محاضرة ـــ حسان السلامي

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 8

‫الطقــوس واالحتفاالت بالعرائس‬

‫في البالد التونسية‬

‫سنـو عالقة ال شعورّيــة مع التّراث ‪ ،‬الكبار ينيمون منو والصغار يدفعيم فضوليم‬
‫لكل إنسان ميما كان ّ‬
‫شفاىيــا في‬
‫ّ‬ ‫السمعــي ُينـْـقــل‬
‫الدىــور ‪ ...‬فالتراث ّ‬
‫الفطري لمعرفة أصول األشياء التي تعايشنا عمى مـ ّـر ّ‬
‫أمــا البصري فيو دائما‬
‫كتابيــا واإلصفياني جمع منيا الكثير) ّ‬
‫الزمن الغابر كاألمثــال واألغاني (كما نقمت ّ‬
‫ّ‬
‫ألنــو‬
‫الرمــز إلى أمر خطير ّ‬
‫يتحول ّ‬
‫الخفيــة ورّبمــا ّ‬
‫ّ‬ ‫موضوع بحث وتنقيـب عن أسابـو وجوده ورموزه ومعانيو‬
‫الرمــز الذي كان يحمل معاني نبيمــة إلى شيء ممنوع وىذا ما حدث مع‬
‫المقدس فينقمب ذلك ّ‬
‫يمش ّ‬
‫ميمــا من غابر التاريخ‪.‬‬
‫دمروا تماثيل تمثّــل جانبــا ّ‬
‫المتشددين األفعان عندما ّ‬
‫ّ‬

‫العرائس ىي موروث يتمثّــل اإلنسان منذ أن كان يصنعيا من الطيــن ويبرز فييا عالمات في‬
‫نحت تفاصيميا ربمــا تنعكــس من طباع صانعيا كأن تكون ضاحكـة من خالل فم مفتوح أو عابسة من‬
‫الدينيــة في‬
‫ّ‬ ‫المحيــر ‪ ..‬ولكن بعض المفاىيــم‬
‫ّ‬ ‫خالل حاجبين مقرونيـن ‪ ،‬طبعــا كان مشكل الحركة ىو‬
‫أن ىذه العرائس تتماثل مع األوثان المعبودة في السابق وتُعتبــر شركا َّ‬
‫ألن خالق‬ ‫الديانات التوحيديـة قررت َّ‬
‫صورة اإلنسان ىو اهلل وال يشاركو غيره وىذا التّقميــد ىو بمثابة البدعة وكل بدعة ضاللة الخ ‪َّ ...‬‬
‫ولكن‬
‫الفن‬
‫تحولت ىذه األشياء إلى فنون و ّ‬
‫خاصــة إذا ّ‬
‫ّ‬ ‫الحضارة في سيرورتيا الدائمة ال تتوقف عند ىذه المفاىيــم‬
‫يحب الجمال) وقيمة أخالقية ومبدعيا قصد من ورائيا معاني نبيمة وقيما تصبح‬
‫قيمة جمالية (واهلل جميل ّ‬
‫نبراسا ييدي اإلنسان سواء السبيل كمما لضطربت الحياة‪.‬‬

‫تصورات حضارّيــة تتماثل مع ذاتو كإنسان‪.‬‬


‫أي مجتمع من مجتمعات المعمورة من ّ‬
‫وال يخمو ّ‬
‫ونعرف َّ‬
‫أن تاريخ األمم والشعوب قد تمثّل آليتو حسب معتقدات نابعة من تخوفيم أو صراعيم مع القوى‬
‫التوحيديــة أعمنت نياية األوثان إالّ أن‬
‫ّ‬ ‫يظنــون ّأنــو يحمييم منيا‪َّ .‬‬
‫ولكن الديانات‬ ‫الشريرة يصنعون ليا ما ّ‬
‫رواسبيا بقيت آثارىا في بعض المظاىر كضرب من ضروب الفمكمور المستخدم في مناسبات استثنائية‬
‫عمى غرار " طمب األمطار " في زمن الجفاف‪ .‬والمعروف َّ‬
‫أن من بين آلية الحضارة القرطاجيذــة اإللية "‬
‫أمــك طنقو " يستجدون بيا المطر حتى بعد‬
‫تانيت" التي ترمز إلى الخصب وقد اقتبس عنيا مجتمعنا " ّ‬
‫‪1‬‬
‫الوثنيــة وبقيت الظاىرة التراثية متحركة في األحياء الشعبية وتكتسي‬
‫ّ‬ ‫قيام الدين اإلسالمي إذا انتفت معاني‬
‫شعبيــة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فرجويــة‬
‫ّ‬ ‫صبغة‬

