Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 17

‫املجلد ‪ / 6‬ع ــدد ‪ 30_ 1‬جويلية ‪ ، 2020‬ص ‪266 -250‬‬ ‫مجلـة التدوين‬

‫دور القيم الذّكوريّة يف حتديد مكانة املرأة يف اجملتمع اجلزائري‬


‫‪-‬مقاربة نظريّة استنادا إىل املدخل الثّقايف‪-‬‬
‫‪The Role of Male Values’ Role in Determining the Woman‬‬
‫‪Status in the Algerian Society a Culture-Based Theoretical‬‬
‫‪Approach‬‬

‫*‬‫نورال ّدين كوسة‬


‫قسم علم االجتماع‪ ،‬كليّة العلوم اإلنسانيّة واالجتماعيّة‪ ،‬جامعة سطيف‪ ،2‬اجلزائر‬

‫اتريخ القبول‪2020/03/19 :‬‬ ‫اتريخ االستالم‪2020/02/18 :‬‬


‫اتريخ النشر‪2020/07/30 :‬‬

‫املل ّخص‪:‬‬
‫الّتكيز‬
‫أييت هذا املقال للوقوف على إشكاليّة سوسيوثقافيّة ذات صلة ابلقيم ال ّذكوريّة‪ ،‬من خالل ّ‬
‫على دور تلك القيم يف حتديد مكانة املرأة يف اجملتمع اجلزائري؛ استنادا إىل املدخل الثّقايف‪ ،‬وذلك‬
‫الرمزي‪ ،‬بني الفضائني ال ّذكوري واألنثوي‪ ،‬واليت‬
‫برصد جتلّيات القيم املُشار إليها يف خلق التّمايُز ّ‬
‫أفضت ترمجتها على أرض الواقع إىل التّأسيس ملمارسات ومتثّالت داخل اجملتمع‪ ،‬وهذا من خالل‬
‫التصورات اليت حتكم‬
‫الرؤى و ّ‬ ‫توزيع األدوار املتاحة لكل من الفضائني –ال ّذكوري واألنثوي‪ ،-‬وتوجيه ّ‬
‫الرجل‪ ،‬واليت حت ّددت يف ضوئها مكانة املرأة بني‬
‫اخلاصة بني طريف املعادلة ومها املرأة و ّ‬
‫معامل العالقة ّ‬
‫املاضي واحلاضر‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحيّة‪ :‬القيم ال ّذكوريّة؛ اجملتمع اجلزائري؛ املدخل الثّقايف؛ املرأة؛ اهليمنة‪.‬‬

‫*‪ -‬الباحث ال ُمرسل‪koussanoureddine@yahoo.fr:‬‬


‫دور القيم الذّكوريّة يف حتديد مكانة املرأة يف اجملتمع اجلزائري‬
-‫مقاربة نظريّة استنادا إىل املدخل الثّقايف‬-

Abstract:

The present article sheds light on the identification of socio-cultural


problematic related to male values. The work focuses on the role of
these values in a culture- based determination of the woman status in the
Algerian society by defining the manifestations of male values in the
creation of the symbolic distinction between male and female universes,
resulting in setting up new of practices and representations within the
community, through the distribution of roles allotted to both universes–
male and female - and the guidance of visions and perceptions that
govern the parameters of the special relationship existing between the
two sides of the equation, positioning woman status between the past
and the present.

Keywords: Male values, Algerian society, Culture based Approach,


Woman, Dominance.

251
‫نورال ّدين كوسة‬

‫‪-1‬مق ّـدمـة‪:‬‬
‫الذ ّ‬ ‫ّ‬
‫كورية في تحديد مكانة املرأة في املجتمع‬ ‫يندرج البحث في موضوع دور القيم‬
‫ّ‬
‫الجزائري؛ استنادا إلى املدخل الثقافي‪ ،‬ضمن املسعى الهادف إلى الوقوف على‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫فعالية وتأثير‬ ‫اإلشكالية التي تثير كثير من الجدل؛ بخصوص مدى‬ ‫جملة من العناصر‬
‫ُ‬
‫تلك القيم املشار إليها خالل مراحل مختلفة من تاريخ املجتمع الجزائري‪ ،‬في تحديد‬
‫ّ‬ ‫ُ ُ ّ‬
‫األطر الناظمة ملكانة املرأة‪ ،‬آخذين بعين االعتباروفق ما ينطوي عليه املدخل الثقافي‬
‫الث ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كورية؛ إثارة ّ‬ ‫الذ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قافية في‬ ‫املرجعيات‬ ‫أهمية‬ ‫منهجية لرصد دور القيم‬ ‫من آليات‬
‫الر ّ‬ ‫ّ‬
‫تهيئة املخيال املجتمعي الجزائري لبناء تمثالت ورؤى بخصوص املعالم ّ‬
‫مزية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫االجتماعية ضمن‬ ‫واملادية التي تؤطر حضور املرأة‪ ،‬من خالل أداء أدوارها في الحياة‬
‫الذ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كورية‪.‬‬ ‫سياق تلك التمثالت التي أفرزتها القيم‬
‫كورية ضمن سياق إفراز ال ّت ّ‬
‫راتبية‬ ‫الذ ّ‬ ‫ّ‬
‫خصوصية تنطبع بها القيم‬ ‫ّ‬ ‫ولعل أهم‬ ‫ّ‬
‫والرجل واملرأة‪ّ ،‬أنها ال ّ‬ ‫الذكر واألنثى ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تتأسس من‬ ‫االجتماعية القائمة على ثنائية‬
‫ّ‬ ‫األنثروبولوجية على االعتبارات ّ‬ ‫ّ‬
‫املميزة للذكورة واألنوثة ككيان عضوي‬ ‫الوجهة‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫خالص وال ككيان ثقافي خالص‪ ،‬بل تدمج بينهما بشكل يتعذر معه تحديد أوجه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الث ّ‬ ‫ّ‬
‫تدريجيا نحو‬ ‫قافية وتنحو‬ ‫وحدود هذا التداخل‪ ،‬فهي تارة تقوم على االعتبارات‬
‫الث ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قافية‪.‬‬ ‫العضوية لتنتهي باالعتبارات‬ ‫العضوية‪ ،‬وتارة أخرى تنطلق من االعتبارات‬
‫وقد جاء هذا البحث في مجموعة من العناصر‪ ،‬حيث كانت البداية بالوقوف على‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أهمية االستناد إلى املدخل الثقافي لرصد مكانة املرأة في املجتمع الجزائري‪ ،‬ثم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الذ ّ‬ ‫ّ‬
‫أرضية‬ ‫والعاملية؛ باعتبارها‬ ‫املحلية‬ ‫وجدلية‬ ‫كورية‬ ‫انتقلنا إلى إثارة مسألة القيم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للتطرق إلى موضوع القيم الذكورية في الثقافة الجزائرية‪ ،‬آخذين بعين‬ ‫ممهدة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫االعتبار التركيز على دور األعراف في ترسيخ تلك القيم‪ ،‬لتكون مدخال لرصد تجلياتها‬
‫وضعية املرأة ومكانتها‪ ،‬وهذا عبر استعراض‬ ‫ّ‬ ‫ئرية وانعكاساتها على‬ ‫في ال ّثقافة الجزا ّ‬
‫ّ‬ ‫املسار املُ ّ‬
‫ميز ملكانة املرأة في املجتمع الجزائري بين املاض ي والحاضر‪ ،‬مركزين بوجه‬
‫االستعمارية ومرحلة االستقالل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أساسيتين هما؛ املرحلة‬ ‫ّ‬ ‫خاص على مرحلتين‬
‫ّ‬
‫وانهينا البحث بخاتمة اشتملت على مجموعة من النتائج التي أمكن استخالصها من‬
‫خالل عناصر هذا البحث‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫دور القيم الذّكوريّة يف حتديد مكانة املرأة يف اجملتمع اجلزائري‬
‫‪-‬مقاربة نظريّة استنادا إىل املدخل الثّقايف‪-‬‬

