البداية في الرقائق

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 14

‫‪1‬‬

‫جامعة صفوة‬
‫كلية العلوم الشرعية والعربية‬
‫مادة التربية والسلوك‬
‫المحاضرة السابعة والعشرون‬
‫الفرقة الثانية‬
‫من كتاب [البداية في علم الرقائق]‬
‫شرح الشيخ‪ /‬وحيد بن عبد السالم بالي‬
‫🔲🔲🔲🔲🔲🔲‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وأصلي وأسلم على عبد هللا‬
‫ورسوله محم ٍد النبي األمين‪ ،‬وعلى آله وأصحابه أجمعين‪.‬‬
‫ما زلنا في شرح كتاب [البداية في الرقائق]‪.‬‬

‫💠 الباب الثاني‪ :‬التحقق بأركان اإليمان وأثره في القلب 💠‬


‫️❇ الفصل األول‪ :‬اإليمان باهلل وأثره في القلب ❇️‬

‫🔳 الضابط الخامس‪:‬‬
‫[[العبادات القلبية و القولية والبدنية والمالية يتنافس فيها السائرون إلى هللا]]‪.‬‬

‫‪ -‬العبادات القلبية نأخذ منها‪:‬‬


‫️♦ عبادة الذل واالنكسار هلل جل وعال ️‬
‫♦‬

‫‪ -‬عبادة الذل واالنكسار والخشوع هلل تبارك وتعالى عبادةٌ قلبيةٌ‪ ،‬تتعلق‬
‫بالقلب‪ ،‬وينبغي للمسلم أن يجتهد في الوصول إليها‪.‬‬

‫❓ولكن ما هو الخشوع؟‬
‫‪2‬‬

‫‪ -‬نريد أن نعرف الخشوع‪ ،‬وسوف ألخص لكم هذه العبادة من رسال ٍة للحافظ‬
‫ابن رجب الحنبلي رحمه هللا تعالى بعنوان‪[ :‬الذل واالنكسار للعزيز‬
‫الجبار]‪.‬‬

‫❓ ما هو الخشوع؟‬
‫‪ -‬قال عطاء الخراساني‪ :‬الخشوع خشوع القلب والعين‪.‬‬
‫‪ -‬وقال الزهري‪ :‬هو سكون العبد في صالته‪.‬‬
‫‪ -‬وقال الحسن البصري رحمه هللا‪ :‬كان الخشوع في قلوبهم‪ ،‬فغضوا له‬
‫البصر‪ ،‬وخفضوا له الجناح‪.‬‬
‫‪ -‬ورأى أحد العلماء رجاًل يعبث بيده في صالته فقال‪" :‬لو خشع قلب هذا‬
‫لخشعت جوارحه"‪.‬‬

‫❓ ما هو السبب الجالب للخشوع؟‬


‫هو معرفة هللا تعالى وتعظيمه‪ ،‬فمن أراد أن يصل إلى درجة الخاشعين‪ ،‬فعليه‬
‫أن يتعرف على هللا بأسمائه وصفاته ونعمه وآالئه‪ ،‬وأن يعظم هللا تبارك‬
‫وتعالى في كل أوقاته‪ ،‬فإن وصل إلى ذلك سيستقر الخشوع في قلبه بإذن هللا‬
‫تعالى‪.‬‬

‫❓ ما هي أنواع الخشوع؟‬
‫🔶 أنواع الخشوع أربعة‪:‬‬
‫🔸 خشوع الحياء‪.‬‬
‫🔸 خشوع التعظيم‪.‬‬
‫🔸 وخشوع المحبة‪.‬‬
‫🔸 وخشوع الخوف‪.‬‬

‫️◾ األول‪ :‬خشوع الحياء‪:‬‬


‫وهو أن يخشع العبد؛ لقوة مطالعته لقرب هللا تبارك وتعالى منه‪ ،‬واطالعه‬
‫على سره وضميره المقتضي لالستحياء من هللا ومراقبته في الحركات‬
‫والسكنات‪ ،‬اللهم اجعلنا منهم‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫️◾ الثاني‪ :‬خشوع التعظيم‪:‬‬


‫وهو أن يخشع العبد؛ لمطالعته لجالل هللا وعظمته وكبريائه‪ ،‬المقتضي لهيبته‬
‫وإجالله سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫️◾ الثالث‪ :‬خشوع المحبة‪.‬‬


‫وهو أن يخشع العبد لمطالعته لكمال هللا وجماله‪ ،‬المقتضي لالستغراق في‬
‫محبته والشوق إلى لقائه ورؤيته‪.‬‬
‫وهذا الخشوع يزداد بمعرفة نعم هللا عليك‪ ،‬وبشكرك لنعم هللا تبارك وتعالى‬
‫تزداد محبةً له وخشو ًعا بين يديه‪.‬‬

‫️◾ الرابع‪ :‬خشوع الخوف‪.‬‬


‫وهو أن يخشع العبد؛ لمطالعته لشدة بطش هللا وانتقامه وعقابه‪ ،‬المقتضي‬
‫للخوف منه سبحانه وتعالى‪ ،‬وهللا جل وعال جابر القلوب المنكسرة ألجله‪ ،‬فهو‬
‫سبحانه يتقرب من القلوب الخاشعة له كما يتقرب ممن هو قائ ٌم يناجيه في‬
‫الصالة‪ ،‬ويتقرب ممن هو ساج ٌد منكس ٌر هلل‪ ،‬ويتقرب ممن هو واف ٌد وزائ ٌر إلى‬
‫ٌ‬
‫واقف بعرفات‪ ،‬ويباهي بهم المالئكة‪ ،‬كما‬ ‫بيته الحرام‪ ،‬ويتقرب ممن هو‬
‫يتقرب سبحانه وتعالى من الداعين‪ ،‬ويتقرب من المستغفرين‪ ،‬ويتقرب من‬
‫المتذللين المنكسرين هلل جل وعال‪ ،‬وال جبر النكسار العبد أعظم من القرب‬
‫واإلجابة‪ ،‬فاهلل جل وعال يجيب دعاء الداعين‪ ،‬ويعطيهم سؤلهم سبحانه‬
‫وتعالى‪.‬‬

