Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 13

‫قصيدة‪ 

‬الكوليرا‪ ‬لنازك المالئكة‬

‫المقدمة‬

‫المبحث األول تحليل قصيدة‪ ‬الكوليرا‪ ‬لنازك المالئكة‬

‫المطلب األول ‪ :‬تعريف الشاعرة‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬قصيدة الكوليرا لــــ ( نازك المالئكة )‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬بين يدي قصيدة الكوليرا‬

‫المطلب الرابع ‪ :‬تحليل قصيدة الكوليرا لنازك المالئكة‬

‫الخاتمة‬

‫قائمة المراجع‬
‫المقدمة‬
‫يعد الشعر الحر انعطافا شعرية مهمة لم يعرف الشعر العربي مثيل لها في مسيرته من قبل‪ ،‬ذلك أنه‬
‫لم يتغير على مستوى الشكل فحسب بل على مستوى المضمون أيضا‪ .‬فرواد الشعر الحر أعادوا‬
‫النظر في المقاييس التي كانت سائدة من قبل من لغة شعرية وموسيقى وقافية ومعنى شعري‬
‫وغيرها‪ ،‬فلم يتخلصوا من كل المقاييس‪ ،‬إذ عدلوا في بعضها وأضافوا مقاييس جديدة أيضا فاهتموا‬
‫باإليقاع من حيث أنه ضرورة للشعر متصل باللغة‪ .‬فإن صلة الشعر بالموسيقى صلة مصيرية‬
‫وغير قابلة للفصل مطلقا‪ ،‬حيث يمكن تلخيص مزايا الشكل اإليقاعي الجديد" إيقاع القصيدة الحرة"‬
‫في أربعة عناصر‪:‬‬
‫‪ - 1‬التخلص من النظام الهندسي الصارم‪ ،‬ومن اإليقاعات الموسيقية الحادة‪.‬‬
‫‪ - 2‬إعطاء الشاعر قدرا كبيرا من الحرية‪ ،‬فقد انفتح أمامه المجال للتنويع النغمي‪ ،‬وذلك بعد أن‬
‫أصبحت التفعيلة أكثر حرية‬
‫‪- 3‬انسياب التركيب الموسيقي وفر للشاعر إمكانية أكبر االستيعاب مضمونه الحديث في سهولة لم‬
‫تكن في متناول شعراء القصيدة التقليدية‪.‬‬
‫‪ – 4‬تحرر الشاعر من القافية زاد من توسيع المجال النغمي أمامه فصار بإمكان الشاعر أن يكيف‬
‫إيقاعاته بالصورة التي يريدها‪ .‬فاإليقاع جوهر الشكل وليس قالبا خارجيا‪ ،‬فهو يصهر عناصره‬
‫لتشكل القصيدة وتنمو محققة كيانها واستقالليتها‪ ،‬ذلك ألن الشعر ليس مجرد صور وعواطف‬
‫وأفكار‪ ،‬بل إن الصور والعواطف ال تصبح شعرية بالمعنى الحق إال إذا لمستها أصابع الموسيقى‬
‫ونبض في عروضها اإليقاع‪ .‬فالموسيقى الجديدة في الشعر الحر تعبر عن عالقة جديدة بالعالم‪ ،‬لهذا‬
‫تذهب "تذهب نازك المالئكة" إلى أن األوزان الحرة تتيح للشاعر أن يعبر عن تجربته في واقعه‬
‫الجديد خارج القيود القديمة التي تكبل طاقته الفكرية والشعورية‪.‬‬
‫المبحث األول تحليل قصيدة‪ ‬الكوليرا‪ ‬لنازك المالئكة‬
‫‪1‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬تعريف الشاعرة‪:‬‬

‫نازك صادق المالئكة (بغداد ‪ 23‬أغسطس ‪ -1923‬القاهرة ‪ 20‬يونيو ‪ )2007‬شاعرة عراقية‪،‬‬


‫ولدت في بغداد في بيئة ثقافية وتخرجت من دار المعلمين العالية عام ‪.1944‬من ام شاعر ًة وأب‬
‫كاتب‪ .‬دخلت معهد الفنون الجميلة وتخرجت من قسم الموسيقى عام ‪ ،1949‬وفي عام ‪1959‬‬
‫حصلت على شهادة ماجستير في األدب المقارن من جامعة و يسكونسن ‪-‬ماديسون في أمريكا‪.‬‬
‫وعينت أستاذة في جامعة بغداد وجامعة البصرة‪ W‬ثم جامعة الكويت‪ .‬عاشت في القاهرة منذ ‪1990‬‬
‫في عزلة اختيارية وتوفيت بها في ‪ 20‬يونيو ‪ 2007‬عن عمر ناهز ‪ 83‬عامًا‪ .‬بسبب إصابتها‬
‫بهبوط حاد في الدورة الدموية ودفنت في مقبرة خاصة للعائلة غرب القاهرة‪.‬‬
‫يعتقد الكثيرون أن نازك المالئكة هي أول من كتبت الشعر الحر في عام ‪ 1947‬ويعتبر البعض‬
‫قصيدتها المسماة الكوليرا من أوائل الشعر الحر في األدب العربي‪ .‬وقد بدات المالئكة في كتابة‬
‫الشعر الحر في فترة زمنية مقاربة جداً للشاعر بدر شاكر السياب وزميلين لهما هما الشاعران شاذل‬
‫طاقة وعبد الوهاب البياتي‪ ،‬وهؤالء سجلوا في اللوائح بوصفهم رواد الشعر الحديث في العراق بعد‬
‫صراع طويل دار بينهم حول بداية كتابة الشعر الحر أو الحديث‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬قصيدة الكوليرا لــــ ( نازك المالئكة )‬
‫سكن الليل‬