‫عموديــة طويمة تتقاطعان (كالمميب)‬


‫ّ‬ ‫أفقي ــة صغيرة وعصا‬
‫متكونة من عصــا ّ‬
‫أمــك طنقو" ّ‬
‫عروسـة " ّ‬
‫ويقع إكساؤىم بخرق من المالبس البالية وىي عادة ضاربة في التّاريخ تستحضر رمو از من حضارات‬
‫تجردت معانييا التي وضعت من أجميا مع مرور العصور ولكن حافظت عمى قداستيا في المخيال‬
‫قديمة ّ‬
‫تانيت "‬
‫ْ‬ ‫يخيــا إلى إلية قرطاج "‬
‫وثنيــة وترمز تار ّ‬
‫وتسمــى "أمك طنب ـُـو" أو " أمك طنغـ ـُـو" وىي عادة ّ‬
‫ّ‬ ‫الشعبي‬
‫قيل ّإنو وقع العثور عمى تمثاليا بطينة صنع من الحجارة واألعمدة‪ .‬وتتمثّل ىذه العادة في اآلت ــي ‪:‬‬

‫في صنع الييكل اآلدمي المذكور آنفا ويطوف بو األطفال عمى البيوت يستجدون المطر مردديــن ‪:‬‬

‫أمك طنبو شيمولو‬

‫اتروح مبمولة‬
‫إن شاء ّ‬

‫يسخيبيا‬
‫أمك طنبو ّ‬

‫يخيبيــا‬
‫طمبت رّبي ال ّ‬

‫أمك طنبو يا لوالد‬

‫حبتيا في الواد‬
‫غسمت ّ‬

‫أمك طنبو يا صبايــا‬

‫بالبازين وبالقاليـ ــا‬

‫أمك طنبو يا نس ــاء‬

‫بالبازي ــن وبالحسـ ــاء‬

‫‪2‬‬
‫وال ّ ٌنفك األطفال عن التردٌد و الغناء حتى ّ ٌطل علٌھم النساء بؤوانً مملوءة ماء‬
‫ٌرششن بھا أمك طنقو والموكب لتكثر األمطار وتروي األرض بعد جدبھا و فً بعض‬
‫المناطق ٌقومون أٌضا بنثر حبوب الفول والحمص وٌمنح األطفال بعض الھداٌا والعطاٌا‪،‬‬
‫كما ٌتم تجمٌع العطاٌا والصدقات من األھالً لتھٌئة المآدب و الوالئم فً المزارات والزواٌا‬
‫حسب المنطقة‪.‬‬

‫فإذا نزلت األمطــار أنش ــدو ‪:‬‬

‫يا مطــر يا خالت ــي‬

‫صب عمى قطّايت ــي‬


‫ّ‬

‫قطايتــي مبمولـ ــة‬

‫بالزي ــت والزيتــون ــة‬

‫أمــك طنب ــو ‪...‬‬


‫واذا ما فشمو أحرقوا ّ‬

‫بقً التونسٌون إلى الٌوم رغم تعاقب الحضارات ٌخرجون بؤمك طنقو لالستسقاء و‬
‫طلب الغٌث فً فترات الجفاف وھو طقس ّ ٌعبر عن قدرة ھذا الرمز الذي ٌشب ه (التانٌت)‬
‫آلھة الخصوبة القرطاجٌة على استنزال الغٌث وتعرف ھذه الدمٌة العروس بالتاغنجة او‬
‫البوغنجة و التاغنجوت وھً الملعقة باللغة البربرٌة وال ٌزال ھذا الطقس ٌمارس إلى الٌوم‬
‫فھو عادة ضاربة فً التارٌخ تستحضر رموزا من حضارات قدٌمة تجردت من معانٌھا التً‬
‫وضعت من أجلھا مع مرور العصور لكن حافظت على قداستھا فً المخٌال الشعبً ‪.‬وٌرمز‬
‫إلى التانٌت بشكل مثلث تعلوه دائرة ھً بمثابة الرأس وٌفصل بٌن المثلث والدائرة خط أفقً‬
‫ٌنتھً بانحناءة طرفٌھ ا بمثابة الذراعٌن و ٌعطً الرمز فً جملتھ شكل امراة بطرٌقة‬
‫مبسطة جدا‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ومن بي ــن العادات الجميمــة األخــرى في بالدنــا صنع " عرائس السكر " في كل رأس سنة ىجرّيــة‬
‫ورمزّيتيا التفاؤل بسنة مذاقي ــا في حالوة السكــر وكانوا يحرصون عمى جماليــة الصنع حتّى تكون مبعثا‬
‫اليمــن والبركــة والفرح "‬
‫إلسعاد األطفال إذ لمع ارئــس معان يمفيا " الخيــر و ُ‬

