Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 13

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬

‫وزارة التعليم العالي و البحث العلمي‬


‫جامعة الطاهري محمد بشار ( القطب الجامعي)‬
‫كلية العلوم االنسانية و االجتماعية‬

‫بحث حول ‪:‬‬

‫الفلسفة الحديثة‬

‫تحت اشراف االستاذ(ة)‬ ‫من اعداد الطلبة ‪:‬‬


‫‪ -‬الدكتور جباري الصادق‬ ‫كـــــريم أشرف عالء الدين‬ ‫‪-‬‬
‫عطـــواني اســـــــــــــــامة‬ ‫‪-‬‬
‫عبـــد المليك عمر الفاروق‬ ‫‪-‬‬
‫بـــخدة عـــــــــــــــادل‬ ‫‪-‬‬
‫مـــندي محـــمد االمـــين‬ ‫‪-‬‬

‫السنة االولى علم االجتماع ‪2021‬‬


‫خطة البحث‪: ‬‬

‫مقدمة‬

‫الفصل االول‪ : ‬الفلسفة الحديثة‬

‫المبحث االول‪: ‬تعريف الفلسفة و الفلسفة الحديثة‬

‫المبحث الثاني‪ : ‬عوامل نشاة الفلسفة الحديثة‬

‫المبحث الثالث‪ : ‬أهم أعالم أو رواد الفلسفة الحديثة‬

‫الفصل الثاني‪ : ‬خصائص و مذاهب الفلسفة الحديثة‬

‫المبحث االول‪ : ‬خصائص الفلسفة الحديثة‬

‫المبحث الثاني‪: ‬تيارات او مذاهب الفلسفة الحديثة‬

‫خاتمة‬
‫المقدمة‪: ‬‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم والحمد هلل والشكر له‪ .‬الذي وهبنا بالعقل من اجل ان نفكر به‪ .‬اليوم جئنا لنقدم لكم بحثنا حول‬
‫موضوعـ الفلسفة الحديثة راجيين من هللا ان نكون قد وفقناـ في كتابته و ان ينال اعجابكم نرجو منكم ان تكونوا أذانا‬
‫صاغية وننتظر منكم في االخير تقييم هذا البحث‪.‬‬

‫مرت الفلسفة منذ نشأتها بالعديد من المراحل المتعاقبة فاعتمدت كل مرحلة منها على مراحل التي سبقتها وارتبطت‬
‫وتميزت كل منها بالعصر التي وجدت فيه والمنطقة التي نشأت بها‪ .‬كذلك االمر للفلسفة الحديثة التي تعتبر احد احدث‬
‫المراحل للفلسفة والتي ظهرت في القرن السابع عشر للميالد في اوروباـ بعد الفلسفة االسالمية وستمرت حتى بدايات‬
‫القرن العشرين فكانت هي المرحلة التي سبقت الفلسفة المعاصرة الموجودة في عصرنا الحالي واختلف المؤرخون في‬
‫تحديد النقطة المرجعية التي يبدأ عندها تاريخ الفلسفة الحديثة ‪.‬فيرجع العديدون على ان ديكارت هو النقطة االساس في‬
‫بداية الفلسفة الحديثة فيسمونه ابو الفلسفة الحديثة ‪ .‬ويذهب اخرون على ان فرنسيس بيكون هو لمؤسس للفلسفة الحديثة‬
‫ويجمع اخرون يرجعون الفلسفة الحديثة للفيلسوفين السابق ذكرهما كونهما اوائل الفالسفة الحديثين فقد ابتدأ كالهما منهجا‬
‫خاصا في الفلسفة الحديثة ‪.‬‬

‫وهذا ما يدفعنا لطرح االشكال التالي‪ : ‬ماذا نقصد بالفلسفة الحديثة ؟وماهي بداياتهاـ ؟ ومن اهم اعالمها ؟و ما عوامل‬
‫نشأتها ؟وماهي اهم مذاهبها ؟‬

‫الفصل االول‪: ‬‬

‫‪/1‬تعريف الفلسفة و الفلسفة الحديثة‪: ‬‬

‫الفلسفة في اللُّغة‪ :‬أصل كلمة فلسفة هو اختصا ٌر لكلم َتين يونانيّتين‪ ،‬هما‪ :‬فيلو‪ ،‬وتعني‪ :‬حُبّ ‪ ،‬وسوفيا‪:‬ـ تعني الحِكمة؛ أي إنّ‬
‫معنى الفلسفة هو حُبّ الحِكمة‪ ،‬وينسب بعض المؤ ّرخين هذا االصطالح إلى فيثاغورس‪ ،‬الذي أطلق على نفسه لقب‬
‫ً‬
‫رغبة من ُه في تمييز نفسه عن السّوفسطائيين الذين‬ ‫فيلسوف‪ ،‬وأرجع ُه البعض إلى سقراط الذي وصف نفسه بالفيلسوف؛‬
‫ي ّدعون الحِكمة‪ ،‬ويرىـ آخرون أنّ مُصطلح فلسفة يعو ُد إلى أفالطون؛ حيث استخدمهاـ في وصفـ سولون وسقراط‪] 1[.‬‬

‫يختلف تعريف الفلسفة اصطِ الحا ً عند الفالسفة؛ إذ يُعرّفها الفارابي بأ ّنها‪( :‬العلم بالموجودات بما هي موجودة)‪ ،‬أمّا عند‬
‫الكنديّ فإنّ الفلسفة هي‪ :‬علم األشياء بحقائقها الكليّة؛ حيث يُؤ ّكدـ أنّ ال ُكليّة هي إحدى خصائص الفلسفة الجوهريّة التي‬
‫ُتميّزها عن غيرها من العلوم اإلنسانيّة‪ ،‬ويرى ابن رُشد أنّ ال ّتفكير في الموجودات يكون على اعتبار أ ّنها مصنوعات‪،‬‬
‫و(كلّما كانت المعرفة بالمصنوعات أت ّم كانت المعرفة بالصّانع أت ّم)‪ ،‬أمّا إيمانويل كانت فيرىـ أنّ الفلسفة هي المعرفة‬
‫الصّادرة من العقل‪]2[.‬‬

‫يمكن تعريف الفلسفة الحديثة بأ ّنها تلك الفلسفة التي بدأت مالمحها بالظهورـ مع عصر النهضة في القرن الخامس عشر‬
‫نحى‬
‫الميالدي‪ ،‬وكان ذلك من خالل مجموعة من الفالسفة الذين كان لهم منظورـ حداثيٌّ تجاه التفكير الفلسفي‪ ،‬حيث َ‬
‫ت الفلسفة الحديثة لألحداث الواقعية على أ ّنها َنتاج‬
‫ونظر ْ‬
‫َ‬ ‫الفالسفة الحداثيون َمنحىً مُختل ًفا تجاه التفكير المنطقي‪،‬‬
‫لمجموعة من المسببات المنطقية التي أ ّدت إلى وقوعها‪ ،‬وكان من أه ّم األسباب التي دعت إلى ذلك ازدهارـ العديد من‬
‫العلوم والمعارفـ في عصر النهضة‪ ،‬ومن أبرزها علم الفيزياء‪ ،‬وعلم الرياضيات‪ ،‬وعلوم الفلك‪ ،‬كما شهد هذا العصر‬
‫اختراع العديد من اآلالت‪ ،‬ومن أبرزها اآللة الطابعة التي ساهمت في توثيق النتاج الفلسفي الحديث‪]3[.‬‬

‫‪ /2‬نشأة الفلسفة الحديثة‪: ‬‬


‫نشأ الفكر الفلسفي الحديث في ظل ظروفـ تاريخية خاصة هي التي عملت على والدته‪ .‬فإذا كانت الفلسفة تعبيراً فكرياًـ‬
‫عن عصرها وابنة هذا العصر‪ ،‬فإن المناخ العام هو الذي يساعد على إنضاجها‪ .‬وكانت هناك عوامل عديدة أسهمت في‬
‫ظهور الفكر الفلسفي الحديث‪ ،‬أهمها عامل تاريخي‪ ،‬تمثل في استرداد األسبان لألندلس في أواخر القرن الخامس عشر‪،‬‬
‫مستولين بذلك على ذخائر التراث العربي التي وجودها هناك‪ .‬باإلضافة إلى ظهور حركة الكشوف الجغرافية‪ ،‬حيث‬
‫اكتشف ماجالن طريق رأس الرجاء الصالح الذي يدور حول إفريقيا‪ ،‬مما مكن ألوروبا طريقا ً آخر للهند وشرقـ آسيا‬
‫غير الطريق الذي يمر عبر المشرقـ العربي واإلسالمي‪ ،‬وحيث اكتشفـ كولومبوس قارة أمريكا سنة ‪ ،1492‬وفتح بذلك‬
‫آفاق جديدة للتجارة مع العالم الجديد واالستيطان به‪ .‬والحقيقة أن نفس هذه الفترة كانت فترة توسع األتراك العثمانيون في‬
‫أوروباـ الشرقية‪ ،‬إذ قد نجحوا في فتح القسطنطينية سنة ‪ ،1453‬وكان هذا عامالً أساسيا ً على إسراع أوروباـ في الكشوفـ‬
‫الجغرافية وفي التوسع في العالم الجديد‪ ،‬كي تعوض ما فقدته للعثمانيين في الشرق‪ .‬كل هذا خلق جواً جديداً ألوروبا‪،‬‬
‫تعرفت فيه على العالم وتاجرتـ وتوسعت واتسعت بذلك آفاقهاـ الفكرية واألدبية والفنية‪ ،‬إذ لم يكن من الممكن ألوروباـ‬
‫التي كانت محبوسة في قارتهاـ الصغيرة أن تنتج فكراً وآدابا ً إنسانية وعالمية‪ ،‬وقد وفرت لها الكشوفـ الجغرافية وحركة‬
‫التجارة العالمية وحركة استيطان العالم الجديد مجاالً لإلبداع اإلنساني العالمي‪.‬‬

