Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 17

‫وزارة التعليم العالي و البحث العلمي‬

‫جامعة باتنة ‪1‬‬


‫معهد العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬
‫قسم العلوم االجتماعية‬

‫مقياس ‪ :‬النظريات السوسيولوجية الحديثة‬ ‫السنة ‪ :‬ثانية علم اجتماع‬

‫الفوج ‪ :‬السادس‬

‫التفاعلية الرمزية‬

‫‪ -‬تحت إشراف األستاذ‬ ‫‪ -‬من إعداد الطالبة‪:‬‬


‫‪ ‬عطية نسرين‬

‫السنة الجامعية ‪2021 - 2020‬‬


‫خطة البحث‬
‫مقدمة‬
‫المبحث األول ‪ :‬ماهية التفاعلية الرمزية‬
‫المطلب األول ‪ :‬مفهوم التفاعلية الرمزية‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬وحدات تحليل التفاعلية الرمزية‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬الجذور الفكرية للتفاعلية الرمزية‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬اعالم التفاعلية الرمزية و تقييمها‬
‫المطلب األول ‪ :‬اعالم التفاعلية الرمزية‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬تقييم التفاعلية الرمزية‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬نقد التفاعلية الرمزية‬
‫الخاتمة‬
‫ملخص ‪+‬مخطط‬
‫المراجع‬
‫مقدمة‬
‫يُعنَى علم االجتماع بدراسة األفراد‪ ،‬والجماعات والمؤسسات التي تشكل المجتمع‬
‫البشري‪ ،‬ويشمل مجال الدراسة في علم االجتماع ميدانا واسعًا يضم كل جانب من جوانب‬
‫الظروف االجتماعية‪ .‬فعلماء االجتماع يقومون بمالحظة‪ ،‬وتسجيل طريقة اتصال األفراد‬
‫بعضهم ببعض‪،‬‬
‫وبالبيئة التي يعيشون فيها‪ ،‬وهم يدرسون أيضا تكون الجماعات واألسباب الكامنة وراء‬
‫األشكال المختلفة للسلوك االجتماعي‪ ،‬كما تعالج معظم الدراسات في علم االجتماع‬
‫االتجاهات السائدة‪ ،‬والسلوك وأنماط العالقات داخل المجتمع‪ ،‬هذا األخير هو مجموعة من‬
‫الناس يشتركون في خلفية ثقافية واحدة‪ ،‬ويعيشون في منطقة جغرافية محددة‪ ،‬ولكل مجتمع‬
‫بناء اجتماعي‪ ،‬أي شبكة من العالقات المتبادلة بين األفراد‪ ،‬والجماعات‪ ،‬ويدرس علماء‬
‫االجتماع هذه العالقات من أجل تجديد تأثيرها على الوظيفة الكلية للمجتمع‪.‬‬
‫ومن أجل هذه الدراسات يصوغ علماء االجتماع نظريات تبنى على المالحظة للجوانب‬
‫المختلفة في المجتمع بهدف الحصول على معرفة حول طبيعة التجمعات البشرية وما نفرزه‬
‫من أفكار ومعايير‪ ،‬وقيم وتنظيمات لكي يتفهم ويُفهم لماذا وكيف ومتى وماذا يحصل داخل‬
‫هذه التجمعات‪.‬‬
‫وقد تنوعت النظريات السوسيولوجية المعاصرة خالل النصف األخير من القرن‬
‫العشرين‪ ،‬لتترك لنا تراثا علميًّا متميّزا يسهم في توجيه الدراسات والبحوث االجتماعية عامةً‪.‬‬
‫والسوسيولوجية خاصة‪.‬‬
‫وكنظرية من النظريات السوسيولوجية المعاصرة التي تندرج تحت النزعات السلوكية‬
‫االجتماعية‪ ،‬التفاعلية الرمزية والتي تمت ّد بذورها التاريخية إلى أواخر القرن التاسع عشر‪،‬‬
‫وأوائل القرن العشرين‪ ،‬والتفاعلية ال ّرمزية كنظرية سوسيولوجية معاصرة تجمع بين‬
‫تحليالت العديد من التّخصصات السوسيو‪-‬سيكولوجية والثقافية المعاصرة في علم االجتماع‪،‬‬
‫كما اهتمت بالتركيز على قضايا ومشكالت معق ّدة تتمثّل في دراسة ال ّسلوك والتفاعل‬
‫والمواقف االجتماعية والجماعات الصغرى والفرد‪ ،‬والمواقف واالنفعاالت وغير ذلك من‬
‫مشكالت متع ّددة‪.‬‬
‫وسعيًا لمعرفة أكثر وضوحا لهذه النظرية يمكننا طرح إشكالية حول‪:‬‬
‫✓العوامل والظروف التي أ ّدت إلى ظهور التفاعلية الرمزية ومن هم أبرز علمائها؟‬
‫✓ وما هي أهم القضايا التي تم معالجتها في إطار هذه النظرية؟‬
‫✓وأخيرا ما هو التقييم الذي حضيت به التفاعلية الرمزية؟‬
‫المبحث األول ‪ :‬ماهية التفاعلية الرمزية‬
‫المطلب األول ‪ :‬مفهوم التفاعلية الرمزية‬
‫إن مصطلح التفاعل الرمزي فيه شقّين فاعلين هما‪:‬‬
‫أ ‪ -‬عملية التفاعل والتي هي الفعل االجتماعي التي هي النظام ال رمزي‪ ،‬واألصل اللغوي‬
‫لكلمة نظام يقال‪:‬‬
‫نظم الشيء‪ :‬ينظمه ونَظمهُ‪ ،‬نظاما ونَظما أي ألفه و َجم َعهُ في سلك واحد فانتظم وتنَظم‪.‬‬
‫وفي الداللة االجتماعية يُرا ُد به مجموعة المبادئ والتشريعات واألعراف‪ ،‬وكل األمور‬
‫التي تنتَظم بها حياة األفراد والمجتمعات والدول‪.‬‬
‫والنظام الرمزي قيمته تتجلى في تحقيق تواصل إنساني ويعتبر "ليفي شتراوس "الثقافة‬
‫مجموعة من المنظومات ال ّرمزية التي تحتل المرتبة األولى فيها‪ :‬اللغة‪ ،‬الفن‪ ،‬الدين‬
‫والعلم‪.(1‬‬
‫ويقابل عملية التفاعل الرمزي فهم الرمز وهذا يعتمد على عملية ذهنية مرهونة بنشاط‬
‫العقل ومخزونه المعرفي من المعاني والتصورات والمعتقدات‪.‬‬
‫*إن أول من أطلق مصطلح التفاعل ال ّرمزي هو العالم "هيربرت بلومر "وكان يعني‬
‫فيه‪:‬‬
‫"إن الفعل االجتماعي التو ّجه للحصول على استجابة من آخرين يؤدي إلى عملية‬
‫التفاعل‪ ،‬وهذا يعتمد على الخاصية الرمزية للعقل ضمن إطار عملية التفاعل واالتصال‪.‬‬
‫والمتفاعلون ال يتبعون وصفات اجتماعية ثقافية ثابتة‪ّ ،‬‬
‫إن َما يؤولون معنى العقل والرمز‪،‬‬
‫ولهذا ال تعتبر العمليات االجتماعية‪ .‬والعالقات ونواتجها من بناءات اجتماعية ثقافية‬
‫كأشياء ثابتة‪ ،‬إنما عمليات دينامكية متغيّرة ومفتوحة"‬
‫* إضافة إلى هذا التعريف تعتبر اللغة هي أساس النظام الرمزي‪ ،‬والتي هي رموز دالة‬
‫تعبّر عن عمليات التفاعل واالتصال‪ ،‬تفهم من خالل خبرات الجماعة‪ ،‬وسياق الفعل‪ ،‬ولهذا‬
‫يعتبر اكتساب الفرد لخبرة الجماعة في النظام ال رمزي هو أساس قدرته على التفاعل‬
‫‪-‬والتفاعلية الرمزية تعتبر شكالً أو وجها من أوجه سوسيولوجيا الفهم‪ ،‬وهي تنتمي إلى‬
‫السوسيولوجيا األمريكية‪ ،‬حيث َر كزت هذه النظريّة المعاصرة على قضايا ومشكالت معقّدة‬
‫تتمثل في دراسة السُّلوك والتفاعل‪ ،‬والمواقف االجتماعية والجماعات الصغرى والفرد‪،‬‬
‫والمواقف واالنفعاالت‪ ،‬وغير ذلك من مشكالت متَع ّددة‪)،.( 2‬أو يمكن القول أن التفاعلية‬
‫الرمزية هي عملية التفاعل االجتماعي التي يكون فيها الفرد على عالقة اتصال بعقول‬
‫اآلخرين‪ ،‬وحاجاتهم‪ ،‬ورغباتهم الكامنَة‪ ،‬وتُعتبر التفاعلية الرمزية عن ذلك التفاعل الذي‬
‫يحدث بين مختلف العقول التي تميّز المجتمعات اإلنسانية‪ ،‬وهي ترتكز على مبدأين هامين‪،‬‬