‫أصغ إلى وقع صدى األ ّنات‬

‫ْ‬
‫األموات‬ ‫في عمق ّ‬
‫الظلمة‪ ،‬تحت الصمت‪ ،‬على‬

‫ٌ‬
‫صرخات تعلو‪ ،‬تضطربُ‬

‫حزن يتد ّفق‪ ،‬يلتهبُ‬

‫ْ‬
‫اآلهات‬ ‫ّ‬
‫يتثر فيه صدى‬

‫في ك ّل فؤا ٍد غليانٌ‬

‫في الكوخ الساكن أحزانٌ‬

‫‪1‬‬
‫نازك_المالئكة‪ar.wikipedia.org/wiki/‬‬
‫‪" 2‬الشعر الحر"‪ ،‬األلوكة‪ّ ،‬‬
‫اطلع عليه بتاريخ ‪ .03-02-2023‬بتصرّ ف‪.‬‬
‫الظ ْ‬
‫لمات‬ ‫في كل مكان رو ٌح تصر ُخ في ّ‬

‫ْ‬
‫صوت‬ ‫في كل مكان يبكي‬

‫ْ‬
‫الموت‬ ‫هذا ما قد ّ‬
‫مزق ُه‬

‫ْ‬
‫الموت‬ ‫ُ‬
‫الموت‬ ‫ُ‬
‫الموت‬

‫ْ‬
‫الموت‬ ‫يل الصّارخ ممّا فعل‬ ‫يا ْ‬
‫حُز َن ال ّن ِ‬

‫طلع الفج ُر‬

‫أصغ إلى و ْقع الماشينْ‬


‫ِ‬

‫ب الباكينْ‬ ‫أصخ‪ ،‬أنظرْ ْ‬


‫رك َ‬ ‫ْ‬ ‫في صمت الفجر‪،‬‬

‫ع ْشر َة أمواتٍ‪ ،‬عشرونا‬

‫ص ْخ للباكينا‬ ‫ال تحْ ِ‬


‫صأ َ‬

‫الطفل المسكينْ‬
‫ِ‬ ‫اسمع صوت‬

‫ْ‬
‫العدد‬ ‫موتى‪ ،‬موتى‪ ،‬ضاع‬

‫موتى‪ ،‬موتى‪ ،‬لم يبق ْ‬


‫غد‬

‫مكان جس ٌد ين ُد ُب ُه محزونْ‬
‫ٍ‬ ‫في ك ِّل‬

‫ْ‬
‫صمت‬ ‫ال لحظ َة إخالدٍ‪ ،‬ال‬

‫ْ‬
‫الموت‬ ‫هذا ما فعلت كفُّ‬

‫ْ‬
‫الموت‪.‬‬ ‫تشكو البشر ّي ُة‪ ،‬تشكو ما يرتكب‬

‫الكوليرا‬

‫في َك ْهفِ الرُّ عْ ب مع األشالءْ‬

‫ُ‬
‫الموت دواءْ‬ ‫ُ‬
‫حيث‬ ‫في ص ْمت األب ِد القاسي‬
‫َ‬
‫استيقظ دا ُء الكوليرا‪W‬‬

‫ح ْق ًدا يتد ّف ُق ْ‬
‫موتورا‬

‫المر َح الوُ ضّا ْء‬ ‫َ‬


‫هبط الوادي ِ‬

‫يصر ُخ مضطربًا مجنونا‬

‫َ‬
‫صوت الباكينا‬ ‫ال يس َم ُع‬

‫مكان خلَّ َ‬
‫ف مخل ُب ُه أصداءْ‬ ‫ٍ‬ ‫في ك ِّل‬

‫ْ‬
‫البيت‬ ‫في كوخ الفالّحة في‬

‫ْ‬
‫الموت‬ ‫صرخات‬
‫ال شي َء سوى َ‬

‫ْ‬
‫الموت‬ ‫ُ‬
‫الموت‬ ‫ُ‬
‫الموت‬

‫ْ‬
‫الموت‬ ‫في شخص الكوليرا القاسي ينتق ُم‬

‫ُ‬
‫الصمت مريرْ‬

‫ال شي َء سوى رجْ ِع التكبيرْ‬

‫ح ّتى َح ّفا ُر القبر َث َوى لم َ‬


‫يبق َنصِ يرْ‬

‫مات ّ‬
‫مؤذ ُن ُه‬ ‫الجام ُع َ‬

‫ّت من سيؤ ّب ُن ُه‬


‫المي ُ‬

‫لم َ‬
‫يبق سوى ْنو ٍح وزفيرْ‬

‫ب‬
‫الطف ُل بال أ ٍّم وأ ِ‬

‫ب‬
‫ملته ِ‬
‫ب ِ‬ ‫يبكي من قل ٍ‬

‫ك سيلقفُ ُه الدا ُء الشرّ يرْ‬


‫وغ ًدا ال ش َّ‬

‫ْ‬
‫أبقيت‬ ‫يا ش َب َح الهيْضة ما‬
‫ْ‬
‫الموت‬ ‫أحزان‬
‫ِ‬ ‫ال شي َء سوى‬

‫ْ‬
‫الموت‬ ‫ُ‬
‫الموت‪،‬‬ ‫ُ‬
‫الموت‪،‬‬

‫ْ‬
‫الموت‪W.‬‬ ‫يا مص ُر شعوري َّ‬
‫مز َق ُه ما فع َل‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬بين يدي قصيدة الكوليرا‬