‫وتمثل ثاني عوامل نشأة الفكر الفلسفي الحديث في ظهور الروح العلمية الحديثة وازدهار العلوم التجريبية[ ‪ ]4‬تمثل‬
‫ذلك في الثورة العلمية التي أحدثها العالم البولنديـ نيقوالوسـ كوبرنيقوس (‪ )1543-1473‬باكتشافه للنظام الشمسي‪ .‬كان‬
‫العالم قبل كوبرنيقوسـ يعتقد‪ ،‬تحت تأثير فلسفات العصورـ الوسطى التي كانت تعتمد على نظام بطليموس الفلكي‪ ،‬أن‬
‫األرض ثابتة وفي مركزـ الكون‪ ،‬والسماء بما فيها من نجوم وكواكب وشمس وقمر‪ ،‬تدورـ حولها‪ .‬لم يقتنع كوبرنيقوسـ‬
‫بهذه الفكرة الساذجة واكتشف أن العكس هو الصحيح‪ ،‬أي أن الشمس ثابتة واألرض هي التي تدورـ حولها‪ ،‬وكذلك‬
‫اكتشف دوران الكواكب حول الشمس‪ ،‬أي المجموعة الشمسية‪ .‬كان هذا االكتشافـ من العوامل التي أدت إلى فقدان الثقة‬
‫بكل الفلسفات والعلوم الموروثة وخاصة فلسفة أرسطو‪ ،‬مما مكن الفكر األوروبيـ من التحررـ من ثقل تراث الماضي‬
‫والبحث بنفسه عن أسرار الكون[‪. ]5‬وبعد كوبرنيقوس جاء العالم األلماني يوهانس كبلر (‪ )1630-1571‬الذي أحدث‬
‫ثورة أخرى في علم الفلك والرياضيات‪ ،‬إذ أضاف إلى نظرية كوبرنيقوسـ تعديالً هاما ً يذهب إلى أن دوران الكواكب‬
‫حول الشمس ال يأخذ شكل الدائرة الكاملة بل الشكل البيضاوي‪ ،‬كما اكتشف أن حركة الكوكب تتسارعـ في مداره عندما‬
‫يقترب من الشمس وتتباطأـ عندما يبتعد عنها‪ ،‬وكان هذا مما ساعد اسحق نيوتن بعد ذلك على اكتشاف القوانين العامة‬
‫للجاذبية‪ .‬وكذلك اكتشف كبلر العالقة الوثيقة بين علم الفلك والرياضيات‪ ،‬حيث أدرك أن الرياضياتـ هي أداة البحث في‬
‫الفلك والفيزياء عامة‪ .‬كما أحدث العالم اإليطالي جاليليو (‪ )1642-1564‬ثورة علمية أخرى عندما اكتشف العالقة بين‬
‫الكتلة والسرعة وبين الساكن والمتحركـ في األجسام في حالة االصطدام‪ ،‬وظاهرة تسارعـ وتباطؤ السرعة‪ ،‬ووضع‬
‫نظرياته في صورة رياضية دقيقة مما مكن العالم من اكتشاف الطابع الرياضي للقوانين الفيزيائية‪ .‬كما دافع جاليليو عن‬
‫نظرية كوبرنيقوس في المجموعة الشمسية وأجرىـ عدداً من المالحظات الفلكية تؤيد تلك النظرية واكتشفـ عدداً من‬
‫أقمار كوكب المشترى‪ .‬ومن أجل تبنيه ودفاعه عن نظرية كوبرنيقوسـ اتهمته الكنيسة وخضع لمحكمة التفتيش وصدر‬
‫في حقه حكما ً بالحرقـ لكنه لم ينفذ‪ ،‬وظل جاليليوـ تحت اإلقامة الجبرية المقيدة في منزله قرب فلورنسا‪ ،‬حيث فقد بصره‬
‫وتوفى‪.‬ـ‬
‫وإلى جانب الروح العلمية تطورتـ فنون الصناعة‪ ،‬ذلك ألن الحروب التي دخلتها البلدان األوروبية آنذاك أدت إلى زيادة‬
‫استخدام البارود واألسلحة النارية‪ ،‬مما شجع على تطور األبحاث الكيميائية والصناعات المعدنية[‪ ]6‬والمالحظ كيف‬
‫تداخلت هذه الفنون مع تطور العلم الحديث‪ ،‬فعندما كان جاليليو يدرس سقوط األجسام والعالقة بين الكتلة والسرعة‬
‫والجاذبية ضرب مثاالً شهيراً وهو قذيفة المدفع التي تأخذ مساراً منحنياً‪ ،‬ودرسـ بدقة سرعة القذيفة والعالقة بين المنحنى‬
‫والمسافة التي تقطعها‪ .‬وكان أهم اختراع في هذا العصر هو اختراع المطبعة على يد جوتنبرج‪ .‬والحقيقة أن هذا‬
‫االختراع كان له أبلغ األثر في أن يأخذ الفكر الحديث طابعا ً جديداً مختلفا ً عما سبقه‪ .‬إذ انتشر الكتاب المطبوعـ وأصبح‬
‫للقراءة جمهورـ واسع‪ ،‬ولم تعد الفلسفة مقيدة بفئة محددة من المتخصصين بل أصبحت شأنا ً عما ً لكل المثقفين‪ ،‬حتى‬
‫أصبحت مؤلفات الفالسفة تقرأ من جمهور عريض مثل األعمال األدبية‪ ،‬وبذلك لم يعد الحكم على األفكارـ في يد طائفة‬
‫من رجال الدين أو األكاديميين بل احتكم الفالسفة إلى كل من له عقل سليم وفكر حر وبصيرة ذاتية‪ ،‬وكان هذا عامالً‬
‫على انتشار النزعات العقالنية واإلنسانية في الفكر الغربي‪.‬‬

‫وثالث عوامل نشأة الفكر الفلسفي الحديث هو ظهور عصر النهضة األوروبية ابتداء من القرن الخامس عشر‪ ،‬وقد كانت‬
‫نهضة شاملة‪ ،‬فكرية وأدبية علمية‪ .‬ظهرت بدايات عصر النهضة عندما فتح األتراك القسطنطينية سنة ‪ 1453‬واسترد‬
‫األسبان آخر جزء من األندلس وهو غرناطة في تسعينات القرن الخامس عشر‪ ،‬وانتقل بذلك التراث اليونانيـ والرومانيـ‬
‫إلى غرب أوروبا‪ ،‬فظهرت حركة واسعة إلحياء اآلداب اليونانية والالتينية[‪ ]7‬كانت هذه اآلداب تركز على اإلنسانيات‬
‫مما أدى إلى ظهور نزعة إنسانية قوية في الفكر األوروبي‪ ،‬ولم يمنع إحياء التراث اليونانيـ الفكر األوربيـ من أن يأخذ‬
‫موقفا ً نقديا ً منه‪ ،‬فقد توافقـ هذا اإلحياء مع نقد واسع وشامل لفلسفة أرسطوـ عن طريق االستعانة بفلسفة أفالطون‬
‫وأفلوطين واألفالطونية المحدثة‪ ،‬وظهرـ هذا بصورة واضحة لدى جيوردانوـ برونوـ (‪ )1600-1548‬وتوماسوـ كامبانيال‬
‫(‪ ،)1639-1568‬أو االستعانة بالمنهج التجريبيـ في حالة فرنسيسـ بيكون‪ ،‬إن نقد المنطقـ الصوري األرسطىـ الذي‬
‫يعتمد على مقدمات عامة نظرية وعقلية صرف وأكد على ضرورة االعتماد على المالحظة والتجربة واالستقراء‪.‬‬