‫🔺 وقد روى اإلمام أحمد رحمه هللا تعالى في كتاب الزهد بإسناده عن عمران‬
‫القصير قال‪" :‬قال موسى بن عمران‪ :‬أي ربي أين أبغيك؟ (أي أين أجدك؟)‪،‬‬
‫يوم با ًعا‪ ،‬ولوال‬
‫قال‪ :‬أبغيني عند المنكسرة قلوبهم من أجلي‪ ،‬إني أدنو منهم كل ٍ‬
‫ذلك النهدموا"‪.‬‬

‫مسلم ما يؤيد أن هللا جل وعال يقترب من القلوب المنكسرة‬


‫ٍ‬ ‫‪ -‬وفي صحيح‬
‫المتأثرة ببالئه‪ ،‬الصابرة على قضائه‪ ،‬الراضية بأمره سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫🔺 فقد روى مسل ٌم عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪" :‬يقول هللا عز وجل يوم القيامة‪ :‬يا ابن آدم مرضت فلم تعدني؟‬
‫قال‪ :‬يا ربي كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال‪ :‬أما علمت أن عبدي فالنًا‬
‫مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟" هللا أكبر‪ ،‬المريض‬
‫الضعيف المنكسر‪ ،‬الالجئ إلى هللا جل وعال هللا قريبٌ ‪.‬‬

‫حسن أن النبي صلى هللا عليه وسلم‬


‫ٍ‬ ‫🔺 بل اسمع إلى ما رواه النسائي بسن ٍد‬
‫قال‪" :‬إنما ينصر هللا هذه األمة بضعيفها بصالتهم وإخالصهم ودعائهم" هللا‬
‫أكبر‪.‬‬

‫🔺 والحديث المشهور "تحاجت الجنة والنار كما ثبت في الصحيح فقالت‬


‫الجنة‪ :‬في ضعفاء الناس ومساكينهم‪ ،‬وقالت النار‪ :‬في الجبارون والمتكبرون‪،‬‬
‫قال هللا للجنة‪ :‬أنت رحمتي أرحم بك من أشاء‪ ،‬وقال للنار أنت عذابي أعذب‬
‫بك من أشاء"‪ .‬اللهم ارحمنا برحمتك‪ ،‬وأدخلنا الجنة برحمتك ال بأعمالنا يا‬
‫رب العالمين‪.‬‬

‫علم يرفع من األرض هو الخشوع‪.‬‬ ‫‪ -‬أول ٍ‬


‫❓ وهل الخشوع علم؟‬
‫نعم‪ ،‬الخشوع هو العلم‪ ،‬والعلم الحق هو الخشوع‪ ،‬والعلم إن لم يصل بالعبد‬
‫بعلم نافع‪ ،‬والذي يحصل العلوم إن لم يخشع قلبه هلل‪،‬‬ ‫إلى درجة الخشوع فليس ٍ‬
‫ويتواضع لعباد هللا فليس بعالم؛ ألن هللا جل وعال يقول‪:‬‬
‫🔺 {ِإنَّ َما يَ ْخ َشى هَّللا َ ِم ْن ِعبَا ِد ِه ْال ُعلَ َما ُء} [فاطر‪.]٢٨ :‬‬
‫‪ -‬أي أن العلماء هم أكثر الناس خشيةً هلل تبارك وتعالى‪ ،‬والخشوع هو ثمرة‬
‫العلم‪ ،‬فالعلم النافع هو ما باشر القلوب فأوجب لها السكينة والخشوع واإلخبات‬
‫هلل‪ ،‬والتواضع واالنكسار له‪ ،‬وإذا لم يباشر القلوب ذلك من العلم إنما كان عل ًما‬
‫على اللسان فقط‪ ،‬فهو حجة هللا على ابن آدم‪ ،‬تقوم على صاحبه وغيره‪.‬‬

‫🔻 كما قال ابن مسعو ٍد رضي هللا عنه‪" :‬إن أقوا ًما يقرؤون القرآن ال يجاوز‬
‫تراقيهم‪ ،‬ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع صاحبه" نعم‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫‪ -‬من الناس من يقرأ القرآن بلسانه‪ ،‬ومنهم من يقرؤه بقلبه‪ ،‬من الناس من يقرأ‬
‫القرآن ويأتي بتجويده وإتقانه؛ ولكنه لم ينفذ إلى سويداء قلبه‪ ،‬ومن الناس‬
‫من يقرأ القرآن آيةً آيةً فتنفذ إلى قلبه فيخشع‪ ،‬وإلى عينه فتدمع‪ ،‬وإلى‬
‫جوارحه فتخشع‪ ،‬وإلى أعماله فتنضبط بضوابط القرآن‪ ،‬وتنكسر ألوامر هللا‬
‫جل وعال‪ ،‬اللهم اجعلنا جميعًا منهم يا رب‪.‬‬

