Professional Documents
Culture Documents
..
..
الفلسفة الحديثة
مقدمة
خاتمة
المقدمة:
بسم هللا الرحمن الرحيم والحمد هلل والشكر له .الذي وهبنا بالعقل من اجل ان نفكر به .اليوم جئنا لنقدم لكم بحثنا حول
موضوعـ الفلسفة الحديثة راجيين من هللا ان نكون قد وفقناـ في كتابته و ان ينال اعجابكم نرجو منكم ان تكونوا أذانا
صاغية وننتظر منكم في االخير تقييم هذا البحث.
مرت الفلسفة منذ نشأتها بالعديد من المراحل المتعاقبة فاعتمدت كل مرحلة منها على مراحل التي سبقتها وارتبطت
وتميزت كل منها بالعصر التي وجدت فيه والمنطقة التي نشأت بها .كذلك االمر للفلسفة الحديثة التي تعتبر احد احدث
المراحل للفلسفة والتي ظهرت في القرن السابع عشر للميالد في اوروباـ بعد الفلسفة االسالمية وستمرت حتى بدايات
القرن العشرين فكانت هي المرحلة التي سبقت الفلسفة المعاصرة الموجودة في عصرنا الحالي واختلف المؤرخون في
تحديد النقطة المرجعية التي يبدأ عندها تاريخ الفلسفة الحديثة .فيرجع العديدون على ان ديكارت هو النقطة االساس في
بداية الفلسفة الحديثة فيسمونه ابو الفلسفة الحديثة .ويذهب اخرون على ان فرنسيس بيكون هو لمؤسس للفلسفة الحديثة
ويجمع اخرون يرجعون الفلسفة الحديثة للفيلسوفين السابق ذكرهما كونهما اوائل الفالسفة الحديثين فقد ابتدأ كالهما منهجا
خاصا في الفلسفة الحديثة .
وهذا ما يدفعنا لطرح االشكال التالي : ماذا نقصد بالفلسفة الحديثة ؟وماهي بداياتهاـ ؟ ومن اهم اعالمها ؟و ما عوامل
نشأتها ؟وماهي اهم مذاهبها ؟
الفصل االول:
الفلسفة في اللُّغة :أصل كلمة فلسفة هو اختصا ٌر لكلم َتين يونانيّتين ،هما :فيلو ،وتعني :حُبّ ،وسوفيا:ـ تعني الحِكمة؛ أي إنّ
معنى الفلسفة هو حُبّ الحِكمة ،وينسب بعض المؤ ّرخين هذا االصطالح إلى فيثاغورس ،الذي أطلق على نفسه لقب
ً
رغبة من ُه في تمييز نفسه عن السّوفسطائيين الذين فيلسوف ،وأرجع ُه البعض إلى سقراط الذي وصف نفسه بالفيلسوف؛
ي ّدعون الحِكمة ،ويرىـ آخرون أنّ مُصطلح فلسفة يعو ُد إلى أفالطون؛ حيث استخدمهاـ في وصفـ سولون وسقراط] 1[.
يختلف تعريف الفلسفة اصطِ الحا ً عند الفالسفة؛ إذ يُعرّفها الفارابي بأ ّنها( :العلم بالموجودات بما هي موجودة) ،أمّا عند
الكنديّ فإنّ الفلسفة هي :علم األشياء بحقائقها الكليّة؛ حيث يُؤ ّكدـ أنّ ال ُكليّة هي إحدى خصائص الفلسفة الجوهريّة التي
ُتميّزها عن غيرها من العلوم اإلنسانيّة ،ويرى ابن رُشد أنّ ال ّتفكير في الموجودات يكون على اعتبار أ ّنها مصنوعات،
و(كلّما كانت المعرفة بالمصنوعات أت ّم كانت المعرفة بالصّانع أت ّم) ،أمّا إيمانويل كانت فيرىـ أنّ الفلسفة هي المعرفة
الصّادرة من العقل]2[.