‫وتمثل رابع عوامل نشأة الفكر الفلسفي الحديث في حركة اإلصالح الديني بقيادة مارتن لوثر (‪ )1546-1483‬وجون‬
‫كالفن‪ .‬هدفت هذه الحركة تجديد الدين المسيحيـ بالتخلص من سيطرة الكنيسة الكاثوليكية والعودة إلى جوهر المسيحية‬
‫الصافي في منابعها األولى دون أية تأويالت أو عقائد نظرية جامدة يفرضها رجال الدين‪ ،‬وظهرت بذلك الحركات‬
‫البروتستانتية والبيوريتانية التي تركز على الجوانب األخالقية من رسالة المسيحية‪ ،‬وتؤكدـ على قيم الزهد والعمل‪ ،‬وعلى‬
‫الضمير اإلنساني اليقظ‪ ،‬وعلى استقالل اإلنسان بحيث يكون موجهه األول هو الكتاب المقدس نفسه دون وساطة من‬
‫كهنوت أو مؤسسة دينية‪ .‬وأعطت حركة اإلصالح الديني الحرية لكل إنسان في أن يفهم الكتاب المقدس وحده دون‬
‫استعانة بأحد‪ ،‬واثقة بذلك من قدرة العقل اإلنساني والضميرـ الحي على الفهم وعلى تبني الرسالة والعمل بها‪ .‬ولذلك عمل‬
‫لوثر على ترجمة الكتاب المقدس الذي كان مكتوبا ً بالالتينية وحكراًـ في يد رجال الدين وعلماء الكنيسة والمثقفين‪ ،‬إلى‬
‫األلمانية وهي أول لغة أوروبية حديثة يترجم إليها الكتاب المقدس‪ ،‬وتوالت الترجمات بعد ذلك إلى كل اللغات األوروبية‪،‬‬
‫مما وضع الكتاب المقدس أمام الجمهور األوروبي في كل قومياته‪ ،‬وكان هذا عامالً على إتاحته للنظر والفهم المختلف‬
‫والتفسيرات المتعددة‪ .‬أكدت حركة اإلصالح الديني على أهمية اإلنسان وضميره الفردي ومسئوليته الشخصية‪ ،‬وكانت‬
‫عامالً على نضوج النزعة اإلنسانية الفردية واالستقالل الفكري‪.‬‬

‫والمالحظ في تعدادنا لعوامل نشأة الفكر الحديث ورودـ شخصيات عديدة من إيطاليا مثل جاليليوـ وجيوردا وبرونو‪،‬‬
‫باإلضافة إلى رواد عصر النهضة اإليطاليين أمثال ليوناردو دافنشيـ ومايكل أنجلو وتوماسـ كامبا نيال‪ .‬فقد بدأت النهضة‬
‫األوروبية في إيطاليا والتي كانت لها جذوراًـ لدى دانتي في ملحمته «الكوميديا اإللهية»‪ ،‬وبدأت النهضة الفكرية مع‬
‫برونو‪ ،‬وبدأت النهضة الفنية مع دافنشي ومايكل أنجلو‪ ،‬وكذلك النهضة العلمية مع جاليليو‪ .‬ومن هنا نستطيع القول إن‬
‫بدايات الفكر الفلسفي الحديث كانت فى إيطاليا بالتحديد‪ .‬فباإلضافة إلى هؤالء‪ ،‬نجد أن ميكافيلليـ هو أول من وضع لعلم‬
‫السياسة الحديث الذي لم تشغله المثاليات السياسية بل وضع نظرية واقعية انطالقا ً من التجارب التاريخية السابقة والخبرة‬
‫العملية في كتابه «األمير»‪ ،‬كذلك فقد نقد المفكر اإليطالي بومبناتزيـ ‪ Pomponazzi‬األدلة التقليدية التي قدمتهاـ‬
‫الفلسفات السابقة في خلود النفس‪ ،‬وكان بذلك سابقا ً على هيوم صاحب نفس الموقفـ من أدلة خلود النفس‪ ،‬وكامبانيال الذي‬
‫انطلق في فلسفته من نقطة بداية أولى وهي إثبات وجود الذات المفكرة وكان بذلك سابقا ً على ديكارت ونظريته في‬
‫الكوجيتو‪ ،‬ونيقوال الكوزيـ )‪ Nicola De Cusa (1401-1464‬الذي دافع عن الرؤية الجديدة للكون والتي أتى بها‬
‫كوبرنيقوس‪ ،‬وعن العقل الذي هو أعدل األشياء قسمة بين الناس‪ ،‬وأوضح قدرة العقل على الوصول إلى األلوهية بفكره‬
‫وحده وفي نفس الوقت اعترف بقدرة العقل المحدودة بالقياس إلى ال تناهي العلم اإللهي وكان بذلك سابقا ً على ديكارت‬
‫وعلى كانط في نفس الوقت‪.‬‬
‫ولنا أن نتساءل عن السر الذي يكمن في ظهورـ بوادر الفكر الحديث في إيطالياـ واستباق المفكرين اإليطاليين للمشكالت‬
‫والقضايا الفلسفية التي شغلت فالسفة العصر الحديث‪ .‬واإلجابة عن هذا التساؤل تتمثل في أن إيطاليا في عصر النهضة‬
‫كانت هي اإلقليم األقرب اتصاالً بالشرقـ العربي‪ ،‬ففيها تم انتقال التراثين اليوناني والعربيـ اإلسالمي إلى أوروبا‪ ،‬وفيهاـ‬
‫أيضا ً تمت ترجمة األعمال األدبية الكالسيكية واألعمال الفلسفية العربية إلى اللغة الالتينية‪ .‬كما أن إيطاليا آنذاك قد‬
‫شهدت جمهوريات مزدهرة من الناحية التجارية بسبب مراكز التجارة البحرية المزدهرة مع شرق المتوسط مثل جنوة‬
‫والبندقية وفلورنسا‪ .‬إذ ظهرت في هذه المدن بدايات االقتصادـ النقدي والبنوكـ ذات النشاط الدولي‪ ،‬وتراكمتـ فيها الثروة‬
‫وظهرت فيها الطبقة البروجوازية المشتغلة بأعمال المال والصناعة والتجارة‪ .‬وبالتاليـ فإن حركة النهضة األدبية والفنية‬
‫والفكرية هناك استندت على أساس اقتصادي مزدهر‪ ،‬على الرغم من عدم توحد إيطاليا في دولة واحدة وانقسامهاـ إلى‬
‫العديد من الدويالت أو الجمهوريات التي نشأت حول المدن التجارية‪ .‬وبعد أن انتقل مركز الثقل االقتصاديـ من المدن‬
‫اإليطالية إلى غرب أوروبا وخاصة فرنسا وإنجلتراـ في القرن السابع عشر‪ ،‬انتقل معه مركز الثقل الفكري والثقافي‪،‬‬
‫وبذلك وجدنا الحركة الفلسفية تزدهر في هذين البلدين‪ ،‬باإلضافة إلى هولندا وألمانياـ في القرن الثامن عشر‪.‬‬

‫‪3/‬رواد الفلسفة الحديثة‪: ‬‬

‫هناك مجموعة من الفالسفة الذين كان لهم التأثير األكبر في ظهور مفهوم الفلسفة الحديثة‪ ،‬من خالل تجديد الفلسفة‬
‫القديمة‪ ،‬وإدخال المنظورـ العلمي ليصبح جزءًا من المنظور الفلسفي الحديث‪ ،‬ومن أبرز الفالسفة الذي ساهموا في ظهور‬
‫الفلسفة الحديثة ما يأتي‪]8[:‬‬

‫‪/1‬رينيه ديكارت‪ :‬وهو العالم والفيسلوفـ الفرنسي‪ ،‬وُ لد في عام ‪1596‬م‪ ،‬ويع ّد رينيه ديكارت من أه ّم الفالسفة الذي‬
‫ساهموا بظهورـ الفلسفة الحديثة إلى الواجهة‪ ،‬حيث يُنظر إليه على أ ّنه أب الفلسفة الحديثة‪ ،‬وارتكزـ رينيه ديكارت في‬
‫تفكيره الفلسفي على الشك‪ ،‬والتأمّل في ما هو موجودـ من أجل الوصولـ إلى الحقائق‪ ،‬األمر الذي قاده إلى تأكيد وجود‬
‫الخالق والزمان والمكان‪.‬‬

