبحث عن شخص آخر”‪.‬‬

‫*****‬
‫بعد سنتين‪ ،‬الثالث عشر من سبتمبر‪ ،‬أعلى مركز روكفلر‬

‫ال يهم كم عدد المرات التي سقطت فيها‪ ،‬ال يهم كم عدد العقبات التي اعترضت طريقك‪ ،‬ال‬
‫يهم المرض الذي ربما يصيبك‪ ،‬ال يهم كم شخصًا سوف يخذلك وال يهم كم خسرت‪ ،‬ألن كل ما يهم‬
‫هو ما سوف تصبح بعد هذا كله‪ .‬هل ستقف من جديد وتبحث عن سعادتك التي يخبئها لك القدر‬
‫أو تيأس وتعيش في ندم لبقية حياتك‪.‬‬

‫لكل شخص منا دور كبير في تحديد مجرى ما يحدث له‪ .‬ال تقل إن هذا يحدث رغمًا عني‪،‬‬
‫ألنك وبالتأكيد تستطيع تغيير هذا‪.‬‬

‫فيوليت التي خرجت من عالقة زوجية لم تستمر سوى يومين وأنهت رحلتها العالجية من‬
‫أحد األمراض الخطيرة وهذا كله لم يوقف مجرى حياتها ألنها اآلن تستعد لزفافها من رجل استطاع‬
‫تغيير كل شيء في فترة وجيزة‪ ،‬واستطاع تحطيم معتقداتها وأفكارها وسرقة قلبها رغمًا عنها‪.‬‬

‫وقفت فيوليت أمام المرآة وكانت ترتدي فستان الزفاف األبيض الذي لطالما حلمت به‪ ،‬وكان‬
‫يناسب جسدها وكأنه خيط من أجلها هي فقط‪ ،‬بينما كانت قد انتهت من تصفيف شعرها بالفعل‬
‫وابتسمت النعكاسه في المرآة!‬

‫كل شيء يبدو مثاليًا‪ ،‬مثاليًا جدًا‪ ،‬وخرجت من الحجرة التي كانت تستعد فيها‪ ،‬وكان أمامها‬
‫والدها المبتسم بسعادة‪ .‬أمسكت بذراعه وسارت معه لكي يسلمها إلى زوجها‪ ..‬هاري الذي فور رؤيته‬
‫لها في فستان الزفاف بمظهرها الخاطف لألنفاس تسير نحوه شّع وجهه بابتسامة رائعة‪.‬‬

‫كانا قد قر ار إقامة الزفاف في المكان الذي أخذها إليه هاري ذات يوم واستطاعت منه رؤية‬
‫المدينة كلها‪ ،‬ألن هذا المكان هو أحد رموز عالقتهما‪ ،‬ولم تكن فيوليت لتطلب مكانًا أفضل‪.‬‬

‫بعد أن تم إعالنهما زوجًا وزوجة رسميًا كانت فيوليت ترقص مع هاري الذي بعد نهاية‬
‫موسيقا األغنية وقف أمامها ونظر إلى عينيها وزفر بابتسامة رضى قائًال‪:‬‬

‫“صدفة واحدة من الممكن أن تغير الكثير‪ ،‬الكثير والكثير”‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫تمت‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫كلمات شكر إلى‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫والدي‪،‬‬

‫شكر لكونكما بطل !‬


‫سير نحو أحالمي‪ً ..‬ا‬
‫اللذين قاما بتوفير البيئة المالئمة لي‪ ،‬وأخذا بيدي ًا‬
‫ّي‬
‫قراء الواتباد‪،‬‬

‫شكر ألنكم جعلتم حلمي‬


‫ًا‬ ‫داعمي األقوى‪ ،‬لوال دعمكم الرائع لما اكتملت أسطر هذه الرواية‪..‬‬
‫وهدفي أكثر وضوحًا‪.‬‬

‫صديقاتي‪،‬‬

‫الجندي المجهول الذي يعطيني العزيمة لمواصلة الكتابة‪،‬‬

‫شكر إليمانكن بقدراتي‪.‬‬


‫ًا‬
‫أنت القارئ‪،‬‬

‫شكر على وقتك الثمين وعلى مصاحبتك لي بين ثنايا هذه القصة‪ ،‬وأتمنى أن أكون قد‬ ‫ًا‬
‫أثر جيدًا في نفسك‪ .‬أنا هنا! أين أنت؟‬
‫تركت ًا‬
‫‪Notes‬‬
‫[←‪]1‬‬
‫قصور نشاط الغدة النخامية هو حالة مرضية تنتج عن نقص أو عدم إنتاج قدر كاٍف لواحد أو أكثر من هرمونات‬
‫الغدة النخامية‪ ،‬وتختلف األعراض بحسب اختالف الهرمون‪ ،‬أما العالج فهو يختلف حسب حالة المصاب‪ ،‬في‬
‫بعض الحاالت يحتاج إلى التدخل الجراحي وفي حاالت أخرى يمكن عالجه باألدوية حسب الهرمون‬
‫المتضرر‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫[←‪]2‬‬
‫مراكز إعادة التأهيل هي لمساعدة المرضى النفسيين أو مدمني المخدرات أو الكحول‪ ،‬أو المصابين بحاالت‬
‫اكتئاب‪.‬‬
‫‪ ‬‬

You might also like