نزار السعيدي لتراث-الشعبي وبناء جماليات العرائس

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 13

‫نزار السعيدي‬ ‫التراث الشعبي وبناء جماليات فنون العرائس‬

‫مقدمةّّ‬

‫شكل الت ارث الشعبي مصد ار ملهما لعديد الفنانين باختالف فنونهم ‪،‬حيث نجد وقعه في‬

‫الموسيقى والمسرح والفنون التشكيلية وغير ذلك من االجتهادات‪ .‬البحث في التراث الشعبي‬

‫واستنطاقه هي مغامرة يرنو الى الغوص فيها كل فنان باحث باختالف اختصاصه‪ ،‬وذلك‬

‫لما يتميز به مجال التراث الشعبي من ثراء فهو اثر االنسانية في ممارساتها وتفسيرها‬

‫للطبيعة‪ .‬هذا ما دفعنا الى تقديم بحث موجز يستنطق التراث الشعبي العربي‪ ،‬في محاولة‬

‫لرسم معالم جمالية فنون العرائس انطالقا مما توفره المادة التراثية الشعبية من مرويات‬

‫وطقوس كفيلة بان تكون خير مرجع لصياغة جمالية خاصة ‪،‬والتي اخترنا منها طقس‬

‫"عروسّالمطر" المنتشر في الدول العربية المستقرة بشمال افريقيا‪.‬‬

‫هذه الممارسة التراثية التي مازالت الى اليوم تمارسها بعض القرى والمدن وتحيي معالمها‪.‬‬

‫وحتى يتحقق الهدف المرجو من البحث ارتأينا ضبطه بإشكالية محدده والمتمثلة في‬

‫"ّكيفّيستثمرّالتراثّالشعبيّلصياغةّجماليةّفنونّالعرائسّ؟"ّّ‬

‫ولإلجابة على هذه االشكالية قسمنا بحثنا الى قسمين اساسين وهما‪:‬‬

‫‪- 1‬التراث الشعبي ‪ :‬التعريف والتاريخ‬

‫‪-" 2‬ام الطنبو" من التراث الشعبي الى الجمالية فنية‬


‫‪1‬‬
‫نزار السعيدي‬ ‫التراث الشعبي وبناء جماليات فنون العرائس‬

‫ستشكل هذه المحاور مدخل لدراسة ممارسة طقسية تراثية مغاربية والبحث في امكانيات‬

‫توظيفها في فنون مسرح العرائس ‪،‬لما تكتسبه هذه الممارسة من مقومات تدعونا الستثمارها‬

‫وبناء جمالية عرض عرائسي له هوية خاصة‪.‬‬

‫‪- 1‬التراثّالشعبيّ‪ّ:‬التعريفّوالتاريخّ‬

‫‪- -1 1‬التعريفّ‬

‫حسب ما عرفه ابن منظور في لسان العرب "التراث هو اشتقاق من الفعل الثالثي‬

‫ورث ‪ ،‬اورث الميت اي تركه له ‪ ،‬والتراث ماورث او ما يخلفه الرجل لورثته وبمعنى‬

‫‪1‬‬
‫اشمل ان يكون الشيء لالنسان ثم يصير لغيره لعلّة واو الخرى "‬

‫اما اصطالحا فالتراث الشعبي هو "كل ما خلفه االجداد في الماضي من انتاجات‬

‫زاخرة في مجاالت كاالدب ‪،‬الدين ‪،‬الفن ‪،‬التاريخ ‪،‬الفكر والعمارة‪ .‬ويشمل الفنون‬

‫والمأثورات الشعبية من شعر وغناء وموسيقى ومعتقدات شعبية وقصص وحكايات‬

‫وأمثال تجري على السنة العامة من الناس وعادات اجتماعية مختلفة ‪،‬وما تتضمنه‬

‫‪2‬‬
‫من طرق موروثة في االداء التقليدي من الوان الرقص واأللعاب والمهارات‪".‬‬

‫‪1‬‬
‫ابن منظور ‪،‬لسان العرب ‪،‬مادة ورث ‪،‬ط‪، 1‬دار الكتب العلمية ‪،‬بيروت ‪2002،‬‬
‫‪2‬‬
‫زيادنه ‪،‬صالح ‪،‬من االمثال البدوية ‪،‬ط‪، 1‬المطبعة الحديثة ‪،‬القدس ‪1991،‬‬