‫‪/2‬فرانسيس بيكون‪ :‬وهو الكاتب والفيلسوف اإلنجليزي‪ ،‬وُ لد في عام ‪1561‬م‪ ،‬وهو من الفالسفة الذين كان لهم فضل‬
‫كبير في الفلسفة الحديثة من خالل التفكير المنطقي الفلسفي الجديد‪ ،‬حيث ابتعد عن الخرافة والتفكير المرتبط بالتمني‬
‫لتكون نظرته الفلسفية من منظور علمي ُتبنى عليه النظريات فيما بعد‪.‬كانت فلسفة بيكون على خالف كبير مع الفلسفات‬
‫المستم ّدة من علوم الرياضياتـ والقياس المنطقيّ ؛ وذلك ألنّ الرياضيات ال يمكن التح ّقق منها بواسطة التجربة وكان على‬
‫خالف مع فلسفة أرسطو‪ ،‬بمقابل أ ّنه كان يق ّدر الفيلسوف ديموقريطوس‪ ،‬كما تناول بيكون في فلسفته موضوع األوهام‬
‫البشرية‪ ،‬والمقصودـ بهذه األوهام عادات سيئة للذهن تسبب وقوع الناس في الخطأ أثناء التفكير والبحث عن الحقيقة‪،‬‬
‫وهذه األوهام خمسة أنواع‪]9[:‬‬

‫* أوهام القبيلة‪ :‬وهي تلك األوهام المتأصّلة في الطبيعة البشريّة‪ ،‬وهي بشكل خاصّ َوهم تو ّقعـ وجود نظام في الظواهر‬
‫الطبيعية أكثر مما هو موجود بالفعل‪ .‬أوهام الكهف‪ :‬وهي اآلراء الشخصية السابقة التي يحملها الفرد الباحث‪.‬‬

‫*أوهام السوق‪ :‬وهي تلك األوهام المتصلة باستبداد الكلمات‪ ،‬وصعوبة النجاة من تأثيرها على أذهان الباحث‪.‬‬

‫المعترف بصحتها‪ ،‬ويعودـ السبب فيها من وجهة نظر‬


‫َ‬ ‫*أوهام المسرح‪ :‬وهي تلك األوهام المتصلة بمذاهب الفكر‬
‫فرنسيس بيكون إلى الفالسفة المدرسيين‪.‬‬

‫* أوهام المدارس‪ :‬وهي األوهام التي تجعل الباحث يعتقد بقاعدة ما ويثق فيها ثقة عمياء‪ ،‬مثل القياس‪.‬‬

‫‪/3‬غاليليو غاليلي‪ :‬وهو العالم والفليسلوف اإليطالي المعروف‪ ،‬وُ لد في إيطاليا عام ‪1564‬م‪ ،‬ويعود له الفضل في العديد‬
‫من االختراعات والنظرياتـ العلمية‪ ،‬وعلى الجانب الفلسفي كانت له إسهامات بإدخال التحليل العلمي على المنظور‬
‫الفلسفي من خالل بعض الخواصّ الفيزيائية لألشياء‪ ،‬التي يعكس وجودهاـ الظاهري بعض الحقائق‪.‬‬
‫‪ /4‬سبينوزا‪ : ‬باروخ سبينوزا (‪1634‬م ‪1677-‬م) فيلسوفـ هولندي‪ ،‬يعد من كبار الفالسفة وأعالهم َق ْدرً ا‪ ،‬وإنْ اختلف‬
‫تخطي فلسفته على صعيد الجانب العقليّ ‪ ،‬إال أنهم لم يستطيعوا أن ينكروا مدى علوّ قدره‬ ‫ّ‬ ‫معه الفالسفة اآلخرون وحاولوا‬
‫في الجانب األخالقيّ ‪ ،‬كان يهوديـ الديانة لكنه كان محرومًا من االنتماء إلى اليهودـ وقدـ َم َقته المسيحيون‪ .‬ممّا ألّف‬
‫سبينورزاـ من ُكتب‪ :‬رسالة في السياسة الالهوتية‪ ،‬رسالة في السياسة‪ ،‬وكتاب علم األخالق وهو كتابه الرّ ئيس والمشهور‪،‬‬
‫يتناول فيه ثالثة أمور‪ :‬يبدأ بالميتافيزيقا‪ ،‬ث ّم يمضي إلى سيكولوجياـ االنفعاالت واإلرادة‪ ،‬ث ّم يختمه بأخالق مؤسّسة على ما‬
‫تق ّدم من ميتافيزيقاـ وعلم نفس‪ ]10[.‬كما أن الكتاب عبارة عن مجموعة من المبادئ متضمّنة رؤية عقلية علمية عن الدين‬
‫والطبيعة وعلم النفس واألخالق‪ ،‬على اعتبار أن سبينوزا أحد الفالسفة الممثلين لالتجاه العقالني في الفلسفة الغربية‬
‫واحدا فقط وهو "هللا أو الطبيعة" فعنده الفكر‬‫ً‬ ‫الحديثة‪ ]11[،‬ومذهب سبينوزاـ الطبيعي يقوم على فكرة أن هناك جوهرً ا‬
‫واالمتداد هما صفات هلل م ًعا‪]12[.‬‬
‫‪/5‬كانط‪ : ‬إيمانويل كانط (‪1724‬م ‪1804 -‬م) فيلسوفـ ألماني تميّز فلسفته بالنزعة المثالية النقدية وذلك لعدة أسباب؛‬
‫منها نقده للفلسفات السابقة‪ ،‬سواء البراغماتية التجريبية أم العقالنية‪ ،‬ومن خالل أبحاث عدة قام بها في شتى الميادين‬
‫الفلسفية‪ ،‬مثل‪ :‬األبيستسمولوجياـ (مبحث المعرفة في الفلسفة) واألكسيولوجياـ (مبحث القيم في الفلسفة) من خالل نظريته‬
‫في أخالق الواجب وغيرها‪ ،‬تعد فلسفته بمثابة ثورة كوبرنيكية؛ فما أحد َثه في الفلسفة يشبه ما أحدثه كوبرنيكوسـ من‬
‫ثورة في العلوم‪ُ ،‬فثالث ّي ُت ُه النقديّة المتمثلة بك ُت ِبه‪ :‬نقد العقل المحض ونقد العقل العملي ونقد ملكة الحكم‪ ،‬باإلضافة إلى باقي‬
‫كتبه‪ ،‬مثل‪ :‬الدين في حدود مجرد العقل وكتاب تأسيس ميتافيزيقا األخالق‪ ]13[.‬يؤكد كانط في نظرية المعرفة على أن‬
‫حدود العقل هي حدود التجربة ‪-‬أيْ عالم األشياء بتعبير كانط‪ -‬فهو يف ّرق بين عالم األشياء الذي أحيا فيه وأتعامل معه‬
‫بعقلي وأستقى منه معارف وبين عالم األشياء في ذاتها‪ ،‬أيْ ‪ :‬الميتافيزيقا التي ال يستطيعـ أو يتم ّكن أحد من البرهنة على‬
‫وجوده باألدلة العقلية‪ ،‬وكانت عبارة كانط الشهيرة‪" :‬مقوالت بال حدوس فارغة‪ ،‬وحدوسـ بال مقوالت عمياء"‪ ،‬مع التأكيد‬
‫على أن مصطلح الحدس عند كانط يعني ك ّل ما يرد إلى اإلنسان من العالم الخارجي‪ ،‬ومن ث ّم‪ ‬يؤكد كانط على نزعته‬
‫المثالية النقدية أو المثالية الترانسندنتالية القبليّة‪ ،‬فمثالية كانط تقول بأن هناك مقوالت في العقل سابقة على التعامل مع‬
‫تنظم مدركاتناـ الحسيّة‪]14[.‬‬ ‫عالم األشياء‪ ،‬وهي التي ّ‬
‫‪6/‬غوتيفريد‪ : ‬غوتفريد اليبنتز (‪1646‬م ‪1716-‬م) فيلسوفـ ألماني يع ّد من أكبر العقول الفلسفيّة‪ ،‬تعلّم الفلسفة األرسطيّة‬
‫المدرسية والجديدة في ألمانيا‪ ،‬وبعدـ انتقاله إلى باريس استطاع أن يتعرف على الفلسفة الديكارتية‪ ،‬ويتخلى عن الفلسفات‬
‫المدرسية‪ ،‬أمّا الفلسفة الشائعة لاليبنتز ‪-‬والتي كانت سببًا في ذيوع صيته وشهرته‪ -‬فهي المونادولوجيا؛ أيْ ‪ :‬علم الجواهر‬
‫ف اليبنتز بفلسفة مبادئـ الطبيعة والنعمة اإللهية‪ ،‬وقد أسّس فلسفته على فكرة الجوهر‬ ‫الفردية‪ ،‬ومن ناحية أخرى ع ُِر َ‬
‫كرائد لالتجاه العقالنيّ ‪ ،‬مثله مثل ديكارت وسبينوزا‪.‬ـ[‪]15‬‬