‫دوني كوش ترجمة قاسم المقداد‪ ،‬مفهوم الثقافة في العلوم االجتماعية‪ ، ،‬منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق‪214. 2002، ،‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫عبد هللا محمد عبد الرحمان‪ ،‬النظرية في علم االجتماع‪ ،‬النظرية السوسيولوجية المعاصرة‪2006، ،‬دار المعرفة الجامعية ص ‪166‬‬ ‫‪2‬‬
‫إذ تهت ُّم بوحدة التحليل (التفاعل) وتعتمد على الرموز والمعاني‪ ،‬أي أن العالقات‬
‫االجتماعية ما بين األفراد في المجتمع هي نتاج للرموز والمعاني‬
‫المفهوم التفسيري للتفاعلية الرمزية‪:‬‬
‫تعتقد النظرية التفاعلية بأن الحياة االجتماعية وما يكتنفها من عمليات وظواهر‪ ،‬وحوادث ما‬
‫هي االّ شبكة معق ّدة من نسيج التفاعالت والعالقات بين األفراد‪ ،‬والجماعات التي يتكون منها‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫فالحياة االجتماعية يمكن فهمها واستيعابها‪ ،‬واستيعاب مظاهرها الحقيقية عن طريق النظر‬
‫إلى التفاعالت التي تقع بين األفراد‪ .‬ومن أهم االفتراضات التي تتبنّاها النظرية حول‬
‫مح ّددات عملية التفاعل الرمزي كون المجتمع ينشأ ويتمتع ويستمر وجوده في توصيل‬
‫الرموز الدالة الرد األفراد‪.‬‬
‫‪-‬إن اإلنسان يُنشئ الرموز الدَالة التي يتعلمها في االتصال باعتبارها عامال هاما في العملية‬
‫االتصالية‪.‬‬
‫‪-‬يتم التعبير عن النظام االجتماعي من خالل نظام التسلسل الذي يصنَف األفراد إلى طبقات‬
‫اجتماعية‬
‫‪-‬إن النّظام االجتماعي يمثّل دائما حل عملية القبول أو الشك أو رفض المبادئ التي يعتقد‬
‫أنها تضمن النظام‪.‬‬
‫‪-‬إن الرموز تُؤثّر على الدوافع االجتماعية عند ما تتح ّدد األشكال)‪.(3‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬وحدات تحليل التفاعلية الرمزية‬
‫يتم التحليل عن طريق استخدام النظرية التفاعلية الرمزية من خالل وحدات وهي‪:‬‬
‫‪-1‬التفاعل‪:‬‬
‫إن التفاعلية على ال ّرغم من أخذها للفرد كقاعدة في مقاربة الوقائع‪ ،‬والظواهر‬
‫اإلجتماعية‪ ،‬إال أنّها‪ ،‬ال تأخذه كمبدأ في التحليل‪ ،‬بل أنها على مستوى التحليل تأخذ الفرد في‬
‫فعله المتبادل مع اآلخرين‪.‬‬
‫كما أن التفاعل هو حقل للتأثير المتبادل ألن االجتماعي ال يوجد كمعطى سابق عن‬
‫األفراد الفاعلين‪ ،‬بل إن االجتماعي حسب "جورج زيمل "هو شكل مستمر‪ ،‬أو أنه حسب‬
‫"ستروس "نظام متفاوض عليه ‪.‬‬
‫والتفاعل ال يتم من خالل اللغة والخطاب فقط‪ ،‬بل يتعلّق كذلك برمزية الحركات الجسدية‬
‫المرافقة للكالم أو بدونه وحسب "جوقمان"‪ ،‬لو استطاع الفاعل التوقف عن الكالم فإنه ال‬
‫يستطيع أبدًا التوقف عن التواصل عبر لهجة الجسد‪.‬‬
‫‪-2‬األنا‪:‬‬
‫لقد شغل األنا التفكير السوسيولوجي األمريكي منذ البراغماتيين والتحليالت‬
‫السوسيولوجية "جورج هربرت ميد"‪ ،‬ويعتبر األنا حجر الزاوية بالنسبة للسوسيولوجيين‬