يمكن تعريف الفلسفة الحديثة بأ ّنها تلك الفلسفة التي بدأت مالمحها بالظهورـ مع عصر النهضة في القرن الخامس عشر
نحى
الميالدي ،وكان ذلك من خالل مجموعة من الفالسفة الذين كان لهم منظورـ حداثيٌّ تجاه التفكير الفلسفي ،حيث َ
ت الفلسفة الحديثة لألحداث الواقعية على أ ّنها َنتاج
ونظر ْ
َ الفالسفة الحداثيون َمنحىً مُختل ًفا تجاه التفكير المنطقي،
لمجموعة من المسببات المنطقية التي أ ّدت إلى وقوعها ،وكان من أه ّم األسباب التي دعت إلى ذلك ازدهارـ العديد من
العلوم والمعارفـ في عصر النهضة ،ومن أبرزها علم الفيزياء ،وعلم الرياضيات ،وعلوم الفلك ،كما شهد هذا العصر
اختراع العديد من اآلالت ،ومن أبرزها اآللة الطابعة التي ساهمت في توثيق النتاج الفلسفي الحديث]3[.
وتمثل ثاني عوامل نشأة الفكر الفلسفي الحديث في ظهور الروح العلمية الحديثة وازدهار العلوم التجريبية[ ]4تمثل
ذلك في الثورة العلمية التي أحدثها العالم البولنديـ نيقوالوسـ كوبرنيقوس ( )1543-1473باكتشافه للنظام الشمسي .كان
العالم قبل كوبرنيقوسـ يعتقد ،تحت تأثير فلسفات العصورـ الوسطى التي كانت تعتمد على نظام بطليموس الفلكي ،أن
األرض ثابتة وفي مركزـ الكون ،والسماء بما فيها من نجوم وكواكب وشمس وقمر ،تدورـ حولها .لم يقتنع كوبرنيقوسـ
بهذه الفكرة الساذجة واكتشف أن العكس هو الصحيح ،أي أن الشمس ثابتة واألرض هي التي تدورـ حولها ،وكذلك
اكتشف دوران الكواكب حول الشمس ،أي المجموعة الشمسية .كان هذا االكتشافـ من العوامل التي أدت إلى فقدان الثقة
بكل الفلسفات والعلوم الموروثة وخاصة فلسفة أرسطو ،مما مكن الفكر األوروبيـ من التحررـ من ثقل تراث الماضي
والبحث بنفسه عن أسرار الكون[. ]5وبعد كوبرنيقوس جاء العالم األلماني يوهانس كبلر ( )1630-1571الذي أحدث
ثورة أخرى في علم الفلك والرياضيات ،إذ أضاف إلى نظرية كوبرنيقوسـ تعديالً هاما ً يذهب إلى أن دوران الكواكب
حول الشمس ال يأخذ شكل الدائرة الكاملة بل الشكل البيضاوي ،كما اكتشف أن حركة الكوكب تتسارعـ في مداره عندما
يقترب من الشمس وتتباطأـ عندما يبتعد عنها ،وكان هذا مما ساعد اسحق نيوتن بعد ذلك على اكتشاف القوانين العامة
للجاذبية .وكذلك اكتشف كبلر العالقة الوثيقة بين علم الفلك والرياضيات ،حيث أدرك أن الرياضياتـ هي أداة البحث في
الفلك والفيزياء عامة .كما أحدث العالم اإليطالي جاليليو ( )1642-1564ثورة علمية أخرى عندما اكتشف العالقة بين
الكتلة والسرعة وبين الساكن والمتحركـ في األجسام في حالة االصطدام ،وظاهرة تسارعـ وتباطؤ السرعة ،ووضع
نظرياته في صورة رياضية دقيقة مما مكن العالم من اكتشاف الطابع الرياضي للقوانين الفيزيائية .كما دافع جاليليو عن
نظرية كوبرنيقوس في المجموعة الشمسية وأجرىـ عدداً من المالحظات الفلكية تؤيد تلك النظرية واكتشفـ عدداً من
أقمار كوكب المشترى .ومن أجل تبنيه ودفاعه عن نظرية كوبرنيقوسـ اتهمته الكنيسة وخضع لمحكمة التفتيش وصدر
في حقه حكما ً بالحرقـ لكنه لم ينفذ ،وظل جاليليوـ تحت اإلقامة الجبرية المقيدة في منزله قرب فلورنسا ،حيث فقد بصره
وتوفى.ـ
وإلى جانب الروح العلمية تطورتـ فنون الصناعة ،ذلك ألن الحروب التي دخلتها البلدان األوروبية آنذاك أدت إلى زيادة
استخدام البارود واألسلحة النارية ،مما شجع على تطور األبحاث الكيميائية والصناعات المعدنية[ ]6والمالحظ كيف
تداخلت هذه الفنون مع تطور العلم الحديث ،فعندما كان جاليليو يدرس سقوط األجسام والعالقة بين الكتلة والسرعة
