Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 50

‫اجلهود الفقهية والأ�صولية‬

‫للعالمة الدكتور عبد الكرمي زيدان‬

‫الدكتور‬ ‫الدكتور‬
‫أمحد حمي الدين الراوي‬ ‫عيسى أمحد حمل الفالحي‬
‫اجلامعة العراقية‪ /‬كلية اآلداب‬ ‫اجلامعة العراقية‪ /‬كلية الرتبية للبنات‬
‫د‪ .‬عيسى أمحد الفالحي و د‪ .‬أمحد حمي الدين الراوي‬
‫ملخ�ص باللغة العربية‬
‫هيدف البحث إىل التعريف بعلم من أعالم العراق كون بلدنا مهد احلضارة ومهبط الرساالت ‪،‬‬
‫وبلد االولياء واالصفياء واالتقياء وآل بيت النبوة االطهار ‪ ،‬وهو اول بلد سن القانون يف االرض‬
‫ودونه يف مسلة ‪ ،‬واول من تعلم الكتابة وعلمها للبرشية‪ ،‬وأعالمه منارات شاخمة يؤكدون يف كل‬
‫عرص تفوقهم وعطائهم املتجدد وانتامئهم هلذا الرصح احلضاري العظيم باسهاماهتم املتميزة يف كل‬
‫املجاالت والسيام العلمية منها‪.‬‬
‫نعرف األجيال هبم ‪ ،‬وبجهودهم الطيبة ‪ ،‬ليظهر علمهم املكنون‬
‫ومن حق هؤالء األعالم أن ّ‬
‫الذي دفنته سنني اإلمهال عىل املأل ‪ ،‬وحق ألجيالنا أن يفخروا بام أنجزوه من عطاء ‪ ..‬لذا أحببنا أن‬
‫نفتح نافذة بسيطة لنطل منها عىل عامل جليل من أعالم العراق هو العالمة األصويل الفقيه "الدكتور‬
‫عبد الكريم زيدان" حفظه اهلل‪ .‬احد رواد الدعوة اإلسالمية يف العراق ‪ ،‬وأحد أعمدة العلوم‬
‫الرشعية يف أرجاء العامل اإلسالمي‪.‬‬
‫هذا الرجل الذي نذر نفسه للعلم وطلبته‪" .‬فأخرج الكثري من مواضيع الفقه من نطاق التجميع‬
‫إىل ساحة اإلبداع وفضائه الرحب مستله ًام روح املعارصة ومستفيد ًا من سعة اطالعه عىل األحكام‬
‫الوضعية ساعده عىل فضح عوارها وعجزها عن اإلحاطة بالقضايا البرشية املعقدة املتغرية وأظهر‬
‫من خالل ذلك باحلجة والربهان عظمة الترشيع اإلسالمي يف كل املجاالت" متخذ ًا لنفسه دور ًا‬
‫هيدي به األجيال إىل طريق احلق والعزة واالنعتاق مستلهام رسالة األنبياء يف التبليغ‪ ،‬وإجالء احلقائق‬
‫وخدمتها‪ ،‬مؤدي ًا بذلك األمانة امللقاة عىل عاتقه بكل صدق وصرب‪.‬‬
‫واملتتبع إلنتاجه العلمي وأبداعه الفكري‪ ،‬وعلو شأنه يف املقارنة بني األحكام الرشعية واألحكام‬
‫الوضعية يف كتبه ‪ ،‬وأدائه لدوره يف تنبيه األمة من عواقب البطر والكفر بنعم اهلل والظلم والفسق ‪،‬‬
‫وحتذيره من الوقوع بام وقعت فيه األمم الغابرة التي استحقت غضب اهلل‪ .‬يدرك قدر هذا الرجل‬
‫وعظيم استشعاره ملسؤولية العامل‪.‬‬
‫وإسهاما منا يف التعريف بأعالم العراق آثرنا تسليط الضوء عىل يشء من جهود هذا العامل من‬
‫أعالم العراق فكان بحثنا املتواضع هذا املوسوم‪(( :‬اجلهود الفقهية واألصولية للعالمة الدكتور عبد‬
‫الكريم زيدان))‬

‫‪169‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬ال�سنة الثانية‪2016 -‬م‬


‫البحوث املحكمة‬ ‫اجلهود الفقهية واألصولية للعالمة الدكتور عبد الكريم زيدان‬

Abstract 
jurisprudential Efforts and Fundamentalism
of the TMrk, Dr. Abdul Karim Zidane
The research aims to publicize one of the famous scientist in Iraq,from the fact that our
country is the cradle of civilization and the airstrip messages, and the country of tutors and
pious and all prophecy pure house, which is the first country to enactment of the law in the
land, and without him in the obelisk, and the first to learn how to write and the knowledge
of mankind . Also the fields and figures beacons tall contend in every age superiority and
renewed their giving and belonging to this great edifice of civilization their contributions
outstanding in all areas, especially scientific ones.
It is fair of those scientist to show their generations, and their efforts good, to show their
knowledge Webmasters who buried years of neglect to the public .It is fair of our generations
should be proud of what they have accomplished from the tender .. So we like to open a simple
window to the dawn of which the scholar of the scientist of Iraq is a brand of fundamentalist
al-Faqih "Dr. Abdul Karim Zidane" may Allah protect him. One of the pioneers of the Islamic
Daawa in Iraq, and a forensic science columns across the Muslim world.
This man who dedicated himself to science and requested. "Waving a lot of threads Fiqh
of assembly scale brought to creativity and space, inspired by the spirit of contemporary
and taking advantage of the brief .On the situation sentences capacity helped to expose its
inability to take complex human issues that the changing showed through proof evidence
the greatness of Islamic law in all fields," taking his role to guide the generations to the
right, pride and emancipation inspired by the message of the prophets in report. And the
evacuation of the facts and its service, thereby leading the Secretariat entrusted to him in
all sincerity and patience.
The follower for the production and scientific creativity, intellectual, and altitude would
see the comparison between the legal provisions and the provisions situation in his books
.And his performance for his role in alerting the nation from the consequences of vanity
and disbelief to Allah, injustice and immorality, and warned of falling including the United
relict which earned the wrath of Allah occurred. All these Awareness as this is perceived by
the man and a great responsibility to the world.
And our contribution to the definition of such scientist of Iraq . We him chose to highlight
the efforts that one of our scientist of Iraq was modest marked this: ((jurisprudential efforts
and fundamentalism of the mark, Dr. Abdul Karim Zidane((

170
‫د‪ .‬عيسى أمحد الفالحي و د‪ .‬أمحد حمي الدين الراوي‬

‫املقدمة‬

‫َّ‬
‫إن احلمد هلل نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من رشور أنفسنا‪ ،‬وسيئات‬
‫َّ‬
‫مضل له‪ ،‬ومن ُيضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وحده ال‬ ‫أعاملنا‪ ،‬من هيده اهلل فال‬
‫أن حممد ًا عبده ورسوله‪.‬‬ ‫رشيك له‪ ،‬وأشهد َّ‬
‫ون﴾ [آل عمران‪]١٠٢ :‬‬ ‫ال َو َأنتُم ُّم ْس ِل ُم َ‬ ‫ين آ َمنُوا ات َُّقوا اللهََّ َحقَّ ُت َقاتِ ِه َوال مَ ُتوت َُّن إ َّ‬ ‫﴿ َيا أَيهَُّ ا ا َّل ِذ َ‬
‫ال َس ِديد ًا* ُي ْص ِل ْح َل ُك ْم َأ ْعماَ َل ُك ْم َو َيغْ ِف ْر َل ُك ْم ُذ ُنو َب ُك ْم َو َمن‬ ‫ين آ َمنُوا ات َُّقوا اللهََّ َو ُقو ُلوا َق ْو ً‬ ‫﴿ َيا أَيهَُّ ا ا َّل ِذ َ‬
‫از َف ْوز ًا َع ِظي ًام﴾ [األحزاب‪]72-71 :‬‬ ‫ُي ِط ِع اللهََّ َو َر ُسو َل ُه َف َقدْ َف َ‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فال خيلو تاريخ أمة من بزوغ أنوار علامء أعالم أجالء يف سامئها ُيعلون شأهنا‪ ،‬وجيددون عزها‪،‬‬
‫ويفتحون أبواب التغيري يف العلم والفكر واألخالق‪ ،‬فينريون القلوب‪ ،‬ويزيلون ما ران عىل األنفس‬
‫واألرواح والعقول من أدران التخلف واجلهل والظالم‪.‬‬
‫والعراق مهد احلضارة ومهبط الرساالت‪ ،‬وبلد االولياء واالصفياء واالتقياء وآل بيت النبوة‬
‫االطهار‪ ،‬وهو اول بلد سن القانون يف االرض ودونه يف مسلة‪ ،‬واول من تعلم الكتابة وعلمها‬
‫للبرشية‪ ،‬وأعالمه منارات شاخمة يؤكدون يف كل عرص تفوقهم وعطائهم املتجدد وانتامئهم هلذا‬
‫الرصح احلضاري العظيم باسهاماهتم املتميزة يف كل املجاالت والسيام العلمية منها‪.‬‬
‫نعرف األجيال هبم‪ ،‬وبجهودهم الطيبة‪ ،‬ليظهر علمهم املكنون‬
‫ومن حق هؤالء األعالم أن ّ‬
‫الذي دفنته سنني اإلمهال عىل املأل‪ ،‬وحق ألجيالنا أن يفخروا بام أنجزوه من عطاء ‪ ..‬لذا أحببنا أن‬
‫نفتح نافذة بسيطة لنطل منها عىل عامل جليل من أعالم العراق هو العالمة األصويل الفقيه «الدكتور‬
‫عبد الكريم زيدان» حفظه اهلل‪ .‬احد رواد الدعوة اإلسالمية يف العراق‪ ،‬وأحد أعمدة العلوم الرشعية‬
‫يف أرجاء العامل اإلسالمي‪.‬‬
‫هذا الرجل الذي نذر نفسه للعلم وطلبته‪« .‬فأخرج الكثري من مواضيع الفقه من نطاق التجميع‬
‫إىل ساحة اإلبداع وفضائه الرحب مستله ًام روح املعارصة ومستفيد ًا من سعة اطالعه عىل األحكام‬

‫‪171‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬ال�سنة الثانية‪2016 -‬م‬


‫البحوث املحكمة‬ ‫اجلهود الفقهية واألصولية للعالمة الدكتور عبد الكريم زيدان‬

‫الوضعية ساعده عىل فضح عوارها وعجزها عن اإلحاطة بالقضايا البرشية املعقدة املتغرية وأظهر‬
‫من خالل ذلك باحلجة والربهان عظمة الترشيع اإلسالمي يف كل املجاالت»(‪ )1‬متخذ ًا لنفسه دور ًا‬
‫هيدي به األجيال إىل طريق احلق والعزة واالنعتاق مستلهام رسالة األنبياء يف التبليغ‪ ،‬وإجالء احلقائق‬
‫وخدمتها‪ ،‬مؤدي ًا بذلك األمانة امللقاة عىل عاتقه بكل صدق وصرب‪.‬‬
‫واملتتبع إلنتاجه العلمي وأبداعه الفكري‪ ،‬وعلو شأنه يف املقارنة بني األحكام الرشعية واألحكام‬
‫الوضعية يف كتبه‪ ،‬وأدائه لدوره يف تنبيه األمة من عواقب البطر والكفر بنعم اهلل والظلم والفسق‪،‬‬
‫وحتذيره من الوقوع بام وقعت فيه األمم الغابرة التي استحقت غضب اهلل‪ .‬يدرك قدر هذا الرجل‬
‫وعظيم استشعاره ملسؤولية العامل‪.‬‬
‫وإسهاما منا يف املؤمتر الدويل ألعالم العراق املوسوم «اإلسهام احلضاري ألعالم العراق يف‬
‫القرن العرشين» الذي تقيمه اجلامعة العراقية املوقرة آثرنا تسليط الضوء عىل يشء من جهود هذا‬
‫العامل من أعالم العراق فكان بحثنا املتواضع هذا املوسوم‪:‬‬
‫((اجلهود الفقهية واألصولية للعالمة الدكتور عبد الكريم زيدان))‬
‫خطة البحث‬
‫تضمن بحثنا مقدمة‪ ،‬وثالثة مباحث‪ ،‬وخامتة‪:‬‬
‫املقدمة‪ :‬تضمنت خطبة البحث‪ ،‬ومقدمة متهيدية‪ ،‬وعنوان البحث‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬العالمة عبد الكريم زيدان ومكانته العلمية‬
‫واشتمل عىل ثالثة مطالب‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬نبذة عن حياته‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬مالمح شخصيته ومكانته العلمية‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬منهجيته يف التأليف‪ ،‬ونتاجه العلمي‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬جهوده يف عيون مسائل الفقه وأصوله‬
‫واشتمل عىل مطالبني‪:‬‬

‫((( عبارة مقتبسة من موقع «ملتقى أهل احلديث» من مقال «نافذة على شخصية الدكتور عبد‬
‫الكرمي زيدان العالم اجملاهد»‬

‫‪172‬‬
‫د‪ .‬عيسى أمحد الفالحي و د‪ .‬أمحد حمي الدين الراوي‬
‫املطلب األول‪ :‬جهوده يف علم أصول الفقه‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬جهوده يف علم الفقه‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬جهوده يف النوازل الفقهية‪ ،‬والسياسة الرشعية‬
‫واشتمل عىل مطالبني‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬جهوده يف فقه النوازل‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬جهوده يف السياسة الرشعية‪.‬‬
‫اخلامتة‪ :‬تضمنت أهم النتائج والتوصيات‪.‬‬
‫ثبت املصادر واملراجع‬
‫وأخريا‬
‫فهذا جهد املقل أردنا به وجه اهلل باإلسهام يف نرش العلم الرشعي‪ ،‬والتعريف بعلم من أعالم‬
‫﴿ر َّبنَا لاَ ُت ِز ْغ ُق ُلو َبنَا َب ْعدَ إِ ْذ َهدَ ْي َتنَا َو َه ْب َلنَا ِم ْن‬
‫العراق‪ ،‬فإن أصبنا فمن اهلل وحده‪ ،‬وبفضله وفق َ‬
‫َلدُ ن َْك رَحمَْ ًة إِن ََّك َأن َْت ا ْل َو َّه ُ‬
‫اب﴾ [آل عمران‪]8/‬‬
‫نسأل اهلل التوفيق والسداد‪ ،‬وأن يوفقنا ملا حيبه ويرضاه‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‬
‫كتب يف بغداد ‪2013/10/1‬م‬

‫‪173‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬ال�سنة الثانية‪2016 -‬م‬


‫د‪ .‬عيسى أمحد الفالحي و د‪ .‬أمحد حمي الدين الراوي‬

‫املبحث الأول‬
‫العالمة عبد الكرمي زيدان‬
‫ومكانته العلمية‬

‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬


‫املـطلب الأول‬
‫نبذة عن حياته‬
‫أوال‪ :‬اسمه وكنيته ونسبه‬
‫هو عبد الكريم زيدان بيج‪ .‬كنيته‪ :‬أبو حممد‪ ،‬ولقبه (العاين) نسبة إىل بلدة عانه العراقية‪،‬‬
‫و(املحمدي) نسبة إىل عشرية املحامدة‪ ،‬و(الدليمي) نسبة إىل أكرب العشائر العراقية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬والدته ومراحل نشأته‬
‫ولد يف العاصمة بغداد‪ ،‬والصحيح يف والدته أهنا يف عام (‪1921‬م) (‪ )1‬وقد نشأ يف كنف عائلته‬
‫املتدينة ببغداد‪ ،‬بني إخوته الذين كان هو أصغرهم‪ .‬وقد تويف والده وال يزال عمره ثالث سنوات‪.‬‬
‫أكمل دراسة األولية يف بغداد‪ .‬دخل دار املعلمني االبتدائية وبعد خترجه منها أصبح معلام يف‬
‫املدارس االبتدائية‪ ،‬ثم دخل كلية احلقوق ببغداد وخترج منها‪ .‬عني بعدها مديرا لثانوية النجيبية‬
‫الدينية‪.‬‬
‫التحق بمعهد الرشيعة اإلسالمية يف جامعة القاهرة ونال املاجستري بتقدير ممتاز‪ ،‬ثم حصل عىل‬
‫شهادة الدكتوراه من جامعة القاهرة سنة ‪ 1962‬بمرتبة الرشف األوىل‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬طلبه للعلم ونرشه‪:‬‬
‫قىض استاذنا جل عمره حمبا للعلم وباذال يف سبيله فخدمه طلبا وحتصيال‪ ،‬ثم تعليام وتدريسا‬

‫((( هناك قول آخر أن والدته يف عام ‪1917‬م‪ ،‬وما اثبتناه هو ما حققه الدكتور حسني الدليمي يف رسالته للدكتوراه‬
‫«جهود الدكتور عبد الكريم زيدان يف خدمة الدعوة اإلسالمية» يف األزهر الرشيف‪.‬‬

‫‪175‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬ال�سنة الثانية‪2016 -‬م‬


‫البحوث املحكمة‬ ‫اجلهود الفقهية واألصولية للعالمة الدكتور عبد الكريم زيدان‬

‫ثم تصنيفا وتأليفا ونرشا ‪ ...‬وكان يرضب به املثل يف احلفظ للنصوص واستحضارها واملذاكرة‬
‫هبا‪ ،‬ويرس عودته إليها‪ ،‬ودقة الفتوى الصادرة عنه ؛ لذلك كان أقرانه يغبطونه لذاكرته العجيبة‪،‬‬
‫واستحضاره للنقول التي يأيت هبا‪ ،‬ودقة استنباطاته‪.‬‬
‫توىل أستاذية الرشيعة اإلسالمية وأصبح رئيس قسمها بكلية احلقوق‪ ،‬ثم أستاذ الرشيعة‬
‫اإلسالمية ورئيس قسم الدين بكلية اآلداب جامعة بغداد سابق ًا‪.‬‬
‫أسهم يف تأسيس كلية الدراسات االسالمية هناية الستينيات ليتيح العلم الرشعي للكثري من‬
‫طالبه يف العراق وخارجه‪ ،‬وتوىل استاذية الرشيعة اإلسالمية فيها ‪ ..‬ولكنها مل تستمر طويال حتى‬
‫أغلقت من قبل النظام احلاكم آنذاك وضيق عىل الدكتور مما اضطره للسفر خارج القطر بداية‬
‫التسعينات حتى استقر به املقام يف اليمن استاذا يف جامعاهتا‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬شيوخه‬
‫درس واستفاد من بعض املشايخ واألساتذة العراقيني واملرصيني‪ ،‬من أمثال الشيخ أجمد‬
‫الزهاوي‪ ،‬والشيخ عبد القادر اخلطيب‪ ،‬والشيخ نجم الدين الواعظ‪ ،‬والشيخ حممد حممود الصواف‪،‬‬
‫وعبد الكريم الصاعقة‪ ،‬ومن املرصيني‪ :‬الشيخ عيل اخلفيف‪ ،‬والشيخ حممد أبو زهرة‪ ،‬والشيخ حسن‬
‫مأمون‪ .‬ولن يتسع املقام لرتمجة كل شيوخه لذا سنقترص عىل ترمجة أكثر من تأثر هبم الشيخ وأخذ‬
‫عنهم من العلامء العراقيني‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ .1‬الشيخ اجمد الزهاوي‬
‫هو عالمة العراق وفقيه احلنفية يف عرصه‪ :‬أبو سعيد أجمد بن اإلمام حممد سعيد مفتي بغداد بن‬
‫اإلمام حممد فييض الزهاوي بن املال أمحد بن حسن بك بن رستم بن خرسو بن األمري سليامن باشا‬
‫رئيس ساللة بابان األرسة البابانية الذي أنشأ مدينة السليامنية والتي سميت باسمه‪.‬‬
‫ُولد الشيخ أجمد الزهاوي عام‪1300‬هـ ‪1883 -‬م بمدينة بغداد‪ ،‬ونشأ يف ُأرسة علمية ثرية‪ ،‬ذات‬

