Professional Documents
Culture Documents
كوليرا
كوليرا
الكوليرا لنازك المالئكة
المقدمة
الخاتمة
قائمة المراجع
المقدمة
يعد الشعر الحر انعطافا شعرية مهمة لم يعرف الشعر العربي مثيل لها في مسيرته من قبل ،ذلك أنه
لم يتغير على مستوى الشكل فحسب بل على مستوى المضمون أيضا .فرواد الشعر الحر أعادوا
النظر في المقاييس التي كانت سائدة من قبل من لغة شعرية وموسيقى وقافية ومعنى شعري
وغيرها ،فلم يتخلصوا من كل المقاييس ،إذ عدلوا في بعضها وأضافوا مقاييس جديدة أيضا فاهتموا
باإليقاع من حيث أنه ضرورة للشعر متصل باللغة .فإن صلة الشعر بالموسيقى صلة مصيرية
وغير قابلة للفصل مطلقا ،حيث يمكن تلخيص مزايا الشكل اإليقاعي الجديد" إيقاع القصيدة الحرة"
في أربعة عناصر:
- 1التخلص من النظام الهندسي الصارم ،ومن اإليقاعات الموسيقية الحادة.
- 2إعطاء الشاعر قدرا كبيرا من الحرية ،فقد انفتح أمامه المجال للتنويع النغمي ،وذلك بعد أن
أصبحت التفعيلة أكثر حرية
- 3انسياب التركيب الموسيقي وفر للشاعر إمكانية أكبر االستيعاب مضمونه الحديث في سهولة لم
تكن في متناول شعراء القصيدة التقليدية.
– 4تحرر الشاعر من القافية زاد من توسيع المجال النغمي أمامه فصار بإمكان الشاعر أن يكيف
إيقاعاته بالصورة التي يريدها .فاإليقاع جوهر الشكل وليس قالبا خارجيا ،فهو يصهر عناصره
لتشكل القصيدة وتنمو محققة كيانها واستقالليتها ،ذلك ألن الشعر ليس مجرد صور وعواطف
وأفكار ،بل إن الصور والعواطف ال تصبح شعرية بالمعنى الحق إال إذا لمستها أصابع الموسيقى
ونبض في عروضها اإليقاع .فالموسيقى الجديدة في الشعر الحر تعبر عن عالقة جديدة بالعالم ،لهذا
تذهب "تذهب نازك المالئكة" إلى أن األوزان الحرة تتيح للشاعر أن يعبر عن تجربته في واقعه
الجديد خارج القيود القديمة التي تكبل طاقته الفكرية والشعورية.
المبحث األول تحليل قصيدة الكوليرا لنازك المالئكة
1
المطلب األول :تعريف الشاعرة:
2
المطلب الثاني :قصيدة الكوليرا لــــ ( نازك المالئكة )
سكن الليل
ْ
األموات في عمق ّ
الظلمة ،تحت الصمت ،على
ٌ
صرخات تعلو ،تضطربُ
ْ
اآلهات ّ
يتثر فيه صدى
1
نازك_المالئكةar.wikipedia.org/wiki/
" 2الشعر الحر" ،األلوكةّ ،
اطلع عليه بتاريخ .03-02-2023بتصرّ ف.