‫ّ‬ ‫‪ّ -2‬‬


‫أهمية توظيف املدخل الثقافي لرصد مكانة املرأة في املجتمع‬
‫الجزائري‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫على اعتبار أن البحث فيما يتصل بمكانة املرأة في املجتمع الجزائري ُيشكل‬
‫ُ‬ ‫الذك ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ورية‪ ،‬وما أفرزته من ترات ّبية‬ ‫لعملية البحث في املسائل املتعلقة بالقيم‬ ‫ّ‬ ‫امتدادا‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫بين الفضائيـن الذكوري واألنثوي‪ ،‬من حيث أثر هذه القيم املشار إليها في تحديد‬
‫امل ّ‬‫ّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫املعالم الكبرى للعالقة بين ّ‬
‫حددة‬ ‫الرجل واملرأة‪ ،‬من خالل رسم األطر األساسية‬
‫ّ ّ‬
‫العالئقية للنظام‬ ‫ملكانتها ضمن نطاق هذه العالقة‪ ،‬ورصد تأثيراتها على البنية‬
‫ّ‬ ‫التصورات ّ‬ ‫ّ‬ ‫فإن هامشا ّ‬ ‫ّ‬
‫والرؤى اللصيقة باملرأة‬ ‫مهما من‬ ‫االجتماعي بشكل عام‪ ،‬ولذا‬
‫ّ‬
‫التي ارتسمت في املخيال املجتمعي للمجتمع الجزائري وتحددت على ضوئها مكانتها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫من خالل تثبيتها لألطر ّ‬
‫األساسية للفضاء الذي ينبغي‬ ‫والسياقات التي تمثل املعالم‬
‫ّ‬ ‫أن ّ‬
‫تتحرك ضمنه هذه األخيرة ‪-‬املرأة‪ ،-‬قد تشكلت انطالقا من القواعد التي صاغتها‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الثقافية للمجتمع‪ ،‬بترجمة تلك القواعد املصاغة‬ ‫املرجعيات‬ ‫القيم التي تغذت على‬
‫مزية‪.‬‬‫الر ّ‬ ‫على أرض الو اقع واالحتكام إلى سلطتها ّ‬
‫أن ُّ‬ ‫ّ ّ‬
‫تعدد املداخل التي يمكن من خالل االستناد إليها اإلمساك بالخطوط‬ ‫وال شك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العريضة التي تتحدد في ضوئها دور القيم الذكورية في تحديد مكانة املرأة في املجتمع‬
‫ّ‬
‫الجزائري‪ ،‬يجعلنا نحاول ضمن سياق ُمساءلتنا لهذا املوضوع؛ وبغرض تجنب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التشعب والغموض االقتصار على املدخل الثقافي‪ ،‬ملا يوفره هذا األخير من‬ ‫مسلك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫الجدلية‬ ‫زو ايا نظر تمكننا من الوقوف على البنية الناظمة ملكانة املرأة في عالقتها‬
‫الذ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كورية في ذلك‪ ،‬حيث‬ ‫قافية‪ ،‬وهو ما ُيفض ي إلى ُمالمسة أثر القيم‬ ‫الث ّ‬ ‫باملرتكزات‬
‫املهتمين بموضوع املرأة؛ على ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أهمية االعتماد على‬ ‫أن هناك شبه إجماع بين معظم‬
‫ّ‬
‫املدخل الثقافي واالنطالق منه ُبغية اإلمساك بجوانب هذا املوضوع الحيوي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتخصصون تكمن في اإلحاطة والفهم‬ ‫فأهمية املدخل الثقافي وفق ما يراه‬
‫ّ‬ ‫العميق لو ّ‬
‫ضعية املرأة؛ ألن "موضوع صورة املرأة في الفكر واملجتمع من‬
‫املكون‬‫املوضوعات التي ال يمكن تشخيصها في مختلف أبعادها دون استحضار ّ‬
‫النظام االجتماعي في ُ‬ ‫ُّ ّ‬ ‫عد عامال فاعال في ّ‬ ‫الثقافة ُت ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫صوره‬ ‫عملية تشكل‬ ‫الثقافي‪ ...،‬ألن‬

‫‪253‬‬
‫نورال ّدين كوسة‬

‫ّ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫منهجية تتيح رصد‬ ‫ومراتبه املختلفة"‪ ،1‬وبهذا فإن املدخل الثقافي يعد بمثابة آلية‬
‫ُ‬ ‫التمثالت ّ‬‫ّ‬
‫والرؤى التي تنتجها ثقافة املجتمعات حيال عدد من القضايا‬ ‫جملة من‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫واملواضيع‪ ،‬و ّ‬
‫لعل ما تجدر اإلشارة إليه أن االعتماد على هذا املدخل املشار إليه‬
‫ّ‬
‫لفهم املعطيات املتصلة بمكانة املرأة ليس حكرا على مجتمع دون آخر‪ ،‬بل يمكن‬
‫ّ‬
‫املغاربية‪.‬‬ ‫إسقاطه على جل املجتمعات وبوجه خاص املجتمعات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الذ ّ‬‫ّ‬
‫والعاملية‪:‬‬ ‫املحلية‬ ‫وجدلية‬ ‫كورية‬ ‫‪-3‬القيم‬
‫ّ‬ ‫أن القيم في شكلها العام ُت ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫عد من أهم العناصر التي تعمل الثقافة على‬ ‫الشك‬
‫ُ‬
‫غرسها في املجتمعات‪ ،‬وهي تستخدم وفق وجهة نظر األنثروبولوجيين املنتمين‬
‫ّ‬ ‫الث ّ‬ ‫ّ‬ ‫قافية ّ‬ ‫ّ‬
‫الث ّ‬
‫املعيارية"‪ ،2‬ولذا يذهب بعض‬ ‫قافية‬ ‫"للداللة على املالمح‬ ‫للمدرسة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الباحثين في موضوع القيم؛ إلى اعتبار "أن السلوك أو املمارسة تتأثر بنوعية القيم‬
‫ّ‬ ‫شكل جزءا ّ‬ ‫ُ ّ‬
‫العامة‬ ‫مهما من آرائه ومبادئه و أفكاره‬ ‫التي يحملها الفرد‪ ،‬والقيم هذه ت‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التي يحملها على الحياة بشكلها الشمولي أو التفصيلي"‪ ،3‬وهو ما يجعل االهتمام‬
‫ُ‬ ‫الفكرية ّ‬‫ّ‬
‫الراهنة التي تشغل اهتمام كثير من‬ ‫بالقيم بشكل عام من أهم املباحث‬
‫والدارسين‪ ،‬ملا تنطوي عليه هذه األخيرة من عناصر وبؤر تفكير ّ‬
‫حيوية تقود‬ ‫الباحثين ّ‬
‫الث ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قافية املطروحة‪.‬‬ ‫اإلشكاليات‬ ‫إلى تفكيك كثيرمن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫شكل البحث في ما يتعلق بالقيم الذ ّ‬ ‫ُ ّ‬
‫كورية أحد هذه املواضيع التي تحض ى‬ ‫وي‬
‫ّ‬
‫واالجتماعية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫اإلنسانية‬ ‫باهتمام الفت؛ من قبل الباحثين املنتمين إلى عائلة العلوم‬
‫ُ‬
‫ولعل ما تجدر اإلشارة إليه ضمن‬‫األنثروبولوجية بوجه خاص‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ومن ضمنها البحوث‬

‫حرر‪ ،-‬منشورات زاوية للفن‬


‫‪-‬عبد اللّطيف‪ ،‬كمال‪ ،‬صورة املرأة يف الفكر العريب‪ -‬حنو توسيع قيم التّ ّ‬
‫‪1‬‬

‫والثّقافة‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪،2006 ،1‬‬


‫ص‪.8-7:‬‬
‫‪2-Bonte, P, et Izard, M, Dictionnaire de l’ethnologie et de‬‬

‫‪L’anthropologie, Puf, Paris, 2002, p:733.‬‬


‫(الّتاث القيمي يف اجملتمع العريب بني املاضي واحلاضر‪ ،‬جملّة دراسات عربيّة)‪ ،‬دار‬ ‫‪3‬‬
‫حممد احلسن‪ ،‬إحسان‪ّ ،‬‬
‫‪ّ -‬‬
‫السادسة‬
‫السنة ّ‬
‫الطّليعة‪ ،‬بريوت‪ّ ،‬‬
‫والعشرون‪ ،‬العدد ‪ ،1990 ،9‬ص‪.90:‬‬

‫‪254‬‬
‫دور القيم الذّكوريّة يف حتديد مكانة املرأة يف اجملتمع اجلزائري‬
‫‪-‬مقاربة نظريّة استنادا إىل املدخل الثّقايف‪-‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫هذا ّ‬


