Professional Documents
Culture Documents
srevue,+AR1-AdjaliX+ 6p+.pdf
srevue,+AR1-AdjaliX+ 6p+.pdf
ملخص
لقد لعبت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين دورا مهما في الحفاظ على
الهوية الوطنية للشعب الجزائري ،وعملت كل ما في وسعها على صيانة عناصر
تكوينها من دين ولغة وعادات وتقاليد ،وأبلت في ذلك البالء الجميل .إذ تصدت
للهجمة اإلستعمارية الشرسة ،وكانت لكل مشاريعها الهدامة بالمرصاد ،ووقفت
سندا منيعا في وجه المشروع اإلستعماري الذي كانت تطمع قوى اإلستعمار إلى
تحقيقه على أرض الجزائر العربية المسلمة.
د /كمال عجالي وجندت الجمعية وسائل عديدة منها :المعلم والمدرسة والصحيفة ،والخطيب،
معهـد اآلداب والمحاضر والواعظ ،والشاعر ،وكل من كانت تتوسم فيهم اإلخالص للدين
جامعة باتنـة والوطن حفاظا على كيانه من التالشي والذوبان أمام ضربات القوى اإلستعمارية
الجزائـــر المصممة على ضربه في العمق ولكن هيهات !!
وألهمية الدور الذي قامت به الجمعية ،يقول Les Ulémas, à travers la religion
et la langue, ont façonné le peuple
Algérien en une unité nationale,شارل أندري جوليان (كان العلماء هم الذين أيقظوا
contre une colonisation française qui,الرأي العام األهلي من سباته) (.)1
depuis 1830, l’avait plongé dans
أنشأت الجمعية الصحف والنوادي والمدارس l’ignorance la plus complète.
والمعاهد ،وأرسلت الطالب والتالميذ إلى الخارج، L’Association des ulémas fut
fondée en 1931, un an après le
centenaire colonial, pour mettre à nuوشاركت الجمعية في إرسال البرقيات واإلحتجاج
la colonisation française, du point deلدى الحكام الفرنسيين وطالبت بالحقوق المغصوبة
vueمن هذا الشعب ،وأبلت في ذلك البالء الحسن في économique, social et culturel, et
principalement pour faire face à
l’assimilation et à la naturalisation desأسلوب تظاهرت فيه مبتعدة عن السياسة كما كانت
musulmans Algériens.تفعل األحزاب والجمعيات
السياسية (وكانت هذه طريقة ذكية تمكنت الجمعية بها من الحصول على رخصة العمل
من السلطات الفرنسية ،كما تمكنت من التحرك في إطار قانوني ،ومن ثم تجنبت
المصير الذي لقيته بعض األحزاب السياسية التي جهرت بالعداء لإلستعمار ،فأسرع إلى
حلها وتشتيت شملها) (.)4
جاهدت الجمعية الجهاد الكبير ( )5بما كانت تنشره من مبادئ الدين اإلسالمي والقيم
والحضارة العربية اإلسالمية والوطنية الحقة التي تعيد إلى اإلنسان الجزائري توازنه،
وتعرفه بثوابته ومقوماته ،وذلك حين رأت فشل الدعوات الجوفاء ،واألفكار البراقة
والشعارات الفارغة الخالبة التي ال تتجاوب مع مطامح الشعب وآماله( .وعلى أية حال
فإن هؤالء العلماء جميعا كانوا يمثلون المدرسة الحقيقية للوطنية الجزائرية تتغذى منها
جميع القوى الوطنية األخرى في البالد ،وذلك أن هؤالء العلماء كانوا خالل إقامتهم في
المشرق العربي رصيدا ثقافيا عاليا تشبعوا بروح اإلصالح الناضج ،وباألفكار المعادية
لإل ستعمار وبمبادئ الحركة الداعية إلى الرجوع إلى منابع اإلسالم الصافية التي سار
عليها السلف الصالح فعادوا إلى الوطن ونفوسهم تتقد حماسا إلى التغيير والثورة على
الجمود الفكري وظلم اإلستعمار الذي بذل قصارى جهده لطمس الشخصية الوطنية
ووأد الثقافة العربية وعزل اإلسال م في دوائر ضيقة بعيدا عن روح العصر وتقدم الحياة
البشرية) (.)6
وللحقيقة ،فإن الجمعية لم تقصر عملها على ما سطرته في قانونها األساسي فقط ،بل
خاضت في المسائل السياسية كذلك ( ،)7ألن الظروف المحيطة بها وبالوطن الجزائري
آنذاك قد فرضت ذلك ،وشعورا منها بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقها كجمعية
رائدة تخوض صراعا حضاريا مع استعمار غاشم كان يهدف على تقويض الجزائر
وطنا ومجتمعا ،يقول األستاذ محمد زرمان عن هذه الحركة الحرجة( :تتميز هذه
الحركة بتطور الحركة الوطنية واشتداد الصراع بينها وبين اإلستعمار الفرنسي الذي
كان يهدف إلى مسخ الشخصية الجزائرية وطمس معالمها .ألنها وقفت حجر عثرة في
طريقه طوال سنوات اإلحتالل) (.)1
دخلت الجمعية معترك السياسة بشكل صريح منذ مشاركتها في المؤتمر اإلسالمي
سنة 2316م ،الذي تجمعت فيه معظم القوى الوطنية والسياسية ما عدا حزب نجم شمال
104
مساهمة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في الحفاظ على الهوية الوطنية.