‫نظرية التفاعلية‪ ،‬الرمزية نظرية التفاعلية الرمزية‪ ،‬اعداد طلبة جامعة الملك عبد العزيز‪2012، ،‬ص ‪5.‬‬ ‫‪3‬‬
‫التفاعليين في بناء نظريتهم‪ ،‬فاألنا يُبين اجتماعيا وهو نتاج التاريخ الشخصي المتّسم بكل‬
‫الوضعيات والمواقف واألدوار المختلفة التي م ر منها الفرد في حياته‪.‬‬
‫‪-3‬الرموز‪:‬‬
‫وهي مجموعة من اإلشارات المصطنعة التي يستخدمها الناس فيما بينهم لتسهيل عملية‬
‫التواصل‪ ،‬وهي سمة خاصة في اإلنسان وتشمل عند "جورج ميد "اللغة‪ ،‬وعند "بلومر"‬
‫المعاني وعند "جوفمان "االنطباعات والصور الذهنية‪.‬‬
‫‪-4‬الوعي الذاتي‪:‬‬
‫وهو مقدرة اإلنسان على تمثّل الدور فالتّوقعات التي تكون لدى اآلخرين عن سلوكنا في‬
‫ظروف معينة‪ ،‬هي بمثابة نصوص يجب أن نعيها حتى نمثّلها على حد تعبير "جوفمان‪".‬‬
‫‪-5‬التحلّل االجتماعي‪:‬‬
‫ويعني عدم خضوع األفراد في تفاعلهم االجتماعي إلى ضوابط‪ ،‬ومعايير اجتماعية‬
‫الخاصة بالمجتمع كالقيم واألعراف‪.‬‬
‫‪-6‬التنظيم االجتماعي‪:‬‬
‫بمعنى خضوع تفاعالت األفراد إلى ضوابط ومعايير المجتمع الخاصة به كالقيم‬
‫واألعراف والتنشئة االجتماعية‪.‬‬
‫‪-7‬التنشئة اإلجتماعية‪:‬‬
‫هي عملية تلقين وتعليم أفراد المجتمع الواحد منذ الصغر اللغة والعادات والنظم‪ ،‬والقيم‬
‫االجتماعية المتبعة في ذلك المجتمع‪ .‬وتبدأ هذه العملية منذ والدة الطفل‪ ،‬وتتم وظيفة التنشئة‬
‫عندما يصبح الطفل مواطنا نافعًا في المجتمع الذي ينتمي إليه وتستمر بصورة ضعيفة بعد‬
‫‪4‬‬
‫ذلك‪،‬وتالزم اإلنسان حتى آخر أيام حياته‬
‫‪-8‬المركز والدَّور‪:‬‬
‫ال يوجد مجتمع إنساني يتساوى فيه جميع أعضائه في المركز‪ ،‬فالمركز هو الموضع‬
‫االجتماعي لفرد ما بالنسبة لغيره من أفراد المجتمع‪ ،‬بينما ال ّدور هو مجموعة أنماط السلوك‬
‫المتعارف عليها والمصاحبة لمركز مح ّدد‪ ،‬وبما أن الفرد يحتل ع ّدة مراكز في مجتمعه‪ ،‬فإنّه‬
‫يقوم بع ّدة أدوار‪ ،‬ولكن على التوالي بمعنى أنّه في حالة قيامه بالدور المصاحب لمركز األب‬
‫تكون األدوار األخرى المصاحبة لمراكز الزوج والمدرس وغيرها في حالة كمون‪.‬‬
‫واألهمية الوظيفية للمراكز على اختالف أنواعها‪ ،‬وأشكالها تتمثّل في تاثيرها في أسلوب‪،‬‬
‫وكمية التفاعل بين أفراد المجتمع الواحد وبالتالي تحديد كثافة واتجاهات العالقات االجتماعية‬