‫‪ -‬وقال الحسن البصري رحمه هللا‪" :‬العلم علمان‪ :‬عل ٌم باللسان‪ ،‬وعل ٌم بالقلب‪،‬‬
‫فعلم القلب هو العلم النافع‪ ،‬وعلم اللسان هو حجة هللا على ابن آدم"‪.‬‬

‫‪ -‬واعلم أن العالم هو العامل‪ ،‬وأن العالم الذي ال يعمل ليس بعالم؛ بل سماه هللا‬
‫جل وعال ال يعلم‪.‬‬
‫🔺 اسمع إلى قول هللا تبارك وتعالى‪َ{ :‬أ َّم ْن هُ َو قَانِ ٌ‬
‫ت آنَا َء اللَّي ِْل َس ِ‬
‫اج ًدا َوقَاِئ ًما‬
‫ون َوالَّ ِذ َ‬
‫ين اَل‬ ‫يَحْ َذ ُر اآْل ِخ َرةَ َويَرْ جُو َرحْ َمةَ َربِّ ِه ۗ قُلْ هَلْ يَ ْستَ ِوي الَّ ِذ َ‬
‫ين يَ ْعلَ ُم َ‬
‫ون} [الزمر‪.]٩ :‬‬ ‫يَ ْعلَ ُم َ‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬الذين يقنتون آناء الليل سج ًدا وقيا ًما هلل‪ ،‬يخافون اآلخرة ويرجون‬
‫رحمة هللا‪ ،‬أولئك هم العلماء‪ ،‬والذين ال يركعون وال يسجدون‪ ،‬ويفرطون‬
‫في جنب هللا جل وعال‪ ،‬مهما أوتوا من العلم فليسوا بعلماء‪.‬‬

‫‪ -‬ولقد وصف هللا جل وعال العلماء من أهل الكتاب من قبلنا بالخشوع‪.‬‬


‫ين ُأوتُوا ْال ِع ْل َم ِمن قَ ْبلِ ِه ِإ َذا يُ ْتلَى َعلَ ْي ِه ْم يَ ِخرُّ َ‬
‫ون‬ ‫🔺 كما قال تعالى‪ِ{ :‬إ َّن الَّ ِذ َ‬
‫ان َو ْع ُد َربِّنَا لَ َم ْف ُعواًل (‪)١٠٨‬‬
‫ان َربِّنَا ِإن َك َ‬ ‫ان ُس َّج ًدا (‪َ )١٠٧‬ويَقُولُ َ‬
‫ون ُس ْب َح َ‬ ‫ِلَأْل ْذقَ ِ‬
‫ون َويَ ِزي ُدهُ ْم ُخ ُشو ًعا} [اإلسراء‪.]١٠٩-١٠٧ :‬‬ ‫ون لَِأْل ْذقَ ِ‬
‫ان يَ ْب ُك َ‬ ‫َويَ ِخرُّ َ‬
‫‪ -‬فقوله سبحانه وتعالى في وصف هؤالء الذين أوتوا العلم‪َ { :‬ويَ ِخرُّ َ‬
‫ون‬
‫ون َويَ ِزي ُدهُ ْم ُخ ُشو ًعا} مد ٌح لمن أوجب له سماع كتاب هللا‬ ‫ِلَأْل ْذقَ ِ‬
‫ان يَ ْب ُك َ‬
‫الخشوع في قلبه‪.‬‬

‫‪ -‬لكن اسمع إلى أولئك الذين ال يؤثر القرآن في قلوبهم‪ ،‬ماذا قال هللا عنهم؟‬
‫‪6‬‬

‫ين (‪ )٢٢‬هَّللا ُ نَ َّز َل‬ ‫ضاَل ٍل ُّمبِ ٍ‬ ‫ك فِي َ‬ ‫اسيَ ِة قُلُوبُهُم ِّمن ِذ ْك ِر هَّللا ِ ۚ ُأو ٰلَِئ َ‬
‫🔺 {فَ َو ْي ٌل لِّ ْلقَ ِ‬
‫ث ِكتَابًا ُّمتَ َشابِهًا َّمثَانِ َي تَ ْق َش ِعرُّ ِم ْنهُ ُجلُو ُد الَّ ِذ َ‬
‫ين يَ ْخ َش ْو َن َربَّهُ ْم ثُ َّم‬ ‫َأحْ َس َن ْال َح ِدي ِ‬
‫ين ُجلُو ُدهُ ْم َوقُلُوبُهُ ْم ِإلَى ِذ ْك ِر هَّللا ِ} [الزمر‪.]٢٣-٢٢ :‬‬ ‫تَلِ ُ‬
‫‪ -‬ولين القلوب هو زوال قسوتها؛ لحدوث الخشوع فيها والرقة‪.‬‬

‫‪ -‬وقد عتب هللا جل وعال على المؤمنين الذين لم تخشع قلوبهم لذكر هللا‪.‬‬
‫🔺 اسمع عتاب هللا عز وجل لك يا من ال يخشع قلبك عند سماع كالمه قال‬
‫ق َواَل‬‫ين آ َمنُوا َأن تَ ْخ َش َع قُلُوبُهُ ْم لِ ِذ ْك ِر هَّللا ِ َو َما نَ َز َل ِم َن ْال َح ِّ‬‫تعالى‪َ{ :‬ألَ ْم يَْأ ِن لِلَّ ِذ َ‬
‫ت قُلُوبُهُ ْم ۖ َو َكثِي ٌر‬‫اب ِمن قَ ْب ُل فَطَا َل َعلَ ْي ِه ُم اَأْل َم ُد فَقَ َس ْ‬ ‫ين ُأوتُوا ْال ِكتَ َ‬ ‫يَ ُكونُوا َكالَّ ِذ َ‬
‫ون} [الحديد‪.]١٦ :‬‬ ‫اسقُ َ‬ ‫ِّم ْنهُ ْم فَ ِ‬
‫🔺 روى مسل ٌم عن ابن مسعو ٍد رضي هللا عنه قال‪" :‬ما كان بين إسالمنا وبين‬
‫أن عوتبنا بهذه اآلية إال أربع سنين‪ ،‬فلما نزلت جعل المؤمنون يعاتب بعضهم‬
‫بعضًا"‪.‬‬