‫أسيسية التي خاضت في هذا املوضوع‪ ،‬تصب في‬ ‫السياق أن تصفح الكتابات الت‬
‫ّ‬ ‫الذ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عاملية‪ ،‬وهي بهذا‬ ‫كورية تكاد تكون قيم‬ ‫جملة من النتائج ُمفادها أن القيم‬
‫املُعطى ال يمكن اعتبارها حكرا على ثقافة دون أخرى‪ ،‬مع تسجيل فوراق ّ‬
‫نسبية في‬
‫ّ‬ ‫وربما ُن ً‬ ‫تجليات هذه القيم بيـن مجتـمع وآخر؛ ّ‬ ‫ّ‬
‫زوعا نحو انحسارها الظاهري في بعض‬
‫الغربية‪ ،‬حيث أشار(بورديو ‪ )Bourdieu‬إلى هذا الحضور العاملي للقيم‬ ‫ّ‬ ‫املجتمعات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫اليومية‪ ،‬إذ‬‫ّ‬ ‫االعتيادية للحياة‬ ‫الذكور ّية املنتجة لتمثالت ورؤى تتمظهر في املمارسات‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫تجد حسب بقوله "‪ ...‬كل الظروف مجتمعة مللء ممارستها‪ ،‬والحضور املعترف به‬
‫ّ‬ ‫موضوعية ُ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كونيا ّ‬ ‫ّ‬
‫االجتماعية ونشاطات اإلنتاج وإعادة‬ ‫البنى‬ ‫للرجال يتأكد في‬
‫اإلنتاج‪.1"...‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الذ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫تصورات‬ ‫الشعورية تحكم‬ ‫كورية وما أفرزته من قواعد‬ ‫والشك أن القيم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األفراد والجماعات فيما يتصل بهيمنة الفضاء الذكوري على الفضاء األنثوي‪ ،‬قد‬
‫ّ‬
‫فطريا ال‬ ‫نفسية هؤالء‪-‬األفراد والجماعات‪ -‬باعتبارها أمرا‬ ‫ّ‬ ‫ترسخت وانطبعت في‬ ‫ّ‬
‫تبنت فكرة ّ‬ ‫ّ‬ ‫فإن كثير من ّ‬ ‫ّ‬
‫ترسخ القيم‬ ‫الدراسات التي‬ ‫نقاش فيه‪ ،‬ووفق هذا املنحى‬
‫الالشعور الجمعي‪ ،‬قد ذهبت إلى تفسير ذلك معتبرة‪ّ ،‬أنه "من غير شكّ‬ ‫ّ‬ ‫الذ ّ‬ ‫ّ‬
‫كورية في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن ُ‬ ‫ّ‬
‫البعد النفس ي الذي يكتنف هذه النظرة هو بعد أنثروبولوجي كوني تقريبا‪ ،‬إذ أن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسانية قد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫رسخ التمايزات بين الذكر واألنثى على أساس‬ ‫التطور الذي خضعت له‬
‫جسدي"‪.2‬‬
‫الذ ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫الصرامة التي كانت ُت ّ‬ ‫وبرغم تسجيل بورديو لتراجع تلك ّ‬
‫كورية من‬ ‫ميز املركزية‬
‫ؤسـس تـلك‬ ‫أن "‪...‬بعـض اآلليات التي ُت ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املثالية‪ ،‬فإنـه يشير إلى‬ ‫ّ‬ ‫خالل بعض شروطها‬
‫ِّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الهيمنة مازالت تواصل االشتغال‪...‬سواءا عنـد الرجال أو عـند النساء" ‪ ،‬ويضيف‬
‫‪3‬‬

‫‪-‬بورديو‪ ،‬بيار‪ ،‬اهليمنة الذّكوريّة‪ ،‬ترمجة سلمان قعفراين‪ ،‬مراجعة ماهر ترميش‪ ،‬املنظّمة العربيّة ّ‬
‫للّتمجة‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫بريوت‪ ،‬ط‪ ،2009 ،1‬ص‪.60:‬‬


‫‪-2‬عشرايت‪،‬سليمان‪ ،‬الشخصيّة اجلزائريّة‪-‬األرضيّة التّارخييّة واحمل ّددات احلضاريّة‪ ،-‬ديوان املطبوعات‬
‫اجلامعيّة‪ ،‬اجلزائر‪ ،2002 ،‬ص‪.216:‬‬
‫‪-3‬بورديو‪ ،‬بيار‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.90:‬‬

‫‪255‬‬
‫نورال ّدين كوسة‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬


‫البديهيات قائال "إن اإليعازات‬ ‫مؤكدا على حقيقة اندراج هذه املسألة ضـمن‬
‫ّ ّ‬ ‫مرئية التي ّ‬ ‫والال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جنسيا للنساء‪...‬لقبـول‬ ‫يوجهها العالم املتراتب‬ ‫ِّ‬ ‫والصامتة‬ ‫املستمرة‬
‫متأصلة فـي نظـام األشياء‪ ،‬تنطبع شيئا فشيئا في‬ ‫ّ‬ ‫اعتباطية ّ‬
‫ألنها‬ ‫ّ‬ ‫تعليمات وتحريمات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫نظام األجساد على أنها بداهية وطبيعية ومفروغ منها"‪.1‬‬‫ّ‬
‫ّ‬ ‫الذ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اليومية من أدوار شملت مختلف‬ ‫كورية بما فرضته الحياة‬ ‫تتدعم القيم‬ ‫كما‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املمارسات املادية والالمادية‪ ،‬بما ينسجم والطبيعة النفسية والعضوية لكل من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫"مالبسات الحياة نفسها قد ّأهلت الطرفين‬ ‫أن ُ‬ ‫والرجل‪ ،‬فكان من الطبيعي‬ ‫املرأة ّ‬
‫ُ‬
‫وتكفل لها من ّ‬ ‫ّ‬
‫السماحة‬ ‫فالرقة التي تالزم طبيعة األنثى‬ ‫ألعباء فيها تباين واختالف‪ِّ ،‬‬
‫الضعف‪ ،‬توازيها غلظة أو ّ‬
‫قوة‬ ‫والجلد ما ترعى به وليدها وهو على أكمل صورة من ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وعاطفية تجعل من الذكر أكثر إقداما على الفتك في مو اقف الخطر وأسبق‬ ‫عضلية‬
‫الر ِّ ّد بالعنف من املرأة‪ ،‬و أقدر على البذل العضلي في غالب األحيان واملداومة‬ ‫إلى ّ‬
‫عليه"‪.2‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الذ ّ‬‫ّ‬
‫الجزائرية؛العناصراملغذية لها وتجلياتها‪:‬‬ ‫كورية في الثقافة‬ ‫‪-4‬القيم‬
‫الجزائرية والتي ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الذ ّ‬‫ّ‬ ‫ُت ّ‬
‫تتميز‬ ‫كورية أحد أشكال القيم التي أنتجتها الثقافة‬ ‫عد القيم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بحضور الفت داخل النسق الثقافي العام‪ ،‬بحيث يمكن ُمالمسة تجلياتها وتمظهراتها‬
‫رمزية‪ّ ،‬‬
‫الصادرة‬ ‫السلوكات ّ‬
‫املادية وال ّ‬ ‫والدقـيقة لبعض ّ‬ ‫املعمقة ّ‬
‫ّ‬ ‫مـن خالل القراءة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عن فئات املجتمع الجزائري سواء الوسط الذكوري أو األنثوي‪ ،‬فالقيم الذ ّ‬
‫كورية‬
‫الالوعي املجتمعي ليست وليدة الفترة ّ‬
‫الز ّ‬
‫منية ّ‬ ‫ّ‬
‫الراهنة أو القريبة‬ ‫التي تبدو ماثلة في‬
‫ّ‬
‫منها بل تكاد تكون قيم متوارثة موغلة في القدم‪ ،‬ناشئة عن رواسب لتصورات‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫ثقافية غذتها جملة من األعراف والعادات والتقاليد التي ارتسمت ضمنها‬ ‫وتمثالت‬
‫مزية للفضاءات التي ينبغي أن‬ ‫الر ّ‬
‫وتجسدت عبرها الحدود ّ‬ ‫ّ‬ ‫صورة الكيان األنثوي‪،‬‬
‫ُ‬
‫يشغلها هذا الكيان دون سواها مـن الفضاءات األخرى‪ ،‬من خالل االستناد إلى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الجزائرية‪ ،‬التي ساهمت في تغذية‬ ‫مجموعة من العناصر الثاوية ضمن الثقافة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الذ ّ‬
‫كورية‪ ،‬وتأتي على رأسها األعراف والتقاليد‬ ‫القيم‬