والجاذبية ضرب مثاالً شهيراً وهو قذيفة المدفع التي تأخذ مساراً منحنياً ،ودرسـ بدقة سرعة القذيفة والعالقة بين المنحنى
والمسافة التي تقطعها .وكان أهم اختراع في هذا العصر هو اختراع المطبعة على يد جوتنبرج .والحقيقة أن هذا
االختراع كان له أبلغ األثر في أن يأخذ الفكر الحديث طابعا ً جديداً مختلفا ً عما سبقه .إذ انتشر الكتاب المطبوعـ وأصبح
للقراءة جمهورـ واسع ،ولم تعد الفلسفة مقيدة بفئة محددة من المتخصصين بل أصبحت شأنا ً عما ً لكل المثقفين ،حتى
أصبحت مؤلفات الفالسفة تقرأ من جمهور عريض مثل األعمال األدبية ،وبذلك لم يعد الحكم على األفكارـ في يد طائفة
من رجال الدين أو األكاديميين بل احتكم الفالسفة إلى كل من له عقل سليم وفكر حر وبصيرة ذاتية ،وكان هذا عامالً
على انتشار النزعات العقالنية واإلنسانية في الفكر الغربي.
وثالث عوامل نشأة الفكر الفلسفي الحديث هو ظهور عصر النهضة األوروبية ابتداء من القرن الخامس عشر ،وقد كانت
نهضة شاملة ،فكرية وأدبية علمية .ظهرت بدايات عصر النهضة عندما فتح األتراك القسطنطينية سنة 1453واسترد
األسبان آخر جزء من األندلس وهو غرناطة في تسعينات القرن الخامس عشر ،وانتقل بذلك التراث اليونانيـ والرومانيـ
إلى غرب أوروبا ،فظهرت حركة واسعة إلحياء اآلداب اليونانية والالتينية[ ]7كانت هذه اآلداب تركز على اإلنسانيات
مما أدى إلى ظهور نزعة إنسانية قوية في الفكر األوروبي ،ولم يمنع إحياء التراث اليونانيـ الفكر األوربيـ من أن يأخذ
موقفا ً نقديا ً منه ،فقد توافقـ هذا اإلحياء مع نقد واسع وشامل لفلسفة أرسطوـ عن طريق االستعانة بفلسفة أفالطون
وأفلوطين واألفالطونية المحدثة ،وظهرـ هذا بصورة واضحة لدى جيوردانوـ برونوـ ( )1600-1548وتوماسوـ كامبانيال
( ،)1639-1568أو االستعانة بالمنهج التجريبيـ في حالة فرنسيسـ بيكون ،إن نقد المنطقـ الصوري األرسطىـ الذي
يعتمد على مقدمات عامة نظرية وعقلية صرف وأكد على ضرورة االعتماد على المالحظة والتجربة واالستقراء.
وتمثل رابع عوامل نشأة الفكر الفلسفي الحديث في حركة اإلصالح الديني بقيادة مارتن لوثر ( )1546-1483وجون
كالفن .هدفت هذه الحركة تجديد الدين المسيحيـ بالتخلص من سيطرة الكنيسة الكاثوليكية والعودة إلى جوهر المسيحية
الصافي في منابعها األولى دون أية تأويالت أو عقائد نظرية جامدة يفرضها رجال الدين ،وظهرت بذلك الحركات
البروتستانتية والبيوريتانية التي تركز على الجوانب األخالقية من رسالة المسيحية ،وتؤكدـ على قيم الزهد والعمل ،وعلى
الضمير اإلنساني اليقظ ،وعلى استقالل اإلنسان بحيث يكون موجهه األول هو الكتاب المقدس نفسه دون وساطة من
كهنوت أو مؤسسة دينية .وأعطت حركة اإلصالح الديني الحرية لكل إنسان في أن يفهم الكتاب المقدس وحده دون
استعانة بأحد ،واثقة بذلك من قدرة العقل اإلنساني والضميرـ الحي على الفهم وعلى تبني الرسالة والعمل بها .ولذلك عمل
لوثر على ترجمة الكتاب المقدس الذي كان مكتوبا ً بالالتينية وحكراًـ في يد رجال الدين وعلماء الكنيسة والمثقفين ،إلى
األلمانية وهي أول لغة أوروبية حديثة يترجم إليها الكتاب المقدس ،وتوالت الترجمات بعد ذلك إلى كل اللغات األوروبية،
مما وضع الكتاب المقدس أمام الجمهور األوروبي في كل قومياته ،وكان هذا عامالً على إتاحته للنظر والفهم المختلف
والتفسيرات المتعددة .أكدت حركة اإلصالح الديني على أهمية اإلنسان وضميره الفردي ومسئوليته الشخصية ،وكانت
عامالً على نضوج النزعة اإلنسانية الفردية واالستقالل الفكري.
