Professional Documents
Culture Documents
مطبوعة المالية العامة
مطبوعة المالية العامة
املاليــــة العامــــة
منشور يف إلرضية إلرمقية جلامعة محمد بوضياف – إملس يةل [موودل ]MOODLE
https://elearning.univ-msila.dz/moodle/course/view.php?id=6003
:
-1-
...................................................................... ...................................................................................................
.5أسباب تزايد النفقات العامة (مرفق بجدولين يوضّحان تزايد النفقات العمومية)
.6أسباب انخفاض النفقات العمومية
.7اآلثار االقتصادية للنفقات العامة
-2-
...................................................................... ...................................................................................................
مدخل عام
لدراسة علم المالية العامة
-3-
...................................................................... ...................................................................................................
-4-
...................................................................... ...................................................................................................
العامة ،حيث ينصبّ تركيزنا عليها وفق مقاربات التحليل القائمة على األساس القانوني،
االقتصادي ،المالي ،السياسي واالجتماعي.
-النفقات العامة .Dépenses publiques
-اإليرادات العامة .Recettes publiques
-الميزانية العامة .Budget publique
وتتركّز دراسة علم المالية العامة ضمن تخصّصنا على أكثر من مقاربة لتحليل،
فال يقتصر البحث على الجانب القانوني فحسب ،بل يشمل الميدان االقتصادي أيضا ،من
أجل أن نضفي الطابع االقتصادي والمالي واالجتماعي إلى جانب المقاربة القانونية في
هذا اإلطار.
-5-
...................................................................... ...................................................................................................
ألول:
المحور ا ّ
علم المالية العامة :قضايا المنهجية والتعاريف
-6-
...................................................................... ...................................................................................................
:
.
في المعنى الشائع للمالية العامة يقصد بها مالية األشخاص المعنوية الخاضعين
للقانون العام الداخلي في الدولة ،والتي تشمل أساسا الدولة في المقام األول ،الجماعات
اإلقليمية ،المؤسسات العامة أو المرافق العامة ومنظمات أخرى للقانون العام ،وهذا
المعنى هو أكثر انتشار في األوساط الجامعية والبرامج األكاديمية(.)1
عندما نقوم بتفكيك مصطلح ̎ المالية العامة ̎ ،نجده يتشكّل من شقّين ،األوّل :المالية
،Financeوالثاني :العامة ،Publiqueحيث تطلق كلمة المال على ك ّل ما ينتفع به
وليس فقط للداللة على النقود في شكلها المعدني والورقي ،وهو كل ما يقيّم بثمن أيّا كان
نوعه ،وهو في المفهوم اإلسالمي يدلّ على معنى «الملك» ،ويقابله في اللّغة الفرنسية
بكلمة « »Les biensالتي تترجم إلى الخيرات أو الطيّبات ،وفي الالتينية تعني كلمة
المالية « »Financeالدفع ،وعليه تعرّف المالية على أنّها :عالقات نقدية بين الناس
والمؤسسات تتخذ شكل دخول إيرادات ونفقات ،وعلم المالية يتناول تكوين واستخدام
الموارد المالية في االقتصاد الوطني والدولي حول حركة الموارد والحاجات العامة
وتحقيق التوازن بينهما(.)2
-7-
...................................................................... ...................................................................................................
الذمّة المالية بما فيها من جانبين؛ ايجابي وسلبي (جانب وتعني الكلمة
دائن وآخر مدين).
-الجانب االيجابي (الدائن)؛ يتمثّل في ايرادات الدولة recettes publiqueبما لها
. من
-الجانب السلبي (المدين)؛ ويتمثّل في النفقات العامة dépenses publiqueالتي
يتوجب على الدولة (االدارة العامة) صرفها(.)1
ص
ووصف المالية بأنها عامة publiqueوليست خاصة ،privéيعني أنّها تخ ّ
مالية اإلدارات والهيئات والسلطات العمومية ،والتي تشمل األشخاص المعنوية العامة
القائمة والموجودة بالدولة( ،)2ولهذا فإ ّ
ن مصطلح المالية العامة أوسع من مصطلح مالية
الدولة ،وذلك لكون أنّها تشمل مالية أشخاص القانون العام ،والمتمثّلة في الهيئات العامة
المحلية ومجالس المحافظات أو الواليات ،والبلديات( ،)3ومالية السلطات والهيئات العامة
ن تركيزنا سيكون منصبّا على مالية الدولة؛ النفقات
على المستوى المركزي ،رغم أ ّ
العمومية وااليرادات العمومية والميزانية العمومية.
يقع على عاتق الدولة إشباع الحاجات الجماعية ،كالحاجة على األمن الداخلي
والخارجي والتعليم وتسيير سبل االتصاالت ...ولكي تتمكّن من أداء هذه الواجبات
عليها إنفاق مبالغ نقدية للحصول األسلحة واألبنية واألثاث ...وعلى خدمات موظّفيها،
وهو ما يعرف باسم «النفقات العامة» .لكن للقيام بذلك على السلطة توفير مبالغ مالية
لتوفير هذه الخدمات ،حيث تتحصّل عليها من عدّة أبواب ،كإيرادات أمالكها ،الضرائب
المفروضة على األفراد ،والرسوم التي تحصّلها لقاء بعض الخدمات التي تؤدّيها ،فضال
عن القروض التي تعقدها ،وهذا ما يسمى ب «اإليرادات العامة» ،كلّ ذلك يسير وفق
-8-
...................................................................... ...................................................................................................
برنامج محدّد وقواعد مرسومة لمدّة مقبلة غالبا ما تكون سنة ،تحدّد في وثيقة يطلق
عليها ب «الميزانية العامة»(.)1
إنّ تطوّر الفكر المالي واالقتصادي ترتّب عنه بروز العديد من التعاريف لعلم
المالية العامة ،تركّزت أهمها فيما يلي:
:علم المالية العامة هي علم الوسائل التي تستطيع الدولة بواسطتها -
الحصول على الموارد الالّزمة لتغطية نفقاتها العامة عن طريق توزيع األعباء المترتبة
عن ذلك بين المواطنين(.)2
ن علم المالية العامة هو العلم الذي يبحث في نشاط الدولة عندما
:إّ -
تستخدم الوسائل المالية من نفقات ،رسوم ،ضرائب وقروض ووسائل نقدية وموازنة
...لتحقيق أهداف السياسة االقتصادية واالجتماعية والثقافية وغيرها(.)3
:
-التعريفين السابقين مرتبطان بتطور وظيفة الدولة ،من الدولة الحارسة (التعريف
األوّل) إلى دولة الرفاهية (التعريف الثاني).
-التعريف الكالسيكي (التعريف األول) يحصر دور الدولة في جمع الموارد التي تمكنها
من أداء وظائفها االدارية االساسية المتمثلة في األمن والدفاع ،العدالة وسير األمور
االدارية ،دون االهتمام بتنظيم النشاط االقتصادي لتحقيق المنفعة العامة ،ألنّ الموازنة
بين المصالح العامة و المصالح الخاصة للرأسمالية حسب المفهوم الكالسيكي يتحقّق
بواسطة ̋ يد خفية ̏ أو ̋ سحرية ̏ على ح ّد تعبير (آدم سميث) وأتباعه(.)4
- 1المرجع نفسه.
- 2عبد اهلل خبابة ،المرجع السابق ،ص.01
- 3المرجع نفسه.
- 4المرجع نفسه ،ص.2
-9-
...................................................................... ...................................................................................................
-أما التعريف الثاني جاء نتيج ًة لألفكار التي نادت بها المدرسة الكنزية نسبة لمؤسّسها
(جون مينارد كينز) ،من أجل تصحيح مسار الرأسمالية وذلك بتدخل الدولة في تنظيم
النشاط االقتصادي من خالل جملة من األدوات ،أهّمها :زيادة االنفاق(.)1
.
لم تكن مالية الدولة بالمعنى الحالي معروفة في العصور القديمة والقرون الوسطى،
إذ لم تكن منفصلة عن مالية الملك أو األمير ،حيث كانت تختلط بما ينفقه الملك أو
األمير على أسرته أو حاشيته ،غير أن انفصالها عن ذلك كان بسبب ظهور وتزايد
الوعي القومي وتقدم الشعوب وازدياد حاجاتهم الجماعية ،فعندما كان األمير أو الملك
بحاجة إلى فرض الضرائب بدأت الشعوب تطالب بوضع قواعد لمالية الدولة وبضرورة
ن النفقات
موافقة ممثلي الشعب على تقرير الضرائب وعلى كيفية إنفاق حصيلتها ،كما أ ّ
العامة بمفهومها المعاصر لم تكن موجودة في السابق ،حيث أن الدولة كانت تستولي
على ما تحتاجه من أموال األفراد جبريا دون مقابل ،كما كانت تستخدم بعض األفراد
في أداء المهام العامة سخرة دون مقابل ،والقضاة كانوا يتقاضون دخولهم من أصحاب
القضايا نظير الفصل في خصوماتهم كأتعاب لهم ،وبذلك لم تكن الدولة تخرج نقودا من
ذمّتها المالية كما هو الحال اآلن(.)2
ن
وإذا تطرقنا إلى تطوّر المالية العامة عبر العصور نجد بعض المؤشرات التي تؤكّد أ ّ
الحضارات القديمة أوجدت طرقا عدة لمضامين تدخل الدولة بواسطة ماليتها ،على الرغم
من محدودية ذلك ،ففي عهد الفراعنة ،أي قبل 3600ق.م كان الملك (الفرعون)
شخصية ميتافيزيقية يستحوذ على الضمير الجماعي ،وقد كان يفرض الضرائب من أجل
تمويل الجيش( ،)3كما أن القرآن حدّثنا في قصة سيّدنا يوسف عليه السالم أنّه كان يسيّر
- 1المرجع نفسه.
- 2محمد حلمي مراد ،المرجع السابق ،ص.7
- 3عبد اهلل خبابة ،المرجع السابق ،ص.4
- 10 -
...................................................................... ...................................................................................................
مالية الدولة( ،)1حيث يمكن اعتباره بمثابة وزير أوّل يشرف على نفقات وإيرادات
المملكة ،ف شهدت الحضارة الفرعونية آنذاك ازدهارا وتقدما بارزا كما تؤكّده الكتابات
التاريخية في هذا المجال.
أمّا عند اإلغريقيين فقد كانت الضرائب في المدن اليونانية مصدرا أساسيا لتجهيز الجيش
وتوفير األمن والطمأنينة للمواطنين ،وقد تضمّنت كتابات أرسطو وأفالطون بعض
الجوانب من مالية الدولة(.)2
وفي العصور الوسطى يمكن أن نميّز بين ما كان سائدا عند األوروبيين من جهة وعند
المسلمين من جهة أخرى ،فأمّا ما كان سائدا لدى األوروبيين فإنّ اإلمبراطورية الرومانية
كانت قد سيطرت على أوروبا وكثير من المناطق المجاورة لها ،وقد اعتمدت في ذلك
على الضرائب وبعض المشروعات االستراتيجية كصناعة األسلحة .وما ميّز العصور
الوسطى في أوروبا هو أنّ الضريبة كانت تشكّل ركنا أساسيا في النظام السياسي
واالقطاعي.
أمّا عند المسلمين فقد تطوّرت دولتهم واتّسعت ،وساد فيها نظام مالي متميّز ،تكلّم عنه
العديد من مفكرّي اإلسالم ومنهم الفقيه (المواردي) في كتابه «األحكام السلطانية
والواليات الدينية» بشيء من التفصيل عن تطوّر الفكر المالي في العصور الوسطى
لدى المسلمين ،ال سيما في البابين الثاني عشر والثالث عشر من كتابه(.)3
في عهد عمر بن الخطاب (رضي اهلل عنه) الذي أسّس بيت امال (الديوان) من أجل
حفظ ما يتعلّق بحقوق السلطنة من األعمال واألموال ،هذا الديوان يشبه اليوم وزارة
»، «
- 1يقول اهلل تعالى على لسان سيدنا يوسف عليه السالم:
أنظر :القرآن العظيم ،سورة يوسف ،اآلية .55
- 2عبد اهلل خبابة ،المرجع السابق ،ص.4
،الكويت :مكتبة دار - 3أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي،
ابن قتيبة.1989 ،
- 11 -
...................................................................... ...................................................................................................
المالية ،وسبب تأسيسه أنّ أبا هريرة أتى بمبلغ من المال من البحرين (يقال 500.000
درهم) ،فأشار رجل من الرعية على عمر بتدوين الديوان ،وهذا إليجاد التوازن
االجتماعي بين الفقراء واألغنياء( .)1ما يميّز النظام المالي في الحضارة اإلسالمية أنه
يتميّز عن باقي النظم الوضعية بتعدّد األوعية المالية ،وهي غزيرة في مواردها متنوعة
ومستدامة ،وعلى رأسها؛ الزكاة التي تحكمها جملة من الضوابط واألحكام.
أمّا في العصر الحديث ،فإنّ معظم المراجع في علم المالية العامة تركّز على هذه المرحلة
باعتبارها مرحلة تأسيس لمالية الدولة سيما في القرن ،)2(19وقد شاع بعدها ما يسمى
علم المالية المعاصر.
لقد ساد العالم في العصر الحديث أثناءه نظامان اقتصاديان؛ النظام الرأسمالي والنظام
االشتراكي ،حيث تميّزت فيهما المالية العامة بصفة عامة ومالية الدولة بصفة خاصة
بعدّة مظاهر وخصائص ،يمكن حصرها فيما يلي:
،والتي شهدت مرحلتين أساسيتين تميّزتا بجدل جوهري فأما في
حول دور الدولة في االقتصاد؛
؛ -مرحلة
ترجع بوادر هذه المرحلة إلى المدرسة التجارية التي نادت بمبدأ الحرية االقتصادية
وعدم تدخل الدولة في النشاط االقتصادي ،وأن االقتصاد الوطني في ظل نظام السوق
لديه آلية ذاتية إلعادة توازنه ،هذه اآللية الذاتية لها قدرة التغلّب على المشاكل واألزمات
س االقتصاد.
التي يمكن أن تم ّ
من أشهر المفكرين الذين دعوا إلى عدم تدخّل الدولة في االقتصاد نذكر االسكتلندي
()3
األستاذ (آدم سميث )A. Smithصاحب كتاب (بحث في طبيعة وأسباب ثروة األمم
- 12 -
...................................................................... ...................................................................................................
)An Inquiry into the Nature and Causes of the Wealth of Nations
المعروف ب (ثروة األمم) عام ،1776حيث عالج فيه مسألة الضرائب ونادى بالنظام
الرأسمالي ،ورفض تدخل الحكومة في االقتصاد ،ودعى بوجوب تركه لقوى العرض
والطلب ،وقد تاله قانون (ساي )Sayلصاحبه (جون باتيست ساي Jean Baptiste
،)Sayهذا القانون المشهور والمعروف بقانون المنافذ والذي مفاده «العرض يخلق
الطلب»( ،)1وما على الدولة إالّ توفير الخدمات ذات الطابع االجتماعي (الدفاع الوطني،
العدالة والمرافق العامة األساسية األخرى في الدولة).
()2
على هذا األساس بنيت قواعد المالية العامة ،وقد كان توازن الميزانية غاية أساسية
(التوازن المالي الذي يعني التوازن بين النفقات العامة وااليرادات العامة).
-مرحلة
لقد ترتّب على اتباع العديد من الدول الغربية للفكر الرأسمالي الكالسيكي بشكل مفرط
نتائج وخيمة وأزمات اقتصادية واجتماعية ،كان أهمّها أزمة الكساد العالمي عام ،1929
كما ترتّب عنها تراجع أطروحات الكالسيكيين وتراجع قانون ساي ،وظهرت النظرية
الكنزية من قبل الوزير وعالم االقتصاد البريطاني (جون مينارد كينز John Maynard
)Keynesفي كتابه (النظرية العامة للتشغيل والفائدة والنقود)( ،)3حيث رفض (كينز)
ن مستوى التشغيل واإلنتاج يتوقّف على الطلب الكلّي
قانون ساي ،وخلصت نظريته إلى أ ّ
()4
مستخدمة عدّة أدوات ،أهمّها؛ النفقات، الفعّال ،وأنّ الطلب يتجدّد بتدخّل الدولة
اإلعانات ،اإليرادات ،الضرائب ،القروض واالدّخار.
- 13 -
...................................................................... ...................................................................................................
لقد أصبح دور المالية العامة محوريا يهدف إلى تنظيم شؤون الدولة والمجتمع في شتى
المجاالت ،حيث أصبحت أداة رئيسية للتأثير على مجمل النشاط االقتصادي واالجتماعي.
فإنّ نمط االقتصاد الوطني كان قائما على وأمّا في الدول التي أخذت
التخطيط والملكية العامة لوسائل اإلنتاج ،وهي أساس سير النظام االقتصادي ،والمالية
العامة في هذه الدول لها دور أكبر وأوسع ،ويرجع ذلك التّساع نطاق نشاط القطاع
العام ،واضطالع أجهزة الدولة بالجانب األكبر من األنشطة االقتصادية ،وهذا ما كان
سائدا في االتحاد السوفياتي سابقا.
أضف إلى ذلك ،فإنّ الميزانية العامة في الدول االشتراكية تتميّز بضخامة دورها في
التمويل ،باإلضافة إلى دور األجهزة الحكومية في الرقابة التي تمارس على مختلف
أوجه النشاط االقتصادي واالجتماعي ،ولهذا فإنّه يطلق على الميزانية العامة في االقتصاد
"(.)1 االشتراكي ب "
.
هناك عدّة أوجه للتمييز بين المالية العامة والمالية الخاصة ،وأهم هذه األوجه ،ما
يلي:
هدف المالية العامة هو تحقيق المصلحة العامة ،وبالتالي فنشاطها وعمليّاتها تقع
في دائرة المنفعة العامة ،أي إلشباع الحاجات الجماعية األساسية للمجتمع ،بينما المالية
ن الحافز لدى األفراد
الخاصة ينحصر هدفها في تحقيق الربح إلى أقصى ما يمكن ،أل ّ
والمؤسسات الخاصة هو تحقيق فائدة وربح مادي خاص(.)2
- 1المرجع نفسه.
، - 2محمد الصغير بعلي ويسري أبو العالء،
عنابة(الجزائر) :دار العلوم للنشر والتوزيع ،2003 ،ص.12
- 14 -
...................................................................... ...................................................................................................
تتمتّع الدولة بسلطة االلزام واالكراه بتحصيل الضرائب وغيرها ،حيث تعتمد على
وسائل القسر واالجبار في الحصول على أموالها.
