Download as rtf, pdf, or txt
Download as rtf, pdf, or txt
You are on page 1of 6

‫‪:‬مـــــقـــــدمــــة‬

‫تشغل النظرية النقدية حيزا هاما في الفكر االقتصادي الحديث من خالل األبحاث والدراسات التي تناولت هذا الموضوع بغية‬
‫فهم وشرح آليات عمل وتفاعل العناصر المكونة لهذه النظريات كإطار واسع لتفسير مجموعة كبيرة من الظواهر والمتغيرات‬
‫‪.‬التي تصحب التغير في كمية النقود المتداولة في المجتمع‬

‫وعلى هذا األساس ظهرت عدة نظريات حاولت تفسير العوامل المؤثرة في كمية النقود وما يترتب عن ذلك من تغيرات على‬
‫‪.‬المستوى العام لألسعار واإلنتاج والدخل والتوظيف‬

‫ومن بين هذه النظريات "النظرية الكينزية" التي جاء بها االقتصادي البريطاني 'جون مينارد كينز' لينتقد قوانين وتحليل‬
‫التقليديين‪ ،‬ويقلب الكثير من المنطلقات واآلراء ويؤسس تحليال اقتصاديا كان عالجا ناجحا ألزمة الكساد‪ ،‬فأحدثت ثورة على‬
‫الفكر االقتصادي التقليدي‪ ،‬مما دفع بالكثير من االقتصاديين إلى تب ّني طريقة التحليل الكينزي والدفاع عن مبادئها ونظرياتها‪،‬‬
‫‪.‬أو البناء على أطروحاته في معالجة أوضاع اقتصادية ظهرت لِ َما بعد الحرب العالمية الثانية‬

‫فما هو جوهر ومضمون النظرية الكينزية ؟‬

‫وسنحاول اإلجابة عن هذا التساؤل من خالل الخطة الموضوعة التي تناولنا فيها مبحثين ‪ ،‬نعرض في األول النموذج النظري‬
‫من خالل اإلطار العام والتاريخي لنشأة النظرية وكذا وفرضياتها األساسية أما في المبحث الثاني تناولنا عرضا مفصّال‬
‫ألفكاره الجوهرية وفي األخير حاولنا تقديم تقييم للفكر الكينزي من خالل ذكر أهم سلبيات الفكر الكينزي و ايجابياته إضافة‬
‫إلى عرض االنتقادات الموجهة له‬
‫‪.‬المبحث األول‪ :‬النموذج النظري لكينز‪.‬‬

‫‪ .‬المطلب األول‪ :‬اإلطار التاريخي والعام لنشأة النظرية الكينزية‬

‫‪:‬أ‪ /‬اإلطار التاريخي لنشأة النظرية الكينزية‬

‫‪:‬األوضاع التاريخية واالقتصادية لميالد نظرية جديدة ‪1-‬‬

‫ساد الفكر االقتصادي التقليدي اعتقاد راسخ أن االدخار واالستثمار يتساويان بالضرورة عن طريق آلية سعر الفائدة‪ ،‬وسيحول‬
‫بالضرورة كل ادخار إلى استثمار عند تغير سعر الفائدة‪ ،‬العتقادهم أن هناك قوانين طبيعية تعمل على إعادة التوازن الكلي‬
‫لالقتصاد كلما تعرض لالختالل‪ ،‬ومن ثم فال داعي لتدخل الدولة‪ ،‬غير أن الواقع العملي أثبت فشل التلقائية التي يسير وفقا لها‬
‫نظام السعر وقانون السوق في االحتفاظ بالطلب الفعلي عند المستوى الالزم لتحقيق التشغيل الكامل‪ ،‬حيث أظهرت التجربة‬
‫العملية والممارسة الميدانية آللية السوق تعرضه لصعوبات اقتصادية‪ ،‬ظهرت أكثر حدة بعد نهاية الحرب العالمية األولى‪،‬‬
‫‪.‬وانكشفت أكبر في أزمة الكساد العالمي‬