‫‪ 4‬إبراهيم العسل‪ ،‬األسس النظرية واألساليب التطبيقية في علم االجتماع‪،‬الطبعة األولى ‪1997،‬المؤسسة الجامعية للدّراسات والنشر‪ ،‬والتوزيع‪،‬‬
‫ص ‪59.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬الجذور الفكرية للتفاعلية الرمزية‬
‫إن التفاعلية الرمزية لم تظهر من فراغ بقدر ما ترجع إلى ظهور النزعات االجتماعية‬
‫السلوكية‪ ،‬أو ما يعرف أيضا بالنّزعات االجتماعية النفسية التي ترجع جذورها األولى إلى‬
‫مجموعة من العلماء األمريكيين‪ ،‬واألوروبيين‪ ،‬والسيما ما يعرف بمدرسة شيكاغو والتي‬
‫تأسست خالل السنوات األخيرة من القرن التاسع عشر‪ ،‬وتتمثل في تحليالت "أليون سمول"‬
‫و"وليام توماس"‪ ،‬اللّذان جاءت إسهاماتهما مرتبطة بنوع من التحليالت السوسيو‪-‬‬
‫‪5‬‬
‫سيكولوجية‬
‫إضافة إلى أن جذور التفاعلية الرمزية ترتبط أيضا بإسهامات بعض علماء النفس‬
‫والتربية‪ ،‬وأفكار أساسية بالفلسفة البراغماتية‪ ،‬فاألصل أن البرغماتية هي فلسفة الفعل والتي‬
‫هي جزء من فلسفة المعرفة التي مع فلسفة الوجود وفلسفة القيم تشكل الفكر الفلسفي الشامل‪،‬‬
‫كما أن النّمط الفكري‪ ،‬والمثال المعياري لهذه الفلسفة موجهة للضبط االجتماعي من خالل‬
‫الذات اإلنسانية لهذا الغرض‪.‬‬‫التنظيم االجتماعي الذي يصوغ ّ‬
‫ومن أهم األفكار التي تبناها ُمؤسسوا التفاعلية ال ّرمزية كالتركيز على التفاعل بين الفاعل‬
‫وبيئته االجتماعية والطبيعية والنّظر بأن كال الفاعل وبيئته متغيّران‪ ،‬والجانب األخير هو‬
‫النظر واإلقرار بقدرة الفاعل على تأويل بيئته من حوله وهذا ينص ُّب في دائرة التفسير‬
‫االجتماعي لاليكولوجيا الذي تأثرت به التفاعلية الرمزية‪.‬‬
‫كما أعتمدت على مناهج الدراسة الميدانية التي طورها األنتروبولوجيون‪ ،‬والتي تعترف‬
‫بمنهجية المالحظة بالمشاركة‪.‬‬
‫في هذا الصدد يرى"كريب "أن تحديث التفاعلية الرمزية والسيما اإلسهامات الحديثة‬
‫لها ترجع إلى اعتمادها سواء على علماء االجتماع التقليد من أمثال" ‪:‬دوركايم"‪" ،‬باريثو‬
‫و"ماكس فيبر"‪ ،‬هذا األخير الذي أكد على أن فهم العالم االجتماعي يكون من خالل فهم‬
‫اتجاهات األفراد الذين نتفاعل معهم‪ ،‬وأن فهم ال ّظواهر االجتماعية يكون من خالل تحليل‬
‫الفعل االجتماعي في المجتمع‪ ،‬باإلضافة إلى تحليالت "زيمل "التي ت َبنّاها من خالل تأكيده‬
‫على أهمية العالقات فيما بين األفراد في بناء الموضوع السوسيولوجي‪ ،‬وتركيزه على أشكال‬
‫التفاعل بين األفراد عن وعي‪ ،‬حتى أنه يتخذ أحيانًا موقفا ُمبال ًغا عن أهمية التفاعل في علم‬
‫اجتماعه فقد ساوى مثال المجتمع و التفاعل في قوله" المجتمع هو نتاج أو المحصلة النهائية‬
‫لتلك التفاعالت المحدّدة‪".‬أيضا" المجتمع مطابق لمجموع كل تلك العالقات "مثل هذه‬
‫المقوالت أخذت كتأكيد عن اهتمامه بالتفاعل‪.‬‬
‫كما ارتبطت نظرية التفاعلية الرمزية بتحليالت "بارسونز "الوظيفية‪ .‬والتي ركزت‬
‫على جعل وحدة الفعل الصغرى أساس الدراسة السوسيولوجية‪ ،‬كذلك ر ّكزت إسهاماته على‬
‫دور الفاعل وكيفية اختياره لألهداف والوسائل التي بها يسعى لتحقيق هذه األهداف‪ ،‬أي نحو‬
‫تحقيق التفاعل والتبادل واإلشباع للحاجات األساسية والتي تتم في نسق من األدوار‬

‫عبد هللا محمد عبد الرحمان ‪ :‬مرجع سابق ص ‪167‬‬ ‫‪5‬‬


‫والوظائف والتوقّعات والرموز والمعاني‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬اعالم النظرية التفاعلية الرمزية و تقييمها‬
‫المطلب األول ‪ :‬اعالم النظرية التفاعلية الرمزية‬
‫إن مدرسة التفاعل المتبادل "التفاعلية الرمزية "تمثّل محاولة نظرية ومنهجية تنهض‬
‫على أسس فلسفية وسيكولوجية بهدف فهم السلوك اإلنساني فهما عميقا‪ .‬وتعتبر ال ّدعائم التي‬
‫أرساها " جورج هربرت ميد "مصدر مدرسة فكرية تعرف بالتفاعلية ال ّرمزية‪ ،‬ومن أشهر‬
‫الرواد الذي ساهموا في ظهور هذه النظرية نذكر‪:‬‬
‫‪1-4‬جورج هربرت ميد‪:‬‬
‫هو من أشهر علماء االجتماع األمريكيين‪ ،‬ومن أشهر الرواد المؤسسين في االتجاه‬
‫التفاعلي الرمزي ولد عام ‪1863‬في "مشاشوستس" ابن رجل بيوريتاني وتَعلم في كليّة‬
‫ابرلن‪ .‬ثم تخرج من جامعة هارفارد ث ّم جامعة ليب ّرج ثم جامعة برلين‪ ،‬وقد تأثّر كثي ًرا‬
‫بآراء الفالسفة البرجماتيين الذين ينتمون إلى مدرسة جون ديوي من أمثال‪ :‬رويس‪ ،‬وويب‬
‫جيمس )‪.(6‬‬
‫*معظم تحليالت" ميد "جاءت في عدد من المقاالت والكتب التي جمعها له تالميذه بعد‬
‫وفاته في ‪1931،‬ومعظم أفكاره قد ر ّكزت على فهم التفاعل المتبادل‪ ،‬والذات االجتماعية‬
‫ومن أهم أعماله التي تركت بصمة له في هذا المجال نجد‪:‬‬
‫‪-1‬العقل والذات والمجتمع‪:‬‬
‫إذ تعتبر تحليالت" ميد "حول الذات جوهر اسهاماته في النظرية الرمزية على اإلطالق‬
‫الذات تنبثق وتنمو في الوسط االجتماعي من خالل عملية التفاعل االجتماعي‪،‬‬ ‫حيث يرى أن ّ‬
‫ويبدأ الفرد في التّعرف على ذاته من خالل أراء اآلخرين فيه في سنوات حياته المب ّكرة‪،‬‬
‫كما أن ال َذات تتكون من عنصرين أساسين هما فاعل ومفعول‪ .‬بحيث األنا المفعول ال تنفصل‬
‫عن األنا الفعّالة باعتبارها مركب بيولوجي واحد ومن الصعوبة فصل كل منهما عن اآلخر‪،‬‬
‫ألنهما يكمالن بعضهما البعض وهذا ما يظهر في صورة الفرد‬
‫كما يؤ ّكد على األصل االجتماعي للفعل‪ ،‬فاإلنسان ليس كائ ًنا اجتماعيا فحسب بل أن‬
‫وجوده رهين باآلخر‪ ،‬والوعي بالنسبة له مصاحب للفعل وال ّسلوك فيقول في هذا الصدد‪:‬‬
‫"أنّنا واعون حينما يعطي ما نقوم به تو ّجها‪-‬غاية‪ -‬هدفا لما نقوم به‪ ،‬ويصبح العقل‬
‫الفردي شخصا‪ ،‬ذاتًا عندما يصبح موضوعا خاصا للفكر أو الوعي"‪..‬‬
‫‪-‬كما ر ّكز" ميد "على التفاعل االجتماعي وتحليل أنماط التّفاعل ومح ّصلة األفعال‬
‫االجتماعية‪ ،‬التي عن طريقها يتّم تشكيل المجتمع اإلنساني وقد كان هدفه األول من دراسته‬
‫محاولة فهم هذه ال ّظاهرة كوظيفة لمحتواها االجتماعي‪.‬‬
‫وخالصة القول أهمية" ميد "تتجلّى في أنه استطاع أن يتحرر من األفكار السلبية‬
‫الذات والشعور‪ ،‬تلك األفكار التي هيمنت على علم النفس وعلم االجتماع‬‫والميكانيكية عن ّ‬