‫كانت نازك المالئكة المولودة ببغداد في ‪ 23‬آب‪-‬أغسطس عام ‪ 1923‬قد أصدرت ديوانها‬
‫األول (عاشقة الليل) عام ‪ ،1947‬وبعد أشهر قليلة من صدوره أصيبت مصر بوباء الهيضة‬
‫(الكوليرا)‪ W‬وبلغ سمع نازك بطريق الراديو‪ -‬وسيلة التواصل‪ W‬الوحيدة حينها – ما أوقع المرض من‬
‫ضحايا تزداد أعدادهم كل يوم‪ ،‬فكتبت قصيدة بشعر الشطرين الموزون المقفى لكنها لم تقتنع بها‪،‬‬
‫ألنها كما تقول في شهادتها القصيرة ( لمحات من سيرة حياتي وشعري)‪ " :‬لم تعبر عما في نفسي‪..‬‬
‫فاعتبرتها من شعري الخائب"‪ ،‬وظلت الشاعرة تستمع ألخبار المرض‪ ،‬واستثارها ما تردد من أن‬
‫الموتى فاقوا األلف‪ ،‬فكتبت نصا ثانيا بالطريقة التقليدية ذاتها ولم تقتنع به أيضا‪ ،‬وأحست كما تقول‬
‫– إنها بحاجة "ألسلوب آخر" تعبر به عن إحساسها‪.‬‬

‫تستفيق نازك من النوم متكاسلة صباح الجمعة ‪ 27-10-1947-‬كما تروي الحقا في‬
‫شهادتها‪ -‬لتجد نفسها تحتدم باألسى واالنفعال‪ ،‬وبرنين قصيدة جديدة تضج داخلها عن الموت‬
‫بالكوليرا‪ ،‬وهي تستمع للمذيع يعلن أن عدد موتى المرض بمصر قد بلغ ألفا‪ ،‬وأن جثثهم تتكدس في‬
‫عربات تجرها الخيول باتجاه الريف المصري للتخلص منها ودرء العدوى كما يبدو‪ ،‬فراحت تكتب‬
‫قصيدتها على بحر المتدارك وتفعيلته السريعة الخببية ( فعلن فعلن) المصورة لتتابع أرجل الخيل‬
‫بسبب تقارب سكناتها‪ ،‬وكأنها تتحسس وقع أقدام الخيل‪ ،‬والتي تنوه نازك في إحدى دراساتها‬
‫العروضية‪ W‬بعالقة خبب الخيل ببحر الخبب ألنه يسمى أيضا ( ركض الخيل)‪:‬‬

‫سكن الليل‬

‫أصغ إلى وقع صدى األنات‬

‫في عمق الظلمة‪ ،‬تحت الصمت‪ ،‬على األموات‪.‬‬


‫ستنتهي نازك بعد ساعة من كتابة القصيدة في أفياء سطح البيت البغدادي والجو الخريفي‬
‫العذب الذي يظلل السماء في ذلك الشهر من السنة‪ ،‬لكن ذلك الهدوء المقترن بعطلة الجمعة لن‬
‫يخفف الضجيج الذي سيدور في البيت حول القصيدة مشفوعا بضحكات األهل وسخريتهم‬
‫من(الكوليرا)‪ ،‬كانت األشطر غير متساوية الطول‪ ،‬والقافية متباعدة ال تتكرر في نهاية كل بيت‪ .‬لكن‬
‫نازك تعبر عن سعادتها ( البالغة) بما فعتمن تجديد شكلي‪ ،‬حين( عجز) نظام الشطرين (عن التعبير‬
‫عن مأساة الكوليرا)‪ ..‬وتراهن متحدية األسرة بأن هذه القصيدة ( ستغير خريطة الشعر العربي)‪W‬‬
‫وهي ( بداية عصر جديد في الشعر العربي)‪ ،‬وإذ يحتج والدها بأن هذه القصيدة لن يقرأها من اعتاد‬
‫رصانة المتنبي وجزالة البحتري‪ ،‬وأن تكرار كلمة الموت هذيان يدعو للضحك‪ ،‬ترد بأنها تشعر‬
‫اليوم بأنها( منحت الشعر العربي شيء ذا قيمة)‪.‬‬