‫❓ فهل عاتبك أح ٌد يو ًما على أنك لم يخشع قلبك عند سماع كالم هللا؟ وهل‬
‫عاتبت أح ًدا يو ًما على أنه لم يخشع قلبه عند سماع كالم هللا؟‬

‫‪ -‬واعلم أن هذا القرآن عظيم لمن تدبره‪ ،‬ولمن تفكر فيه‪ ،‬يتصدع منه القلب‪.‬‬
‫❓ وكيف ال تتصدع منه القلوب المؤمنة الموقنة والجبال تتصدع منه؟‬
‫ص ِّد ًعا ِّم ْن‬ ‫آن َعلَى َجبَ ٍل لَّ َرَأ ْيتَهُ َخ ِ‬
‫اشعًا ُّمتَ َ‬ ‫🔺 قال تعالى‪{ :‬لَ ْو َأن َز ْلنَا هَ َذا ْالقُرْ َ‬
‫اس لَ َعلَّهُ ْم يَتَفَ َّكرُون} [الحشر‪.]٢١ :‬‬ ‫ك اَأْل ْمثَا ُل نَضْ ِربُهَا لِلنَّ ِ‬‫َخ ْشيَ ِة هَّللا ِ َوتِ ْل َ‬
‫اللهم ارزقنا الخشوع يا رب‪.‬‬

‫‪ -‬قال أبو عمران الجوني‪" :‬وهللا لقد صرف إلينا ربنا في هذا القرآن ما لو‬
‫صرفه إلى الجبال لحتها لحناها"‪.‬‬
‫‪ -‬قال مالك بن دينار‪" :‬أقسم لكم ال يؤمن عب ٌد بهذا القرآن إال صدع قلبه"‪.‬‬
‫‪ -‬قال الحسن البصري‪" :‬يا ابن آدم إذا وسوس لك الشيطان بخطيئ ٍة‪ ،‬أو‬
‫حدثتك نفسك بها‪ ،‬فاذكر عند ذلك ما حملك هللا من كتابه مما لو حملته‬
‫الجبال الرواسي لخشعت وتصدعت‪ ،‬أما سمعته يقول‪{ :‬لَ ْو َأن َز ْلنَا هَ َذا‬
‫‪7‬‬

‫ك اَأْل ْمثَا ُل‬


‫ص ِّد ًعا ِّم ْن َخ ْشيَ ِة هَّللا ِ ۚ َوتِ ْل َ‬ ‫آن َعلَى َجبَ ٍل لَّ َرَأ ْيتَهُ َخ ِ‬
‫اشعًا ُّمتَ َ‬ ‫ْالقُرْ َ‬
‫ُون}"‪.‬‬ ‫اس لَ َعلَّهُ ْم يَتَفَ َّكر َ‬
‫نَضْ ِربُهَا لِلنَّ ِ‬

‫‪ -‬فإنما ضرب لك األمثال لتتفكر فيها‪ ،‬وتعتبر بها‪ ،‬وتزدجر عن معاصي هللا‬
‫عز وجل‪ .‬وأنت يا ابن آدم أحق أن تخشع لذكر هللا‪ ،‬وما حملك من كتابه‪،‬‬
‫وآتاك من حكمه؛ ألن عليك الحساب‪ ،‬ولك الجنة أو النار‪ ،‬اللهم نجنا من‬
‫النار‪.‬‬
‫🔺 وقد كان النبي صلى هللا عليه وسلم يستعيذ باهلل من قلب ال يخشع كما ثبت‬
‫مسلم أن النبي صلى هللا عليه وسلم كان يقول‪" :‬اللهم إني أعوذ بك‬
‫ٍ‬ ‫في صحيح‬
‫س ال تشبع‪ ،‬ومن دعو ٍة ال‬‫ب ال يخشع‪ ،‬ومن نف ٍ‬
‫علم ال ينفع‪ ،‬ومن قل ٍ‬
‫من ٍ‬
‫يستجاب لها"‪.‬‬

‫🔻 وروي عن كعب األحبار أنه قال‪" :‬مكتوبٌ في اإلنجيل يا عيسى قلبٌ ال‬
‫يخشع عمله ال ينفع‪ ،‬وصوته ال يسمع‪ ،‬ودعاؤه ال يرفع" نعوذ باهلل من ذلك‪.‬‬