‫ص‪1.90:‬‬ ‫‪-‬بورديو‪ ،‬بيار‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪،‬‬


‫‪-2‬عشرايت‪ ،‬سليمان‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.216:‬‬

‫‪256‬‬
‫دور القيم الذّكوريّة يف حتديد مكانة املرأة يف اجملتمع اجلزائري‬
‫‪-‬مقاربة نظريّة استنادا إىل املدخل الثّقايف‪-‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬


‫الجزائرية‪:‬‬ ‫‪-1-4‬دور األعراف في ترسيخ القيم الذكور ّية في الثقافة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ّ‬
‫األساسية لثقافة‬ ‫املرجعيات‬ ‫لقد ساهمت األعراف باعتبارها تشكل إحدى‬
‫النصوص ّ‬
‫الد ّ‬ ‫ّ‬
‫ينية التي تشير إلى قوامة‬ ‫املجتمع الجزائري‪ ،‬في االلتفاف على بعض‬
‫الرجل‪ ،‬هذه األخيرة التي تقوم على منطق االحترام املتبادل‪ ،‬وهي في حقيقتها "ال تلغي‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وال ُتبعد ّ‬
‫بأي حال من األحوال التعاون البناء والتضامن املشترك بين الطرفين"‪،1‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫الحقيقية للقوامة‪ ،‬ولذا فإن مفهوم‬ ‫وتصورات ُمجافية للمقاصد‬ ‫تم تبني رؤى‬ ‫حيث‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫القوامة قد تم االنحراف به عـن السياق املراد منه‪ ،‬حيـث"اعتراه كثير من التحريف‬
‫تحيزة"‪ ،2‬من خالل تأويل‬ ‫التفسيرات املُ ّ‬‫ّ‬
‫الدنيئة أو‬‫والتبدل‪ ،‬بسبب الجهل أو املصالح ّ‬ ‫ّ‬
‫تلك القوامة بما يخدم هيمنة الرجل على املرأة‪ ،‬وفق ما يندرج ضمن سياق هيمنة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الس ّ‬ ‫الجنس ال ّذكوري‪ُ ،‬منتجا بذلك نمطا من ّ‬
‫لطوية التي تمثل أحد تجليات القيم‬
‫الذ ّ‬ ‫ّ‬
‫كورية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وبهذا الفهم فقد أضحى املجتمع الجزائري "يتعامل مع قيم ُ‬
‫تحيل على الذكورة‬
‫ّ‬
‫املتسفلة‪ ،‬بدل أن تحيل على مخلوقين عدلين يتشاركان على قدم‬ ‫ِّ‬ ‫واألنوثة في معانيها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫من التعاون واملساندة والنهوض بأعباء الحياة"‪ ،3‬على اعتبار أن مفهوم القوامة في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الرجل واملرأة‪ ،‬وال التسلط على‬ ‫التمايز املعنوي بين ّ‬ ‫حقيقته "ال ُي ْع ِّرب عن داللة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األنثى واالنتقاص من قيمتها وحقوقها وكرامتها وال الجور والتعالي‪ ،‬إنما ُيحيل إلى‬
‫الرجل على املرأة في بعض املو اقف ألسباب‬ ‫املعنى الذي ُير ّكز على ترجيح دور ّ‬
‫البيولوجية‪ ،‬أو القوامة‬‫ّ‬ ‫مختلفة‪ ،‬قد يعود بعضها كما هو معروف إلى القوامة‬
‫اإل ّ‬
‫نفاقية"‪.4‬‬

‫حممد‪ ،‬سيكوابتولوجيا الشخصيّة املغاربيّة‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعيّة‪ ،‬اجلزائر‪،2010،‬‬


‫اّلل‪ّ ،‬‬
‫‪-‬بن عبد ّ‬
‫‪1‬‬

‫ص‪.101:‬‬
‫ص‪2.101:‬‬
‫‪-‬املرجع نفسه‪،‬‬
‫‪-3‬عشرايت‪ ،‬سليمان‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.220-219:‬‬
‫‪-‬بن عبد اّلل‪ ،‬حممد‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪4 .101:‬‬
‫ّ ّ‬

‫‪257‬‬
‫نورال ّدين كوسة‬

‫ُ‬ ‫أن كثيرا من ّ‬ ‫ّ‬


‫املبررات والحجج التي ساهمت في إثراء الفهوم املرتبطة بالقيم‬ ‫ويبدو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الجزائرية‪ ،‬تتكئ في معظمها على تلك ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الذ ّ‬‫ّ‬
‫واملعنوية‬ ‫الصفات املادية‬ ‫كورية في الثقافة‬
‫ّ‬
‫اللصيقة بالكيان األنثوي في املخيال املجتمعي‪ ،‬والتي تعتبره كائنا ضعيفا جديرا بأن‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ ّ‬
‫والقوة‪ ،‬وذلك ألن "التراتب االجتماعي‬ ‫كورية املتسمة باالتزان‬ ‫يخضع للوصاية الذ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الذي عرفته البيئة الجزائرية عبر صيرورتها التاريخية قد اتخذ من التمايز بين‬
‫أن ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الدين‬ ‫والعرفية"‪ ،1‬برغم‬ ‫واألخالقية‬ ‫املبدئية‬ ‫الرجل واملرأة أهم ارتكازاته‬
‫اإلسالمي قد حمل توجيـهات صارمة أنصفت املرأة وأعلت من شأنها‪ ،‬بما حفظته لها‬
‫ّ‬
‫من حقوق وما وفرته لها من حماية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الذ ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الجزائرية‪:‬‬ ‫كورية في الثقافة‬ ‫‪-2-4‬تجليات القيم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الذ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كورية بما أفضت إليه من تمثالت وممارسات ترتسم عبرها تجليات‬ ‫إن القيم‬
‫وتتجسد مالمحها بشكل ملموس وأحيانا أخرى بشكل رمـزي داخـل‬ ‫ّ‬ ‫هذه القيم‪،‬‬
‫ّ‬
‫الفضاء االجتـماعي للمجـتمع الجزائري‪ ،‬أضحت بمثابة السلوك االعتباطي الذي ال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفطرية املسلم بها‪ ،‬ففي دراسته‬ ‫يمكن تبريره إال ضمن سياق اعتباره من األمور‬
‫الذ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كورية" والتي كان ميدانها منطقة القبائل بالجزائر‪،‬‬ ‫الشهيرة املعنونة بـ"الهيمنة‬
‫الذ ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كورية‪ ،‬من خالل اندراجها ضمن‬ ‫وقف بورديو على حقيقة تجذر القيم‬
‫ّ‬
‫املمارسات املألوفة والتي تبدو ماثلة في الالوعي املجتمعي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الذ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تراتبية بين الفضاء‬ ‫كورية في املجتمع الجزائري قد أفرزت‬ ‫ولذا فإن القيم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الذكوري والفضاء األنثوي‪ ،‬من حيث إضفاء نوع من التقسيم الالمرئي الذي‬
‫ُ‬
‫املميزات امل ْحت ِّكمة إلى‬
‫كل منهما‪ ،‬من خالل إصباغه بمجموعة من ّ‬ ‫يخت ّ‬
‫ـص بـه ّ‬
‫الشعورية مألوفة‪ ،‬قد‬ ‫ّ‬ ‫العرفية التي تبدو من فرط تداولها ّ‬
‫وكأنها قواعد‬ ‫ّ‬ ‫القواعد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يترتب عن عدم االلتزام بها إخالال بالنظام االجتماعي ومسـاسا بآلـيات سيـره‪" ،‬فكلمة‬
‫الجزائرية إلى وقت قريب بل إلى اآلن كلمة فوق ّـية‪ ،‬وسنجد آثار‬ ‫ّ‬ ‫الرجل في البيئة‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫الذكورة وليس ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تتجسد في أحوال واستجابات قد‬ ‫الرجولة في املجتمع‬ ‫التغليب لروح‬
‫خفية"‪.2‬‬‫تكون دو افعها ّ‬

‫‪-1‬عشرايت‪ ،‬سليمان‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.219-218:‬‬


