Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 9

‫األوثان‬

‫جميع الحقوق محفوظة‪.‬‬

‫الطبعة السابعة‪2013 ،‬‬

‫© هاشيت أنطوان ش‪.‬م‪.‬ل‪2013 ،.‬‬


‫سن الفيل‪ ،‬حرج تابت‪ ،‬بناية فورِست‬
‫ّ‬
‫ص‪ .‬ب‪ ،11-0656 .‬رياض الصلح‪ 1107 2050 ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‬
‫‏‪info@hachette-antoine.com‬‬
‫‪www.hachette-antoine.com‬‬

‫أي شكل من‬ ‫أي جزء من هذا الكتاب في ّ‬ ‫ال يجوز نسخ أو استعمال ّ‬
‫بأية وسيلة من الوسائل – سواء التصويرية أم اإللكترونية‬
‫األشكال أو ّ‬
‫أم‪ ‬الميكانيكية‪ ،‬بما في ذلك النسخ الفوتوغرافي والتسجيل على‬
‫أشرطة أو‪ ‬سواها وحفظ المعلومات أو استرجاعها – من دون‬
‫الحصول على إذن خطّي مسبق من الناشر‪.‬‬

‫تصميم الغالف‪ :‬معجون‬


‫متابعة النشر‪ :‬نجالء رعيدي شاهين‬
‫طباعة‪ :‬مطابع روحانا الشمالي‬

‫ر‪.‬د‪.‬م‪.‬ك‪978-9953-26-803-3 :.‬‬
‫األوثان‬

‫لــكل زمان أوثانه‪ .‬بعضها قديم تتوارثه األجيال المتعاقبة‪ .‬واآلخر‬


‫ّ‬
‫مستحدث تخ ّلفه الظروف المستحدثة‪ .‬بعضها يتم ّتع بعبادة الناس‬
‫أجمعين‪ .‬وبعضها تنحصر عبادته في طبقة دون غيرها من طبقات‬
‫ت دخانًا‬
‫ومض ْ‬
‫َ‬ ‫ظن أ ّن الوثنية تح ّطمت‬
‫البشــرية‪ .‬فمن َّ‬
‫ّ‬ ‫المجموعة‬
‫ت دخانًا في الفضاء كان‬ ‫ومض ْ‬
‫َ‬ ‫في الفضاء ّأيام تح ّطمت األوثــان‬
‫على ضالل مبين‪.‬‬

‫تتجسد في‬
‫ّ‬ ‫تتجسد ال جسد يفكّ ر‪ .‬وقد‬
‫ّ‬ ‫الوثنية فكر ٌة‬
‫ّ‬ ‫ذلك أل ّن‬
‫تتجســد في كلمة‪ .‬وفي الحا َلين ما للفأس وال للنار‬‫ّ‬ ‫خشبة مثلما‬
‫منها نصيب‪.‬‬

‫فأنتم بتحطيمكم قنديل الكهرباء ال تح ّطمون الكهرباء‪ .‬وأنتم‬


‫كتابا ما ال تحرقون فكر الكاتب الذي أ ّلفه‪.‬‬
‫بحرقكم ً‬

‫‪5‬‬
‫الوثنية؟‬
‫ّ‬ ‫وما هي‬

‫ثــم أن يمضي في عبادته كما‬


‫هي أن يخلق اإلنســان خالقه‪ّ ،‬‬
‫لو كان في الواقع يملك القدرة المطلقة على إســعاده وإشــقائه‬
‫بكل عزيز وثمين‪.‬‬
‫فيسترضيه ّ‬

‫الحــارة‪ ،‬ومنها الفاترة‪ ،‬ومنها الباردة‪،‬‬


‫ّ‬ ‫والعبادة درجات‪ :‬منها‬
‫ومنها ما ليس أكثر من كلمة طائشة تف ّتش عن معنى فال تجده‪.‬‬
‫ٍ‬
‫يقدم العابد لمعبوده‪ ،‬بســخاء ما‬
‫الحــارة فهي أن ّ‬
‫ّ‬ ‫أما العبادة‬
‫ّ‬
‫بعده سخاء‪ ،‬قرابين من فكره وقلبه وجسده كا ّلتي ّ‬
‫يقدمها العاشق‬
‫لمعشوقه‪ ،‬أو كا ّلتي ّ‬
‫تقدمها الوالدة لمولودها‪.‬‬

‫وأما الباردة فهي‬


‫ســخاء بكثير‪ّ .‬‬
‫ً‬ ‫الحارة‬
‫ّ‬ ‫وأما الفاترة فهي دون‬
‫ّ‬
‫وأما ا ّلتي ليست سوى كلمة طائشة تف ّتش عن معنى‬
‫ــح بعينه‪ّ .‬‬‫ال ُّش ّ‬
‫فال تجده فهي عبادة الشفاه دون األفكار والقلوب واألجساد‪.‬‬