بينما تفتقر المالية الخاصة إلى هذا العنصر ،إذ تحصّل إيراداتها عن طريق
االختيار والتعاقد وبيع منتجاتها ،إال في الحاالت التي يتمتّع نشاطها باالحتكار القانوني
فتفرض إيراداتها على االفراد المستهلكين(.)1
تتّسم المالية العامة بميزة المسؤولية والرقابة األوسع لكونها تتعلّق بأموال تخصّ
الصالح العام ،فااللتزام فيها دقيق والتصرّف بأموالها يكون أدقا ،حيث تحظى بحماية
قانونية شديدة ومتميّزة ،وفي حالة المخالفة عند التصرّف بالمال العام فإنّ الموظف
المخا لف يتعرّض لعقوبة جنائية وتأديبية .في حين نجد في المالية الخاصة ال تزيد
العقوبة عن اإلفالس (حالة التجّار).
وعلى صعيد الرقابة ،فإنّ األموال العامة تخضع لرقابة سابقة وآنية والحقة
وغيرها ،والتي تفرض من السلطة التنفيذية ،القضائية والتشريعية (كما سنرى ذلك في
الم حور الخامس) ،وتستند هذه الرقابة على عنصر السلطة عكس المالية الخاصة التي
تستند على عنصر التعاقد(.)2
بينما تتقيّد المالية الخاصة في إيراداتها المحدّدة من األرباح ،وترتبط عملية االنفاق
لدى األفراد في ضوء ما يحصلون عليه من إيراد ،ويتحدّد االنفاق وفق ما يبيعونه من
- 1المرجع نفسه.
- 2المرجع نفسه ،ص .13
- 15 -
...................................................................... ...................................................................................................
منتجاتهم وال يستطيعون تجاوز إيراداتهم .أمّا في المالية العامة فتحدّد أوجه االنفاق
المختلفة ثم يتمّ تقدير اإليرادات الالزمة لتغطية ذلك االنفاق(.)1
بين الماليتين ال يعني االنفصال التّام بينهما ،فكالهما يشكّالن إنّ هذه
جزءا هامّا من االقتصاد الوطني ،حيث تتميّز العالقة بينهما بالتأثّر والتأثير المتبادل.
التي نتوصّل إليها هي التعريف اإلجرائي لعلم المالية العامة: و
«
.)2(».
.
يرتبط علم المالية العامة بعالقات أساسية وهامة ومؤثّرة بالعديد من العلوم
والتخصّصات األخرى ،مثل علم االقتصاد ،العلوم السياسية ،القانون ،علم االجتماع
والعلوم التطبيقية األخرى كاإلحصاء ،يمكن تحديد طبيعة هذه العالقات فيما يلي:
توصف عالقة علم المالية العامة بعلم االقتصاد بأنّها عالقة قديمة ووثيقة ،وهي
عالقة الجزء بالكل ،أي أنّ المالية العامة جزء من علم االقتصاد ،وكلّ ميدان يؤثّر في
الميدان اآلخر( ،)3كما أنّ القواعد العلمية المتعلّقة بالمالية العامة تتناول النظام الخاص
بالعالقات المالية للدولة التي تنعكس بشكل فعلي في عالقات اقتصادية عينية( .)4فالظاهرة
المالية هي في حقيقتها ظاهرة اقتصادية ،ففي األزمات االقتصادية (كأزمة الكساد
- 16 -
...................................................................... ...................................................................................................
االقتصادي لعام 1929م) تدخّلت المالية العامة عن طريق النفقات وااليرادات العمومية
للتخفيف منها وحلّها ،ولهذا فإنّ استخدام أدوات المالية العامة (من نفقات وإيرادات)
يؤثّر في االقتصاد .كما تشكّل السياسة المالية والسياسة االقتصادية وحدة واحدة ،تساهم
كلّ واحدة منها في إطار متكامل من أجل احداث االستقرار االقتصادي وتوازن االقتصاد
الوطني(.)1
واآلن هناك الكثير من الدراسات في حقل علم االقتصاد تبحث أساسا في الجوانب
واآلثار االقتصادية للمالية العامة( ،)2م ّم يبرز العالقة الوطيدة بين الحقلين.
تتجسّد طبيعة العالقة بين علم المالية العامة وعلم القانون في كون أنّ القانون هو
األداة التنظيمية التي يلجأ إليها المشرّع لوضع القواعد العامة الملزمة في مختلف
المجاالت ،ومنها المجال المالي ،فجميع عناصر وأدوات المالية العامة من نفقات
وإيرادات وميزانية تأخذ شكل قواعد قانونية ،تظهر في الدستور ،القانون ،النظام
والتعليمات ...ولهذا يتطلّب اإلحاطة بالفهم الدقيق لطبيعة هذه القواعد ،والتي يطلق
عليها بالتشريع المالي ،Législation Financièreوهو عبارة عن مجموعة من
القواعد القانونية التي تنظم الشؤون المالية للدولة وبخاصة دراسة ظواهر المالية العامة
من الجوانب االقتصادية واالجتماعية وتحديد العالقات بين تلك الظواهر(.)3
إنّ عمليات صرف النفقات العامة وتحصيل اإليرادات العامة إنّما تنظّمها قوانين
وتشريعات ،ويتعلّق األمر أساسا بقانون المالية ،باإلضافة إلى القوانين والتشريعات
األخرى ،إذ أنّ دور هذه القوانين والتشريعات يكمن في تنظيم سير مالية الدولة ،وكيفية
صرف نفقاتها وكيف للفرد أن يدفع الضرائب والرسوم وكيف له االستفادة من اإلعانات.
- 17 -
...................................................................... ...................................................................................................
إنّ الدستور يعدّ أوّل آلية قانونية تتضمّن أحكام وقواعد تتعلّق بالمالية العامة ،فدستور
()1
يورد تلك األحكام والقواعد في المواد،64 ،21 ،20 ،18 ،17 : 1996م الجزائر لعام
160 ،123 ،122 ،121و.)2(170
نذكر أيضا بعض القوانين في الجزائر ،منها قانون الضرائب بموجب األمر -76
101الصادر عام 1976المتعلّق بالضرائب المباشرة والرسوم المماثلة ،األمر رقم -76
103صادر عام 1976المتعلّق بالطابع .كما صدرت قوانين عديدة في هذا الشأن تنظّم
المالية العامة ،منها؛ القانون 17-84الصادر عام 1984والمتعلّق بقوانين المالية ،حيث
يشكّل هذا القانون العضوي اإلطاري للمالية العامة في الجزائر طبقا للمادة 123من
الدستور(.)3
كلّ ذلك يوضح طبيعة العالقة الوثيقة بين علم المالية العامة وعلم القانون ،خاصة
أن هذا األخير يدرس المالية العامة من جوانبها اإلجرائية والقانونية.
إذا كانت العلوم السياسية تهتم بدراسة نظم الحكم والعالقات بين السلطات السياسية
الحاكمة فيما بينها من جهة وعالقاتها بالمواطنين من جهة ثانية ،فإنّ علم المالية العامة
يبحث في النفقات العامة واإليرادات العامة في إطار مؤسّسات الحكم وسلطاته(.)4
كذلك تظهر العالقة بين العلوم السياسية وعلم المالية العامة في العالقة الجدلية بين
النظام المالي والنظام السياسي في الدولة الواحدة ،وتبعا لذلك فكمية ونوعية النفقات
وااليرادات العامة تختلف بين النظام السياسي الذي يتبنى الليبيرالية أو االشتراكية ،وتبعا
« - 1مرسوم رئاسي رقم 438-96مؤرّخ في 26رجب عام 1417الموافق 7ديسمبر سنة ،1996يتعلّق
بإصدار نصّ تعديل الدستور ،المصادق عليه في استفتاء 28نوفمبر سنة ،1996في الجريدة الرّسمية للجمهورية
ل (ج .ج .د .ش) ،عدد 76 :ل 8ديسمبر .1996 الجزائرية الديمقراطية الشعبية»،
- 2محمد الصغير بعلي ويسري أبو العالء ،المرجع السابق ،ص.16
- 3المرجع نفسه.
- 4طاهر الجنابي ،المرجع السابق ،ص.12
- 18 -
...................................................................... ...................................................................................................
لطبيعة تكوين الدولة إن كانت بسيطة أو مركّبة ،وتبعا إن كانت الدولة مستقلة أو تابعة
لغيرها .كما تعكس الميزانية العمومية اتجاهات الحكم في إدارة البالد(.)1
هذا وتستند العلوم السياسية في بحوثها على الوثائق اإلحصائية لمالية الدولة التي
تشكل مع لومات وقاعدة بيانات لمختلف التحليالت السياسية الموضوعية لكيفية صرف
الحكومة للنفقات على مختلف القطاعات (كالدفاع ،التعليم ،الصناعة ،الفالحة
والسياحة ،)2()...مما يفسر ظواهر وسلوكات سياسية ضمن نطاق البحوث العلمية التي
ينجزها الباحثون.
تتجسّد طبيعة العالقة التي تربط المالية العامة بعلم االجتماع في كون أنّ أدوات
المالية العامة من نفقات وايرادات عامة لها آثار اجتماعية سواء قصدت الدولة ذلك أو
لم تقصد ،وتتجسّد هذه اآلثار االجتماعية في اشباع الحاجات االجتماعية (وهذا من شأن
ن الدولة تستخدم أدواتها المالية تكون أهدافها لخدمة أغراض
علم االجتماع) ،كما أ ّ
اجتماعية ،وهذا بدوره يؤثّر على النظام االجتماعي برمّته في طبيعته وتكوينه ،إذ أنّ
تأثير أدوات المالية العامة واضح على ظواهر اجتماعية بعينها( ،)3فالدولة عندما ترفع
من قيمة الضرائب والرّسوم للحدّ من بعض الظواهر السلبية في المجتمع كاستهالك
التبغ والكحول ،أو مثال في تحديد النسل وتنظيمه كما هو الحال في الصين ،وهو ما
يبيّن اآلثار التي تسبّبها المالية العامة على الظواهر االجتماعية.
ومن ث ّم فإنّ النظام المالي هو جزء من النظام االجتماعي وهو انعكاس له ،وهو
أداة هامة من أدوات تحقيق أهداف النظام االجتماعي(.)4
- 19 -
...................................................................... ...................................................................................................
.
إنّ صلة علم المالية العامة بباقي العلوم األخرى تشكّل في أغلب األحيان مجموعات
العلوم المالية عند مواطن التقاء بين المالية العامة والعلوم األخرى ،فصلة المالية العام
باالقتصاد تؤدي إلى ظهور مجموعة علوم اقتصاديات المالية العامة ،وعالقة المالية
بالسياسة تشكّل مجموعة علوم السياسة المالية ...وهكذا( ،)1وفيما يلي نحدّد مواطن
االلتقاء هذه التي تجمع علم المالية العامة ومختلف العلوم الكميّة والكيفية:
-االقتصاد +المالية العامة = اقتصاديات المالية العامة = مالية السلطات العامة (اإلدارة
العامة) +مالية المؤسسات العامة ذات الطابع االقتصادي.
-السياسة +المالية = السياسة المالية = السياسة اإلنفاقية +السياسة الضريبية +
السياسة االئتمانية.
-القانون +المالية = التشريع المالي = التشريع الضريبي +التشريع الجمركي...
-اإلدارة +المالية = اإلدارة المالية = التخطيط المالي +التسيير المالي +الرقابة
المالية.
-العلوم الكمية +المالية = العلوم المالية الكمية = المحاسبة المالية +اإلحصاء المالي
+الرياضيات المالية(.)2
.
للمالية العامة مصادر قانونية وأخرى تنظيمية ،وهي ثالثة (:)3
:هو أولى هذه المصادر وأسماها ،إذ أنّ الدستور يحدّد المبادئ األساسية
التي تقوم عليها المالية العامة في الدولة ،ويرسي أسسها.
- 20 -
...................................................................... ...................................................................................................
نذكر بعض هذه المبادئ من خالل مثال عن دستور الجزائر( )1لعام 1996في المادة ،64
ص على:
حيث ين ّ
« كل المواطنين متساوون في أداء الضريبة.
ويجب على كل واحد أن يشارك في تمويل التكاليف العمومية ،حسب قدرته الضريبية.
ال يجوز أن تحدث أيّة الضريبة إال بمقتضى القانون.
ي حق كيفما كان
وال يجوز أن تحدث بأثر رجعي ،أيّة ضريبة أو جب اية ،أو رسم أو أ ّ
نوعه.)2(».
:تندرج تحت الدستور وتبعا له،
حيث تفصّل النفقات واإليرادات العامة بما يشبع الحاجات العامة ضمن الميزانية
العمومية ،وما دامت الحاجات العامة للمجتمع متغيّرة من فترة ألخرى ،تقوم الدولة
بإصدار قانون المالية كلّ سنة (تسمى السنة المالية) ،على أن يليه قانون مالية تكميلي
لمواجهة الظروف والمستجدات(.)3
( :)4وتتعلّق بالمراسيم والقرارات التي تتخذها الحكومة من أجل
تطبيق قوانين المالية وتحديد تفاصيل تنفيذها.
- 21 -
...................................................................... ...................................................................................................
المحور الثاني:
السياسات المالية والنقدية وأدوارها
االقتصادية والتنموية
.1مقاربة معرفية لمفهوم السياسة المالية
.2أدوات السياسة المالية
.3دور السياسة المالية في كل من الدول المتقدمة والنامية
.4السياسة النقدية وأهميتها في توازن االقتصاد الوطني
.5العالقة التكاملية بين السياسات المالية والنقدية
- 22 -
...................................................................... ...................................................................................................
تعدّ السياستين المالية والنقدية من أهم األدوات التي تستخدمها الدولة للتدخل في
النشاط االقتصادي ،حيث يتجسّد ذلك في القوانين واالجراءات التي تتخذها الحكومة بغية
التأثير في األوضاع االقتصادية السائدة المرتبطة باالقتصاد الوطني ،تأثيرا مباشرا أو
غير مباشر ،بهدف تنميته وإعادة توازنه .غير أنّ هناك اختالف واضح في هذه
السياسات من بلد آلخر وهذا تبعا الختالف النظام االقتصادي والسياسي واالجتماعي
القائم في هاته الدول ،وظروفها العامة السائدة ،وفي هذا المحور من المطبوعة نحاول
إبراز مفهوم السياسة المالية ،آثارها على الدخل الوطني وعلى مستوى األسعار
واالستهالك الوطني ،وكذا الدور الذي تلعبه في كلّ من الدول المتقدمة والنامية ،ثم نحدّد
مفهوم السياسة النقدية وأهميتها لتوازن االقتصاد الوطني ،فضال عن إبراز العالقة
التكاملية بين السياسات المالية والنقدية.
.
تتعدّد وتتنوّع التعاريف التي أعطيت للسياسة المالية ،ويرجع ذلك إلى دور الدولة
في االقتصاديات المعاصرة ،وأهداف السياسة االقتصادية عموما في تحقيق التنمية
االقتصادية والتوازن االقتصادي ،على الرّغم من أنّ هذا االصطالح العلمي حديث
نسبيا ،واستخداماته المعاصرة شاعت أكثر بعد أزمة الكساد العالمي الكبير( ،)1وفيما يلي
مجموعة من التعاريف للسياسة المالية:
- 23 -
...................................................................... ...................................................................................................
-العملية التي تهدف إلى تنظيم االنفاق وااليرادات في االقتصاد الوطني بغرض تحقيق
أهداف السياسية االقتصادية المتمثلة في احداث التنمية االقتصادية(.)1
-مجموعة اإلجراءات والتدابير المتعلقة بتنظيم مختلف اإليرادات والنفقات العامة
واحداث التوازن في الميزانية العمومية للدولة(.)2
-برنامج تخططه الدولة وتقوم بتنفيذه عن عمد مستخدمة في ذلك مصادرها اإليرادية
وبرامجها اإلنفاقية إلحداث آثار مرغوب فيها وتجنّب آثار غير مرغوب فيها على كافة
متغيّرات النشاط االقتصادي واالجتماعي تحقيقا ألهداف عامة(.)3
-يقصد بها دراسة تحليلية للنشاط المالي للدولة وما يتبع هذا النشاط من آثار على
مختلف القطاعات ،وهي تتضمّن تكيّيفا كميّا لحجم االنفاق العام وااليرادات العامة ،وكذا
تكيّيفا نوعيّا ألوجه هذا االنفاق وااليرادات بغية تحقيق أهداف معينة ،في مقدمتها:
-النهوض باالقتصاد ودفع عجلة التنمية.
-السعي إلى تحقيق االستقرار في االقتصاد الوطني.
-تحقيق العدالة االجتماعية.
-اتاحة الفرص المتكافئة لجمهور المواطنين وهذا بالتقريب بين طبقات المجتمع.
(تخفيف الهوة بين األفراد فيما يخص الدخل والثروات)(.)4
- 24 -
...................................................................... ...................................................................................................
إنّ األهداف األساسية التي تتوخاها الحكومة بواسطة السياسة المالية لها تأثير بارز
في مختلف العالقات االقتصادية وعلى مجمل الحياة االقتصادية واالجتماعية والسياسية
في االقتصاد الوطني ،وهي بذلك تترك آثارا ،يمكن تحديدها فيما يلي:
ن توزيع الدخل من أهم أهداف السياسة المالية للدولة ،ألن هذا الهدف يساهم في
إّ
تحديد الفئات االجتماعية التي تملك السيطرة في االقتصاد الوطني ،السيما في ظل نظام
اقتصاد السوق ،حيث ينحصر النشاط االقتصادي في أيدي منظّمي المشروعات الكبرى
وأولئك الذين استطاعوا من دخولهم المرتفعة أن يستثمروا في مختلف الميادين ،وهنا
ت عمل الحكومة على تكييف نمط توزيع الدخل عن طريق السياسة المالية من خالل
احداث تغييرات في أنواع ونسب االنفاق ،وكذا الضرائب التي تحصَّل من مختلف شرائح
المجتمع.
:تعمل الحكومة على زيادة نسبة الدخل التي تؤول إلى األفراد ذوي الدخل الضعيف،
فتقوم بزيادة أجورهم ،وكذا تخفيض نسب الضرائب المفروضة عليهم من أجل تحسين
دخلهم(.)1
- 25 -
...................................................................... ...................................................................................................