‫‪2‬‬
‫نزار السعيدي‬ ‫التراث الشعبي وبناء جماليات فنون العرائس‬

‫فهو بصفة عامة التقاليد واشكال التعبير الشفاهي بما في ذلك اللّغة كواسطة للتعبير‬

‫عن التراث الثقافي الالمادي من معارف وممارسات متعلقة بتفسير الطبيعة والكون‬

‫وهو كذلك المهارات المرتبطة بالفنون الحرفية التقليدية ‪.‬‬

‫‪ّ2-1‬التاريخّّ‬

‫ان التراث الشعبي بما هو تأريخ لوجود االنسان انطالقا من ممارساته وعاداته ‪،‬جعلته‬

‫محط دراسة و ظهرت بذلك اساليب ومناهج للجمع والتحليل ليتأسس علم ّالتراثّ‬

‫الشعبي‪ّ.‬وفي هذا العنصر من البحث سنحاول تقديم موجز لنشأة هذا العلم في العالم‬

‫وعند العرب وذلك لما يكتسيه هذا التاريخ من اهمية كمنهج لدارسة الظواهر الفرجوية‬

‫والتي منها ما سنحلله في العنصر القادم لصياغة جمالية لفنون العرائس من خالل‬

‫ممارسة تراثية شعبية‪.‬‬

‫يعد مخطوط "جرمانيا" لمؤلفه المؤرخ الروماني "تاسيوس" من الدراسات االولى التي‬

‫اهتمت بالتراث الشعبي وعالقته بالتاريخ القديم واالجناس البشر‪ .‬لقد بقي هذا‬

‫المخطوط مهمال الى ان طبع خالل القرن الخامس عشر في المانيا اين لقي اهتماما‬

‫واسعا لما يقدمه من تفاصيل دقيقة لحياة االلمان قديما من عادات وتقاليد ‪،‬ومنه‬

‫انطلق اهتمام األوروبيين بجمع التراث الشعبي من االغاني والحكايات واألمثال ‪،‬‬

‫وراح كل شعب في اوروبا يبحث عن ذاته عبر تراثه واكتشاف ما كان عليه اسالفه‬

‫‪3‬‬
‫نزار السعيدي‬ ‫التراث الشعبي وبناء جماليات فنون العرائس‬

‫القدامى في العصور السابقة للمسيحية‪" .‬عرف هذا النشاط اوجه في القرن السابع‬

‫وتشجع على‬
‫ّ‬ ‫عشر حيث اصبحت االكاديميات والجامعات تعطي االمر اهمية بالغة‬

‫جمع المواد الشعبية المتنوعة وتصنيفها ‪،‬لتدخل بذلك أوروبا الى مرحلة جديدة في‬

‫‪3‬‬
‫يتطور خالل القرنين الثامن‬
‫اكتشاف تاريخها وتراثها المكتوب و الشفوي‪ ".‬وهو ما س ّ‬

‫عشر و التاسع عشر من خالل بروز مفكرين و فالسفة اعادة االعتبار للشعب أمثال‬

‫جون جاك روسو ‪ ،‬منتسكيو و فولتار‪ .‬وتكون أوروبا على موعد مع الثورة الصناعية‬

‫و التي من نتائجها االجتماعية تزايد االهتمام بالتراث الشعبي خيفة عليه من التالشي‬

‫و الضياع أمام قوة تطور اآلالت و ما أحدثته من اهت اززات اجتماعية وهو ما أدى‬

‫الى ظهور موجة جديدة من الباحثين بالتراث الشعبي األوربي كاألخوة غريم بألمانيا‬

‫توماس بيرس و ولتر سكت في بريطانيا‪.‬‬

‫توسعت عملية جمع مواد التراث الشعبي في انحاء أوروبا لتشمل علوم اللغات‬

‫‪،‬التاريخ ‪،‬اآلثار ‪،‬األديان و األجتماع ‪،‬بل تداخلت حتى اصبح من الصعب الفصل‬