‫انتشــارا ما بين‬
‫ً‬ ‫وأخشــى أ ّن هذه األخيرة هي العبادة األكثر‬
‫كل‬
‫األبدي‪ ،‬الكائن في ّ‬
‫ّ‬ ‫األزلي‬
‫ّ‬ ‫يدعون عبادة اإلله األوحد‪،‬‬
‫الذيــن ّ‬
‫الحارة‬
‫ّ‬ ‫أما العبادة‬
‫بكل شيء‪ّ .‬‬ ‫كل شيء والعالم ّ‬ ‫مكان‪ ،‬القادر على ّ‬
‫فقد وقفوها على أوثانهم‪ .‬وما أكثر أوثانهم!‬

‫‪6‬‬
‫أتعجبون لقولي إ ّن عبادة اهلل وعبادة األوثان تمشيان‪ ،‬ح ّتى في‬
‫جنبا إلى جنب‪ ،‬وإ ّن ِظ ّل األولى يكاد يغشى الثانية إلى‬
‫ّأيامنا هذه‪ً ،‬‬
‫ظل ال غير؟‬ ‫حد أن يجعل منها ًّ‬
‫ّ‬

‫لقد كان من العجب حقًّا لــو أ ّن األمر كان على العكس من‬
‫ح َّق لنا القول بأ ّن اإلنسان يوشك أن يتأ ّله با ّتحاده مع‬
‫ذلك‪ .‬إذن َل َ‬
‫طفل بالنسبة إلى اهلل فال تثريب عليه إن‬‫أما واإلنسان ما يزال ً‬ ‫اهلل‪ّ .‬‬
‫هو انصرف إلى عبادة مخاليقه عن عبادة خالقه‪.‬‬

‫أمــا َترون إلى الطفــل كيف يأخذه ال َّز ْهو وتعبث به النشــوة‬
‫صور صــورة على حائط‪ ،‬أو بنى بي ًتا مــن الطين‪ ،‬أو صنع‬ ‫ك ّلمــا ّ‬
‫الصبيانية؟ تلك هي‬
‫ّ‬ ‫ص ّفارة من القصب‪ ،‬أو غير ذلك من األعمال‬
‫يقدم لها القرابين من‬
‫رية بأن ّ‬ ‫وح ّ‬
‫«مخلوقاته»‪ .‬وهي في نظره عجيبة َ‬
‫جانبا من المواهب الكامنة في‬ ‫جسد ً‬ ‫فكره وقلبه وجسده‪ .‬ففيها قد ّ‬
‫كيانه‪ ،‬فكانت له مرآة تعكس بعض ما في نفســه‪ .‬وهو إذ يعبدها‬
‫إنّما يعبد فيها نفسه‪.‬‬

‫قلت إ ّن عبــادة اهلل وعبادة األوثان تمشــيان ً‬


‫جنبا إلى جنب‪.‬‬
‫وهو قول ليس بالمبتكَ ر وال بالجديد‪ .‬وال بدعة فيه وال تجديف‪.‬‬
‫الناصري أبناء جلدته ‪ -‬أحفاد‬
‫ُّ‬ ‫فمنذ ما يقارب األلفي سنة خاطب‬
‫إبرهيم وإسحق ويعقوب ‪ -‬بقوله‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫ربين ‪ ...‬اهلل والمال»‪.‬‬
‫أحد أن يعبد َّ‬
‫«ال يستطيع َ‬

‫فالناصري كان يعلــم أ ّن أبناء اهلل وشــعبه المختار ما عبدوا‬


‫ّ‬
‫الخالق ّإل أشركوا في عبادته أوثانًا خلقوها هم وراحوا يسفحون‬
‫على أقدامها دم القلب ونضــارة العمر‪ .‬ومن تلك األوثان المال‪.‬‬
‫واألهم بين أوثان هذا الزمان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وهو ما يزال األعظم‬

‫فجدير بي‪ ،‬وقد اخترت أن أســوق أمامكم قافلة صغيرة من‬


‫أوثان هذا الزمان‪ ،‬أن أجعل المال في الطليعة‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫المال‬

‫المال حيلة اســتنبطها اإلنسان لتيسير شؤون المعيشة‪ ،‬كما استنبط‬


‫النار واإلبــرة والدوالب وحروف الهجاء والطباعة وســواها من‬
‫ِ‬
‫بعبقرية ال نفاد لخ ّزانها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الح َيل التي تشهد له‬