لمختلف السلع والخدمات ،مما يؤثر في كمية اإلنتاج( ،)1حيث تستطيع الحكومة عن
طريق أدوات ا لسياسة المالية ،كالضرائب والرسوم مثال خفض أسعار بعض السلع
والخدمات أو الرفع منها ،وذلك عن طريق خفض نسب الضرائب والرسوم على
المنتجات والخدمات المراد خفض أسعارها ،أو رفع نسبها إذا أرادت رفع أسعارها،
ل ذلك له أثر في حجم االستهالك ذاته.
وك ّ
يحتل االستهالك مكانة مرموقة في نظامنا االقتصادي ،إذ أنّ السياسة المالية تؤثر في
االستهالك العام من خالل عملية تكييف سياسة االنفاق وتحصيل اإليرادات ،لذا فإنّ
السياسات المالية تهدف إلى الرفع في درجة االشباع الكلي في المجتمع .فالحكومة
تستطيع مثال التخفيض من ضرائب المبيعات ورسوم اإلنتاج على السلع الضريبية مما
يؤدي إلى توسيع قاعدة االستهالك الكلي( ،)2والعكس إذا أرادت خفض االستهالك العام
عن طريق رفع نسب الرسوم والضرائب على السلع والخدمات ،أو أيضا عن طريق
نفقاتها بواسطة التحويالت االجتماعية أو دعم المنتجين بمساعدات مالية محددة ،وبالتالي
تساهم في التأثير على حجم االستهالك العام في المجتمع.
.
في ظل ما يعرف بالدولة المتدخلة التي ظهرت كمفهوم وفق ما طرحته المدرسة
الكينزية بعد األزمة االقتصادية عام ،1929أصبحت الحكومة توظف مجموعة من
األدوات ضمن سياستها المالية بغية التأثير في األوضاع االقتصادية السائدة ،حيث يمكن
إدراج هاته األدوات على النحو التالي:
- 1المرجع نفسه.
- 2المرجع نفسه.
- 26 -
...................................................................... ...................................................................................................
:من أهم أدوات السياسة المالية التي توفر للخزينة العامة الجزء
األكبر من اإليرادات ،كما يمكن توظيفها للتدخل في النشاط االقتصادي ،فيمكن مثال
تخفيض الضرائب على بعض القطاعات من أجل تشجيع االستثمار فيها ،كما تستخدم
()1
كتخفيض الضرائب على بعض الفئات. أيضا هذه األدوات لتحقيق العدالة االجتماعية
:تستخدم لسد العجز عن زيادة النفقات على اإليرادات المتوفرة أو
لتمويل مشاريع تنموية في البلد الذي تعجز اإليرادات الذاتية تغطية نفقاتها ،أو تستخدم
في فترات الكساد إلعادة بعث االقتصاد(.)2
:يع ّد من أهم الوسائل التي تستخدمها الحكومة من أجل زيادة أو خفض
الطلب الكلي في االقتصاد الوطني ،وهذا لمواجهة االختالالت في توازن االقتصاد على
إثر فجوة تضخمية أو انكماشية ،حيث تستخدم سياسة االنفاق العام إمّا لزيادة حجم الطلب
الكلي أو لتخفيضه حسب طبيعة المشكلة التي تتعرض لها(.)3
:وهي سياسة مالية تستخدمها الدولة لزيادة حجم االنفاق العام ،فتعمد
الدولة إل ى اإلصدار النقدي بهدف تمويل المشروعات التنموية ،الهدف من ورائها هو
تبني سياسة مالية توسّعية لزيادة حجم اإلنفاق العام وتنشيط الطلب الكلي ،إذ أنّ الدول
المتقدمة ال تعمد إلى توظيف هذه األداة إال في حاالت االنكماش االقتصادي ،أما الدول
النامية فإنها تستعمل هذه الوسيلة بشكل متكرّر ومستمر نظرا لنقص مواردها
واستراتيجياتها في إنماء البلد وتحسين البنية األساسية(.)4
- 27 -
...................................................................... ...................................................................................................
.
يختلف مفهوم السياسة المالية وتتفاوت أهميتها لما تسعى اليه من أهداف اقتصادية في
الدول المتقدمة والدول النامية.
تعتبر الدول المتقدمة دوال ذات مجتمعات استكملت أسباب نموها االقتصادي ،حيث يكون
الشغل الشاغل للسياسة المالية فيها هو البحث عن تحقيق االستقرار االقتصادي (توازن
االقتصاد الوطني) ،وذلك من خالل تكييف عمل الميزانية العامة مع ظروف االقتصاد
الوطني( ، )1فاذا كان هناك تضخم (ارتفاع المستوى العام لألسعار) ،أي زيادة الطلب
الكلي على العرض الكلي ،تتدخل الحكومة عن طريق السياسة المالية للتخفيف من
التضخم ،بإحداث التوازن بين الطلب الكلي والعرض الكلي بواسطة النفقات وااليرادات
العامة ،وخاصة الضرائب ،واذا كان العكس ،أي انخفاض الطلب الكلي في مقابل
العرض الكلي والذي يؤدي إلى نوع من الركود االقتصادي (االنكماش) وانخفاض
المستوى العام لألسعار ،تقوم الدولة عن طريق أدوات السياسة المالية بتكييف النفقات
العامة وااليرادات العامة حسب مقتضيات الوضع االقتصادي السائد ،كرفع األجور
والتخفيض من نسب الضرائب ...وغيرها من اإلجراءات األخرى ضمن هذا السياق،
من أجل تشجيع الطلب الكلي وإعادة إنعاش وبعث االقتصاد.
يتميّز اقتصاد الدول النامية بعدم االكتمال فهي تسعى جاهدة إلى توفير حاجات وأسباب
الرفاهية لسكانها ،حيث تقوم السياسة المالية في هذه الدول بتمويل برامج التنمية
االقتصادية واالجتماعية ،وتحسين البنية األساسية للمجتمع ،وذلك من خالل ما تقوم به
الحكومة في رفع مستوى الدخل الحقيقي للفرد ،وخلق االستثمارات وتوظيفها لزيادة
- 28 -
...................................................................... ...................................................................................................
موارد المجتمع ،وليس معنى ذلك أن السياسة المالية في هذه البلدان ال تولي أي اهتمام
لهدف إشاعة االستقرار في ربوع االقتصاد الوطني ،بل يلزمها إلنجاح معركة بناء
المجتمع اقتصاديا ضرورة توفير االستقرار والتوازن االقتصادي ،ألنّ أيّ موجة
تضخمية (ارتفاع المستوى العام ألسعار) أو انكماشية ستخلّ بعملية البناء على أسس
سليمة( ،)1وتؤثّر سلبيا على اقتصادها.
.
تحتل البنوك المركزية في مختلف دول العالم مكانة هامة بين مختلف مؤسسات
الدولة ،حيث تسعى من خاللها لتنفيذ برامجها وسياساتها المختلفة ،إذ تناط لها مهمّة
إدارة السياسة النقدية ،والتي من خاللها تسعى إلى تنظيم كمية النقود في االقتصاد
الوطني ،ومراقبة عملية اإلئتمان( ،)2هذا وتلعب النقود دورا مهما في االقتصادات
المعاصرة لما لها من أهمية في الحياة االقتصادية وسير العالقات التجارية بين األفراد،
ولهذا فقد تعدّدت وتنوّعت التعاريف المعطاة للسياسة النقدية ،نذكر منها:
-هي عبارة عن التحكم في كمية النقود المتاحة للتداول(.)3
-العملية التي تهدف الى تنظيم كمية النقود المتداولة في االقتصاد الوطني بغرض
تحقيق أهداف السياسة االقتصادية والمتمثلة في تحقيق التوازن االقتصادي والتنمية
االقتصادية(.)4
- 1المرجع نفسه.
،جدة :المعهد االسالمي للبحوث والتدريب ،بحث الكتروني ،PDF -حسين كامل فهمي، 2
- 29 -
...................................................................... ...................................................................................................
يطلق على أدوات السياسة النقدية مجموعة التدابير واإلجراءات التي تتخذها
السلطات الحكومية في الدولة لتحقيق المصلحة العامة ،من خالل تعظيم أهداف معينة(،)3
حيث تناط مسؤولية االشراف والمراقبة للسياسة النقدية في أغلب اقتصاديات العالم إلى
البنك المركزي ،تستخدم من خاللها جملة من األدوات ،تهدف من ورائها إلى التدخّل
على مستوى االقتصاد الكلي لتحقيق أهداف السياسة االقتصادية ،يمكن تقسيم هذه
األدوات إلى قسمين:
- 30 -
...................................................................... ...................................................................................................
- 31 -
...................................................................... ...................................................................................................
نسبة السيولة النقدية ضمن الكتلة النقدية المتداولة ،وبالتالي يصبح للبنوك إمكانية الزيادة
في قروضها الموجّهة إلى المشروعات والمؤسسات االقتصادية ،مما يساهم في انتعاش
حركة النشاط االقتصادي(.)1
: /2
إنّ سعر إعادة الخصم réescompteهو األداة التي يعيد من خاللها البنك
المركزي خصم أوراق سبق أن خصمتها البنوك التجارية لعمالئها من المستثمرين،
حيث تعدّ هذه السياسة من اآلليات الفعّالة التي تلجأ إليها البنوك المركزية في مختلف
دول العالم للتأثير في حجم االئتمان المصرفي وبالتالي على حجم المعروض من النقود
في االقتصاد الوطني( ،)2حيث تتغيّر عملية الخصم وإعادة الخصم حسب ظروف
االقتصاد الوطني إن كان في حالة تضخم أو ركود اقتصادي.
معدّل إعادة الخصم فإنّه يعطي للبنوك األخرى فرصة -إذا قام البنك المركزي
الزيادة في االقتراض منه وإعادة خصم أوراقها المالية والتجارية ،الشيء الذي يؤدي
إلى ارتفاع حجم القروض ،ومنه فالبنوك سوف تعطي كامل التسهيالت ليقترض العمالء
منها ،ويكون ذلك في حاالت الركود االقتصادي(.)3
معدل اعادة الخصم في حاالت ارتفاع المستوى العام -أمّا إذا قام البنك المركزي
لألسعار (التضخم) ،فإنّه يفرض على البنوك أن تقلّل من قروضها ومن إعادة خصم
أوراقها التجارية والسندات ،وبالتالي ترفع من كلفة هذه القروض ،فيحجم العمالء على
طلب القروض الرتفاع التكاليف ،وهذا ما يؤثّر في األخير على حجم الكتلة النقدية في
االقتصاد الوطني(.)4
- 32 -
...................................................................... ...................................................................................................
3
تتمثّل في دخول البنك المركزي كمشتري أو بائع لمختلف السندات المالية ،خاصة
منها السندات الحكومية في السوق المالي.
فإذا رغب البنك المركزي في زيادة مقادير النقود المتداولة في حاالت
األوراق المالية ،ويصبّ مقابل ذلك نقودا في ،تراه يتقدّم للسوق
السوق ،الشيء الذي يؤدي إلى رواجها ووفرتها ،وهذا ما يقوم به في فترات االنكماش
الشيء الذي يساعد البنوك من أجل إنعاش االقتصاد ،حيث ينزل إلى السوق
على توفير سيولة إضافية ،ومن ثمّ يساهمون في تمويل االقتصاد الوطني.
،فما من حجم النقود المتداولة في فترات أمّا إذا أراد البنك المركزي
للسندات ،الشيء الذي يمكّنه من ابتالع النقود المتداولة عليه إالّ النزول إلى السوق
اإلضافية ،فينقص حجم العملة وتنقص إمكانية قروض البنوك إلى االقتصاد الوطني.
هناك أدوات أخرى قد تلجأ إليها السلطات النقدية إلدارة السياسة النقدية لها صفة التدخل
المباشر ،حيث قد تتعمّد السلطات إلزام المؤسسات المالية مباشرة بنسب أسعار فائدة
()1
معيّنة بحدّدها البنك المركزي على الودائع والقروض الممنوحة من البنوك التجارية
...وغيرها من اآلليات األخرى ضمن السياسة النقدية.
رغم النجاعة التي تحققها األدوات الكمية للسياسة النقدية إالّ أنّ البنوك المركزية
في جل دول العالم أصبحت تستعمل التقنيات ذات الطابع النوعي ،خاصة أنّ نتائج
اإلجراءات الكمية هي نتائج شمولية تمسّ كل القطاعات االقتصادية دون استثناء ،معنى
ذلك أن مفعول التقنيات الكمية واسع جدا يشمل جميع قطاعات النشاط االقتصادي ،فاذا
قامت أجهزت االشراف والمراقبة بالعمل على التقليل من السيولة النقدية الفائضة بواسطة
- 33 -
...................................................................... ...................................................................................................
األدوات الكمية ،كان لهذا القرار تأثير على كل القطاعات االقتصادية ،أي حتى على
القطاعات التي يجب تشجيعها والتي لم يكن لها األثر في توسيع التيارات التضخمية،
ولهذا فالبنك المركزي يعمل من خالل األدوات النوعية لتكييف عمل السياسة النقدية
لتكون أكثر فاعلية في االقتصاد الوطني ،وتتلخّص هذه األدوات النوعية من خالل
حيث يوجّه واتباع
البنك المركزي مجموعة من االرشادات أو األوامر اإللزامية إلى البنوك التجارية للقيام
باتباع ما يملي عليهم من توجيهات تصبّ في مجملها في صلب السياسة النقدية وأهدافها
اتجاه حالة االقتصاد الوطني إذا كانت مشكلة تضخم أو انكماش( ،)1كأن تأمر الحكومة
والبنك المركزي بدعم قطاعات دون أخرى من خالل تمويلها وتخفيف الفوائد عليها..
مثل حالة قطاع السكن في الجزائر وتخفيف فوائد القروض البنكية الممنوحة لألفراد إلى
%1أو .%3
كما تهدف األدوات غير الكمية للسياسة النقدية في توجيه القروض إلى قطاعات معينة
تعتبرها السلطة النقدية أكثر نفعا لالقتصاد الوطني ،فتمنح لها التسهيالت والمساعدات،
مثل :إقرار معدل إعادة خصم مفضّل ،وتغيّير مدّة استحقاق القروض ومعدّل فوائدها(.)2
.
إذا كان دور السياسة المالية هو العمل على تغيير معدالت الضرائب وكذا االنفاق
الحكومي حسب حاالت االقتصاد الوطني إن كان في حالة تضخم أو انكماش ،وهذا من
ن
خالل خلق توازن بي ن الطلب الكلي والعرض الكلي وتحقيق االستقرار االقتصادي ،فإ ّ
السياسة النقدية هي من صميم سياسة الحكومة والبنك المركزي بالنسبة لعملية خلق
النقود وإدارة الكتلة النقدية المتداولة في االقتصاد الوطني ،والفرق الرئيس بين السياستين
- 34 -
...................................................................... ...................................................................................................
هو أن السياسة النقدية تؤثر بشكل مباشر في عرض النقود وبشكل غير مباشر في تيار
الدخول ،في حين تؤثر السياسة المالية مباشرة في تيار الدخول وبشكل غير مباشر في
عرض النقود( ،)1وهذه السياسة تقف جنبا إلى جنب مع السياسة المالية للحكومة ،فكالهما
يهدفان إلى جعل الطلب الكلي مسا ٍو للعرض الكلي داخل االقتصاد الوطني وإلى استقرار
المستوى العام لألسعار وجعله في متناول جميع شرائح المجتمع( ،)2ولهذا فإن تحقيق
االستقرار االقتصادي يتطلب التنسيق والترابط بين السياستين المالية والنقدية من ناحية
األهداف والوسائل ،من أجل تفادي اآلثار السلبية التي قد تنجم عن عدم التنسيق(.)3
يكون التنسيق بين السياستين في إطار السياسة العامة للحكومة ،تكون تركيبتها متضمنة
لسياسة مالية توسعية وسياسة نقدية انكماشية أو العكس بالشكل الذي يؤدي إلى النتائج
المرجوّة من قبل السلطات النقدية والمالية معا ،فكالهما يكمّالن بعضهما البعض
ويساهمان بشكل فعّال في معالجة االختالالت االقتصادية(.)4
- 35 -
...................................................................... ...................................................................................................
- 36 -
...................................................................... ...................................................................................................
Dépenses publiques
:
قبل الخوض في موضوع النفقات العمومية ،علينا أن نتطرّق إلى موضوع الحاجات
les besoins؛ نعرّفها ،نعطي أنواعها وأسباب تزايدها وتنوّعها ،وتناول موضوع
الحاجات في بداية هذا المحور يع ّد ضرورة أساسية يتحدّد على أساسها نطاق النشاط
المالي للدولة في محاولة اشباع هذه الحاجات ،كما أنّه يؤدي إلى بيان األوجه التي
تختلف فيها طبيعة النشاط العام عن أوجه النشاط الخاص وطبيعته ،ومن ثمّة تتميّز على
أساسها المالية العامة عن المالية الخاصة(.)1
نطرح التساؤل التّالي؛ لماذا تنفق الدولة على االفراد والجماعات والمؤسسات؟
سوف تكون االجابة كالتّالي :ألنّ هناك حاجات [.]Besoins
.
les besoinsهي كل ما يخصّ االنسان في حياته ،واذا انتهت انقرض
وزال ،وهي عديدة منها؛ حاجة األكل ،الشرب ،التعليم ،العدالة والسياحة...الخ( ،)2حيث
يتولّى الفرد ذاته أمر اشباعها ،ويترك له حرية التصرف بها في الظروف العادية في
كل مجتمع(.)3
تتحدّد طبيعة الحاجات وفق العديد من المعايير ،أهمّها معيار الهدف
ن النشاط الخاص يهدف إلى اشباع الحاجات
القائم على طبيعة من يقوم باإلشباع ،إذ أ ّ
الخاصة والنشاط العام يهدف إلى اشباع الحاجات العامة ،ووفق ذلك نقسّم الحاجات إلى
حاجات خاصة (فردية) وحاجات عامة (جماعية).
- 37 -
...................................................................... ...................................................................................................
.
تستعمل الدولة وهي بصدد صرف نفقاتها العامة إلى استخدام مبالغ من النقود لتحقيق
أغراض النفع العام ،ومن هذا المنطلق ،يمكن اعتبار النفقة العامة بمثابة مبلغ نقدي يقوم
بإنفاقه شخص عام بقصد تحقيق نفع عام ،تلبية لحاجات عامة(.)4
- 38 -
...................................................................... ...................................................................................................
أي أنّ« :النفقة العامة هي مبلغ نقدي يخرج من الذّمة المالية لشخص معنوي عام بقصد
اشباع حاجة عامة»(.)1
يعرّفها األستاذ (عبد الحميد دراز)« :كم قابل للتقويم النقدي يأمر بإنفاقه شخص من
أشخاص القانون العام اشباعًا لحاجة عامة»(.)2
يبرز من خالل تعريفنا للنفقة العامة أن لها ثالث ( )3عناصر،
يطلق عليها أركان النفقة العامة ،وهذه األركان هي التي تحدِّد طبيعة النفقة العامة.