‫بين ماهو تاريخي وماهو تراث شعبي وشكل هذا التشابك التباس لدى الدارسين‬

‫واصبح من الضروري وضع مصطلح يساعد على تنظيم النشاط البحثي ليكون‬

‫مصطلح ّفلكلورّ" الذي ورد اول مرة في رسالة بعثها وليم جون تومز الى صحيفة‬

‫‪4‬‬
‫مكون من كلمتين ‪ FOLK‬وتعني‬
‫وهو ّ‬ ‫‪ The Athenaeum‬في ‪ 21‬اب ‪"1481‬‬

‫‪3‬‬
‫مفلح البكر ‪،‬محمود ‪،‬البحث الميداني في التراث الشعبي ‪ ،‬ص‪، 11‬منشورات وزارة الثقافة ‪،‬دمشق‪2009 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫مفلح البكر ‪،‬محمود ‪،‬مرجع سابق ‪،‬ص‪21‬‬

‫‪4‬‬
‫نزار السعيدي‬ ‫التراث الشعبي وبناء جماليات فنون العرائس‬

‫الشعب اوالناس وهي مشتقة من كلمة انقليزية قديمة و ‪ LOR‬وتعني المعرفة او‬

‫الحكمة فيكون معنى مصطلح فلكلور معرفة الناس او حكمة الناس ‪.‬‬

‫الرحالة والمستشرقين ‪،‬حيث‬


‫اما العرب فقد عرفوا دراسة تراثهم الشعبي من خالل ّ‬

‫الجدية في اواخر عهد المماليك مع قدوم لودفيكوّديّفارتيما الذي‬


‫ّ‬ ‫بدأت محاوالتهم‬

‫سمي بـ "الحاج يونس المصري " فالدارس لقائمة الرحالة المهتمين بالتراث العربي منذ‬
‫ّ‬

‫بداية القرن السادس عشر الى غاية القرن العشرين يكتشف ان جلّهم تظاهر باإلسالم‬

‫ولبس ازياء شعبية وأعطى لنفسه اسما عربيا وأتقن اللغة العربية وهو ما فعله دي‬

‫فارتيما او الحاج يونس المصري الذي امضى سنوات من ‪ 1002‬الى ‪ 1009‬متجوال‬

‫بين مصر وبالد الشام والحجاز والفرس والهند ‪،‬ليكتشف العرب فيما بعد ان دي‬

‫فاتيما لم يكن سوى جاسوس من اصل ايطالي يعمل لصالح البرتغال في مشروعها‬

‫االستعماري وهو مكلف بجمع تفاصيل حياة المنطقة من سكان وثقافة واساليب عيش‬

‫وفنون وغير ذالك من الممارسات الشعبية ‪.‬‬

‫وجه كتابها الى جمع‬


‫وعند ظهور القوة العثمانية واحتاللها لمصر وبالد الشام وت ّ‬

‫المعلومات الدقيقة عن المجتمعات ‪،‬ومن ابرزهم حاجي خليفة الذي عرف بـ "كاتبّ‬

‫جلبي" وكانت اهم مؤلفاته "كشف ّالظنون ّ" وهو كتاب كتبه بالعربية جمع فيه‬

‫معلومات عن بعض المناطق ومن كتبه بالعثمانية كتاب "جهان ّنامه" اي جغرافية‬

‫العالم ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫نزار السعيدي‬ ‫التراث الشعبي وبناء جماليات فنون العرائس‬

‫لتعود من جديد الدراسات الغربية خالل القرن التاسع عشر حين بدأت البلدان العربية‬

‫في استقبال جحافل الجواسيس المستشرقين ابرزهم السويسري لويس بيركهات ولويس‬

‫ماسينينيوس مهندس اتفاقية سايس بيكو وااللماني اولدخ ستزن الملقب بـ "موسى‬

‫الحكيم" الذي نجد له بمتحف غوته ‪ 1018‬مخطوط ‪.‬‬

‫ان االطماع غالبية المستشرقين في معرفة حياة الشعوب العربية لغاية تكوين فكرة‬

‫التجسس لم يمنع ايضا من وجود رحالة اتوا للبالد العربية بدافع المعرفة فقط‬
‫ّ‬ ‫بهدف‬