‫‪:‬األحداث التاريخية واالقتصادية لظهور أزمة الكساد ‪1-1‬‬

‫بدأت صعوبات تطبيق النظريات االقتصادية التقليدية مع الحرب العالمية األولى‪ ،‬وتجلى ذلك بالخصوص في العيوب نظام‬
‫النقد الذهبي ( نظام المسكوكات ) الذي كانت تسير عليه جل دول العالم نتيجة استنفاذ احتياطاتها من الذهب‪ ،‬ألغراض تمويل‬
‫الحرب‪ ،‬ولم تشفع العودة إلى هذا النظام ( نظام السبائك ) في سنة ‪ ،1925‬فنهار هذا النظام تحت وطأت أزمة الكساد العالمي‬
‫‪) 1933-25 (.‬‬

‫‪:‬أ‪ -‬أزمة نظام قاعدة الذهب‬

‫أن الكساد قد بدأت أسبابه في فرنسا خالل الفترة ‪ ،1927-1926‬نتيجة ) ‪ (J.D.Hamilton‬في هذا الصدد يرى هاملتون‬
‫السياسة النقدية والمالية التي اتبعتها فرنسا آنذاك نظرا للظروف االقتصادية التي كانت تعانيها‪ ،‬ونتيجة التدفقات الذهاب إليها‬
‫من دول العالم وخاصة الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬فزاد مخزونها من الذهب بشكل ملحوظ‪ ،‬وفي نفس الوقت اتبعت أمريكا‬
‫سياسة االستثمار في نهاية ‪ 1928‬فرفعت سعر الفائدة من ‪ 3‬إلى ‪ 4.5‬في المائة‪ ،‬فادى ذلك إلى انخفاض المخزون االحتياطي‬
‫للدوالر الذهبي‪ ،‬فظهرت أولى مظاهره من جانبه النقدي ( على اعتبار أن هناك جانبا اقتصاديا للكساد ) في الواليات المتحدة‬
‫األمريكية ببورصة "وول ستريت"‪ ،‬وانتهت ببريطانيا‪ ،‬حيث تخلت هذه األخرى على نظام قاعدة الذهب سنة ‪ 1931‬نتيجة‬
‫عجزها التام في مواجهة المتعاملين مع البنوك‪ ،‬بسبب عدم وجود االحتياط الالزم لتغطية "الجنيه اإلسترليني"‪ ،‬ثم تبعتها بعد‬
‫ذلك الواليات المتحدة األمريكية ‪ 1933‬ثم معظم دول أوروبا وانتهاء بفرنسا ‪ ،1936‬وبالتالي تبني معظم دول العالم نظام‬
‫النقد االئتماني‪)1(.‬‬

‫‪.‬بن علي بلعزوز‪ ،‬محاضرات في النظريات والسياسات النقدية‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية ‪ 2004‬م‪ ،‬ص ‪(1)- 31-30‬‬

‫‪:‬ب‪ -‬المظاهر االقتصادية‬

‫كانت أزمة الكساد قد ألقت بثقلها على معظم الدول الرأسمالية خاصة األوروبية منها‪ ،‬فتوقفت اآللة اإلنتاجية‪ ،‬نتيجة ضعف‬
‫الطلب الكلي عن العرض الكلي‪ ،‬مما أدى إلى غلق معظم المؤسسات المالية اإلنتاجية‪ ،‬وإفالس العديد منها‪ ،‬نتيجة تحقيق‬
‫خسائر معتبرة‪ ،‬فادى ذلك إلى ضعف دافع االستثمار‪ ،‬فكانت النتيجة الحتمية والمباشرة لذلك‪ ،‬تصريح العمال‪ ،‬وانتشار‬
‫‪-‬البطالة‪- ،‬قدرت البطالة نهاية ‪ 1933‬نحو ‪ 25‬في المائة‪ ،‬وكانت ال تتعدى نسبتها في أوروبا ‪ 1926‬نسبة ‪ 2‬في المائة‬

‫‪.‬أما األسعار فعرفت انخفاضا معتبرا‪ ،‬تجاوز ‪ 60‬في المائة خالل سنوات األزمة‪ ،‬وهو ما أثر على أرباح المستثمرين‬