‫‪ -‬قال أسد بن موسى في كتاب الورع حدثنا مبارك بن فضالة قال‪" :‬كان‬
‫الحسن رحمه هللا يقول‪ :‬إن المؤمنين لما جاءتهم هذه الدعوة من هللا ص ّدقوا‬
‫بها‪ ،‬وأفضى يقينها إلى قلوبهم‪ ،‬وخشعت لذلك قلوبهم وأبدانهم وأبصارهم‪،‬‬
‫وكنت وهللا إذا رأيتهم رأيت قو ًما كأنهم رأي العين‪ ،‬فوهللا ما كانوا بأهل‬
‫جدل وال باطل‪ ،‬وال اطمأنوا إال إلى كتاب هللا‪ ،‬وال أظهروا ما ليس في‬ ‫ٍ‬
‫قلوبهم؛ ولكن جاءهم عن هللا أم ٌر فص ّدقوا به فوصفهم هللا تعالى في القرآن‬
‫وصف‬
‫ٍ‬ ‫أحسن‬
‫ون َعلَى اَأْلرْ ِ‬
‫ض هَ ْونًا} [الفرقان‪.]٦٣ :‬‬ ‫🔺 فقال‪َ { :‬و ِعبَا ُد الرَّحْ َم ِن الَّ ِذ َ‬
‫ين يَ ْم ُش َ‬
‫🔻 قال الحسن‪ :‬الهون في كالم العرب اللين والسكينة والوقار‪.‬‬

‫ون قَالُوا َساَل ًما} [الفرقان‪.]٦٣ :‬‬ ‫طبَهُ ُم ْال َجا ِهلُ َ‬ ‫‪ -‬قال‪َ { :‬وِإ َذا َخا َ‬
‫🔻 قال الحسن‪" :‬حلماء ال يجهلون‪ ،‬وإذا جُهل عليهم حلموا‪ ،‬يصاحبون عباد‬
‫هللا نهارهم بما يسمعون‪ ،‬ثم ُذكر ليلهم خير ليل‬
‫🔺 فقال‪َ { :‬والَّ ِذ َ‬
‫ين يَبِيتُ َ‬
‫ون ِل َربِّ ِه ْم ُس َّج ًدا َوقِيَا ًما} [الفرقان‪.]٦٤ :‬‬
‫‪8‬‬

‫🔻 قال الحسن‪ :‬ينتصبون هلل على أقدامهم‪ ،‬ويفترشون هلل وجوههم‪ ،‬تجري‬
‫دموعهم على خدودهم فرقًا من ربهم (أي خوفًا من ربهم)‪.‬‬
‫ألمر ما سهروا له ليلهم‪َ ،‬وَأِلم ٍْر ما خشعوا له‬
‫ٍ‬ ‫🔻 قال الحسن رحمه هللا‪:‬‬
‫نهارهم‪.‬‬

‫اب َجهَنَّ َم ۖ ِإ َّن َع َذابَهَا َك َ‬


‫ان‬ ‫ف َعنَّا َع َذ َ‬
‫ون َربَّنَا اصْ ِر ْ‬ ‫🔺 ثم قال‪َ { :‬والَّ ِذ َ‬
‫ين يَقُولُ َ‬
‫َغ َرا ًما} [الفرقان‪.]٦٥ :‬‬
‫🔻 قال الحسن‪ :‬وكل شي ٍء يصيب ابن آدم ثم يزول عنه فليس بغرام؛ إنما‬
‫الغرام المالزم له ما دامت السماوات واألرض‪ .‬قال‪ :‬صدق القوم وهللا الذي ال‬
‫يعط‬
‫إله إال هو‪ ،‬فعملوا ولم يتمنوا‪ ،‬فإياكم رحمكم هللا وهذه األماني‪ ،‬فإن هللا لم ِ‬
‫عب ًدا بأمنيته خي ًرا قط في الدنيا واآلخرة‪ .‬وكان يقول‪" :‬يا لها من موعظ ٍة لو‬
‫وافقت من القلوب حياةً لوعتها"‪.‬‬

‫‪ -‬وقد شرع هللا تبارك وتعالى لعباده َأ ْن َوا ًعا من العبادات‪ ،‬ما يظهر فيه خشوع‬
‫األبدان الناشئة عن خشوع القلب وذله وانكساره‪.‬‬

‫‪ -‬ومن أعظم ما يظهر فيه خشوع األبدان هلل تبارك وتعالى من العبادات‪:‬‬
‫️❇ الصالة‪:‬‬
‫ين هُ ْم فِي‬ ‫🔺 وقد مدح هللا الخاشعين فيها بقوله‪{ :‬قَ ْد َأ ْفلَ َح ْال ُمْؤ ِمنُ َ‬
‫ون (‪َّ )١‬ال ِذ َ‬
‫ُون} [المؤمنون‪.]٢-١ :‬‬‫اشع َ‬ ‫صاَل تِ ِه ْم َخ ِ‬
‫َ‬

‫ُون}‪.‬‬ ‫صاَل تِ ِه ْم َخ ِ‬
‫اشع َ‬ ‫جبير رحمه هللا‪{ :‬الَّ ِذ َ‬
‫ين هُ ْم فِي َ‬ ‫ٍ‬ ‫🔻 قال سعيد بن‬
‫‪ -‬يعني متواضعين ال يعرفون من عن اليمين وال من عن الشمال‪ ،‬وال يلتفتون‬
‫من الخشوع هلل جل وعال‪.‬‬

‫🔻 قال مجاه ٌد رحمه هللا‪َ { :‬وقُو ُموا هَّلِل ِ قَانِتِ َ‬


‫ين} [البقرة‪.]٢٣٨ :‬‬
‫‪ -‬قال القنوت‪ :‬الركون‪ ،‬والخشوع‪ ،‬وغض البصر‪ ،‬وخفض الجناح من رهبة‬
‫هللا جل وعال‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫‪ -‬قال‪" :‬وكان العلماء إذا قام أحدهم في الصالة هاب الرحمن أن يشذ نظره‪،‬‬
‫أو يلتفت‪ ،‬أو يقلب الحصى‪ ،‬أو يعبث بشي ٍء‪ ،‬أو يحدث نفسه بشي ٍء من‬
‫أمور الدنيا إال ناسيًا ما دام في صالته"‪.‬‬