[استخدام مبلغ نقدي -مصدر النفقة يكون من شخص معنوي عام -هدفها هو تحقيق نفع
عام](.)3
.
أوّل عناصر النفقة العامة هو «استعمال مبلغ نقدي» ،حيث تقوم الدولة بصرف مبالغ
نقدية للحصول على السلع والخدمة الالّزمة لممارسة نشاطها وتأمين سير المرافق العامة
وتنفيذ مشروعاتها االستثمارية ،ويعتبر االنفاق النقدي الوسيلة العادية لذلك ،وذلك بالنظر
إلى أنّ المعامالت والمبادالت االقتصادية تتم عن طريق النقود ،وبالتالي فهي وسيلة
الدولة في االنفاق ،شأنها في ذلك شأن األفراد(.)4
لكن ال يعتبر ذلك الطريق الوحيد ،إذ أنّه في القديم استخدمت الدولة األسلوب العيني في
عملية االنفاق ،حيث كانت تقوم بمنح مزايا عينية مقابل الخدمات التي تحصل عليها،
مثل السكن المجاني ،أو التعليم المجاني ،أو االعفاء من الضرائب لفئات معيّنة(.)5
- 39 -
...................................................................... ...................................................................................................
لكن التطوّر االقتصادي واالجتماعي والسياسي أدّى إلى استبعاد هذه األساليب ،ألنّها
تثير المحاباة بين األفراد ،وتخ ّل بمبدأ المساواة بين األشخاص في االستفادة من نفقات
الدولة ،واالستيالء باستعمال طرق االكراه يتنافى مع الديمقراطية ،وال تلجأ اليه الدولة
إالّ في الحاالت االستثنائية كالحرب مثالً ،ويبقى االنفاق النقدي الوسيلة األفضل التي
تتيح للدولة من خالله القيام بدورها فيما يتعلق بإشباع الحاجات العامة(.)1
ب.
لكي تكون النفقة عامة يجب أن تصدر من الدولة أو احدى هيئاتها العامة ،الذي يخضع
ألحكام القانون العام ،ويتمتع بالشخصية القانونية المستقلة ،واألشخاص المعنوية العامة
هي الدولة ،الوالية ،والمؤسسات العامة( ،)2وكل مال يصدر من شخص طبيعي أو
معنوي خاص ،حتى وإن كان هدفه المصلحة العامة كبناء مدرسة أو مسجد أو مستشفى
يعدّ ماال خاصا ال يدخل ضمن مفهوم النفقة العامة ،فالدولة عند ممارستها لنشاطها العام
فيما يتعلّق بالنفقات العامة ،فإن هذا النشاط يعتمد في األساس على سلطاتها في إدارة
المال العام ،أمّا إذا أنفقت أموالها في مشروعات اقتصادية مع القطاع الخاص فإن ذلك
يعتبر نفقات خاصة وليس عامة على ح ّد تعبير الفقه الفرنسي(.)3
تهدف النفقات العامة إلى اشباع الحاجات العامة وتحقيق النفع العام لجميع المواطنين،
ال على فرد معيّن بالذات أو فئة معينة على حساب اآلخرين ،فالمال المنفق من طرف
الدولة قد تمّت جبايته وتحمّل عبئه األفراد جميعا ،فكما أنّ الموطنين متساوون في دفع
الضرائب فإنّهم يتساوون في االنتفاع بالنفقات العامة للدولة( ،)4فاستخدام الطبقة الحاكمة
- 40 -
...................................................................... ...................................................................................................
مبالغ من األموال العمومية بقصد منافع خاصة لبعض المقربين او منافع شخصية ،ال
يمكن اعتباره إنفاقا عاما ،إنما هو إساءة أو انحراف عن تحقيق هدف إشباع الحاجات
العامة(.)1
إنّه من الصعب في كثير من األحيان تحديد تراتبية أهمية الحاجات العامة تحديدا
موضوعيا ويرجع ذلك إلى أنّ فكرة النفع العام ليست فكرة جامدة ،بل هي في تطور
مستمر ،حيث تختلف من بلد إلى آخر ،ومن عصر إلى آخر ،بل وفي نفس البلد الواحد،
وحدها السلطات الحاكمة الممثلة لرغبات الشعب هي التي تقرّر مدى تحقيق النفقة للنفع
العام ،ومدى أهمية الحاجات العامة ،فهي مسألة سياسية إلى جانب كونها مسألة مالية(.)2
ولكي يتم توجيه النفقة العامة لسد الحاجات العامة توضع حدود على سلطة البرلمان
حتى ال يسيء استخدام حقه في اقتراح النفقات ،كما يتم مساءلتها السلطة التنفيذية عن
تنفيذ االنفاق العام ،فضال عن الرقابة التي يمارسها البرلمان والهيئات المستقلة للتأكد
من استخدام اعتمادات االنفاق العام في األغراض التي خصصت لها ،والدستور
الجزائري لسنة 1996في المادة 187ينص « تقدم الحكومة في نهاية كل سنة مالية
إلى البرلمان بغرفتيه عرضا حول استعمال االعتمادات المالية التي أقرها للسنة المالية
المعنية» ،وهناك رقابة إدارية ،ورقابة قضائية تقوم بها سلطة مستقلة ،وسنعود إلى هذا
الموضوع عند دراسة الميزانية(.)3
.
للنفقات العامة صور متعددة ومختلفة ،أهمّها:
أ -األجور والمرتبات التي تدفعها الدولة إلى موظفيها وعمالها ومتقاعديها ،والذين عملوا
ويعملون في أجهزتها.
- 41 -
...................................................................... ...................................................................................................
ب -قيم السلع والخدمات التي تقتنيها الدولة بغية اشباع الحاجات العامة.
ج -اإلعانات المختلفة التي تقدمها الدولة إلى مختلف الفئات االجتماعية أو إلى
المؤسسات أو إلى الدول والمنظمات الدولية.
د -تسديد أقساط وفوائد الدين العام الذي كانت قد اقترضته الدولة سابقا(.)1
.
تتعدّد النفقات العامة وتزداد انواعها نتيجة اتساع وظائف الدولة وزيادة تدخلها في
التوجيه االقتصادي ،حيث يمكن تجميع هذه النفقات في أقسام وفصائل حسب صفات
مشتركة سواء من حيث دوريتها أو طبيعتها أو األغراض التي تستهدفها ،لكن التقسيمات
العلمية للنفقات العامة ال يأخذ بها غالبا عند اعداد الميزانيات العمومية ،فمعظم الحكومات
ال تطبق تقسيما علميا بعينه ،بحيث تأخذ بعين االعتبار اعتبارات تاريخية وأخرى إدارية
في تقسيم نفقاتها( .)2هناك عدّة معايير أخذ بها علماء المالية العامة في تقسيمهم لنفقات
الدولة ،حيث يفردون لها تقسيمات علمية (نظرية) وأخرى وضعية (عملية) ،نحدّد أهمّها
ثم نتناول تقسيم النفقات العمومية في التشريع الجزائري ،والهدف من تقسيم النفقات
العامة في القانون هو ضمان تسيير راشد وجيّد للموازنة ،وتسهيل مناقشتها في البرلمان
وسير عمل الرق ابة بمختلف أشكالها على الميزانية العامة ،فضال عن أهميتها في بناء
السياسات العمومية للدولة(.)3
تقسّم النفقات العامة حسب هذا
المعيار إلى قسمين:
- 42 -
...................................................................... ...................................................................................................
هي تلك النفقات التي توصف بالدورية ،حيث يتكرّر صرفها دوريًّا
كل فترة زمنية معينة ،شهريا مثال ،وتُكرّر بانتظام في الميزانية ،مثل مرتبات الموظفين،
والتي عادة ما تمول من الضرائب ومداخيل أمالك الدولة( ،)1وال يعني ذلك أنّ قيمتها ال
تتغير من سنة ألخرى ،بل يمكن أن يتغيّر مقدارها(.)2
تلك النفقات التي ال يتكرر صرفها بصفة منتظمة كل سنة ،فهي
ليست دورية ،حيث يتمّ تمويلها من إيرادات غير عادية (كالقروض مثال) ،وال تتكرّر
بانتظام في الميزانية ،مثل نفقات مواجهة آثار الكوارث الطبيعية كالفيضانات والزالزل،
وغيرها من األحداث الطارئة( ،)3حيث تتصف هذه النفقات بأنّها استثنائية.
ال أنّه في الحقيقة محلّ نقد ،فبعض
غير أنّ هذا التقسيم وإن ظهر نظريا أنّه صحيح ،إ ّ
النفقات غير العادية وغير المتكررة كالنفقات العسكرية التي تتكرّر سنويًّا بسبب التوتّر
الدولي ،يمكن أن تصبح نفقات متكرّرة بسبب ظهورها المستمر سنويا(.)4
يأخذ هذا التقسيم معيار
طبيعة النفقات العامة من حيث أثرها االقتصادي ،وهو تقسيم تقليدي قال به بيجو(،)5
ويقوم كاآلتي:
تؤثر النفقات الحقيقية على المستوى االقتصادي بصورة مباشرة
على اإلنتاج الوطني ،وتمكّن الدولة من الحصول على سلع وخدمات ،فهي إذن نفقات
منتجة ،ويتدرّج في نطاقها أجور الموظفين ،نفقات التعليم والصحة ،نفقات االستثمار
...إلخ(.)6
- 43 -
...................................................................... ...................................................................................................
هي مجرّد اعتمادات تنفقها الدولة دون أن يكون لها مقابل من
أداء خدمة لها أو زيادة في الثروة القومية( ،)1إذ أنّها نفقات ال تؤثر بصورة مباشرة في
اإلنتاج الوطني ،وإنّما تستهدف إعادة توزيع الدخل( ،)2وبدورها تنقسم إلى 03أقسام:
نفقات يُراد منها نقل القدرة الشرائية من األغنياء
إلى الفقراء ،مثل اإلعانات االجتماعية ،ونذكر في ذلك المنحة المدرسية
المقدرة ب3000دج لألطفال المعوزين المتمدرسين في مؤسسات وزارة التربية
الوطنية.
مجموعة النفقات التي تهدف إلى إحداث التوازن
االقتصادي ودعم االستثمار على مستوى االقتصاد الوطني مثل؛ إعانات
االستثمار واالمتيازات الضريبية للشركات.
مجموعة النفقات التي تمثِّل فوائد الدين العام
الذي اقترضته الدولة(.)4 ()3
واستهالكه
- 44 -
...................................................................... ...................................................................................................
يقوم قانون المالية في الجزائر الذي يشمل ميزانية الدولة السنوية حسب القانون رقم
17-84الصادر في 07جويلية 1984المتعلّق بقوانين المالية ،في الفصل الثالث من
()2
على تقسيم النفقات العامة إلى نوعين: الباب الثاني
كل واحدة
وهي االعتمادات المالية المخصّصة لكلّ الدوائر الوزاريةُّ ،
على انفراد ،طبقًا لقانون المالية للسنة المعنية ،فكل وزارة لها اعتماد مالي خاص بها،
باإلضافة إلى أعباء الدين العمومي.
توزّع على قطاعات النشاطات المختلفة بهدف زيادة الثّروة ورأس
المال في المجتمع ،وتهدف أساسا لعملية االنماء ،حيث تشمل نفقات االستثمارات المنفذة
من قبل الدولة ،وإعانات االستثمار الممنوحة من قبل الدولة والنفقات األخرى بالرأسمال.
- 1المرجع نفسه.
« - 2قانون رقم 17-84مؤرّخ في 8شوال عام 1404الموافق 7يوليو سنة ،1984يتعلّق بقوانين المالية»،
ل (ج .ج .د .ش) ،السنة ،21:عدد ،28 :ل 10جويلية ،1984ص ص.1044-1042
- 45 -
...................................................................... ...................................................................................................
.
المتتبّع لتطوّر ميزانيات الدول ،وأرقام النفقات العامة أليّة دولة في سنوات متتالية،
يالحظ ازديادها باستمرار ،ونشاهد هذه الظاهرة في جميع الدول على اختالف نظمها
وأحوالها .الجدولين ( )1و( )2يوضّحان ذلك ،فماهي أسباب تزايد اإلنفاق العام في
مختلف بلدان العالم؟
- 46 -
...................................................................... ...................................................................................................
إنّ من أسباب تزايد النفقات العمومية من عام 1939إلى 1966بشكل مثير لالنتباه
يعود إلى تدخّل الدولة لحداث التوازن االقتصادي واالجتماعي ،ودفع عجلة النمو إلى
زيادة االنفاق بشكل كبير ،فظاهرة تزايد النفقات العامة ظاهرة عامة في المجتمع الدولي،
وترجع إلى عدّة أسباب:
:وهي بدورها تنقسم إلى: أ-
- 47 -
...................................................................... ...................................................................................................
:يقصد به تدهور القدرة الشرائية للعملة الوطنية ،أو زيادة الكتلة -
النقدية ،نتيجة اصدار مبالغ اضافية معيّنة في إطار السياسة النقدية ،وهذا ما يعبر عنه
بالتضخم(.)1
[ارتفاع مشتريات الدولة ومرتبات الموظفين ،حيث يترتّب عنه زيادة النفقات العامة
ظاهريا]
:إنّ ازدياد النفقات في الدولة يزداد بارتفاع عدد السكان ،ولكي -
نتابع الزيادة الحقيقية ،يجدر أن تكون المقارنة بين مقدار االنفاق الذي يعود على الفرد
الواحد خالل فترة المقارنة ،أي بقسمة االنفاق الكلّي على عدد السكان االجمالي ،يتّضح
ممّا تقدّم صعوبة معرفة الزيادة الحقيقية للنفقات ،وبالتّالي الحصول فقط على نسب
تقريبية ،ومنه فعامل زيادة السكان عامل مهمّ في معرفة أسباب زيادة النفقات لكنّه معيار
نسبي يضاف إلى أسباب أخرى(.)2
[أي ال نستطيع أن نضع معدّل ثابت لزيادة النفقات كلّما زاد عدد السكان في الدولة].
:إذا كانت األسباب السابقة هي أسباب
ظاهرية فقط ،وليست وحدها محدّدة لزيادة االنفاق العمومي ،فإنّ هناك أسباب حقيقية
عديدة لذلك ،وهي تشير إلى حجم تدخل الدولة في الحياة االقتصادية واالجتماعية ،وهذه
األسباب هي:
؛ تعد من أهم األسباب التي تفسّر ظاهرة الزيادة المستمرة في النفقات
العامة ،وهي بدورها تأخذ مظاهر عديدة ،منها؛
؛ تعتبر الزيادة في االنفاق العام نتيجة منطقية لنمو الدخل
( La loi d'Engel )3فكلّما ارتفع الوطني ،هناك نظرية تسمّى؛
- 48 -
...................................................................... ...................................................................................................
- 49 -
...................................................................... ...................................................................................................
يقتضي بالضرورة زيادة النفقات العامة لمواجهة تكاليف اقامة الهيئات االدارية الجديدة،
واقتناء األجهزة واألدوات الالزمة لذلك ،ودفع مرتّبات الموظفين(.)1
غير أنّ ذلك ساهم في تدهور هذه اإلدارات وتعقيد إجراءاتها وتفاقم أزمة البيروقراطية،
ناه يك عن االسراف والتبذير الذي غدت تتسم به هذه اإلدارات والتي كثيرا ما تضعف
أجهزة الرقابة عليها(.)2
هناك عوامل أخرى ضمن هاته األسباب ،تتعلّق بسوء التنظيم االداري ،والفساد االداري
والبطالة المقنعة ،فهي تساهم في اهدار النفقات العمومية.
؛ إنّ انتشار مبادئ الحريّة والمساواة والديمقراطية وحقوق االنسان
والتعددية وتقدير مسؤولية الدولة عوامل كلّها ساهمت في زيادة نفقات الدولة ،حيث
جعل الحكومات تميل إلى االسراف في االنفاق ،فالدولة أصبحت تهتم بالفئات االجتماعية
محدودة الدخل ومحاولة تقديم الخدمات لها كالرعاية الصحية واالجتماعية ،كما أن تعدد
األحزاب السياسية ساهم في دفع الدولة الزيادة في المشروعات االجتماعية لكسب رضا
الناخبين ،فضال على أن توسيع نطاق التمثيل الدبلوماسي وانضمام الدولة في عدة
منظمات دولية أدى إلى زيادة نفقاتها( ،)3كما أنّ تقدير مسؤولية الدولة له عامل مهمّ في
ذلك ،فالفرق بين الدولة المسؤولة (دولة الحق والقانون) وغير المسؤولة يكمن في التزام
الدولة بتعويض األفراد عن األضرار التي تسبّبها لهم أعمال وتصرفات االدارة العامة.
نذكر في ذلك المادة 49من الدستور الجزائري لسنة « :1996يترتّب على الخطأ
القضائي تعويض من الدولة ،ويحدّد القانون شروط التعويض وكيفياته»(.)4
- 1المرجع نفسه.
- 2طاهر الجنابي ،المرجع السابق ،ص.41
- 3المرجع نفسه ،ص ص.41-40
- 4محمد الصغير بعلي ويسرى أبو العالء ،المرجع السابق ،ص.47
- 50 -
...................................................................... ...................................................................................................
؛ أبرز األسباب ضمن هذا المجال تتركز في توسّع نطاق المدن من
خالل هجرة السكان من الريف والتركّز في المدن والمراكز الصناعية ،مما أدى إلى
زيادة النفقات العامة المخصّصة للتعليم والصحة والخدمات العامة والنقل والمواصالت
والماء والكهرباء ،فحاجات سكان المدن أكبر من حاجات سكان األرياف(.)1
فضال عن ذلك فإن تطور الوعي االجتماعي ساهم في زيادة النفقات االجتماعية ،ألنّ
األفراد أصبحوا ال يقنعون بقيام الدولة بواجبها في حفظ األمن وإقامة العدل والدفاع
الوطني ،بل أصبحوا يعتبرون أنفسهم في كفالة الدولة من المهد إلى اللّحد ،فأصبح هناك
تأمين ضد المرض وضد العوز وضد العجز والشيخوخة ...وكل هذه المثل الجديدة
تفرض على الدولة مصاريف أخرى ضمن نفقاتها( ،)2ومثال ذلك في الجزائر وزارة
التضامن ،ووزارة الضمان االجتماعي اللتان يتطلّبان من الدولة نفقات في إطار عملهما.