‫عرائس السكر ىي عادة توارثناىا عن األجداد منذ عقود مضت ‪ .‬وتكون عرائس السكر في الغالب‬
‫من مجسمات تتخذ ىيئة أسد أو ديك أو أرنب أو حصان‪ ،‬تمنح لمذكور‪ ،‬في حين يختار البنات شكل‬
‫عروس‪.‬‬

‫أما بالنسبة لصنع عرائس السكر فيو عمل يتطمب مدة طويمة ومراحل عدة بين إعداد العرائس‬
‫إن عممية اإلعداد تتطمب توفير السكر والماء وروح الميمون ليطبخ ىذا الخميط حتى‬
‫وتجفيفيا وتزويقيا‪ّ ،‬‬
‫ينضج السكر ويكتسب لونا ناصع البياض‪ ،‬ثم يسكب في قوالب ذات أحجام وأشكال مختمفة‪.‬‬

‫ويتم في مرحمة ثانية تزيين عرائس السكر بألوان ختمفة وزاىية‪ ،‬ثم يتم في مرحمة أخيرة تغميفيا‬
‫بطبقة شفافة من رقائق األلمنيوم لحمايتيا‪ ،‬فتكون جاىزة لمعرض عمى أشكال مختمفة‪.‬‬

‫لمحفاظ عمى ىذه العادة نظمت جمعية صيانة المدينة بفضاء سيدي عمي عزوز بمدينة نابل‬
‫ميرجان عرائس السكر‪ ،‬بيدف مزيد التعريف بيذه العادة المميزة وصيانة الموروث الثقافي بالجية‪.‬‬

‫ويتضمن الميرجان عديد الورشات المتعمقة بمراحل صنع عرائس السكر وزخرفتيا بمشاركة رياض‬
‫أحسن فضاء عرض وجائزة‬ ‫األطفال‪ ،‬باإلضافة إلى تنظيم سيرات فنية وتنظيم مسابقات لتقديم جائزتي‬
‫سكر ‪.‬‬
‫أحسن عروس ـ‬

‫ىويتنا الحضارّيــة واهلل قد خمق اإلنسان من صمصال أي من‬


‫عرائس الطين تمثّل أيضا جزءا من ّ‬
‫اليويــة وكمما وقع احتالل أو استعمار إال واندفعت الشعوب إلى حماية األرض أي‬
‫ّ‬ ‫األرض واألرض ىي‬
‫اليويــة التي تمثل تمك الشعوب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حماية‬

‫والعرائس ىي موروث يتمثّل اإلنسان منذ أن كان يصنعيا من الطين ويبرز فييا عالمات في‬
‫نحت تفاصيميا وقد انعكست من طباع صانعييا ال شعوريــا كأن تكون ضاحكـة إن كان صانعيا مرحا‬
‫المحيــر‪ .‬إال َّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫متفائال أو عابسة إذا كان صانعيا شرسا غضوبــا‪ .‬طبعا كان مشكل الحركة ىو العائق‬

‫‪4‬‬
‫التوحيديــة قد منعت ىذا التماثل مع اإلنسان باعتبار صنع العروسة‬
‫ّ‬ ‫الدينيــة في الديانات‬
‫ّ‬ ‫بعض المفاىيم‬
‫شرك باهلل‪ .‬فاهلل وحده يخمق ‪ ،‬وىذا التّقميد ُس ّمي بدعة وكل بدعة ظاللــة إلخ‪...‬‬

‫جمالية (واهلل‬
‫ّ‬ ‫الفن قيمة‬
‫تحولت إلى فنون و ّ‬
‫خاصــة إذا ّ‬
‫ّ‬ ‫ولكن الحضارة ال تتوقف عند ىذه المفاىيم‬
‫يحب الجمال) وكذلك قيمة أخالقية بحكم الرسائل اإلنسانية التي يتضمنيا‪.‬‬
‫جميل ّ‬

‫وس ّمـيــت باسم المدينة " عرائس‬


‫ع ارئــس الطين تيي إحدى إبداعاتنا انطمقت من مدينة " سجن ــان " ُ‬
‫سجن ــان"‬

‫تشتير نساء سجنان بصناعة الطين‪ ،‬وخرجن بمصنوعاتين من نطاق المحمية إلى‬
‫‪.‬‬ ‫عدة معارض ُنظّمت في عواصم أوروبية‬
‫العالمية‪ ،‬بعد مشاركتين في ّ‬