‫امثال االنقليزي جوزيف بتس او الحاج يوسف" وهو ثاني اروبي يزور مكة المكرمة‬

‫كون فكرة شاملة ووصفا دقيقا لطريق‬


‫بعد ان عتقه محارب جزائري من االسر وهناك ّ‬

‫الحج الغربي من خالل رسومات لعمارة الكعبة في ذلك الزمن ووصف عادات العرب‬

‫‪5‬‬
‫والمسلمين وعقائدهم وقد اصدر عام ‪ 1108‬كتابه "حقائق عن االسالم "‬

‫‪"- 2‬امّالطنبو"ّالتونسيةّمنّالتراثّالشعبيّالىّالجماليةّفنيةّ‬

‫تتمثل اهمية القسم االول من البحث في تاطير مكانة ما سنقوم بدارسته في هذا القسم‬

‫ضمن منظومة علم التراث الشعبي والذي هو جزء ال يتجزء من التراث االنساني فالتراث‬

‫الشعبي العربي في عاداته وتقاليده ال يقل اهمية عن مثيله االوروبي ‪،‬فلقد اثرى‬

‫االنسانية وصار مصدر الهام لكتاب وفنانين من شتى اصقاع العالم لما يكتسيه من‬

‫تنوع واختالف بين بلد عربي واخر‪ .‬وكذلك يكشف لنا التراث الشعبي مدى تداخل‬
‫ّ‬

‫‪5‬‬
‫مفلح البكر ‪،‬محمود ‪،‬مرجع سابق ‪،‬ص‪22‬‬

‫‪6‬‬
‫نزار السعيدي‬ ‫التراث الشعبي وبناء جماليات فنون العرائس‬

‫الشعوب العربية وتواصلها وما الحدود اال فواصل وهمية وهو حال التراث الشعبي في‬

‫خاصة منها تونس والجزائر والمغرب هذه البلدان التي توحدها‬


‫ّ‬ ‫بلدان المغرب العربي‬

‫الممارسات التراثية ومنها ماسنقوم بدراسته وهو طقسّ"ّعروسّالمطر"‪.‬‬

‫اختلفت تسمياتها بين قطر واخر حيث نجدها تلقب في المغرب ب "تاغنجا " بالعودة‬

‫الى الهيكل الذي تصنع منه العروسة وهو ملعقة التي تسمى تاغنجا والجزائر ب تاسليت‬

‫وانزار وهما ابطال االسطورة كما سنقدم ذلك الحقا وتسمى في تونس ام الطنبو وهي‬

‫مقسمة الى جزءين ام ‪ /‬الطنبو فاالم هي االصل والعماد "قال ابن دريد كل شيء‬

‫انضمت اليه اشياء فهو ام لها (ام القرى ‪،‬ام الكتاب ‪ )...‬اما الطنب فهو حبل طويل‬

‫‪6‬‬
‫يشد به الخيمة الى الوتد "‪ ( .‬جماعة القطار )‬

‫لئن اختلفت التسميات فأنها اتّحدت في اعتبارها "عروس المطر" بالرجوع الى الجذور‬

‫األمازيغية لهذه الممارسة المتمثّلة في اقامة شعائر االستسقاء وطلب المطر حين تكون‬

‫االرض والمحاصيل مهددة بالجفاف‪ .‬تتمثّل طقوس امّالطنبو حسب التسمية التونسية‬

‫في الطواف بحمل عروسة في موكب تشارك فيه النساء واالطفال مرددين اهازيج بين‬

‫المنازل اين يتم رش العروسة بالماء من قبل السكان واستالم العطايا والصدقات من‬

‫االهالي وتقام مؤدبة بالقرب من مجرى نهر او على بيدر او على قمة مرتفع جبلي‬

‫وذلك حسب المنطقة التي يقام فيها ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫مجموعة مؤلفين ‪،‬العابنا الشعبية التراثية ‪،‬ص‪،208‬نشر جمعية صيانة مدينة القطار ‪ ،‬تونس ‪2010،‬‬

‫‪7‬‬
‫نزار السعيدي‬ ‫التراث الشعبي وبناء جماليات فنون العرائس‬

‫‪ّ1-2‬الخرافةّّ‬

‫تعرض الكثير من الباحثين لطقس ام الطنبو من خالل وصف العروسة والطريقة‬

‫االحتفال اي كل ماهو مستحدث وترميزي لهذه الممارسة التراثية لكنهم لم يوردو في‬

‫سياق دراساتخم اي اسطورة مؤسسة لها على االعتبار ان االمازيغ لم يعيروا اهتماما‬

‫لتسجيل عاداتهم طقوسهم مثلما فعلت الحضارات االخرى كالفرعونية والبابلية وغيرها في‬