‫((( ينظر ترمجته يف كتاب‪ :‬من أعالم الدعوة واحلركة اإلسالمية‪ /‬للمستشار عبد اهلل العقيل (‪ )146/1‬رقم الرتمجة‬
‫(‪ )12‬وكتاب «اإلمام أجمد بن حممد سعيد الزهاوي فقيه العراقيني والعامل اإلسالمي‪ /‬األستاذ كاظم أمحد املشاخيي‪،‬‬
‫النارش املعهد العاملي للفكر اإلسالمي – جدة ‪1996‬م‪ .‬واملوسوعة احلركية‪ /‬لألستاذ فتحي يكن (‪ )137/1‬نرش دار‬
‫البشري‪ ،‬عامن‪ .‬األردن‪ .‬الطبعة األوىل سنة ‪1403‬هـ‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫د‪ .‬عيسى أمحد الفالحي و د‪ .‬أمحد حمي الدين الراوي‬
‫مكانة اجتامعية مرموقة‪ ،‬درس عىل والده وبعض املشايخ‪ ،‬والتحق باملدارس الرشدية واالبتدائية‬
‫واإلعدادية يف بغداد؛ ثم سافر إىل استانبول حيث درس ست سنوات يف «كلية القضاء»‪ ،‬فكان ترتيبه‬
‫تقديرا لنبوغه وتفوقه‪.‬‬
‫ً‬ ‫األول عىل الطالب‪ ،‬وقد منحه السلطان عبد احلميد الثاين وسام الرشف‬
‫تقلد مناصب القضاء يف بغداد إىل أن انتهى إىل رئاسة جملس التمييز الرشعي؛ وبعدها تقاعد‬
‫عن العمل واشتغل يف املحاماة فرتة من الزمن‪ ،‬ثم تفرغ للعمل الدعوي عام ‪1946‬م‪ ،‬وكان من‬
‫مؤسيس أهم اجلمعيات اإلسالمية يف العراق‪ ،‬وهي مجعية «اآلداب اإلسالمية» و «إنقاذ فلسطني» و‬
‫«الرتبية اإلسالمية» و «األخوة اإلسالمية» و «رابطة علامء العراق» و «اللجنة العليا لنرصة اجلزائر»‪،‬‬
‫رئيسا هلذه اجلمعيات مجيعها يف آن واحد‪ .‬تويف يف بغداد ‪ / 17‬نوفمرب‪1967 /‬م‬
‫وكان ً‬
‫والشيخ أجمد الزهاوي أكثر من تأثر هبم عالمتنا د‪ .‬عبد الكريم زيدان والزمه لفرتة طويلة حيث‬
‫يقول عنه‪« :‬فإن شأين مع شيخ االسالم الزهاوي رمحه اهلل يشء آخر ال خيضع ملا تعودت عليه يف‬
‫حيايت من زهد يف الرثاء واكتفاء بالعربة والدعاء؛ ألين ما تأثرت بشخص رأيته بعيني بمثل ما تأثرت‬
‫بأستاذي الزهاوي رمحه اهلل تعاىل‪ ،‬وما رأت عيني مثله عىل كثرة من رأيت وعرفت وخالطت‪ ..‬لقد‬
‫ً‬
‫وسلوكا يف‬ ‫ملسا باليد ورؤية بالعني‬
‫رأيت فيه ما كنت أفتش عنه من زمن بعيد وأريد الوصول إليه ً‬
‫إخالصا نق ًيا وخمافة من اهلل واهتام ًما بأمر املسلمني»‬
‫ً‬ ‫اخلارج‪ ..‬حتى عرفت الشيخ فرأيت فيه ما أريد‪:‬‬
‫ثم تكلم عن اخالصه وخمافته من اهلل واهتاممه بأمر املسلمني فقال‪« :‬لقد كان رمحه اهلل أمة يف‬
‫تصنعا وال ريا ًء حتى ظهر اإلخالص يف كالمه وحركاته‬
‫ً‬ ‫اإلخالص ال يعرف بسببه تكل ًفا وال‬
‫انرشاحا‬
‫ً‬ ‫وسكناته‪ ،‬وطفح عىل قسامت وجهه املرشق ال ّنري املهيب الذي يبعث يف الناظر إليه‬
‫واطمئنا ًنا وهدو ًء‪ ..‬وال أكتم القارئ الكريم أين كنت إذا ما أمل يب ضيق يف الصدر وانقباض يف‬
‫النفس؛ أرسعت إليه رمحه اهلل ألجلس بجانبه وأنظر إليه وأستمع منه فتهدأ نفيس ويزول عني‬
‫الضيق واالنقباض‪ ،‬وهكذا تفعل جمالسة الصاحلني املخلصني‪.‬‬
‫أما خمافته هلل فأمر حمسوس ظهر يف وقوفه عند حدود اهلل‪ ،‬وهو الفقيه هبذه احلدود ويف تعظيمه‬
‫شعائر اهلل‪ ،‬ويف مبادرته إىل أداء حقوق اهلل ويف جهره باحلق عند السؤال واالستفتاء‪ ،‬وهكذا يكون‬
‫شأن اخلائف من اهلل‪ ،‬فمن خاف هرب‪ ،‬ولكن هرب اخلائفني من اهلل يكون إىل اهلل‪...‬‬
‫وأما اهتاممه بأمور املسلمني‪ ،‬فقد كان منطلقه فيه احلديث الرشيف‪(( :‬من مل هيتم بأمر املسلمني‬

‫‪177‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬ال�سنة الثانية‪2016 -‬م‬


‫البحوث املحكمة‬ ‫اجلهود الفقهية واألصولية للعالمة الدكتور عبد الكريم زيدان‬

‫فليس منهم))(‪ ،)1‬وقد كان رمحه اهلل يريد أن يكون من املسلمني ال من غريهم وهلذا فقد أمهه أمر‬
‫ال نفسه بحصول يشء خيدم‬ ‫وأرق جفنه فام كان يسمع باجتامع إسالمي إ ّ‬
‫ال وسارع إليه معل ً‬ ‫املسلمني ّ‬
‫اإلسالم وينفع املسلمني؛ لقد كان من فرط اهتاممه بأمور املسلمني وحزنه عىل ما آل إليه أمرهم‬
‫يبكي إذا ما حتدث عن عزهم السابق وقرنه هبواهنم احلارض‪ ،‬نعم يبكي وتسيل دموعه عىل وجهه‬
‫املرشق املنري حتى تبل حليته الكريمة البيضاء‪.‬‬
‫صحبت الشيخ رمحه اهلل يف إقامته ويف سفره ويف صحته ويف سقمه وحرضت جملسه العام‬
‫ُ‬ ‫لقد‬
‫واخلاص فام رأيت منه ضع ًفا أو ً‬
‫فتورا فيام حتدثت عنه من إخالص وخوف من اهلل واهتامم بأمر‬
‫وعز مثيله‪ ،‬لقد أحببته حب التلميذ ألستاذه‬ ‫املسلمني‪ ،‬رحم اهلل أستاذي الكريم الذي ّ‬
‫قل نظريه ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫وحب االبن ألبيه وحب األخ ألخيه يف اهلل ‪”..‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ .2‬الشيخ عبد الكريم الصاعقة‬
‫هو حمدث العراق الشيخ عبد الكريم بن السيد عباس األزجي الشيخيل احلسني‪ .‬ولد يف بغداد‬
‫يف منطقة باب الشيخ (حملة األزج) عام (‪1285‬هـ ‪1867 -‬م) لقب بـ (الصاعقة) إلصداره جريدة‬
‫سياسية أسبوعية أسامها (الصاعقة) وقد صدر العدد األول منها (‪/8‬حزيران‪1911/‬م) وهي‬
‫جريدة تشن الغارات النقدية الالذعة لألتراك ونقد تدينهم‪.‬‬
‫نشأ رمحه اهلل يف عائلة ميسورة حيث أن والده رمحه اهلل كان تاجر ًا معروف ًا بـ(جتارة الزوايل)‬
‫وينحدر شيخنا رمحه اهلل من عائلة (بيت الوزير) اليامنية األصل التي نزحت إىل محاة يف سورية ثم إىل‬
‫بغداد قبل ما يقارب القرنني‪ .‬وبعد مراحل نشأته وترعرع بني كتاتيب بغداد وحبه للعلم واحلديث‬

‫((( أخرجه الطرباين يف املعجم الكبري‪.‬‬


‫((( علامء أعالم عرفتهم‪ /‬د‪ .‬عبد اهلل العقيل (‪ )34 /1‬وكتيب من أعالم الدعوة اإلسالمية يف العراق‪ /‬املستشار عبد‬
‫اهلل العقيل (ص‪ )15‬وموقع املستشار عبد اهلل العقيل عىل الشبكة األلكرتونية‬
‫((( ينظر ترمجته‪ :‬يف كتاب تاريخ علامء بغداد يف القرن الرابع اهلجري‪/‬يونس الشيخ ابراهيم السامرائي (ص‪425‬‬
‫وما بعدها) رقم الرتمجة (‪ )274‬طبعة وزارة األوقاف والشؤون الدينية العراقية سنة ‪1398‬هـ‪1978 -‬م‪ .‬وله ترمجة‬
‫يف موقع معهد القراءات القرآنية ‪ /‬ركن الرتاجم والسري‪ ،‬نرشت له ترمجة بعنوان «عالمة العراق عبد الكريم الصاعقة‬
‫سرية ودعوة»‬

‫‪178‬‬
‫د‪ .‬عيسى أمحد الفالحي و د‪ .‬أمحد حمي الدين الراوي‬
‫النبوي خصوص ًا‪.‬‬
‫إلتزم بداية حياته العلمية حلقة وجملس عالمة بغداد حينها (نعامن خري الدين اآللويس) ابن‬
‫املفرس أيب الثناء اآللويس‪ ،‬وهو شيخه الذي تعلم عىل يديه أغلب العلوم الرشعية وهو الذي أجازه‬
‫بعلوم احلديث‪ ،‬وله اجازات علمية كثرية منها إجازة يف احلديث يف الكتب التسعة وعلم املصطلح‬
‫من حمدث اهلند (يوسف بن اسامعيل اخلانفوري) حني جاء للتدريس يف جامع الشيخ عبد القادر‬
‫الكيالين رمحه اهلل‪.‬‬
‫تتلمذ عىل يديه الكثري من علامء العراق والعامل اإلسالمي‪ ،‬منهم‪ :‬الشيخ نوري أمحد القاسم‬
‫التميمي الشهرباين‪ ،‬والشيخ عبد الرزاق عبد اجلبار البيايت‪ ،‬واحلاج أمحد محدي عبد اجلليل‪ ،‬الشيخ‬
‫قاسم القييس مفتي العراق‪ ،‬والشيخ عدنان عبد املجيد أمني‪ ،‬والشيخ الدكتور حممد تقي الدين‬
‫اهلاليل املغريب الذي أصبح يف الثامنينات معاون عميد كلية أصول الدين يف اجلامعة اإلسالمية يف‬
‫املدينة املنورة‪ ،‬وعالمتنا الدكتور عبد الكريم زيدان‪ ،‬واألستاذ عبد املنعم صالح العيل (حممد أمحد‬
‫الراشد) وغريهم‪.‬‬
‫تويف يف بغداد متأثر ًا بمرض عضال الزمه سنتني عام (‪1379‬هـ ‪1959/2/7 -‬م) عن عمر‬
‫ناهز (‪ )92‬عاما قضاها بالعلم واجلهاد بالكلمة والقلم املؤمن الرشيف والسيف القاطع بكل كلمة‬
‫كتبها‪ ،‬ودفن يف مقربة الغزايل‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ .3‬الشيخ نجم الدين الواعظ‬
‫وهو‪ ‬نجم الدين بن مال عبد اهلل‪ ‬الدسوقي (الشهري بالواعظ) من عشرية املعاضيد التي تسكن‬
‫أغلبها يف قضاء عنه يف حمافظة األنبار غرب العراق وهو مفتي‪ ،‬وفقيه‪ ،‬وعامل موسوعي‪ ،‬من أهل‬
‫بغداد‪ ،‬ولد يف منطقة الكرخ بمحلة سوق محادة عام‪1298‬هـ ‪1880 -‬م‪.‬‬
‫درس الشيخ نجم الدين أوليات العلوم عىل مشاهريعلامء بغداد‪ ،‬منهم الشيخ عباس القصاب‪،‬‬
‫ثم أنتقل للدراسة عند الشيخ غالم رسول اهلندي وهو الذي لقبه بالواعظ‪ ،‬قبل أن تربز فيه موهبة‬
‫الوعظ‪ .‬وأكمل دراسته العلمية عند الشيخ عبد الوهاب النائب وحصل منه عىل اإلجازة العلمية يف‬

‫((( ينظر ترمجته‪ :‬يف كتاب تاريخ علامء بغداد يف القرن الرابع اهلجري (ص‪ 686‬وما بعدها) رقم الرتمجة (‪)456‬‬

‫‪179‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬ال�سنة الثانية‪2016 -‬م‬


‫البحوث املحكمة‬ ‫اجلهود الفقهية واألصولية للعالمة الدكتور عبد الكريم زيدان‬

‫علوم املنقول واملعقول‪ ،‬كام حصل عىل إجازة احلديث الرشيف دراية ورواية من شيخ احلديث يف‬
‫الشام اإلمام املحدث بدر الدين املغريب‪.‬‬
‫بعد فراغه من حياة التلمذة تصدر للتدريس املؤهل له يف جامع عادلة خاتون يف باب املعظم‪،‬‬
‫ثم مدرسة نائلة خاتون الرشعية الكائنة مقابل جامع احليدر خانة والتي أندرس أثرها‪ ،‬ثم عني إمام ًا‬
‫وخطيب ًا وواعظ ًا يف جامع حنان بجانب الكرخ عام‪1922‬م‪ ،‬ثم تصدر للتدريس يف عدة مدارس‬
‫منها‪« :‬الرواس» ثم املدرسة «الوفائية» يف عام ‪1946‬م‪ ،‬ثم مدرس ًا يف جامع العدلية الكبري‪ ،‬ثم‬
‫مدرسة جامع القبالنية الشهري قبالة املدرسة املستنرصية‪ ،‬ثم تصدر للتدريس بعد ذلك بجامع‬
‫اإلمام األعظم يف األعظمية‪ ،‬ثم مدرس ًا يف كلية الرشيعة‪ ،‬وظل يزاول عمله فيه حتى أحيل عىل‬
‫التقاعد عام ‪1965‬م‪ ،‬وكان له جملسا للوعظ يف جامع العسايف خيتلف إليه الكثري من العلامء واألدباء‬
‫وطلبة العلم‪ ،‬وكان عضوا يف ادارة عدد من اجلمعيات منها‪« :‬مجعية اهلداية اإلسالمية»‪« ،‬رئيس‬
‫مجعية اآلداب اإلسالمية»‬
‫أنتخب عضو ًا يف املجلس العلمي‪ ،‬ثم عضو ًا يف املجلس األعىل ثم أستقال منه‪ .‬وتفرغ للدراسة‬
‫والتأليف والدعوة والوعظ‪ .‬ومن العلامء الذين تتلمذوا عنده وأخذوا دروس العلم والوعظ عليه‬
‫الشيخ الدكتور أمحد حسن الطه‪.‬‬
‫تويف ليلة السادس من شهر صفر ‪1396‬هـ ‪ -‬املوافق (‪1976 /2/7‬م) وشيع بموكب مهيب‬
‫إىل مثواه األخري ودفن يف مقربة الشيخ معروف الكرخي‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ .4‬الشيخ حممد حممود الصواف‬
‫الشيخ الصواف وإن كان يعد من أقران الدكتور عبد الكريم إال إنه أسن منه وسبقه زمنيا يف‬
‫طلب العلم‪ ،‬ويعرتف له عالمتنا عبد الكريم بالفضل يف ترشيد مسريته العلمية والدعوية ويعده من‬
‫شيوخه الذين تأثر هبم(‪.)2‬‬

‫((( ينظر ترمجته يف كتاب‪ :‬من أعالم الدعوة واحلركة اإلسالمية‪ /‬للمستشار عبد اهلل العقيل (‪ )1040/2‬رقم‬
‫(‪ )100‬وذيل «األعالم‪/‬للزركيل املتوىف‪1397‬هـ»‪ /‬أمحد العالونة (‪ )200/1‬نرش دار املنارة للنرش والتوزيع‪ .‬جدة‪.‬‬
‫ط‪1998 ،1‬م‪.‬‬
‫((( اخربين بذلك من سمع ذلك منه مشافهة منهم األستاذ ساطع املشهداين (الذي الزم الشيخ يف اليمن لفرتة‬

‫‪180‬‬
‫د‪ .‬عيسى أمحد الفالحي و د‪ .‬أمحد حمي الدين الراوي‬
‫الصواف يف مدينة املوصل يف األول من شوال عام ‪1333‬هـ‪ ،‬املوافق‬ ‫ّ‬ ‫ُولد الشيخ‬
‫‪1914/8/12‬م‪ ،‬وينتسب إىل طيئ من قبيلة شمر املعروفة‪ .‬نشأ عىل حب العلم واجلهاد‪ ،‬واعتنى‬
‫به والده منذ الصغر‪ ،‬فع َّلمه القرآن حتى حفظه وهو صغري‪ ،‬ثم أدخله املدرسة االبتدائية األهلية‬
‫باجلامع الكبري باملوصل‪ ،‬وبرز فيها ثم انتقل إىل مدارس املساجد التي يرشف عليها العلامء‪ ،‬فتعلم‬
‫مبادئ القراءة والكتابة‪ ،‬ودرس النحو والسرية النبوية ويتحدث عن نفسه فيقول‪« :‬العراق وطني‬
‫األول الذي ولدت فوق أرضه وحتت سامئه وترعرعت يف ربوعه‪ ،‬لقد عشت يف بلد املوصل الذي‬
‫عرف بتمسكه بدينه وحرصه عىل مثله‪ ،‬هذا البلد الذي أنجب عامد الدين زنكي ونور الدين حممود‪..‬‬
‫وكبارا وبعد الصالة ننشغل بذكر اهلل وتالوة القرآن‪،‬‬
‫ً‬ ‫صغارا‬
‫ً‬ ‫لقد كنا نتسابق حلضور صالة الفجر‬
‫وكان يسكن بجواري الشيخ حممد الرضواين رمحه اهلل‪ ،‬الذي علمني حب اهلل منذ نعومة أظفاري‪،‬‬
‫مبكرا والتحقت بجمعية الشبان املسلمني يف الثالثينيات والتي كان يرأسها الشيخ‬
‫وعملت للدعوة ً‬
‫عبد اهلل النعمة‪ ،‬فكنت أصغر من انتسبت إليها»‪.‬‬
‫درس باملدرسة الفيصلية ونال شهادهتا‪ ،‬وعينِّ معلماً غري أنه استقال من الوظيفة‪ ،‬وشدّ الرحال‬
‫وتفوقه يف مراحل دراسته‪،‬‬
‫بعد ذلك إىل األزهر الرشيف عام ‪1358‬هـ‪ ،‬وقد ُعرف بذكائه العجيب ُّ‬
‫ثم عاد إىل العراق وعمل يف كلية الرشيعة باألعظمية ببغداد‪.‬‬
‫مصلحا ومرب ًيا معلماً ‪ ،‬يلقي دروسه بني طالبه‪ ،‬ويف الوقت نفسه يقود املقاومة‬
‫ً‬ ‫كان رج ً‬
‫ال جماهدً ا‬
‫الشعبية ضد اإلنكليز املحتلني‪ ،‬وحيرك املظاهرات الصاخبة ضدهم‪ ،‬ويلقي بخطبه النارية التي‬
‫تلهب املشاعر وتأجج العواطف‪ ،‬فحرك املظاهرات ضد املعاهدات التي تقيد العراق كمعاهدة‬
‫(بورتسموت) حتى استطاع أن يفشل مباحثاهتا‪ ،‬كام أسهم وتالمذته بإسقاط معاهدة «جرب – بيفن»‬
‫االستعامرية‪.‬‬
‫اشتغل بالعمل الشعبي والتوجيه اإلسالمي يف املساجد واجلمعيات‪ ،‬فانتسب إىل مجعية الشبان‬
‫املسلمني‪ ،‬وأنشأ مجعية األمر باملعروف‪ ،‬كام أسس مع الشيخ أجمد الزهاوي مجعية األخوة اإلسالمية‬
‫التي قامت بدور رئيس يف الدعوة إىل اهلل يف أنحاء العراق‪.‬‬