‫المطلب الرابع ‪ :‬تحليل قصيدة الكوليرا لنازك المالئكة‬

‫ّ‬
‫وظفت الشاعرة نازك المالئكة مرض الكوليرا في قصيدتها موضوع ًّيا‪ ،‬وفي تحليل النصّ تحلياًل‬
‫أسلوبيًا؛ يُالحظ أنّ الشاعرة قد اعتمدت على وقائع اجتماعيّة ظاهرة‪ ،‬واألسلوب األدبي في النصّ‬
‫يقوم على مبدأ التضمين‪ ،‬أي وجود انعكاس للمفردات‪ ،‬وللصور الفنيّة الواردة في األبيات‪ ،.‬حيث‬
‫صوّ رت الشاعرة في األسطر الشعريّة مشاعرها نحو مصر حين داهمها وباء الكوليرا‪ ،‬وحاولت‬
‫التعبير عن وقع أرجل الخيل التي تجرّ عربات الموتى من ضحايا المرض في الريف المصري‪،‬‬
‫َ‬
‫‪،‬تحت‬ ‫صدَى األ َّن ْ‬
‫ات في ُع ْمق الظلم ِة‬ ‫أصغ إلى َو ْقع َ‬
‫ِ‬ ‫وتبدأ القصيدة بقول الشاعرة‪ 3:‬س َكن اللي ُل‬
‫ْ‬
‫اآلهات في كل‬ ‫صدى‬ ‫يتدفق يلتهبُ َّ‬
‫يتعثر فيه َ‬ ‫ُ‬ ‫ات تعلو تضطربُ حزنٌ‬ ‫رخ ٌ‬
‫ص َ‬ ‫ْ‬
‫األموات َ‬ ‫ت على‬
‫الصم ِ‬
‫مكان يبكي‬
‫ٍ‬ ‫مات في ك ِّل‬ ‫مكان رو ٌح تصر ُخ في ُ‬
‫الظلُ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫الساكن أحزانُ في كل‬
‫ِ‬ ‫الكوخ‬ ‫فؤا ٍد غليانُ في‬
‫ِ‬
‫الموت‪ٌ 4‬تعبّر الشاعرة في األسطر الشعريّة السابقة عن‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫الموت‬ ‫ُ‬
‫الموت‬ ‫ْ‬
‫الموت‬ ‫صوت هذا ما قد َم ّز َق ُه‬
‫ْ‬
‫الحزن واأللم الذي يمأل البيوت بسبب الموت الذي يُحدِثه مرض الكوليرا‪ ،‬فالموت يع ّم المكان‬
‫بصورة واضحة‪ ،‬ولذلك فإنّ كلمة الموت جاءت مُكرّ رة في المقطع الشعري؛ ل ُتعبّر عن سيطرة‬
‫الموت أمام الحياة‪ ،‬فمرض الكوليرا يصنع الموت‪ ،‬واأللم‪ ،‬واألنين‪ ،‬والصرخات التي تجعل األمر‬
‫الف ًتا للنظر‪ ،‬إضافة إلى أ ّنها ذكرت في القصيدة سكون الليل‪ ،‬وعدم حركته ذلك رغم امتالئه‬
‫باأل ّن ات‪ ،‬والصرخات على رحيل األموات وفراق األحباب‪ ،‬ولكن السكون حاضر بسبب غيابهم‪،‬‬