‫🔻 وقال مجاه ٌد رحمه هللا‪ِ { :‬سي َماهُ ْم فِي ُوجُو ِه ِه ْم ِم ْن َأثَ ِر ال ُّسجُو ِد} [الفتح‪:‬‬
‫‪.]٢٩‬‬
‫‪ -‬قال الخشوع في الصالة‪.‬‬

‫‪ -‬ومما يظهر فيه الخشوع والذل واالنكسار من أفعال الصالة‪ ،‬وضع اليدين‬
‫إحداهما على األخرى في حال القيام‪ .‬فقد سئل اإلمام أحمد رحمه هللا عن‬
‫المراد بذلك فقال‪ :‬هو ذ ٌل بين يدي عزيز‪ .‬هللا أكبر‪.‬‬

‫‪ -‬ومن الخشوع في الصالة الركوع‪ ،‬وهو ذ ٌّل بظاهر الجسد؛ ولهذا كانت‬
‫العرب تأنف منه وال تفعله؛ حتى بايع بعضهم النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫على أال يركع؛ وإنما يسجد فقط‪ ،‬بايعه على أال يخر إال قائ ًما يعني أن يسجد‬
‫من غير ركوع‪.‬‬
‫ُون} [المرسالت‪.]٤٨ :‬‬ ‫🔺 قال هللا جل وعال‪َ { :‬وِإ َذا قِي َل لَهُ ُم ارْ َكعُوا اَل يَرْ َكع َ‬
‫‪ -‬يعني يستكبرون ويأنفون من الركوع؛ لكن العبد المؤمن يركع هلل خاضعًا‬
‫خاشعًا‪ ،‬فيذل قلبه وتخشع نفسه‪ ،‬فإذا ركع بجسده ينبغي أن يخضع قلبه لكي‬
‫يخضع بظاهره وباطنه هلل رب العالمين‪.‬‬

‫🔺 ولذلك كان النبي صلى هللا عليه وسلم يقول في ركوعه‪" :‬خشع لك سمعي‬
‫وبصري‪ ،‬ومخي وعظمي‪ ،‬وما استقل به قدمي"‪.‬‬

‫‪ -‬ومن الخشوع في الصالة السجود‪ ،‬فهو أعظم ما يظهر فيه ذل العبد لربه‬
‫تبارك وتعالى‪ ،‬حيث جعل العبد أشرف ماله من األعضاء‪ ،‬وأعزها عليه‬
‫مكان هلل جل وعال‪ ،‬فيضع وجهه على التراب‪ ،‬ويتبع‬‫ٍ‬ ‫وأعالها في أوضع‬
‫ذلك انكسار القلب وتواضعه وخشوعه هلل جل وعال؛ ولذلك كان جزاء‬
‫المؤمن إذا فعل ذلك أن يقربه هللا عز وجل منه‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫🔺 فقال النبي صلى هللا عليه وسلم‪" :‬أقرب ما يكون العبد من ربه وهو‬
‫ساجد"‪.‬‬
‫🔺 كما قال تعالى‪َ { :‬وا ْس ُج ْد َوا ْقتَ ِربْ } [العلق‪.]١٩ :‬‬

‫‪ -‬ومن تمام خشوع العبد هلل وتواضعه له في ركوعه وسجوده أنه إذا ذل لربه‬
‫بالركوع والسجود‪ ،‬وصف ربه حينئ ٍذ بصفات العز والكبرياء والعظمة‬
‫والعلو‪ ،‬فكأنه يقول‪ :‬الذل والتواضع وصفي‪ ،‬والعلو والعظمة والكبرياء‬
‫وصفك يا هللا؛ فلهذا ُش ِرع للعبد في ركوعه أن يقول‪( :‬سبحان ربي العظيم)‪،‬‬
‫وفي سجوده أن يقول‪( :‬سبحان ربي األعلى)‪.‬‬
‫🔺 وكان النبي صلى هللا عليه وسلم أحيانًا يقول في سجوده‪" :‬سبحان ذي‬
‫الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة" كما ثبت في مسند أحمد بسن ٍد حسن‪.‬‬

‫‪ -‬والخشوع يتجلى في الصالة في الركوع‪ ،‬وفي السجود‪ ،‬وفي القيام‪.‬‬


‫‪ -‬ومر عصام بن يوسف رحمه هللا تعالى بحاتم األصم وهو يتكلم في مجلسه‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا حاتم أتحسن تصلي؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬كيف تصلي؟‬
‫قال حاتم‪ :‬أقوم باألمر‪ ،‬وأمشي بالخشية‪ ،‬وأدخل بالنية‪ ،‬وأكبر بالعظمة‪،‬‬
‫وأقرأ بالترتيل والتفكر‪ ،‬وأركع بالخشوع‪ ،‬وأسجد بالتواضع‪ ،‬وأجلس للتشهد‬
‫بالتمام‪ ،‬وأسلم بالسبيل والسنة‪ ،‬وأسلمها باإلخالص إلى هللا عز وجل‪،‬‬
‫وأرجع على نفسي بالخوف أخاف أال يقبل مني‪ ،‬وأحفظه بالجهد حتى‬
‫أموت‪.‬‬
‫قال‪ :‬تكلم فأنت تحسن تصلي"‪.‬‬

