Professional Documents
Culture Documents
(ليبنز والعقلانية الدينامية)
(ليبنز والعقلانية الدينامية)
(ليبنز والعقلانية الدينامية)
لم يتشكل نسق ليبنز الفلسفي في دفقة فكرية واحدة،بل تعينت مالمحه ومداراته
عبر حوار مباشر،موصول و جسور مع فالسفة عصره.
يذهب كلوديوس بيات Clodius Piatإلى أن " مجموع مكونات نسق ليبنز
،اكتملت ابتداء من 1675أو ،1676بما في ذلك اكتشافه للحساب التفاضلي "
،1فيما يذهب أليكسيس برتراند ،في تقديمه إلحدى طبعات المونادولوجيا ،2إلى أن
نسق ليبنز لم يستوف ممكناته القصوى إال سنة .1684على أنه يصح القول مع
إميل بوترو بأن اكتمال عالم ليبنز الفلسفي قد امتد بين 1676و ،1685عبر
اكتمال فكرتين من أمهات أفكاره الفلسفية :المونادولوجيا من جهة والتناغم
القبلي من جهة ثانية.3ويمكن أن نضيف إلى هاتين الفكرتين المفصليتين فكرتين
أخريين من أبرز مناشط نسقه النظرية ،وهما :قانون االتصال و نظرية التفاؤل.
عبر المونادولوجيا دشن ليبنز تصورا ديناميا للعالم يتغيا تشذيب كل من
التصورين الميكانيكي الديكارتي والوحدوي السبينوزي؛فميتافيزيقا ديكارت وهي
تختزل المادة إلى امتداد هندسي ،وتضع هذا االمتداد في تقابل مع الفكر/الروح،
تقودنا حسب ليبنز إما إلى القول بمحمولين بدون موضوع،أو بصفتين لجوهر غير
متعين ،أو في أحسن األحوال بجوهرين متنائيين وعاطلين عن الفعل
والحركة،ومن ثمة تعجز عن إقامة واشجة موضوعية تصل الجسد بالروح.
لقد كون ديكارت -حسب ما يذهب إليه ليبنز" -فكرة مغلوطة عن طبيعة الجسد؛ إذ
ربطه باالمتداد الهندسي الخالص ،فلم يجد بالتالي وساطة لتفسير وحدة الروح
والجسد .وعلة ذلك برأيه أنه لم ينطلق بوجه عام من تحديد دقيق لمفهوم الجوهر
. 4 ".الشيء ساقه وتأدى به إلى القول بعالم ميكانيكي ،غفل من الحركة
والدينامية و الفعل،بقدر ما هو خال ،في ذات اٱلن ،من كل غائية .وعلى صعيد
ٱخر لم يكشف سبينوزا في مسعاه لحل المشكل ،إال عن ضرب "من الديكارتية
الموغلة والمسرفة" .5فبدل أن يعمل على ترميم معطب ديكارت الرئيس المتمثل
في عدم تدقيقه لمفهوم الجوهر ،اكتفى باالنصراف إلى فكرة االستغراق جاعال من
الفكر واالمتداد ،والروح والجسد ،وللا والطبيعة وحدة أنطولوجية مطلقة.وبذلك لم
يقم سبينوزا بشيء ٱخر سوى " أنه مضى بالديكارتية إلى نتائجها القصوى ،فأقر
بوجود جوهر وحيد ،له محموالن إثنان هما االمتداد والفكر ،أما األجسام واألرواح
فلم يعتبرها سوى أحوال لكل من االمتداد والفكر اإلالهيين".6خالفا لهذا وذاك
سيحاول ليبنز فتح الديكارتية على مفهوم مغاير للجوهر،وهذا ما تصدى له في
كتابه " المونادولوجيا " ،هذا الكتاب الذي عده البعض" وصية ليبنز
الفلسفية "،و الذي ال مرية أنه " يحتوي بين تضاعيفه ،على العرض األكثر
تكثيفا و األكثر اكتماال لنسقه الفلسفي ".7
إن الموناد ،كما هو معروف ،مفهوم أفالطوني محدث استعاره ليبنز من جيوردانو
برونو ،و هذا األخير استعاره بدوره من بروكليس الذي كان يوظفه كمرادف
للوحدة الجزئية المفردة التي يتكون منها كل شيء مركب .و بالرغم من أن مفهوم
الموناد ينطوي على نتوءات ومتعلقات فلسفية سكوالئية وأفالطونية محدثة ،إالأن
ليبنز أسبغ عليه لبوسا ديناميا ،وجعل منه قوام نظريته األنطولوجية.يقول ليبنز :