إفريقيا األ مر الذي جعل خصومها من رجال الطرق ينتقدونها اإلنتقاد الالذع ،يقول
الدكتور محمود قاسم( :وقد عاب بعضهم على جمعية العلماء أنها وقعت هي األخرى
في شراك السياسة ،وإن كنا نعتقد أنها دخلته منذ زمن غير قصير .وأيا كان األمر فإن
تدخلها في عام 2316م كان ضروريا ،فقد أصبحت دعوتها مهددة بأكبر األخطار) (.)20
ويقول أحمد مريوش مبررا مشاركة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في المؤتمر
اإلسالمي( :والظاهر أن وجود العلماء في المؤتمر قد استدعته الظروف الظرفية بل
لعله كان لزاما عليهم أن يساهموا بالقدر الكافي في تحقيق التوزان داخل المؤتمر ،ألنهم
يمثلون السواد األعظم من األمة ،ولذلك ال بد عليهم أن يتقدموا هم كذلك بمطالبهم التي
تركزت أساسا على الحفاظ على الذاتية والهوية الجزائرية) (.)22
والدارس ألفكار جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وتطورها يخلص إلى أن
(العلماء قد وقفوا في صالح كيان جزائري ينفصل في النهاية عن فرنسا ،ودعوا على
القومية العربية اإلسالمية ،وعارضوا بشدة تجنيس ودمج الجزائر في فرنسا وكان
شعارهم( :الجزائر بالدنا واإلسالم ديننا والعربية لغتنا) (.)21
لقد أدركت الجمعية الخطر المحدق بالجزائر في ذلك الظرف العصيب ،فرمت بكل
ثقلها ودخلت المؤتمر اإلسالمي عام 2316حتى تكون على بينة مما يجري ،وعن قرب
مما يحدث .يقول :الشيخ محمد خير الدين رحمه هللا عن سبب مشاركة الجمعية في ذلك
المؤتمر (وفي سنة 2316هدد الجزائر خطر شديد في قوميتها ببرنامج "فيوليت"
القاضي باإلدماج التدريجي للشعب الجزائري المغري لبعض النخبة المثقفة بالفرنسية
فاضطر العلماء للمشاركة في المؤتمر اإلسالمي الجزائري بفرض مبادئهم على
المؤتمرين وهي المحافظة التامة على الشخصية الجزائرية ورفض كل مساس بها)
(.)21
وقد تمكنت أفكار جمعية العلماء من التغلغل في النفوس لمالءمتها للعقيدة والتكوين
النفسي والحضاري للشعب الجزائري في سنوات قليلة جدا بالقياس على غيرها من
الجمعيات واألحزاب .يقول شارل روبير أجرون( :وما من شك فإن العلماء في مناخ
المعارضة القوي من أعوام 2311حتى حزيران ،2316قد وطدوا نفوذهم ووجهوا
الرأي العام اإلسالمي لصالحهم) ( ،)24وكأني بالعلماء واثقين تمام الثقة من عدم صدق
فرنسا في مشاريعها واصالحاتها المزعومة للشعب الجزائري ،فجاروا بذكاء األحداث
ولم يقفوا على الهامش أمام مجريات األمور ،ولم يعاكسوا األحزاب حتى ال يتركوا
لمتخرص ثغرة يلج منها إلى انتقادهم ،فشاركوا في المؤتمر (ولم يتخذ العلماء موقفا
معاديا واضحا مراعاة للظروف منتظرين أيام خيبة األمل ليكشفوا عن مشاعرهم
الحقيقية) ( )25إزاء ما كان يدبره اإلستعمار من مخططات تدميرية لكل البنى في
الوطن الجزائري من ( )26دين ولغة وحضارة وتاريخ وعادات وتقاليد وثقافة وغيرها
من مكونات الشخصية الجزائرية ( )27حيث (لم تكتف فرنسا بما تركته من خراب
ودمار من الناحيتين اإلقتصادية والسياسية ،بل سعت إلى تفتيت البنية اإلجتماعية