.
الحظنا في العنصر السابق كيف أنّه في السنوات الماضية ازدادت النفقات العمومية في
مختلف الدول ومنها الجزائر ،غير أنه في السنوات األخيرة من القرن العشرين تغيّر
الوضع نتيجة عدة ظروف مما ساهم في انخفاض اإلنفاق العام في عديد البلدان ومنها
البلدان النامية ،ويرجع ذلك في األساس إلى عدّة عوامل ،نذكر منها:
؛ أحد أهم أسباب انخفاض االنفاق في الدول النامية هو
استفادتها من تخفيض ديونها تجاه البنوك التجارية والمؤسّسات المالية عام 1995بمقدار
76مليار دوالر ،لكن أهم حدث هو مبادرة المجموعة الدولية سنة 1996لصالح البلدان
الفقيرة األكثر استدانة في إطار مكافحة الفقر ،وهكذا فإنّه في أواخر ماي 2001شُرع
في تخفيض ديون 23دولة( ،)3ونحن قلنا أنّ جزءا من النفقات (نفقات تحويلية مالية)
- 51 -
...................................................................... ...................................................................................................
يذهب إلى سداد الديون وفوائدها ،وهو ما ساهم في خفض قيمة النفقات التي كانت عبئًا
على هذه الدول.
؛ لقد وصلت نسبة التضخّم في بعض البلدان (كالبرازيل
واألرجنتين) إلى نسب عالية جدّا مع نهاية الثمانينيات من القرن الماضي ،إذ أنّ هذه
الدول كانت تصرف أمواالً كبيرة ،وتتبنّى سياسة توسّعية في االنفاق ،قصد مواجهة
ارتفاع المستوى العام لألسعار ،وبتحوّلها إلى نظام اقتصاد السوق ،قامت بخفض نسبة
التضخّم فيها ،من خالل عدّة سياسات()1؛
انتهاج سياسة مالية رشيدة ومحكمة.
معالجة العجز في الميزانية العمومية ،فبعد أن كان العجز يقدّر ب %13.5من الدخل
سنة ،1992وصل إلى %3.5سنة ،1997من خالل خفض االنفاق ورفع قيمة
اإليرادات.
الح ّد من اصدار النقود.
تطبيق برامج مكافحة التضخّم.
؛ انخفضت النفقات العسكرية للدول بانتظام كلّه ج-
بين 1985إلى غاية 1992بعدما سجلت في مراحل سابقة معدالت قياسية ،وقد قام
صندوق النقد الدولي F.M.Iبدراسة تطوّر النفقات العسكرية في أكثر من 120دولة
في العالم ،وتوصّل إلى أنّ هذه النفقات انخفضت من %5.6من الدخل الوطني سنة
ن هذا االنخفاض مردّه في األساس إلى:
1985إلى %3منه سنة .1992إ ّ
المتغيّرات المالية واالقتصادية؛ وتتعلّق بالصعوبات على النطاق االقتصادي والمالي
التي مسّت الكثير من الدول على غرار االتحاد السوفياتي وجمهورياته المنفصلة والعديد
من الدول النامية ،جعلها تخفض نفقاتها الموجّهة للدفاع الوطني.
- 52 -
...................................................................... ...................................................................................................
- 53 -
...................................................................... ...................................................................................................
فإنّ الدول المنفصلة عن االتحاد السوفياتي سابقًا انخفضت ايراداتها العامة ب % 02من
الدخل الوطني مع نهاية القرن 20بهذا السبب(.)1
-إصالح نظام الضرائب؛ إنّ معظم الدول التي كانت تطبّق نظام تعدّد الضرائب على
مخ تلف النشاطات ومختلف قطاعات االقتصاد الوطني ،أدخلت اصالحات باشرتها
بتوصيات صندوق النقد الدولي ،والتي تتضمّن وضع عدد محدود من الضرائب مثل
الضريبة على الربح والضريبة على الدخل ...وغيرها ،وهو ما أدّى إلى خسارة واضحة
في مداخيل الدولة بالمقارنة مع النظام الضريبي المعمول به سابقًا(.)2
د -انعكاسات االقتصاد الموازي على التحصيل الجبائي؛ بفعل نشاط االقتصاد الموازي
الذي تشهده العديد من الدول خاصة منها الدول النامية ،يترتب على إثره بعض المشاكل
التي تعقّد عملية تحصيل الضريبة ،مثل نشاط بعض المؤسّسات في القطاع الخاص
عندما تقوم بمبادالت تجري بشكل غير شرعي ،والبيع في إطار غير رسمي ،وهو ما
ينع كس سلبا على االيرادات العامة للدولة ،فحسب احصائيات بعض الجهات الرسمية
في الجزائر ،التي أكّدت على أنّ معظم المبادالت في المنتوجات الزراعية تمارس خارج
اإلطار الرسمي ،وبطبيعة الحال سوف ينعكس ذلك على مجمل االيرادات العامة.
.
يترك االنفاق العام آثارا على المستوى االقتصادي يمكن أن تتخذه الحكومة من أجل
وضع أسس السياسة اإلنفاقية العامة ،وهي قواعد الفن المالي اإلنفاقي( ،)3حيث يكون
س أساسا عدة مجاالت اقتصادية؛
تأثيرها االقتصادي بشكل مباشر وغير مباشر ،وهي تم ّ
اإلنتاج الوطني ،االستهالك العام ،الدخل الوطني ،األسعار والعمالة ،نحاول تفصيلها
بشكل مختصر فيما يلي:
- 54 -
...................................................................... ...................................................................................................
على أنّه مجموعة السلع والخدمات التي تمّ انتاجها في دولة ما خالل فترة زمنية محدّدة (سنة عمومًا)، يعرّف
وهو ما يعبّر عنه ب «الناتج الداخلي الخام».
- 1طاهر الجنابي ،المرجع السابق ،ص ص.49-45
- 2عبد اهلل خبابة ،المرجع السابق ،ص.31
- 55 -
...................................................................... ...................................................................................................
مجموع الدخول المكتسبة والمحققة من قبل عناصر اإلنتاج وذلك مقابل الخدمات التي يبيعونها ببلد ما يعرّف
اضافة الى المداخيل المتأتية من الخارج كتحويالت العمال المهاجرين ،ويطلق عليه بالناتج الوطني الخام.
- 1عبد اهلل خبابة ،المرجع السابق ،ص.31
- 2المرجع نفسه.
- 3المرجع نفسه.
- 56 -
...................................................................... ...................................................................................................
- 57 -
...................................................................... ...................................................................................................
- 58 -
...................................................................... ...................................................................................................
Recettes publiques
بعدما تحدد الدو لة مجموع نفقاتها العامة إلشباع الحاجات العامة عليها أن تضبط
مصادر األموال التي يجب عليها جبايتها وتحقيقها ،وتتمثل مصادر األموال هذه في
الموارد المالية الالزمة لتغطية نفقاتها ،فهي تحدّد أوجه االنفاق أوال ثم تبحث في
اإليرادات العامة ،حيث تحصل الدولة على هذه اإليرادات من عدّة مصادر ،تتركّز
أهمّها فيما يلي(:)1
.
-إيرادات الدومين العام.
-الضرائب.
-الرسوم.
-القروض العامة.
أما إذا رجعنا إلى القانون الجزائري ،نجد في الفصل الثاني من الباب الثاني ضمن المادة
( )11من القانون 17-84المؤرّخ في 7جويلية 1984المتعلّق بقوانين المالية؛ «تتضمّن
موارد الميزانية العامة للدولة ما يلي:
-1اإليرادات ذات الطابع الجبائي وكذا حاصل الغرامات،
-2مداخيل األمالك التابعة للدولة،
-3التكاليف المدفوعة لقاء الخدامات المؤداة واالتاوى،
-4األموال المخصصة للمساهمات والهدايا والهبات،
- 59 -
...................................................................... ...................................................................................................
« - 1قانون رقم 17-84مؤرّخ في 8شوال عام 1404الموافق 7يوليو سنة ،1984يتعلّق بقوانين المالية»،
المصدر السابق ،ص.1041
- 60 -
...................................................................... ...................................................................................................
()1
تحدد كيفيات تطبيق هذه المادة عن طريق التنظيم».
كما تنصّ المادة ( )170من قانون 10-11المؤرّخ في 2011/06/22المتعلق بالبلدية
على ما يلي:
«تتكون الموارد الميزانية والمالية للبلدية بصفة خاصة ،مما يأتي:
-حصيلة الجباية،
-مداخيل ممتلكاتها،
-مداخيل أمالك البلدية،
-اإلعانات والمخصصات،
-ناتج الهبات والوصايا،
-القروض،
-ناتج مقابل الخدمات الخاصة التي تؤديها البلدية،
-ناتج حق االمتياز للفضاءات العمومية ،بما فيها الفضاءات اإلشهارية،
-الناتج المحصل مقابل مختلف الخدمات.
()2
تحدد كيفيات تطبيق هذه المادة عن طريق التنظيم».
ما يمكن استنتاجه من خالل عرض القوانين أنّه يمكن تقسيم إيرادات الدولة حسب عدّة
تصنيفات ،وهو ما نبيّنه في العنصر التالي.
.
يمكن تصنيف اإليرادات العامة وفق معايير مختلفة على النحو التالي:
:يمكن تقسيم اإليرادات العامة إلى:
« - 1قانون رقم 07-12مؤرّخ في 28ربيع األول عام 1433الموافق 21فبراير سنة ،2012يتعلّق بالوالية»،
ل (ج .ج .د .ش) ،السنة ،49:عدد ،12 :ل 29فبراير ،2012ص.22
« - 2قانون رقم 10-11مؤرّخ في 20رجب عام 1432الموافق 22يونيو سنة ،2011يتعلّق بالبلدية»،
ل (ج .ج .د .ش) ،السنة ،48:عدد ،37 :ل 3جويلية ،2011ص.23
- 61 -
...................................................................... ...................................................................................................
- 1محمد الصغير بعلي ويسري أبو العالء ،المرجع السابق ،ص ص.53-52
- 62 -
...................................................................... ...................................................................................................
.
وتتضمّن ما يلي:
Domaine -
؛ ممتلكات الدولة ،أي األموال العقارية والمنقولة التي تملكها الدولة يقصد
والمؤسّسات والهيئات العامة ملكي ًة عامة أو خاصة(.)1
وأمالك الدولة تنقسم إلى قسمين؛ الدومين العام (أمالك عامة) والدومين الخاص (أمالك
خاصة) ،فيقصد باألولى :األموال التي تملكها الدولة أو هيئاتها العامة الغرض منه جلب
دخل للدولة شأنه في ذلك شأن أمالك األفراد( ،)2إذ أنّ هذه األمالك العامة التابعة للدولة
تخضع لقواعد القانون العام ،وتخصّص للنفع العام ،توضع تحت التصرّف المباشر
للجمهور أو المخصّصة لمرفق عام ،مثل البحار ،األنهار ،الغابات ،النقل البحري
والجوي وبالسكك الحديدة والحدائق العامة(.)3
أمّا األمالك الخاصة للدولة فهي التي تؤدّي وظيفة تمليكية ومالية ،مثل المباني ذات
االستعمال السكني ،واألراضي الجرداء غير المخصّصة ،واألمالك الشاغرة واألراضي
الفالحية والرعوية( ،)4حيث يرمي ذلك إلى جلب إيراد للخزينة العامة ،وهو بدوره ينقسم
إلى ثالثة أقسام؛ دومين عقاري ،دومين تجاري وصناعي ،ودومين مالي(.)5
أمّا الدومين العقاري فيشمل ممتلكات الدولة العقارية والمتمثلة في الغابات واألراضي
التابعة ملكيتها للدولة ،ورغم أهميته في العصور الوسطى واالقطاع ألنه كان يدر مداخيل
كبيرة ،إال أنّ أهميته تضاءلت نتيجة توسع أنواع أخرى غدت تعطي إيرادات أكبر
- 63 -
...................................................................... ...................................................................................................
وأفضل ،أما الدومين المالي الذي يسميه البعض ب «محفظة الدولة» فيتكون مما تملكه
الدولة من أوراق مالية كاألسهم والسندات وفوائد القروض وغيرها ،في حين يشمل
الدومين الصناعي والتجاري جميع األنشطة الصناعية والتجارية التي تقوم بها الدولة،
إذ تمارس فيه الدولة أنشطة شبيهة بأنشطة األفراد الطبيعيين والمؤسسات الخاصة،
الهدف منه الربح المادي(.)1
تحقق أمالك الدولة مداخيل معتبرة للخزينة العمومية ضمن عدة مجاالت ،أهمّها:
مداخيل استغالل المناجم والمحاجر.
مداخيل الغابات ،مثل قطع األخشاب ،الصيد وبيع الفلّين وغيرها.
مداخيل أخرى ألمالك الدولة ،مثل؛ استخراج مواد مختلفة كالنفط والذهب مثال،
امتياز السكن ،بيع العقارات(.)2
مداخيل الدومين الخاص سيما الصناعي والتجاري منه ،والذي يدر أرباحا
للخزينة العمومية.
أما فيما يتعلق بإجراءات تحصيل عائدات أمالك الدولة فإنّها تتم على مستوى مصلحتين
أساسيتين؛ مفتشية أمالك الدولة وكذا المحافظة العقارية(.)3
Les impôts -
:وجد مفهوم الضريبة عبر مختلفة عبر العصور ،لكن استخدامه تغير
من مرحلة إلى أخرى ،يمكن أن نعرض بعض التعاريف لمفهوم الضريبة:
- 1محمد الصغير بعلي ويسري أبو العالء ،المرجع السابق ،ص ص.57-56
- 2عبد اهلل خبابة ،المرجع السابق ،ص.58
- 3المرجع نفسه.
- 64 -
...................................................................... ...................................................................................................
الضريبة هي فريضة مالية يدفعها الفرد جبرًا إلى الدولة أو إحدى الهيئات العامة
المحلّية بصورة نهائية ،مساهمةً منه في التكاليف واألعباء العامة ،دون أن يعود عليه
نفع خاص مقابل دفع الضريبة(.)1
هي المورد المالي العام الذي تقتطعه السلطة العامة من األشخاص جبرا بغرض
استخدامه لتحقيق منافع عامة(.)2
الضريبة عبارة عن اقتطاع نقدي جبري تفرضه الدولة على المكلّفين وفقًا لقدراتهم،
بطريقة نهائية وبال مقابل ،وذلك لتغطية األعباء العامّة ،وتحقيق أهداف الدولة
المختلفة(.)3
التي تتميّز بها الضريبة عن إنّ تفكيك هذه التعاريف يعطي لنا مجموعة من
هي: باقي الموارد العامة األخرى للدولة ،وهذه
،غير أنه يجوز أن تكون عينية األصل فيها أن تكون الضريبة فريضة
مثل تقديم خدمات بدل مبالغ مالية.
،تفرضه الدولة على مستحقيها. الضريبة عبارة عن اقتطاع نقدي
،وهي السلطة العامة في البالد ،إذ أنّها الوحيدة المكلّفة الضريبة تقوم بها
بفرضها وتحصيلها ،وتحدّد معدّلها أو سعرها أو مقدارها.
،إذ أنّ الفرد ال يمكنه استردادها أو المطالبة باسترجاعها الضريبة تدفع بصفة
مهما كانت الظروف.
،فالمكلّف بها يدفعها دون أن ينتفع بها ،مساهمةً منه تفرض الضريبة
كفر ٍد أو كعض ٍو في المجتمع في تحمّل األعباء والتكاليف العامة.
- 65 -
...................................................................... ...................................................................................................
على عدّة مستويات تعمل الدولة على فرض الضرائب بهدف تحقيق بعض
التي تحدّدها سلفًا(.)1
فرض الضرائب يصدر في شكل قانون تقرره السلطة العامة.
:
وضع علماء المالية العامة مجموعة من القواعد األساسية للضريبة المبادئ واألسس
التي يجب على المشرّع المالي مراعاتها واالحتكام لها عندما يكون بصدد إحداث نظام
ضريبي في الدولة ،وتتضمّن أربعة القواعد هي :قاعدة العدالة ،اليقين ،المالءمة في
الدفع واالقتصاد في النفقات الجبائية(.)2
:تقوم هذه القاعدة على أساس توزيع العبء المالي العام على أفراد الدولة
كلٌ حسب مقدرته التكليفية( ،)3أي مراعاة تحقيق العدالة في توزيع األعباء العامة
بين المواطنين(.)4
وفق هذه القاعدة يجب أن تحدّد الضريبة بوضوح من حيث حسابها ،تحديد
وعائها ،وميعاد الوفاء بها وطريقة الدفع ،حتّى يكون المموّل على علم بواجباته
القانونية تجاه الدولة(.)5
:يجب أن تناسب الضريبة وتالءم ظروف دافعيها ،أي من حيث
المواعيد المالئمة للموّل ليكون باستطاعته دفعها ،ويكون زمن تحصيلها متوافق مع
زمن تحقيق اإليراد ،بعد جنيّ المحصول الزراعي مثالً ،أو عند الحصول على
الراتب أو األجر(.)6
- 1المرجع نفسه.
- 2المرجع نفسه.
- 3محمد الصغير بعلي ويسري أبو العالء ،المرجع السابق ،ص.64
- 4عبد اهلل خبابة ،المرجع السابق ،ص.34
- 5المرجع نفسه.
- 6محمد الصغير بعلي ويسري أبو العالء ،المرجع السابق ،ص.65
- 66 -
...................................................................... ...................................................................................................
- 67 -
...................................................................... ...................................................................................................
تستخدم الضرائب لتحقيق جملة من األهداف االجتماعية ،يمكن حصرها فيما يلي:
-تخفيف الهوة بين أصحاب الدخول والثروات المرتفعة من جهة ومنخفضي الدخل من
جهة أخرى ،فتحقق من خاللها نوع من التوازن االجتماعي بين أفراد المجتمع ،وبالتالي
محاربة الطبقية االجتماعية.
-محاولة الحدّ من بعض الظواهر االجتماعية السلبية ،سيما على الصحة العامة،
كمحاربة استهالك بعض السلع الضارة ،كالكحول والتبغ ،وذلك بفرض ضرائب مرتفعة
على هذا النوع من السلع على سبيل تركها أو التخفيف منها.