‫البالد العربية‪ .‬ويبقى اهم المراجع التي اوردت اسطورة عروس المطر هي ما دونه‬

‫دونها عند مروره‬


‫‪ GENEVOISE‬الذي تمكن من الحصول على رواية شديدة االهمية ّ‬

‫بقبيلة "ايت ريكي " منطقة القبائل الجزائرية والتي تروي تفاصيلها "انه في زمان كانت‬

‫االشياء تتكلم وااللهة تخاطب البشر ‪ .‬كانت في احد القرى القريبة من جبال االوراس‬

‫فتاة تدعى تاسليت تذهب كل يوم الى النهر لتقضي اوقات طويلة في مداعبة الماء‬

‫منزوية عن مجتمعها وذات يوم صادف ان كان انزار ملك المطر يظهر للناس في‬

‫شكل قوس قزح ما ار من االوراس فشاهد على ضفة النهر تاسليت تستحم فشغف قلبه‬

‫بجمالها الخالب فقرر النزول اليها وطلب يدا للزواج وفي لمح البصر تحول الى هيئة‬

‫رجل لكن تاسليت كلما رأته تهرب من نظراته الى طفح كيل انزار فاخبرها بالحقيقة وقال‬

‫لها تعالي معي فأسعدك ‪ .‬اختلطت االمور على العروس الشابة فقالت وماذا سيقول‬

‫‪8‬‬
‫نزار السعيدي‬ ‫التراث الشعبي وبناء جماليات فنون العرائس‬

‫الناس يا انزار ليست السماء مسكني فاختفى انزار غاضبا ومنذ تلك اللحظة حفت‬

‫االنهار وعم الجفاف فعلمت الناس بالحكاية فجاءوا يحملون الهدايا مترجين الفتاة ان‬

‫ترضى بسيد المياه وتتزوجه وعد الحاح وافقت تاسليت لتتزين وتتوجه الى قمة الجبل‬

‫والناس خلفها ينادون انزار ويخبرونه بموافقة حبيبته ليحضر الى قمة الجبل سعيدا‬

‫‪7‬‬
‫وطارت تاسليت الى السماء وتتحولت الى قوس قزح ‪" .‬‬

‫‪ 2-2‬ام الطنبو جمالية فنية‬

‫استنادا الى ماوفره المنهج الفينومينولوجي واخضاع المظاهر االحتفالية التراثية الى‬

‫التحليل واعتبارها عرضا فرجويا له مكوناته فاننا سنقسم ظاهرة ام الطنبو الى ثالث‬

‫مكونات اساسية وهي اوال العروسة "عروسة المطر وطريقة تحريكها ثانيا الفضاء واخي ار‬

‫الشخصيات هذه المكونات التي تؤسس لعرض فرجوي يمكن استثمارها لصياغة جمالية‬

‫فنون العرائس نابعة من تراثه وممارساته الشعبية‬

‫‪ 1-2-2‬العروسة ‪ :‬تعتبر عروسة ام طنبو او تاغنجا هي تمثّل لعروس المطر‬

‫تاسليت وبالرجوع الى التسميات التي تدل على مكونات التي يصنع منها هيكل العروسة فالـ "‬

‫تاغنجا " باللغة االمازيغية هي ملعقة من الخشب‪ .‬حيث تستعمل لصناعة العروسة ملعقة‬

‫كبيرة من الخشب اعتبارها راس العروسة وجسدها ومجموعة من قطع القماش كلباس لها‪.‬‬

‫بالرجوع الى اقسام تقنيات العرائس تصنف عروس المطر ضمن تقنية الماروطة وهي امتداد‬

‫‪7‬‬
‫‪Genevois .un rite d’obtention de la pluie . la fiance d’onzar .actes de 2 ème congres international d’étude des‬‬
‫‪cultures de la méditerranée occidentale. p11.SNED .Algérie .1978‬‬

‫‪9‬‬
‫نزار السعيدي‬ ‫التراث الشعبي وبناء جماليات فنون العرائس‬

‫وتطور لها في جانب الحجم‪ .‬وتقوم هذه العروسة على استعارة كامل يد‬
‫ّ‬ ‫لعرائس القفاز‬