للشعب الجزائري التي كانت تتميز بالتالحم وشدة الترابط بعد أن جمعها اإلسالم في
105
كمال عجالي
حلقات قوية التماسك ،وكان الهدف من تفكيك وحدة الشعب ،والتفريق بين العرب
والبربر هو إضعاف روح المقاومة لدى افراده وقتل كل المحاوالت للثورة ضده) (.)21
وانتشرت افكار جمعية العلماء بشكل سريع والفت للنظر ،وذلك لما بذلته من جهود
من أجل المحافظة على الشخصية العربية اإلسالمية ،والتمسك بالهوية التي حاربها
اإلستعمار باساليب ه المختلفة بدعوى التحضر والمدنية التي جاء ينشرها في ربوع شمال
افريقيا (( .)23وقد انصبت دعوة رجال الفكر اإلسالمي على النهوض بحيث مست
المجتمع من جوانب كثيرة واعتمدت اساسا على الرجوع إلى منابع الدين اإلسالمي
واقتناء أثر السنة الشريفة والعمل على نشر الثقافة العربية ،والقضاء على الجهل
والخرا فات والبدع التي انتشرت بين رجال معظم (الطرق) الصوفية وساعد على
انتشارها اإلستعمار ،وقد ألحوا على ضرورة توحيد الفكر واإلتجاه بين المواطنين،
والعمل على نشر المدارس والصحف والنوادي والجمعيات األدبية ،وما على ذلك مما
يمكن أن يكون طريقا للرقي المادي والنهضة الفكرية) (.)10
الخـاتمـة
نخلص من هذا المقال إلى أن مساهمة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين كانت
جادة وفعالة في الحفاظ على كيان األمة والدفاع عن مقوماتها ،فقد وظفت ما اسعفها من
إمكانيات في ظرف حضاري صعب ،تكالبت فيه قوى اإلستعمار على الدول
المستعمرة ،ونشط فيه أصحاب المشاريع التغريبية الرامية إلى احتواء أوطان وشعوب
بإكمالها ولكن هللا قيض لهذا الوطن رجاال بذلوا الغالي والنفيس فكانوا بحق سدا منيعا
حفظ للجزائر كيانها .وسلمت لها بفضلهم شخصيتها وهويتها.
الهوامش
.1انظر ،د /تركي رابح ،الشيخ عبد الحميد بن باديس ،فلسفته وجهوده في التربية والتعليم ،الشركة
الوطنية للنشر والتوزيع ،2312ص 66 :وما بعدها .وكذلك:
C. Collot et J.R. Henry, « Le mouvement national Algérien », texte 1912-1954, 2ème
édition, O.P.U., Alger.
.2انظر ،الموافقات ،العدد الرابع ،السنة الرابعة محرم 2426هـ جوان ،2335الشيخ البشير
اإلبراهيمي ،خالصة تاريخ حياتي ،ص.132 :
.3شارل أندري جوليان ،افريقيا الشمالية تسير القوميات اإلسالمية والسيادة الفرنسية ،ترجمة المنجي
سليم وآخرون ،الدار التونسية للنشر ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،الجزائر 2136 ،هـ -
2376م ،ص ،211 :وانظر كذلك د /أحمد خطيب ،جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأثرها
اإلصالحي في الجزائر ،المؤسسة الوطنية للكتاب ،2315ص 271 :وما بعدها.
وكذلك صالح عوض ،معركة اإلسالم والصليبية في الجزائر سنة 2361 – 2110دراسة تحليلية
ج ،دحلب – الجزائر ،ط ،2331 ،1ص 11 – 11 :وكذلك ،يوسف مناصرية ،اإلتجاه الثوري في
الحركة الوطنية الجزائرية بين الحربين العالميتين ،2313 – 2323المؤسسة الوطنية للكتاب،
الجزائر 2311م ص.17 :
106
مساهمة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في الحفاظ على الهوية الوطنية.
