هل الشعور بالأنا مرتبط بالذات ام الغير

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 2

‫هل الشعور باألنا مرتبط بالذات ام الغير ؟‬

‫‪#‬طرح_المشكلة‪:‬‬
‫اإلنسان كائن مدني بالطبيعة‪ ،‬يعيش مع غيره من الناس في تفاعل وتكامل وفي تجاذب وتنافر‪ .‬وفي حركته هاته‪ ،‬يحص ل ل ه‬
‫إدراك ذاته‪ ،‬وفي الوقت نفسه يتميز بها عنهم‪ .‬وفي هذا يبرز ج دال بين م وقفين ي رى األول أن إدراك ال ذات ل ذاتها متوق ف‬
‫على الشعور‪ ،‬في حين يرى الموق ف اآلخ ر أن اإلدراك يتم عن طري ق المغ ايرة والتن اقض‪ ،‬ومن هن ا نتس اءل‪ :‬ه ل معرف ة‬
‫الذات تكمن فيما يراه الغير فينا أم فيما نراه في أنفسنا؟ أو بعبارة أخرى هل معرفة الذات تتوقف على وجود الغ ير أم وج ود‬
‫الوعي ؟‬
‫‪#‬محاولة_حل_المشكلة‪:‬‬
‫‪#‬الموقف_األول‪ :‬يرى أنصار هذا الموقف ال ذي يمثل ه أص حاب االتج اه الحدس ي ومن بينهم‪ :‬س قراط‪ ،‬بارغس ون‪ ،‬ديك ارت‬
‫وبيران أن الوعي أساس معرفة الذات مادام أنه ذاتيا والموضوع المراد معرفته هو الذات وبالتالي ال دخ ل للغ ير في معرف ة‬
‫الذات‪ ،‬يقول سقراط‪“ :‬اعرف نفسك بنفسك”‪.‬‬
‫كما أن اإلنسان ليس كتلة من الغرائز كما هو الشأن لدى الحيوان بل ه و ك ائن واع ألفعال ه بواس طته يحس بم ا في ذات ه من‬
‫أفكار وعواطف وذكريات وبالوعي يعلم أنه موجود‪ ،‬له ماض ومستقبل ‪ ،‬وأن العالم يوجد من حوله كذلك‪.‬‬
‫و يثبت الفيلسوف الفرنسي ديكارت أن الوعي أساس معرف ة ال ذات من خالل التفك ير بقول ه ‪ ” :‬أن ا أفك ر إذا أن ا موج ود” ‪،‬‬
‫فجميع العمليات الذهنية من تخيل وتأمل وشك هي أشكال من التفكير الذي ال تتوقف النفس عنه مادام أنه يتطلب لزوما وجود‬
‫الذات‪.‬‬
‫وأكد الفيلسوف برغسون على أن الحدس وسيلة تسمح للذات بتمثيل نفسها عقليا لتشاهد ذاتها بذاتها فتتعرف عليها‪.‬‬
‫كما أنه بإمكان االنسان أن يعرف ذاته بواسطة االستبطان (التأمل الذاتي) وهو مالحظ ة داخلي ة لم ا يح دث في النفس‪ ،‬حيث‬
‫ينقلب اإلنسان إلى شاهد على نفسه فيعلم أن له ذات حقيقية يبدو بها أمام الناس تختلف عنهم جسميا ونفسيا وأخالقيا‪.‬‬
‫ويؤكد الفيلسوف الفرنسي مين دو ب يران على أن االحس اس ه و دائم ا إحس اس بش يء وأن االحس اس ال يك ون إال إذا ك انت‬
‫الذات موجودة‪ ،‬لذلك يقول‪ ” :‬قبل أي شعور بالشيء فال بد من أن للذات وجود”‪ .‬وقد أكد على هذا الفيلسوف الفرنس ي ج ون‬
‫بول سارتر بقوله‪“ :‬إن الشعور هو دائما الشعور بشيء وال يمكنه إال أن يكون واعيا لذاته”‪.‬‬
‫وايضا االنسان يمشي بناء على أحواله الداخلي ة ك األحوال العاطفي ة والوجداني ة واالنفعالي ة وهي أفع ال تنب ع من داخل ه وال‬
‫تأتي من اآلخرين وهذا ما يؤكد أن الوعي الداخلي لإلنسان يتم بناؤه انطالقا من نفسه لتحقيق معرفتها‪.‬‬
‫والتأمل والشك والوعي هي عوامل أساسية في معرفة الذات‪ ،‬ذلك أن هاته تعد صورا من صور التفك ير وال تفك ير من غ ير‬
‫أن أكون بالفعل موجودا‪.‬‬
‫وأيضا اإلنسان يملك من االمكانيات الذاتية واالستعدادات الجبلية والكفاءات والمواهب ما يمكن ه من معرف ة ذات ه‪ ،‬كال ذي ال‬