والمالحظ في تعدادنا لعوامل نشأة الفكر الحديث ورودـ شخصيات عديدة من إيطاليا مثل جاليليوـ وجيوردا وبرونو،
باإلضافة إلى رواد عصر النهضة اإليطاليين أمثال ليوناردو دافنشيـ ومايكل أنجلو وتوماسـ كامبا نيال .فقد بدأت النهضة
األوروبية في إيطاليا والتي كانت لها جذوراًـ لدى دانتي في ملحمته «الكوميديا اإللهية» ،وبدأت النهضة الفكرية مع
برونو ،وبدأت النهضة الفنية مع دافنشي ومايكل أنجلو ،وكذلك النهضة العلمية مع جاليليو .ومن هنا نستطيع القول إن
بدايات الفكر الفلسفي الحديث كانت فى إيطاليا بالتحديد .فباإلضافة إلى هؤالء ،نجد أن ميكافيلليـ هو أول من وضع لعلم
السياسة الحديث الذي لم تشغله المثاليات السياسية بل وضع نظرية واقعية انطالقا ً من التجارب التاريخية السابقة والخبرة
العملية في كتابه «األمير» ،كذلك فقد نقد المفكر اإليطالي بومبناتزيـ Pomponazziاألدلة التقليدية التي قدمتهاـ
الفلسفات السابقة في خلود النفس ،وكان بذلك سابقا ً على هيوم صاحب نفس الموقفـ من أدلة خلود النفس ،وكامبانيال الذي
انطلق في فلسفته من نقطة بداية أولى وهي إثبات وجود الذات المفكرة وكان بذلك سابقا ً على ديكارت ونظريته في
الكوجيتو ،ونيقوال الكوزيـ ) Nicola De Cusa (1401-1464الذي دافع عن الرؤية الجديدة للكون والتي أتى بها
كوبرنيقوس ،وعن العقل الذي هو أعدل األشياء قسمة بين الناس ،وأوضح قدرة العقل على الوصول إلى األلوهية بفكره
وحده وفي نفس الوقت اعترف بقدرة العقل المحدودة بالقياس إلى ال تناهي العلم اإللهي وكان بذلك سابقا ً على ديكارت
وعلى كانط في نفس الوقت.
ولنا أن نتساءل عن السر الذي يكمن في ظهورـ بوادر الفكر الحديث في إيطالياـ واستباق المفكرين اإليطاليين للمشكالت
والقضايا الفلسفية التي شغلت فالسفة العصر الحديث .واإلجابة عن هذا التساؤل تتمثل في أن إيطاليا في عصر النهضة
كانت هي اإلقليم األقرب اتصاالً بالشرقـ العربي ،ففيها تم انتقال التراثين اليوناني والعربيـ اإلسالمي إلى أوروبا ،وفيهاـ
أيضا ً تمت ترجمة األعمال األدبية الكالسيكية واألعمال الفلسفية العربية إلى اللغة الالتينية .كما أن إيطاليا آنذاك قد
شهدت جمهوريات مزدهرة من الناحية التجارية بسبب مراكز التجارة البحرية المزدهرة مع شرق المتوسط مثل جنوة
والبندقية وفلورنسا .إذ ظهرت في هذه المدن بدايات االقتصادـ النقدي والبنوكـ ذات النشاط الدولي ،وتراكمتـ فيها الثروة
وظهرت فيها الطبقة البروجوازية المشتغلة بأعمال المال والصناعة والتجارة .وبالتاليـ فإن حركة النهضة األدبية والفنية
والفكرية هناك استندت على أساس اقتصادي مزدهر ،على الرغم من عدم توحد إيطاليا في دولة واحدة وانقسامهاـ إلى
العديد من الدويالت أو الجمهوريات التي نشأت حول المدن التجارية .وبعد أن انتقل مركز الثقل االقتصاديـ من المدن
اإليطالية إلى غرب أوروبا وخاصة فرنسا وإنجلتراـ في القرن السابع عشر ،انتقل معه مركز الثقل الفكري والثقافي،
وبذلك وجدنا الحركة الفلسفية تزدهر في هذين البلدين ،باإلضافة إلى هولندا وألمانياـ في القرن الثامن عشر.
