Professional Documents
Culture Documents
8 2017 10 27!02 27 30 PM
8 2017 10 27!02 27 30 PM
نشأ علم الجريمة نشأة فلسفية بعيدة عن الروح العلمية ،ترجع إلى أيام "سقراط وأفالطون
وأرسطو" ،إذ كان هؤالء الفالسفة يعزون الجريمة إلى نفس فاسدة وشريرة أسبابها عيوب
الخلقة والجسم .فـ" سقراط" Socrates "471-399 0ق .م" اتخذ اإلنسان نموذجاً حياً لفلسفته
وتحدث عن الفضيلة والرذيلة ،وأعد الجهل أساساً للجريمة ،والمعرفة أساساً للسلوك القويم.
أما "أفالطون" " 346-427ق .م" Platoفقد صنف المجرمين إلى فئتين فئة يمكن تأهيلها ّ
وإ صالحها ،وأخرى 0ال يمكن تأهيلها وال تقويمها وهي الفئة التي يجب استئصالها والتخلص
منها حيث ال فائدة ترجى منها للمجتمع ،وجاء بعده "أرسطو" Aristotle "384-322ق .م "
الذي كشف العالقة بين سلوك اإلنسان وبين بعض سماته الجسمية .وبقي هذا االتجاه الفلسفي
قائماً حتى العصور الوسطى حيث سادت نظرية تقول :إنه يمكن الوقوف على طباع الشخص
من خالل فحص خطوط 0يديه ورجليه وجبينه وغير ذلك من العالمات الجسمية .ثم تلت هذه
النظرية نظرية أخرى تربط الجريمة بالكواكب فتعلق مصير اإلنسان على الكوكب الفلكي الذي
كان متسلطاً عليه عند والدته ،فيما لو كان كوكباً طيباً أو خبيثاً ،وقد تلى ذلك بحوث لعدد كبير
من العلماء منهم من ربط الجريمة بطبائع فردية تكشف عنها عيوب خلقية ظاهرة سواء في
العينين أو في الجبهة أو في غيرهما ،العتقادهم أن التكوين الخلقي أو العضوي 0ال يعدو أن
يكون انعكاساً لصفات الفرد وطباعه .ومنهم 0من قال :إن الجريمة هي سقوط اإلنسان في
الخطيئة وهي نظرة متأثرة بفكرة دينية ،وقال بعض األطباء الفرنسيين بأن الجريمة والجناح
ناشئين من مصدر واحد هو عيوب المخ.
أما تاريخ علم الجريمة بمعناه
إن ما يعيب اآلراء السابقة إنها لم تكن تتسم بالطابع العلميّ .
العلمي فهو حديث يرجع إلى أوائل القرن التاسع عشر حين أصدر العالم الفرنسي "جيري "
"Gurry "1802-1866كتاباً تناول فيه أسباب الجريمة وعزاها إلى أسباب فردية متعلقة
بشخص المجرم مثل العمر والجنس ،وأسباب اجتماعية متعلقة بالبيئة المحيطة به مثل المهنة
وتقلبات الجو والتعليم وغيرها معتمداً على اإلحصاءات الجنائية.
وفي عام" "1864أصدر"جيري " 0كتاباً آخر تحت عنوان"اإلحصاء 0الجنائي إلنجلترا مقارنة
باإلحصاء الجنائي لفرنسا" 0وقد توصل من هذه المقارنة إلى النتائج التالية:
* عدم وجود 0تناسب بين الجريمة والجهل.
* ازدياد بعض الجرائم بانتشار التعليم.
* جرائم االعتداء على األشخاص ال تعود دائماً إلى الفقر ،فقد تكون ناتجة عن ظروف 0لها
عالقة بالحياة الخاصة للمجرم مثل الخلل النفسي وغيره.
وفي المرحلة ذاتها ظهر العالم البلجيكي" كتليه" "Quetelt "1874-1796الذي أصدر
كتاباً اعتمد فيه على الدراسات اإلحصائية أيضاً ،وحاول فيه أن يتبين العالقة بين السلوك
اإلجرامي بوصفه ظاهرة وبين بعض العوامل األخرى مثل سن المجرم وجنسه ومستوى0
معيشته ،وانتهى 0إلى نتيجة مفادها ":أن الظاهرة اإلجرامية ظاهرة اجتماعية تخضع لقواعد
تحكمها ،كأي ظاهرة طبيعية ما يجعل الطريق 0سالكاً إلقامة علم متكامل لدراستها وباستخدام0
األسلوب العلمي.
وبالرغم من أن هذين العالمين كان لهما الفضل في وضع اللبنات األولى لعلم االجتماع
الجنائي غير أن بحوثهما تعرضت إلى مجموعة من االنتقادات أهمها إسرافهما في التأكيد على
العوامل االجتماعية المسببة للجريمة على حساب العوامل الفردية ،األمر الذي أثر في االتجاه
الفكري لبعض العلماء الذين وجدوا 0في النظام االجتماعي السبب األساس للظاهرة اإلجرامية،
وما المجرم إالّ ضحية لهذا النظام ،وأن السبب في ذلك يعود إلى األسلوب اإلحصائي الذي تم
اعتماده من قبل هذين العالمين في دراسة الجريمة ،وهو أسلوب يصعب في ظله دراسة
العوامل الفردية للجريمة.
تعرض
كما أصدر"كيتليه" في عام " "1835كتاباً آخر بعنوان "اإلنسان وتطور ملكاته" ،حيث ّ
فيه ألثر العوامل االجتماعية والظروف االقتصادية والبيئية في الجريمة .وتعد دراساته أساساً
لعلم األجناس واإلحصاء الجنائي ،كما ساهمت في نشأة علم االجتماع العام وعلم االجتماع
الجنائي.
وفي عام " "1850ظهر المذهب االشتراكي على يد كل من"ماركس"و"أنجلز"& K.Marx
وكشف مثالب النظام
َ خير من مثل االتجاه االشتراكي0
.Engelsويعد االقتصادي" بونجيه " ُ
الرأسمالي وأوضح أثر ذلك في التشجيع على ارتكاب الجرائم ،وعلى العكس من ذلك كشف
طبيعة النظام االشتراكي 0ودوره في القضاء على المشكالت االجتماعية عامة وعلى الجريمة
خاصة.