Professional Documents
Culture Documents
أثر التربية على القيم
أثر التربية على القيم
آثار التربية على القيم في المدرسة المغربية على مستوى الممارسة االجتماعية
إن أهم مؤشر لقياس أثر التربية على القيم في المدرسة المغربية ،هو السلوك االجتماعي الذي يتمثله التلميذ
المغربي ،وينعكس على تصرفاته .هذا الصدى الراجع من المجتمع ،يوضح م%%دى النجاع%%ة ال%%ذي وص%%لت إلي%%ه
المنظومة القيمية داخل الممارسة الصفية ،كم%%ا ي%%بين حجم نجاحه%%ا أو إخفاقه%%ا في التربي%%ة على القيم .وفي ه%%ذا
المقال سأعمد إلى رصد أهم التحوالت ال%%تي عرفته%%ا الممارس%%ة القيمي%%ة على مس%%توى األس%%رة من جه%%ة ،وعلى
مستوى المحيط من جهة أخرى ،ألضع بذلك أص%%بعي على تقييم أولي يمكن أن ي ُْشَ %فع الحق%%ا بدراس%%ات ميداني%%ة
تعطي لهذه المالحظات صبغة الحكم العلمي.
أوال :التلميذ المغربي وأثر التربية على القيم في ممارسته األسرية.
المتأمل لحال األس%%رة المغربي%%ة إذا حكم بفش%%ل المنظوم%%ة القيمي%%ة المدرس%%ية في الت%%أثير إيجاب%%ا على التلمي%%ذ
المغربي فإنه لم يجانب الصواب ،ألن الش%واهد على انه%زام الممارس%ة الص%يفية أم%ام تح%دي الت%أثير القيمي في
التلميذ المغربي داخل أسرته كثيرة ،بحيث يمكن رصد تحوالت خطيرة على مستوى عالقة األبناء باآلب%%اء ه%%ذه
أهم سماتها:
الندي&&ة في التعام&&ل وردود األفع&&ال :لم يع%%د التلمي%%ذ المغ%%ربي يستش%%عر في عالقت%%ه بالوال%%دين داخ%%ل أ-
األسرة أي نوع من التفاضل والتمايز بين%%ه وبينهم%%ا ،فقيم%%ة خفض الجن%%اح واللين في التعام%%ل والش%%عور
بالدونية والص%%غار أمامهم%%ا لم تع%%د مقبول%%ة في فهم وتص%%ور ابن ه%%ذا الجي%%ل .ه%%ذا ال%%تراجع الخط%%ير في
األسرة المغربية -واإلشارة هنا لألسرة المغربية ارتباط%ا بح%دود ه%ذا المق%ال -على مس%توى ه%ذه القيم%ة
التي هي من القيم الدينية المحضة ،يجعلنا نتساءل :أين دور المدرسة منها؟ قد أزعم وأقول إن المدرس%%ة
أسهمت بشكل كبير في ه%%ذا ال%%تراجع ،فحض%%ور األس%%رة في المن%%اهج الدراس%%ية ض%%عيف ج%%دا إن لم نق%%ل
منع%%دم في بعض الم%%واد الدراس%%ية .ول%%و أخ%%ذنا نموذج%%ا من منه%%اج التربي%%ة اإلس%%المية فإنن%%ا نج%%د ه%%ذا
الموضوع ال يأخذ إال حيزا ضيقا ال يتجاوز بضع إشارات في المستوى الدراس%%ي الواح%%د ،م%%ع العلم أن
هذه القيمة ال يوجد أفضل من هذه المادة لغرسها في المتعلم وجعله يتحلى به%%ا في واقع%%ه المعيش .ثم إن
تابع التمثالت القيمية للتلميذ من داخل أسرته .أض%%ف المدرسة ال تملك القدرة مطلقا على اقتحام األسر ل ُت ِ
إلى هذا تمليك المتعلم تمثالت سلبية تنعكس في الواقع على عالقته بوالدي%%ه ،وأقص%%د هن%%ا عالق%%ة التلمي%%ذ
بأستاذه .فإذا أصبح هذا األخير ندا له في الممارسة المدرسية ،فسيستصحب ذلك إلى بيته مع والديه.