-تساهم الضريبة في تشجيع النسل أو الحدّ منه ،فتستخدمها الحكومة في المحافظة على
نوع من التوازن في النمو الديمغرافي للسكان إذا أرادت الحد من النسل ،فتقوم بتخفيض
الضريبة للذين ينجبون عدد قليل من األوالد ،أما إذا أرادت تشجيع النسل فتقوم برفع
قيمة اإلعفاءات الضريبية كلّما زاد عدد األطفال في األسرة(.)1
يقصد بالتنظيم الفني للضريبة؛ مجموع العمليات التي يتمّ بموجبها اعداد وتحصيل
الضريبة ،أي جملة االجراءات الفنّية المتعلقة بفرض الضريبة ،معدّلها وكيفية الوفاء
بها( ،)2وهي جملة المراحل التي تم ّر بها الضريبة بداية من تحديد وعائها ،مرورا بضبط
معدّل قيمتها ووصوال لكيفية تحصيلها.
وعاء الضريبة :L’assiette de l’impôtيقصد بوعاء الضريبة؛ المنبع الذي
تغترف منه الدولة مؤنتها بواسطة الضرائب أو بعبارة أخرى ما يخضع للضريبة،
وتحديد هذا الوعاء يتطلّب تحديد ما إذا كانت تعتمد الدولة في تحصيل مؤونتها المالية
- 68 -
...................................................................... ...................................................................................................
على ضريبة وحيدة أو على ضرائب متعددة ،كما قد يكون وعاء الضريبة شخصا أو
ماال ،فضال على أنّ الوصول إلى هذه األموال يكون بطريقة مباشرة فتسمى الضرائب
المفروضة عليها بالضرائب المباشرة ،أو بطرقة غير مباشرة فتسمى بالضرائب غير
المباشرة( ،)1ومن هنا يمكن التطرّق إلى ما يلي:
فأمّا نظام الضريبة الوحيدة؛ فهو ذلك النظام الذي تعتمد فيه الدولة على ضريبة وحيدة
دون سواها للحصول على كل مؤنتها المالية( ،)2ويمكن أن تكون إلى جانبها بعض
الضرائب الثانوية قليلة األهمية ،ويعني هذا اكتفاء الدولة باختيار الوعاء الضريبي الواحد
وضريبة وحيدة تجني منها جميع ما تحتاجه من موارد(.)3
وأمّا نظام الضرائب المتعدّدة ،فيعني اخضاع المموّلين ألنواع مختلفة من الضرائب(،)4
فتقوم الدولة بتوزيع العبء على األشخاص واألموال بأنواع متعددة من الضرائب ،ومن
ثمّ تتعدّد الضرائب وتختلف األوعية الضريبية ،مما يدرّ حصيلة أوفر للخزينة العامة
ويصلح بعضها أخطاء البعض اآلخر(.)5
إالّ أنّ النظام األوّل (نظام الضريبة الوحيدة) بعيد عن مبدأ المالءمة في التحصيل،
فحاجات الدولة المتزايدة يتطلّب رفع معدّل الضريبة بصورة متتابعة ،مما قد يرهق
كاهل المكلفين بدفعها ،ولهذا السبب أخذت الكثير من الدول باتّباع الضرائب المتعدّدة.
كما أنّ النظام الثاني (نظام الضرائب المتعدّدة) يقلّل من التهرّب الضريبي ،فإذا أفلح
المموّل في التهرّب من ضريبة وحيدة ،فإنّه يستحيل عليه التهرّب من كافة الضرائب.
- 69 -
...................................................................... ...................................................................................................
ناهيك على أنّ النظام الثاني يخفّف من العبء الضريبي على المكلّفين ،ألنّها متعدّدة،
نصيب ك ّل وعاءٍ على حدا(.)1
لهذه الدوافع فضلت مختلف الدول اتباع نظام الضرائب المتعددة ،لكن ال يجب االفراط
في كثرة عدد الضرائب بحيث ترتفع نفقات الجباية ،وتؤدي إلى عرقلة سير الحياة
االقتصادية في البالد(.)2
الحقيقة أن كل الضرائب تمس األفراد ،فالدولة دائما ما تطالب بها األشخاص الطبيعيين
أو المعنويين ،غير أننا نحاول التمييز بين الوعاء الخاضع للضريبة شخصا أو ماال(.)3
تعني األولى فرض الضرائب على األفراد اعتبارًا لوجودهم في الدولة وتحت حمايتها،
وقد عُرفت قديمًا بضريبة «الرؤوس» في جلّ الدول القديمة ،كفرنسا ،روسيا
القيصرية ...وغيرها ،وأمّا الثانية ،فتفرض على األموال ،أي األشياء والممتلكات التي
ال عقارية أو منقولة(.)4
يحوزها األشخاص ،سواءٌ كانت أموا ً
معدّل أو سعر الضريبة:
إنّ تحديد معدّل أو سعر الضريبة وضبط قيمتها يعدّ من اإلشكاليات التي تعترض
المشرع ،فعليه أن يراعي أسس العدالة الضريبية ،والمقصود هنا بمعدّل الضريبة؛ تلك
النسبة المئوية أو المبلغ المحدّد الذي تفرضه التشريعات الضريبية على المادّة الخاضعة
للضريبة ،وقد تكون ثابتة أو متغيّرة(.)5
- 70 -
...................................................................... ...................................................................................................
وتعدّ عملية تحديد نسبة أو معدّل الضريبة من العمليّات المعقّدة والشائكة في آن ،ألنّها
تخضع للظروف االجتماعية ،االقتصادية والسياسية( ،)1ومراعاتها يجب أن يقوم على
أسس سليمة لتحقيق العدالة الضريبية.
تقوم العدالة الضريبية على مبادئ ثالثة ،هي؛
،ويقتضي ذلك من المشرع توزيع أعباء الضريبة على
جميع األشخاص القادرين على المساهمة في األعباء العامة ،بعيدا عن التمييز بين
األشخاص على أساس طبقي أو األموال من االشتراك في دفع الضرائب.
،بحيث يجب أن يراعى عدم إلزام األشخاص
واألموال بدفع ضريبة أكثر من مرة.
،والتي تقوم على أن توزيع الضرائب على المواطنين
ال يجب أن يتفق مع المساواة في األنصبة المفروضة عليهم ،بل يجب مراعاة المقدرة
المالية لكل ممول ،وجعل الضريبة ذات سعر تصاعدي ،أي يزداد بازدياد مقدرة
الممول(.)2
تحصيل الضريبة :التحصيل عبارة عن النتيجة التي ينتهي إليها سن القوانين الضريبية
موضع التنفيذ( ،)3ويطلق هذا المصطلح على جملة العمليات الهادفة إلى نقل المبالغ
الضريبية من جيوب المفروضة عليهم إلى صناديق الخزينة ،وهي آخر مرحلة من
المراحل التي تمرّ بها الضريبة ،وتعتبر مرحلة مهمة ألنّ االخفاق في تحصيل الضريبة
يعتبر ضياع لك ّل الجهود والتكاليف التي أنفقت من أجل الضريبة(.)4
- 1المرجع نفسه.
- 2محمد حلمي مراد ،المرجع السابق ،ص.183
- 3المرجع نفسه ،ص.220
- 4عبد اهلل خبابة ،المرجع السابق ،ص.38
- 71 -
...................................................................... ...................................................................................................
تلتزم مصالح الضرائب بتحصيل الضريبة ،وهي متعددة كل حسب اختصاصه ،منها
المديريات ومصالح الجمارك(.)1
:يجمع علماء االقتصاد على تقسيم الضرائب إلى ضرائب مباشرة،
هي هي ضرائب على الدخل والثّروة ،بينما وأخرى غير مباشرة،
ضرائب على التداول واالنفاق ،بالرّغم من ذلك ال يوجد معيار ثابت ودقيق للتميّيز بين
هذين النوعين(.)2
:هي التي يتحمّل عبؤها في النهاية من يقوم بتوريدها إلى
الخزينة العمومية ،وقد عرّفها بعض الكتاب على أنّها الضريبة التي تفرض على
عناصر تتمتّع نسبيّا بالدوام واالستقرار (رأس المال ،العمل) ،ومن أمثلة ذلك؛
ضريبة الدخل ،ضريبة األرباح التجارية ،وأنواعها:
-الضريبة على الدخل IRG :تفرض على دخول المكلّفين ،أيّ تفرض على األموال
المكتسبة ،وهذه الضرائب تعدّ من أهم مصادر ايرادات الضريبة في الدول المتقدّمة،
فإذا كان المكلّف شخصًا طبيعيّا ،تكون الضريبة على دخول األشخاص ،امّا إذا كان
المكلّف شخصًا اعتباريّا على شكل شركة مساهمة في تحقيق دخل ،تسمّى الضريبة على
دخول الشركات.
-الضريبة على رأس المال :تعرّف بأنّها ذلك الجزء المفروض على اقتناء المال
وتملُّكِه سواء ت ّم انتاجه أو لم ينتج ،وتفرض هذه الضريبة على أساسين:
ضريبة الممتلكات :تسمّى أيضًا الضرائب الدورية أو المتجدّدة على رأس المال،
منها الضرائب على الثروة.
- 72 -
...................................................................... ...................................................................................................
الضرائب العرضية على رأس المال :هذا النوع يفرض بصورة متقطّعة أي عند
حدوث الواقعة ،مثل ضريبة التركة على نصيب الورثة(.)1
إنّ التمييز بين الدخل ورأس المال ال يخلو من الصعوبات ،لعدم وجود معايير واضحة
للتفريق بينهما ،فالشخص الذي يحصل 500ألف دج في السنة من سندات يملكها يعتبر
صاحب دخل ،غير أنه إذا أعاد استثمارها في شراء سندات جديدة وأسهم فإن هذا المبلغ
يصبح رأس مال ،ولهذا قيل أنّ المال يعتبر دخال أو رأس مال بحسب نية صاحبه ،لكن
هذا المعيار غير دقيق ،ألن الدخل يتميّز بخصائص متميّزة فيه ال تتوقف على النية
فقط ،ولهذا فإنّ الدخل يعدّ من الوجهة المالية الضريبية كل ناتج نقدي أو قابل للتقدير
بالنقود ،يأتي بصفة دورية من مصدر قابل للبقاء ،أما رأس المال فهو مجموع األموال
العقارية والمنقولة التي يمتلكها الشخص في زمن معين(.)2
:هي الضريبة التي يستطيع دافعها نقل عبئها إلى شخص
آخر ،يقتصر دور دافعها على دور محصّل الضريبة ،وبالتالي يكون هذا األخير
كوسيط بين الخزينة العمومية ودافع الضريبة ،ومن أمثلة ذلك؛ ضريبة االستيراد
والتصدير ،ضريبة االستهالك واإلنتاج ،وأنواعها:
-الضرائب على االنفاق :وهي تفرض في حالة استعمال الدخل وانفاقه في المجاالت
المختلفة ،وتفرض على السلعة بحدّ ذاتها على المراحل التي تمرّ بها هذه السلعة .ويتوقّف
حجم هذه الضريبة على حجم االستهالك ،فكلّما كانت القدرة الشرائية للفرد أكثر ،كانت
ن المستهلك هو
المردودية لهذه الضريبة أحسن ،رغم أنّ هذه الضريبة غير عادلة ،أل ّ
من يتحمّله في األخير.
- 73 -
...................................................................... ...................................................................................................
-الضرائب الجمركية :تفرضها الدولة على السلع المستوردة ،وهي تلك الضرائب
التي تفرض على السلع عند اجتيازها لحدود الدولة االقليمية بمناسبة استيرادها أو
تصديرها ،ومن أهدافها؛ حماية الصناعات المحليّة والصناعات الناشئة من المنافسة
األجنبية.
-الضرائب على التداول :هذا النوع من الضرائب يفرض على جزء من الدخل لم
يتمّ استهالكه أو على األموال الموجودة لدى األفراد عندما يقومون ببيعها أو نقلها
ألشخاص آخرين ،وتتعلّق هذه الضريبة بالتصرّفات القانونية التي يقوم بها األفراد،
والتي من شأنها تداول وانتقال الملكية ،كضرائب الطابع ( )Timbreوالتسجيل
(.)1()Enregistrement
لم تعد الضرائب في الوقت الحالي مجرد مورد مالي لتغطية النفقات العامة ،بل
أصبحت أداة في يد الدولة تستخدمها لتحقيق العديد من األغراض االقتصادية ،حيث
غدى تأثير الضرائب واضح على مختلف مناحي الحياة االقتصادية ،ضمن مجاالت
اإلنتاج واالستهالك ،الدخل ،األسعار ،التضخم واالنكماش واالستقرار االقتصادي،
ويبرز في هذا الشأن التوازن االقتصادي كأهم متغير توليه سياسة الحكومة المالية
والضريبية أهمية بالغة ضمن أولوياتها ،فهو مرتبط بالطلب والعرض الكليين ،ومن ثم
فإن له عالقة بمستوى التضخم ومشكلة االنكماش في االقتصاد الوطني والتي تسعى
الحكومة دائما لمكافحتهما.
تستخدم ال ضرائب في التخفيف من حدّة فترتي الرخاء والهبوط في الدورة
،فتعمد الدولة من خاللها االقتصادية ،حيث يترتب عن
إلى زيادة سعر الضرائب الموجودة وفرض ضرائب جديدة للوصول إلى تحقيق هدفين؛
- 74 -
...................................................................... ...................................................................................................
أحدهما هو إنقاص األرباح والدخول ،وبالتالي تقليل االستهالك مما يؤدي إلى خفض
الطلب الكلي ،ويحول دون االندفاع في اإلنتاج ،وأما الهدف الثاني فهو تمكين الدولة من
تكوين احتياطي مالي تستطيع إنفاقه في فترة الركود .أمّا الحالة الثانية التي تشكل فترة
الركود ،فتقوم الدولة بخفض سعر الضرائب للتخفيف عن المشروعات في زمن
ا النكماش حتى تتمكن من خفض أسعار منتجاتها فتزيد حركة التداول ومن ثم تشجيع
الطلب الكلي ،فضال عن ذلك يمكن أن تستخدم الدولة ما ادخرته في فترة الرخاء من
حصائل الضرائب في بعث االقتصاد وتشجيع حركيته(.)1
Taxe -
مورد مالي تحصل عليه الدولة ممن في حاجة إلى خدمة خاصة تنفرد الدولة
بأدائها( ،)2ولهذا تع ّد الرسوم من بين أهم اإليرادات العامة للدولة ،حيث تستخدم حصيلتها
في تمويل النفقات العامة ،وتحصل عليها الدولة من األفراد عندما يطلبون خدمة خاصة
من بعض مرافقها العمومية ،مثل الرسوم القضائية التي يدفعها الشخص حينما يطالب
بحقوقه أمام العدالة ،ورسوم االلتحاق بالجامعة ،أو لحصول خدمات أخرى معينة كالسفر
أو زيارة األماكن األثرية في الدولة( ...)3وغيرها.
إنّ نوع الخدمة التي تقدمها الدولة تختلف باختالف طبيعة الخدمة ذاتها ،فقد تكون عبارة
عن نشاط تبذله الدولة لمصلحة الفرد كتعليمه بالنسبة للرسوم الدراسية ،أو الفصل في
منازعة قضائية تخصه بالنسبة للرسوم القضائية ،أو إثبات تاريخ أو توثيق عقد بالنسبة
لرسوم التوثيق والشهر ،أو امتياز يمنح لفرد يخوله انتفاعا خاصا يمتاز به كالحصول
- 75 -
...................................................................... ...................................................................................................
على جواز السفر بالنسبة لرسوم الجوازات أو رخصة قيادة السيارة أو رخصة حمل
السالح بالنسبة لرسوم الترخيص بها(.)1
:
:يدفع الفرد الرسم في شكل نقدي وليس عينيا ،وهي وسيلة -
التعامل الحديثة(.)2
ن الشخص ال يدفع الرّسم إالّ بمناسبة حصوله على خدمة معيّنة
إّ
من الدولة ،والقاعدة أنّ الشخص حرٌّ في أن يطلب الخدمة أو ال يطلبها( ،)3فطلب الخدمة
من الدولة هو اختياري ،فال يلزم الفرد بدفع الرسم ملزما دون خدمة كما هو الحال في
الضريبة ،غير أن اإللزام يحدث حين يطلب الخدمة التي تفرض رسما(.)4
يرتبط الرّسم بخدمة خاصّة أو منفعة خاصة تعود على دافعه، -
()5
...وفي هذا يختلف الرسم عن الضريبة حين ومثاله؛ تلقّي العلم ،السفر ،التقاضي
تدفع األخيرة دون منفعة مقابلة لها ،وإنما المشاركة في تحمّل األعباء العامة(.)6
هناك تناسب بين تكلفة الخدمة والرّسم المقرّر من أجل االنتفاع بها ،وفي معظم األحوال
ال يزيد الرسم عن تكلفة انتاج الخدمة ،بل يق ّل عنها كما هو الحال في الرسوم التعليمية،
وفي بعض األحيان تتساوى الخدمة مع قيمة الرسم أو يغالي في بعض الرسوم تحقيقا
هدف معيّن يتّفق مع المصلحة العامة في المجتمع(.)7
- 76 -
...................................................................... ...................................................................................................
- 1المرجع نفسه.
- 2يسرى أبو العال [وآخرون] ،المرجع السابق ،ص ص.28-27
- 3عبد اهلل خبابة ،المرجع السابق ،ص ص.60-59
- 77 -
...................................................................... ...................................................................................................
:Amende -
هي عقوبة مالية أو مصادرة مالية يستوجب دفعها من قبل الشخص المعاقب إلى الخزينة
()1
في مدّة زمنية محدّدة ،وبالتالي فهي عقاب شخص بسبب العمومية بعد ثبوت إدانته
ن الغرامة لها طابع جزائي ،وهي تشكل موردا من
مخالفة القوانين واللّوائح ،ومن ثم فإ ّ
موارد الدولة لتمويل نفقاتها العامة(.)2
.