‫‪ -‬ومعنى قول حاتم‪( :‬أقوم باألمر)‪ :‬أي حي على الصالة؛ يقوم بأمر هللا عز‬
‫وجل منف ًذا ألمر هللا وأقيموا الصالة‪.‬‬
‫‪ -‬وأمشي بالخشية‪ :‬أي أمشي إلى المسجد خائفًا؛ ألنني ذاهبٌ للوقوف بين‬
‫يدي الملك‪.‬‬
‫‪ -‬وأدخل بالنية‪ :‬أي أدخل الصالة باإلخالص فيها‪ ،‬وبنية الذل واالنكسار‬
‫والتعظيم هلل جل وعال‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫وأكبر بالعظمة‪ :‬أي أكبر معظ ًما هلل‪ ،‬هللا أكبر‪ :‬أي هللا أعظم‪ ،‬أعظم من كل‬ ‫‪-‬‬
‫شيء‪.‬‬
‫وأقرأ بالترتيل والتفكر‪ :‬أي أتفكر في كل ما أقرأ بالقرآن‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وأركع بالخشوع‪ :‬أي أركع خاشعًا هلل‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وأسجد بالتواضع‪ :‬أي أسجد متواضعًا هلل‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وأجلس للتشهد بالتمام‪ :‬أي أجلس ألقول التحيات هلل‪ ،‬فأتمها وأتم بها‬ ‫‪-‬‬
‫صالتي‪.‬‬
‫وأسلم بالسبيل والسنة‪ :‬يسلم عن اليمين وعن اليسار كما يسلم النبي صلى‬ ‫‪-‬‬
‫هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫وُأسلمها باإلخالص هلل جل وعال‪ :‬أي أسلم صالتي هلل جل وعال مخلصًا‬ ‫‪-‬‬
‫فيها‪.‬‬
‫وأرجع على نفسي بالخوف أخاف أال يقبل مني‪ :‬أي ال يغتر بالصالة؛ وإنما‬ ‫‪-‬‬
‫يخشى أال يقبلها هللا منه‪.‬‬
‫وأحفظه بالجهد إلى الموت‪ :‬أي أحفظ عملي من الغرور إلى أن أموت‪ ،‬أي‬ ‫‪-‬‬
‫أظل متواضعًا طيلة حياتي‪ ،‬متذلاًل منكس ًرا هلل طيلة حياتي حتى الموت‪ ،‬ال‬
‫بعمل من أعمالي‪.‬‬‫ٍ‬ ‫أغتر‬
‫فقال له‪ :‬تكلم‪ ،‬أي عظ الناس فأنت تحسن تصلي‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬ومن أنواع العبادات التي يظهر فيها الخشوع هلل جل وعال‪:‬‬


‫️❇ الدعاء‪:‬‬
‫ضرُّ ًعا َو ُخ ْفيَةً} [األعراف‪.]٥٥ :‬‬ ‫🔺 قال تعالى‪{ :‬ا ْد ُعوا َربَّ ُك ْم تَ َ‬
‫ون فِي ْال َخ ْي َرا ِ‬
‫ت َويَ ْد ُعونَنَا َر َغبًا َو َرهَبًا ۖ‬ ‫🔺 وقال سبحانه‪ِ{ :‬إنَّهُ ْم َكانُوا يُ َس ِ‬
‫ار ُع َ‬
‫ين} [األنبياء‪.]٩٠ :‬‬ ‫َو َكانُوا لَنَا َخ ِ‬
‫اش ِع َ‬

‫‪ -‬ومما يظهر الذل في الدعاء رفع اليدين؛ ألن اإلنسان إذا رفع يديه كأنما‬
‫غني يطلب منه‬‫يطلب شيًئا من هللا جل وعال‪ ،‬كالمسكين الذي يمد يده إلى ٍّ‬
‫حاجةً‪ ،‬وقد كان بعض الخائفين يجلس بالليل ساكنًا مطرقًا برأسه‪ ،‬ويمد يديه‬
‫كحال السائل‪ ،‬وهذا من أبلغ صفات الذل واالنكسار والمسكنة واالفتقار هلل‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫‪ -‬ومن ذلك افتقار القلب في الدعاء‪ ،‬وانكساره هلل جل وعال واستشعاره شدة‬
‫الفاقة إليه‪ ،‬والحاجة لديه‪ ،‬وعلى قدر هذه الحرقة والفاقة والحاجة تكون‬
‫إجابة الدعاء‪.‬‬
‫🔺 فعند الترمذي وحسنه األلباني أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪" :‬إن هللا ال‬
‫غافل ال ٍه"‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ب‬
‫يستجيب دعا ًء من قل ٍ‬

‫‪ -‬ومن ذلك إظهار الذل باللسان في السؤال نفسه‪ ،‬واإللحاح على هللا جل وعال‬
‫كأنك تطلب وتطلب وتطلب وتلح وتتذلل وتنكسر‪.‬‬
‫🔻 قال األوزاعي‪" :‬كان يقال‪ :‬أفضل الدعاء اإللحاح على هللا والتضرع إليه"‪.‬‬
‫ضعف أن النبي صلى هللا عليه وسلم كان يدعو ويقول‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حديث فيه‬ ‫🔺 وهناك‬
‫"اللهم إنك ترى مكاني‪ ،‬وتسمع كالمي‪ ،‬وال يخفى عليك شي ٌء من أمري‪ ،‬أنا‬
‫البائس الفقير‪ ،‬المستغيث المستجير‪ ،‬الوجل المشفق‪ ،‬المقر المعترف بذنبه‪،‬‬
‫أسألك مسألة المسكين‪ ،‬وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل‪ ،‬وأدعوك دعاء‬
‫الخائف الضرير‪ ،‬دعاء من خضعت لك رقبته‪ ،‬وذل لك جسده‪ ،‬ورغم لك أنفه‪،‬‬
‫وفاضت لك عيناه‪ ،‬اللهم ال تجعلني بدعائك رب شقيًا‪ ،‬وكن بي بارًا رؤوفًا‬
‫رحي ًما‪ ،‬يا خير المسؤولين‪ ،‬ويا خير المعطين"‪.‬‬
‫‪ -‬هذا الدعاء ورد بسن ٍد ضعيف؛ لكن يجوز لإلنسان أن يدعو به؛ ألنه دعا ٌء‬
‫ع هلل جل وعال‪ ،‬وليست فيه مخالفةٌ شرعيةٌ فيما أعلم‪.‬‬‫ع وخضو ٌ‬ ‫فيه خشو ٌ‬