االستقاللية غير المنضبطة :أصبح التلميذ المغربي ال يعير أي اهتمام لق%%رارات والدي%%ه -في الغ%%الب ب-
األعم ،-بل أصبح يراها ضربا من ضروب التخلف والرج%%وع إلى الماض%%ي .وه%%ذه انتكاس%%ة أخ%%رى في
قيمة من أهم القيم األسرية التي فشلت المدرسة المغربية في الحفاظ عليها وتثمينها .ومن أب%%رز العوام%%ل
التي أسهمت في هذا الفش%ل دائم%ا ه%و التمث%ل الخ%%اطئ ال%%ذي يأخ%%ذه المتعلم من المدرس%%ة ،إذ المقارب%%ات
البيداغوجية التي تجعل من المتعلم محور العملية التعلمية ،إذا لم يمارسها المدرس وفق ض%%وابطها ،ولم
تكن له الملكة التربوية التي تنآى به عن الخطإ في التربية غير المباشرة ،قد يستشعر -أي التلمي%%ذ -ع%%دم
أهمية وجود الكبير صاحب الخبرة في حياته الشخصية ،فيصبح متم%%ردا على ك%%ل م%%ا يأتي%%ه ممن يفوق%%ه
سنا وتجربة بما في ذلك اآلباء.
ضمور هيبة الوالدين وتالشي السلطة المعنوي&&ة لهما :من أخط%%ر م%%ا أص%%اب مج%%ال القيم ،ع%%دم ت-
القدرة على الحفاظ على هيبة الوالدين في األسرة ،وعدم قدرتهما على فرض س%لطتهما المعنوي%ة ،وه%ذا
أضعف تأثيرهما بشكل كبير على شخصية اإلبن .والمدرسة المغربية تقف عاجزة أم%%ام ه%%ذا االنح%%راف
السلوكي ،فال قدرة لها على تصويب مثل هذه االنحرافات الس%%قيمة ،وال حيل%%ة بي%%دها لتحاف%%ظ على أك%%ثر
القيم ضبطا للتغيرات %الفزيولوجية والسيكولوجية واإلبستمولوجية لإلنسان من والدته إلى رشده .ب%%ل إن
المعضلة الخطيرة تكمن في ضمور هيبة المدرس%%ة بح%%د ذاته%%ا ،وتالش%%ي س%%لطتها ،فكي%%ف ستس%%تطيع أن
تمرر هذه القيمة لتصل إلى األسرة؟
الحقيقة هي أن التربي%%ة على القيم في الممارس%%ة الص%%فية تع%%اني من خل%%ل ف%%ادح يحت%%اج إلى مراجع%%ة
جذري%%ة لتك%%ون المدرس%%ة المغربي%%ة ق%%ادرة على الت%%اثير في الوس%%ط األس%%ري بش%%كل خ%%اص ،والوس%%ط
االجتماعي بشكل عام.
ثانيا :التلميذ المغربي وأثر التربية على القيم في ممارسته في محيطه.
إن م%%ا استعرض%%ناه من فش%%ل الت%%أثير القيمي على ممارس%%ة التلمي%%ذ األس%%رية ،ينض%%اف إلي%%ه فش%%ل آخ%%ر على
مستوى الممارسة االجتماعية .فالناظر لحال مجتمعاتنا لن يجد أدنى صعوبة في رصد هذا الفشل ال%%ذريع ال%%ذي
سأركزه في المؤشرات التالية:
العزل&&ة االجتماعي&&ة وتفك&&ك العالق&&ات :من الواض %ح %ج%%دا أن أبن%%اء الي%%وم ال يعيش%%ون العالق%%ات أ-
االجتماعية كم%%ا يل%%زم ،إذ تباع%%دت المس%%افات بين الكب%%ير والص%%غير ،ولم يع%%د أي ت%%أثير للكب%%ير على
الصغير ،بل المالحظ أن قيمة توقير الكبير وإظهار االحترام له لم تع%%د من الممارس%%ات االجتماعي%%ة
إال نادرا .أضف إلى هذا بروز وسائل التواصل %االفتراضية التي جعلت الناشئ يجد لذته ومتعت%ه في
خلق فضاءات ال يوجد لفارق الزمن في األعمار فيها أي اعتب%%ار ،وربم%%ا ال يوج%%د أي ه%%اجس نح%%و
تحمل تبعات التصرف الصادر تجاه الغ%ير ك%ان كب%%يرا أو ك%%ان قرين%%ا أو ك%ان ص%غيرا %.وه%ذا يق%%وي
رغبته في االنعزال والتقوقع على ه%%ذا الع%%الم األق%%رب إلى مدين%%ة أفالط%%ون الوهمي%%ة .أم%%ام ك%%ل ه%%ذه
التحوالت تجد تأثير المدرسة غير حاضر البتة ،بل الكارثة تكمن في تفشي هذا الخل%%ل القيمي داخ%%ل
المدرسة بحد ذاتها.
