Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 2

‫نشأة علم الجريمة (اإلجرام)‬

‫نشأ علم الجريمة نشأة فلسفية بعيدة عن الروح العلمية‪ ،‬ترجع إلى أيام "سقراط وأفالطون‬
‫وأرسطو"‪ ،‬إذ كان هؤالء الفالسفة يعزون الجريمة إلى نفس فاسدة وشريرة أسبابها عيوب‬
‫الخلقة والجسم‪ .‬فـ" سقراط"‪ Socrates "471-399 0‬ق‪ .‬م" اتخذ اإلنسان نموذجاً حياً لفلسفته‬
‫وتحدث عن الفضيلة والرذيلة‪ ،‬وأعد الجهل أساساً للجريمة‪ ،‬والمعرفة أساساً للسلوك القويم‪.‬‬
‫أما "أفالطون" "‪ 346-427‬ق‪ .‬م" ‪ Plato‬فقد صنف المجرمين إلى فئتين فئة يمكن تأهيلها‬ ‫ّ‬
‫وإ صالحها‪ ،‬وأخرى‪ 0‬ال يمكن تأهيلها وال تقويمها وهي الفئة التي يجب استئصالها والتخلص‬
‫منها حيث ال فائدة ترجى منها للمجتمع‪ ،‬وجاء بعده "أرسطو" ‪ Aristotle "384-322‬ق‪ .‬م "‬
‫الذي كشف العالقة بين سلوك اإلنسان وبين بعض سماته الجسمية‪ .‬وبقي هذا االتجاه الفلسفي‬
‫قائماً حتى العصور الوسطى حيث سادت نظرية تقول‪ :‬إنه يمكن الوقوف على طباع الشخص‬
‫من خالل فحص خطوط‪ 0‬يديه ورجليه وجبينه وغير ذلك من العالمات الجسمية‪ .‬ثم تلت هذه‬
‫النظرية نظرية أخرى تربط الجريمة بالكواكب فتعلق مصير اإلنسان على الكوكب الفلكي الذي‬
‫كان متسلطاً عليه عند والدته‪ ،‬فيما لو كان كوكباً طيباً أو خبيثاً‪ ،‬وقد تلى ذلك بحوث لعدد كبير‬
‫من العلماء منهم من ربط الجريمة بطبائع فردية تكشف عنها عيوب خلقية ظاهرة سواء في‬
‫العينين أو في الجبهة أو في غيرهما‪ ،‬العتقادهم أن التكوين الخلقي أو العضوي‪ 0‬ال يعدو أن‬
‫يكون انعكاساً لصفات الفرد وطباعه‪ .‬ومنهم‪ 0‬من قال‪ :‬إن الجريمة هي سقوط اإلنسان في‬
‫الخطيئة وهي نظرة متأثرة بفكرة دينية‪ ،‬وقال بعض األطباء الفرنسيين بأن الجريمة والجناح‬
‫ناشئين من مصدر واحد هو عيوب المخ‪.‬‬
‫أما تاريخ علم الجريمة بمعناه‬
‫إن ما يعيب اآلراء السابقة إنها لم تكن تتسم بالطابع العلمي‪ّ .‬‬
‫العلمي فهو حديث يرجع إلى أوائل القرن التاسع عشر حين أصدر العالم الفرنسي "جيري "‬
‫‪ "Gurry "1802-1866‬كتاباً تناول فيه أسباب الجريمة وعزاها إلى أسباب فردية متعلقة‬
‫بشخص المجرم مثل العمر والجنس‪ ،‬وأسباب اجتماعية متعلقة بالبيئة المحيطة به مثل المهنة‬
‫وتقلبات الجو والتعليم وغيرها معتمداً على اإلحصاءات الجنائية‪.‬‬
‫وفي عام"‪ "1864‬أصدر"جيري‪ " 0‬كتاباً آخر تحت عنوان"اإلحصاء‪ 0‬الجنائي إلنجلترا مقارنة‬