‫ويصنف العرائسيون الماروطة كأكثر أنواع العرائس إستجابة‬


‫ّ‬ ‫المحرك في عملية تحريكها‪.‬‬
‫ّ‬

‫إلى الوظيفة التربوية والعالجية في مجالها‪.‬‬

‫أما كساءها يتمثل في‬


‫تتكون الماروطة من رأس مثبت في مستوى الرقبة بعصا ّ‬
‫ّ‬

‫قميص يحتوي ذراعان وتشبه العرائس اليونانية القديمة حيث تظهر ال ّشكل العلوي إلى غاية‬

‫حركها أكثر‬
‫الركبتين وتقترب الماروطة في حجمها إلى اإلنسان في جزئها العلوي ويمكن أن ي ّ‬

‫خاصة في التلفزة والسينما مثال "قينيول األخبار ‪GUIGNOL‬‬


‫ّ‬ ‫محرك وتستعمل‬
‫ّ‬ ‫من‬

‫‪ D’INFO‬بفرنسا‪ .‬هنا نستنتج ان جل الحضارات عرفت هذا النوع من العرائس ووظفته‬

‫فرجويا وهو ما يدعونا الى العمل ايضا على عروس المطر وتقنية صنعها وتحريكها‬

‫واستثمارها ضمن جمالية مسرح العرائس‪.‬‬

‫اضافة الى هيكل العروسة الذي يمكن اقتباسه تحتوي كذلك اسطورة وما تتميز به من‬

‫ثراء درامي كفيل بصياغة نص مسرحي يستجيب لمقومات المسرح‪.‬‬

‫‪ّ2-2-2‬الفضاءّّ‬

‫انقسم الفضاء في اسطورة عروس المطر الى قسمين فضاء اسطوري درامي وهو فضاء‬
‫االحداث المروية وهي الجبل والنهر والقرية وقسم ثان وهو الفضاء الواقعي وهو الفضاء‬
‫الرمزي لتمثيل االحداث المتمثل في مسلك للتجول بالعروسة والغناء هنا تكمن النقطة التي‬
‫يمكن استثمارها لخلق جمالية وهو عرض عرائسي خارج االطر الكالسيكية المسرحية اي‬

‫‪10‬‬
‫نزار السعيدي‬ ‫التراث الشعبي وبناء جماليات فنون العرائس‬

‫صياغة عرض متجول خاصة وان تقنية التحريك المكشوفة للعروسة تعطي امكانات وتدفع‬
‫لجمالية خاصة ولنا في ذلك مثال تجربة اليابانيين في جمالية عرائس نينغن‪ -‬تسوكاي‬
‫اليابانية او ما يعرف بالبونراكو والتى تطورت من ممارسة طقسية دينية الى عرض فرجوي‪.‬‬

‫خالصة القول ان طريقة االحتفال بـ ام الطنبو كشكل طقسي يبنى على التجوال بعروس‬
‫وترديد اهازيج تناجي انزار الهة المطر يمكن استثمارها وصياغة عرض مسرحي عرائسي‬
‫متجول تتقابل فيه شخصيات االسطورة في تحريك مكشوف للعرائس وتنقل العرض من خالل‬
‫احداثه من منطقة الى اخرى صحبه جمهوره‪.‬‬

‫‪ّ3-2-2‬الشخصياتّّ‬

‫كغيرها من االساطير تحتوي اسطورة عروس المطر على شخصيات االلهة واخرى بشرية‬
‫تتمثل في ‪:‬‬

‫‪ -‬أنزار ّ‪ّ :‬اله المطر باعث المياه في االنهار والبحار يتشكل في قوس قزح ويتحول‬
‫حسب االسطورة الى رجل للتقرب اكثر من تاسليت عروسه‬
‫‪ -‬تاسليت ّ‪ :‬عروس المطر او تاغنجا او ام الطنبو فتاة جميلة محبة للماء يغرم بها‬
‫انزار اله المطر تتم نع او الخرافة لكنها امام رغبة سكان قريتها التي اصابها الجفاف‬
‫جراء رفضها الزواج توافق وتضحي من اجل الخير للجميع‪ .‬مثلها فيما بعد الشعوب‬
‫المتعلقة باحياء ذكرى تاسليت وانزار بشكل رمزي من خالل عروس تصنع من الخشب‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬اهل ّالقرية ّ‪ :‬هم في االول اهل قرية اوراس حسب ماترويه احد روايات االسطورة‬
‫والذين زفوا تاسليت الى سيد المياه وهم يرفعون االهازيج المنادية بالزواج ‪ .‬تحولوا فيما‬
‫بعد للمعتقدين باألسطورة الى جمهور وممثلين لها‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫نزار السعيدي‬ ‫التراث الشعبي وبناء جماليات فنون العرائس‬