التأثر بالممارس&ات الدخيل&ة :أص%%بحنا نعيش حال%%ة من االض%%طراب في المنظوم%%ة القيمي%%ة على ب-
مستوى السلوك العام للناشئ ،حيث جرفته الممارسات الدخيلة عن هوي%ة المجتم%%ع وثقافت%%ه وأعراف%%ه
ومن ذلك المظاهر التالية:
-التحول الجذري في المظهر الخارجي من حيث اللباس ومن حيث معايير الزينة والتجمل ،كقصات
الش%%عر الغريب%%ة ال%%تي هي أق%%رب إلى التش%%به بالحيوان%%ات ،وارت%%داء الس%%راويل الممزق%%ة وغيره%%ا من
األذواق التي ال تمت بصلة لمنظومتنا القيمية.
-التطب%%ع م%%ع الس%%لوكات األخالقي%%ة ال%%تي تع%%د من المحرم%%ات في ش%%ريعتنا الس%%محاء ،كالعالق%%ة بين
الجنسين مثال إذ أصبحت مفتوحة على مصراعيها بدعوى التحضر والتقدم.
-التساهل في الوقوع في أعراض الناس واالعتداء على حقوقهم المادي%%ة والمعنوي%%ة ،وتفش%%ي ظ%%اهرة
العنف االجتماعي.
انسداد األفق وضعف الثقة في المحيط :لع%%ل من أب%%رز تجلي%%ات الفش%%ل في ت%%أثير التربي%%ة على ت-
القيم في المدرسة المغربية عجزها في الوص%%ول %إلى فتح آف%%اق النظ%%ر إلى المس%%تقبل بإيجابي%%ة ،حيث
نجد اإلحباط وضيق األفق سائدا لدى معظم الناشئة ،مم%%ا يول%%د ل%%ديهم ثقاف%%ة انع%%دام الثق%%ة في ك%%ل م%%ا
يحيط بهم.
خاتمة:
ال ينك%ر أح%د أن المدرس%ة المغربي%%ة تب%ذل جه%دا على مس%توى التربي%ة على القيم ،والش%%ك في وج%ود إرادة
لتحقيق المأمول من هذه الجهود ،لكن الحقيقة التي يعكسها الواقع هي أن التأثير على ممارسات التلميذ السلوكية
في أسرته ومحيطه ال يرقى إلى المطلوب بسبب االختالالت المرصودة %كما بينت في متن هذا المقال .والسؤال
ال%%ذي يط%%رح هاهن%%ا ه%%و :أين الخل%%ل؟ لم%%اذا ال ت%%ؤثر التربي%%ة على القيم في المدرس%%ة المغربي%%ة على س%%لوكات
وممارسات الناشئ؟ إن أكبر فجوة تعرفها المنظومة القيمية المغربية هي تع%دد المرجعي%ات والخلفي%ات الفكري%ة
والتصورية لدى المتدخلين في العملية التربوية من داخل أسوار المدرسة .قد يق%%ول قائ%%ل :إن الوث%%ائق الرس%%مية
توحد المرجعيات والتصورات %،فأقول :الوثائق شيء ،والممارس%%ة ش%%يء .ال من%%اص في األخ%%ير من االع%%تراف
بعمق الخلل في مجال التربية على القيم ،وال مناص من استشعار األهمية القصوى لتدارك ما يجب تداركه.