هناك مجموعة من الفالسفة الذين كان لهم التأثير األكبر في ظهور مفهوم الفلسفة الحديثة ،من خالل تجديد الفلسفة
القديمة ،وإدخال المنظورـ العلمي ليصبح جزءًا من المنظور الفلسفي الحديث ،ومن أبرز الفالسفة الذي ساهموا في ظهور
الفلسفة الحديثة ما يأتي]8[:
/1رينيه ديكارت :وهو العالم والفيسلوفـ الفرنسي ،وُ لد في عام 1596م ،ويع ّد رينيه ديكارت من أه ّم الفالسفة الذي
ساهموا بظهورـ الفلسفة الحديثة إلى الواجهة ،حيث يُنظر إليه على أ ّنه أب الفلسفة الحديثة ،وارتكزـ رينيه ديكارت في
تفكيره الفلسفي على الشك ،والتأمّل في ما هو موجودـ من أجل الوصولـ إلى الحقائق ،األمر الذي قاده إلى تأكيد وجود
الخالق والزمان والمكان.
/2فرانسيس بيكون :وهو الكاتب والفيلسوف اإلنجليزي ،وُ لد في عام 1561م ،وهو من الفالسفة الذين كان لهم فضل
كبير في الفلسفة الحديثة من خالل التفكير المنطقي الفلسفي الجديد ،حيث ابتعد عن الخرافة والتفكير المرتبط بالتمني
لتكون نظرته الفلسفية من منظور علمي ُتبنى عليه النظريات فيما بعد.كانت فلسفة بيكون على خالف كبير مع الفلسفات
المستم ّدة من علوم الرياضياتـ والقياس المنطقيّ ؛ وذلك ألنّ الرياضيات ال يمكن التح ّقق منها بواسطة التجربة وكان على
خالف مع فلسفة أرسطو ،بمقابل أ ّنه كان يق ّدر الفيلسوف ديموقريطوس ،كما تناول بيكون في فلسفته موضوع األوهام
البشرية ،والمقصودـ بهذه األوهام عادات سيئة للذهن تسبب وقوع الناس في الخطأ أثناء التفكير والبحث عن الحقيقة،
وهذه األوهام خمسة أنواع]9[:
* أوهام القبيلة :وهي تلك األوهام المتأصّلة في الطبيعة البشريّة ،وهي بشكل خاصّ َوهم تو ّقعـ وجود نظام في الظواهر
الطبيعية أكثر مما هو موجود بالفعل .أوهام الكهف :وهي اآلراء الشخصية السابقة التي يحملها الفرد الباحث.
*أوهام السوق :وهي تلك األوهام المتصلة باستبداد الكلمات ،وصعوبة النجاة من تأثيرها على أذهان الباحث.
* أوهام المدارس :وهي األوهام التي تجعل الباحث يعتقد بقاعدة ما ويثق فيها ثقة عمياء ،مثل القياس.
/3غاليليو غاليلي :وهو العالم والفليسلوف اإليطالي المعروف ،وُ لد في إيطاليا عام 1564م ،ويعود له الفضل في العديد
من االختراعات والنظرياتـ العلمية ،وعلى الجانب الفلسفي كانت له إسهامات بإدخال التحليل العلمي على المنظور
الفلسفي من خالل بعض الخواصّ الفيزيائية لألشياء ،التي يعكس وجودهاـ الظاهري بعض الحقائق.