‫طويلة)‪ ،‬والدكتور عبد الستار عبد اجلبار رئيس قسم الفقه وأصوله يف كلية اإلمام األعظم‪.‬‬

‫‪181‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬ال�سنة الثانية‪2016 -‬م‬


‫البحوث املحكمة‬ ‫اجلهود الفقهية واألصولية للعالمة الدكتور عبد الكريم زيدان‬

‫وكان جلوالته الدعوية يف أفريقيا وجنوب رشق آسيـا أكرب األثر؛ فقد أحيت روح التضامن‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ووطدت العالقات بني املسلمني قادة وشعو ًبا‪ .‬ولقد كانت له مواقف بطولية أمام جترب‬
‫العزة واإلباء والصالبة والرجولة واجلرأة والرصاحة‪ ،‬تلمس هذا‬
‫الطغاة واملستعمرين متثّلت فيها ّ‬
‫يف خطبه وحمارضاته وأحاديثه وكلامته وتآليفه ومصنفاته التي تلهب احلامس‪ ،‬وأول كتاب صدر له‬
‫أوائل األربعينيات هو كتاب «رصخة مؤمنة إىل الشباب والشابات»‪ .‬ثم تتابعت مؤلفاته الكثرية‬
‫الدعوية والفقهية والسياسة الرشعية وغريها حتى بلغت ‪ 25‬مؤلفا‪.‬‬
‫تُويف الشيخ يوم اجلمعة املوافق (‪ /13‬ربيع اآلخر‪1413/‬هـ املوافق‪1992/10/11‬م) يف‬
‫مطار إستانبول؛ و ُن ِق َل جثامنه ودفن يف مقابر املعالة بمكة‪ ،‬بجوار قرب الصحايب اجلليل عبد اهلل بن‬
‫الزبري ‪.a‬‬
‫خامسا‪ :‬تالميذه‬
‫تتلمذ عيل يد عالمتنا عبد الكريم زيدان عدد كبري من الطلبة من خمتلف اجلنسيات العربية‬
‫واإلسالمية ممن درسوا عىل يديه أكاديميا أو أرشف عىل رسائلهم وأطارحيهم يف الدكتوراه‬
‫واملاجستري‪ ،‬أو من التقى هبم خارج اإلطار األكاديمي وبعضهم ممن تولوا محل راية العلم يف البلد‬
‫من بعده ممن يشار هلم بالبنان منهم الدكتور العالمة عبد امللك السعدي(‪ ،)1‬والدكتور أمحد حسن‬
‫الطه‪ ،‬والدكتور حممد رضا العاين‪ ،‬والدكتور سامي اجلنايب‪ ،‬والشيخ حممود اجلبوري أبو حامد‪،‬‬
‫والدكتور كاظم الزوبعي‪ ،‬واألستاذ عبد املنعم صالح العيل (الراشد) وغريهم ممن ال يتسع املجال‬
‫يف هذه الوريقات حلرصهم‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫((( يفتخر الشيخ عبد امللك السعدي بتتلمذه عىل يد الدكتور عبد الكريم زيدان‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫د‪ .‬عيسى أمحد الفالحي و د‪ .‬أمحد حمي الدين الراوي‬

‫املطلب الثاين‬
‫مالمح �شخ�صيته ومكانته العلمية‬
‫أوال‪ :‬مالمح شخصيته وصفاته‬
‫متيزت شخصيته بخصائص علمية من حيث (الدقة والتحري يف النقل) و(احليادية والصدق)‪،‬‬
‫و(األمانة يف النقل واحرتام العلامء والثناء عليهم) و(سعة االطالع واملعرفة) و(الذكاء واإلبداع‬
‫يف إيصال الفكرة)‪ .‬وصفات نفسية واخالقية كـ (الصلة باهلل‪ ،‬والتوكل عليه‪ ،‬والرفق واللني‪،‬‬
‫واإلخالص والتواضع‪ ،‬والرصاحة والشجاعة)‪.‬‬
‫ويكاد جيمع أكثر من صاحب استاذنا أن أبرز صفة من صفات شخصيته هي التواضع‪ ،‬واجلرأة‬
‫يف قول احلق فال خيشى يف قول كلمة احلق لومة الئم‪ ،‬ودقة حفظه للنصوص وذاكرته العجيبة‪.‬‬
‫ومن صفاته األخرى املتميزة دأبه واجتهاده يف العلم طلبا وتعلام وتعليام وتصنيفا‪ ،‬ووقته مقسم‬
‫بني تالوة القران او مطالعة ما يكتبه تالميذه من الرسائل ومناقشتهم يف منزله‪ ،‬او التأليف‪ ،‬أو‬
‫استقبال العلامء والتالميذ او التدريس‪ ،‬وال متر عليه حلظة بفضل اهلل من دون عمل صالح‪ .‬وقد‬
‫حباه اهلل عز وجل ذاكرة حديدية عجيبة يستحرض هبا املعاين واالقوال الفقهية مهام بعد زماهنا‪ ،‬فكان‬
‫من عارشه يعجب لنقوالته التي يأيت هبا ودقة استخدامه االدلة(‪.)1‬‬
‫ورغم متكنه من العلم ما كان يأنف أن يستمع من غريه وحياوره‪ .‬وكان حيرص عىل اعادة الدرس‬
‫مرات عديدة لزيادة الفهم أو لدقة العبارة ‪ ...‬فكان يكتب املسألة ثم يطلب ممن كان معه أن يعيد‬
‫عليه قراءة ما كتبه فيعدل عليه أو يضيف له بعد كل مرة‪.‬‬
‫ومن املالمح البارزة يف شخصيته أنه مع علو شأنه ومنزلته مل يعهد عنه عيشة الرتف والغنى‬
‫والشهرة ‪ ..‬بل إنه ال يكاد يعرف عند عموم الناس ومرجع ذلك الذي ال حيتاج إىل دليل زهده‬

‫((( يروي الدكتور سامي اجلنايب عن قوة ذاكرة العالمة (وكان مرشفا عليه يف رسالة الدكتوراه) فيقول‪« :‬اذكر انه امىل‬
‫عيل يف مقدمة البحث بعض العبارات فكتبتها ثم اعدت صياغة البحث وعدلت يف العبارة بحسب اجتهادي وبعد‬
‫مدة طويلة ملا قرات البحث عليه قال اين العبارة التي امليتها عليك قلت قد صغتها صياغة جديدة فقال ال اكتبها مرة‬
‫اخرى واعادها كام هي من حفظه دون زيادة او نقصان»‬

‫‪183‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬ال�سنة الثانية‪2016 -‬م‬


‫البحوث املحكمة‬ ‫اجلهود الفقهية واألصولية للعالمة الدكتور عبد الكريم زيدان‬

‫بالدنيا وإعراضه عن زخارفها‪ ،‬وال أدل عىل ذلك من عزوفه عن اإلعالم وترك التصدر يف منصاته‬
‫رغم أن جهوده العلمية الرصينة ومكانته بني العلامء تؤهله بامتياز أن يتبوأ املكانة املرموقة بني‬
‫املشاهري التي من املمكن أن تفتح له آفاق الدنيا والعامل املرتف‪.‬‬
‫وقد عرضت عليه بالفعل عروض كثرية ومنها ما عرض عليه من اإلقامة بجوار املسجد احلرام‬
‫أو املسجد النبوي مع ضامنات بدخل مادي كبري وتوفري لكل وسائل العيش الرغيد له وألهله مجيعا‬
‫يف هذه البقاع املباركة ؛ ولكنه آثر البقاء بعيدا عن األضواء مع تالميذه من طلبة الدراسات العليا يف‬
‫جامعة صنعاء وجامعة اإليامن يف اليمن ‪ ...‬وحني عوتب من قبل حمبيه لرفض هذا العرض أجاب‬
‫فيام معناه‪ :‬أن هذا األمر يفتح عيل باب الشهرة واالبتالء ‪ ..‬ادعو يل بحسن اخلتام‪.‬‬
‫ومن صفاته الواضحة ورعه العايل يف حتري الدقة العلمية يف الفتوى‪ ،‬وأمانته يف اختيار األرجح‬
‫يف املسائل اخلالفية ‪ ...‬فيأتيه السائل أحيانا فيفتيه ورغم متكنه من فتواه إال أنه ال يسمح له باملغادرة‬
‫حتى يتأكد من صحة الفتوى من مراجعه التي بني يديه ليبعث الطمأنينة والثقة يف قلب سائله ‪..‬‬
‫فيجيب أحيانا ثم ما يلبث أن يقول قم يا فالن اجلب يل الكتاب الفالين والكتاب الفالين فيذهب إىل‬
‫املوضع من الكتاب بالضبط ويبدأ يقرأ فحوى ما أفتى به وفق ذاكرته فيأيت األمر يف األغلب متطابقا‬
‫أو تكون فتواه أكثر تفصيال وتبيانا‪.‬‬
‫يروي يل أحد من صاحبه(‪ )1‬لسنني طويلة فقال‪« :‬جاءه سائل غريب يستفتيه يف مسألة تتعلق‬
‫بالبيوع فأفتاه باحلكم وغادر‪ ،‬وبعد هنيئة قال‪ :‬ارسلوا اليه وكان قد غادر فذهبنا نبحث عنه يف‬
‫الشوارع القريبة ‪ ...‬فلام جاء أخربه أن هناك راي فقهي اخر يف املسألة واألمانة العلمية تقتيض أن‬
‫أوضحه لك وأبني مرجوحيته»‪.‬‬
‫و ُيعهد عن الشيخ العالمة حدة يف الطبع ممزوجة بطيبة متناهية يف القلب‪ ،‬وشدة وحزم يف اختاذ‬
‫القرار بال تردد‪ ،‬ممزوجة بشجاعة يف الرجوع إىل احلق إذا تبني له ؛ فربام يتخذ القرار ثم بسهولة يرجع‬
‫اىل غريه اذا اعتقد صوابية املقابل‪ ،‬وحني يذكر وخيوف باهلل فانه يميل للتنازل عن حقه‪ )2(.‬أما يف‬
‫احلوار فيتصف بالتواضع ولني الطبع يف املناقشة‪ ،‬فيستمع ملحاوره ويناقشه بكل أرحيية‪.‬‬

‫((( هو األستاذ ساطع املشهداين‪ /‬معاون عميد يف جامعة االنبار‪ .‬الذي الزمه يف اليمن لسنني طويلة‪.‬‬
‫((( حدثني بذلك أحد ممن يعد نفسه تلميذا له وقد الزمه لسنني وهو الدكتور كاظم الزوبعي‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫د‪ .‬عيسى أمحد الفالحي و د‪ .‬أمحد حمي الدين الراوي‬
‫وله مهة عالية يف متابعة شؤون الدعوة االسالمية يف العراق وخارجه‪ ،‬فال يكاد يمر عليه يوم اال‬
‫ويسال عن البلد الذي فارقه مرغام واخباره‪ ،‬والدعاة واحواهلم ويتفقدهم ويوجه وينصح حتى بعد‬
‫أن جتاوز التسعني من عمره املبارك‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مكانته العلمية‬
‫برع استاذنا الفاضل يف علوم كثرية ‪ ..‬وإن أهم ما يربز مكانته العلمية متكنه من اختصاصني‬
‫علميني مهمني مها «احلقوق» و «علوم الرشيعة اإلسالمية»‪.‬‬
‫وإن جهوده الفقهية ونتاجه يف هذا املجال أهله لنيل جائزة عاملية بجدارة(‪ )1‬يف خدمة اإلسالم‬
‫والدراسات اإلسالمية سنة ‪ 1417‬هـ ‪1997 /‬م‪ ،‬هي جائزة امللك فيصل خلدمة اإلسالم أثر ظهور‬
‫موسوعته يف الفقه املقارن «املفصل يف أحكام املرأة والبيت املسلم» تناول فيها جل أبواب الفقه‬
‫بشكل مقارن عىل وفق املذاهب اإلسالمية املتعددة يف أحد عرش جملد ًا‪ .‬وله مسامهات يف املجال‬
‫احلقوقي منها‪« :‬نظام القضاء يف الرشيعة اإلسالمية»‬
‫وإن مكانته العلمية املرموقة يف التخصصني السابقني جعلته يربع بشكل مميز تبعا لذلك يف‬
‫ختصصني مهمني آخرين مها «أصول الفقه» و «القواعد الفقهية» وله مؤلفات معتمدة فيهام منها‬
‫«الوجيز يف أصول الفقه» و «الوجيز يف رشح القواعد الفقهية يف الرشيعة اإلسالمية» تلقفها طلبة‬
‫العلم والعلامء بالقبول وهلا رشوحات عدة‪.‬‬
‫كام برع استاذنا يف فقه الدعوة واصوهلا وقواعدها وآداهبا ‪ ..‬وله مؤلفات رصينة يف هذا املجال‬
‫تدرس يف عدد من اجلامعات العراقية والعربية منها‪« :‬أصول الدعوة» و «املستفاد من قصص القرآن‬
‫للدعوة والدعاة» و «السنن اإلهلية يف األمم واألفراد واجلامعات» ‪ ..‬ومتكنه يف هذا املجال كان سببا‬
‫يف أن ختصص أطروحة دكتوراه لدراسة جهوده الدعوية(‪.)2‬‬
‫وللدكتور عبد الكريم زيدان قدح معىل يف فقه السياسة الرشعية ويف القضاء وله مؤلفات‬
‫وبحوث معتمدة يف هذا العلم‪ .‬منها‪« :‬أحكام الذميني واملستأمنني يف دار اإلسالم» و «الفرد والدولة‬

‫((( قال الدكتور سامي اجلنايب‪ « :‬حدثني احد املحكمني اهنم امجعوا عىل استحقاقه هلذه املرتبة العلمية واجلائزة‬
‫العاملية»‬
‫((( وهي اطروحة بعنوان جهود الدكتور عبد الكريم زيدان يف خدمة الدعوة اإلسالمية‪ /‬للدكتور حسني الدليمي‪.‬‬

‫‪185‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬ال�سنة الثانية‪2016 -‬م‬


‫البحوث املحكمة‬ ‫اجلهود الفقهية واألصولية للعالمة الدكتور عبد الكريم زيدان‬

‫يف الرشيعة» و «الرشيعة اإلسالمية والقانون الدويل العام» و «حقوق األفراد يف دار اإلسالم»‬
‫وملكانته العلمية كانت املحافل الثقافية والعلمية العربية والعاملية حترص عىل استضافته يف‬
‫مؤمتراهتا وأنشطتها ‪ ..‬لذا تنقل بني البلدان للقاء العلامء وحضور منتديات العلم وجمالسه من‬
‫مؤمترات وندوات ودورات وبرامج وغريها‪ .‬فالتقى مئات من العلامء أفاد منهم واستفادوا منه‪،‬‬
‫والتف حوله املئات من طلبة العلم الذين هنلوا من معارفه‪ ،‬وتتلمذوا عىل يديه الكثري‪ .‬وقد برز‬
‫نشاطه يف مشاركته يف العديد من املؤمترات والندوات الفقهية وال يزال‪.‬‬
‫* فقد قام بإلقاء حمارضات يف أسبوع الفقه اإلسالمي يف دولة الكويت يف الستينات‪.‬‬
‫* استكتب يف بعض مواضيع املوسوعة الفقهية الكويتية يف الستينات‪.‬‬
‫* شارك يف احللقة الثالثة للقانون والعلوم السياسية املنعقدة سنة ‪1969‬م ببغداد برعاية جامعة‬
‫الدول العربية حيث ألقى بحث ًا يف القانون الدويل العام يف الرشيعة اإلسالمية‪.‬‬
‫* اختري عضو ًا يف جملس أمناء اجلامعة اإلسالمية يف املدينة املنورة يف السبعينات‪.‬‬
‫* شارك يف أسبوع الفقه اإلسالمي يف الرياض أوائل السبعينات وألقى حمارضة فيه‪.‬‬
‫* شارك يف أسبوع الفقه اإلسالمي بدولة قطر سنة ‪1996-1995.‬م‬
‫* إضافة إىل إرشافه عىل رسائل املاجستري والدكتوراه يف جامعتي بغداد وصنعاء فإنه عضو يف‬
‫جملس املجمع الفقهي اإلسالمي التابع إىل رابطة العامل اإلسالمي يف مكة املكرمة‪ ،‬مما يظهر طول‬
‫باعه يف هذا املجال وأمهية حضوره‪.‬‬
‫وهو عضو يف جلنة التحكيم لنيل جائزة املرحوم هائل سعيد للعلوم واآلداب‪.‬‬
‫قالوا عنه‪:‬‬
‫أقوال العلامء يف حقه كثرية لضيق املقام اذكر قوال واحدا كام يأيت‪:‬‬
‫قال عنه الدكتور صالح النعيمي‪« :‬هذا الرجل الذي نذر نفسه للعلم يعيش به ويعيش له متخذ ًا‬
‫إياه دور ًا هيدي به األجيال إىل طريق احلق والعزة واالنعتاق متمام رسالة األنبياء يف التبليغ‪ ،‬وإجالء‬
‫احلقائق وخدمتها‪ ،‬مؤدي ًا بذلك األمانة امللقاة عىل عاتقه بكل صدق وصرب‪ ،‬مل يثره قول حاسد وال‬
‫افرتاء مفرت‪ ،‬وها هو ينتقل باحث ًا عن مواطن الرباط ليشد إليها رحاله مرتفع ًا عن مكاسب الدنيا‬
‫الفانية ومتاعها الزائل‪..‬‬

‫‪186‬‬
‫د‪ .‬عيسى أمحد الفالحي و د‪ .‬أمحد حمي الدين الراوي‬
‫هذا العامل املجاهد الذي أبى عليه تواضعه حب الظهور‪ ،‬ورشفه رشاء املناصب‪ ،‬وكرامته‬
‫التمسح بأصحاب اجلاه والسلطان‪ ،‬كان علينا أن نعرتف بفضل هذه الشخصية التي انطلقت من‬
‫ربوع العراق يف ربيع عمرها لتحط رحاهلا يف خريفه يف اليمن السعيد‪ ،‬بني هاتني املرحلتني وعىل‬
‫امتداد أربعة وثامنني سنة بجميع تقلباهتا يف الدراسة واملناصب‪ ،‬تطلع عىل حياته وأعامله ومؤلفاته‪،‬‬
‫لتلفت انتباه أجيال األمة كي تنهل من علمه وتترشب من أخالقه وإخالصه”‪.‬‬