‫‪-2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.217:‬‬

‫‪258‬‬
‫دور القيم الذّكوريّة يف حتديد مكانة املرأة يف اجملتمع اجلزائري‬
‫‪-‬مقاربة نظريّة استنادا إىل املدخل الثّقايف‪-‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األكاديمية التي اشتغلت على املوروث الشفوي‬ ‫فليس غريبا أن تقف األعمال‬
‫ّ‬
‫للمجتمع الجزائري من أمثال وشعر وحكايات شعبية‪ ،‬من خالل البحث في صورة‬
‫الذ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كورية بعمق في‬ ‫املرأة ضمن هذا املوروث الشفوي‪ ،‬على حقيقة حضور القيم‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ثنايا هذا املوروث الشفوي املشار إليه آنفا‪ ،‬بل يمكن القول أن جزءا ال ُيستهان به‬
‫ّ‬ ‫الذ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كورية في املجتمع الجزائري‪ ،‬إنما‬ ‫من املمارسات التي تعكس تجليات القيم‬
‫ّ‬ ‫والت ّ‬‫ّ‬ ‫تتأسس على تلك ّ‬ ‫ّ‬
‫صورات التي تجد صداها في املوروث الشفوي املجتمعي‬ ‫الرؤى‬
‫محمد سعيدي فـي الفصل‬ ‫السياق يشـير الباحث ّ‬ ‫بمختلف ُط ُبوعه‪ ،‬وضمن هـذا ّ‬
‫ّ‬ ‫الخاص بصورة املرأة‪ ،‬ضمن أطروحته ّ‬
‫للدكتوراه حول املثل الشعبي الجزائري‬
‫والث ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫قافية قليـلة‬ ‫االجتماعية‬ ‫قائال "أن النصوص التي تمدح املرأة وتعترف بقيمتها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫الدالة على الطابع االحتقاري والتدنيس ي للمرأة"‪ ،1‬ويضيف في‬ ‫مقـارنة مع النصوص‬
‫ّ‬ ‫"ولعل ما ُي ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فسر في اعتقادنا هذا الالتوازن‪ ،‬هي‬ ‫هـذا الشأن معـلال سبـب ذلك بقوله‬
‫ّ ّ‬ ‫النزعة ّ‬ ‫ّ‬
‫لطوية للذكور على اإلناث‪.2"...‬‬ ‫الس‬ ‫تلك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وهو نفس االتجاه ّ‬
‫املهتمين بمسألة صورة املرأة عبر‬ ‫السائد لدى الباحثين وكذا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األدب الشعبي الجزائري‪ ،‬من خالل التأكيد على تأثير األدب الشعبي الجزائري في‬
‫الذ ّ‬ ‫ّ‬ ‫دونية املرأة بما ُي ّ‬ ‫لتقبل صورة ّ‬ ‫تهيئة املخيال املجتمعي ّ‬
‫كورية‪ ،‬ولذا‬ ‫كرس القيم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خاصة املجتمع‬ ‫فإن مظهر تفضيل الذكورة من القيم التي سادت معظم املجتمعات‬
‫ّ‬ ‫الجزائري ّ‬
‫التقليدي‪ ،‬هذه القيم التي أفضت دون شك إلى تقسيم األدوار بين الذكور‬
‫رتسم ضمنها الحدود‬ ‫ّ‬
‫واإلناث‪ ،‬كما عملت على تحديد املعالم األساسية التي ت ِّ‬
‫ّ‬ ‫ُ ّ‬
‫املش ِّكلة للفضائين الذكوري واألنثوي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مع وجوب اإلشارة أن الحدود بين الفضاء الذكوري واألنثوي برغم ما تفرضه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كورية من تقسيمات؛ تبقى حدودا غير ّ‬ ‫الذ ّ‬ ‫ّ‬
‫ومتحركة‪ ،‬حيث تضيق وتتسع‬ ‫قارة‬ ‫القيم‬

‫حممد‪( ،‬املثل ال ّشعيب اجلزائري‪ -‬مقاربة بنيويّة‪ ،)-‬أطروحة دكتوراه دولة غري منشورة‪ ،‬إشراف‬ ‫‪1‬‬
‫‪-‬سعيدي‪ّ ،‬‬
‫شايف عكاشة‪ ،‬قسم الثّقافة‬
‫السنة اجلامعيّة ‪ ،2000- 1999‬ص‪.146:‬‬
‫ال ّشعبيّة‪ ،‬جامعة تلمسان‪ ،‬اجلزائر‪ّ ،‬‬
‫‪-‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪2.146:‬‬

‫‪259‬‬
‫نورال ّدين كوسة‬

‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬


‫يحصل بيـن الفضائين‬ ‫بفعل جملة من العوامل واملعطيات املتصلة بالتماس الذي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والصحة وفضاءات العمل املشتركة‪ ،‬وكذا بفعل‬ ‫في املياديـن املختـلفة‪ ،‬كالتعليم‬
‫ى ّ‬
‫مما ّأهلها ألداء‬ ‫ّ‬
‫املسؤولية‪ّ ،‬‬ ‫وتدرجها في مناصب‬ ‫التعليمي للمرأة ّ‬ ‫تحسن املستو‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫الذكوري‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مما جعلها تشكل‬ ‫وظيفية كانت إلى وقت قريب حكرا على الفضاء‬ ‫أدوار‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فاعال اقتصاديا واجتماعيا وشريكا أساسيا ال يمكن االستغناء عنه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫غير أن التماس واالحتكاك الذي يحصل بين الفضائين الذكوري واألنثوي والذي‬
‫ّ ّ‬
‫الذ ّ‬ ‫ّ‬
‫كورية‪ ،‬من حيث املساهمة في إضفاء ليونة على آلياتها‬ ‫قد يؤثر في تراجع املركزية‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حدتها‪ ،‬إال ّأنها تبقي على ذلك‬ ‫وتخفف من ّ‬ ‫كورية‬‫الذ ّ‬ ‫الصارمة التي تؤطر هذه القيم‬ ‫ّ‬
‫ُ ّ‬ ‫الت ّ‬ ‫ّ‬
‫مايز الواضح املعالم بين الفضائين‪ ،‬بفعل صالبة املرجعيات التي تغذي القيم‬
‫ُّ‬ ‫كورية ّ‬ ‫ّ‬
‫مرئية‪ ،‬سرعان ما ُتبث فيـها الحراك وتوقـظها‬‫وتمدها بضوابط وقواعد ال ّ‬ ‫الذ ّ‬
‫الخ ُفوت‪ ،‬والتي قد تعود إلى نوازع ورواسب الواعية كامنة في ّ‬ ‫ُ‬
‫الضمير‬ ‫في لحـظات‬
‫املجتمعي‪.‬‬
‫‪-5‬استعراض ملكانة املرأة في املجتمع الجزائري بين املاض ي والحاضر‪:‬‬
‫ّ‬
‫وتتحدد –سواء في‬ ‫إن مكانة املرأة في املجتمع الجزائري ّإنما ّ‬
‫تحددت في املاض ي‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫الزمن الحاضر أو املستقبل‪ -‬على ضوء تموقعها في املحيط االجتماعي والثقافي‬
‫ّ‬
‫واالقتصادي‪ ،‬وهذا ضمن نطاق املحيط العائلي املصغـر بشكل خاص واملحيط‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫االجتماعي للمجتمع ككل بشكل عام‪ ،‬هذا التموقع الذي يمكن إجماله في التأثيرات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املترتبة عن حضورها ضمن هـذا املحـيط‪ ،‬من حيث النتائج التي يفرزها هذا‬
‫ّ‬
‫فعاليتها‪ ،‬والتي على‬ ‫األهمية واملكانة التي ُيحدثها ومدى‬
‫ّ‬ ‫الحضور وكذا من حيث‬
‫ي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تتحدد مكانتها‪ ،‬وضمن هذا السياق يرى األستاذ محمد حمداو أنه "ال‬ ‫ضوئها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يمكن فهم وضعية املرأة في الحاضر وال توقع وضعيتها في املستقبل دون استقراء‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األسرية‪ ،‬ذلك أن املرأة عنصر‬ ‫الو اقع االجتماعـي العام‪ ،‬ودون استـكشاف البنـية‬
‫تتحدد وضعيتها بمو اقع أفراد‬ ‫ّ‬ ‫مؤسسات املجتمع‪،‬‬ ‫بنيوي ووظيفي في األسرة وفي ّ‬
‫البنية اآلخرين"‪.1‬‬