‫عبد هللا محمد عبد الرحمان ‪ :‬نفسه ص ‪172‬‬ ‫‪6‬‬


‫األمريكي في البدايات األولى من القرن العشرين‪ ،‬وأبرز ال ّسمة المميّزة للعقل اإلنساني في‬
‫قدرته على استخدام الرموز ليميّز الموضوعات في البيئة التي يعيش فيها‪.‬‬
‫‪2-4‬هربرت بلومر‪:‬‬
‫هو تلميذ" ميد "بجامعة شيكاغو‪ ،‬وقد خلفه في تدريس ما ّدته بعد رحيله‪ ،‬إذ استخدم‬
‫"بلومر "مفاهيم" ميد "من خالل ما يطلق عليه مدرسة شيكاغو التفاعلية الرمزية هو من‬
‫مواليد‪1900 ،‬في سانت بوك بن ميسوري في الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬وتبدأ التنشئة‬
‫األكاديمية األولى" لبلومر "من خالل تخ ّرجه من قسم االجتماع بجامعة شيكاغو وقد حصل‬
‫على الدكتوراه عام ‪1928،‬وبعد وفاة" ميد "ظل يكمل رسالته العلمية ألكثر من عشرين‬
‫عا ًما‪ ،‬وقد َركز "بلومر "اهتمامه حول دعم وتطوير مفاهيم "ميد"‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫دراسته اإلمبريقية للسلوك الجمعي ولكنه أيضا حاول أن يع ّمق تحليالت التفاعلية الرمزية‬
‫للمجتمع فضال عن اهتمامه بمناقشة المناهج السوسولوجية المالئمة لمنظور النظرية‪ ،‬ولقد‬
‫تنوعت‬
‫مؤلّفات" بلومر "والتي ر ّكزت معظمها على التفاعل االجتماعي محاوالً تحليل التفاعل‬
‫ال ّرمزي وجعله مدخال متم ّي ًزا‪ ،‬كما ر ّكز على دراسة كل من العملية والبناء االجتماعي‪،‬‬
‫ونوعية المنهجية السوسيولوجية التي )‪(7‬يجب أن تُطبق في البحوث االجتماعية عامة‪.‬‬
‫وهذا ما يتجلى في محاولته لطرح منهج معيّن أو في بعض األحيان عدد من المناهج‬
‫البحثية ليس فقط في مجال النظرية السوسيولوجية المعاصرة وإنّما لتحديث مناهج البحث‬
‫الميداني وقد سعى" بلومر "لتأييد المدخل التقليدي الذي طرحه أستاذه" ميد "حول المنهج‬
‫التفاعلي الرمزي الذي يرفض المناهج السيكولوجية الخالصة التي تقوم على منهج المنبه‬
‫واالستجابة فقط‪ ،‬وحرص على أن يكون هذا المنهج الجديد للتفاعلية الرمزية مبنيًّا على‬
‫اساس المنبّه ‪،‬التفسير‪ ،‬االستجابة‪ ،‬ك َما ح ّدد" بلومر "أدوات البحث المنهجي والتي تتمثّل في‬
‫كل من استمارة البحث‪ ،‬والمالحظة بالمشاركة باإلضافة إلى استعانته بالمنهج االستنباطي‬
‫والمنهج االستقرائي ذات ال ّطابع السيكولوجي‪ ،‬وهذا ما جعله يحلل طبيعة العالقة المتبادلة‬
‫بين التفاعل الرمزي والتنظيم االجتماعي والمجتمع‪ ،‬هذا األخير الذي هو شبكة من األفعال‬
‫االجتماعية‪ ،‬ويتصوره عملية رمزية للتفاعل ال ّداخلي‪ .‬وبهذا يعتبره نسقًا ديناميكيا متغيّرا‪،‬‬
‫وال يمكن أن نتصوره اعتباره نسقا خامال أو إستاتيكيا‪ ،‬أو يتكون خارج األفراد بقدر ما يكون‬
‫داخل الذات الفردية وعالقاتها باألفراد أو الذات‪.‬‬
‫هذه التصورات عن التفاعل والتنظيم االجتماعي ربطتهما تحليالته حول الحقيقة‬
‫االجتماعية‪ .‬وتفسيره للفعل االجتماعي وسلوك اآلخرين وكفرضيات يضعها "بلومر"‬
‫للتفاعلية الرمزية‪:‬‬
‫✓أن البشر يتصرفون حيال األشياء على أساس ما تعنيه تلك األشياء لهم‪.‬‬
‫✓هذه المعاني هي نتاج للتفاعل االجتماعي في المجتمع اإلنساني‪.‬‬
‫✓وهذه المعاني تحور وتُعدل ويتم تداولها عبر عملية تأويل يستخدمها كل فرد في تعامله مع‬