في ظل ما يعرف بالدولة المتدخلة لم يعد االهتمام كثيرا بتساوي اإليرادات مع النفقات
كما كان سائدا في عصر الدولة الحارسة ،فقد تفوق النفقات إيرادات الدولة ،مما يضطرها
لالعتماد على موارد مالية أخرى غير عادية ،وهذه الظاهرة أصبحت شائعة في ج ّل
الدول بعد الحرب العالمية األولى ،ألنّ الدولة أصبحت تتدخل في النشاط االقتصادي
بوسائلها المالية من أجل إحداث التوازن االقتصادي ،ناهيك عن اعتمادها على هذه
الموارد غير الع ادية للتسلح بعدما ازدادت مخاطر الحروب والنزاعات آنذاك ،ونذكر
من بين أهم هذه اإليرادات ما يلي:
:Emprunt publique -
:تعدّ القروض العامة أهم الموارد غير العادية للخزينة العمومية وأفضلها من
الموارد غير العادية األخرى ،لما لها من إيجابيات كثيرة على االقتصاد الوطني ،وحتى
نحدد تعرف القروض العامة علينا بعرض بعض التعاريف في هذا الشأن:
-القرض العام هو عبارة عن المال الذي تحصل عليه الدولة عن طريق االلتجاء إلى
الجمهور أو المصارف أو غيرها من المؤسسات المالية نظير تعهّدها بدفع فائدة سنوية
- 1بيرك فارس حسين ومنار عبد المحسن عبد الغني« ،التعويض والغرامة وطبيعتهما القانونية :دراسة تحليلية
(العراق) ،عدد 6:السنة الثانية ،ص.79 مقارنة»،
- 2عبد اهلل خبابة ،المرجع السابق ،ص.60
- 78 -
...................................................................... ...................................................................................................
محددة عن المبالغ المدفوعة ،وبرد قيمة هذه المبالغ دفعة واحدة أو على أقساط وفق
شروط القرض(.)1
-إنه مبلغ من المال تحصل عليه الدولة من خالل اللجوء إلى الغير (األفراد ،المصارف،
المؤسسات المالية) وتعهد برده مع الفوائد المترتبة عليه خالل مدته المحددة وفقا
لشروط(.)2
()3
من مورد ما لي يحصل عليه أحد أشخاص القانون العام (الدولة ،الوالية ،البلدية)
الجمهور ،أو البنوك أو غيرها من المؤسّسات المالية ،تتعهّد برد المبلغ مع الفوائد وفقًا
لشروط متّفق عليها(.)4
:للقروض العامة عدة أنواع مختلفة بحسب الزاوية التي ينظر
إليه ا نوع القرض ،فمن حيث المصدر تنقسم القروض إلى داخلية وخارجية ،ومن حيث
فترة سدادها هناك قروض قصيرة ،متوسطة وطويلة اآلجال ،ومن حيث حرية المكتتب
في المساهمة فيها هناك قروض اختيارية وأخرى إجبارية( ،)5ولهذا سوف نفصل أكثر
في هذه التقسيمات المتعدّدة:
:وتنقسم إلى -
قسمين؛
:تحصل عليها الدولة من األشخاص الطبيعيين أو المعنويين
الموجودين في اقليمها بغضّ النظر عن جنسيتهم ،فهو ال يزيد في الثروة على
مستوى االقتصاد الوطني ،ألنّ كميّة النقد الموجودة تبقى ثابتة.
-محمد الصغير بعلي ويسرى أبو العالء ،المرجع السابق ،ص.79 6
- 79 -
...................................................................... ...................................................................................................
- 80 -
...................................................................... ...................................................................................................
الجزائرية في عهد (أحمد أويحي) بفرض ذلك على الموظفين في قطاع الوظيف العمومي
في سنوات التسعينيات عندما كانت الدولة في حاجة إلى األموال.
لقد أصبحت القروض العامة في الفكر المالي الحديث أداة
مهمّة من أدوات السياسة المالية للحكومة ،من حيث تأثيرها على وضعية االقتصاد
الوطني ،وعلى الطلب والعرض الكليين ،وعلى مستويات التشغيل واإلنتاج وتوزيع
الدخل الوطني بين فئات المجتمع ،ولم تعد القروض أداة لتمويل النفقات فقط كما كان
سائدا في الفكر المالي التقليدي( ،)1غير أنّه في الحقيقة تترك القروض العامة بعض
اآلثار السلبية على المستوى االقتصادي واالجتماعي وعلى التوازنات المالية للدولة،
وفيما يلي هذه األثار:
:
بالنسبة للقروض الداخلية ؛ فإنّها ال تمثّل الزيادة الحقيقية في القدرة الشرائية داخل
ن كمية النقود ال تتغيّر.
البالد ،أي ال تزيد في الثروة ،أل ّ
بالنسبة للقروض الخارجية؛ فإنّه يمكن أن تكون:
الديون وفوائد الديون تمثّل عبئًا على خزينة الدولة ،خاصة إذا استعملت كقروض
استهالكية ال تد ّر منفعة على الثروة القومية.
التأثير على االنفاق العام ،بحث ينقص من جراء سداد الديون وفوائدها.
تلجأ الدولة في بعض الحاالت إلى إصدار النقود لسداد ديونها ،مما قد يؤدي إلى حالة
التضخّم في االقتصاد الوطني.
تفاقم الديون يؤدي إلى أزمة المديونية ،وقد يؤدي أيضا إلى فقدان الثقة بين الحكومة
والمقرضين في حالة عجز عن السّداد ،كما حدث للمكسيك بداية الثمانينيات.
- 81 -
...................................................................... ...................................................................................................
تعرّض الدولة إلى االستعمار أو الوصاية أو فرض شروط اقتصادية قاسية( ،)1كما
حدث في حقب تاريخية سابقة.
:
القروض االستثمارية لها فوائد كبيرة على االقتصاد الوطني وتؤدي ثمارها إلى
األجيال القادمة.
تستخدم القروض في حاالت الحروب وفي حاالت الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية،
فهي التي تغطّي مصاريف الحرب من جهة وهي المنقذ األساسي لسدّ الخطر من جهة
أخرى.
القروض األجنبية ضرورية لتمويل مختلف االستثمارات ،سيما الدول التي تعاني من
ندرة في رؤوس األموال(.)2
تساهم القروض خاصة الداخلية ومنها االجبارية في التخفيف من بعض آثار التضخم،
من خالل دخول األموال إلى الخزينة العامة ،ومن ثمة إمكانية امتصاص فائض النقود
الزائد عن الكتلة النقدية في االقتصاد الوطني ،كما تساهم في فترات الكساد من خالل
سعي الحكومة إلى تشجيع الطلب الكلي الفعّال ،وهي بذلك وسيلة استراتيجية لمعالجة
االختالل بين الطلب الكلي والعرض الكلي.
-
تتجسّد عملية اإلصدار النقدي في تدخّل البنك المركزي في إمداد الخزينة العمومية
بالنقود التي يقوم بإصدارها بناءًا على طلبها ،بشرط أن تمنحه مقابل ذلك سندات
عامة ،على أساسها يصدر النقود.
- 82 -
...................................................................... ...................................................................................................
كما تتجسّد هذه العملية في تدخّل البنك المركزي في السوق المالية لشراء مختلف
السندات المالية ،وخاصة السندات العامة (سندات الخزينة العمومية) ،وعلى
أساسها يت ّم إصدار النقود(.)1
- 83 -
...................................................................... ...................................................................................................
المحور الخامس:
الميزانية العمومية
.1التعريف بالميزانية العامة
.2أهمية الميزانية العامة
.3مبادئ وقواعد الميزانية العامة
.4دورة الميزانية العامة
- 84 -
...................................................................... ...................................................................................................
Budget publique
:
إذا كنا قد عرجنا في الحورين السابقين على دراسة النفقات واإليرادات العامة فإنه
يفرض أن يستتبع ذلك تناول موضوع الميزانية العامة ،على اعتبار أنّها تنظيم مالي
يتقابل فيه كل من النفقات واإليرادات في برنامج متكامل ،يتمّ توجيههما لتحقيق أهداف
السياسة المالية واالقتصادية ،حيث يتطلّب هذا البرنامج أن تقوم الدولة أوال ببيان أوجه
نفقاتها لتلبية االحتياجات العامة وممارسة مختلف أنشطتها ،ثم تبحث في مختلف السبل
لتحصيل إيراداتها لتغطية تلك النفقات ،هذه األمور يجب أن تكون في إطار قانوني يحدد
في شكل برنامج لمدة سنة ،يضمّ جانب النفقات العامة وجانب اإليرادات العامة يطلق
» ،أما العمليات التي تتضمّن إجراءات توفير األموال العامة عليه ب «
الالزمة لتسيير المرافق والهيئات العامة للدولة ،وحسن سير استخدامها بكفاءة اقتصادية
». ممكنة فإنّها تطلق على ما يسمى ب «
فما هو تعريف الميزانية العامة؟ وما هي أهميتها على مختلف األصعدة؟ ماهي المبادئ
والقواعد التي تقوم عليها؟ وما المقصود بدورة الميزانية؟ وماهي مراحلها؟
.
» إلى تمييزها عن باقي الميزانيات يهدف تحديد تعريف مصطلح «
األخرى ،كالميزانية التكميلية ،وميزانيات الجماعات المحلية ،والميزانية المستقلة
والميزانية غير العادية.
استخدمت كلمة «ميزانية» في السابق بإنجلترا في ثورة عام 1688ثم فرنسا بعد
ثورة عام ،)1(1789وهي فكرة حديثة كانت تعني حقيبة نقود أو محفظة عامة ،وكانت
- 85 -
...................................................................... ...................................................................................................
تستخدم لح فظ كشوف إيرادات الدولة ونفقاتها ،وهذا التعبير استعمله اإلنجليز لوصف
الحقيبة الجلدية التي كان يحملها وزير المالية عند ذهابه للبرلمان ،إذ كانت تحفظ فيها
كشوف احتياجات الحكومة من إنفاق وموارد مالية ،كما استخدمت أيضا للتعبير عن
المستندات التي تحفظ في هذه الحقيبة وهي تحوي الخطة المالية التي تعرض على الهيئة
التشريعية للتصديق عليها ،وبعدها شاع استخدامها كتعبير عن الذمة المالية للدولة ،أي
ما عليها وما لها من أموال ،وهو مقصود ميزانية الدولة في المفهوم الحديث(.)1
تمثل الميزانية العامة بيانات لتوقعات ما تنفقه وما تحصّله الحكومة من إيرادات
خالل فترة زمنية تقدر بسنة ،فتضبط هذا التوقّع قبل أن تعرضه على البرلمان ،فتصبح
بنود النفقات واإليرادات وما يتضمنان من مال في شكل برنامج عمل الدولة خالل الفترة
الزمنية المحددة له ،حيث تعكس سياستها في مختلف المجاالت االقتصادية والسياسية
واالجتماعية( ، )2على أن يصدر ذلك البرنامج في شكل وثيقة قانونية يُصادق عليها،
». وتسمى «
«: إذن
()3
- 86 -
...................................................................... ...................................................................................................
:ألنها توقع وتقدير واستشراف لما سيكون عليه الحال في المستقبل وهي
من نفقات الدولة وإيراداتها.
:ألنها تشمل بيان النفقات من جهة واإليرادات من جهة أخرى، ثم أنها
فيمكن بذلك معرفة ما إذا كانت الميزانية متوازنة ،أي تساوي اإليرادات مع النفقات ،أو
إن بها فائضا أي تزيد إيراداتها عن نفقاتها ،أو وأن بها عجزا حيث تزيد نفقاتها على
إيراداتها(.)1
وتكون مدة صالحية الميزانية عادة بسنة مقبلة ،تسمى سنة مالية ،وتختار مدة سنة لكونها
المدة المناسبة والكافية ،فهي فترة كاملة الفصول فيما يتعلق باإلنفاق العام وتحصيل
الجباية وباقي اإليرادات ،فضال عن كفاية وكفاءة وظيفة الرقابة خالل هذه المدة(.)2
.
للميزانية أهميتها البالغة على المستوى السياسي ،االقتصادي ،االجتماعي والقانوني؛
:
ي أيا كان شكل الحكم في البالد ،فال يمكن أن
تعدّ الميزانية العامة أمر ضرور ّ
تسير المصالح العامة سيرا منتظما بدونها ،فهي وثيقة إدارية قانونية تبين فيها النفقات
واإليرادات االحتمالية للمستقبل( ،)3وهي من الناحية السياسية ذات أهمية كبيرة في الدول
ذات النظم الديمقراطية ،حيث يجيز نواب البرلمان للسلطة التنفيذية إنفاق المصروفات
وتحصيل اإليرادات الواردة في الميزانية في كل عام ،وهذه داللة على إخضاع الحكومة
للرقابة من قبل البرلمان ،الذي يمكن أن يعارض ،أو يعدّل في بنودها أو يوافق عليها،
فضال عن ذلك فإنّه مما يزيد من هذه األهمية أنّ معظم االحتجاجات والثورات
واالضطرابات التي تحدث في مختلف الدول ترتبط أساسا باألحوال المالية ،وما يترتب
- 87 -
...................................................................... ...................................................................................................
على ذلك من زيادة المطالب من المواطنين بتوسيع أكثر لسلطته فيما يتعلق باإلشراف
على المسائل المالية في النظام السياسي(.)1
:
ال تق ّل أهمية الميزانية من الناحيتين االقتصادية واالجتماعية عن الناحية السياسية،
وتبرز هذه األهمية عندما يكون دور الدولة في الحياة االقتصادية واالجتماعية بارزا
أكثر ،فبفضل الميزانية تقوم الدولة بتعديل توزيع الدخل الوطني بين الفئات االجتماعية
وتخفيف الهوة بين الطبقات وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين ،سواء عن طريق
النفقات أو اإليرادات العمومية ،كما تستطيع الدولة بفضل الموازنة في التأثير على
اإلنتاج الوطني ،وعلى االستهالك الوطني ،وعلى الطلب والعرض الكليين ،ومن ثم
المحافظة على استقرار االقتصاد الوطني بعيدا عن الموجات التضخمية أو االنكماشية
التي قد تعترض النشاط االقتصادي(.)2
لقد زادت هذه األهمية ضمن هذين الجانبين في العصر الحديث ،وأصبح دورها
أكثر توسعا عما كان سائدا في السابق ،ولم تعد الميزانية تقتصر على تنفيذ األدوار
التقليدية للدولة من حفظ لألمن والدفاع الوطني وتحقيق العدالة وسير األمور اإلدارية،
بل أهدافها تجاوزت ذلك إلى ما هو أوسع وأعمق ،فغدت تهدف إلى تحقيق االستخدام
()3
لتشمل مختلف مناحي الحياة العامة. الكامل وتعبئة الموارد االقتصادية
.
لقد سطّر الفكر المالي التقليدي جملة من المبادئ أو القواعد األساسية للميزانية
العامة ،وجعلها بمثابة األسس التي تحكمها وتنظمها ،وتحدّد ضوابط تقديمها للسلطة
التشريعية العتمادها ،وهذه المبادئ هي أربعة :وحدة الميزانية ،سنوية الميزانية ،توازن
- 88 -
...................................................................... ...................................................................................................
الميزانية وعمومية أو شمولية الميزانية ،وتهدف هذه القواعد إلى تسهيل التعرف على
المركز المالي للدولة من خالل فحص الميزانية وعملية الرقابة على تنفيذها ،وقد استمر
الفكر الحديث في المالية العمومية على اعتماد هذه القواعد ،حيث ثبّتها وساير
تطورها( ،)1نحاول التفصيل في هذه القواعد فيما يلي:
( :)Principe d’unitéيقصد بهذا المبدأ أن تدرج جميع النفقات أ-
واإليرادات العامة في وثيقة ميزانية واحدة ،وهي ميزانية الدولة العادية ،دون إدراج
الموازنات األخرى ضمنها( ،)2حيث يرى بعض علماء المالية أنّ وضع الميزانية العامة
فلكل منها طابعها الخاص( .شرح بعض
العادية يكون مستقّالً عن الميزانيات األخرىٍّ ،
الميزانيات في الهامش) فيجب أن توضع عناصر اإليرادات العامة والنفقات العامة في
بيان واحد دون تشتّتها في بيانات مختلفة ،أي وضعها في خطة واحدة ،والهدف من ذلك
هو تسهيل عرض الميزانية وتوضيحها ،ووضعها تحت نظر السلطة التشريعية ،وتسهّل
مهمّة ترتيب أولويات اإلنفاق العام للدولة ككل(.)3
( )Principe de l’annualité budgétaireوتعني الحياة
المالية للدولة( ،)4حيث جرت العادة على أن تعد الميزانية لمدة سنة تسمى «السنة
المالية» ،وهذا لبعض االعتبارات:
هناك عدّة أشكال للميزانيات في الدولة تختلف عن الميزانية العادية نذكر منها؛
توضع خصيصا لعمل طارئ كالحروب ،الكوارث ومشاريع استثمارية كبيرة مثل بناء السدود وانشاء
الطرق السيار ...الخ ،وتغطّى نفقاتها غير العادية من إيرادات غير عادية كالقروض.
؛ يقصد بها ميزانية المشروعات العامة ذات الطابع االقتصادي التي منحت الشخصية المعنوية ،وال تخضع
لقواعد الميزانية العمة العادية وال تعرض على البرلمان.
؛ هي تكميلية بالنسبة للميزانية العمومية العادية ،حيث يتم إلحاقها بها في حال إقرار زيادة في اإلنفاق أو
اإليرادات.
-عبد اهلل خبابة ،المرجع السابق ،ص ص.69-68 3
-محمد الصغير بعلي ويسرى أبو العالء ،المرجع السابق ،ص.91 4
- 89 -
...................................................................... ...................................................................................................
مدة سنة هي أصلح مدة لعمل الحكومة في تقدير النفقات واإليرادات ،فهي
حد طبيعي لتكرار العمليات المالية ،وهي دورة كاملة الفصول.
تعتبر مدّة سنة فترة مناسبة لممارسة الهيئة التشريعية وظيفة الرقابة
على الحكومة فيما ي تعلّق بتصرّفاتها المالية ،فلو قصرت هذه المدّة ألصبحت الرقابة
مرهقة ،ولو طالت لضعفت الرقابة(.)1
نجد في التشريع الجزائري هذه القاعدة ،حيث تنص المادة 3من القانون رقم 17-84
المتعلّق بقوانين المالية على« :يقر ويرخص قانون المالية للسنة ،بالنسبة لكل سنة
مالية ،)2(»...وهو نفس المبدأ الذي يسري على ميزانيات اإلدارات المحلية(.)3
( :)Principe d’équilibreيقصد بهذا المبدأ تساوي جملة اإليرادات ج-
العامة مع جملة النفقات العامة( ،)4أي بقدر ما تنفق الدولة يجب أن يقابله ضرورة ما
تجبيه من موارد مالية ،وهو ما يطلق عليه بالتوازن المالي.