‫حممد‪( ،‬وضعيّة املرأة والعنف داخل األسرة يف اجملتمع اجلزائري)‪ ،‬جملّة إنسانيّات‪ ،‬املركز الوطين‬ ‫‪1‬‬
‫‪-‬محداوي‪ّ ،‬‬
‫للبحث يف األنثروبولوجيا‬

‫‪260‬‬
‫دور القيم الذّكوريّة يف حتديد مكانة املرأة يف اجملتمع اجلزائري‬
‫‪-‬مقاربة نظريّة استنادا إىل املدخل الثّقايف‪-‬‬

‫ّ‬
‫االستعمارية‪:‬‬ ‫‪-1-5‬مكانة املرأة في املجتمع الجزائري خالل املرحلة‬
‫ّ‬ ‫الذ ّ‬ ‫ّ‬ ‫إن وصاية ّ‬ ‫ّ‬
‫كورية باعتبار أن هذه األخيرة ال‬ ‫الرجل على املرأة التي أفرزتها القيم‬
‫املصيرية لحياتها‪،‬‬‫ّ‬ ‫تتصرف في القضايا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العرفية أن‬ ‫يحق لها وفق جملة من القواعد‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫املتعلقة بما هو خارج الفضاء املنزلي امل َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫التحرك ضمنه‪،‬‬ ‫خول لها‬ ‫أو أن تدير الشؤون‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مثلت أحد ّ‬ ‫ّ‬
‫االستعمارية‪ ،‬ومثلت‬ ‫السماة التي طبعت مكانة املرأة خالل املرحلة‬ ‫قد‬
‫عنوانا بارزا ملوقعها في املحيط االجتماعي للمجتمع الجزائري طيلة فترات زمنيةّ‬
‫الروح التي باينت بين منزلة ّ‬ ‫أن ّ‬‫ّ‬ ‫طويلة‪ّ ،‬‬
‫الرجل واملرأة قد تغلغلت‬ ‫"ومما ال ريب فيه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بصورة ّ‬
‫االجتماعية البناءة"‪ ،1‬وال‬ ‫سلبية وانتهت بتهميش املرأة و إقصائها من مكانتها‬
‫ّ ّ‬
‫االستعمارية لم يكن حكرا‬ ‫ّ‬ ‫شك أن هذا الو اقع الذي ّميز مكانة املرأة خالل املرحلة‬
‫ّ‬
‫املغاربية‪.‬‬ ‫الجزائرية دون غيرها؛ بل يمكن تعميمه على جميع املجتمعات‬ ‫ّ‬ ‫على املرأة‬
‫ّ‬
‫إذ يمكن القول من خالل استقراء الظروف واملالبسات التي أحاطت بمكانة‬
‫ّ‬
‫الرجل وتجريدها من ُسلطة اتخاذ القرار‬ ‫الجزائرية‪ ،‬باندراجها تحت وصاية ّ‬ ‫ّ‬ ‫املرأة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املنزلية باعتبارها املجال الخاص‬ ‫املصيرية‪ ،‬وانشـغالها باألعمال‬ ‫فيما يتعلق بشؤونها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫بها‪ ،‬أن هناك تحالفا غير معلن بين القواعد التي أفرزتها املرجعيات الثقافية فيما‬
‫ّ‬
‫يتعلق بموقع املرأة في املجتمع من جهة‪ ،‬والو اقع االقتصادي واالجتماعي الذي‬
‫زمنية طويلة من تاريخه من جهة‬ ‫عاشه املجتمع الجزائري بجميع فئاته خالل فترات ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ثانية‪ ،‬ويبدو أن "أنماط املعيشة املختلفة في املجتمع التقليدي تعتمد توزيعا لألدوار‬
‫ّ‬ ‫وتقيم فصال صارما بين الجنسين‪ ،‬وفق نظام ّ‬
‫محدد للقيم يشكل عناصر املخيال‬
‫األبوي"‪.2‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األسرية للمجتمع الجزائري‬ ‫حيث فرضت طبيعة االقتصاد وكذا نمط التركيبة‬
‫الريف‪ ،‬إذ لم‬ ‫محوريا في تحديد املعالم الكبرى ملكانة املرأة سواء في املدينة أو ّ‬ ‫ّ‬ ‫دورا‬
‫يتح هذا الو اقع االقتصادي واالجتماعي املجال لخروج املرأة خارج املحيط األسري‬

‫الرابعة‪ ،‬العدد‪ ،2000 ،10‬ص‪.3:‬‬


‫السنة ّ‬
‫االجتماعيّة والثّقافيّة‪ ،‬وهران‪ّ ،‬‬
‫‪-1‬عشرايت‪ ،‬سليمان‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.216:‬‬
‫حممد‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪13:‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪ -‬محداوي‪ّ ،‬‬

‫‪261‬‬
‫نورال ّدين كوسة‬

‫جالية ّ‬‫الر ّ‬ ‫السلطة ّ‬ ‫وبالتالي انفالتها من ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬


‫بأي شكل من األشكال‪ ،‬فإذا كان‬ ‫املكبر‬
‫يفية قد فرض إدراج املرأة كطرف أساس ي‬ ‫الر ّ‬
‫الرعوي في املناطق ّ‬ ‫الزراعي ّ‬ ‫االقتصاد ّ‬
‫ّ‬
‫للمساهمة في ديمومته‪ ،‬من خالل إشراكها في بعض األشغال املرتبطة بهذا النمط‬
‫ّ‬ ‫الجسدية‪ّ ،‬‬‫ّ‬
‫مما جعلها أسيرة للشبكة‬ ‫االقتصادي بما يتو افق وطبيعة املرأة وبنيتها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الر ّ‬ ‫ّ‬
‫االجتماعية ّ‬
‫جالية التي تدير هذا النمط االقتصادي املتوارث‪ ،‬فإنها لم تكن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحضرية‪.‬‬ ‫أحسن حظا في املناطق‬
‫ّ‬
‫فبرغم خفة األعباء التي اضطلعت بها املرأة داخل هذا املحيط –الحضري‪-‬‬
‫ّ‬
‫بانحسار وظائفها داخل املحيط املنزلي فقط‪ ،‬بفعل غياب النمط االقتصادي‬
‫والرعوي عن املحيط الحضري من جهة‪ ،‬وعدم إشراك املرأة في األشغال‬ ‫الزراعي ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫رجالية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫بالدرجة األولى‪ ،‬واملمثلة في‬ ‫املوجودة في املحيط الحضري التي اعتبرت أشغال‬
‫جارية على وجه الخصوص‪ ،‬حيث بقيت املرأة ال ّ‬ ‫ّ‬
‫والت ّ‬ ‫ّ‬
‫تتحرك أال‬ ‫الحرفية‬ ‫األنشطة‬
‫ضمن حيز الفضاء املنزلي‪ ،‬مع تسجيل استفادتها في املحيط الحضري من فرص‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الخروج إلى ّ‬
‫الحمام في مناسبات مختلفة‪ ،1‬حتى أن الجانب الجمالي والتزييني للمرأة‬
‫الصارمة التي يفرضها عالم ّ‬ ‫التوجيهات ّ‬ ‫ّ‬
‫الرجال‪.2‬‬ ‫كان يندرج ضمن‬
‫ّ‬
‫إن مكانة املرأة في املجتمع الجزائري خالل املرحلة املاضية والذي أتينا على‬
‫تقدم‪ ،‬من خالل رسم صورة عن املالمح الكبرى التي‬ ‫تناول بعض تفاصيلها فيما ّ‬
‫حية استنادا إلى‬ ‫تتميز بغياب معطيات دقيقة وأمثلة ّ‬ ‫تحددت ضمنها هذه املكانة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األنثروبولوجية خالل املرحلة‬ ‫الدراسات‬ ‫موضوعية‪ ،‬برغم‬ ‫توثيقية‬ ‫معلومات‬
‫خاصا‪ ،‬ضمن ما ُيعرف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الجزائرية اهتماما‬ ‫االستعمارية قد أعطت ملوضوع املرأة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫افية التي ّ‬
‫باألعمال اإلثنوغر ّ‬
‫تميزت بطابعها الوصفي التجميعي للمعلومات‪ ،‬غير أن‬
‫وضعية املرأة وانتقاد تعامل‬ ‫ّ‬ ‫هذه األعمال لم تخرج في ظاهرها عن سياق شجب‬