‫باإلحصاء الجنائي لفرنسا‪" 0‬وقد توصل من هذه المقارنة إلى النتائج التالية‪:‬‬
‫* عدم وجود‪ 0‬تناسب بين الجريمة والجهل‪.‬‬
‫* ازدياد بعض الجرائم بانتشار التعليم‪.‬‬
‫* جرائم االعتداء على األشخاص ال تعود دائماً إلى الفقر‪ ،‬فقد تكون ناتجة عن ظروف‪ 0‬لها‬
‫عالقة بالحياة الخاصة للمجرم مثل الخلل النفسي وغيره‪.‬‬
‫وفي المرحلة ذاتها ظهر العالم البلجيكي" كتليه" "‪Quetelt "1874-1796‬الذي أصدر‬
‫كتاباً اعتمد فيه على الدراسات اإلحصائية أيضاً‪ ،‬وحاول فيه أن يتبين العالقة بين السلوك‬
‫اإلجرامي بوصفه ظاهرة وبين بعض العوامل األخرى مثل سن المجرم وجنسه ومستوى‪0‬‬
‫معيشته‪ ،‬وانتهى‪ 0‬إلى نتيجة مفادها‪ ":‬أن الظاهرة اإلجرامية ظاهرة اجتماعية تخضع لقواعد‬
‫تحكمها‪ ،‬كأي ظاهرة طبيعية ما يجعل الطريق‪ 0‬سالكاً إلقامة علم متكامل لدراستها وباستخدام‪0‬‬
‫األسلوب العلمي‪.‬‬
‫وبالرغم من أن هذين العالمين كان لهما الفضل في وضع اللبنات األولى لعلم االجتماع‬
‫الجنائي غير أن بحوثهما تعرضت إلى مجموعة من االنتقادات أهمها إسرافهما في التأكيد على‬
‫العوامل االجتماعية المسببة للجريمة على حساب العوامل الفردية‪ ،‬األمر الذي أثر في االتجاه‬
‫الفكري لبعض العلماء الذين وجدوا‪ 0‬في النظام االجتماعي السبب األساس للظاهرة اإلجرامية‪،‬‬
‫وما المجرم إالّ ضحية لهذا النظام‪ ،‬وأن السبب في ذلك يعود إلى األسلوب اإلحصائي الذي تم‬
‫اعتماده من قبل هذين العالمين في دراسة الجريمة‪ ،‬وهو أسلوب يصعب في ظله دراسة‬
‫العوامل الفردية للجريمة‪.‬‬
‫تعرض‬
‫كما أصدر"كيتليه" في عام "‪ "1835‬كتاباً آخر بعنوان "اإلنسان وتطور ملكاته"‪ ،‬حيث ّ‬
‫فيه ألثر العوامل االجتماعية والظروف االقتصادية والبيئية في الجريمة‪ .‬وتعد دراساته أساساً‬
‫لعلم األجناس واإلحصاء الجنائي‪ ،‬كما ساهمت في نشأة علم االجتماع العام وعلم االجتماع‬
‫الجنائي‪.‬‬
‫وفي عام "‪ "1850‬ظهر المذهب االشتراكي على يد كل من"ماركس"و"أنجلز"& ‪K.Marx‬‬
‫وكشف مثالب النظام‬
‫َ‬ ‫خير من مثل االتجاه االشتراكي‪0‬‬
‫‪ .Engels‬ويعد االقتصادي" بونجيه " ُ‬
‫الرأسمالي وأوضح أثر ذلك في التشجيع على ارتكاب الجرائم‪ ،‬وعلى العكس من ذلك كشف‬
‫طبيعة النظام االشتراكي‪ 0‬ودوره في القضاء على المشكالت االجتماعية عامة وعلى الجريمة‬
‫خاصة‪.‬‬

You might also like