‫يحتاج إلى اآلخرين من أجل أن يعرف بأنه ذكي كما أن االنس ان الموه وب يوج ه أفعال ه بإحساس ه الخ اص‪ ،‬وه ذا م ا يؤك د‬
‫اعتماد االنسان على الوعي في معرفة نفسه‪.‬‬
‫‪#‬النقد‪:‬‬
‫رغم متقدم أنصار هذا الموقف من حجج وبراهين إال أنها وجهت إليهم العديد من اإلنتقادات من أبرزها‪:‬‬
‫أن الوعي كمؤسس لألنا قد يوقع االنسان في مغالطة مع نفسه إذ الماهية التي يشكلها وعيه حولها تكون خادعة وه ذا م ا أك د‬
‫عليه أفالطون من خالل “أسطورة الكهف” بقوله‪ ”:‬إن ما يقدمه لنا وعينا ما هو إال ظالل وخلفه تختبئ حقيقتنا كموجودات”‬
‫‪.‬‬
‫ويؤكد سبينوزا أن الوعي وهم ومغالطة فاعتقاد الناس باستقاللية أفع الهم اعتق اد خ اطئ لع دم وعيهم بس لطان رغب اتهم إذ ال‬
‫يعلمون شيئا عن األسباب المتحكمة فيهم ‪ ،‬مثل السكير يتوهم أنه يتحدث بأمر حر صادر عن ذهنه عن تلك األمور التي ك ان‬
‫يود في صحوه أال يقول عنها شيئا‪ ،‬لكنه في الواقع تحت تأثير الخمر‪.‬‬
‫كما أن الوعي ليس الوسيلة الوحيدة لمعرفة الذات وهذا ما أكد عليه زعيم مدرسة التحليل النفسي الطبيب النمساوي س يغموند‬
‫فرويد عندما أثبت أن الحياة النفسية قوامها الالشعور وبالت الي ك ل أفكارن ا وردود أفعالن ا في نت اج تربي ة أكرهن ا عليه ا من‬
‫طرف الوسط االجتماعي والعائلي‪.‬‬
‫وأيضا االستبطان أو التأمل الذاتي هو معرفة ذاتية ضعيفة من الناحي ة العلمي ة ألنه ا متح يزة وخالي ة من النزاه ات فمقي اس‬
‫الصدق هو الشخص الواحد ألنه هو المالحظ‪ ،‬والمالحظ عن دما يتأم ل نفس ه يب وح باألش ياء الحس نة ويخفي األش ياء الس يئة‬
‫المستنبطة‪.‬‬
‫‪#‬الموقف_الثاني‪:‬‬
‫يرى الفالسفة العقالنيون وعلى رأسهم جون بول سارتر‪ ،‬بركلي‪ ،‬هيقل…أن معرفة ال ذات تتوق ف على التقاب ل والمغ ايرة ‪،‬‬
‫فاالنسان ال يتع رف على ذات ه إال في وج ود اآلخ ر (الغ ير) ال ذي يمكن النفس من إدراك ذاته ا وذل ك إلدراكه ا ب االختالف‬
‫الحاصل عند مقارنتها باآلخرين ‪.‬‬
‫وإن معرفة الذات ال تصبح ممكنة إال في وجود اآلخر والتواصل مع ه في ج و من التن افس من غ ير ص راع وال تط احن في‬
‫محاولة تحقيق معرفة الذات‪ ،‬وهذا ما عبر عنه المفكر العربي لحبابي ‪”:‬إن معرفة الذات تكمن في أن يرضى الشخص بذات ه‬
‫كما هو ضمن هذه العالقة “األنا جزء من النحن” في هذا العالم”‪.‬‬
‫كما أن المحي ط االجتم اعي ال ذي يعيش في ه االنس ان ويتفاع ل مع ه ه و ال ذي يمكن ه من معرف ة نفس ه‪ ،‬وذل ك باختالف ه عن‬
‫اآلخرين‪ ،‬فالغير الذي يواجهنا يصدر أحكاما حول ذواتنا مم ا ي دفعنا إلى التفك ير في أنفس نا حيث يق ول الفيلس وف الفرنس ي‬
‫جون بول سارتر ‪“ :‬وجود اآلخر شرط وجودي وشرط لمعرفتي لنفسي وعلى ذلك يصبح اكتش افي ل دواخلي اكتش افا لآلخ ر‬
‫“‪.‬‬
‫وأيضا قياس ذواتنا مع غيرنا يعرفنا على نقائصنا وعيوبنا ومحاسننا‪ ،‬كما أن وج ود الغ ير يقدم ه لن ا ج ون ب ول س ارتر من‬
‫خالل المثال المتعلق بالنظرة المتبادلة بين األنا والغير في حين يكون اإلنسان وحده يتصرف بعفوية وما أن ينتب ه إلى وج ود‬
‫من يراقبه حتى تتجمد حركاته وأفعاله ويفقد العفوية والتلقائية ‪.‬‬