‫‪-1‬جمموعة من الباحثات اجلزائرّّيت‪ ،‬املرأة اجلزائريّة‪ ،‬إشراف عبد القادر جغلول‪ ،‬ترمجة سليم قسطون‪ ،‬دار‬
‫احلداثة للنّشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،1983 ،1‬ص‪.237-225 :‬‬
‫‪2-Boyer,‬‬ ‫‪Pierre, la Vie Quotidienne a Alger a la veille de‬‬
‫‪l’intervention française,Hachette, France,‬‬
‫‪1963, p:155-160.‬‬

‫‪262‬‬
‫دور القيم الذّكوريّة يف حتديد مكانة املرأة يف اجملتمع اجلزائري‬
‫‪-‬مقاربة نظريّة استنادا إىل املدخل الثّقايف‪-‬‬

‫ُ‬
‫املجتمع معها والحث على تحسين مكانتها من خالل تحريرها من الوصاية املمارسة‬
‫عليها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتمعنة لألفكار الواردة في ثنايا هذه األبحاث تؤكد ّأنها تستبطن‬
‫ّ‬ ‫غير أن القراءة‬
‫ّ‬
‫الت ُ‬ ‫ُّ‬ ‫أهدافا ّ‬
‫مايز‬ ‫تصب في خانة املشروع الكولونيالي الهادف إلى إثبات‬ ‫خفية‪ ،‬والتي‬
‫ّ‬
‫واالختالف بين مناطق الوطن في التعامل مع املرأة‪ ،‬إذ ّأنها تبني معظم استنتاجاتها‬
‫منهجية مدروسة‪ ،‬حيث نجد‬ ‫ّ‬ ‫ؤسسة على رؤية‬‫سبقة غير ُم ّ‬ ‫انطالقا من أحكام ُم ّ‬
‫ّ‬
‫(دوماس ‪ )Daumas‬ضمن كتابه "عادات وأعراف الجزائر" يسير في هـذا االتجاه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫فحينما ّ‬
‫وضعية املرأة في الجزائر فإنه ُيشيد بهامش الح ّرية التي تحض ى‬‫ّ‬ ‫يتحدث عن‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األمازيغية‪ ،‬في حين ينتقد التضييق املمارس عليها في الجهات‬ ‫بها املرأة ذات األصول‬
‫األخرى من الوطن‪.1‬‬
‫‪-2-5‬مكانة املرأة في املجتمع الجزائري خالل مرحلة االستقالل‪:‬‬
‫طياتها عوامل‬‫السنوات التي أعقبت استقالل الجزائر مباشرة في ّ‬ ‫لقد حملت ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحيوية في‬ ‫التغيير على أكثر من صعيد‪ ،‬وقد نالت املرأة باعتبارها من العناصر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الت ُّ‬
‫واالجتماعية‬ ‫االقتصادية‬ ‫التحوالت‬ ‫غيرات‪ ،2‬إذ أن‬ ‫املجتمع نصيبها من هذه‬
‫ّ‬
‫والث ّ‬
‫قافية التي عرفتها الجزائر في املرحلة التي تلت االستقالل‪ ،‬قد ساهمت في إضفاء‬
‫ّ‬ ‫الذكور ّية؛حيث انعكست على ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والتصورات التي كانت‬ ‫الرؤى‬ ‫مركزية القيم‬ ‫ليونة في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تهيمن على املخيال املجتمعي فيما يتصل بالوضعية واملكانة التي تشغلها املرأة‪،‬‬
‫ّ ّ‬
‫العالئقية للنظام األسري الجزائري‪.‬‬ ‫وبوجه خاص على مستوى البنية‬

‫‪1-Daumas,‬‬ ‫‪Eugène, Mœurs et coutumes de l’algérie, Introduction de‬‬


‫‪Abdelkader Djeghloul, Anep, Alger, 2006,p:132-134.‬‬
‫غريات اليت ميّزت وضعية املرأة اجلزائريّة بعد االستقالل أنظر‪:‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪-‬خبصوص مجلة التّ ّ‬
‫السياسات العموميّة)‪ ،‬جملّة إنسانيّات‪،‬‬
‫‪-‬بن زنني‪ ،‬بلقاسم‪( ،‬املرأة اجلزائريّة والتّغيري‪:‬دراسة حول دور وأداء ّ‬
‫املركز الوطين للبحث يف‬
‫السادسة عشرة‪ ،‬العدد‪ ،2012 ،58-57‬ص‪-16:‬‬ ‫السنة ّ‬‫األنثروبولوجيا االجتماعيّة والثّقافيّة‪ ،‬وهران‪ّ ،‬‬
‫‪38‬‬

‫‪263‬‬
‫نورال ّدين كوسة‬

‫ّ‬
‫املصيرية‬
‫ُ‬
‫الحرية في إبداء مو اقفها تجاه قضاياها‬ ‫وهو ما ُأتاح للمرأة هامشا من ّ‬
‫تعلق بشؤون ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الزواج‪ ،‬وكذا القضايا التي تهم املحيط األسري من خالل‬ ‫خاصة ما‬
‫ّ‬
‫إشراكها كطرف فاعل في التخطيط املرتبط بنمط االستهالك وميزانية األسرة‪ ،‬كما‬
‫الجزائرية تستجيب ملطالب املرأة بمنحها نصيبها من امليراث‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أضحت كثير من األسر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إلى جانب انكماش أدائها لألدوار التقليدية املتمثلة في األشغال ذات الطابع الزراعي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التمدرس دور‬ ‫والرعوي باستثناء بعـض املناطق النائية‪ ،‬وقد كان لتنامي فرص‬
‫ّ‬
‫حاسم في إزالة الحواجز التي كانت سببا في التضييق على املرأة‪ ،‬باندراجها ضمن‬
‫ّ‬ ‫الفضاء املنزلي الذي ت ُ‬
‫حكمه حدود املحيط العائلي املصغر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الجزائرية‪ ،‬على اعتبار أن‬ ‫حيث بدأ تعليم اإلناث يأخذ طريقه لدى العائالت‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫الت ّ‬
‫الجزائرية تمثل في قطاع التعليم"‪ ،1‬وهو ما‬ ‫غيرات التي حصلت بشأن املرأة‬ ‫"أهم‬
‫التحرر من سلطة‬ ‫ّ‬ ‫وهيئ لها سبل‬ ‫أ ّدى بشكل تدريجي إلى زيادة وعي املرأة بو اقعها ّ‬
‫ّ‬ ‫الر ّ‬‫ترسم الحدود ّ‬ ‫والتقاليد‪ ،‬التي ُ‬ ‫ّ‬
‫مزية التي تشكل الفضاء‬ ‫األعراف والعادات‬
‫ّ‬ ‫ترى ّ‬
‫أن الفضاء الداخلي أو املنزلي هو األنسب لها‪ ،‬وقد‬ ‫االفتراض ي للمرأة‪ ،‬والتي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تضافرت هذه العوامل وأدت إلى دخول هذه األخيرة لفضاءات جديدة ظلت لفترة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫رجالية بامتياز‪ ،‬ومنها اقتحامها لعالم الشغل في مختلف‬ ‫طويلة فضاءات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ّ ّ‬
‫القطاعات‪ ،‬مما مكنها من تبوء مناصب ورتب نوعية في مؤسسات ذات طابع‬
‫خدماتي وإنتاجي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كما أسهم دخول املرأة التدريجي للفضاءات املتصلة بعالم الشغل في تحفيزها على‬
‫ّ‬ ‫الن ّ‬ ‫ّ‬
‫مهد لها‬ ‫للنشاط الجمعوي الذي ّ‬ ‫قابية‪ ،‬وكذا ُممارستها‬ ‫دخول معترك الحياة‬
‫الس ّ‬ ‫الطريق لدخولها معترك الحياة ّ‬ ‫ّ‬
‫ياسية في مختلف املستويات‪ ،‬إذ "تعود أولى‬
‫ّ‬
‫املجموعات املدافعة عن حقوق النساء إلى بداية سنة ‪ ،2"1980‬وما لبث اندراج‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حيوية‬ ‫املرأة كعنصر فاعل في النشاط الجمعوي يأخذ املنحى التصاعدي ويشهد‬

‫‪-1‬بن زنني‪ ،‬بلقاسم‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪،‬ص‪.16:‬‬


‫‪-2‬فرميش‪ ،‬مليكة‪( ،‬احلركة اجلمعويّة وتطلّعات املرأة اجلزائريّة)‪ ،‬جملّة إضافات‪ ،‬اجلمعيّة العربيّة لعلم االجتماع‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬العددان‪ ،30-29‬شتاء‪-‬‬
‫ربيع‪ ،2015‬ص‪.188:‬‬