‫الفصل الثاني‪: ‬‬
‫‪/1‬خصائص الفلسفة‪ K‬الحديثة‪ : ‬تميزت الفلسفة الحديثة بمجموعة من الخصائص العامة‪ ،‬وهي عامة ألنها تطبع أغلب‬
‫التيارات والمذاهب الفلسفية على الرغم من اختالفهاـ في المنهج والتوجهات‪.‬ـ وما يجعلنا نختار الخصائص التالية‬
‫باعتبارها تميز الفلسفة الحديثة بالذات أنها هي ما يفرق بينها وبين الفلسفات األخرى‪ ،‬القديمة والوسيطة والمعاصرة‪.‬‬
‫وليس معنى هذا أن هذه الخصائص لم توجد إال في تيارات الفلسفة الحديثة‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬إذ ظهرت فلسفات أخرى‬
‫غيرها ذات توجهات عقالنية وإنسانية وفردية ونسقية‪ ،‬بل يعني ذلك أن هذه الخصائص لم تجتمع معا ً إال في عصر‬
‫فلسفي واحد هو عصر الفلسفة الحديثة‪ .‬وما كان إرهاصا ً للعقالنية أو الفردية أو النسقية في الفلسفات السابقة عليها‪ ،‬تمتع‬
‫بنضج وتطور مكتمل في الفلسفة الحديثة بالذات‪ .‬ومن جهة أخرى فإن هذه الخصائص سوف تنتهي عن أن تميز الفلسفة‬
‫في الفترة المعاصرة‪ .‬ففي مقابل العقالنية سوفـ تظهر في الفلسفة المعاصرة اتجاهات ال عقالنية تعتمد على أسس أخرى‬
‫غير العقل‪ ،‬مثل الحدس والطاقة الروحية عند برجسون‪ ،‬والمنفعة عند بنتام وجون ستيوارت ميل‪ ،‬والوسلية عن االتجاه‬
‫البراجماتي‪ ،‬واللغة عند فالسفة التحليل وعلى رأسهم رسل وفتجنشتين وآير‪ ،‬واالتجاه المادي االقتصادي عند الماركسية‪.‬‬
‫وفي مقابل الفردية سوف تظهر مذاهب جماعية في الفلسفة المعاصرة عند برديائيفـ وأونامونو وأورتيجا أي جاسيه‪،‬‬
‫ومذاهب اشتراكية لدى التوجهات الماركسية‪.‬‬
‫‪ - 1‬العقالنيـــة‪:‬‬
‫ويجب أن نميز في البداية بين العقالنية باعتبارها خاصية عامة للفلسفات الحديثة ‪ Rationality‬عن التيار العقلي‬
‫‪ .Rationalism‬أغلب فالسفة العصر الحديث عقالنيون‪ ،‬أي يتمسكون بقدرة العقل على إدراك الواقع ويذهبون إلى أن‬
‫كل سلوك إنساني صادر عن التفكير وعن استخدامـ الملكات الذهنية العليا‪ ،‬لكنهم ليسوا كلهم عقليون‪ .‬التيار العقلي هو‬
‫التيار الذي يضم ديكارت والمدرسة الديكارتية‪ ،‬وسبينوزاـ واليبنتزـ ومالبرانش‪ ،‬وهو يتصف بكونه يعطي األولوية للعقل‬
‫في المعرفة وينظرـ إليه على أنه المصدر األساسي لكل معرفة وكل علم‪ ،‬وذلك في مقابل المذهب التجريبي الذي يتصف‬
‫بإعطاء األولوية للخبرة التجريبية كمصدر أساسي للمعرفة‪ ،‬وما العقل في هذا المذهب سوى ملكة تنشأ عن االنعكاس‬
‫على عمليات اإلدراك الحسي[‪ ]16‬وليس معنى هذا أن التجريبيين ليسوا عقالنيين‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬إذ هم عقالنيون‬
‫تماماً‪ ،‬لكن تصورهمـ عن العقل يختلف عن تصور المذهب العقلي؛ إنهم يعترفون بدور العقل في المعرفة‪ ،‬لكنهم ينظرون‬
‫إليه على أنه ملحق بالحس والخبرة التجريبية‪ .‬والعقل عندهم نتاج التفكير في الخبرة التجريبية وليس مستقالً عنها أبداً‪ ،‬إذ‬
‫يدخل في هذه الخبرة وهو غير محمل بأي أفكار مسبقة فطرية‪ ،‬أي صفحة بيضاء كما يذهب لوك وهيوم‪.‬ـ أما العقل لدى‬
‫المذهب العقلي فهو كل شئ‪ ،‬يدخل في التجربة ليضفي عليها النظام والترتيب بفضل ما لديه من أفكار فطرية‪ ،‬مثلما‬
‫يذهب ديكارت واليبنتزـ‪.‬‬
‫ظهرت العقالنية باعتبارها خاصية للفلسفة الحديثة في مقابل اعتماد فلسفة العصورـ الوسطى على سلطة التراث الديني‬
‫والنظام الكهنوتي‪.‬ـ فقد واجه الفكر األوروبي منذ بدايته في عصر النهضة إشكالية العقل والنقل[‪ ،]17‬وهي نفس اإلشكالية‬
‫التي شغلت الفكر اإلسالمي‪ .‬وكان أمام الفكر ا ألوروبيـ عدداً من الخيارات‪ ،‬فإما أن يتمسك بما انتقل إليه من تراث ديني‬
‫كما هو وبالتالي يلغي العقل تماماً‪ ،‬أو أن يحاول التوفيق بينهما مثلما حدث في بداية عصر النهضة وخاصة في إيطاليا‪،‬‬
‫أو أن يجعل العقل قادراً على إثبات صدق التراث الديني بإثبات قدرته على التوصل إلى نفس الحقائق الدينية باالعتماد‬
‫على البرهان العقلي وحده ال على أي سلطة موروثة‪ ،‬أو أن يجعل العقل وحده المعيار الوحيد للحكم على سلوك اإلنسان‬
‫ومعرفته‪ .‬ولم يتجه الفكر األوروبي إلى التضحية بالعقل في سبيل النقل‪ ،‬بل ظهرت فيه باقي المحاوالت السابقة‪ .‬إذا‬
‫ظهرت محاوالت إلثبات العقائد الدينية عن طريق العقل وحده عند ديكارت وباسكال وبالبرانش‪ ،‬كما ظهرت محاوالت‬
‫للحصول على االستقالل التام للعقل بعيداً عن أي سلطة تراثية موروثة عند سبينوزاـ وفولتيرـ وروسوـ والماديين الفرنسيين‬
‫أصحاب الموسوعة في أواخر القرن الثامن عشر‪ ،‬وظهرتـ محاولة للتوفيقـ بين العقل والعقائد اإليمانية لدى كانط في‬
‫كتابيه «نقد العقل العملي و«الدين في حدود العقل و حده»‬