/4سبينوزا : باروخ سبينوزا (1634م 1677-م) فيلسوفـ هولندي ،يعد من كبار الفالسفة وأعالهم َق ْدرً ا ،وإنْ اختلف
تخطي فلسفته على صعيد الجانب العقليّ ،إال أنهم لم يستطيعوا أن ينكروا مدى علوّ قدره ّ معه الفالسفة اآلخرون وحاولوا
في الجانب األخالقيّ ،كان يهوديـ الديانة لكنه كان محرومًا من االنتماء إلى اليهودـ وقدـ َم َقته المسيحيون .ممّا ألّف
سبينورزاـ من ُكتب :رسالة في السياسة الالهوتية ،رسالة في السياسة ،وكتاب علم األخالق وهو كتابه الرّ ئيس والمشهور،
يتناول فيه ثالثة أمور :يبدأ بالميتافيزيقا ،ث ّم يمضي إلى سيكولوجياـ االنفعاالت واإلرادة ،ث ّم يختمه بأخالق مؤسّسة على ما
تق ّدم من ميتافيزيقاـ وعلم نفس ]10[.كما أن الكتاب عبارة عن مجموعة من المبادئ متضمّنة رؤية عقلية علمية عن الدين
والطبيعة وعلم النفس واألخالق ،على اعتبار أن سبينوزا أحد الفالسفة الممثلين لالتجاه العقالني في الفلسفة الغربية
واحدا فقط وهو "هللا أو الطبيعة" فعنده الفكرً الحديثة ]11[،ومذهب سبينوزاـ الطبيعي يقوم على فكرة أن هناك جوهرً ا
واالمتداد هما صفات هلل م ًعا]12[.
/5كانط : إيمانويل كانط (1724م 1804 -م) فيلسوفـ ألماني تميّز فلسفته بالنزعة المثالية النقدية وذلك لعدة أسباب؛
منها نقده للفلسفات السابقة ،سواء البراغماتية التجريبية أم العقالنية ،ومن خالل أبحاث عدة قام بها في شتى الميادين
الفلسفية ،مثل :األبيستسمولوجياـ (مبحث المعرفة في الفلسفة) واألكسيولوجياـ (مبحث القيم في الفلسفة) من خالل نظريته
في أخالق الواجب وغيرها ،تعد فلسفته بمثابة ثورة كوبرنيكية؛ فما أحد َثه في الفلسفة يشبه ما أحدثه كوبرنيكوسـ من
ثورة في العلومُ ،فثالث ّي ُت ُه النقديّة المتمثلة بك ُت ِبه :نقد العقل المحض ونقد العقل العملي ونقد ملكة الحكم ،باإلضافة إلى باقي
كتبه ،مثل :الدين في حدود مجرد العقل وكتاب تأسيس ميتافيزيقا األخالق ]13[.يؤكد كانط في نظرية المعرفة على أن
حدود العقل هي حدود التجربة -أيْ عالم األشياء بتعبير كانط -فهو يف ّرق بين عالم األشياء الذي أحيا فيه وأتعامل معه
بعقلي وأستقى منه معارف وبين عالم األشياء في ذاتها ،أيْ :الميتافيزيقا التي ال يستطيعـ أو يتم ّكن أحد من البرهنة على
وجوده باألدلة العقلية ،وكانت عبارة كانط الشهيرة" :مقوالت بال حدوس فارغة ،وحدوسـ بال مقوالت عمياء" ،مع التأكيد
على أن مصطلح الحدس عند كانط يعني ك ّل ما يرد إلى اإلنسان من العالم الخارجي ،ومن ث ّم يؤكد كانط على نزعته
المثالية النقدية أو المثالية الترانسندنتالية القبليّة ،فمثالية كانط تقول بأن هناك مقوالت في العقل سابقة على التعامل مع
تنظم مدركاتناـ الحسيّة]14[. عالم األشياء ،وهي التي ّ
6/غوتيفريد : غوتفريد اليبنتز (1646م 1716-م) فيلسوفـ ألماني يع ّد من أكبر العقول الفلسفيّة ،تعلّم الفلسفة األرسطيّة
المدرسية والجديدة في ألمانيا ،وبعدـ انتقاله إلى باريس استطاع أن يتعرف على الفلسفة الديكارتية ،ويتخلى عن الفلسفات
المدرسية ،أمّا الفلسفة الشائعة لاليبنتز -والتي كانت سببًا في ذيوع صيته وشهرته -فهي المونادولوجيا؛ أيْ :علم الجواهر
ف اليبنتز بفلسفة مبادئـ الطبيعة والنعمة اإللهية ،وقد أسّس فلسفته على فكرة الجوهر الفردية ،ومن ناحية أخرى ع ُِر َ
كرائد لالتجاه العقالنيّ ،مثله مثل ديكارت وسبينوزا.ـ[]15
الفصل الثاني:
/1خصائص الفلسفة Kالحديثة : تميزت الفلسفة الحديثة بمجموعة من الخصائص العامة ،وهي عامة ألنها تطبع أغلب
التيارات والمذاهب الفلسفية على الرغم من اختالفهاـ في المنهج والتوجهات.ـ وما يجعلنا نختار الخصائص التالية
باعتبارها تميز الفلسفة الحديثة بالذات أنها هي ما يفرق بينها وبين الفلسفات األخرى ،القديمة والوسيطة والمعاصرة.