‫املطلب الثالث‬
‫منهجيته يف الت�أليف‪ ،‬ونتاجه العلمي‪.‬‬
‫أوال‪ :‬منهجيته يف التأليف‪.‬‬
‫تتسم منهجيته يف التأليف بعنايته الفائقة بالتبويب والتقسيم‪ ،‬وحسن ترتيب املباحث(‪،)1‬‬
‫واالنتقال من اإلمجال إىل التفصيل ‪ ..‬ويمكن تلخيص مالمح منهجيته يف عموم مؤلفاته بالنقاط‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫‪ .1‬يبدأ كل موضوعاته بتشجري جممل للخطوط العريضة للموضوع املدروس‪ ،‬وبيان منهج‬
‫بحثه‪ ،‬ثم ينتقل إىل التفصيل‪.‬‬
‫‪ .2‬يغلب عىل كل مؤلفاته استخدام األسلوب األكاديمي العلمي يف التبويب (األبواب أو‬
‫األقسام)‪ ،‬ثم الفصول‪ ،‬ثم املطالب‪ ،‬ثم الفروع‪ ،‬ثم التنقيط‪.‬‬
‫‪ .3‬يميل إىل الفهرسة التفصيلية ووضع عنوان لكل فقرة‪ ،‬مع ترقيم الفقرات‪.‬‬
‫‪ .4‬نزوعه إىل جتنب التكلف يف العبارة‪ ،‬وجتنب استخدام املصطلحات املعقدة‪ ،‬مع الدقة العلمية‬
‫وسهولة العرض‪ ،‬ويقرتب اسلوبه مع ما يطلق عليه «السهل املمتنع»‪.‬‬
‫‪ .5‬يتميز بحسن التحرير للمسائل‪ ،‬وضبط مفرداهتا‪ ،‬وبيان صورهتا‪ ،‬والقيود التي ترد عليها‪،‬‬
‫وتفكيك املسائل املركبة إىل جزئياهتا‪ ،‬وبيان حكم كل جزء عىل حدة بحسب األدلة دون حرص‬
‫اجلميع حتت حكم واحد‪.‬‬

‫((( يقول الدكتور سامي اجلنايب‪« :‬مل اجد فيام قرات عاملا له عناية بالتبويب والتقسيم وترتيب املباحث كام وجدته‬
‫عند استاذنا»‬

‫‪187‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬ال�سنة الثانية‪2016 -‬م‬


‫البحوث املحكمة‬ ‫اجلهود الفقهية واألصولية للعالمة الدكتور عبد الكريم زيدان‬

‫‪ .6‬رغم أنه يرصح أنه حنبيل املذهب إال أنه ال يلتزم مذهبا حمددا بل يعتمد منهجية الفقه املقارن‬
‫واملوازنة بني اآلراء الفقهية‪ ،‬والرتجيح بحسب األدلة دون التعصب ملذهب ما‪.‬‬
‫‪ .7‬ال يكتب يف موضوع ما إال بعد استيعابه من كل جوانبه‪ ،‬واإلحاطة بمصادر متنوعة تكلمت‬
‫عنه ؛ فنجده يف موضوع فقهي مثال اليكتفي بالنصوص الفقهية من مصادره الفقهية بل يدعم ذلك‬
‫بنصوص من كتب التفسري أو احلديث أو اللغة أو الزهديات أو غريها‪.‬‬
‫‪ .8‬متكنه الواضح يف ختريج الفروع عىل األصول‪ ،‬فبعد أن يبني صورة املسألة يبدأ بذكر األصل‬
‫الذي تعود عليه‪ ،‬والقواعد الفقهية التي هلا مساس هبا‪ ،‬واألشباه والنظائر واألصول التي تقرتب من‬
‫صورهتا‪ ،‬ويمكن أن يبنى عىل اساسها حكمها الرشعي(‪.)1‬‬
‫‪ .9‬غالبا ما يبدأ برسد أدلة الرأي الراجح عنده‪ ،‬واألجوبة عىل اعرتاضات اآلراء املرجوحة‪ ،‬ويف‬
‫بعض األحيان يفعل العكس‪.‬‬
‫‪ .10‬يف األعم األغلب بعد مناقشة األدلة يف املسائل اخلالفية يذكر الرأي الراجح‪ ،‬ويفرد له‬
‫عنوانا مستقال‪ ،‬ومل خيالف ذلك إال يف مسائل قليلة جدا تركها بدون ترجيح(‪.)2‬‬
‫‪ .11‬وعىل رأس كل ذلك تأيت أمانته العلمية‪ ،‬ونسبة كل قول إىل قائله‪ ،‬وتوثيق ذلك‪ ،‬واحرتامه‬
‫آلراء العلامء مهام كانت ضعيفة أو شاذة‪ ،‬ومل أقف عىل أي شاهد يمكن أن يفهم منه انتقاصه ألي‬
‫من خمالفيه ‪ ..‬فحتى حني ينقل آراء ابن حزم الظاهري ويتبناها يتجنب ما جيده يف رأيه من شدة مع‬
‫خمالفيه وتسفيهه آلرائهم‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تصنيف مؤلفاته‬
‫تنوعت مؤلفات العالمة الدكتور بني الكريم زيدان ويمكن تصنيفها عىل مستويات ثالث‪:‬‬
‫‪ .1‬البحوث‪ :‬ويف الغالب تعالج مسائل جزئية يف عيون مسائل الفقه كـ « أحكام اللقيط يف‬

‫((( يقول الدكتور سامي اجلنايب‪« :‬وكان قد ارشف عىل رسالتي يف اصول الفقه فلم ار مثله يف عمق فقهه وغوصه‬
‫عىل درر املعاين االصولية والفقهية والقدرة عىل تصور القضايا والتمييز بني املتشاهبات العويصة والفرز بينها وترجيح‬
‫الراجح منه وفق الدليل»‪ .‬من مقال له بحق استاذنا العالمة عبد الكريم زيدان عىل الشبكة اإللكرتونية‪.‬‬
‫((( مثال ذلك‪ :‬مل يرجح يف زكاة مال الصغري واكتفى بتوجيه اآلراء الفقهية (ينظر فقرة‪ 730/‬من كتابه املفصل)‬
‫وكذلك مل يرجح يف وجوب الزكاة عن املدين الذي يستغرق دينه كل ماله (ينظر فقرة‪ 733/‬من كتابه املفصل)‬

‫‪188‬‬
‫د‪ .‬عيسى أمحد الفالحي و د‪ .‬أمحد حمي الدين الراوي‬
‫الرشيعة اإلسالمية» أو أصوله كـ « اثر القصود يف الترصفات والعقود» أو نوازله كـ «حكم عقد‬
‫التأمني» و «حكم اإلرضاب»‪ ،‬أو يف السياسة الرشعية كـ «الرشيعة اإلسالمية والقانون الدويل‬
‫العام»‪ ،‬أو قضية فكرية كـ «نظرية التجديد يف الفكر اإلسالمي»‬
‫‪ .2‬املوجزات‪ :‬وهي الكتب التي متثل مدخل للموضوعات التي تتعرض هلا تستوعب فروعها‬
‫عىل سبيل اإلمجال دون التعمق يف تفصيالهتا وجزئياهتا ومثاهلا «املدخل لدراسة الرشيعة» و «الوجيز‬
‫يف أصول الفقه» و «الوجيز يف رشح القواعد الفقهية»‬
‫‪ .3‬املوسوعات‪ :‬وهي كتب موسعة تستقيص كل جزئيات املوضوع وتفصيالته الدقيقة ويأيت‬
‫عىل رأسها موسوعته البديعة «املفصل يف أحكام املرأة والبيت املسلم يف الرشيعة اإلسالمية»‬
‫و«أحكام الذميني واملستأمنني يف دار اإلسالم» و «املستفاد من قصص القرآن للدعوة والدعاة»‬
‫ثالثا‪ :‬نتاجه العلمي‬
‫أنتج لنا العالمة عبد الكريم زيدان حفظه اهلل الكثري من املؤلفات العلمية والبحوث واملقاالت‬
‫منها املطبوع ومنها مازال خمطوطا‪ ،‬وبعض كتبه لرصانتها وسهولة عبارهتا معتمدة كمناهج دراسية‬
‫يف العديد من اجلامعات العربية واإلسالمية كـ «أصول الدعوة» و «املدخل لدراسة الرشيعة» و‬
‫«الوجيز يف أصول الفقه» الذي رشح من قبل علامء أجالء(‪ ،)1‬و «الوجيز يف رشح القواعد الفقهية»‪..‬‬
‫يمكن تعداد نتاجاته املطبوعة باآليت‪:‬‬
‫من الكتب‬
‫‪ .1‬أحكام الذميني واملستأمنني يف دار اإلسالم‪ 2( .‬جملد)‬
‫‪ .2‬املدخل لدراسة الرشيعة اإلسالمية‪( .‬جملد)‬
‫‪ .3‬املفصل يف أحكام املرأة وبيت املسلم يف الرشيعة اإلسالمية(‪ 11‬جملد)‬
‫‪ .4‬أصول الدعوة‪( .‬جملد)‬
‫‪ .5‬املستفاد من قصص القرآن للدعوة والدعاة (‪ 2‬جملد)‬
‫‪ .6‬السنن اإلهلية يف األمم واألفراد واجلامعات (جملد)‬
‫‪ .7‬الكفالة واحلوالة يف الفقه املقارن‪( .‬جملد)‬

‫((( منهم‪ :‬الدكتور الشيخ عبد العظيم بدوي‪ ،‬والشيخ أمحد مزيد البوين من تونس‪ ،‬والشيخ حممد عيل السكندري‪ ،‬وغريهم‪.‬‬

‫‪189‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬ال�سنة الثانية‪2016 -‬م‬


‫البحوث املحكمة‬ ‫اجلهود الفقهية واألصولية للعالمة الدكتور عبد الكريم زيدان‬

‫‪ .8‬الفرد والدولة يف الرشيعة‪( .‬كتاب)‬


‫‪ .9‬نظام القضاء يف الرشيعة اإلسالمية (جملد)‬
‫‪ .10‬بحوث اسالمية‪( .‬كتاب)‬
‫‪ .11‬الوجيز يف رشح القواعد الفقهية يف الرشيعة اإلسالمية‪( .‬جملد)‬
‫‪ .12‬الوجيز يف أصول الفقه (جملد)‬
‫‪ .13‬نظرات يف الرشيعة اإلسالمية‬
‫من البحوث‪:‬‬
‫‪ .1‬اثر القصود يف الترصفات والعقود‪.‬‬
‫‪ .2‬اللقطة وأحكامها يف الرشيعة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ .3‬أحكام اللقيط يف الرشيعة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ .4‬حالة الرضورة يف الرشيعة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ .5‬الرشيعة اإلسالمية والقانون الدويل العام ‪.‬‬
‫‪ .6‬االختالف يف الرشيعة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ .7‬عقيدة القضاء والقدر وآثرها يف سلوك الفرد‪.‬‬
‫‪ .8‬العقوبة يف الرشيعة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ .9‬حقوق األفراد يف دار اإلسالم‪.‬‬
‫‪ .10‬القيود الواردة عىل امللكية الفردية للمصلحة العامة يف الرشيعة اإلسالمية‬
‫‪ .11‬موقف الرشيعة اإلسالمية من الرق‪.‬‬
‫‪ .12‬النية املجردة يف الرشيعة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ .13‬قضايا تتعلق بموضوع النكاح (نكاح املتعة‪ ،‬نكاح املسيار‪ ،‬اخلطبة‪ ،‬اخللع)‬
‫‪ .14‬مسائل الرضاع يف الرشيعة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ .15‬بني احلق والباطل‪.‬‬
‫‪ .16‬نظرية التجديد يف الفكر اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ .17‬حكم عقد التأمني يف الرشيعة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ .18‬مدى مرشوعية الرضائب التي تفرضها الدول‪.‬‬
‫‪ .19‬دخول املسلم إىل دولة غري إسالمية واإلقامة فيها‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫د‪ .‬عيسى أمحد الفالحي و د‪ .‬أمحد حمي الدين الراوي‬

‫املبحث الثاين‬
‫جهوده يف عيون م�سائل الفقه و�أ�صوله‬

‫ويشتمل عىل مطلبني‪:‬‬


‫املطلب الأول‬
‫جهوده يف علم �أ�صول الفقه وقواعده‪.‬‬
‫متهيد‪:‬‬
‫يقول استاذنا العالمة‪« :‬الفقه واصوله يتفقان عىل أن غرضهام التوصل إىل األحكام إال أن‬
‫األصول تبني مناهج الوصول‪ ،‬وطرق االستنباط‪ ،‬والفقه‪ :‬يستنبط األحكام فعال عىل ضوء املناهج‬
‫(‪)1‬‬
‫التي رسمها علم األصول‪ ،‬وبتطبيق القواعد التي قررها»‬
‫وانطالقا من مقولته هذه كان البد لنا من تسليط الضوء عىل جهوده األصولية ونتاجه العلمي‬
‫فيها واختياراته من خالل النقطتني اآلتيتني‪.‬‬

‫أوال‪ :‬نتاجاته يف أصول الفقه وقواعده‪ ،‬ومنهجه‪.‬‬


‫ابتداء يؤكد عالمتنا عىل أمهية هذا العلم واحلاجة إليه بالنسبة للمجتهد‪ ،‬وملن مل يصل درجة‬
‫االجتهاد من أهل العلم‪ ،‬وللمعني بالقوانني الوضعية‪.‬‬
‫أما املجتهد‪ :‬فال غنى له عن هذا العلم ؛ كونه املعني باستنباط األحكام‪.‬‬
‫وأما من مل يصل درجة االجتهاد‪ :‬فيحتاجه كذلك ليعرف مآخذ األئمة وأساس مذاهبهم‬
‫ليستطيع املقارنة والرتجيح بني األقوال‪.‬‬
‫وأما املعني بالقوانني الوضعية (من حمام‪ ،‬أو قاض‪ ،‬أو مدرس) فيحتاج هو اآلخر هلذا العلم؛‬
‫ألن القواعد واألصول التي قررها هذا العلم يلزم اإلحاطة هبا من قبل من يتصدى للقوانني‬

‫((( الوجيز يف أصول الفقه (ص‪)13‬‬

‫‪191‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬ال�سنة الثانية‪2016 -‬م‬


‫البحوث املحكمة‬ ‫اجلهود الفقهية واألصولية للعالمة الدكتور عبد الكريم زيدان‬

‫الوضعية‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وتتجىل جهوده يف أصول الفقه وقواعده يف ثالثة كتب مهمة (هي‪ :‬الوجيز يف أصول الفقه‪،‬‬
‫والوجيز يف رشح القواعد الفقهية‪ ،‬واملدخل لدراسة الرشيعة)‪ ،‬وبحثني مستقلني (مها‪ :‬حالة‬
‫الرضورة يف الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬اثر القصود يف الترصفات والعقود) ومباحث ضمنية يف بقية كتبه‬
‫والسيام موسوعته الفقهية (املفصل يف أحكام املرأة والبيت املسلم)‬
‫* ويلخص العالمة عبد الكريم زيدان منهجه يف الوجيز يف اصول الفقه من خالل تأكيده أن‬
‫موضوع علم أصول الفقه هو ((احلكم – ودليله – وطرق استنباطه – واملستنبط)) فرسم بذلك‬
‫صورة موجزة ملنهجه (الذي تطابق مع منهج من سبقه من األصوليني) يف عرض هذا املوضوع من‬
‫خالل اربعة أبواب رئيسية‪:‬‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم (ويدخل فيه أقسام احلكم وقيوده‪ ،‬واحلاكم‪ ،‬واملحكوم فيه‪ ،‬واملحكوم‬
‫عليه) وما يتفرع عنها من مباحث‪.‬‬
‫الباب الثاين‪ :‬األدلة (وتشمل مباحث األدلة املجمع عليها‪ :‬الكتاب والسنة واإلمجاع والقياس‪،‬‬
‫ومباحث األدلة املختلف فيها كاالستحسان‪ ،‬واالستصالح‪ ،‬والعرف‪ ،‬وسد الذرائع ‪ ...‬وغريها)‬
‫الباب الثالث‪ :‬طرق االستنباط (وتشمل القواعد اللغوية‪ ،‬ومقاصد الترشيع العامة‪ ،‬والناسخ‬
‫واملنسوخ‪ ،‬والتعارض والرتجيح)‬
‫الباب الرابع‪ :‬املستنبط (من حيث الرشوط واألهلية‪ ،‬ومباحث االجتهاد‪ ،‬والتقليد)‬
‫* أما يف كتابه «الوجيز يف رشح القواعد الفقهية» فقد رشح من خالله مائة قاعدة فقهية‪ ،‬مع‬
‫تطبيقاهتا يف الفروع الفقهية‪ ،‬اخترص الكالم يف القواعد الفرعية منها‪ ،‬واستفاض يف القواعد اجلامعة‬
‫منها من حيث االستدالل وأثرها يف الفروع ومنها‪ :‬قاعدة «األمور بمقاصدها» و «املشقة جتلب‬
‫التيسري» و «اليقني ال يزول بالشك» و «األصل براءة الذمة» و «ال رض وال رضار» «العادة حمكمة»‬
‫و «درئ احلدود بالشبهات» ‪ ...‬وغريها‪.‬‬

‫((( ينظر‪ :‬الوجيز (ص‪)13‬‬

‫‪192‬‬
‫د‪ .‬عيسى أمحد الفالحي و د‪ .‬أمحد حمي الدين الراوي‬
‫ثانيا‪ :‬نامذج من اختياراته األصولية‪.‬‬
‫‪ .1‬يرجح الدكتور عبد الكريم زيدان عدم غلق باب االجتهاد وأنه باق إىل يوم القيامة ‪ ..‬ولكن‬
‫برشوطه‪ .‬ثم وجه رأي من أفتى بسد باب االجتهاد بأنه قاله اجتهادا عندما رأى جرأة اجلهال عىل‬
‫رشع اهلل‪ ،‬وترشيع األحكام باهلوى‪ ،‬وادعاء االجتهاد من قبل اناس ال يعرفون منه إال االسم‪.‬‬
‫‪ .2‬رجح الطريقة الثالثة يف البحث األصويل القائم عىل اجلمع بني الطريقتني (املتكلمني‪،‬‬
‫والفقهاء من احلنفية) للظفر بمزايا املسلكني (تقرير القواعد األصولية املجردة التي يسندها الدليل‬
‫لتكون موازين االستنباط‪ ،‬مع االلتفات إىل املنقول عن األئمة من الفروع الفقهية)‬
‫(‪)1‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫جهوده يف علم الفقه‬
‫تتجىل جهوده الفقهية يف عدة كتب من مؤلفاته التي استعرضناها ولكن يأيت يف القمة منها كتابه‬
‫املوسوعي الرصني «املفصل يف أحكام املرأة وبيت املسلم يف الرشيعة اإلسالمية» ولن نتكلم عن‬
‫األمانة العلمية لعالمتنا يف هذا الكتاب ودقته يف التوثيق ونسبة األقوال إىل قائليها فذلك ظاهر‬
‫كالشمس يف رابعة النهار‪ ،‬ولكن نحتاج إىل تسليط الضوء عىل منهجه ومميزات كتابه املفصل‪،‬‬
‫ونامذج من ترجيحاته الفقهية يف هذا الكتاب‪.‬‬
‫أوال‪ :‬منهجه ومميزات كتابه «املفصل»‬
‫* تظهر منهجيته يف التأليف التي ذكرناها سابقا واضحة يف كتابه املفصل مما تعد مميزات لكتابه‬
‫ويمكن التأكيد عىل بعض هذه املميزات من خالل النقاط اآلتية‪:‬‬
‫‪ .1‬سهولة العرض مع منتهى الدقة‪.‬‬
‫إن املتمعن يف كتابه جيده مثاال حيتذى لفن التأليف جيمع بني رصانة العبارة ودقتها‪ ،‬وسهولة‬
‫العرض ووضوحه ‪ ..‬فعقليته منظمة جدا‪ ،‬ومنهجيته مرتبة تنفر من احلشو واللغو‪ ،‬والعبارات‬
‫املطاطية التي حتتمل وجوها من املعنى ‪ ..‬وال غرابة يف ذلك إذا علمنا أنه متقن لفنون األصول‬