‫الهمجية أن يقايض‬
‫ّ‬ ‫فقد كان من المســتطاع لرجل ٍ في حالــة‬
‫ثورا‬
‫رجل اليوم ً‬ ‫أما أن يســوق‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫جاره شــا ًة بمئزر من جلد غزال‪ّ .‬‬
‫خوام ليتركــه هناك ويعود بثوب أو أثواب‬ ‫جواخ أو ّ‬ ‫إلــى حانوت ّ‬
‫ّ‬
‫متعــذ ًرا بالتمام كان مرهقًا‬ ‫فأمر إن لم يكن‬
‫مــن الجوخ أو الخام ٌ‬
‫حد‪.‬‬
‫ومستهج ًنا إلى أقصى ّ‬
‫َ‬
‫ً‬
‫ســهل‪،‬‬ ‫ّ‬
‫المتعــذر ممك ًنا‪ ،‬والمرهق‬ ‫وهنا جــاء المال فجعل‬
‫لكل ما يتداوله الناس أثمانًا‪،‬‬
‫مستح ًّبا‪ .‬وذاك بأن أقام ّ‬
‫َ‬ ‫والمستهجن‬
‫َ‬
‫وأقام لألثمان رمو ًزا يسهل حملها ونقلها‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫األيام من قطع من الخشب أو‬ ‫تدرجت على ّ‬ ‫وهذه الرموز قد ّ‬
‫ثم إلى أوراق تقوم مقام‬
‫وذهبية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫وفضية‬
‫ّ‬ ‫نحاســية‬
‫ّ‬ ‫الحديد أو نقود‬
‫النقود‪ ،‬فإلى سندات وحواالت على مصارف تقوم مقام األوراق‪.‬‬
‫ح ّتى أصبح من الممكن لرجل في أقاصي المشــرق أن يبتاع من‬
‫مركبــا أو مراكب فال‬
‫ً‬ ‫رجــل في أقاصي المغرب أشــياء قد تمأل‬
‫يعطي لقاءها غير ُو َريقة تحمل توقيعه واسم مصرف من المصارف‬
‫ورقم الثمن المطلوب دفعه‪.‬‬

‫قل من يجهلها من أبناء اليوم‪ .‬فهم يعرفون أ ّن‬


‫أولية ّ‬
‫هذه أمور ّ‬
‫المال رمز إلى الثروة وليس الثروة‪.‬‬

‫ولكنهــم في الغالب يجهلــون ‪ -‬وبعضهم يتجاهل عن قصد‬


‫حد لسلطانه‬
‫الســر الذي جعل من الرمز وث ًنا ال ّ‬‫ّ‬ ‫وتصميم ‪ -‬ذلك‬
‫ليضحون له بأثمن‬
‫ّ‬ ‫فراح الناس يتهالكون في ســبيله‪ .‬ح ّتى إنّهــم‬
‫ما في حياتهم من صدق وشــرف ووجدان‪ .‬ناهيكم باألعمار التي‬
‫ورا‪.‬‬
‫خ ً‬‫شمعا وب ّ‬
‫ً‬ ‫يحرقونها على مذبحه‬

‫السر؟‬
‫فما هو ذلك ّ‬
‫نحدد الثروة التي جعلنا المال‬
‫بد لنا قبل الجواب مــن أن ّ‬
‫ال َّ‬
‫رم ًزا لها‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫فما هي الثروة؟‬

‫تقدمها لنا الطبيعة بغير‬


‫البشرية التي ّ‬
‫ّ‬ ‫مقومات الحياة‬
‫هي جميع ّ‬
‫انقطاع فال نســتطيع التم ّتع بها ّإل بإنفــاق جهد جليل أو ضئيل‪،‬‬
‫قد يكون من أعصابنــا‪ ،‬وقد يكون من أدمغتنا‪ .‬وهذا الجهد جهد‬
‫مشترك يســتحيل على إنسان واحد‪ ،‬أو جماعة واحدة من الناس‪،‬‬
‫القيام به‪.‬‬

‫اإلنســانية على بكرة أبيها من آدم ح ّتى اليوم‪ ،‬ومن‬


‫ّ‬ ‫إنّه لجهد‬
‫أعلم عالم ح ّتى أجهل جاهل‪ .‬وهو جهد متماسك تماسك الخيوط‬
‫في النسيج‪ ،‬ومتساند تســاند الحجارة في البنيان‪ .‬فال يقوم عمل‪،‬‬
‫مهما يكن نوعه‪ّ ،‬إل بمجموع ما سبقه من األعمال‪.‬‬

‫عرقها‬
‫اإلنســانية بأسرها‪ .‬فهي َ‬
‫ّ‬ ‫إذن كانت الثروة نتيجة لجهد‬
‫الساخن ودمها المحموم‪.‬‬

‫المشردة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫هي أعصابها المكدودة‪ ،‬ودماغها الملتهب‪ ،‬وأحالمها‬
‫وأيامها ولياليها الضاحكة‪-‬الباكية‪.‬‬
‫ّ‬

‫األبدي المســتميت مع األرض لتجعل منها نقطة‬


‫ّ‬ ‫هي نضالها‬
‫الوثوب إلى السماء‪ ،‬بل لتجعلها السماء‪.‬‬

‫‪11‬‬

You might also like