الظ ْ
لمات في كل مكان رو ٌح تصر ُخ في ّ
ْ
صوت في كل مكان يبكي
ْ
الموت هذا ما قد ّ
مزق ُه
ْ
الموت ُ
الموت ُ
الموت
ْ
الموت يل الصّارخ ممّا فعل يا ْ
حُز َن ال ّن ِ
الطفل المسكينْ
ِ اسمع صوت
ْ
العدد موتى ،موتى ،ضاع
مكان جس ٌد ين ُد ُب ُه محزونْ
ٍ في ك ِّل
ْ
صمت ال لحظ َة إخالدٍ ،ال
ْ
الموت هذا ما فعلت كفُّ
ْ
الموت. تشكو البشر ّي ُة ،تشكو ما يرتكب
الكوليرا
ُ
الموت دواءْ ُ
حيث في ص ْمت األب ِد القاسي
َ
استيقظ دا ُء الكوليراW
ح ْق ًدا يتد ّف ُق ْ
موتورا
َ
صوت الباكينا ال يس َم ُع
مكان خلَّ َ
ف مخل ُب ُه أصداءْ ٍ في ك ِّل
ْ
البيت في كوخ الفالّحة في
ْ
الموت صرخات
ال شي َء سوى َ
ْ
الموت ُ
الموت ُ
الموت
ْ
الموت في شخص الكوليرا القاسي ينتق ُم
ُ
الصمت مريرْ
مات ّ
مؤذ ُن ُه الجام ُع َ
لم َ
يبق سوى ْنو ٍح وزفيرْ
ب
الطف ُل بال أ ٍّم وأ ِ
ب
ملته ِ
ب ِ يبكي من قل ٍ
ْ
أبقيت يا ش َب َح الهيْضة ما
ْ
الموت أحزان
ِ ال شي َء سوى
ْ
الموت ُ
الموت، ُ
الموت،
ْ
الموتW. يا مص ُر شعوري َّ
مز َق ُه ما فع َل
كانت نازك المالئكة المولودة ببغداد في 23آب-أغسطس عام 1923قد أصدرت ديوانها
األول (عاشقة الليل) عام ،1947وبعد أشهر قليلة من صدوره أصيبت مصر بوباء الهيضة
(الكوليرا) Wوبلغ سمع نازك بطريق الراديو -وسيلة التواصل Wالوحيدة حينها – ما أوقع المرض من
ضحايا تزداد أعدادهم كل يوم ،فكتبت قصيدة بشعر الشطرين الموزون المقفى لكنها لم تقتنع بها،
ألنها كما تقول في شهادتها القصيرة ( لمحات من سيرة حياتي وشعري) " :لم تعبر عما في نفسي..
فاعتبرتها من شعري الخائب" ،وظلت الشاعرة تستمع ألخبار المرض ،واستثارها ما تردد من أن
الموتى فاقوا األلف ،فكتبت نصا ثانيا بالطريقة التقليدية ذاتها ولم تقتنع به أيضا ،وأحست كما تقول
– إنها بحاجة "ألسلوب آخر" تعبر به عن إحساسها.
تستفيق نازك من النوم متكاسلة صباح الجمعة 27-10-1947-كما تروي الحقا في
شهادتها -لتجد نفسها تحتدم باألسى واالنفعال ،وبرنين قصيدة جديدة تضج داخلها عن الموت
بالكوليرا ،وهي تستمع للمذيع يعلن أن عدد موتى المرض بمصر قد بلغ ألفا ،وأن جثثهم تتكدس في
عربات تجرها الخيول باتجاه الريف المصري للتخلص منها ودرء العدوى كما يبدو ،فراحت تكتب
قصيدتها على بحر المتدارك وتفعيلته السريعة الخببية ( فعلن فعلن) المصورة لتتابع أرجل الخيل
بسبب تقارب سكناتها ،وكأنها تتحسس وقع أقدام الخيل ،والتي تنوه نازك في إحدى دراساتها
العروضية Wبعالقة خبب الخيل ببحر الخبب ألنه يسمى أيضا ( ركض الخيل):
سكن الليل
ّ
وظفت الشاعرة نازك المالئكة مرض الكوليرا في قصيدتها موضوع ًّيا ،وفي تحليل النصّ تحلياًل
أسلوبيًا؛ يُالحظ أنّ الشاعرة قد اعتمدت على وقائع اجتماعيّة ظاهرة ،واألسلوب األدبي في النصّ
يقوم على مبدأ التضمين ،أي وجود انعكاس للمفردات ،وللصور الفنيّة الواردة في األبيات ،.حيث
صوّ رت الشاعرة في األسطر الشعريّة مشاعرها نحو مصر حين داهمها وباء الكوليرا ،وحاولت
التعبير عن وقع أرجل الخيل التي تجرّ عربات الموتى من ضحايا المرض في الريف المصري،
َ
،تحت صدَى األ َّن ْ
ات في ُع ْمق الظلم ِة أصغ إلى َو ْقع َ
ِ وتبدأ القصيدة بقول الشاعرة 3:س َكن اللي ُل
ْ
اآلهات في كل صدى يتدفق يلتهبُ َّ