‫‪ - 2‬اإلنســـانية‪:‬‬
‫ظهرت النزعة اإلنسانية في بداياتهاـ األولى في عصر النهضة‪ ،‬واتخذت أشكاالً فنية وأدبية قبل أن تتحول إلى مجال‬
‫الفكر والفلسفة‪ ،‬وكان من بين بواعث ظهورهاـ حركة إحياء التراث اليوناني‪ .‬أمد هذا التراث عصر النهضة األوربية‬
‫برؤية مختلفة لإلنسان‪ُ ،‬تعطي األولوية للخبرات اإلنسانية الحية وتعلي من قيمته وتنظر إليه على أنه سيد الطبيعة وأعلى‬
‫الموجودات‪ .‬كما تهتم بتصوير الطابع الدرامي للحياة اإلنسانية وتتخذـ الرؤية اإلنسانية باعتبارهاـ مقياسا ً لكل شئ‪ ،‬بعد أن‬
‫كانت الرؤية الالهوتية هي المسيطرة في العصور الوسطىـ[‪ .]18‬ففي الفن ازدهر النحت على يد مايكل أنجلو الذي يهتم‬
‫بتجسيد الجسم اإلنساني في حالة الحركة واالهتمام بتعبيرات الوجه‪ ،‬وفي التصويرـ الزيتي اهتم ليوناردو دافنشيـ برسم‬
‫وجوه من الحياة اليومية وتصويرـ اإلنسان وهو منشغل في أنشطته اليومية المختلفة‪ ،‬وفيـ األدب ظهر شكسبير الذي اهتم‬
‫بالدراما البشرية وبالصراع والقيم التي تتنازعـ في النفس اإلنسانية‪ ،‬وظهرـ سرفانتيسـ األديب األسباني مؤلف رواية‬
‫«دون كيشوت» التي صورت آمال وأحالم اإلنسان عندما تصطدمـ بأرض الواقع وتتكسرـ‪.‬‬
‫ثم انتقلت النزعة اإلنسانية إلى مجال الفكر والفلسفة‪ ،‬وصار اإلنسان مقياس صدقـ وحقيقة المعرفة‪ .‬واختلفت التيارات‬
‫الفلسفية في ذلك‪ ،‬فالمذاهب التي تؤكد أولية العقل اإلنساني جعلت من التفكير المجرد والوعي الذاتي مقياسا ً للحقيقة‪،‬‬
‫والمذاهب التي تؤكد أولوية الحواس واإلدراكـ الحسي جعلت الخبرة التجريبية البشرية مقياسا ً للحقيقة‪ .‬فعلى الرغم من‬
‫اختالف العقليين عن التجريبين إال أنهم جميعا ً ينطلقون من أساس واحد‪ ،‬وهو إعطاء األولوية للرؤية اإلنسانية‪ ،‬سواء‬
‫كانت هذه الرؤية حسا ً أو عقالً‪ .‬ولذلك ينظر إلى ديكارت على أنه أبو الفلسفة الحديثة‪ ،‬ألنه بدأ مذهبه بعد الشك بإثبات‬
‫وجود الذات المفكرة وانطلقـ منها إلى إثبات وجود اإلله والعالمـ وخلود ا لنفس‪ .‬كما تعد فلسفة هيوم تطوراًـ في النزعة‬
‫اإلنسانية في الفلسفة‪ ،‬إذ ركز على جانب آخر في الطبيعة اإلنسانية غير الفكر‪ ،‬وهو الجانب االنفعالي‪ ،‬وركز على دور‬
‫اإلحساس واإلدراك الحسي في المعرفة‪ ،‬وأقام أول مذهب فلسفي على أساس نظرية سيكولوجية في االنفعاالت‪ ،‬وذهب‬
‫إلى أن علم النفس البشرية هو الفلسفة الحقة وهو أساس علوم األخالق والسياسة‪ .‬وظهرت كذلك فلسفة كانط التي أحدثت‬
‫ثورة في مجال نظرية المعرفة‪ ،‬وأصبح معيار صدق المعرفة هو اتفاقها مع قوانين العقل اإلنساني ال مع الظواهر‬
‫التجريبية المتغيرة‪ ،‬وقدم صورة للمعرفة باعتبارها صادرة عن إخضاع الخبرة التجريبية للقوانين العامة الكلية‬
‫والضرورية للفهم البشري‪ ،‬بحيث أصبح الفهم البشريـ هو الذي يضفي االنتظام والموضوعية على عالم الخبرة‬
‫التجريبية‪ ،‬وأن هذه الخبرة ال توجه المعرفة بل الفهم البشري هو الذي يوجههاـ وينظمها صانعًا منها معارف وعلوما ً‪.‬‬
‫‪ - 3‬الفرديـــة‪:‬‬
‫نظر الفكر الفلسفي الحديث إلى اإلنسان على أنه مقياس األشياء جميعاً‪ ،‬سواء كان عقالً أو إحساسا ً أو انفعاالً‪ ،‬وبذلك فإن‬
‫هذا المقياس فرديـ في األساس[‪ Individualist ]19‬فنقطة االنطالق التي بنى عليها ديكارت مذهبه هي أنا أفكر‪ ،‬وقدـ‬
‫ظهر هذا األنا أو الكوجيتو على أنه فعل فردي‪.‬ـ كما أن نظرية المعرفة عند لوك تتصف أيضا ً بالفردية‪ ،‬ذلك ألنها كلها‬
‫وصف للعمليات الذهنية التي تدور في ذهن الفرد ويؤسسـ بها المعرفة‪ .‬كما ظهرت النزعة الفردية واضحة في الفكر‬
‫السياسي للفالسفة المحدثين‪ ،‬وازدهرت المذاهب الليبرالية وأهمها مذهب توماس هوبز‪ ،‬وجون لوك وديفيد هيوم‪ ،‬وهي‬
‫تصف المجتمع على أنه ليس إال مجموعة من األفراد‪ ،‬وعلى أن ما يحرك هذا المجتمع المصالح الفردية‪ ،‬ووصفت‬
‫ظهور السلطة السياسية بفكرة العقد االجتماعي الذي هو اتفاق بين أفراد على التخلي عن جزء من حقوقهمـ الطبيعية‬
‫لتنظيم سياسي يمثلهم‪ .‬وظهرت كذلك فكرة الحق الطبيعي الذي هو حق الفرد في حفظ حياته وممتلكاته وتنمية قدراته‬
‫واختيار حكامه‪ ،‬وفكرة الحق المدني الذي هو حق المواطن الفرد في أن تكون له حقوق مصانة ومعترفـ بها من قبل‬
‫السلطة السياسية‪.‬‬
‫وقد كان التأكيد على الفردية كقيمة عليا جديداً على الفكر األوروبيـ بعد عصر اإلقطاع الذي لم يكن يعرف أفراداً‬
‫مستقلين عن األنساق االقتصادية والسياسية والدينية التي تشملهم‪ .‬وبذلك ظهر حق الفرد في تقرير مصيره وحريته في‬
‫اختيار عقيدته وآراءه وشكل الحكم الذي يلتزم به‪ .‬وتتضح الفردية باعتبارها خاصية للفكر الحديث من مقارنتها بما ساد‬
‫الفكر المعاصر‪ ،‬إذ لم تعد قيم الفردية تمثل تلك األهمية التي كانت لها‪ ،‬فقد ظهر المجتمع في الفكر المعاصر باعتباره‬
‫كيانا ً مستقالً عن األفراد‪ ،‬يمتلك حقوقاًـ تختلف عن الحقوق الفردية‪ ،‬ويمتلك هوية خاصة به تختلف عن هوية األفراد‬
‫المكونين له‪ ،‬وظهر ذلك على يد هيجل وماركس وكل المذاهب الفكرية التي تنظر إلى المجتمع على أنه كيان عضوي‬
‫مثل الجسد اإلنساني الذي يشمل أعضا ًء متكاملة الوظائف‪ ،‬حيث يصبح األفراد أعضا ًء متكاملين في هذا الجسد‬
‫االجتماعي الواحد‪ ،‬وتمثل ذلك في علماء االجتماع عند فرديناند تونيزـ وإميل دوركايم ومعظمـ المذاهب االشتراكية‬
‫المعاصرة‪ .‬ومعنى هذا أن عصر الفلسفة الحديثة كان عصر الفردية بدون منازع‪ ،‬ألن مقولة المجتمع باعتباره كيانا ً‬
‫مستقالً عن األفرادـ لم تكن قد ظهرت بعد‪ ،‬وعندما ظهرت في القرن التاسع عشر لن تعودـ الفردية هي النزعة المسيطرة‬
‫على الفكر األوروبي‪،‬ـ إذ سوف تنافسهاـ نزعات أخرى‪ ،‬عضوية وجماعية واشتراكية‪ .‬والمالحظـ أن هذه النزعات سوف‬
‫تضمحل في النصف الثاني من القرن العشرين‪ ،‬الذي سوف يشهد عودة إلى ظهورـ النزعات الفردية مرة أخرى والمتمثلة‬
‫في المذاهب الليبرالية الجديدة‪.‬‬
‫‪ - 4‬النســـقية‪:‬‬
‫كان الفالسفة المحدثين مولعين بإقامة أفكارهم في صورة نسق فلسفي متكامل‪ .‬والنسق الفلسفي ‪ System‬هو مذهب عام‬
‫يحتوي توجها ً معينا ً ويضم نظرية في المعرفة وأخرىـ في األخالق وثالثة في السياسة‪ ،‬كما يمكن أن يحتويـ على مذهب‬
‫ميتافيزيقيـ أو ال يحتويـ حسب موقف الفيلسوف من الميتافيزيقاـ سواء بالقبول أو الرفض‪ .‬ويعبر وضع الفالسفة ألفكارهم‬
‫في صورة نسق عن الطابع الموسوعي للقرنين السابع عشر والثامن عشر‪ ،‬وعن إصرار هؤالء الفالسفة على االحتفاظ‬
‫بدور أساسي ومركزى للفلسفة وسطـ العلوم الطبيعية الجديدة الناشئة‪ .‬فقد ظلوا يتمسكون بالدور المشرع للفلسفة بالنسبة‬
‫للعلوم األخرى‪ ،‬وبأن المعرفة اإلنسانية واحدة ومتكاملة على الرغم من ظهور التخصصاتـ الدقيقة وزيادة انفصال العلم‬
‫التجريبي عن الفلسفة‪ .‬ودائماًـ ما كانت نظرية المعرفة تحتل المكان األول في كل نسق فلسفي‪ ،‬تليها الميتافيزيقا‪ ،‬سواء‬
‫بالقبول أو الرفض‪ ،‬ثم األخالق وأخيراً السياسة‪ .‬وقد ظهر هذا التقسيم للمذهب الفلسفي لدى أغلب الفالسفة المحدثين‪.‬‬
‫وكان هيجل آخر الفالسفة أصحاب األنساق الفلسفية الكبرى‪ ،‬ولذلك ينظر إليه على أنه آخر فيلسوف محدث ينتهي عنده‬
‫تاريخ الفلسفة الحديثة‪ ،‬لكننا أثرنا اعتباره أول الفالسفة المعاصرين ألن الصورة الجديدة التي وضع فيها الفلسفة‪،‬‬
‫والقضايا واإلشكاليات التي طرحها‪ ،‬سوف تكون لها أبلغ األثر في كل تيارات الفلسفة المعاصرة‪ .‬بحيث أن الفيلسوفـ في‬
‫الحقبة المعاصرة لن يستطيع التفلسف دون العودة إلى هيجل‪ .‬وعندما نذهب إلى أن النسقية كانت خاصية مرتبطة‬
‫بالفلسفات الحديثة فنحن نقصد بذلك أنها لم تعد تميز الفلسفة المعاصرة‪ ،‬التي هي فلسفة ضد النسق بصفة أساسية‪ .‬فقد‬
‫امتنع الفالسفة المعاصرين عن وضع أفكارهم في صورة مذهب فلسفي‪ ،‬وآثرواـ الكتابة في موضوعات مختلفة متنوعة‬
‫اتخذت شكل المقاالت أو المؤلفات الفكرية التي تضم موضوعات متنوعة‪ ،‬مثل مؤلفات الوجوديين وفالسفة مدرسة‬
‫فرانكفورت‪ ،‬أو التركيز على قضية واحدة فقط مع الحرص على عدم صنع مذهب فلسفي منها‪ ،‬مثل أعمال برجسون‬
‫وفالسفة البراجماتية والتحليل‪ .‬كما أن تركيز الفلسفة المعاصرة سوف يبتعد عن الفلسفة باعتبارهاـ مذهبا ً أو نسقا ً عاما ً‬
‫ويتحول إلى النظر إليها على أنها منهج‪ ،‬ولذلك سوفـ تظهر مناهج فلسفية عديدة في الفكر المعاصر‪ :‬الفينومينولوجيا‪،‬‬
‫التحليل المنطقي‪،‬الهرمنيوطيقاـ أو منهج التأويل‪ ،‬البنيوية‪ ،‬التفكيكية‪ ،‬ومعنىـ هذا أن الفلسفة باعتبارها مذهبا ً أو نسقا ً كانت‬
‫ظاهرة مرتبطة بالفلسفة الحديثة على نحو أساسي‪ ،‬وسوفـ تكف الفلسفة عن أن تكون نسقا ً مذهبيا ً في الفكر المعاصر‪.‬‬
‫وفي نهاية هذا المدخل بقى أن نشير إلى خاصية أخرى للفلسفة الحديثة‪ ،‬مرتبطة بها وحدها ولن تستمر في حقبة الفلسفة‬
‫المعاصرة‪ ،‬وهي خاصية في غاية العمومية ألنها مليئة باالستثناءات‪ .‬فقد تمثلت هذه الخاصية في ارتباط التيارات‬
‫الفلسفية بالقوميات‪ .‬فالتيارـ العقلي كان إلى حد كبير تياراً فرنسياً‪ ،‬ضم ديكارت ومالبرانش وباسكال‪ ،‬والتيارـ التجريبي‬
‫كان إنجليزيا ً بصورة حصرية‪ :‬بيكون وهوبز ولوكـ وهيوم‪،‬ـ والتيار النقدي كان كانط األلماني هو ممثله األساسي‪ .‬ويبدوـ‬
‫أن السبب في ذلك يرجع إلى طبيعة كل شعب من هذه الشعوب‪ ،‬فالشعب اإلنجليزي شعب تجاريـ وعملي‪،‬‬
‫ال يهتم كثيراً بالمثاليات وال يميل إلى الفكر المجرد وغالبا ً ما يلجأ إلى احتكام الحس المشترك‪ ،‬ولذلك كان التيار التجريبيـ‬
‫إنجليزيا ً حصرياً‪ .‬والفرنسيون على العكس أصحاب تفكير عميق‪ ،‬وهم أكثر ارتباطاًـ بالتراث العقلي اليوناني‪،‬ـ ودائماًـ ما‬
‫حاولوا التوفيقـ بين العقل والدين نتيجة لخلفيتهم الكاثوليكية‪ ،‬وغالبا ً ما ينتج هذا التوفيقـ فلسفة عقلية‪ .‬هذه الخاصية ليس‬
‫لها شأن كبير في الدراسة العينية المتعمقة في تلك التيارات‪ ،‬بل هي تخص علوما ً أخرى مثل تاريخ العقليات والتاريخ‬
‫الحضاري وسوسيولوجياـ المعرفة‪.‬‬