‫‪" 3‬الشعر الحر"‪ ،‬األلوكة‪ّ ،‬‬


‫اطلع عليه بتاريخ ‪ .03-02-2023‬بتصرّ ف‪.‬‬
‫‪ 4‬نازك المالئكة‪ ،‬ديوان نازك المالئكة‪ ،‬صفحة ‪ .138‬بتصرّ ف‬
‫أصغ‬
‫ِ‬ ‫فهم من أحدثوا الفراق والصمت‪ ،‬و ُتتابع وصف ما يُحدثه المرض من آثار‪ ،‬فتقول‪َ :‬طلع الفج ُر‬
‫ت عشرونا ال ُتحْ ِ‬
‫ص‬ ‫ركب الباكين عشرةُ أموا ٍ‬ ‫َ‬ ‫ت الفجْ ر أصِ ْخ ُ‬
‫انظرْ‬ ‫إلى وقع ُخطى الماشين في صم ِ‬
‫ضاع العد ُد َم ْو َتى مو َتى لم َيب َْق َغ ُد‪ 5‬تبدأ‬
‫َ‬ ‫صوت ِّ‬
‫الط ْفل المسكين َم ْو َتى َم ْو َتى‬ ‫َ‬ ‫أصِ ْخ للباكينا اسمعْ‬
‫الشاعرة هنا بكلمة طلع الفجر‪ ،‬ولكن الفجر هنا ال يد ّل على اإلشراق واألمل‪ ،‬بل هو دليل على‬
‫اليأس‪ ،‬ألنّ هناك أخبار س ُتسمع من وفاة ورحيل‪ ،‬والشاعرة ما زالت تشرح حال البالد بعد تف ّشي‬
‫المرض‪ ،‬فهي ُتعبّر عن األحداث وما صاحبها من دمار ال يعتمد على الوطن فحسب‪ ،‬بل هو دمار‬
‫في البشريّة ذاتها‪ ،‬إذ تقول إنّ األعداد في تزايُد‪ ،‬والموت يقضي على الناس‪ ،‬وال يفرّ ق بين صغير‬
‫مكان َج َس ٌد ين ُدبُه‬
‫ٍ‬ ‫وكبير‪ ،‬فأعداد الموتى ال تحصى‪ ،‬والموت يقضي على أمل الغد والمستقبل‪ .‬في ك ِّل‬
‫الموت تشكو البشر ّي ُة‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫الموت‬ ‫ُ‬
‫الموت‬ ‫ْ‬
‫الموت‬ ‫ْ‬
‫فعلت كفُّ‬ ‫ص ْ‬
‫مْت هذا ما‬ ‫محزونْ ال َ‬
‫لحظ َة إخال ٍد ال َ‬
‫ُ‬
‫الموت‬ ‫ُ‬
‫حيث‬ ‫ْ‬
‫الموت الكوليرا‪ W‬في َك ْهفِ الرُّ عْ ب مع األشال ْء في ص ْمت األب ِد القاسي‬ ‫تشكو ما يرتكبُ‬
‫دواءْ ‪ 6‬تستمرّ بشرح ما ْأو َر َثه داء الكوليرا‪ ،‬فهي تقول‪ :‬إ ّنه في ك ّل مكان على هذه األرض ثمّة جسد‬
‫مُصاب ب ُندبة الكوليرا‪ ،‬تلك ال ّندبة التي أزالت الصمت والخلود المرجوّ ‪ ،‬فانتشر كفّ الموت على‬
‫البشريّة‪ ،‬وفي هذا الحال أصبح الموت هو الدواء الوحيد الذي يُنقذ من هذا الداء‪ ،‬كما تنتقل الشاعرة‬
‫من وصف المرض إلى الوصف االقتصادي والحياة المعيشية‪ ،‬فهي تقول في كهف الرعب‪ ،‬وهنا‬
‫المقصود به حال المصريّين آنذاك‪ ،‬إذ كانوا يعيشون في األكواخ ثم يبيتون في الكهوف لقلّة حيلتهم‬
‫المر َح الوُ ضّا ْء يصر ُخ مضطربًا‬ ‫موتورا َ‬
‫هبط الوادي ِ‬ ‫َ‬
‫استيقظ دا ُء الكوليرا ح ْق ًدا يتد ّف ُق ْ‬ ‫وفقرهم‪.‬‬
‫ْ‬
‫البيت ال شي َء‬ ‫مكان خلَّ َ‬
‫ف مخل ُب ُه أصدا ْء في كوخ الفالّحة في‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫صوت الباكينا في ك ِّل‬ ‫مجنونا ال يس َم ُع‬
‫ْ‬
‫الموت‪ 7‬شبّهت الشاعرة في البيت السابق مرض الكوليرا‬ ‫ُ‬
‫الموت‬ ‫ُ‬
‫الموت‬ ‫ْ‬
‫الموت‬ ‫صرخات‬
‫سوى َ‬
‫باإلنسان الذي كان في غفلة نومه ولك ّنه استيقظ‪ ،‬وفي هذا االستيقاظ أصبح يمتلئ حق ًدا على ك ّل‬
‫شيء‪ ،‬وفي ك ّل مكان‪ ،‬في األكواخ‪ ،‬والوديان‪ ،‬وذلك الحقد ولّد الموت دون رحمة أو رأفة‪ ،‬وتختتم‬
‫المقطع من القصيدة بتكرار كلمة الموت ثالثة مرات؛ وذلك لتأكيد مدى خطورة ما يحدث في ذاك‬
‫ُ‬
‫الصمت مريرْ ال شي َء سوى رجْ ِع‬ ‫ْ‬
‫الموت‬ ‫الزمان بسبب الكوليرا‪ .‬في شخص الكوليرا القاسي ينتق ُم‬
‫ّت من سيؤ ّب ُن ُه لم َ‬
‫يبق سوى ْنو ٍح‬ ‫مات ّ‬
‫مؤذ ُن ُه المي ُ‬ ‫التكبيرْ ح ّتى َح ّفا ُر القبر َث َوى لم َ‬
‫يبق َنصِ يرْ الجام ُع َ‬
‫ك سيلقفُ ُه الدا ُء الشرّ يرْ ‪ 8‬تستمرّ بتشبيه داء‬
‫ب وغ ًدا ال ش َّ‬
‫ملته ِ‬
‫ب ِ‬ ‫وزفيرْ الطف ُل بال أ ٍّم وأ ِ‬
‫ب يبكي من قل ٍ‬
‫الكوليرا باإلنسان القاسي الذي ينتقم بالموت‪ ،‬ذلك الموت الذي ي ّتم األطفال‪ ،‬وأخذ الكبار فأصبح‬
‫‪ .139‬بتصرّ ف‪.‬‬ ‫‪ 5‬نازك المالئكة‪ ،‬ديوان نازك المالئكة‪ ،‬صفحة‬
‫‪ .140‬بتصرّ ف‪.‬‬ ‫‪ 6‬نازك المالئكة‪ ،‬ديوان نازك المالئكة‪ ،‬صفحة‬
‫‪ .140‬بتصرّ ف‪.‬‬ ‫‪ 7‬نازك المالئكة‪ ،‬ديوان نازك المالئكة‪ ،‬صفحة‬
‫‪ .141‬بتصرّ ف‪.‬‬ ‫‪ 8‬نازك المالئكة‪ ،‬ديوان نازك المالئكة‪ ،‬صفحة‬
‫األموات ال ح ّفار لقبورهم‪ ،‬والجوامع ال شيوخ ترفع اآلذان في مآذنهم‪ ،‬وذلك كله كناية عن مدى‬
‫ال ّدمار الذي أحدثه هذا المرض‪ ،‬وذلك الداء الشرير الذي جعل القلوب تبكي بك ّل حرقتها‪ ،‬كما أن‬
‫يبق ض ّد هذا الصمت‬
‫الصمت وُ صف بالمرير وذلك بسبب عجز األفراد حينذاك على التعبير‪ ،‬فلم َ‬
‫سوى صوت التكبير على أرواح األموات‪ ،‬وكالهما مرير وصعب على القلب‪ .‬يا ش َب َح الهيْضة ما‬
‫‪9‬‬ ‫ْ‬
‫الموت‬ ‫الموت يا مص ُر شعوري َّ‬
‫مز َق ُه ما فع َل‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫الموت‬ ‫ُ‬
‫الموت‬ ‫ْ‬
‫الموت‬ ‫أحزان‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫أبقيت ال شي َء سوى‬
‫ُتعبّر الشاعرة هنا عمّا عجز غيرها عن تعبيره‪ ،‬فهي ُتعاتب الموت في هذه األبيات‪ ،‬ف ُتخاطبه وتقول‬
‫يبق سوى الحزن‪ ،‬فالموت يقضي على ك ّل شيء‪ ،‬فيتملّكها الحزن‬
‫له إ ّنه أنهى على ك ّل شيء‪ ،‬فلم َ‬
‫على مصر؛ بسبب ما أحدثه هذا المرض من موت وحزن‪ ،‬وعند تحليل قصيدة الكوليرا لنازك‬
‫المالئكة يُمكن مالحظة تغيُّر الشكل الشعريّ ‪ ،‬والتغيُّر في توزيع التفعيالت وعددها‪ ،‬واختالف‬
‫القافية‪ .‬إنّ التقطيع العروضيّ لقصيدة الكوليرا يعتمد في تقسيمه على الشعر الحرّ ‪ ،‬فكان بحر قصيدة‬
‫الكوليرا هو البحر المتدارك‪ ،‬ومن خالل التحليل السابق ي ّتضح أنّ القصيدة كانت وسيلة للتعبير عن‬
‫خبايا النفس في مُواجهة الواقع المُر‪ ،‬فتمتزج الكلمات واألوزان وتخلق صورً ا فنية مُعبّرة للوصول‬
‫إلى المعنى الحقيقيّ والمقصود‪ ،‬فكأنّ الكوليرا ليس المرض المقصود وحده وحسب‪ ،‬بل هو أيضًا‬
‫صفة لك ّل روح شرسة‪ُ ،‬تسيطر على األرض وتنشر ال ّدمار في البشريّة‪ .‬معاني المفردات في قصيدة‬
‫الكوليرا َس َك َن‪ :‬هدأ وتو ّقف حركته‪ 10.‬وّ ْقع‪ :‬صوت الضرب بالشيء‪ 11.‬يتدفق‪ :‬ينصبّ مرة واحدة‬
‫‪15‬‬ ‫وبقوة‪ 12.‬اآلهات‪ :‬وهي من ال َّتأوُّ ه بسبب الوجع والشكوى‪ 13.‬فؤاد‪ :‬القلب‪َّ 14.‬‬
‫مزقه‪ :‬قطعه إربًا إربًا‪.‬‬
‫أصخ‪ :‬قوة الصوت‪ W‬الذي يضرب باألذن فيصمَّها‪ 16.‬يندبه‪ :‬يلتأم من الجروح‪ 17.‬الكوليرا‪ W:‬هو مرض‬
‫وبائيّ مُعدٍ‪ ،‬يُسبّب الكثير من األعراض الجانبيّة‪ ،‬وغالبًا ما ينتج عنه الموت‪ 18.‬أشالء‪ :‬يقصد بها‬
‫أعضاء الجسم بعد التش ّتت والتفرّ ق‪ 19W.‬موتورً ا‪ :‬الموتور هو من قتل له قريب وال قدرة له على أخذ‬
‫‪23‬‬
‫ثأره‪ 20.‬مرير‪ :‬قويّ وشديد‪ 21.‬ثوى‪ :‬هلك ومات‪ 22.‬يلقفه‪ :‬يأخذه بسرعة‪.‬‬