‫((( الوجيز (ص‪)16‬‬

‫‪193‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬ال�سنة الثانية‪2016 -‬م‬


‫البحوث املحكمة‬ ‫اجلهود الفقهية واألصولية للعالمة الدكتور عبد الكريم زيدان‬

‫والفقه والقانون‪ .‬وتتجىل مظاهر الدقة والسهولة بالنقاط اآلتية‪:‬‬


‫أ‪ .‬حتديد املوضوع‪ ،‬وإبراز اخلطة واهلدف من الدراسة‪ :‬بإلقاء نظرة يف مقدمة كل موضوع يبحثه‬
‫جتد مصداق ذلك(‪.)1‬‬
‫ب‪ .‬إيثاره جتنب التكلف والتوسع يف التأويل بدون دليل‪ :‬فهو يميل إىل الوضوح والبساطة‬
‫يف عرض املادة ويبتعد عن مداخالت الكالم ليحاول الوصول إىل مبتغاه بأيرس السبل‪ .‬لذا نجده‬
‫أحيانا يرد عىل بعض العلامء الذين ذهبوا بعيدا يف تأويالهتم‪.‬‬
‫ت‪ .‬ضبط املفردات واملصطلحات‪ :‬حرص العالمة عبد الكريم زيدان عىل ضبط املصطلحات‬
‫الفقهية وإيضاح معانيها‪ ،‬والدقة يف ضبطها‪ ،‬وحتقيق حمل اخلالف فيها‪.‬‬
‫‪ .2‬االنتقال من اإلمجال إىل التفصيل‬
‫اسلوبه هذا صفة يتميز هبا يف كل مؤلفاته ؛ فهو يبدأ بعرض املوضوع إمجاليا‪ ،‬وحيدد خطوطه‬
‫العريضة‪ ،‬وأركانه ورشوطه وقيوده ‪ ..‬ثم ينتقل بعد ذلك للتفصيل(‪ .)2‬مثال ذلك‪ :‬يظهر بالنظر يف‬
‫بداية كل موضوع يف كتابه املفصل‪.‬‬
‫‪ .3‬استيعابه جلوانب املسألة التي يعرضها‪.‬‬
‫يمتاز استاذنا بحرصه الكبري عىل االستقصاء واإلملام بكل جوانب القضية التي يناقشها‪،‬‬
‫وذلك هلمته العالية‪ ،‬وصربه‪ ،‬وغزارة علمه‪ ،‬واستشعاره باملسؤولية وعظم األمانة ‪ ..‬فيكثر من بيان‬
‫تشعبات املسائل وتفاصيلها‪ ،‬وتفكيك جزيئاهتا وحترير حمل اخلالف فيها بدقة عجيبة‪ .‬ثم استعراض‬
‫أقوال الفقهاء وتوجيهها‪.‬‬
‫ولكنه يف الوقت نفسه يميل إىل العبارات املبارشة السهلة املوجزة دون إخالل يف تصوير املسألة‪..‬‬
‫فإذا اقتىض األمر اإلطالة واالتساع (يف مثل املسائل التي كثر فيها النزاع وتنوعت فيها اآلراء) نجده‬

‫((( ويضع لذلك فقرة مستقلة بعنوان «منهج البحث» ينظر مثال ذلك الفقرات‪،56 ،55 ،17 ،11 ،8 ،7 ،3( :‬‬
‫‪ ..... 724 ،481 ،416 ،372 ،321 ،312 ،251 ،233‬الخ)‬
‫((( يقول الدكتور سامي اجلنايب‪ :‬وكتابه هذا كسائر كتبه يتسم بحسن التبويب والتقسيم ومل اجد فيام قرات عاملا له‬
‫عناية بالتبويب والتقسيم وترتيب املباحث كام وجدته عند استاذنا‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫د‪ .‬عيسى أمحد الفالحي و د‪ .‬أمحد حمي الدين الراوي‬
‫ال يبخل يف بسطها وإيضاحها(‪.)1‬‬
‫‪ .4‬استدراكاته وتوجيهاته الفقهية‪.‬‬
‫يف عرضه لآلراء الفقهية كثريا ما نجده يستدرك عليهم بعض ما أمهلوه من جوانب املسألة أو ما‬
‫استجد فيها من تفصيل عرض عليها الحقا‪.‬‬
‫* ومن استدراكاته‪ :‬حكمه عىل بعض النوازل الفقهية التي سنتطرق إليها بمبحث مستقل‪.‬‬
‫ومن استدراكاته‪ :‬بيانه لبعض جوانب املسائل التي مل يقف عىل كالم للفقهاء فيها‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬استدراكه ملسألة هل جيوز الضامن يف الرجوع عن اخلطبة؟ بمعنى إذا رجع اخلاطب‬
‫أو املخطوبة عن اخلطبة‪ ،‬وادعى الطرف اآلخر أنه ترضر هبذا الرجوع فهل له أن يطلب التعويض؟‬
‫ثم بني سكوت الفقهاء عن بحث هذه املسألة ووجه سبب سكوهتم ثم فصل املسألة وبني حاالهتا‬
‫فيام اذا كان الراجع هو املرضور‪ ،‬وفيام إذا كان املرضور هو الطرف اآلخر ‪ ..‬ثم رجح عدم حتمل‬
‫(‪)2‬‬
‫الراجع اي تعويض للطرف اآلخر ؛ ألنه استعمل أمرا جائزا له‪ ،‬واجلواز الرشعي ينايف الضامن‪.‬‬
‫ويف هذا الكتاب ظهر بشكل جيل مقدرته الكبرية يف توجيه بعض األحكام الرشعية‪ ،‬واآلراء الفقهية‬
‫وبيان أسباهبا ومراميها وقيودها وحكمها(‪.)3‬‬
‫‪ .5‬خترجيه الفروع عىل األصول‬
‫حيسن بنا قبل أن نتطرق إىل هذه امليزة يف منهج استاذنا الكريم أن نبني معنى هذا العلم‪ .‬فيعرف‬
‫بأنه «العلم الذي يعرف به استعامل القواعد األصولية يف استنباط األحكام الرشعية العملية من‬
‫أدلتها التفصيلية»‬
‫(‪)4‬‬

‫((( ينظر مثال مسألة نقض الوضوء بلمس املرأة (‪ )94/1‬فقرة (‪ )132‬ومسألة زكاة حيل النساء (‪ )373/1‬الفقرات‬
‫(‪ )779-772‬ومسالة تطهري ذيل ثوب املرأة (‪ )55/1‬فقرة (‪ /13‬رابعا)‬
‫((( ينظر‪ :‬املفصل يف أحكام املرأة (‪ )76/6‬الفقرات (‪ )5124 – 5120‬ط‪ ،3‬مؤسسة الرسالة‪1420 ،‬هـ‪2000-‬م‪.‬‬
‫((( ينظر مثال ذلك‪ :‬بيانه حلكمة تقليم األظافر فقرة (‪ )36‬ومسالة ما يسقط الرتتيب يف قضاء الفوائت فقرة(‪)371‬‬
‫وتوجيهه حلكمه بالرجوع إىل العادة يف مدة احليض واختالفها بحسب البيئة فقرة (‪ )151‬وتوجيهه حلكمه بعدم‬
‫الضامن يف الرجوع عن اخلطبة فقرة (‪)5124‬‬
‫((( ختريج الفروع عىل األصول «دراسة تارخيية ومنهجية وتطبيقية»‪ /‬عثامن بن حممد األخرض شوشان(‪)67/1‬‬
‫الرياض‪ :‬دار طيبة‪ ،‬الطبعة األوىل‪1419 ،‬هـ ـ ‪1998‬م ‪.‬‬

‫‪195‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬ال�سنة الثانية‪2016 -‬م‬


‫البحوث املحكمة‬ ‫اجلهود الفقهية واألصولية للعالمة الدكتور عبد الكريم زيدان‬

‫وألن خلفية استاذنا أصولية قانونية فنجده بارعا يف هذا العلم‪ ،‬ويف الكثري من املسائل التي ال يكون‬
‫األصل الذي خترج عليه ظاهرا ال يكتفي بعرض اآلراء النهائية للفقهاء فيها فحسب‪ ،‬بل خيرج املسألة‬
‫عىل أصلها ويعود هبا إىل القواعد التي هلا مساس هبا‪ ،‬أما املسائل التي يتنازعها أكثر من أصل فيحقق إىل‬
‫أي األصول هي أشبه قبل أن يرجح احلكم النهائي هلا كام يف مسألة زكاة مال الصبي(‪.)1‬‬
‫‪ .6‬مصادره وسعة اطالعه‬
‫تنوعت مصادره يف الكتاب بشكل كبري‪ ،‬حيث بحث مسائله الفقهية من وجهة نظر مقارنة‬
‫عىل سبعة مذاهب (هي األربعة املشهورة‪ ،‬واجلعفرية‪ ،‬والزيدية‪ ،‬والظاهرية) ورجع إىل مصادرهم‬
‫الفقهية‪ .‬وأحيانا يذكر أقوال بعض الفقهاء الذين كانت هلم اجتهادات خارج هذه املذاهب‬
‫كالثوري‪ ،‬والليث بن سعد‪ ،‬واألوزاعي وغريهم‪.‬‬
‫ولسعة اطالعه كان يتوسع باالعتامد عىل مصادر أخرى تطرقت للمسألة كالتفاسري‪ ،‬وكتب‬
‫اللغة‪ ،‬وكتب السرية‪ ،‬وكتب القانون‪ ،‬وكتب احلديث الرشيف ورشوحه‪ .‬ويالحظ ميله لالعتامد‬
‫عىل كتب ابن تيمية وال سيام جمموعة الفتاوى‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬نامذج من اختياراته وترجيحاته الفقهية‪.‬‬
‫يف ختام حتليلنا للموسوعة الفقهية ألستاذنا العالمة عبد الكريم زيدان حيسن بنا أن نعرف قراء‬
‫بحثنا املتواضع هذا ببعض اختياراته الفقهية(‪ )2‬وهي شذرات متباعدة من كتبه عىل سبيل التمثيل ال‬
‫احلرص فنوجز ذلك بام يأيت‪:‬‬
‫‪ .1‬اختار مذهب احلنابلة أن ملس املرأة ال ينقض الوضوء إال إذا كان بشهوة‪ .‬ولكن استدرك‬
‫عليه أن العربة بالشهوة وليس بمالمسة البرشة‪ ،‬فال فرق بني كون اللمس من وراء حائل أو بدون‬
‫حائل‪ ،‬بل ربام يكون احلائل الناعم الرقيق أدعى إىل إثارة الشهوة‪ .‬والقيد االخري من انفراداته‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫‪ .2‬رجح مذهب احلنابلة يف وجوب قراءة الفاحتة عىل املأموم يف الرسية‪ ،‬وأهنا غري واجبة وال‬

‫((( ينظر‪ :‬املفصل (‪ )345/1‬الفقرات (‪)730 – 727‬‬


‫((( وال نبالغ إذ نقول أن له أراء واجتهادات واختيارات تصلح أن جتمع يف رسالة ماجستري أو اطروحة دكتوراه‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املفصل يف أحكام املرأة (‪ )94/1‬الفقرات (‪)138-89‬‬

‫‪196‬‬
‫د‪ .‬عيسى أمحد الفالحي و د‪ .‬أمحد حمي الدين الراوي‬
‫مستحبة يف الصالة اجلهرية إذا كان يسمع القراءة‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪)2‬‬
‫‪ .3‬رجح كون مهر املرأة املؤجل غري مانع من وجوب الزكاة ولو كان مستغرقا جلميع النصاب‪.‬‬
‫‪ .4‬رجح أن «صوت املرأة ليس بعورة» وأن املمنوع عليها رفع الصوت ومتطيطه‪ ،‬وتليينه‬
‫وتقطيعه‪ ،‬ملا يف ذلك من استاملة الرجال إليهن وحتريك الشهوات منهم؛ وألجل هذا مل جيز للمرأة‬
‫أن تؤذن ‪ ...‬فمتى كان وسيلة للتعبري عن احلق من أمر بمعروف أو هني عن منكر أو التعبري عام‬
‫حتتاج إليه ملتزمة بآداب احلديث مع الرجال من غري تليني وال متييع وال جتميل فمرشوع‪ ،‬ومتى كان‬
‫(‪)3‬‬ ‫كالم ًا باط ً‬
‫ال أو فيه دعوة إىل باطل أو صد عن خري فهو حمظور‪ ،‬إذ الوسائل تأخذ حكم املقاصد‪.‬‬
‫‪ .5‬رجح جواز إمامة املرأة للرجل يف حاالت حمددة فقال‪ « :‬والراجح جواز أن تؤم املرأة الرجل مع‬
‫أهل بيتها يف دارها إذا كانت املرأة هي األوىل باإلمامة من الرجل لكوهنا أقرأ وأفقه»(‪ )4‬وذكر دليل ذلك‪.‬‬
‫‪ .6‬يف مسألة التسعري للسلع رجح جواز ذلك لويل األمر فقال‪« :‬والراجح ما ذهب إليه ابن‬
‫يسعر السلع التي حيتاجها الناس بأن يضع هلا سعر ًا عاد ً‬
‫ال يالحظ فيه‬ ‫تيمية رمحه اهلل‪ ،‬فلويل األمر أن ّ‬
‫مصلحة أرباب السلع‪ ،‬بأن يوفر هلم ربح ًا معقو ً‬
‫ال مناسب ًا ويالحظ فيه مصلحة الناس املشرتين‪ ،‬بأن‬
‫جيعل السعر بقيمة املثل أو أزيد منه بقليل والشك يف ان يف التسعري تقييد ًا حلق املالك يف الترصف‬
‫يف ملكه ولكنه تقييد للمصلحة العامة‪ ،‬واملصلحة العامة معتربة يف الرشيعة‪ ،‬ومن ثم أجاز التسعري‬
‫؛ ألن الباعة مل يترصفوا يف ملكهم بمقتىض العدل الذي يلزمهم به الرشع‪ ،‬فكان البد من قيام ويل‬
‫األمر بحملهم عىل ذلك عن طريق التسعري»‬
‫(‪)5‬‬

‫‪ .7‬رجح أن املطلقة بالثالث يف جملس واحد بلفظ واحد (كقوله أنت طالق بالثالث) أو بلفظ‬
‫متكرر (أنت طالق‪ ،‬أنت طالق‪ ،‬أنت طالق) يقع عليها طلقة واحدة وعلله بقوله‪« :‬وهذا القول أرفق‬
‫بعامة املسلمني وأقرب إىل حتقيق املصلحة املرشوعة لألرسة املسلمة‪ ،‬باإلضافة إىل ما هلذا القول من‬

‫((( ينظر‪ :‬املفصل يف أحكام املرأة (‪ )248/1‬الفقرة (‪)507‬‬


‫((( ينظر‪ :‬املفصل يف أحكام املرأة (‪ )351/1‬الفقرة (‪)737‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املفصل يف أحكام املرأة (‪ )284 – 276 /3‬الفقرات (‪)2460-2443‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املفصل يف أحكام املرأة (‪ )252 /1‬فقرة (‪)518‬‬
‫((( القيود الواردة يف امللكية الفردية للمصلحة العام يف الرشيعة اإلسالمية (ص ‪ )76‬عامن‪ :‬مكتبة الشائر‪1403 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪197‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬ال�سنة الثانية‪2016 -‬م‬


‫البحوث املحكمة‬ ‫اجلهود الفقهية واألصولية للعالمة الدكتور عبد الكريم زيدان‬

‫مستند رشعي قوي بينا وجوهه فيام سبق واهلل أعلم»‬


‫(‪)1‬‬

‫املبحث الثالث‬
‫جهوده يف النوازل الفقهية‬
‫وال�سيا�سة ال�شرعية‬
‫متهيد‬
‫الشك أن حركة احلياة متجددة ومتطورة باستمرار‪ ،‬وهذه احلركة والتطور تفرز وقائع ونوازل‬
‫مل تكن متعارفة يف األزمنة التي سبقتها‪ .‬ويف عرصنا الذي نعيشه وقعت حوادث ونوازل عديدة وما‬
‫زالت تتتابع ‪ ،‬ومن مجلتها نوازل عقدية ‪ ،‬كاحلوار بني األديان ‪ ،‬ومنها نوازل تتعلق بالسياسة الرشعية‬
‫ونظام احلكم كطريقة اختيار احلاكم‪ ،‬واملشاركة يف احلكم يف ظل القوانني الوضعية يف البالد اإلسالمية‬
‫‪ ،‬والتعامالت الدولية مع غري املسلمني ‪ ،‬وغري ذلك من النوازل األخرى املهمة‪ ،‬ومنها ما يعد نوازل‬
‫فقهية كالتأمني عىل احلياة‪ ،‬وأطفال األنابيب‪ ،‬واالستنساخ‪ ،‬والتذكية باآلالت الكهربائية وغريها‪.‬‬
‫وملا كان واقعنا الذي نعيشه مليئا باألحداث والوقائع والنوازل واألفعال الطارئة التي مل تتطرق‬
‫هلا النصوص وال اجتهادات فقهائنا السابقني‪ ،‬والسيام يف ظل ما تعيشه األمة من منعطفات مهمة‬
‫وخطرية‪ ،‬فإننا بأمس احلاجة إىل فقه متجدد قابل للتطبيق لتنزيل املستجدات منازهلا من الرشع‪،‬‬
‫وفقهاء جمتهدين جمددين عندهم امللكة التي تؤهلهم لتكييف هذه املستجدات والوقائع والنوازل‬
‫تبعا لرشيعة اهلل‪.‬‬
‫لذا تعد دراسة النوازل يف الرشيعة اإلسالمية من األمهية بمكان؛ ملا فيها من داللة عىل مرونة‬
‫الرشيعة وصالحية الدين اإلسالمي لكل زمان ومكان‪ .‬وهذا كله يستلزم جهد ًا وحركة علمية‬
‫عميقة كي نستطيع استنطاق الرشيعة بأحكام منهجية وعملية تتامشى مع الواقع وتلبي احتياجاته‬
‫وال تقفز عليها‪ ،‬مما حيقق للناس مصاحلهم أو يدرأ عنهم املفاسد‪ .‬وقد كان للشيخ العالمة عبد‬
‫الكريم زيدان اسهاماته يف هذا املجال‪ ،‬بل كان له القدح املعىل يف ذلك وهو ما سنتعرف عليه من‬
‫خالل املطلبني اآلتيني‪:‬‬