‫إرتئ موجز بحثنا منذ كلماته األولى تقصي أثر التراث الشعبي واستنطاقه في محاولة‬
‫الستثماره وتطويعه لبناء منهج جمالي في فنون العرائس ‪ .‬وان انطلقنا بالجانب‬
‫التاريخي لعلم التراث الشعبي وذلك إلبراز ثراءه واإلمكانيات المتعددة لتحويله الى‬
‫فرجة مسرحية‪ .‬ثم سلطنا الضوء على التراث الشعبي لبلدان المغرب العربي خاصة‬
‫طقس عروس المطر مستندين الى العادة التونسية في تمثيله والذي ينبني في حد ذاته‬
‫على عروسة مصنوعة من الخشب فحللنا االسطورة والطقس معا وقدمنا محاولة في‬
‫استثمار هذا التراث لبناء جمالية فن العرائس في بحث موجز نرجو ان يعطي فكرة عامة‬
‫على اشكالية كبرى وجب تناولها في حيز اكبر العتقادنا ان الوقت حان للخوض فيها بعد‬
‫تراكم التجارب وانتشار فنون العرائس في البالد العربية هذا االنتشار الذي نرى انه من‬
‫الواجب ان يصاحبه بحوث نظرية لبناء مستقبل فنون عرائس عربية شكال ومضمونا‬
‫استنادا الى الموروث الشعبي العريق وتأصيل الفعل المسرحي العرائسي داخل المدونة‬
‫العالمية‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫نزار السعيدي‬ ‫التراث الشعبي وبناء جماليات فنون العرائس‬

‫المصادر والمراجع‬

‫‪- 1‬ابن منظور ‪،‬لسان العرب ‪،‬مادة ورث ‪،‬ط‪، 1‬دار الكتب العلمية ‪،‬بيروت ‪2002،‬‬

‫‪- 2‬الجوهري ‪،‬محمد ‪،‬علم الفلكلور ‪،‬ج‪،1‬دراسة انثروبولوجيا الثقافية‪،‬دار المعارف‬

‫‪1914،‬‬

‫‪- 2‬زيادنه ‪،‬صالح ‪،‬من االمثال البدوية ‪،‬ط‪، 1‬المطبعة الحديثة ‪،‬القدس ‪1991،‬‬

‫‪ - 8‬مفلح البكر ‪،‬محمود ‪،‬البحث الميداني في التراث الشعبي ‪،‬منشورات وزارة الثقافة‬

‫‪،‬دمشق‪2009 ،‬‬

‫‪- 0‬مجموعة مؤلفين ‪،‬العابنا الشعبية التراثية ‪،‬نشر جمعية صيانة مدينة القطار ‪ ،‬تونس‬

‫‪2010،‬‬

‫‪6- Genevois .un rite d’obtention de la pluie . la fiance d’onzar‬‬


‫‪.actes de 2 ème congres international d’étude des cultures de la‬‬
‫‪méditerranée occidentaleSNED .Algérie .1978‬‬

‫الدوريات‬

‫‪- 1‬الثقافة الشعبية ‪ ،‬البحرين‬


‫بحث ميداني‬
‫‪- 1‬زيارة السيدة عزيزة احمد في ‪ 28‬سبتمبر ‪( 2017‬عجوز تبلغ من العمر ‪ 86‬سنة‬

‫الزالت تحفض االهازيج والعادات الشعبية لمدينة قفصة )‬

‫‪- 2‬زيارة متحف االلعاب الشعبية بمدينة القطار من والية قفصة الجمهورية التونسية في‬

‫‪ 03‬اكتوبر ‪2017‬‬
‫‪13‬‬

You might also like