‫و اس تقراء عالق ة اإلنس ان بغ يره يثبت م ا للمجتم ع دور فع ال في تنظيم نش اط الف رد وتربيت ه من ذ الوهل ة األولى‪ ،‬يق ول‬
‫واطسون‪“ :‬الطفل مجرد عجينة يصنع منها المجتم ع م ا يش اء‪ ،‬وذل ك من خالل الوس ائل ال تي يوفره ا ‪ ،‬فكلم ا ك ان الوس ط‬
‫االجتماعي أرقى وأوسع كانت الذات أنمى وأكثر اكتماال ” وعليه يمكن التمييز بين األفراد من خالل البيئة التي يعيش فيه ا‪،‬‬
‫يقول دور كايم ‪ ” :‬الفرد ابن بيئته ومرآة تعكس صورة مجتمعه فمن غير الممكن أن يتعرف على نفسه إال من خالل اندماجه‬
‫داخل المجتمع واحتكاكه بالغير” ‪ ،‬فنحن نتعرف على األنا من خالل تعايشه م ع الغ ير‪ .‬فل و ع اش الف رد منع زال في جزي رة‬
‫بعيدة لما علم عن نفسه شيئا‪ ،‬وهذا ما يؤكد دور اآلخر والغير في معرفة الذات لذاتها‪.‬‬
‫ويؤكد الفيلسوف باركلي أن معرفة ال ذات تتوق ف على المقارن ة بين أفعالن ا وأفع ال الغ ير‪ ،‬ف إدراك حقيق ة ال ذات يق وم على‬
‫العالقة الجدلية بين األنا والغير ألن وجوده يساهم في وعي الذات‪.‬‬
‫والذات تعلم أنها متميزة عندما تقابل اآلخرين ألن الغير يعتبر أحد مكونات الوجود‪ ،‬واألنا جزء من هذا الوجود م ا يع ني أن‬
‫الغير يساهم في وعي ال ذات فك ل موض وع يعتم د على نقيض ه م ادام أن األش ياء تع رف بأض دادها فل وال الس وء م ا عرفن ا‬
‫الحسن‪.‬‬
‫وأيضا وجود اآلخرين معنا يساهم في معرف ة مس توى ومكان ة وقناع ة ك ل واح د من ا م ا ي ؤدي إلى المعرف ة الحقيقي ة ل ذات‬
‫اإلنسان فيعلم خصائص ذاته انطالقا من غيره‪.‬‬
‫‪#‬النقد‪ :‬لقد وجهت العديد من اإلنتقادات لهذا الموقف منها‪:‬‬
‫صحيح أن االنسان يعيش مع غيره من الناس لكنهم ال يعلمون إال المظاهر الخارجية‪ ،‬أما ما في دواخلنا من عواطف ومي ول‬
‫فال يمكن أن يعلموها‪.‬‬
‫كما أن االنسان يمكن أن يصطنع المظاهر الخارجية كما الحال لدى الممث ل ال ذي يص طنع ح االت معين ة تختل ف نهائي ا عن‬
‫حقيقة نفسه‪.‬‬
‫وإن إحكام الغير تتم بواسطة اللغة واللغة عاجزة عن وصف كل معطيات النفس ‪،‬كما ال توجد بنفس الكيفية لدى جميع الناس‬
‫‪#‬التركيب ‪:‬وعموما نستنتج ان التواصل الحقيقي ال يمكن ان يوج د على ص عيد الص لف واالعج اب بال ذات وانم ا في العم ل‬
‫واالنتاج المشترك الجماعي ‪ ،‬فبه يرفع الستار عن كل ماكنا نعتقد انه هو الذات الفردية او الجماعية ‪ .‬وبالتأمل ‪ ،‬يدرك الك ل‬
‫بانه واحد متميز من الجنس البشري ‪،‬نشارك معا في صنع الثقافة ‪ ،‬وفي اثناء ذلك‪ ،‬نكتشف االسس الروحية التي تقوم عليه ا‬
‫الحياة الجماعية ‪ .‬وباإلنت اج ال ذي ننج زه مع ا‪ ،‬ينش ا االتص ال كعالم ة عن التواص ل االص يل ‪ :‬تع اون الجمي ع في مواجه ة‬
‫الحياة ‪ ،‬في البيت وفي المدرسة وفيما تخلفه الكوارث وصوارف الدهر والماسي ‪.‬‬
‫‪#‬حل_المشكلة‪:‬‬
‫إن شعور اإلنسان بذاته متوقف على معرفة اآلخرين باعتبارهم كائنات تستحق المعاشرة واالح ترام والتزكي ة ومغايرت ه لهم‬
‫إن كانت ضرورية لتثبيت الذات وتأكيد خصوصيتها ال تكتمل وال تزدهر إلى بوجود اآلخرين والعمل معهم في ظل التعاضد‬
‫والمحبة‬

You might also like