‫((( املفصل يف أحكام املرأة (‪ )88/8‬الفقرة (‪)7758‬‬

‫‪198‬‬
‫د‪ .‬عيسى أمحد الفالحي و د‪ .‬أمحد حمي الدين الراوي‬

‫املطلب الأول‬
‫جهوده يف فقه النوازل‬

‫أوال‪ :‬تعريف النازلة لغة واصطالحا‬


‫النوازل‪ :‬عند أهل اللغة مجع نازلة‪.‬‬
‫وهي‪ :‬األمر الشديد الصعب‪ ،‬من شدائد الدهر تنزل بالناس(‪ .)1‬وهلا مراتب‪ ،‬ومن ذلك ما‬
‫ذكره الثعالبي يف درجات النوازل قال‪ :‬تقال‪( :‬نازلة‪ ،‬ونائبة‪ ،‬وحادثة) ثم (آبدة‪ ،‬وداهية‪ ،‬وباقعة) ثم‬
‫(بائقة‪ ،‬وحاطمة‪ ،‬وفاقرة) ثم (غاشية‪ ،‬وواقعة‪ ،‬وقارعة) ثم (حاقة‪ ،‬وطامة‪ ،‬وصاخة)‬
‫(‪)2‬‬

‫واصطالح ًا‪:‬‬
‫هي األمور والقضايا املستجدة واحلادثة التي حتصل مع تطور األوقات واختالف األزمان‬
‫واألماكن‪.‬‬
‫لذلك تعرف بأهنا‪« :‬الوقائع اجلديدة التي مل يسبق فيها نص أو اجتهاد»‬
‫(‪)3‬‬

‫فقوله‪( :‬الوقائع اجلديدة) تشمل كل ما يقع للناس من مسائل يف أمورهم العلمية واالعتقادية‬
‫والعملية‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬التي مل يسبق فيها نص أو اجتهاد)‪ :‬ألنه إذا كان فيها نص أو اجتهاد فإهنا ال تعد نازلة‪.‬‬
‫وفقه النوازل‪ :‬معرفة احلكم الرشعي للوقائع واحلوادث واملسائل املستجدة‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫((( ينظر‪ :‬خمتار الصحاح (‪ )273/1‬ولسان العرب (‪ )659/11‬مادة نزل‬


‫((( فقه اللغة ورس العربية‪ /‬للثعالبي (‪ :)70/1‬عبد امللك بن حممد بن إسامعيل أبو منصور الثعالبي‪ ،‬املتوىف‪:‬‬
‫‪429‬هـ‪ ،‬حتقيق د‪ .‬فائز حممد دار الكتاب العريب ط‪1413 ،1‬ه‬
‫((( منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية املعارصة‪ /‬للدكتور مسفر بن عيل بن حممد القحطاين (‪ ،)95- 92/1‬دار‬
‫األندلس اخلرضاء‪ :‬جدة‪ ،‬ط‪2003 ،1‬م ‪1424 -‬هـ‬
‫((( ينظر‪ :‬سبل االستفادة من النوازل لوهبة الزحييل (جملة جممع الفقه االسالمي ع‪ 11‬ج‪ 2‬ص ‪ )362‬وسبل‬

‫‪199‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬ال�سنة الثانية‪2016 -‬م‬


‫البحوث املحكمة‬ ‫اجلهود الفقهية واألصولية للعالمة الدكتور عبد الكريم زيدان‬

‫والنوازل كانت تعرف عند فقهاء احلنفية (بواقعات املفتني)‪ ،‬التي زخرت هبا مكتبات العامل‬
‫اإلسالمي من خالل كتب الفتاوى التي متثل جان ًبا مهام من فقه النوازل‪ ،‬وهنالك مصنفات لكل من‬
‫فقهاء احلنفية واملالكية واملذاهب األخرى محلت هذا االسم منذ وقت مبكر يف نشأة مذاهبهم‪ ،‬وقد‬
‫جعلوا مناط هذا النوع من العلم ما يسمى بـ «فقه التخريج»‪ .‬بل جعل احلنفية فقه النوازل باملرتبة‬
‫(‪)1‬‬
‫الثالثة بني اصوهلم‪.‬‬
‫ونتيجة لذلك توافر لنا تراث ضخم من فقه النوازل ال يوجد أبد ًا ألية أمة أخرى‪ ،‬وهو تراث‬
‫غني ميلء بالتجارب واحللول الناجحة‪ ،‬صالح لالستفادة منه جليلنا احلارض‪ ،‬ولألجيال الالحقة بعد‬
‫التنقية واالجتهاد للوصول إىل ما هو الراجح الذي يدعمه الدليل من الكتاب والسنة ومقاصد الرشيعة‬
‫الغراء‪ ،‬ثم إعامل االجتهاد من جديد فيام ال يوجد فيه قول من أقوال فقهائنا الكرام رمحهم اهلل‪.‬‬
‫ولذلك نجزم انطالقا من يقيننا بخلود رشيعتنا وإحاطتها وصالحيتها لكل زمان ومكان أنه ال‬
‫توجد قضية من قضايا عرصنا إال ويمكن أن نجد هلا حكام يف رشيعة اهلل تعاىل إما نص ًا أو داللة‪ ،‬أو‬
‫استنباط ًا من املبادئ الكلية‪ ،‬واملقاصد العامة هلذه الرشيعة‪.‬‬

‫االستفادة من النوازل لعبد اهلل بن بيه (جملة جممع الفقه االسالمي ع‪ 11‬ج‪ 2‬ص‪)531‬‬
‫((( أي بعد كتب (ظاهر الرواية) التي تعرف (باألصل) وهي كتب حممد الشيباين الستة‪ ،‬ثم مسائل النوادر‪ .‬وقد ورد‬
‫عن ابن عابدين تصنيف مسائل احلنفية إىل ثالث طبقات فقال‪( :‬أعلم أن مسائل أصحابنا احلنفية عىل ثالث طبقات‪:‬‬
‫‪ )...‬ثم فصلها بتفصيل نخترصه باآليت‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬مسائل األصول وتسمى ظاهرة الرواية‪ ،‬وهي مسائل مروية عن أصحاب املذهب ‪...‬‬
‫الثانية‪ :‬مسائل النوادر‪ ،‬وهي املروية عن أصحابنا لكن ال يف كتب األصل ‪ ...‬بل يف أخر كالكيسانيات واهلارونيات‪،‬‬
‫واجلرجانيات وغريها‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬الواقعات؛ وهي مسائل استنبطها املجتهدون املتأخرون ملا سئلوا عنها ومل جيدوا فيها رواية ؛ وهم أصحاب أيب‬
‫يوسف وحممد وأصحاب أصحاهبام وهلم جرا‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬حاشية رد املحتار عىل الدر املختار(حاشية ابن عابدين)‪ /‬العالمة حممد امني الشهري بابن عابدين (‪،)74/1‬‬
‫دار الفكر للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ 1415 ،‬ه – ‪1995‬م‪ .‬وعقد اجليد يف أحكام االجتهاد والتقليد‪ /‬أمحد‬
‫بن عبد الرحيم الدهلوي‪( ‬ص‪ )19‬حتقيق‪ :‬حمب الدين اخلطيب‪ ،‬املطبعة السلفية‪ ،‬القاهرة‪1385 ،‬هـ‪ .‬وكذلك بحث‬
‫سبل االستفادة من النوازل «الفتاوى» والعمل الفقهي يف التطبيقات املعارصة‪ /‬للشيخ خليل حمي الدين امليس‪ /‬جملة‬
‫جممع الفقه اإلسالمي لرابطة العامل اإلسالمي يف جدة (العدد ‪/11‬ص‪)546‬‬

‫‪200‬‬
‫د‪ .‬عيسى أمحد الفالحي و د‪ .‬أمحد حمي الدين الراوي‬
‫ثانيا‪ :‬جهود العالمة عبد الكريم يف النوازل‬
‫بحث فضيلة الدكتور العالمة عبد الكريم زيدان يف عدد من الرسائل والبحوث عددا من‬
‫القضايا املستجدة املعارصة التي واجهت األمة يف واقعنا املعارص والتي وقع اخلالف يف بيان‬
‫أحكامها الرشعية بني الفقهاء والباحثني املعارصين ومنها‪:‬‬
‫‪ -1‬حكم عقد التأمني يف الرشيعة االسالمية‬
‫‪ -2‬مدى مرشوعية الرضائب التي تفرضها الدولة عىل االفراد‬
‫‪ -3‬إثبات األهلة واملراصد الفلكية‪.‬‬
‫‪ -4‬الديمقراطية ومشاركة املسلم يف االنتخابات‪.‬‬
‫‪ -5‬دخول املسلم إىل دولة غري إسالمية واإلقامة فيها‪.‬‬
‫‪ -6‬قضايا معارصة تتعلق بموضوع النكاح‪.‬‬
‫‪ -7‬حكم االرضاب يف الرشيعة االسالمية‪.‬‬
‫* املسائل املعارصة املستجدة التي بحثها ضمنا يف موسوعته الكبرية «املفصل يف أحكام املرأة‬
‫والبيت املسلم يف الرشيعة االسالمية» منها عىل سبيل التمثيل ال احلرص(‪:)1‬‬
‫‪ -8‬زكاة سندات االستثامر‪ ،‬وسندات القرض‪.‬‬
‫‪ -9‬هل يثبت رمضان فلكيا‪.‬‬
‫‪ -10‬التذكية باآلالت الكهربائية‪ ،‬وحكم ختدير احليوان قبل تذكيته‪.‬‬
‫‪ -11‬البندقية احلديثة (الكالشنكوف) هل تعد آلة صيد حتصل هبا التذكية‪.‬‬
‫‪ -12‬حكم التسمية عىل الذبيحة بآلة تسجيل (رشيط) يسمع عند قطع اآللة‪.‬‬
‫‪ -13‬حكم استعامل املخدر إلجراء العمليات اجلراحية‪.‬‬
‫‪ -14‬احلكم يف عمليات التجميل (شد الوجه‪ ،‬شفط الشحوم‪ ،‬تعديل األنف‪ ،‬ترقيق الشفاه أو‬
‫نفخها‪ ،‬تكبري الثديني ‪ ...‬الخ)‬
‫‪ -15‬حكم املخدرات وما شاهبها‪.‬‬

‫((( ينظر هذه املسائل (من ‪ )18-8‬يف كتاب املفصل الفقرات (‪،1889 ،1922 ،1918 ،985 ،856 ،857‬‬
‫‪ )2136 ،2130 ،2128 ،1985 ،2754 ،2131 ،1921‬عىل التوايل‪.‬‬

‫‪201‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬ال�سنة الثانية‪2016 -‬م‬


‫البحوث املحكمة‬ ‫اجلهود الفقهية واألصولية للعالمة الدكتور عبد الكريم زيدان‬

‫‪ -16‬التربع بالدم‪ ،‬وحكم بيعه ورشاءه‪ ،‬وحكم مصارف الدم‪.‬‬


‫‪ -17‬االنتفاع بأجزاء امليت لعالج حي‪.‬‬
‫‪ -18‬احلكم يف عمليات اإلجهاض احلديثة‪.‬‬
‫‪ -19‬كام للشيخ فتاوى متنوعة يف بعض املستجدات يف نوازل العراق وغريها غري جمموعة يف‬
‫كتاب أو مؤلف‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬منهجية تعامله مع النوازل‪:‬‬
‫يمتاز أسلوب الدكتور عبد الكريم زيدان يف تناوله للنوازل الفقهية بمنهجية واضحة تكاد‬
‫تكون واحدة‪ ،‬وهي تتسق مع أسلوبه العام يف التأليف الفقهي الذي ذكرناه سابقا‪.‬‬
‫فيبتدئ املسألة بتوضيح وتعريف النازلة وصورهتا وكيفية نشأهتا وأسباهبا وبيان مجيع ما يتعلق‬
‫هبا يف الواقع‪ .‬وبعد التعريف والتوضيح والبيان لصورة املسألة يبدأ بذكر القواعد الفقهية‪ ،‬واألشباه‬
‫والنظائر واألصول التي تقرتب من صورة النازلة‪ ،‬أو املسائل التي يمكن أن يبنى عىل اساسها احلكم‬
‫الرشعي‪ ،‬ثم يتبع ذلك بذكر آراء الفقهاء وخالفهم وأدلتهم يف املسألة إن وجدت؛ ّ‬
‫ألن الدكتور يؤكد‬
‫عىل منهجية الفقه املقارن واملوازنة بني آراء الفقهاء ونبذ التعصب املذهبي‪ ،‬كام يظهر من منهجيته‬
‫تفكيك املسألة الواحدة إذا كانت مركبة كي يتمكن من احلكم عىل كل جزء بام يستحق دون حرص‬
‫اجلميع حتت حكم واحد‪ ،‬بل حيكم عىل كل جزئية بحسب األدلة التي تتناوهلا‪ ،‬ثم يرجح من بني‬
‫اآلراء ما يراه اقوى دليال‪ ،‬وغالبا ما يبدأ برسد أدلة الرأي الراجح ويرد بعد ذلك عىل اعرتاضات‬
‫الراي املرجوح‪ ،‬وقد يفعل العكس‪.‬‬
‫ونجد مثال ذلك‪ :‬فبعد تعريفه للديمقراطية وما يتعلق هبا ينتقل لبيان تكييفها من ناحية األساس‬
‫الفكري الذي تقوم عليه‪ ،‬فريى أهنا مبتناة عىل مبدأ (سيادة األمة) وأن هذا املبدأ الذي تبتنى عليه‬
‫باطل بحكم الرشع وهو معارض ملبدأ احلاكمية يف اإلسالم هلل وحده (‪.)1‬‬
‫لكننا نجده بعد ذلك جييز إقامة األحزاب ضمن رشوط تضمن أن تكون هذه األحزاب حمكومة‬
‫بأحكام اإلسالم ومنهجه وحتقيق اغراضه(‪.)2‬‬

‫((( بحوث فقهية معارصة (ص‪)82‬‬


‫((( املصدر نفسه (ص‪)87‬‬

‫‪202‬‬
‫د‪ .‬عيسى أمحد الفالحي و د‪ .‬أمحد حمي الدين الراوي‬
‫ثم خيلص من ذلك لرتجيح جواز املشاركة يف االنتخابات النيابية يف الدول اإلسالمية ضمن‬
‫تأصيل ورشوط مستدال عىل ذلك بأدلة من كتاب اهلل وسنة وسرية نبيه ‪ e‬وبعد ذلك يذكر اعرتاضات‬
‫املعرتضني ويتبعها بالرد والتفنيد(‪.)1‬‬
‫بينام ختتلف معاجلته حلكم عقد التأمني نسبيا‪ ،‬إذ أنه بعد تعريف العقد وأنواعه وما يتعلق به‬
‫أتى بحجج الرأي املرجوح عنده الذي يرى جواز عقود التأمني‪ ،‬ثم يتبع ذلك بالتوسع يف الرد عىل‬
‫حجج املبيحني من طريقني‪ ،‬فقال‪« :‬مقدمة الردود‪ :‬عىل املبيحني من العلامء القائلني باحلل وهي‬
‫ردود سليمة ومقبولة‪:‬‬
‫أو ًال‪ :‬من جهة املبادئ‪:‬‬
‫بنوا احتجاجهم يف ثالثة اجتاهات‪:‬‬
‫أوال‪ :‬التشبث باألصول التي تبنى عليها األحكام ويدخل يف هذا املصلحة والعرف والرضورة‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬القياس عىل بعض العقود الرشعية مثل عقد احلراسة واجلعالة ويمكن أيض ًا ما ذهب إليه‬
‫املالكية يف الوعد امللزم‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬التشبث باألنظمة الرشعية كنظام العواقل حيث تلتزم العاقلة بدفع الدية يف حالة القتل‬
‫اخلطأ للمنتسب إليها‪.)2(».‬‬
‫ثم تتبع حجج املبيحني ور ّد عليها بالتفصيل‪ ،‬وبنيّ بعد ذلك البديل الرشعي عن عقود التأمني وبني‬
‫(‪)3‬‬
‫جواز صور التأمني التعاوين التي تتجنب املحاذير الرشعية التي يقع فيها من يتعامل بعقود التأمني‬
‫وخيتلف أسلوبه من حيث التوسع واالختصار بحسب مقام بحث النازلة‪ ،‬فإذا كان بحثا مستقال‬
‫توسع يف ذلك‪ ،‬أما يف حال كونه مبحثا يف كتاب فإنه يميل إىل االختصار‪.‬‬
‫ومثال ذلك يف املسائل التي ذكرناها آنفا‪ :‬كالمه عن الديمقراطية ومشاركة املسلم يف االنتخابات‬
‫والسيام يف بالد الغرب‪ ،‬حيث نجده ابتدأ البحث بالكالم عن تعريف الديمقراطية وبيان كيفية‬

‫((( املصدر نفسه (ص‪)95‬‬


‫((( حكم عقد التأمني يف الرشيعة اإلسالمية‪ /‬منشور ضمن حمارضات مادة الفتوى يف جامعة اإليامن يف اليمن‬
‫(ص‪)5‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املصدر نفسه‬

‫‪203‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬ال�سنة الثانية‪2016 -‬م‬


‫البحوث املحكمة‬ ‫اجلهود الفقهية واألصولية للعالمة الدكتور عبد الكريم زيدان‬

‫نشأهتا‪ ،‬وخصائصها وموقع االنتخابات منها‪ ،‬وعيوهبا فقال‪« :‬وقبل الكالم عن مشاركة املسلم يف‬
‫هذه االنتخابات التي تستلزمها الديمقراطية البد من الكالم عن الديمقراطية نفسها ببيان معناها‬
‫ومفهومها يف االصطالح القانوين ثم بيان خصائصها وأنواعها وتطبيقاهتا يف الواقع ‪....‬إلخ»(‪.)1‬‬
‫ويف كالمه عن عقد التأمني سلك املنهج ذاته حيث يقول «وقبل البدء يف مساعي التعرف عىل‬
‫حكمه البد من بيان ماهيته ألن تصور اليشء ومعرفة ماهيته يسبق التعرف عىل حكمه»(‪ )2‬ثم يبني‬
‫صفة هذا العقد من الناحية القانونية وعنارصه وأنواعه‪.‬‬
‫يف سياق آخر عند كالمه عن الذبح باآلالت الكهربائية يف املجازر املعارصة إذ تطرق هلذه املسألة‬
‫يف كتابه (املفصل يف أحكام املرأة والبيت املسلم) ضمن املسائل احلادثة يف عرصنا يف الصيد والتذكية‬
‫اكتفى برسد رسيع لصورة الواقع املعمول به يف تلك املجازر دون التشعب يف التفاصيل حيث أن‬
‫املسألة ال تتعلق ببحث مستقل بل تبحث ضمن كتاب موسوعي كبري ال حيتمل اإلطناب يف مثل‬
‫تلك املسائل(‪.)3‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫جهوده يف ال�سيا�سة ال�شرعية‪.‬‬
‫أوال‪ :‬تعريف السياسة الرشعية لغة واصطالحا‬
‫السياسة يف اللغة مشتقة من مادة (س و س) وهي تأيت بعدة معان منها‪ :‬الرياسة والقيام عىل‬
‫اليشء بام يصلحه‪ ،‬ومنه سياسة الدواب وسياسة الرعية‪ ،‬فهي والية أمر اليشء والقيام به مع الصرب‬
‫والتلطف إلصالحه أو إفساده وغالبا ما يأيت بمعنى اإلصالح(‪. )4‬‬
‫وهي موصوفة بـ (الرشعية) نسبة للرشيعة اإلسالمية بمعنى االنضباط هبا‪.‬‬