‫نفس المرجع السابق‪ ،‬النظرية في علم االجتماع‪ ،‬ص ‪182.‬‬ ‫‪7‬‬


‫اإلشارات التي يواجهها‪.‬‬
‫ولقد تطابق رأي "بلومر "مع آراء مفكرين كثر على أن الفرق بين الكائنين‪ :‬اإلنسان‬
‫والحيوان إنّما هو في استخدام اللغة أو" الرمز ال ّدال وقد اهت ّم بالتوسع في دراسة مضامين‬
‫ذلك )‪.(8‬‬
‫فالرمز ال ّدال يمنح البشر القدرة على التأمل في ردود أفعالهم ولالستعداد لها في خيالهم‪.‬‬
‫ووجود اللغة هو الذي يمكنّنا من االبتعاد‪ ،‬والتفكير ثم االختيار‪ .‬وهو في ذلك يتفق مع‬
‫"جورج ميد "في أن التفاعل الرمزي هو السمة المميّزة للتفاعل البشري‪ ،‬وجوهر العالم‬
‫والبشر الذي يوجدونه ينساب من قدرتهم على التمثيل الرمزي لبعضهم البعض ولألشياء‬
‫ولألفكار‪ .‬فبدون القدرة على وضع الرموز واستخدامها في شؤون البشرية‪ ،‬ما كان ممكنا‬
‫خلق أو صيانة أو تغيير أنماط التنظيم االجتماعي بين الناس) ‪ (9‬وأنه باستخدام البشر للرموز‬
‫وتبادل االتصال فيما بينهم وبفضل قدرتهم على فهم معنى اإلشارات الصوتية والبشرية‬
‫يستطيع البشر إجراء االتصاالت بكفاءة‪.‬‬
‫‪3-4‬جوفمان أرفنج‪:‬‬
‫عالم اجتماع أمريكي ولد سنة ‪1922‬توفي سنة ‪.1982‬حقق شهرة واسعة في مجال علم‬
‫االجتماع بفضل تحليالته ألسلوب العالقات ما بين األشخاص‪ ،‬وهو صاحب شخصية‬
‫محورية في علم االجتماع األمريكي وقد تتلمذ على يد" هربرت بلومر"‪ ،‬حيث جاءت‬
‫إسهاماته لتحديث نظرية التفاعل الرمزي سواء من حيث اإلطار التصوري المرجعي‪ ،‬أو من‬
‫حيث المنهج والدراسات الميدانية التي قام بها" جوفمان "للتأكد من المعطيات والمسلمات‬
‫األساسية التي تقوم عليها النظرية التفاعلية الرمزية‪.‬‬
‫وقد ارتبطت تحليالته بتحليالت أستاذه" بلومر "ومؤسس النظرية" جورج ميد "وهذا ما‬
‫الذات في الحياة اليومية"‪ ،‬و" المقابالت والوقائع"‬ ‫ظهر في مؤلفاته من أهمها "تصور ّ‬
‫باإلضافة إلى كتابه عن" المقدّسات "سنة ‪1929‬وأه ّم ما ذهب إليه" جوفمان "من أفكار‬
‫والتي وضعها في إطار طرحه لنظرية متطورة عن التفاعلية الرمزية نذكر‪:‬‬
‫أ‪ -‬الفكرة األولى‪:‬‬
‫*التفاعلية ومنظور الفن المسرحي‪:‬‬
‫حيث ذهب إلى أن المبادئ أو النفس نوع من التأليف المسرحي هذا النوع الذي أطلق‬
‫عليه بمنظور الفن المسرحي‪ ،‬وهو يماثل منظور األداء المسرحي‪ ،‬الذي تقوم به مجموعة‬
‫الذات أو النفس‪ ،‬وما تتضمنها من معاني ورموز‪ ،‬وأشكال وتعبيرات‬ ‫من األفراد بد ًءا من ّ‬
‫حتى إيماءات الوجه فجميعها تعكس دور الفرد في الحياة اليومية والتي تشبه دور‬
‫الممثل على المسرح‪ ،‬وهنا يحاول توضيح طبيعة التفاعل االجتماعي بين األفراد‬
‫والجماعات‪.‬‬
‫ب‪ -‬الفكرة الثانية‪:‬‬
‫‪*-‬التفاعلية ودراسة المرض العقلي‪:‬‬
‫أيان كريب ترجمة‪ :‬محمد حسين غلوم‪ ،‬النظرية االجتماعية‪ ،‬من بارسوتر إلى هابرماس‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬د‪.‬ط‪1990. ،‬‬ ‫‪8‬‬