‫‪/2‬مذاهب الفلسفة الحديثة‪: ‬‬

‫فيما يخص التيّارات أو مذاهب الفلسفة الحديثة فيوجدـ مذهبان أساسيان اتجه إليهما الفالسفة الحديثون وهما‪:‬‬
‫‪/1‬المذهــــب العقلـــــي‪: ‬‬
‫العقالنية مذهب فكري يزعم أنه يمكن الوصول إلى معرفة طبيعة الكون والوجودـ عن طريق االستدالل العقلي بدون‬
‫االستناد إلى الوحي اإللهي أو التجربة البشرية وكذلك يرى إخضاع كل شيء في الوجودـ للعقل إلثباته أونفيه أو تحديد‬
‫خصائصه‪.‬‬
‫ويحاول المذهب إثبات وجود األفكار في عقل اإلنسان قبل أن يستمدهاـ من التجربة العملية الحياتية أي أن اإلدراك العقلي‬
‫المجرد سابق على اإلدراك المادي‪ .‬المجسد‬
‫‪-‬العقالنية مذهب قديمـ جديد بنفس الوقت‪ .‬برز في الفلسفة اليونانية على يد سقراط وأرسطو‪ ،‬وبرزـ في الفلسفة الحديثة‬
‫والمعاصرة على أيدي فالسفة َّأثروا كثيراً في الفكر البشري أمثال‪ :‬ديكارت وليبنتز وسبينوزاـ وغيرهم‪.‬‬
‫‪-‬وفيـ المجتمع اإلسالمي نجد المعتزلة تقترب من العقالنية جزئ ًّيا‪ ،‬إذ اعتمدوا على العقل وجعلوه أساس‬
‫تفكيرهم ودفعهمـ هذا المنهج إلى تأويل النصوص من الكتاب والسنة التي تخالف رأيهم‪ .‬ولعل أهم مقولة لهم‬
‫قولهم بسلطة العقل وقدرته على معرفة الحسن والقبيح ولو لم يرد بها شيء‪ .‬ونقل المعتزلة الدين إلى مجموعة من‬
‫القضايا العقلية والبراهين المنطقية وذلك لتأثرهم بالفلسفة اليونانية‪.‬‬
‫‪-‬وقدـ ف َّند علماء اإلسالم آراء المعتزلة في عصرهم‪ ،‬ومنهمـ اإلمام أحمد بن حنبل ثم جاء بعد ذلك ابن تيمية ور َّد عليهم ر ًّدا‬
‫قو ًّيا في كتابه درء تعارض العقل والنقل وبيّن أن صريح العقل ال يمكن أن يكون مخالفا ً لصحيح النقل‪ .‬وهناك من يحاول‬
‫اليوم إحياء فكر المعتزلة إذ يعدونهم أهل الحرية الفكرية في اإلسالم‪ ،‬وال يخفى ما وراء هذه الدعوة من حرب على‬
‫العقيدة اإلسالمية الصحيحة‪ ،‬وإن لبست ثوب التجديد في اإلسالم أحيانا ً‪.‬‬
‫تعتمد العقالنية على عدد من المبادئ األساسية هي‪:‬‬
‫‪ -‬العقل ال الوحي هو المرجع الوحيد في تفسير كل شيء في الوجود‪.‬‬
‫‪ -‬يمكن الوصولـ إلى المعرفة عن طريق االستدالل العقلي وبدون لجوء إلى أية مقدمات تجريبية‪.‬‬
‫‪ -‬عدم اإليمان بالمعجزات أو خوارق العادات‪.‬‬
‫‪ -‬العقائد الدينية ينبغي أن تختبر بمعيارـ عقلي‪.‬‬
‫‪-‬وفيـ عصر النهضة ونتيجة احتكاك أوروبا بالمسلمين – في الحروب الصليبية واالتصال بمراكز الثقافة في‬
‫األندلس وصقلية والشمال اإلفريقي – أصبح العقل األوربي في شوق شديد السترداد حريته في التفكير‪ ،‬ولكنه عاد‬
‫وسخرـ العقل للبعد عن هللا‪ ،‬وأصبح التفكير الحر معناه اإللحاد وذلك أن‬ ‫َّ‬ ‫إلى الجاهلية اإلغريقية ونفر من الدين الكنسي‪،‬‬
‫التفكير الديني معناه عندهم الخضوع للفقيد الذي قيدت به الكنيسة العقل وحجرت عليه أن يفكر‬