‫‪ 9‬نازك المالئكة‪ ،‬ديوان نازك المالئكة‪ ،‬صفحة ‪ .142‬بتصرّ ف‪.‬‬


‫‪ .03-02-2023‬بتصرّ ف‪.‬‬ ‫‪" 10‬تعريف و معنى سكن في معجم المعاني الجامع"‪ ،‬المعاني‪ّ ،‬‬
‫اطلع عليه بتاريخ‬
‫‪ .03-02-2023‬بتصرّ ف‪.‬‬ ‫‪" 11‬تعريف و معنى سكن في معجم المعاني الجامع"‪ ،‬المعاني‪ّ ،‬‬
‫اطلع عليه بتاريخ‬
‫‪ .03-02-2023‬بتصرّ ف‪.‬‬ ‫اطلع عليه بتاريخ‬‫‪" 12‬تعريف و معنى سكن في معجم المعاني الجامع"‪ ،‬المعاني‪ّ ،‬‬
‫‪ .03-02-2023‬بتصرّ ف‪.‬‬ ‫اطلع عليه بتاريخ‬ ‫‪" 13‬تعريف و معنى سكن في معجم المعاني الجامع"‪ ،‬المعاني‪ّ ،‬‬
‫‪ .03-02-2023‬بتصرّ ف‪.‬‬ ‫اطلع عليه بتاريخ‬ ‫‪" 14‬تعريف و معنى سكن في معجم المعاني الجامع"‪ ،‬المعاني‪ّ ،‬‬
‫‪ .03-02-2023‬بتصرّ ف‪.‬‬ ‫اطلع عليه بتاريخ‬ ‫‪" 15‬تعريف و معنى سكن في معجم المعاني الجامع"‪ ،‬المعاني‪ّ ،‬‬
‫‪ .03-02-2023‬بتصرّ ف‪.‬‬ ‫اطلع عليه بتاريخ‬ ‫‪" 16‬تعريف و معنى سكن في معجم المعاني الجامع"‪ ،‬المعاني‪ّ ،‬‬
‫‪ .03-02-2023‬بتصرّ ف‪.‬‬ ‫اطلع عليه بتاريخ‬ ‫‪" 17‬تعريف و معنى سكن في معجم المعاني الجامع"‪ ،‬المعاني‪ّ ،‬‬
‫‪ .03-02-2023‬بتصرّ ف‪.‬‬ ‫اطلع عليه بتاريخ‬ ‫‪" 18‬تعريف و معنى سكن في معجم المعاني الجامع"‪ ،‬المعاني‪ّ ،‬‬
‫‪ .03-02-2023‬بتصرّ ف‪.‬‬ ‫اطلع عليه بتاريخ‬ ‫‪" 19‬تعريف و معنى سكن في معجم المعاني الجامع"‪ ،‬المعاني‪ّ ،‬‬
‫‪ .03-02-2023‬بتصرّ ف‪.‬‬ ‫اطلع عليه بتاريخ‬ ‫‪" 20‬تعريف و معنى سكن في معجم المعاني الجامع"‪ ،‬المعاني‪ّ ،‬‬
‫‪ .03-02-2023‬بتصرّ ف‪.‬‬ ‫اطلع عليه بتاريخ‬ ‫‪" 21‬تعريف و معنى سكن في معجم المعاني الجامع"‪ ،‬المعاني‪ّ ،‬‬
‫‪ .03-02-2023‬بتصرّ ف‪.‬‬ ‫اطلع عليه بتاريخ‬ ‫‪" 22‬تعريف و معنى سكن في معجم المعاني الجامع"‪ ،‬المعاني‪ّ ،‬‬
‫‪ .03-02-2023‬بتصرّ ف‪.‬‬ ‫اطلع عليه بتاريخ‬ ‫‪" 23‬تعريف و معنى سكن في معجم المعاني الجامع"‪ ،‬المعاني‪ّ ،‬‬
‫الصور الفنية في قصيدة الكوليرا‬