يتعثر فيه َ ُ ات تعلو تضطربُ حزنٌ رخ ٌ
ص َ ْ
األموات َ ت على
الصم ِ
مكان يبكي
ٍ مات في ك ِّل مكان رو ٌح تصر ُخ في ُ
الظلُ ْ ٍ الساكن أحزانُ في كل
ِ الكوخ فؤا ٍد غليانُ في
ِ
الموتٌ 4تعبّر الشاعرة في األسطر الشعريّة السابقة عن
ْ ُ
الموت ُ
الموت ْ
الموت صوت هذا ما قد َم ّز َق ُه
ْ
الحزن واأللم الذي يمأل البيوت بسبب الموت الذي يُحدِثه مرض الكوليرا ،فالموت يع ّم المكان
بصورة واضحة ،ولذلك فإنّ كلمة الموت جاءت مُكرّ رة في المقطع الشعري؛ ل ُتعبّر عن سيطرة
الموت أمام الحياة ،فمرض الكوليرا يصنع الموت ،واأللم ،واألنين ،والصرخات التي تجعل األمر
الف ًتا للنظر ،إضافة إلى أ ّنها ذكرت في القصيدة سكون الليل ،وعدم حركته ذلك رغم امتالئه
باأل ّن ات ،والصرخات على رحيل األموات وفراق األحباب ،ولكن السكون حاضر بسبب غيابهم،
ات شبّهت الليل باإلنسان الذي يهدأ ويسكن ،كما شبّهت أصوات أصغ إلى َو ْقع َ
صدَى األ َّن ْ ِ س َكن اللي ُل
األ ّن ات واألوجاع بالوقع إثر ضرب الشيء الثقيل وهي ذات الصوت العالي الذي يُسمع ويُصغى
ُ
يتدفق يلتهبُ إليه ،واالستعارة هنا هي استعارة مكنيّة ،إذ صُرّ ح بالمشبه ،وحُذف المشبه به 24.حزنٌ
اآلهات ال تتخلى عن وصف الحزن ،وجعله صورة فنية في أبياتها ،فهي تصوّ ر ْ صدى َّ
يتعثر فيه َ
الحزن بتدفق الماء ،وأحيا ًنا تتنقل ف ُتشبهه بالشيء الذي يلتهب من شدة الحروق والندبات ،ثم ُتشبه
ّ
تخطيه ،فما أن يتعثر به الفرد الحزن بالشيء الكبير الذي يقف في المنتصف ويمنع أي شيء من
حتى يواجه اآلهات ،وفي هذه الصور الثالث ذكرت الشاعرة المشبّه وحذفت المشبّه به مع الحفاظ
الكوخ الساكن
ِ على وجود قرينة دالّة ،واالستعارة هنا هي استعارة مكنيّة .في كل فؤا ٍد غليانُ في
أحزان صوّ رت الشاعرة القلب ودماءه بالماء الذي يغلي ،وذلك كناية عن مدى الحزن والقهر الذي
يتأجّ ج بالقلب فيجعله يغلي ويفور من ش ّدة الغضب ،كما صوّ رت الكوخ المسكون بالناس بالقلب
المسكون بمختلف المشاعر واألحاسيس ،ولك ّنها اقتصرت في هذه المشاعر على وجود األحزان فقط
دون غيرها ،والتشبيه في هذا البيت هو استعارة مكنية ،إذ صُرح بالمشبه وحُذف المشبه به .في كل
الموت إ ّنا ُتحاول أن
ْ صوت هذا ما قد َم ّز َق ُه
ْ مكان يبكي
ٍ مات في ك ِّل مكان رو ٌح تصر ُخ في ُ
الظلُ ْ ٍ
ُتحيط المكان في القصيدة بالصور الفنية ،فهي تقول إنّ هناك في كل مكان روح تبكي ،فشبّهت
الصوت والروح وهي تنازع الموت باإلنسان الذي يبكي رف ً
ضا لما يحدث حوله ،واالستعارة هنا
هي استعارة مكنية ،إذ صُرح بالمشبّه وهو الروح والصوت W،وحُذف المشبه به وهو اإلنسان الذي
أصغ إلى وقع ُخطى الماشين شبهت الشاعرة في األبيات السابقة الخطوات العادية
ِ يبكيَ .طلع الفج ُر
لألشخاص الماشين ،بالخطوات المشؤومة لألشخاص الذي يحملون على أكتافهم جثث الموتى،
وأخبار رحيلهم وفراقهم ،فقالت كلمة وقع ،ألنّ الخبر يقع على القلب بفارقهم كما يقع الشيء الثقيل،
واالستعارة هنا هي استعارة مكنية ،إذ صُرّ ح بالمشبه وحُذف المشبه به .استيق َظ دا ُء الكوليرا ح ْق ًدا
يتد ّف ُق ْ
موتورا شبّهت الشاعرة داء الكوليرا باإلنسان الغاضب ،والذي يستيقظ من ش ّدة غضبه،