‫‪-‬يتضح مما سبق أن العقالنية مذهب فكري فلسفي يزعم أن االستدالل العقلي هو الطريق الوحيد للوصول إلى معرفة‬
‫طبيعة الكون والوجود‪ ،‬بدون االستنادـ إلى الوحي اإللهي أو التجربة البشرية‪ ،‬وأنه ال مجال لإليمان بالمعجزات‬
‫أو خوارقـ العادات‪ ،‬كما أن العقائد الدينية يمكن‪ ،‬بل ينبغي أن تختبر بمعيار عقلي‪ ،‬وهنا تكمن علله التي تجعله مناوئا ً‬
‫ليس فقط للفكر اإلسالمي‪ ،‬بل أيضا ً لكل دين سماوي صحيح‪.‬‬

‫‪/2‬المذهب التجريبي‪: ‬‬

‫يعتبر فرنسيس بيكون مؤسس هذا االتجاه ولقد اعتمد بيكون على استراتيجية خطابية تهدف إلى منع المرء من االكتفاء‬
‫بالمعرفة الجاهزة ودفعه إلى البحث عن معرفة جديدة عبر تغيير المنهج القديم بآخر جديد واالقتناع بأن التقدم يجب أن‬
‫يكون مهمة ال نهاية لها وال يمكن تحديد الطريقة التي ينبغي إتباعها بصورة قبلية من اجل إنتاج معارف علمية جديدة‪.‬‬
‫ولذلك يكتفي بيكون ببعض اإلشارات والتوصيات التي يتسنى له التخلي عنها عند التقدم في البحث ألن المرء ال يمكنه أن‬
‫يتوقع أنه يتقدم وأنه بصدد تحقيق المزيد من االكتشافات وال أن يقول ما ستكون عليه المعرفة في المستقبل وبهذا المعنى‬
‫كان الهدف األساسيـ من فلسفة بيكون هو تحريرـ عملية االكتشاف‪.‬‬
‫جديدا في ‪ Novum Organum‬باإلضافة إلى برنامج‬ ‫ً‬ ‫العلم يجب أن يأخذ نهجا واقعيا‪ .‬يقدم فرانسيس بيكون منط ًقا‬
‫العلوم الطبيعية‪ .‬اذ إنه يسلط الضوء على الحاجة إلى معرفة أسرار الطبيعة‪ ،‬أي تنظيمها‪ ،‬من أجل النهوض بالعلوم‬
‫اإلنسانية والح ًقا إتقان السيطرة على الطبيعة من خالل تفسير الظواهر والتحكمـ فيها‪.‬‬
‫وخالصة هذا المذهب انه يؤمن بأنّ الحقائق يت ّم الوصول إليها عن طريق التجربة وباستخدام حواس اإلنسان فال يوجد ما‬
‫ٌ‬
‫خبرات متراكمة‬ ‫هو فطريٌّ في اإلنسان إ ّنما هي‬
‫والمراد من استخدام المنهج التجريبي أن اكتشاف المعرفة الجديدة يتطلب أيضً ا أن يقوم الفيلسوف بالبحث والتحقق من‬
‫المعلومات الواردة من الواقع وحساب المعطيات وقياس ما تعلمه من التجربة لتحديد المعلومات وبمجردـ تجميع هذه‬
‫الجملة من المالحظات الخاصة‪ ،‬فإنه من الضروريـ ترتيبها وتنسيقها‪.‬ـ‬

‫‪-‬خاتمة‬

‫وفي الختام يمكن القول بأن الفلسفة الحديثة مرحلة هامّة في تاريخ الفلسفة منذ بداياتها األولى في اليونان‪ .‬تمحورت‬
‫الفلسفة الحديثة باألساس حول اإلنسان واإلعال ِء من شأنِه وقيمته‪ ،‬وجاءت كذلك كر ّدة فعل على األنوار الذي بسبب ِه‬
‫أصبح يعيشُ اإلنسان في دوامة المعاناة‪  .‬و في االخير نتمنى منكم ان تكونواـ قد استفدتم من المعلومات المذكورة اعاله‬
‫وبهذا قد نكون انهينا بحثنا والزال البحث متواصال‪.‬ـ والى الملتقى وفقنا هلل و إياكم ‪.‬‬
‫قائمة المصادرـ والمراجع‪: ‬‬

‫[‪ -]1‬رجب بو دبوس (‪1425‬هـ)‪ ،‬تبسيطـ الفلسفة (الطبعة األولى)‪ ،‬ليبيا‪ -‬بنغازي‪ :‬ال ّدار الجماهيريّة للنشر والتوزيع‬
‫واإلعالن‪ ،‬صفحة‪.14-13 :‬‬
‫[‪" ،Sahli Yacine (21-1-2011) - ]2‬تعريف الفلسفة"‪ّ ،overblog ،‬‬
‫اطلع عليه بتاريخ ‪.2017-4-29‬‬

‫[‪ The Beginnings of Modern Philosophie ]8[ -]3‬موقع انترنت اجنبي ‪www.webspace.ship.edu‬‬

‫[‪ -]4‬أحمد أمين‪ ،‬وزكيـ نجيب محمود‪ :‬قصة الفلسفة الحديثة‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬لجنة التأليف والترجمة والنشر‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪ ،1936‬ص ‪.39-36‬‬

‫[‪ -]5‬وليم كيلي رايت‪ :‬تاريخ الفلسفة الحديثة‪ ،‬ترجمة محمود سيد أحمد‪ ،‬تقديم ومراجعة إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬المشروع‬
‫القومي للترجمة‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،2001 ،‬ص‪.49‬‬

‫[‪ -]6‬الموسوعة الفلسفية العربية‪ ،‬تحريرـ د‪ .‬معن زيادة‪ .‬مادة «فلسفة النهضة»‪ ،‬المجلد الثاني‪ ،‬القسم الثاني‪ ،‬ص ‪.1034‬‬
‫معهد اإلنماء العربي‪ ،‬بيروت‪.1988 ،‬‬

‫[‪ -]7‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪1036-1035‬‬

‫[‪ -]9‬برتراندـ رسل‪ ،‬تاريخ الفلسفة الغربية الجزء الثالث‪ ،‬صفحة ‪.84-83‬‬

‫[‪ -]10‬المرجع السابق صفحة ‪.122-120‬‬

‫[‪ -]11‬سبينوزا (‪ ،)2019‬علم األخالق‪ ،‬الجيزة مصر‪ :‬دار صفصافة للنشر والتوزيع‪ ،‬صفحة ‪.8‬‬

‫[‪ -]12‬برتراند رسل‪ ،‬تاريخ الفلسفة الغربية الجزء الثالث‪ ،‬صفحة ‪.123‬‬

‫[‪ -]13‬هنس زندكولر‪ ،‬المثالية األلمانية المجلد األول‪ ،‬بيروت لبنان ‪:‬الشبكة العربية لألبحاث‪ ،‬صفحة ‪.385-384‬‬

‫[‪ -]14‬غادة إمام وبدرالدين مصطفى‪ ،‬الميتافيزيقا‪ ،‬عمان األردن ‪:‬دار المسيرة‪ ،‬صفحة ‪114-112‬‬

‫[‪ -]15‬برتراند رسل‪ ،‬تاريخ الفلسفة الغربية الجزء الثالث‪ ،‬صفحة ‪.140-139-137‬‬

‫[‪ -]16‬الموسوعة الفلسفية العربية‪ ،‬تحرير د‪ .‬معن زيادة‪ .‬مادة «فلسفة النهضة»‪ ،‬المجلد الثاني‪ ،‬القسم الثاني‪ .‬ص ‪-36‬‬
‫‪.37‬‬

‫[‪ -]17‬بول هازار‪ :‬أزمة المضير األوروبي (‪ ،)1715-1680‬ترجمة جودت عثمان ومحمد نجيب المستكاوي‪ ،‬مقدمة‬
‫لطه حسين‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪ ،1987 ،‬ص ‪.140-135‬‬

‫[‪ -]18‬جون هرمان راندال‪ :‬تكوين العقل الحديث‪ .‬ترجمة د‪ .‬جورج طعمة‪ ،‬مراجعة برهان الدين الرجائي‪ ،‬دار الثقافة‪،‬‬
‫بيروت‪ ،1958 ،‬الجزء األول‪ ،‬ص ‪.35-30‬‬

‫[‪ -]19‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪122-120‬‬

You might also like