‫((( بحوث فقهية معارصة (ص‪)65‬‬


‫((( حكم عقد التأمني يف الرشيعة اإلسالمية (ص‪)2‬‬
‫((( ينظر املسألة يف املفصل يف أحكام املرأة (‪)29/3‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الصحاح للجوهري (‪ )935/2‬باب السني – ط‪:‬دار الكتاب العريب – مرص ‪1965‬م‪ ،‬ولسان العرب‬
‫(‪ )107/6‬واملغرب للمطرزي (ص‪ )240‬ط‪ :‬دار الكتاب العريب‪ ،‬واملصباح املنري (ص‪ )295‬ط‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫د‪ .‬عيسى أمحد الفالحي و د‪ .‬أمحد حمي الدين الراوي‬
‫أما يف االصطالح‪ :‬فقد اختلفت العبارات حسب اختالف املعنى واالستخدام‪ ،‬وهيمنا هنا‬
‫تعريفها بمعناها العام والذي تعددت عبارات العلامء والباحثني فيه‪ ،‬ونختار من بني تلك العبارات‬
‫أهنا‪( :‬األحكام والترصفات الرشعية الثابتة بالنص أو االجتهاد‪ ،‬والتي يقصد هبا رعاية املصالح‬
‫والشؤون العامة جلامعة املسلمني ومن يدخل حتت واليتهم)(‪.)1‬‬
‫وتأيت أمهية التأليف يف هذا الفن من أبواب الفقه اإلسالمي من صلته بواقع حياة املسلمني‬
‫وشؤوهنم العامة ومعاجلة مشاكل واقعهم السيايس والقانوين واالجتامعي واالقتصادي والنظم‬
‫التي تدير املجتمعات اإلسالمية وعالقتهم باملجتمعات األخرى‪ ،‬والسيام بعد غياب مفهوم الدولة‬
‫اإلسالمية واحلكم بالرشيعة اإلسالمية عن أغلب بالد املسلمني يف الواقع املعارص بعد احتالل‬
‫الدول الغربية ألكثر تلك البالد يف هناية القرن التاسع عرش ومطلع القرن العرشين‪.‬‬
‫فكان البد من االعتناء بالتأليف يف هذا الفن والسيام ممن ينربي للشأن العام والدعوة الستئناف‬
‫احلياة اإلسالمية وإقامة رشع اهلل – ومنهم األستاذ الدكتور عبد الكريم زيدان – ملعاجلة مشكالت‬
‫الواقع الشاذ الذي يعيشه املسلمون اليوم‪ ،‬زيادة عىل تقريب كتب الفقهاء السابقة التي كانت تعالج‬
‫واقعا حتكمه دول إسالمية قوية كي يوائم فقه العرص وحيوله إىل فقه صالح للتطبيق يف حياة املسلمني‬
‫السياسية اليوم‪.‬‬
‫ومن التعريف يتبني لنا أن علم السياسة الرشعية يتناول األحكام الرشعية التي يقصد هبا رعاية‬
‫الشؤون العامة للمسلمني‪ :‬كأنظمة احلكم واإلدارة ونظام القضاء وشؤون احلرب والعالقات‬
‫الدولية وغريها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬جهود العالمة عبد الكريم زيدان يف السياسة الرشعية‬
‫خصص فضيلة الدكتور عبد الكريم زيدان الكثري من جهوده الفقهية وبحوثه لدراسة مسائل‬
‫السياسة الرشعية‪ ،‬وهذا نابع – كام بينا يف احلديث عن شخصيته – من كونه داعية حيمل مهوم‬
‫األمة وصاحب رسالة يسعى لتبليغها وحتقيقها يف واقع املسلمني‪ ،‬فكان لشؤون املسلمني العامة‬
‫واملعارصة حيز كبري يف اهتامماته‪ ،‬ومن هذه الكتب والبحوث‪:‬‬

‫((( السياسة الرشعية حالة غياب حكم اسالمي عن ديار املسلمني ألمحد حميي الدين صالح‪ -‬ط‪ :‬دار السالم‪-‬‬
‫مرص‪2011‬م‪ ،‬وينظر السياسة الرشعية لعبد الوهاب خالف (ص‪ )20‬ط‪ :‬دار القلم‪ ،‬الكويت (‪1988‬م)‬

‫‪205‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬ال�سنة الثانية‪2016 -‬م‬


‫البحوث املحكمة‬ ‫اجلهود الفقهية واألصولية للعالمة الدكتور عبد الكريم زيدان‬

‫‪ -1‬أحكام الذميني واملستأمنني يف دار اإلسالم‪ :‬وهو من مؤلفاته املهمة التي تندرج يف باب‬
‫السياسة الرشعية‪ ،‬بل هو باكورة جهوده الفقهية‪ .‬وأصل هذا الكتاب هو أطروحة الدكتوراه التي‬
‫حصل عليها من جامعة القاهرة عام‪1962‬م ونال هبا مرتبة الرشف األوىل‪ ،‬ويكمن أمهية الكتاب‬
‫كام يقول الدكتور يف مقدمته‪ « :‬أن املجتمع اإلسالمي مل خيل قط من غري املسلمني يف أي عرص من‬
‫العصور ‪ ...‬إىل أن قال‪ :‬واحلقيقة أن هذا املوضوع يستحق بذل اجلهد املستطاع لتجليته وتبيينه‬
‫للناس؛ فإن الرشيعة االسالمية إذا كانت للمسلمني دينا وقانونا‪ ،‬فهي لغري املسلمني قانون ما داموا‬
‫يعيشون يف دار اإلسالم»(‪.)1‬‬
‫تناول فيه نظرة الرشيعة اإلسالمية يف تقسيم العامل‪ ،‬وعالقة الدولة االسالمية بغري املسلمني‬
‫الذين يعيشون فيها ويتواجدون عىل أراضيها سواء كانوا ذميني أو مستأمنني(‪ ،)2‬وتطرق ملوضوع‬
‫اجلنسية يف الرشيعة اإلسالمية واساسها ورجح حصول الذميني عليها‪ ،‬وبني حقوقهم وواجباهتم‬
‫جتاه الدولة اإلسالمية سياسيا وماليا‪ ،‬وتكلم عن اجلرائم والعقوبات املتعلقة هبم‪.‬‬
‫أهم ما يميز هذا الكتاب أنه بحث واقعي ال ينزوي للحديث عن آراء الفقهاء يف عصورهم‬
‫املتقدمة‪ ،‬بل يكيف األحكام الفقهية ملعاجلة الواقع املعارص‪ ،‬كام بني يف ذلك يف مقدمته للكتاب‬
‫فكان من منهجه املقارنة بالقوانني املتعلقة بغري املسلمني يف دول العراق و اجلمهورية املتحدة (مرص‬
‫وسوريا يف ذلك الوقت) والتي تعتمد قانونا وضعيا‪ ،‬وكذلك اململكة العربية السعودية التي حتكم‬
‫بالرشيعة اإلسالمية(‪ ،)3‬كام نجده حريصا عىل معاجلة األحكام الرشعية للواقع املعارص وتكييفها‬
‫(‪)4‬‬
‫وفق آراء الفقهاء‪.‬‬
‫‪ -2‬نظام القضاء يف الرشيعة اإلسالمية‪ :‬وهو موسوعة تناول فيها كل ما يتعلق بأحكام القضاء‬
‫وأنظمته يف كتب الفقهاء األقدمني وكيفية موائمتها للواقع املعارص‪ ،‬واستوعب فيه كل جوانب‬
‫علم القضاء فأتى يف أربعامئة صفحة تكلم فيها بالتفصيل عن القضاء والقايض والدعوى وأصوهلا‬

‫((( أحكام الذميني واملستأمنني يف الرشيعة اإلسالمية (ص‪ )5‬ط‪ -‬مؤسسة الرسالة – ‪ 1982‬م‬
‫((( املستأمن هو الذي يدخل إىل دولة اإلسالم بصورة مؤقتة بأمان‪.‬‬
‫((( ينظر أحكام الذميني (ص‪)7‬‬
‫((( وقد طبع هذا الكتاب عدة طبعات يف مؤسسة الرسالة للنرش األوىل ‪ 1982‬والثانية ‪1988‬‬

‫‪206‬‬
‫د‪ .‬عيسى أمحد الفالحي و د‪ .‬أمحد حمي الدين الراوي‬
‫وطرق اإلثبات‪ ،‬وإصدار احلكم‪ ،‬والتحكيم‪ ،‬ووالية املظامل‪ ،‬ونظام احلسبة(‪.)1‬‬
‫‪ -3‬الفرد والدولة يف الرشيعة اإلسالمية‪ :‬عالج فيه املؤلف رؤية بعض الناس أن الرشيعة‬
‫اإلسالمية دعوة دينية تعني باألخالق وتنظيم عالقة اإلنسان بربه‪ ،‬وال شأن هلا بام وراء ذلك من‬
‫شؤون احلياة‪ ،‬ومنها شؤون الدولة واحلكم‪ ...‬للرد عىل هذا القول حتدث فيه عن الدولة ومركز‬
‫الفرد فيها يف الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬خصص الفصل األول ملكانة الدولة يف الرشيعة اإلسالمية من‬
‫جهة مدى وجوب إقامتها وطبيعتها وأهدافها‪ ،‬ويف الثاين فيه املركز القانون للفرد يف الدولة من جهة‬
‫احلقوق التي يتمتع هبا‪ ،‬أما يف الثالث فأفرده للحقوق التي للدولة عىل الفرد‪ ،‬وجاء الكتاب يف أكثر‬
‫من مائة صفحة(‪.)2‬‬
‫ومن البحوث التي نرشها الدكتور وهي مقاربة ملوضوع الكتاب السابق بحث بعنوان «حقوق‬
‫األفراد يف دار اإلسالم» الذي نرشه ضمن كتابه (جمموعة بحوث فقهية) ولعل هذا البحث هو أصل‬
‫الكتاب السابق‪.‬‬
‫‪ -4‬الرشيعة اإلسالمية والقانون الدويل العام‪ :‬وهو من البحوث املهمة يف هذا املجال نرشه‬
‫ضمن (جمموعة بحوث فقهية) وقد أثبت يف هذا البحث أن الرشيعة اإلسالمية وضعت قانونا دوليا‬
‫عاما من خالل عرض عدد من احلقائق(‪ ،)3‬ويعرف القانون الدويل اإلسالمي بأنه‪« :‬جمموعة القواعد‬
‫واألحكام يف الرشيعة اإلسالمية التي تلتزم هبا الدولة اإلسالمية يف عالقاهتا مع الدول األخرى»(‪.)4‬‬
‫ثم يبني خصائص هذا القانون ومصادره التي يستمد منها أحكامه‪.‬‬
‫‪ -5‬من قضايا النوازل يف السياسة الرشعية التي تناوهلا الدكتور يف بحوثه «الديمقراطية ومشاركة‬
‫املسلم يف االنتخابات» املنشور ضمن كتابه (بحوث فقهية معارصة) وقد تناولناه يف معرض كالمنا‬
‫عن جهوده يف فقه النوازل‪.‬‬
‫وكذلك بحثه «دخول املسلم إىل دولة غري إسالمية واإلقامة فيها» الذي نرشه ضمن حمارضاته يف‬

‫((( طبع هذا الكتاب عدة طبعات منها الطبعة األوىل يف مطبعة العاين يف بغداد ‪1404‬هـ ‪1984 -‬م بمساعدة اللجنة‬
‫الوطنية لالحتفال بمطلع القرن اخلامس عرش‪.‬‬
‫((( طبع الكتاب أكثر من طبعة من قبل مؤسسة الرسالة ودار الفرقان منها الطبعة اخلامسة سنة ‪1990‬‬
‫((( ينظر الرشيعة اإلسالمية والقانون الدويل ص‪ 14‬وما بعدها – بحث منشور ضمن جمموعة بحوث فقهية‬
‫((( املصدر نفسه ص ‪16‬‬

‫‪207‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬ال�سنة الثانية‪2016 -‬م‬


‫البحوث املحكمة‬ ‫اجلهود الفقهية واألصولية للعالمة الدكتور عبد الكريم زيدان‬

‫القضاء والفتوى التي القاها يف اليمن‪ ،‬وقد عالج يف هذا البحث قضايا مهمة تشكل يف أحكام الفقه‬
‫وابتيل هبا الكثري من املسلمني‪ ،‬إذ شاعت منذ بدايات القرن املايض هجرة املسلمني لبالد الغرب‪،‬‬
‫وهذا يف كتب الفقهاء املتقدمني يدعى (اهلجرة من دار اإلسالم إىل دار احلرب) وهو أمر ممنوع لدى‬
‫مجيع الفقهاء‪ ،‬فتناول الدكتور املسألة بمنهجه املعهود يف حترير الواقع وبيان مالبساته وجتزئة املسألة‪،‬‬
‫أن‪« :‬األصل يف دخول املسلم دار ًا‬‫فبني التكييف الرشعي لواقع بالد املسلمني وبالد الغرب‪ ،‬وبني ّ‬
‫غري إسالمية هو احلظر واالستثناء هو اجلواز برشط أن يكون هناك مربر لدخوله هذا أو إقامته يف‬
‫البلد غري اإلسالمي الذي انتقل إليه»(‪.)5‬‬
‫ثم يوضح الدكتور املربرات الرشعية لدخول املسلم لدولة غري إسالمية كالتجارة والدعوة إىل‬
‫اهلل تعاىل وطلب العلم النافع واللجوء السيايس والتداوي والعالج واالطالع عىل أحوال الدول(‪.)6‬‬
‫ثم يتطرق الدكتور ملسألة حيازة بعض املسلمني جلنسية دولة غري إسالمية بسبب الوالدة فيها‬
‫أو غريه‪ ،‬ومشاركته بسبب جتنسه يف االنتخابات أو مؤسسات غري ترشيعية والتكييف الرشعي هلذا‬
‫الواقع الذي يعيشه الكثري من املسلمني‪.‬‬
‫ثم تطرق ملسائل يقع فيها كثري من املسلمني املقيمني يف دول غري إسالمية يف موضوع الزواج‪،‬‬
‫فرجح أولوية الزواج باملسلمة وتكلم عن صور الزواج بغري املسلمة والزواج بغرض التجنس‬
‫والزواج بنية الطالق(‪.)7‬‬
‫‪ -6‬توسع العالمة عبد الكريم زيدان يف دراسة الكثري من مسائل السياسة الرشعية يف موسوعته‬
‫«املفصل يف أحكام املرأة وبيت املسلم» منها عىل سبيل املثال ال احلرص‪ :‬الوالية العامة واخلاصة‪،‬‬
‫وحقوق اإلنسان وواجباته – منها احلقوق السياسية‪ ،‬وحق الرتشح واالنتخابات‪ ،‬وحق املساواة‪-‬‬
‫واحلريات العامة‪ ،‬وجملس الشورى وانتخابه والرتشح لعضويته‪ ،‬والقتال واحلرب وأحكامها‬
‫وآثارها‪ ،‬وحقوق ويل األمر ‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫كام عالج الكثري من مسائل السياسة الرشعية يف كتبه املتنوعة األخرى ككتاب «املستفاد من‬

‫((( دخول املسلم إىل دولة غري إسالمية (ص ‪)3‬‬


‫((( املصدر نفسه (ص‪ 3‬وما بعدها)‬
‫((( المصدر نفسه (ص‪ 13‬وما بعدها)‬

‫‪208‬‬
‫د‪ .‬عيسى أمحد الفالحي و د‪ .‬أمحد حمي الدين الراوي‬
‫قصص القرآن للدعوة والدعاة» و«أصول الدعوة» مثل مسألة مشاورة األمري ألتباعه‪ ،‬وحكم‬
‫الشورى وكوهنا ملزمة أو معلمة(‪ ،)1‬والكثري من القضايا املتصلة بنظام احلكم يف اإلسالم فتطرق‬
‫يف مبحث كامل لشكل نظام احلكم يف اإلسالم وقواعده واسسه ومقاصده وجاء يف أكثر من ثالث‬
‫(‪)2‬‬
‫وثالثني صفحة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬نامذج من ترجيحاته الفقهية يف السياسة الرشعية‬
‫‪ .1‬هل الشورى ملزمة أم معلمة لويل األمر؟‬
‫يرى مجهرة من الفقهاء وبعض الدعاة وجوب املشاورة‪ ،‬ثم وجوب نزول اإلمام أو القائد عند‬
‫قول األكثرية‪ ،‬فالشورى ملزمة وليست معلمة فقط‪.‬‬
‫واختلف ترجيح استاذنا يف هذه القضية فامل يف كتابه «أصول الدعوة» إىل القول بعدم إلزامها‬
‫للقائد – بمعنى أنه يرى وجوب التشاور(‪ )3‬مع استحباب النزول عىل رأي األكثرية بنتيجتها‪ ،-‬وىف‬
‫كتابه «الفرد والدولة يف الرشيعة اإلسالمية» يذهب إىل إلزامها لإلمام احلاكم‪ ،‬يف شبه تعارض‪.‬‬
‫بعضهم يعزو هذا التعارض إىل تغري اجتهاده يف املسألة وأن رأيه الثاين ناسخ لألول ملربرات‬
‫ذكرها فقال‪« :‬األخذ برأي رئيس الدولة سديد من الناحية النظرية‪ ،‬ولكن نظرا لرضورات الواقع‪،‬‬
‫وتغري النفوس‪ ،‬ورقة الدين‪ ،‬وضعف اإليامن‪ ،‬وندرة األكفاء امللهمني‪ ،‬كل هذا يقتضينا أن نأخذ‬
‫بالرأي الثاين‪ ،‬فنلزم رئيس الدولة برأي األكثرية برشوط‪ ،‬األول‪ :‬إذا مل يقتنع رئيس الدولة برأي‬
‫األكثرية فله أن حييل اخلالف إىل هيئة التحكيم‪ ،‬والثاين‪ :‬إذا مل يقتنع برأي هيئة التحكيم‪ ،‬فله إجراء‬
‫استفتاء عام حول موضوع اخلالف‪ ،‬الثالث‪ :‬أن يعطي حرية اتباع الرأي الذي يراه يف األحوال‬
‫االستثنائية كحالة احلرب أو خطر هيدد سالمة البالد»‬
‫(‪)4‬‬

‫((( ينظر‪ :‬املستفاد من قصص القرآن للدعوة والدعاة (‪ 192/2‬وما بعدها) ط‪ -‬مؤسسة الرسالة – األوىل ‪2009‬م‬
‫((( ينظر‪ :‬اصول الدعوة لعبد الكريم زيدان ( من ص ‪ 203‬إىل ص ‪ )236‬ط‪ -‬مؤسسة الرسالة – التاسعة ‪2001‬م‬
‫((( بينام مل يتجاوز ابن القيم اعتبارها من املستحبات‪ ،‬ففى معرض كالمه عن بعض ما ىف قصة احلديبية من الفوائد‬
‫الفقهية قال‪« :‬ومنها استحباب مشورة اإلمام رعيته وجيشه‪ ،‬استخراج ًا لوجه الرأى‪ ،‬واستطابة لنفوسهم‪ ،‬وأمن ًا‬
‫لعتبهم‪ ،‬وتعرض ًا ملصلحة خيتص بعلمها بعضهم دون بعض‪ ،‬وامتثا ً‬
‫ال ألمر الرب ىف قوله تعاىل‪﴿ :‬وشاورهم ىف األمر﴾‬
‫زاد املعاد يف هدي خري العباد‪ /‬البن قيم اجلوزية‪ ،‬مؤسسة الرسالة – ط‪1407 ،14‬هـ – ‪1986‬م‪.)127/2( .‬‬
‫((( الفرد والدولة يف الرشيعة اإلسالمية‪( :‬ص‪ )47‬النارش‪ :‬االحتاد اإلسالمي العاملي للمنظامت الطالبية‪ ،‬سنة ‪1395‬هـ‪1975 ،‬م‪.‬‬

‫‪209‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬ال�سنة الثانية‪2016 -‬م‬