‫ولم تنته محنة العالم الرأسمالي من أزمة الكساد‪ ،‬حتى دخل في حرب عالمية ثانية (‪ ،)1945-1939‬قضت على البنية‬
‫‪ .‬التحتية لالقتصاد األوروبي خاصة‪ ،‬والعالم كله بصفة عامة مخلفة بذلك وضعا اقتصاديا واجتماعيا سيئا للغاية‬

‫وفي خضم ذلك كله ظهرت مدرسة فكرية اقتصادية رأسمالية كان رائدها االقتصادي "ج‪.‬م‪.‬كيتر"‪ ،‬قامت على مجموعة قواعد‬
‫ونظريات في شكل تحليل يكاد يكون مناقض لنظريات الفكر االقتصادي التقليدي‪ ،‬والفكر االقتصادي االشتراكي الذي تعاظم‬
‫نفوذه بعد انتهاج روسيا النظام االشتراكي‪)1(.‬‬

‫‪:‬اإلطار العام لنظرية كينز (أهدافها)‪2-‬‬

‫بلورة التحاليل االقتصادية المختلفة في إطار متكامل نظري و كمي وفق منهج االقتصاد الكلي واعتبر بذلك أبو االقتصاد ‪.‬‬
‫‪.‬الكلي‬

‫‪.‬استخدام التحليل الساكن في النمذجة‪ (.‬المدى القصير)‪.‬‬

‫‪ .‬مناقشة آليات توازن األسواق وأسبابها الكلية رافضا توازن المفكرين السابقين مركزا على ظاهرة الكساد‪.‬‬

‫‪ :‬تسمى نظرية كينز ب"النظرية العامة لالستخدام والفائدة والنقد"ولذلك تشتمل على المبادئ التالية‪.‬‬

‫‪.‬نقد مفهوم سعر الفائدة‪(.‬ارتفاع كمية النقود يؤدي إلى ارتفاع سعر الفائدة) *‬

‫نقد مفهوم حرية العمل‪(.‬الطلب على العمل مرتبط باألجر الحقيقي‪ ,‬أما العرض مرتبط باألجر االسمي) *‬

‫‪.‬إدخال مفهوم الطلب الفعال والدخل المتاح *‬

‫يستند كينز في تحليله على دراسة تأثير زيادة الدخل الوطني (كمية النقود) (‪ -)2‬محاضرات األستاذ خليل للسنة الثانية قسم ‪.‬‬
‫العلوم االقتصادية‪.‬على المتغيرات األخرى الكلية(التشغيل‪,‬االستهالك‪,‬االستثمار‪,‬االدخار)وتأثير ذلك على التوازن النقدي‪.‬ومن‬
‫أهم نتائجه‪:‬إمكانية التوازن المستمر في حالة االستخدام غير الكامل‪ ,‬وإمكانية حل أزمة البطالة ببرامج حكومية ودعم الطلب‬
‫الفعال‪)2(.‬‬

‫ب التعريف برائدها‬

‫‪ John Maynard nes‬جون مينارد كينز‬

‫اقتصادي انجليزي ‪ 5‬يونيو ‪ 21 - 1883‬أبريل ‪ 1946‬اشتغل في بداية حياته في الهند و ألف كتابا عن اإلصالح فيها و ‪،‬‬
‫اشترك في مؤتمر السالم بعد الحرب العالمية األولى‪.‬و كتب كتابا بعنوان (اآلثار االقتصادية للسالم)‪ .‬إضافاته لالقتصاد ‪:‬‬
‫مؤسس النظرية الكينزية من خالل كتابه (النظرية العامة في التشغيل والفائدة والنقود) ‪ 1936‬و عارض النظرية الكالسيكية‬
‫التي كانت من المسلمات في ذلك الوقت‪ .‬من أهم ما تقوم عليه نظريته أن الدولة تستطيع من خالل سياسة الضرائب و السياسة‬
‫‪ .‬المالية و النقدية أن تتحكم بما يسمى الدورات االقتصادية‪ .‬و له كتب أخرى في نظرية النقود و نظرية االحتماالت الرياضية‬
‫‪.‬بن علي بلعزوز‪ ،‬مرجع سابق الذكر‪ ،‬ص ‪(1)- 31‬‬