‫‪264‬‬
‫دور القيم الذّكوريّة يف حتديد مكانة املرأة يف اجملتمع اجلزائري‬
‫‪-‬مقاربة نظريّة استنادا إىل املدخل الثّقايف‪-‬‬

‫ّ‬
‫سايرت تنامي املطالب النسوية الهادفة إلى الحصول على جملة من املكاسب ذات‬
‫الس ّ‬
‫ياسية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫واالقتصادية وكذا ّ‬ ‫ّ‬
‫االجتماعية‬ ‫ّ‬
‫بوضعيتهن‬ ‫الصلة‬ ‫ّ‬
‫"هن نساء كان ّ‬
‫لهن دور‬ ‫أن بعض املدافعات عن حقوق املرأة ّ‬ ‫ّ‬
‫والجدير باإلشارة‬
‫ّ ّ‬ ‫سياس ي مهم لم ّيتصل ّ‬
‫بالضرورة بقضايا املرأة فقط‪ ،‬وإنما اتسع ليشمل كل هموم‬
‫ياسية للمرأة بجملة من القرارات‬ ‫ألمة"‪ ،1‬وقد ُت ّوج املسار املرتبط باملكتسبات ّ‬
‫الس ّ‬ ‫ا ّ‬
‫الس ّ‬
‫ياسية‪،‬‬ ‫الرفع من مستوى مشاركة املرأة في الحياة ّ‬ ‫القانونية التي كان غرضها ّ‬ ‫ّ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫لزم برفع نسبة تمثيل املرأة ضمن جميع الهيئات‬ ‫حيث ت ِّوج ذلك بسن قانون م ِّ‬
‫املنتخبة بجعله في حدود‪ 30‬في املائة‪.2‬‬
‫ّ ّ‬
‫غيرات التي ّميزت مكانة املرأة خالل مرحلة االستقالل والمست مختلف‬ ‫الت ّ‬ ‫إن‬
‫ّ‬
‫جوانب حياتها بفعل جملة من العوامل‪ ،‬إذا ما تمت قراءتها من املنظور‬
‫السوسيو ثقافي للمجتـمع‬ ‫الجدلية باملناخ ّ‬
‫ّ‬ ‫األنثروبولوجي ضمن سيـاق العالقة‬
‫اإليجابية؛ بما أفضت إليه من نقلة‬‫ّ‬ ‫الجزائري يمكن إدراجها ضمن خانة املكاسب‬
‫تدريجية وفق منحى زمني تصاعدي في املنظومة‬ ‫ّ‬ ‫تغيرات‬‫نوعية من خالل إحداث ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫الذ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كورية وهيمنتها‪ ،‬وهي‬ ‫مركزية القيم‬ ‫القيمية في تمثالتها ملكانة للمرأة‪ ،‬بحكم‬
‫ّ‬ ‫الت ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قليدية للمجتمع الجزائري‪ ،‬والتي تتكئ على رصيد‬ ‫متجذرة في الثقافة‬‫ِّ‬ ‫مركزية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والت ّ‬ ‫توجه ّ‬ ‫الرواسب التي ّ‬ ‫معتبر من ّ‬
‫املجتمعية‪ ،‬بما تمارسه من تأثير‬ ‫صورات‬ ‫الرؤى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫على املوقع االجتماعي للمرأة‪ ،‬أل ّنها تبقي"النساء منطويات على النظام االجتماعي‬
‫ّ‬
‫التقليدي"‪.3‬‬
‫‪.6‬خاتمة‪:‬‬

‫‪-1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.188:‬‬


‫‪-2‬فيما يتعلّق مبساعي توسيع حظوظ متثيل املرأة يف اجملالس املنتخبة وكيفيّات تطبيقها أنظر‪:‬‬
‫املؤرخ يف ‪ 12‬يناير ‪ ،2012‬العدد ‪،2012 ،01‬‬
‫الرمسيّة للجمهوريّة اجلزائريّة‪ ،‬قانون رقم ‪ّ 03-12‬‬
‫‪-‬اجلريدة ّ‬
‫ص‪.49:‬‬
‫‪-3‬مظهر‪ ،‬سليمان‪ ،‬علم النّفس االجتماعي‪-‬نظريّة املواجهة النّفسيّة االجتماعيّة‪ ،-‬منشورات اثلة‪،‬‬
‫اجلزائر‪ ،2010،‬ص‪.112 :‬‬

‫‪265‬‬
‫نورال ّدين كوسة‬

‫ّ‬
‫في نهاية هذا البحث الذي جاء بعنوان "دور القيم الذكو ّرية في تحديد مكانة املرأة‬
‫في املجتمع الجزائري"‪ ،‬يمكن أن نخلص إلى مجموعة من االستنتاجات والتي نرى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إمكانية إدراجها ضمن النقاط اآلتية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الذ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ّ‬
‫التصورات اللصيقة‬ ‫كورية أحد أهم املرتكزات التي أفرزت تلك‬ ‫شكل القيم‬ ‫‪-‬ت ِّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫باملرأة‪ ،‬وما ترتب عنها من ممارسات مادية ومعنوية ضمن هذا السياق‪ ،‬كما تمثل‬
‫ّ‬
‫والعرفية‬ ‫ّ‬
‫الدينية‬ ‫ّ‬
‫ملرجعياتها‬ ‫كذلك أحد أوجه ثقافة املجتمع الجزائري وثمرة‬
‫اريخية‪ ،‬والتي ّ‬ ‫الت ّ‬ ‫ّ‬
‫تحددت في ضوئها مكانتها في املجتمع الجزائري‪.‬‬ ‫ورواسبها‬
‫السلوكية ذات ال ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪-‬لقد ّأدت القـيم الذ ّ‬
‫صلة‬ ‫كورية إلى إفراز جملة مـن األنماط‬
‫واملعنوية‪ ،‬من خالل االنعكاسات التي أفضت إليها تلك األنماط‬ ‫ّ‬ ‫بالجوانب ّ‬
‫املادية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫السلوكية فيما يتعلق بمكانة املرأة ككيان اجتماعي من حيث صورة هذا الكيان‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫داخل النسق الثقافي املجتمعي‪ ،‬وكذا من حيث تمثالت أفراد املجتمع لها‪.‬‬
‫ّ‬
‫والت ّ‬ ‫ّ‬
‫غيرات قد أخذت تعرف طريقها على مستوى املنظومة‬ ‫التحوالت‬ ‫‪-‬هناك بعض‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الث ّ‬ ‫ّ‬
‫قافية املجتمعية للمجتمع الجزائري‪ ،‬األمر الذي أسهم في بروز هامش من الليونة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كورية التي كانت تحكم ّ‬ ‫الذ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والتصورات؛ وتؤطر العالقات بين‬ ‫الرؤى‬ ‫املركزية‬ ‫في‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫الفضائين الذكوري واألنثوي‪ ،‬وهو ما انعكس على معالم البنية العالئقية للنظام‬
‫ّ‬
‫األسري الجزائري‪ ،‬من خالل إدراج املرأة كشريك أساس ي فيما يتصل بتسيير شؤون‬
‫الحرية في أداء بعض‬ ‫املصيرية‪ ،‬وكذا منحها هامشا من ّ‬ ‫ّ‬ ‫األسرة والبت في القضايا‬
‫األدوار خارج املحيط األسري تضاهي تلك األدوار التي كانت إلى وقت قريب حكرا على‬
‫ّ‬
‫الوسط الذكوري‪.‬‬
‫الذ ّ‬ ‫ّ‬
‫كورية في تحديد مكانة املرأة في‬ ‫‪-‬ليس من اليسير الخوض في موضوع دور القيم‬
‫الصفحات‪ ،‬ألنه يحتاج إلى دراسات ّ‬ ‫ّ‬ ‫املجتمع الجزائري ضمن مجموعة من ّ‬
‫معمقة؛‬
‫ّ‬
‫االجتماعية‪،‬‬ ‫تخصصات العلوم‬ ‫ّ‬ ‫تتضافر فيها جهود مختلف الباحثين في مختلف‬
‫ّ‬
‫بغية رصد أبعاد وتجليات هذه املسألة‪ ،‬وفق وجهات نظر مختلفة ومن زو ايا‬
‫متعددة‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪266‬‬

You might also like