‫ات شبّهت الليل باإلنسان الذي يهدأ ويسكن‪ ،‬كما شبّهت أصوات‬ ‫أصغ إلى َو ْقع َ‬
‫صدَى األ َّن ْ‬ ‫ِ‬ ‫س َكن اللي ُل‬
‫األ ّن ات واألوجاع بالوقع إثر ضرب الشيء الثقيل وهي ذات الصوت العالي الذي يُسمع ويُصغى‬
‫ُ‬
‫يتدفق يلتهبُ‬ ‫إليه‪ ،‬واالستعارة هنا هي استعارة مكنيّة‪ ،‬إذ صُرّ ح بالمشبه‪ ،‬وحُذف المشبه به‪ 24.‬حزنٌ‬
‫اآلهات ال تتخلى عن وصف الحزن‪ ،‬وجعله صورة فنية في أبياتها‪ ،‬فهي تصوّ ر‬ ‫ْ‬ ‫صدى‬ ‫َّ‬
‫يتعثر فيه َ‬
‫الحزن بتدفق الماء‪ ،‬وأحيا ًنا تتنقل ف ُتشبهه بالشيء الذي يلتهب من شدة الحروق والندبات‪ ،‬ثم ُتشبه‬
‫ّ‬
‫تخطيه‪ ،‬فما أن يتعثر به الفرد‬ ‫الحزن بالشيء الكبير الذي يقف في المنتصف ويمنع أي شيء من‬
‫حتى يواجه اآلهات‪ ،‬وفي هذه الصور الثالث ذكرت الشاعرة المشبّه وحذفت المشبّه به مع الحفاظ‬
‫الكوخ الساكن‬
‫ِ‬ ‫على وجود قرينة دالّة‪ ،‬واالستعارة هنا هي استعارة مكنيّة‪ .‬في كل فؤا ٍد غليانُ في‬
‫أحزان صوّ رت الشاعرة القلب ودماءه بالماء الذي يغلي‪ ،‬وذلك كناية عن مدى الحزن والقهر الذي‬
‫يتأجّ ج بالقلب فيجعله يغلي ويفور من ش ّدة الغضب‪ ،‬كما صوّ رت الكوخ المسكون بالناس بالقلب‬
‫المسكون بمختلف المشاعر واألحاسيس‪ ،‬ولك ّنها اقتصرت في هذه المشاعر على وجود األحزان فقط‬
‫دون غيرها‪ ،‬والتشبيه في هذا البيت هو استعارة مكنية‪ ،‬إذ صُرح بالمشبه وحُذف المشبه به‪ .‬في كل‬
‫الموت إ ّنا ُتحاول أن‬
‫ْ‬ ‫صوت هذا ما قد َم ّز َق ُه‬
‫ْ‬ ‫مكان يبكي‬
‫ٍ‬ ‫مات في ك ِّل‬ ‫مكان رو ٌح تصر ُخ في ُ‬
‫الظلُ ْ‬ ‫ٍ‬
‫ُتحيط المكان في القصيدة بالصور الفنية‪ ،‬فهي تقول إنّ هناك في كل مكان روح تبكي‪ ،‬فشبّهت‬
‫الصوت والروح وهي تنازع الموت باإلنسان الذي يبكي رف ً‬
‫ضا لما يحدث حوله‪ ،‬واالستعارة هنا‬
‫هي استعارة مكنية‪ ،‬إذ صُرح بالمشبّه وهو الروح والصوت‪ W،‬وحُذف المشبه به وهو اإلنسان الذي‬
‫أصغ إلى وقع ُخطى الماشين شبهت الشاعرة في األبيات السابقة الخطوات العادية‬
‫ِ‬ ‫يبكي‪َ .‬طلع الفج ُر‬
‫لألشخاص الماشين‪ ،‬بالخطوات المشؤومة لألشخاص الذي يحملون على أكتافهم جثث الموتى‪،‬‬
‫وأخبار رحيلهم وفراقهم‪ ،‬فقالت كلمة وقع‪ ،‬ألنّ الخبر يقع على القلب بفارقهم كما يقع الشيء الثقيل‪،‬‬
‫واالستعارة هنا هي استعارة مكنية‪ ،‬إذ صُرّ ح بالمشبه وحُذف المشبه به‪ .‬استيق َظ دا ُء الكوليرا ح ْق ًدا‬
‫يتد ّف ُق ْ‬
‫موتورا شبّهت الشاعرة داء الكوليرا باإلنسان الغاضب‪ ،‬والذي يستيقظ من ش ّدة غضبه‪،‬‬
‫فيصحو وهو يتد ّفق بالحقد‪ ،‬والكوليرا‪ W‬هنا هي المشبه‪ ،‬والمُشبّه به هو اإلنسان‪ ،‬فاالستعارة هي‬
‫َ‬
‫صوت الباكينا تستمرّ الشاعر بتشبيه داء الكوليرا‬ ‫استعارة مكنيّة‪ .‬يصر ُخ مضطربًا مجنونا ال يس َم ُع‬
‫باإلنسان المُضطرب‪ W‬والشرس‪ ،‬الذي يصرخ من ش ّدة جنونه‪ ،‬هذا اإلنسان المشبّه به هو في حقيقته‬