‫‪:‬المطلب الثاني‪ :‬الفروض األساسية لنموذج كينز‬

‫من الضروري أن تبرز من البداية الفروض التي ترتكز عليها نظرية كينز في العمالة نظرا ألن تقدير النتائج التي يتم التوصل‬
‫إليها يتعين أن يكون في ضوء الفروض التي يبدأ منها التحليل‪ .‬عند كينز‪ ،‬األمر يتعلق بالفروض األساسية لنموذج للتوازن في‬
‫‪ :‬الزمن القصير‪ .‬دون أن ننسى أننا بصدد التوازن العام أي توازن االقتصاد القومي في مجموعه‪ .‬هذه الفروض هي‬

‫يفترض كينز أن العوامل اآلتية محددة وأنها ثابتة ال تتغير‪ .‬كمية وكيف رأس المال‪ ،‬حالة التكنولوجيا‪ ،‬أذواق المستهلكين ‪-‬‬
‫والهيكل االجتماعي الذي يحدد نمط توزيع الدخل القومي‪ .‬والواقع أنها كلها عوامل تتغير وإنما يلزم لتغييرها مرور زمن‬
‫طويل‪ .‬و كينز يقتصر في دراسته في أداء االقتصاد القومي في الزمن القصير‪ .‬إذ ينصب اهتمامه على تشغيل ما هو قائم من‬
‫‪.‬قوى إنتاجية‬

‫يفترض كينز سيادة المنافسة في اقتصاد يسعى فيه المنظمون إلى تحقيق أقصى ربح (على هذا النحو يتجاهل كينز مشكلة ‪-‬‬
‫االحتكار وأثره على أداء االقتصاد القومي‪ ،‬األمر الذي سيكون له أكبر األثر على النتائج النظرية التي يتوصل إليها ومن ثم‬
‫بالنسبة لما تحققه السياسة االقتصادية التي يوحى بها من آثار في االقتصاد القومي)‪ .‬كما يفترض كينز أن االقتصاد القومي‬
‫‪.‬مغلق‪ ،‬أي ال يدخل في عالقات مع بقية أجزاء االقتصاد العالمي‬

‫يفترض كينز أن المشروعات متكاملة في هذا االقتصاد‪ ،‬بمعنى أن المشروع يقوم بكل العمليات الالزمة لإلنتاج‪ :‬من إنتاج ‪-‬‬
‫المواد األولية حتى تجارة التجزئة في ناتج من المنتجات‪ .‬وعلى هذا األساس يحد كينز من التناقضات بين األنواع المختلفة‬
‫لرأس المال (رأس المال الزراعي‪ ،‬ورأس المال الصناعي ورأس المال التجاري‪....‬الخ) وكذلك تلك التي توجد بين أجزاء من‬
‫‪.‬أنواع رأس المال‬

‫يفترض كينز أن وحدات العمل متجانسة‪ ،‬بمعنى أنها متساوية في الكفاءة أو الفعالية‪ .‬وبما أن النموذج النظري هو نموذج ‪-‬‬
‫‪.‬يدرس كيفية استعمال قوى اإلنتاج الموجودة فعال فإنه يفترض أن عنصر العمل هو العنصر الوحيد المتغير‬

‫‪.‬أخيرا يفترض كينز أن معدالت األجور النقدية واألثمان ثابتة‪ ،‬أي أن قيمة النقود ال تتغير ‪-‬‬

‫على أساس هذه الفروض يبني كينز نموذجه النظري الذي يشرح فيه العوامل المحددة لمستوى النشاط االقتصادي‪ ،‬أي الذي‬
‫يعطي في النهاية ما يسمى بنظرية العمالة أو التشغيل‪)1(.‬‬

‫محمد دويدار‪ ،‬مبادئ االقتصاد السياسي (االقتصاد النقدي)‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،2004 ،‬ص ‪(1)-‬‬
‫‪231-230.‬‬

You might also like