" إن الجواهر الحقيقية ليست غير الجواهر البسيطة أو ما أدعوه المونادات .وفي
اعتقادي أنه ال يوجد في الطبيعة غير المونادات .وماعداها ليس غير الظواهر
التي تشكلت منها".8
الموناد جوهر بسيط يرتد اليه كل شيء مركب ،تماما كما ترتد األجسام إلى
جزيئات أو ذرات.وليس لهذا الجوهر البسيط نوافذ ،كما ال داخل له وال خارج9
.إن كل موناد ،كما يقول جيل دولوز في تأويله الشهير لفسفة ليبنز ،هي عبارة
عن ثنية Un pliتلتف على نفسها ،وعلى غيرها إلى ما النهاية ،ثنية أو لفة لها
ككل كائن روح ،و تحدوها غاية ،مثلما توجهها علة كامنة .وكل موناد هي أيضا
عبارة عن مرٱة للعالم تكشف العالم مثلما تتكشف فيه.وبناء على هذا التصور تغدو
الطبيعة مجاال للتعدد ،تعدد الجواهر الروحية البسيطة الالمتناهية ،لكن عبر التعدد
تتكشف وحدته وتناغمه،وتتبدى ديناميته أيضا.يقول ليبنز "إن المونادات تتوافق
وتنسجم في مابينها باعتبارها مرايا لنفس العالم " .10وعبر توافقها تكفل وحدة
العالم،وتضمن اتصاال بين مكوناته ،وتلبسه لبوسا متناغما يجعله أفضل العوالم.
تبنى مالبرانش بدوره منهج البداهة والوضوح ؛معتبرا شأنه شأن ديكارت أن
المعرفة الحقة ال تتأسس إال على أفكار بينة ،متميزة بذاتها ومتمايزة عن غيرها
،ال تخالطها المسبقات ،وال تشوشها األوهام ".فال شيء ،في نظر مالبرانش ،أكثر
يقينا من نور العقل".12لكن إذا كان ديكارت ينطلق من تعليق كل المعارف القبلية،
ووضعها موضع شك،فإن مالبرانش ظل بخالف ذلك مشدودا إلى األفق الالهوتي
للمسيحية ولنصوصها النقلية الرئيسة.وبالتالي جعل الفلسفة تضطلع بمهام
الثيولوجيا.
العقل الديكارتي يعود إلى نفسه ،ويؤكد حقيقة وجوده،ليسمو بعدها إلى حقيقة
الذات اإلالهية،ثم يتخارج شطر العالم.أما العقل المالبرانشي ،فإنه يستنجد ،كنور
طبيعي ،بالنور اإلالهي أو بالعقل المتعالي.لهذا ،فمالبرانش ال يقر بوجود
كوجيطومستقل بذاته يعرف ذاته بذاته ،ويتعرف على العالم ويدرك وجود الذات
الالهية .بل حتى لو سلمنا ،في نظره ،بفاعلية هذا الكوجيطو،وقظرته على الوعي
و اإلدراك والمعرفة،فإنه يظل ككوجيطو رهين النور اإلالهي .يقول مالبرانش " :
إن العقول التي تروم وؤية النور ،ينبغي أن تولي وجهها شطر العقل المتعالي
الذي بمقدوره ،وحده ،أن يسبغ عليها الكمال،ويمنحها القدرة على
التعقل".13بمعنى أن عمل الكوجيطو وبحثه عن الحقائق ،ال يجري من تلقاء ذاته
،أو باالستناد إلى مداركه الذاتية وقدراته الخاصة،بل يتم باالعتماد على للا ،و
التوكل على قدرته المطلقة المتعالية ،من خالل وساطة المسيح .ألن المسيح
عيسى يمثل،حسب مالبرانش " ،الحقيقة اإلالهية المجسدة التي ال تناقض الحقيقة
المعقولة.إنه القائد الروحي الذي يرشد الكنيسة ويوجهها شطر العقل الكوني الذي
ينير سائر العقول 14".وال يخفى،هاهنا،بأن مالبرانش يمضي بالعقالنية شطر
ضرب من التعالي الروحاني؛ بل " إنه يدخل على المنهج الديكارتي منزعا
صوفيا".15مما يعني أن فلسفة مالبرانش ليست فلسفة تشربت الفكر الالهوتي
المسيحي فحسب،بل كذلك تحمل بين ثناياها روحانية صوفية تجعل المخلوق أثرا
لخالقه،و تعتبر معرفته انعكاسا نورانيا للعلم اإلالهي.
- 9Th.Desdouits,op.cit.p.4.
- 15E.Faguet,op.cit,p.87.
- 16E Bréhier,op.cit,178.