‫محمد عطية‪ ،‬خصائص التراكيب في قصيدة الكوليرا لنازك المالئكة دراسة نحوية داللية‪ ،‬صفحة ‪ .564‬بتصرف‬ ‫‪24‬‬
‫إضافة إلى جنونه فهو يمتلئ بالقسوة‪ ،‬إذ يسمع صوت الباكين وال يحرّ ك ساك ًنا‪ ،‬وهنا كان المشبّه‬
‫داء الكوليرا‪ ،‬والمُشبّه به اإلنسان المضطرب‪ W،‬فاالستعارة هي استعارة مكنيّة‪ ،‬فالقرينة الدالة هي‬
‫ْ‬
‫البيت ‪25‬شبّهت الشاعرة‬ ‫مكان خلَّ َ‬
‫ف مخل ُب ُه أصداءْ في كوخ الفالّحة في‬ ‫ٍ‬ ‫كلمة يصرخ ويسمع‪ .‬في ك ِّل‬
‫الكوليرا بالحيوان المفترس‪ ،‬وذلك في الصورة‪ W‬عندما قالت خلف مخلبه أصداء‪ ،‬إذ شبّهته بالحيوان‬
‫الذي يسرق فريسته بمخالبه وحقده‪ ،‬فحُذف المشبه به‪ ،‬وصُرح بالمشبه‪ ،‬واالستعارة هنا هي استعارة‬
‫ْ‬
‫الموت في نهاية األبيات صرّ حت الشاعرة‬ ‫أحزان‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫أبقيت ال شي َء سوى‬ ‫مكنية‪ .‬يا ش َب َح الهيْضة ما‬
‫بال ّتشبيه المقصود لداء الكوليرا‪ ،‬وهو الشبح‪ ،‬إذ صُرِّ ح بالمشبّه به وهو الشبح‪ ،‬وحُذف المشبّه وهو‬
‫الكوليرا‪ ،‬واالستعارة هنا هي استعارة تصريحية‪ ،‬والعالقة بين الشبح الشرس والكوليرا‪ W‬أنّ كليهما ال‬
‫ْ‬
‫الموت يا مص ُر‬ ‫ُ‬
‫الموت‬ ‫ُ‬
‫الموت‬ ‫يُبقيا الحياة على ما هي عليها‪ ،‬وإ ّنما يُسبّبان الحزن وال ّدمار والموت‪.‬‬
‫الموت في آخر األسطر تستخدم الشاعرة أداة النداء للعاقل‪ ،‬ف ُتنادي مصر‬
‫ْ‬ ‫شعوري َّ‬
‫مز َق ُه ما فع َل‬
‫ُقطع إربًا إربًا‪ ،‬والسبب في ذلك هو‬‫ُمزق وي ّ‬
‫وتشكو من شعورها‪ ،‬فشبّهت شعورها بالشيء الذي ي ّ‬
‫شبّه بالموت باألداة الحا ّدة التي ُت ّ‬
‫مزق ك ّل ما هو أمامها بك ّل شراسة‪ ،‬واالستعارة هنا هي‬ ‫الموت إذ ُ‬
‫استعارة مكنية‪ ،‬إل ّنه ُذكر المشبه وهو الشعور الممزق‪ ،‬وحُذف المشبه به‪ ،‬وهو الشيء الممزق‬
‫بشراسة‪ ،‬وذلك في حقيقته تعبير صادق عن الموت وعن مدى خطورة الكوليرا‪W.‬‬

‫الخاتمة‬

‫بعد الخوض في هذا البحث الذي تمحور تحليل قصيدة الكوليرا لنازك المالئكة نخرج بجملة من‬
‫النتائج تمثلت في‪:‬‬
‫حركة الشعر تعتبر حركة متميزة وقائمة بذاتها‪ ،‬حيث أنها في ظرف وجيز من ظهورها‬ ‫‪-‬‬
‫استطاعت أن تضع لنفسها اسما يليق بها‬

‫نازك المالئكة أو الشاعرة التي كسرت عمود الفحولة"‪ ،‬القدس العربي‪ .‬بتصرف‬ ‫‪25‬‬
‫أهمية اإليقاع في بناء القصيدة الحرة وكيفية تنويعه‪ ،‬فكانت قيمة اإليقاع أول المباحث التي‬ ‫‪-‬‬
‫أخذت بعين االعتبار‬
‫لقد اقترنت حملة التجديد في الشعر الحر بالشاعرة العراقية "نازك المالئكة" بالدرجة األولي‬ ‫‪-‬‬
‫التي وجدت في الشعر القديم عائقا يحول بينها وبين اإلبداع‬
‫وبعد تقصينا لما أوردته نازك المالئكة في هذه القضية ال يسعنا القول إال أنها أبدعت في الشعر‬
‫المعاصر‪ ،‬وعليه واجبنا أن نشجع كل مبادرة يقوم بها هؤالء الباحثون أمثال "نازك المالئكة"‬
‫اللذين يسهمون في الكشف عن آفاق جديدة‪.‬‬

‫قائمة المراجع‬
‫"الشعر الحر"‪ ،‬األلوكة‬ ‫‪‬‬
‫نازك المالئكة‪ ،‬ديوان نازك المالئكة‬ ‫‪‬‬
‫تعريف و معنى سكن في معجم المعاني الجامع"‪ ،‬المعاني‬ ‫‪‬‬
‫محمد عطية‪ ،‬خصائص التراكيب في قصيدة الكوليرا لنازك المالئكة دراسة نحوية داللية‬ ‫‪‬‬
‫نازك المالئكة أو الشاعرة التي كسرت عمود الفحولة"‪ ،‬القدس العربي‪.‬‬ ‫‪‬‬

You might also like