،أمّا إذا فإذا زاد مقدار النفقات العامة عن مقدار اإليرادات العامة معناه أنّ هناك
في زاد مقدار اإليرادات العامة عن مقدار النفقات العامة معناه أنّ هناك
الميزانية( .)5وفي كلتا الحالتين ،فإ ّ
ن ذلك يعبّر عن عدم التوازن في الميزانية العمومية،
وقد جرت العادة على االهتمام فقط بحالة العجز ألنّه قد يسبب مشاكل مالية للدولة ،أما
الفائض فيصنّف ضمن حالة التوازن المالي ،كما أنّ علماء المالية العامة المعاصرون
ال يركّزون على توازن الميزانية في ح ّد ذاته بقدر ما يهمّهم ضرورة تكييف الدولة
للحالة االقتصادية ولو كان ذلك على حساب الفائض أو العجز في الميزانية العمومية
« -قانون رقم 17-84مؤرّخ في 8شوال عام 1404الموافق 7يوليو سنة ،1984يتعلّق بقوانين المالية»، 2
- 90 -
...................................................................... ...................................................................................................
(أي التركيز على توازن االقتصاد الوطني بين العرض الكلّي والطلب الكلّي) ،مستشهدين
بذلك من تجربة تدخل الدولة بعد أزمة الكساد العالمي لعام .1929
( :)Principe d’universalitéويعني أنّ تتضمّن د-
الميزانية العامة قسمين؛ القسم األوّل خاص باإليرادات العامة والقسم الثاني خاص
بالنفقات العامة دون الربط بينهما ،بحيث يظهر كلّ قسم مستقالّ عن اآلخر ،مما يشكّل
ذلك وضوحا بارزا ،وهو ما يسهّل عمل في الرقابة البرلمان على بنود الميزانية(.)1
وإذا كان الهدف من مبدأ العمومية هو إحكام رقابة السلطة التشريعية على الميزانية
العامة من إجازة إيرادات ونفقات المرافق الحكومية ،فإنّ هناك قاعدتين إلى جانبها،
هما:
( :)2ويقصد بذلك أال يخصّص مصدر إيراد معيّن
من قنوات االيراد إلنفاق حصيلته على نوع معيّن من اإلنفاق ،كما لو تخصّص
رسوم الجامعة على أوجه النفقات العمومية الخاصة بالجامعة ،وإنما ينبغي أن
تدرج جميع أوجه اإليرادات ضمن وعاء واحد على جميع أوجه االنفاق دون
تخصيص ،غير أن الحكومة قد تخرج عن هذه القاعدة في بعض الحاالت كأن
يخصّص إيراد قرض معين على إنفاق حصيلته على مجال معين مثل إنشاء سد
أو طريق أو مشروع استثماري محدد.
:ويقصد بذلك أنه ال يجوز للسلطة التشريعية
التصديق بشكل إجمالي على النفقات العامة في الميزانية ،وإنّما يجب تخصيص
مبلغ معين لكل قطاع بمفرده ،مما يسمح للمجالس المنتخبة ممارسة دورها في
الرقابة على أوجه اإلنفاق بتفصيالته(.)3
- 91 -
...................................................................... ...................................................................................................
.
المقصود بدورة الميزانية؛ هو مجموع األنشطة والعمليات المكونة للميزانية العامة للدولة
بالنظر لما تتصف به هذه العمليات من الدورية واالستمرار( ،)1وتتركّز هذه األنشطة
والعمليات في مختلف المراحل التي تمرّ بها الميزانية العامة من إعداد ،اعتماد ،تنفيذ
ومراقبة وإعادة إعدادها مرّة ثانية لفترة مستقبلية.
المقصود بهذه المرحلة هو تحضير الميزانية عن طريق وضع تقديرات النفقات وما
يلزمها من إيرادات تحدّد بالتقدير( ،)2وهي بمثابة حجر الزاوية ،وهي عمليات فنية
()3
تقوم بها الحكومة كمرحلة أولى لدورة الميزانية العمومية. وإدارية
ولمّا كان أساس هذه المرحلة هو التقدير ،فيجب التزام الدّقة إلى أقصى ح ّد حتى ال
تتفاجأ الدولة أثناء التنفيذ بغير ما توقّعت ،فينتج عن ذلك آثار سلبية كان يمكن تجنّبها
في مرحلة اإلعداد( ،)4سيما إذا تعلّق األمر باإليرادات العامة ،فتقديرها يعدّ أكثر صعوبة
ن ذلك مرتبط بجميع المتغيّرات االقتصادية ،وتوظّف في ذلك الحكومة
وأشدّ تعقيدا ،أل ّ
طرقا عدة للتقدير أشهرها التقدير اآللي والتقدير المباشر ،فإمّا الطريقة األولى فتعتمد
على وضع قواعد لتقدير اإليرادات تجنبا لالجتهادات الشخصية ،مثل «طريقة السنة قبل
األخيرة» ،وإن كانت فيها زيادة يت ّم إضافتها بشكل نسبي ،أمّا طريقة التقدير المباشر
فهدفها التنبؤ واالستشراف باتجاهات كل مصدر من مصادر اإليرادات ،وتقدير حصيلته
بناءًا على دراسة مباشرة(.)5
- 92 -
...................................................................... ...................................................................................................
أغلب ما هو شائع في مختلف األنظمة أنّ إعداد الميزانية والتحضير األوّلي يت ّم من
طرف السلطة التنفيذية (اإلدارة العامة) ،نظرا لما تتمتّع به من إمكانيات ووسائل تسمح
لها بذلك ،فهي التي تدير مختلف اإلدارات والمرافق العمومية ،وهي األقدر على تحديد
الحاجيات التي يتطلّبها المجتمع ،وهو األسلوب السائد في جميع الدول ،وتختلف دقّة
()1
واألوضاع االقتصادية التقديرات من دولة إلى أخرى طبقًا للنظام االقتصادي
واالجتماعية لها.
تنطلق هذه المرحلة المتعلقة بالتحضير واالعداد من القاعدة إلى القمّة في هرم اإلدارة
العامة أو الحكومة (من األسفل إلى األعلى) ،فتبدأ بالوحدات اإلدارية إلى أن تنتهي إلى
السلطات المركزية والوزارات ،ويتم رفعها إلى وزارة المالية ،وهي تقوم بتحليلها
و دراستها للتأكّد من صحّة التقديرات وصحّة األسس التي بُنيت عليها هذه التقديرات،
دون نقص أو مغاالة في عناصر اإلنفاق وكذا اإليرادات المقترحة ،ثمّ تعدّ الميزانية
العامة للدولة ،وتقوم الحكومة عن طريق وزير المالية بعرضها على البرلمان لمناقشتها
وفحص أوجه اإلنفاق العام المرصود لمختلف القطاعات وأوجه اإليرادات ،وما يترتّب
على ذلك من فرض ضرائب جديدة ورسوم جديدة ،أو رفع الضرائب والرسوم ،أو
إنشاء قروض عامة ،لكن قد يترك مشروع الميزانية على ما هو عليه في الميزانية
السابقة دون زيادة أو نقصان ،أو تقوم بتعديل بعض األوجه من االنفاق وااليرادات
بالنظر إلى التغيّرات االقتصادية واالجتماعية التي يمكن أن تحدث في الدولة(.)2
في جل الدول الحديثة يتولى هذه المرحلة ممثلو البرلمان بصفتهم يمثلون الشعب ،حيث
تبدأ السلطة التشريعية بمناقشة النفقات العامة واعتمادها أوال من أجل أن تستطيع تقديم
- 93 -
...................................................................... ...................................................................................................
برامج االنفاق وفق الحاجات العامة دون ربطها باإليرادات العامة ،ثم تنتقل إلى مناقشة
اإليرادات من خالل المفاضلة بين البدائل المتاحة لتمويل برنامج الحكومة اإلنفاقي ،ثم
يت ّم التصويت عليها ، وإن حدث وتأخّرت السلطة التشريعية في اعتماد الميزانية عن
بداية السنة المالية الجديدة ،عندئذ يجب عليها تأمين بدائل الستمرار العمل في الدولة،
حتى ال ينجرّ عنه توقيف لمصالح البالد وشؤون المواطنين ،وقد يت ّم العمل بميزانية
السنة الماضية ،وهذه اإلجراءات هي مختلفة من بلد آلخر ومن نظام إلى آخر( ،)1أما
إذا رفض البرلمان مشروع الميزانية تستقيل الحكومة وتعين حكومة جديدة في مدة معينة
ويتم تحضير ميزانية جديدة لتعرض على السلطة التشريعية من أجل اعتمادها ،وفي
حال الرفض مرة أخرى يقوم رئيس الجمهورية بحل البرلمان لتتمّ انتخابات تشريعية
مسبقة في غضون مدة زمنية محددة ،ويتولى البرلمان الجديد اعتماد الميزانية العمومية
وفق ما ينصّ عليه التشريع الجزائري في هذا المجال.
تسند عملية تنفيذ الميزانية بعد اعتمادها إلى السلطة التنفيذية ،من خالل الوزارات
والهيئات والمؤسّسات العامة الممثلة لها على المستوى المركزي والالمركزي ،وهذه
العملية يتمّ بمقتضاها تطبيق ما تمّ اعتماده من قبل البرلمان ،وهي معتمدة في شكل قانون
هو «قانون المالية»( ،)2وعلى السلطة التنفيذية أن تلتزم بتحصيل جميع اإليرادات العامة
مثلما أجاز لها البرلمان صرف جميع النفقات التي رصدتها خالل مرحلة االعداد ،غير
أنّه يمكن أن تحدث أخطاء أثناء عملية التنفيذ ،فعملية التحضير والتقدير قد يشوبها
التصويت على الميزانية العامة في التشريع الجزائري يتم بشكل إجمالي Globalementخالفا لميزانيات
ال جماعات اإلقليمية التي يصوت عليها بابا بابا وفصال فصال ومادة مادة ،غير أن بعض النظم في العالم تخوّل
للبرلمان التصويت على الميزانية بصورة مفصّلة (بابا بابا ،فصال فصال ومادة مادة) ،أنظر:
محمد الصغير بعلي ويسرى أبو العالء ،المرجع السابق ،ص ص.104-103
-طاهر الجنابي ،المرجع السابق ،ص ص.120-119 1
- 94 -
...................................................................... ...................................................................................................
أخطاء ،وبالتالي البد أن تكون هناك إجراءات لمعالجة الخلل أينما حدث خالل التنفيذ،
وتتمثل هذه األخطاء فيما يلي:
:خالل عملية التنفيذ قد يحدث أالّ يتطابق مجموع اإليرادات
المحصّلة فعليّا مع مجموع اإليرادات المقدّرة في الميزانية العامة ،فيحدث ما يلي:
في حالة عدم كفاية اإليرادات لتنفيذ
خطّة الدولة ومشروعاتها ،تلجأ الحكومة إلى تغطية العجز عن طريق زيادة سعر
الضريبة القائمة أو فرض ضرائب جديدة ،أو االقتراض أو إصدار النقود ،شرط أن
أمّا إذا حدث عدم تطابق في بنود اإليرادات بما ال يؤثّر يمرّ ذلك عبر البرلمان
على المجموع اإلجمالي لإليرادات ،إذ أنّ ذلك يعتبر من قبيل األخطاء المعوّضة
ن
(زيادة في بند من اإليرادات يقابله عجز مماثل في بند آخر) فال توجد مشكلة ،أل ّ
اإليرادات ال تخصّص لمصروفات بذاتها ،وإنّما تعتبر وعاء واحد يصرف منه برمّته
على أوجه اإلنفاق(.)1
ينتج عن ذلك زيادة في اإليرادات دون
استخدام ،فتضاف هذه الزيادة إلى الحساب المالي االحتياطي ،ويتمّ هذا في الحساب
الختامي للدولة(.)2
هناك حالتان:
قد يقلّ ا العتماد المخصّص لباب معيّن عن المصروف الفعلي ،وفي هذه الحالة تلجأ
الحكومة إلى السلطة التشريعية لموافقتها على اعتماد إضافي لتغطية هذا العجز
وبشروط معقّدة(.)3
- 95 -
...................................................................... ...................................................................................................
قد يحدث خطأ بالنقص في بعض أبواب النفقات العامة يعوّضه زيادة في باب آخر،
ال في حدود ضيّقة جدّا ،ألن
تعويضه كما هو الحا ل في اإليرادات العامة إ ّ
القاعدة في اعتماد النفقات كما قلنا سلفا هو تخصيصها ،وسبق اعتمادها من طرف
السلطة التشريعية بشكل مفصّل(.)1
أنّ هذه اإلجراءات المعقّدة والمتشابكة فيما يخص األخطاء االحتمالية التي قد تحدث
أثناء عملية التنفيذ ت قودنا إلى القول بأنّ عملية تحضير واعداد الميزانية العمومية ج ّد
ن دقة التقدير والتزام الصرامة في العمل يجنب الدولة مشاكل كثيرة أهمّها
مهمّة ،أل ّ
عرقلة المشاريع التنموية وأنشط ة االقتصاد الوطنية التي قد تتعطّل أو تتوقف ،ومن ثم
يجب على الحكومة تفادي مثل هذه األخطاء من البداية.
يراقب تنفيذ الميزانية ألنها تتعلق أساسا بالمال العام ،والحقيقة أنّ عملية الرقابة للميزانية
متعدّدة وتأخذ عدّة صور ،والمقصود هنا بمراقبة تنفيذ الميزانية هو أن يتمّ التأكد من أنّ
اإلنفاق تمّ بالشكل الذي ارتضاه البرلمان ،خاصة باعتباره ممثّل الشعب ،ألنّ جزء من
اإليرادات العامة هي أساسًا جزء من دخول أفراد الشعب .ولهذا فإنّ مراقبة تنفيذ
الميزانية قد تكون رقابة سابقة على التنفيذ أو أثناءه أو الحقة له ،كما أنّ الرقابة على
تنفيذها قد تكون رقابة إدارية ،أو رقابة سياسية ،أو رقابة األجهزة المستقلّة(.)2
فأمّا الرقابة الالحقة فتتم عند انتهاء السنة المالية وتحضير الحساب الختامي للدولة ،وهي
مقتصرة على النفقات وااليرادات معا ،تمارسها عدة جهات في الدولة (كما نبيّن ذلك
في العناصر المتبقية) ،أما الرقابة أثناء التنفيذ فهي تتعلّق بعمليات المتابعة التي تجريها
الجهات المختصة في الدولة كالمجالس النيابية وأجهزة اإلدارة (الرئيس على مرؤوسيه
- 96 -
...................................................................... ...................................................................................................
في اإلدارة) أو األجهزة المستقلة( ،)1وأمّا الرقابة السابقة فهي في الحقيقة رقابة أثناء
اعتماد الميزانية من قبل أعضاء البرلمان ،فقبل تصويتهم يناقشون بنود الميزانية العامة،
ويمكن لهم التساؤل عن الفرق بين اإليرادات والنفقات ومعالجته ،وهذه في حدّ ذاتها تع ّد
رقابة سابقة تسبق عملية التنفيذ.
تقوم بها الحكومة على نفسها ،وهي تتضمّن كيفية تنفيذ الميزانية،
وإدارة األموال العامة ،يقوم بهذه الرقابة موظّفون حكوميّون ،وهم الرؤساء (المدراء)
على مرؤوسيهم في اإلدارة ،وتقوم وزارة المالية بالرقابة عن طريق قسم مالي خاص
Contrôleur financier يتبع وزارة المالية ،يسمّى في الجزائر
وتتناول هذه الرقابة عمليات التحصيل والصرف التي يأمر بها الوزراء ،أو من ينوبهم،
()2
وذلك للتحقّق من تطابق أوامر الصرف مع القواعد المالية المقرّرة في الميزانية
باعتبارها قانونا ،كما أنّ هناك أيضًا المفتشيّة العامة للمالية ( ،)I.G.Fالتي لها أدوار
مهمة في الرقابة والتفتيش وكشف األخطاء الفعلية واالنحرافات المتعلّقة بالمال العام،
وهي أساسا رقابة أثناء التنفيذ أو بعده ،وهذا الجهاز تابع في األساس لوزارة المالية يقوم
بزيارات إلى مختلف المؤسسات والهيئات ويصدر تقارير عن األعمال التي يقوم بها،
ويحقّق في بعض عمليات التنفيذ المشوبة.
تتحقّق هذه الرقابة عن طريق إلزام الحكومة بتقديم حساب ختامي
في نهاية السنة المالية للبرلمان يبيَّن فيه ما تمّ جبايته فعالً من إيرادات وما تمّ صرفه
من نفقات ومدى مطابقة ذلك لما ورد في الميزانية العامة( ،)3وسميت بالسياسية ألنّ
أعضاء البرلمان من مختلف التشكيالت السياسية هم من يمارسون ذلك تحت لواء
أحزابهم السياسية.
- 97 -
...................................................................... ...................................................................................................
- 98 -
...................................................................... ...................................................................................................
-
يمكن للطلبة في قسم العلوم السياسية ،كلية الحقوق بجامعة المسيلة االعتماد على المراجع
الواردة في هذه المطبوعة ،كما يمكن لهم االستعانة بمراجع في مكتبة الكلية سواء في
العلوم السياسية أو القانونية.
-القرآن العظيم.
،مطبوعة -حراق مصباح،
محاضرات .2015-2014
،الجزائر :مطبعة الرابط، -عبد اهلل خبابة،
[د.س.ط].
،القاهرة :مطبعة نهضة مصر.1960 ، -محمد حلمي مراد،
-أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي،
،الكويت :مكتبة دار ابن قتيبة.1989 ،
،ج ،1ترجمة :حسني زينه ،بغداد :معهد الدراسات -آدم سميث،
االستراتيجية ،ط.2007 ،1
- 99 -
...................................................................... ...................................................................................................
« -قانون رقم 17-84مؤرّخ في 8شوال عام 1404الموافق 7يوليو سنة ،1984
ل (ج .ج .د .ش) ،السنة ،21:عدد ،28 :ل يتعلّق بقوانين المالية»،
10جويلية .1984
« -قانون رقم 07-12مؤرّخ في 28ربيع األول عام 1433الموافق 21فبراير سنة
ل (ج .ج .د .ش) ،السنة ،49:عدد ،12 :ل ،2012يتعلّق بالوالية»،
29فبراير .2012
-ونادي رشيد« ،آلية تدخل الدولة في النشاط االقتصادي عبر سياستها المالية»،
(جامعة بسكرة – الجزائر :كلية العلوم االقتصادية والتجارية وعلوم
التسيير) ،عدد ،9:جوان ،2011ص ص.121-107
-بيرك فارس حسين ومنار عبد المحسن عبد الغني« ،التعويض والغرامة وطبيعتهما
القانونية :دراسة تحليلية مقارنة»،
(العراق) ،عدد 6:السنة الثانية ،ص ص.125-78
.................................................................................
....................................................
............................
..............
.............................
............................
...........................
- 99 -
.................................................................