‫عدلي أبو طابون‪ ،‬النظريات االجتماعية المعاصرة‪ ،‬المكتب الجامعي الحديث‪ ،‬ص‪439.‬‬ ‫‪9‬‬
‫من خالل اهتمامه بدراسة المؤسسات أو التنظيمات العامة‪ ،‬اعتبر المستشفى العقلي‪،‬‬
‫والسجن أو المعتقل ما هي إال مؤسسات أو انساق مغلقة نسبيًّا‪ ،‬يظهر فيها أنماط التفاعل‬
‫االجتماعي التي تعكس جوانب أخرى من التمثيل المسرحي‪ ،‬حيث يُجبر األفراد عل العيش‬
‫في مكان واحد تحت سيطرة واحدة هذا ما يخلق وجود فئتين‪ ،‬فئة تشعر بالدونية والضعف‬
‫أي المرض والنزالء وهيئة المراقبة الفئة التي تشعر بالفوقية أو صحة الموقف وهذا ما‬
‫يعكس نمط من التفاعل الرمزي‪ ،‬األمر الذي جعله يتحول نحو زاوية أخرى ويهتم بالتفاعلية‬
‫واألدوار والحرية‪ ،‬فيُؤكد أن الفرد دائما يسعى لمزيد من الحريّة واالستقالل خالل قيامه‬
‫بأدواره التقليدية‪ .‬ولكنه يعجز في ذلك‪ ،‬وهذا ما حرص" جوفمان "أن يحلله خالل التمييزيين‬
‫األدوار النمطية أو ال ّطابع المعياري لل ّدور الفردي‪ ،‬وبين األداء الحقيقي (الواقعي) في دور‬
‫معين بالذات وتحديد نوعية الموقف واألداء الذي عن طريقهما يتم الفرد بأداء مثل هذه‬
‫األدوار‪.‬‬
‫باإلضافة إلى سعي" جوفمان "لتوضيح وجهة نظره حول نظرية التفاعلية الرمزية في‬
‫إسهامات أخرى جاءت تحت عنوان "الوصمة"‪ ،‬و" التفاعل اإلستراتيجي)(‪".10‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬تقييم التفاعلية الرمزية‬
‫لقد أ ّكدت التفاعلية الرمزية على التفاعل الرمزي وصححت المنظورات األخرى‬
‫كالوظيفة والصراع‪ .‬كما أن مفهومات نظرية التفاعلية أكثر شموال من األنماط المحددة‬
‫للتفاعل التي تهتم بها منظورات اخرى‪ .‬كما يمكن استخدام مفهومات التفاعل ال َرمزي‬
‫لتشمل مدى واسع من العالقات اإلنسانية مثل ال ّصراع التعاون‪ ،‬الخضوع‪ .‬ومن حيث المبدأ‬
‫فإن التفاعلية الرمزية تجعل صياغة نظريات متباينة تدرس كل نمط من العالقات اإلنسانية‬
‫أمرا ال ضرورة منه‪.‬‬
‫ومن خالل النظرية يمكن أن نفهم نموذج اإلنسان عبر ال ّدور الذي يحتلّه‪ ،‬والسلوك الذي‬
‫يقوم به نحو اآلخر الذي كون عالقة معه خالل مدة زمنية مح ّددة‪ ،‬والتفاعل ال يمكن أن يتم‬
‫دون أدوار التي يحتلّها األفراد‪ ،‬كذلك يحمل الفرد صورا رمزية عن الكائنات غير الحية‬
‫كاألنهار‪ ،‬والجبال‪ ،‬والبيوت‪ ،‬والشوارع‪...‬الخ وهذه ال ّصور تبقى عالقة في ذهنه‪ ،‬فهي‬
‫تظهر متى شاهد الشيء أو الشخص‪ ،‬أو الجماعة‪ ،‬فالمشاهدة تثير الرمز الصوري أو‬
‫اإلدراكي‪ ،‬أو الذهني عند الفرد‪ ،‬ولقد سعت التفاعلية الرمزية لتغيّر طبيعة القضايا‬
‫والمشكالت التي تعالجها النظرية السوسيولوجية وذلك عن طريق نقطتين أساسيتين‬
‫*أوال‪:‬‬
‫التركيز على عدد من المشكالت والقضايا ودراستها بصورة م ّركزة مثل الجماعة‪،‬‬
‫والذات‪ ،‬والتفاعل والتبادل‪ ،‬وهذا ما نتج عنه ما يسمى بمدخل الوحدات التحليلية الصغرى‪.‬‬
‫*ثانيا‪:‬‬
‫توجيه اهتمام الباحثين والمهتمين بعلم االجتماع لضرورة تحديث مناهج البحث‬
‫السوسيولوجي ممثلة في استخدام المناهج الكيفية التي يعتمد عليها علماء النفس مثل‬

‫عبد هللا محمد عبد الرحمان ‪ :‬مرجع سابق ص ‪184‬‬ ‫‪10‬‬


‫االستبطان‪ ،‬واالستقراء‪ ،‬واالعتماد على العديد من أدوات البحث االجتماعي وطرقه المنهجية‬
‫مثل المالحظة‪ ،‬والتجربة واستمارة البحث والمقاييس الكمية وغيرها من أساليب متع ّددة‬
‫عززت من عمليات البحث الميداني ونتائجه التي تؤ ّدي بدورها إلى تطوير النظرية‬
‫السوسيولوجية‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬نقد التفاعلية ال رمزية‬
‫بال ّرغم من أهمية النظرية التفاعلية الرمزية وإثرائها لمجال النظرية السوسيولوجية‬
‫المعاصرة‪ ،‬إالّ أنّها تعر ّضت أيضا للعديد من االنتقادات وهي‪:‬‬
‫➢يرى بعض العلماء أن التفاعلية ال َرمزية كنظرية سوسيولوجية قد تخلّت كثيرا عن‬
‫استخدام األساليب العلمية التقليدية‪ ،‬وخاصة ألن أصحابها رؤوا أن مضمون اهتماماتهم‬
‫بالذات أو الوعي تتصف بال ّدراسات المتنوعة التي يصعب عليهم‬ ‫وقضاياهم التي ترتبط ّ‬
‫استخدام األساليب الكمية‪ ،‬والتي يمكن أن تساعد عمليات الترميز‪ ،‬والتصنيف‪ ،‬أو حتى‬
‫الحصول على أرقام مح ّددة‪ ،‬وهذا ما تخلّى عند ر ّواد التفاعلية الرمزية وجعلهم يبتعدون عن‬
‫خاصية الموضوعية‪ ،‬واستخدام العلم عند تحليل قضايا النظرية ومشكالتها األساسية‪.‬‬
‫➢ظهور العديد من التحليالت والتصورات الغامضة وهذا ما جعل العديد من القضايا‬
‫والمسلمات غير قابلة لالختبار م ّما أ ّدى لعدم الوصول إلى القوانين والتعميمات العامة حول‬
‫التفاعلية الرمزية‪.‬‬
‫➢إهمال التفاعلية الرمزية في معظم تحليالتها لدراسة البناءات الكبرى‪ ،‬وهذا ما جعلها غير‬
‫قادرة على التَنبُّؤ خاصة في القضايا التي حاولت معالجتها بصورة نظرية وميدانية واقعية في‬
‫نفس الوقت )‪.(11‬‬
‫➢أك ّدت التفاعلية ال َرمزية على أن المجتمع تفاعل رمزي دون أن تشير إلى أنماط الظروف‬
‫مهما كان نوع التفاعل الذي يؤ ّدي إلى ظهور وانبثاق أي نمط من أنماط بناء اجتماعي‬
‫واستمراره‪ .‬وتغييره في سياق أي ظرف من الظروف‪.‬‬
‫➢ جعلت من الشخصية أو الذات محور دراستها‪ ،‬وجذبت انتباه الباحثين إلى دراسة التفاصيل‬
‫الصغيرة في الحياة االجتماعية وبذلك تكون قد استبعدت النظام االجتماعي والسياسي‬
‫واالقتصادي من مجال الدراسة‪.‬‬
‫➢ إخفاق التفاعلية الرمزية في تحليل الكثير من المفهومات والتصورات والعوامل‬
‫السيكولوجية‪ ،‬إن لم تكن قد أهملتها تما ًما ومن أهم هذه المفهومات‪ :‬الحاجات‪ ،‬الدوافع‪،‬‬
‫التوتر واإللهام‪ .‬وإن كانت قد ر ّكزت فقط على دراسة المعاني‪ ،‬والرموز‪ ،‬والفعل والتفاعل‬
‫➢ يالحظ عدم ال ّدقة الكبيرة لكلمة ال َرمز‪ ،‬كما أنه الرموز كثي ًرا ما تخرج عن معناها وما‬
‫يتوقع منها وهذا ما رآه الكثير من علماء االتجاه الرمزي‪.‬‬
‫➢سعت التفاعلية الرمزية لدراسة وتحليل المواقف الحياتية اليومية‪ ،‬التي تتميّز بالمواقف‬
‫السريعة وال َسطحية دون التّعمق في دراسة طبيعة التفاعل الذي يحدث في المواقف غير‬