‫تحضر النساء الخبز التقميدي في "الطابونة" (فرن طيني)‪ ،‬ثم يتوجين إلى بعض المناطق‬
‫ّ‬
‫الستخراج الطين من األرض‪ .‬يتماىين مع التراب ليمدن منو مصنوعاتين اليدوية‪ .‬التراب في‬
‫سجنان ليس كتراب مناطق الرفاه الذي تترفع عنو النساء لالحتفاظ بكامل أناقتين‪ .‬ىو التراب‬
‫الذي يصنع وجود نساء سجنان ‪.‬‬

‫بقية‬
‫تواصل النساء العمل في تحضير األكل وتنظيف البيت واالىتمام باألطفال‪ ،‬ويمضين ّ‬
‫اليوم في صناعة األواني والتحف والعرائس الفخاريــة ‪ ،‬صناعة يدوية توفر لين مدخوالً قاد اًر‪ ،‬رغم‬
‫‪.‬‬ ‫قمتو‪ ،‬عمى توفير بعض الحاجيات األساسية‬

‫ويشارك غالبية األطفال في المدينة في صناعة الفخار ومساعدة أمياتين‪.‬‬

‫‪" :"22‬صناعة المرأة لمفخار‬ ‫تقول الباحثة في عموم التراث فاطمة بمغيث معتوق لـ"رصيف‬
‫جاءت نتيجة الحاجة إلنتاج أوان لالستعمال اليومي‪ ،‬فكانت األواني الفخارية في مرحمة أولى‬
‫لتحقيق غرض وظيفي نفعي‪ .‬وبمرور الوقت والسنين استأنست المرأة رائحة الطين المزج‪،‬‬
‫وأصبحت العرائس المنجزة أكثر نضجاً في الشكل والحجم والزخرفة‪ .‬وكمما تقدم عمرىن وتقدم‬
‫الزمن‪ ،‬تطورت " الفخاريات "‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وفي أقصى الجنوب تمثّــل البوبيــــة عروســة من إنجــاز وابتكــار المرأة الريفية الميمشــة التي تصنعيا‬
‫لتعيــل زوجيــا وتقاوم معو‬ ‫النسوة في المناطق بين كيموماتر عشرة‪ ،‬نزلت بن فرج‪ ،‬وعنق الجمل بنفطة‬
‫البوبيــة وتسوق‬
‫ّ‬ ‫أعباء الحيــاة ‪ .‬ويعتبــر ىذا الجيد النسوي مقوم م ن مقومات اليوية والتراث‪ ،‬ترمز عروسة‬
‫لصورة المرأة الفاعمة رغم ما يسودىا و ما يالحقيا من تمك النظرة اإلستعبادية لألنثى‪ .‬كما يسعى لإللمام‬
‫بيذا الحراك اإلبداعي الغير متداول و الغير متعارف عميو تأكيداً عمى دعمو من جية لمكانة المرأة الريفية‬
‫الميمشة و المقصية عن الركب اإلجتماعي تخمفيا عن المناصب و األدوار اليامة التي تتقمدىا المرأة في‬
‫العالم اآلن إضافة إلى الوقوف‪ ،‬عمى مساىمة نساء “البوبية” في إرساء مكانة المرأة التونسية و ريادتيا‬
‫في اإلنتاج و الخمق و اإلبداع حتى ولو كان بصورة غير واعية‪.‬‬

‫البوبي ــة " يوثق بالصورة‬


‫ّ‬ ‫‪ 26‬دقيقة) لممخرج الشاب حمدي الجويني تحت عنوان "‬ ‫والفيمم الوثائقي (‬
‫البوبيــة والمواد المستعممة إلنجازىا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والصوت خفايا صنع عروسة‬

‫الخاتمـــــــة‬
‫احتفالي ــة‬
‫ّ‬ ‫ىويــة تقوم عمى " الفرجــة " من خالل أج ـواء‬ ‫تقدم َّ‬
‫إن لبالدنــا ّ‬ ‫يمكــن القول من خالل ما ّ‬

‫فنــي‬
‫ولكننا لم نستغل بعد ىذا النمــط الفرجوي لصياغة أسموب ّ‬
‫فرضتيا أزمة ناجمة عن احتياج الماء ‪ّ ،‬‬

‫فنيــة مغرية كالتي‬


‫تبعيتنا لألنماط الغر ّبيــة وحتّى نفرض أساليب ّ‬
‫منــا حتّى نتمكن من التخمص من ّ‬
‫تابع ّ‬

‫التشيكيــة التي أليمت الكثير من العرائسيين العالميين ومن بينيم التونسيين‪.‬‬


‫ّ‬ ‫فرضتيا العروســة‬

‫‪6‬‬
7
‫تانيت القرطاجيـة‬

‫‪8‬‬

You might also like