.4محمد زرمان ،األسس النظرية لمنهج التغيير عند محمد البشير اإلبراهيمي أطروحة مقدمة لنيل
شهادة دكتوراه الدولة في الفكر اإلسالمي الحديث ،إشراف د /العربي دحو ،معهد الدعوة وأصول
الدين ،جامعة األمير عبد القادر ،قسنطينة ،الجزائر ،السنة الجامعية .2335/34
.5انظر ،عبد الكريم بوصفصاف ،جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ،ودورها في تطور الحركة
الوطنية الجزائرية ،2345 – 2312دار البعث للطباعة والنشر ،قسنطينة ،الجزائر ،ط،2
2402م ،ص 175 :وما بعدها.
.6بوصفصاف عبد الكريم ،جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وعالقتها بالحركات الجزائرية
األخرى ( )2345 – 2312دراسة تاريخية مقارنة .بحث مقدم لنيل درجة الماجستير في التاريخ
المعاصر ،تحت إشراف الدكتور توفيق برو ،جامعة قسنطينة ،معهد العلوم اإلجتماعية ،دائرة
الدراسات التاريخية ،عام ،2311ص.52 :
.7انظر ،عمر بن قينة ،في األدب الجزائري الحديث ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر،2335،
ص.60 :
.8محمد زرمان ،األسس النظرية لمنهج التغيير عند محمد البشير اإلبراهيمي ،ص.1 :
.9انظر ،أحمد مريوش ،الشيخ الطيب العقبي ودوره في الحركة الوطنية الجزائرية ،رسالة ماجستير
في التاريخ الحديث والمعاصر ،إشراف د /أبو القاسم سعد هللا ،جامعة الجزائر ،معهد التاريخ،
بوزريعة ،السنة الجامعية .2331 – 32ص 210 :وما بعدها.
كذلك :محمد العلوي ،مظاهر المقاومة الجزائرية من عام 2110حتى ثورة نوفمبر ،2354دار
البعث ،قسنطينة ،الجزائر ،ط ،2315 2ص 211وما بعدها.
.10د /محمود قاسم ،اإلمام عبد الحميد بن باديس الزعيم الروحي لحرب التحرير الجزائرية ،دار
المعارف ،مصر .سنة ،2316ص .13 :وانظر محمد العيد تاورتة ،نثر الشيخ البشير اإلبراهيمي
في الفترة من 2313إلى ،2313جمع وتوثيق ودراسة بحث مقدم لنيل درجة الماجستير في األدب
العربي الحديث ،بحث تحت إشراف د /محمد شكري عياد ،معهد اآلداب والثقافة العربية ،جامعة
قسنطينة ،العام الدراسي 2400 2311هـ 2374 -م ،ص.566 :
.11أحمد مريوش ،الشيخ الطيب العقبي ودوره في الحركة الوطنية الجزائرية ،ص.236 :
.12وزارة اإلعالم والثقافة ،كيف تحررت الجزائر ،الذكرى الخامسة والعشرين لثورة نوفمبر ،الشركة
الوطنية للنشر والتوزيع ،الجزائر 2373ص.54 :
.13محمد الطاهر فضالء ،أعالم الجزائر ،اإلمام الرائد الشيخ البشير اإلبراهيمي في ذكراه األولى،
نشر وطبع وتوزيع مكتبة ومطبعة البعث ،قسنطينة ،الجزائر2117 ،هـ 2367-م ،ص.17 :
.14شارل روبير آجرون ،تاريخ الجزائر المعاصرة ،عيسى عصفور ،ديوان المطبوعات الجامعية،
الجزائر ،ط ،2311 1ص.241 :
.15شارل أندريه جوليان ،افريقيا الشمالية تسير ،ص.241 :
.16انظر ،جالل العالم ،قادة الغرب يقولون (دمروا اإلسالم أبيدوا أهله) ،دار إبن تيمية ،البليدة،
(د.ت) ،ص.50 – 10 :
.17انظر ،د /عبد العزيز شرف ،المقاومة في األدب الجزائري المعاصر ،دار الجيل ،بيروت ،ط،2
2422هـ 2332 -م ،ص.12 :
.18محمد زرمان ،األسس النظرية لمنهج التغيير عند محمد البشير اإلبراهيمي ،ص.12 :
.19محمد علي دبوز ،نهضة الجزائر الحديثة وثورتها المباركة ،ج ،2المطبعة التعاونية ،دمشق ،ط،2
سنة 2115هـ 2365 -م ،ص 12 :وما بعدها.
.20د /عبد هللا الركيبي ،الشعر الديني الجزائري ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،الجزائر ،ط ،2سنة
2402هـ 2312 -م ،ص.565 :
107