‫البحوث املحكمة‬ ‫اجلهود الفقهية واألصولية للعالمة الدكتور عبد الكريم زيدان‬

‫وبعضهم ومنهم األستاذ الراشد يرى أن ال تعارض فإن رأيه األول خيص القائد احلركي وعلله‬
‫«أن عمل الدعوات تغلب عليه الظروف الصعبة‪ ،‬ويتطلب سرية منضبطة وحزم ًا زائد ًا قد يثلمه‬
‫اإللزام ويكون معه االرختاء‪ ،‬بينام يكون للدول سعة وهيمنة وهيبة وظروف حسنة تساعد عىل‬
‫اإللزام وجتعله أحوط»(‪ .)1‬وقوله الثاين خيص الوالية العظمى‪.‬‬
‫‪ .2‬ختويل ويل األمر‪« :‬رجح أن وكالة رئيس الدولة عن األمة وكالة مقيدة‪ ،‬ومن قيودها أن‬
‫(‪)2‬‬
‫يشاور األمة‪ ،‬وال متلك األمة التنازل عنها»‬
‫‪ .3‬الرتشح للمناصب‪ :‬يرى جواز ترشيح الفرد نفسه لوظيفة عامة‪ ،‬أو ملنصب رئايس أو نيايب‬
‫يف الدولة‪ ،‬إذا توفرت فيه الرشوط واملواصفات الرشعية(‪.)3‬‬
‫‪ .4‬معيار دار اإلسالم‪ :‬يرجح استاذنا أن العربة للسيادة القانونية فإذا كانت السيادة ألحكام‬
‫الرشيعة فهي دار إسالم‪ ،‬حتى لو كان السكان غري مسلمني‪ ،‬وإن كانت السيادة ألحكام الكفر فهي‬
‫دار كفر‪ .‬ويف هذا يقول‪« :‬وتصري دار اإلسالم دار حرب بإظهار أحكام الكفر فيها‪ ،‬أي تطبيق غري‬
‫(‪)4‬‬
‫أحكام اإلسالم‪».‬‬
‫‪ .5‬أصل العالقة مع دول غري املسلمني‪ :‬يرجح أن أصل العالقة هي احلرب‪ ،‬ويرى أن من‬
‫حق الدولة اإلسالمية إخضاع دار احلرب لسلطاهنا السيايس وقانوهنا اإلسالمي إذا رفضت ولو‬
‫بالقتال(‪.)5‬‬
‫‪ .6‬حقوق أهل الذمة‪ :‬رجح أن الذمي من أهل دار اإلسالم‪ ،‬ومن حاميل اجلنسية اإلسالمية‪،‬‬
‫وجيوز ترشحه إىل جملس األمة واشرتاكه بالشورى‪.‬‬
‫(‪)6‬‬

‫((( املسار ‪ /‬حممد أمحد الراشد (ص‪)214‬‬


‫((( الفرد والدولة يف الرشيعة اإلسالمية (ص‪)36‬‬
‫((( الفرد والدولة يف الرشيعة اإلسالمية (ص‪)53‬‬
‫((( جمموعة بحوث فقهية‪ ،‬بحث الرشيعة اإلسالمية والقانون الدويل العام‪( :‬ص‪)51‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الرشيعة اإلسالمية والقانون الدويل العام‪ ،‬بغداد‪ :‬جملة كلية الدراسات اإلسالمية‪( ،1970 ،‬ص‪– 109‬‬
‫‪)111‬‬
‫((( ينظر‪ :‬أحكام الذميني واملستأمنيني ص‪ ،66-63‬ص‪ )84‬الفقرات (‪ 49‬وما بعدها)‬

‫‪210‬‬
‫د‪ .‬عيسى أمحد الفالحي و د‪ .‬أمحد حمي الدين الراوي‬

‫اخلـاتــمــة‬

‫بعد محد اهلل عىل توفيقه بإمتام ما بحثناه‪ ،‬والصالة والسالم عىل رسول اهلل ومصطفاه ؛ وبعد أن‬
‫رسدنا نبذة خمترصة عن حياة أحد أعالم العراق املعارصين‪ ،‬وأحد كبار العلامء يف العامل اإلسالمي‪،‬‬
‫بل أحد املجددين يف عامل الفقه وأصوله‪ ،‬البد لنا من اختتام ما بدأناه بأهم النتائج والتوصيات‬
‫فنلخصها بالنقاط اآلتية‪:‬‬
‫‪ .1‬تبني لنا موسوعية فقيهنا وعالمتنا الدكتور عبد الكريم زيدان حفظه اهلل‪ ،‬يف العلوم الرشعية‬
‫والسيام علم الفقه وأصوله‪ ،‬وأن له جهودا يف كل أبواب الفقه تقريبا (اللهم إال باب البيوع من‬
‫املعامالت فلم نقف له إال عىل مباحث متناثرة منه) ومتيزت جهوده الفقهية بمحاكاهتا للواقع مع‬
‫املقارنة باألحكام القانونية مما يسهل عملية تقنني األحكام الرشعية‪ ،‬ومثل هذا املنهج جدير أن‬
‫يعتمد لدى الباحثني يف الدراسات الفقهية‪.‬‬
‫‪ .2‬ظهرت لنا ابداعات هذا العامل اجلليل يف الدعوة اإلسالمية‪ ،‬والسياسة الرشعية‪ ،‬وفقه النوازل‬
‫وأن له القدح املعىل يف ذلك وال يبارى يف هذه املجاالت املهمة‪.‬‬
‫‪ .3‬أهبرنا الشيخ باسلوبه الرائع يف التأليف‪ ،‬وحسن التبويب والتقسيم‪ ،‬والتزامه األسلوب‬
‫األكاديمي يف كل مؤلفاته‪ ،‬وقدرته الفائقة يف التحليل والفهم الدقيق‪ ،‬وتفكيك املسائل املركبة‪،‬‬
‫وحترير حمل اخلالف فيها بدقة‪ ،‬وتبسيطها لألفهام ‪ ..‬ودقته العلمية يف التوثيق‪ ،‬واحرتامه آلراء‬
‫العلامء املخالفني له مهام كانت ضعيفة‪.‬‬
‫‪ .4‬تبني لنا من خالل هذه الدراسة املتواضعة عظيم زهد عالمتنا‪ ،‬وابتعاده عن اإلعالم‪ ،‬وإيثاره‬
‫العمل بصمت بعيدا عن األضواء‪ ،‬فمع علو شأنه ومنزلته مل يعهد عنه عيشة الرتف والغنى والشهرة‬
‫‪ ..‬بل ال يكاد يعرف عند عموم الناس ومرجع ذلك الذي ال حيتاج إىل دليل زهده بالدنيا وإعراضه‬
‫عن زخارفها وهو سمت العلامء الربانيني بال شك ‪ ..‬ورغم أن مكانته بني العلامء تؤهله بامتياز أن‬
‫يتبوأ املكانة املرموقة بني املشاهري إال أنه آثر عىل ذلك كله العيش بني تالميذه وطالبه وعلمه وحني‬
‫يسأل يقول‪ “ :‬مثل هذا األمر يفتح عيل باب الشهرة واالبتالء ‪ ..‬ادعو يل بحسن اخلتام»‬

‫‪211‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬ال�سنة الثانية‪2016 -‬م‬


‫البحوث املحكمة‬ ‫اجلهود الفقهية واألصولية للعالمة الدكتور عبد الكريم زيدان‬

‫‪ .5‬مل نلمس يف عالمتنا تعصبا ملذهبه احلنبيل الذي يرصح به‪ ،‬بل ظهر لنا جليا تبنيه ألسلوب‬
‫الفقه املقارن وترجيح ما يثبته الدليل الذي يظهر له‪ .‬ثبت لنا ذلك من خالل تنوع ترجيحاته الكثرية‬
‫بني مجيع املذاهب‪ ،‬وأحيانا ينفرد بحكم مستقل كام يف مسألة نقض الوضوء بلمس املرأة‪.‬‬
‫‪ .6‬نويص أن تُوىل هذه الشخصية األمهية التي تليق بمقامها‪ ،‬وأن تُعرف األجيال بعظيم فضل‬
‫عالمتنا عىل األمة اإلسالمية‪ ،‬وأن تدرس نتاجاته‪ ،‬وحتلل وتنرش عىل نطاق واسع‪.‬‬
‫‪ .7‬نويص أن يكرم عالمتنا من أعىل سلطة يف الدولة‪ ،‬وأن يعطى أعىل وسام علمي إذ ال يعقل أن‬
‫يكرم خارج بلده بجائزة خدمة اإلسالم والدعوة اإلسالمية‪ ،‬ويعامل باجلفاء واإلمهال داخل بلده‬
‫الذي رفعه هبذه اجلهود املباركة التي يعرتف هبا اجلميع‪.‬‬
‫وأخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني وسالم عىل املرسلني‬
‫تم الفراغ منه ببغداد ‪2013/10/1‬م‬

‫‪212‬‬
‫د‪ .‬عيسى أمحد الفالحي و د‪ .‬أمحد حمي الدين الراوي‬

‫ثبت امل�صادر واملراجع‬


‫بعد القر�آن الكرمي‬

‫‪ .1‬أحكام الذميني واملستأمنني يف الرشيعة اإلسالمية ‪ /‬د‪ .‬عبد الكريم زيدان‪ ،‬ط‪ -‬مؤسسة‬
‫الرسالة – ‪1982‬م‬
‫‪ .2‬اصول الدعوة‪/‬د‪.‬عبد الكريم زيدان‪ ،‬ط‪ -‬مؤسسة الرسالة – التاسعة ‪2001‬م‬
‫‪ .3‬اإلمام أجمد بن حممد سعيد الزهاوي فقيه العراقيني والعامل اإلسالمي‪ /‬األستاذ كاظم أمحد‬
‫املشاخيي‪ ،‬النارش املعهد العاملي للفكر اإلسالمي – جدة ‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬بحوث فقهية معارصة‪ /‬للدكتور عبد الكريم زيدان‪ ،‬ط‪ ،1‬مؤسسة الرسالة ‪2004‬م‪.‬‬
‫‪ .5‬تاريخ علامء بغداد يف القرن الرابع اهلجري‪ /‬يونس السامرائي‪ ،‬وزارة األوقاف‪1398 ،‬هـ‬
‫‪1978-‬م‬
‫‪ .6‬ختريج الفروع عىل األصول «دراسة تارخيية ومنهجية وتطبيقية»‪ /‬عثامن بن حممد األخرض‬
‫شوشان‪ :‬دار طيبة ‪ -‬الرياض‪ ،‬الطبعة األوىل‪1419 ،‬هـ ـ ‪1998‬م ‪.‬‬
‫‪ .7‬جهود الدكتور عبد الكريم زيدان يف خدمة الدعوة اإلسالمية‪ /‬د‪ .‬حسني الدليمي –رسالة‬
‫دكتوراه يف األزهر‪.‬‬
‫‪ .8‬حاشية رد املحتار عىل الدر املختار(حاشية ابن عابدين)‪ /‬العالمة حممد امني الشهري بابن‬
‫عابدين‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ 1415 ،‬ه – ‪1995‬م‪.‬‬
‫‪ .9‬حكم عقد التأمني يف الرشيعة اإلسالمية‪ /‬للدكتور عبد الكريم زيدان‪ ،‬منشور ضمن‬
‫حمارضات يف مادة الفتوى القاها يف جامعة اإليامن يف اليمن‪.‬‬
‫‪ .10‬دخول املسلم إىل دولة غري إسالمية ‪ /‬د‪ .‬عبد الكريم زيدان – بحث منشور ضمن جمموعة‬
‫بحوث فقهية‬
‫‪ .11‬ذيل «األعالم‪/‬للزركيل»‪ /‬أمحد العالونة‪ ،‬نرش دار املنارة للنرش والتوزيع‪ .‬جدة‪ .‬الطبعة‬

‫‪213‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬ال�سنة الثانية‪2016 -‬م‬


‫البحوث املحكمة‬ ‫اجلهود الفقهية واألصولية للعالمة الدكتور عبد الكريم زيدان‬

‫األوىل سنة ‪1998‬م‪.‬‬


‫‪ .12‬زاد املعاد يف هدي خري العباد‪ /‬البن قيم اجلوزية‪ /‬حتقيق‪ :‬شعيب األرناؤوط‪ ،‬النارش‪:‬‬
‫مؤسسة الرسالة ‪ -‬مكتبة املنار اإلسالمية ‪ -‬بريوت – الكويت‪ ،‬الطبعة الرابعة عرش‪1407 ،‬هـ –‬
‫‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ .13‬سبل االستفادة من النوازل «الفتاوى» والعمل الفقهي يف التطبيقات املعارصة‪ /‬للشيخ‬
‫خليل حمي الدين امليس‪ /‬جملة جممع الفقه اإلسالمي لرابطة العامل اإلسالمي يف جدة (العدد ‪/11‬‬
‫ص‪)546‬‬
‫‪ .14‬سبل االستفادة من النوازل لعبد اهلل بن بيه (جملة جممع الفقه االسالمي ع‪ 11‬ج‪ 2‬ص‪)531‬‬
‫‪ .15‬سبل االستفادة من النوازل لوهبة الزحييل (جملة جممع الفقه االسالمي ع‪ 11‬ج‪ 2‬ص‬
‫‪)362‬‬
‫‪ .16‬السياسة الرشعية حالة غياب حكم اسالمي عن ديار املسلمني‪/‬د‪.‬أمحد حميي الدين‬
‫صالح‪ -‬ط‪ :‬دار السالم‪ -‬مرص‪2011‬م‪.‬‬
‫‪ .17‬السياسة الرشعية لعبد الوهاب خالف‪ ،‬ط‪ :‬دار القلم‪ ،‬الكويت (‪1988‬م)‬
‫‪ .18‬الرشيعة اإلسالمية والقانون الدويل العام‪ ،‬بغداد‪ :‬جملة كلية الدراسات اإلسالمية‪1970 ،‬م‬
‫‪ .19‬الصحاح للجوهري‪ ،‬ط‪:‬دار الكتاب العريب – مرص ‪1965‬م‪،‬‬
‫‪ .20‬عقد اجليد يف أحكام االجتهاد والتقليد‪ /‬أمحد بن عبد الرحيم الدهلوي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حمب‬
‫الدين اخلطيب‪ ،‬املطبعة السلفية‪ ،‬القاهرة‪1385 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .21‬علامء أعالم عرفتهم‪ /‬د‪ .‬عبد اهلل العقيل ‪ /‬طبعة دار البشري‪.‬‬
‫‪ .22‬الفرد والدولة يف الرشيعة اإلسالمية‪ /‬د‪ .‬عبد الكريم زيدان – النارش‪ :‬االحتاد اإلسالمي‬
‫العاملي للمنظامت الطالبية‪ ،‬سنة الطبع ‪1395‬هـ‪1975 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .23‬فقه اللغة ورس العربية‪ /‬للثعالبي‪ :‬عبد امللك بن حممد بن إسامعيل أبو منصور الثعالبي‪،‬‬
‫املتوىف‪429 :‬هـ‪ ،‬حتقيق د‪ .‬فائز حممد دار الكتاب العريب ط‪1413 ،1‬ه‬
‫‪ .24‬القيود الواردة يف امللكية الفردية للمصلحة العام يف الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬عامن‪ :‬مكتبة‬
‫الشائر‪1403 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫د‪ .‬عيسى أمحد الفالحي و د‪ .‬أمحد حمي الدين الراوي‬
‫‪ .25‬لسان العرب‪ /‬البن منظور‪ :‬حممد بن مكرم األفريقي املرصي‪ ،‬دار صادر – بريوت‪ ،‬ط‪1‬‬
‫دون تاريخ‪.‬‬
‫‪ .26‬جمموعة بحوث فقهية – الدكتور عبد الكريم زيدان‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة القدس –مؤسسة الرسالة‬
‫‪1976‬‬
‫‪ .27‬خمتار الصحاح‪ /‬حممد بن أيب بكر بن عبدالقادر الرازي ‪ /‬حتقيق‪ :‬حممود خاطر‪ ،‬النارش‪:‬‬
‫مكتبة لبنان نارشون – بريوت‪ ،‬الطبعة طبعة جديدة‪1995 – 1415 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .28‬املسار ‪ /‬حممد أمحد الراشد‪ ،‬دار املنطلق للتوزيع والنرش‪.‬‬
‫‪ .29‬املستفاد من قصص القرآن للدعوة والدعاة‪ /‬د‪ .‬عبد الكريم زيدان – ط‪ -‬مؤسسة الرسالة‬
‫– األوىل ‪2009‬م‬
‫‪ .30‬املصباح املنري يف غريب الرشح الكبري للرافعي‪/‬أمحد بن حممد املقري الفيومي‪ ،‬املكتبة‬
‫العلمية ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .31‬املعجم الكبري‪ /‬للطرباين‪ :‬احلافظ «أيب القاسم سليامن بن أمحد اللخمي»‪ ،‬املتوىف سنة‬
‫‪360‬هـ ‪ /‬تح‪ :‬عبد املجيد السلفي ‪ /‬دار إحياء الرتاث العريب –بريوت ‪ /‬مكتبة ابن تيمية القاهرة‪/‬‬
‫ط‪ 2‬بدون سنة الطبع‬
‫‪ .32‬املغرب يف ترتيب املعرب‪ /‬للمطرزي‪ :‬أبو الفتح نارص الدين بن عبد السيد بن عيل بن‬
‫املطرز‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممود فاخوري و عبداحلميد خمتار‪ ،‬مكتبة أسامة بن زيد – حلب‪ ،‬ط‪1979 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .33‬مقدمة يف القضاء والفتوى للدكتور عبد الكريم زيدان – جمموعة حمارضات القيت عىل‬
‫طلبة جامعة اإليامن يف اليمن‪.‬‬
‫‪ .34‬من أعالم الدعوة اإلسالمية يف العراق‪ /‬املستشار عبد اهلل العقيل – طبعة دار البشري‪.‬‬
‫‪ .35‬من أعالم الدعوة واحلركة اإلسالمية املعارصة‪ /‬للمستشار عبد اهلل العقيل ‪ -‬طبعة دار‬
‫البشري‪2008 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .36‬منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية املعارصة‪ /‬للدكتور مسفر بن عيل بن حممد القحطاين‪،‬‬
‫دار األندلس اخلرضاء‪ :‬جدة‪ ،‬ط‪2003 ،1‬م ‪1424 -‬هـ‬
‫‪ .37‬املوسوعة احلركية‪ /‬لألستاذ فتحي يكن‪ ،‬نرش دار البشري‪ ،‬عامن‪ .‬األردن‪ .‬الطبعة األوىل سنة‬

‫‪215‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬ال�سنة الثانية‪2016 -‬م‬


‫البحوث املحكمة‬ ‫اجلهود الفقهية واألصولية للعالمة الدكتور عبد الكريم زيدان‬

‫‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ .38‬نظام القضاء يف الرشيعة اإلسالمية – الدكتور عبد الكريم زيدان‪ ،‬الطبعة األوىل يف مطبعة‬
‫العاين يف بغداد ‪1404‬هـ ‪1984 -‬م بمساعدة اللجنة الوطنية لالحتفال بمطلع القرن اخلامس عرش‬
‫‪ .39‬الوجيز يف أصول الفقه ‪ /‬للدكتور عبد الكريم زيدان‪ ،‬بريوت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1407‬هـ‪1987 /‬م‪.‬‬
‫‪ .40‬الوجيز يف رشح القواعد الفقهية يف الرشيعة اإلسالمية – الدكتور عبد الكريم زيدان‪،‬‬
‫ط – مؤسسة الرسالة – الطبعة األوىل ‪2001‬م‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪216‬‬

You might also like