‫إبراهيم العسل‪ :‬مرجع سابق ص ‪62‬‬ ‫‪11‬‬


‫الظاهرة في المجتمع كحاالت الجريمة واالنحراف والظل االجتماعي ككل‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫إن التفاعلية الرمزية كنظرية سوسيولوجية تسعى إلى دراسة دور الفرد وسلوكه في‬
‫المجتمع داخل الجماعة التي ينتمي إليها مع االهتمام بكون عملية التفاعل والتبادل الذي‬
‫يحدث بين الفرد وذاته أو بيئته‪ ،‬أو بين الجماعة والمجتمع الذي يعيش فيه‪ .‬و من ثم فالتفاعلية‬
‫كما الرمزية تر ّكز على الفرد أساسا كغيرها من النزعات النفسية االجتماعية‪ ،‬تسعى لتحليل‬
‫نسق الرموز والمعاني التي تترجم في السلوك الفردي والدَور الوظيفي والسيكولوجي الذي‬
‫يقوم على الفرد في المجتمع‪ .‬وتحرص التفاعلية الرمزية على دراسة المظاهر الرمزية‬
‫للتفاعل‪ ،‬ومركب العالقة المتبادلة بين الفرد والمجتمع وكيفية تنظيم هذه العالقة‪ .‬والسيما من‬
‫قبل الفرد في إطار وأسلوب عقالني يعكس مجموعة العناصر الداخلية أي الذاتية للفرد‬
‫واستجابته للمواقف والعمليات االجتماعية‬
‫ملخص‪:‬‬
‫علم االجتماع هو الحقل التي يدرس اإلنسان داخل المجتمع‪ ،‬وذلك من خالل عدة جوانب يتم التركيز‬
‫عليها لوضع تفسير سوسيولوجي محض لكل ما ينتجه الفرد سواء كان بمفرده أو بمعزل عن المجتمع‪ ،‬أو‬
‫كان منتميا إلى جماعة معينة‪ .‬فدراسة المجتمع اإلنساني وما نجد فيه من ظواهر اجتماعية ناتجة عن‬
‫األفراد تحتاج إلى ما يساعدها في فهمها من أدوات تحليلية ونظريات‪ ،‬لذلك ظهرت العديد من النظريات‬
‫السوسيولوجية التي ساهمت في تفسير الوقائع االجتماعية أو ما يسمى بالظواهر االجتماعية‪ ،‬والتي من‬
‫خاللها يتم فهم المجتمع اإلنساني‪ ،‬ومن بين النظريات التي ساهمت في إبراز مفهوم المجتمع اإلنساني‬
‫والبحث في العالقات والتفاعالت التي تحدث فيه نجد النظرية التفاعلية الرمزية‪ ،‬وهي نظرية جعلت‬
‫المجتمع يتحدث من خالل تأويلها وتفسير كل األفعال الصادرة عن الفرد بصفته عضوا في المجتمع‪،‬‬
‫التفاعلية الرمزية‬
‫تعريف سوسيولوجية االمريكية‬

‫عملية التفاعل الرمزي فهم‬


‫اكثر المساهمين‬ ‫عملية التفاعل بنظام رمزي‬
‫الرمز‬

‫جورج هربرت ميد ‪ :‬مؤسس‬


‫النظرية و ساهم في بناء‬
‫المبادئ و االفكار و كذلك العقل‬
‫و الذات و المجتمع‬

‫هربرت بلومر ركز على اهمية‬


‫المعنى و ركز على التفاعل‬
‫االجتماعي‬

‫ايفريك جوفمان ظهر في‬


‫مؤلفاته من اهمها تصورالذات‬
‫في الحياة اليومية المقابالت و‬
‫الواقع‬

‫رغم كل التقييمات و تصحيح النظورات اال انها تعرضت للنقد‬

‫النقد‬

‫ظهور تحليالت و تصورات غامصة‬ ‫اخفاق في تحليل الكثير من التصورات‬ ‫اهمال الرمزية لدراسة البناءات‬
‫جدا‬ ‫و المفاهيم‬ ‫الكبرى‬
‫قائمة المراجع‪:‬‬
‫‪-1‬إبراهيم العسل‪ ،‬األسس النظرية واألساليب التطبيقية في علم االجتماع ‪ ،‬المؤسسة‬
‫الجامعية لل ّدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪1997. ،‬‬
‫‪-2‬أيان كريب ترجمة محمد حسين غلوم‪ ،‬النظرية االجتماعية من بارسو نزالي هابرماس‪،‬‬
‫عالم المعرفة‪1990. ،‬‬
‫‪-3‬دراسة لطالب جامعة الملك عبد العزيز‪ ،‬نظرية التفاعلية الرمزية‪.2012 ،‬‬
‫‪-4‬دوني كوش ترجمة قاسم المقداد‪ ،‬مفهوم الثقافة في العلوم االجتماعية‪ ،‬منشورات اتحاد‬
‫الكتاب العرب‪ ،‬دمشق ‪2002.‬‬
‫‪-5‬عبد هللا محمد عبد الرحمان‪ ،‬النظرية في علم االجتماع النظرية السوسيولوجية‬
‫المعاصرة ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪2006. ،‬‬
‫‪-6‬عدلي أبو طابون‪ ،‬النظريات االجتماعية المعاصرة‪ ،‬المكتب الجامعي الحديث‬

You might also like