فيصحو وهو يتد ّفق بالحقد ،والكوليرا Wهنا هي المشبه ،والمُشبّه به هو اإلنسان ،فاالستعارة هي
َ
صوت الباكينا تستمرّ الشاعر بتشبيه داء الكوليرا استعارة مكنيّة .يصر ُخ مضطربًا مجنونا ال يس َم ُع
باإلنسان المُضطرب Wوالشرس ،الذي يصرخ من ش ّدة جنونه ،هذا اإلنسان المشبّه به هو في حقيقته
محمد عطية ،خصائص التراكيب في قصيدة الكوليرا لنازك المالئكة دراسة نحوية داللية ،صفحة .564بتصرف 24
إضافة إلى جنونه فهو يمتلئ بالقسوة ،إذ يسمع صوت الباكين وال يحرّ ك ساك ًنا ،وهنا كان المشبّه
داء الكوليرا ،والمُشبّه به اإلنسان المضطرب W،فاالستعارة هي استعارة مكنيّة ،فالقرينة الدالة هي
ْ
البيت 25شبّهت الشاعرة مكان خلَّ َ
ف مخل ُب ُه أصداءْ في كوخ الفالّحة في ٍ كلمة يصرخ ويسمع .في ك ِّل
الكوليرا بالحيوان المفترس ،وذلك في الصورة Wعندما قالت خلف مخلبه أصداء ،إذ شبّهته بالحيوان
الذي يسرق فريسته بمخالبه وحقده ،فحُذف المشبه به ،وصُرح بالمشبه ،واالستعارة هنا هي استعارة
ْ
الموت في نهاية األبيات صرّ حت الشاعرة أحزان
ِ ْ
أبقيت ال شي َء سوى مكنية .يا ش َب َح الهيْضة ما
بال ّتشبيه المقصود لداء الكوليرا ،وهو الشبح ،إذ صُرِّ ح بالمشبّه به وهو الشبح ،وحُذف المشبّه وهو
الكوليرا ،واالستعارة هنا هي استعارة تصريحية ،والعالقة بين الشبح الشرس والكوليرا Wأنّ كليهما ال
ْ
الموت يا مص ُر ُ
الموت ُ
الموت يُبقيا الحياة على ما هي عليها ،وإ ّنما يُسبّبان الحزن وال ّدمار والموت.
الموت في آخر األسطر تستخدم الشاعرة أداة النداء للعاقل ،ف ُتنادي مصر
ْ شعوري َّ
مز َق ُه ما فع َل
ُقطع إربًا إربًا ،والسبب في ذلك هوُمزق وي ّ
وتشكو من شعورها ،فشبّهت شعورها بالشيء الذي ي ّ
شبّه بالموت باألداة الحا ّدة التي ُت ّ
مزق ك ّل ما هو أمامها بك ّل شراسة ،واالستعارة هنا هي الموت إذ ُ
استعارة مكنية ،إل ّنه ُذكر المشبه وهو الشعور الممزق ،وحُذف المشبه به ،وهو الشيء الممزق
بشراسة ،وذلك في حقيقته تعبير صادق عن الموت وعن مدى خطورة الكوليراW.
الخاتمة
بعد الخوض في هذا البحث الذي تمحور تحليل قصيدة الكوليرا لنازك المالئكة نخرج بجملة من
النتائج تمثلت في:
حركة الشعر تعتبر حركة متميزة وقائمة بذاتها ،حيث أنها في ظرف وجيز من ظهورها -
استطاعت أن تضع لنفسها اسما يليق بها
نازك المالئكة أو الشاعرة التي كسرت عمود الفحولة" ،القدس العربي .بتصرف 25
أهمية اإليقاع في بناء القصيدة الحرة وكيفية تنويعه ،فكانت قيمة اإليقاع أول المباحث التي -
أخذت بعين االعتبار
لقد اقترنت حملة التجديد في الشعر الحر بالشاعرة العراقية "نازك المالئكة" بالدرجة األولي -
التي وجدت في الشعر القديم عائقا يحول بينها وبين اإلبداع
وبعد تقصينا لما أوردته نازك المالئكة في هذه القضية ال يسعنا القول إال أنها أبدعت في الشعر
المعاصر ،وعليه واجبنا أن نشجع كل مبادرة يقوم بها هؤالء الباحثون أمثال "نازك المالئكة"
اللذين يسهمون في الكشف عن آفاق جديدة.
قائمة المراجع
"الشعر الحر" ،األلوكة
نازك المالئكة ،ديوان نازك المالئكة
تعريف و معنى سكن في معجم المعاني الجامع" ،المعاني
محمد عطية ،خصائص التراكيب في قصيدة الكوليرا لنازك المالئكة دراسة نحوية داللية
نازك المالئكة أو الشاعرة التي كسرت عمود الفحولة" ،القدس العربي.