‫🔻 وقال طاووسٌ رحمه هللا‪" :‬أنه دخل على علي بن الحسين رحمه هللا ذات‬
‫ليل ٍة الحجرة وهو يصلي‪ ،‬فسمعته يقول في سجوده‪ :‬عبدك بفنائك‪ ،‬مسكينك‬
‫بفنائك‪ ،‬فقيرك بفنائك‪ ،‬سائلك بفنائك‪.‬‬
‫ب إال فرج عني"‪.‬‬
‫‪ -‬قال طاووس‪ :‬فحفظتهن فما دعوت بهن في كر ٍ‬

‫‪ -‬والمسكين‪ :‬هو من كان قلبه مستكنًا هلل‪ ،‬خاضعًا له‪ ،‬خاشعًا له وكان ظاهره‬
‫كذلك؛ ولذلك يقال‪ :‬إن الفقر فقر النفس‪ ،‬والغنى غنى القلب‪.‬‬
‫ب‪ ،‬وجماعةٌ من األئمة‪" :‬إن‬ ‫🔻 ولهذا قال اإلمام أحمد‪ ،‬وابن عيينة‪ ،‬وابن وه ٍ‬
‫الفقر الذي استعاذ منه النبي صلى هللا عليه وسلم هو فقر النفس‪ ،‬فمن استكان‬
‫ٌ‬
‫مسكين وإن كان غنيًا من المال؛ ألن استكانة‬ ‫قلبه هلل عز وجل وخشع له‪ ،‬فهو‬
‫‪13‬‬

‫القلب ال تنفك عن استكانة الجوارح‪ ،‬ومن خشع ظاهره واستكان‪ ،‬وقلبه ليس‬
‫بخاشع وال مستكين‪ ،‬فهو جبار"‪.‬‬
‫ٍ‬

‫🔻 وقال الحسن البصري رحمه هللا‪" :‬إن قو ًما جعلوا التواضع في لباسهم‪،‬‬
‫والكبر في قلوبهم"‪.‬‬

‫🔺 وقد صح أن النبي صلى هللا عليه وسلم أنكر أن يكون لباس الرجل الحسن‬
‫والنعل الحسن كبرًا‪ ،‬فلما سئل النبي صلى هللا عليه وسلم إن الرجل يحب أن‬
‫يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنًا‪ ،‬هل هذا من الكبر؟ قال النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪" :‬إن هللا جمي ٌل يحب الجمال‪ ،‬الكبر بطر الحق‪ ،‬وغمط الناس"‪.‬‬
‫‪ -‬وهذا تصري ٌح بأن حسن الثياب ليس بكبر؛ الكبر إنما هو في القلب‪ ،‬وهو‬
‫عدم االنقياد للحق تكب ًرا عليه‪ ،‬وغمط الناس هو احتقارهم وازدراؤهم‪ ،‬فمن‬
‫كان في نفسه عظي ًما بحيث يحقر الناس الستعظام نفسه‪ ،‬ويأنف من االنقياد‬
‫للحق تكب ًر ا عليه فهو المتكبر‪ ،‬وإن كان ثوبه ليس بحسن‪ ،‬ونعله ليس‬
‫بحسن‪ ،‬ومن ترك اللباس الحسن؛ تواضعًا هلل؛ وخشيةً له أن يقع في قلبه‬
‫شي ٌء من الكبر‪ ،‬فال بأس به فقد أحسن؛ ولكن قد يكون الرجل حسن الثياب‬
‫متواضع القلب‪ ،‬وقد يكون الرجل رث الثياب متكبر القلب‪ ،‬نعوذ باهلل من‬
‫الكبر‪.‬‬

‫🌀 أيها األحباب الكرام أنهينا العبادات القلبية عبادة الخشوع‪ ،‬وبها نكتفي إن‬
‫نوع عبادةً واحدة‪ ،‬أخذنا اليوم من العبادات القلبية‬
‫شاء هللا تعالى‪ ،‬فنأخذ من كل ٍ‬
‫عبادة الخشوع‪.‬‬

‫▪️ نرجو التكرم باإلجابة على هذه األسئلة‪:‬‬

‫🔹 السؤال األول‪:‬‬
‫ما هو الخشوع؟‬

‫🔹 السؤال الثاني‪:‬‬
‫‪14‬‬

‫كيف تصل إلى الخشوع؟‬

‫🔹 السؤال الثالث‪:‬‬
‫كيف تصلي كما يصلي حاتم األصم رحمه هللا؟‬

‫أسأل هللا جل وعال أن يرزقنا وإياكم الصدق واإلخالص في القول والعمل‪،‬‬


‫سبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬أشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬أستغفرك وأتوب إليك‪ ،‬إلى‬
‫اللقاء‪ ،‬والسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪.‬‬

You might also like