وليس معنى هذا أن هذه الخصائص لم توجد إال في تيارات الفلسفة الحديثة ،بل على العكس ،إذ ظهرت فلسفات أخرى
غيرها ذات توجهات عقالنية وإنسانية وفردية ونسقية ،بل يعني ذلك أن هذه الخصائص لم تجتمع معا ً إال في عصر
فلسفي واحد هو عصر الفلسفة الحديثة .وما كان إرهاصا ً للعقالنية أو الفردية أو النسقية في الفلسفات السابقة عليها ،تمتع
بنضج وتطور مكتمل في الفلسفة الحديثة بالذات .ومن جهة أخرى فإن هذه الخصائص سوف تنتهي عن أن تميز الفلسفة
في الفترة المعاصرة .ففي مقابل العقالنية سوفـ تظهر في الفلسفة المعاصرة اتجاهات ال عقالنية تعتمد على أسس أخرى
غير العقل ،مثل الحدس والطاقة الروحية عند برجسون ،والمنفعة عند بنتام وجون ستيوارت ميل ،والوسلية عن االتجاه
البراجماتي ،واللغة عند فالسفة التحليل وعلى رأسهم رسل وفتجنشتين وآير ،واالتجاه المادي االقتصادي عند الماركسية.
وفي مقابل الفردية سوف تظهر مذاهب جماعية في الفلسفة المعاصرة عند برديائيفـ وأونامونو وأورتيجا أي جاسيه،
ومذاهب اشتراكية لدى التوجهات الماركسية.
- 1العقالنيـــة:
ويجب أن نميز في البداية بين العقالنية باعتبارها خاصية عامة للفلسفات الحديثة Rationalityعن التيار العقلي
.Rationalismأغلب فالسفة العصر الحديث عقالنيون ،أي يتمسكون بقدرة العقل على إدراك الواقع ويذهبون إلى أن
كل سلوك إنساني صادر عن التفكير وعن استخدامـ الملكات الذهنية العليا ،لكنهم ليسوا كلهم عقليون .التيار العقلي هو
التيار الذي يضم ديكارت والمدرسة الديكارتية ،وسبينوزاـ واليبنتزـ ومالبرانش ،وهو يتصف بكونه يعطي األولوية للعقل
في المعرفة وينظرـ إليه على أنه المصدر األساسي لكل معرفة وكل علم ،وذلك في مقابل المذهب التجريبي الذي يتصف
بإعطاء األولوية للخبرة التجريبية كمصدر أساسي للمعرفة ،وما العقل في هذا المذهب سوى ملكة تنشأ عن االنعكاس
على عمليات اإلدراك الحسي[ ]16وليس معنى هذا أن التجريبيين ليسوا عقالنيين ،بل على العكس ،إذ هم عقالنيون
تماماً ،لكن تصورهمـ عن العقل يختلف عن تصور المذهب العقلي؛ إنهم يعترفون بدور العقل في المعرفة ،لكنهم ينظرون
إليه على أنه ملحق بالحس والخبرة التجريبية .والعقل عندهم نتاج التفكير في الخبرة التجريبية وليس مستقالً عنها أبداً ،إذ
يدخل في هذه الخبرة وهو غير محمل بأي أفكار مسبقة فطرية ،أي صفحة بيضاء كما يذهب لوك وهيوم.ـ أما العقل لدى
المذهب العقلي فهو كل شئ ،يدخل في التجربة ليضفي عليها النظام والترتيب بفضل ما لديه من أفكار فطرية ،مثلما
يذهب ديكارت واليبنتزـ.
ظهرت العقالنية باعتبارها خاصية للفلسفة الحديثة في مقابل اعتماد فلسفة العصورـ الوسطى على سلطة التراث الديني
والنظام الكهنوتي.ـ فقد واجه الفكر األوروبي منذ بدايته في عصر النهضة إشكالية العقل والنقل[ ،]17وهي نفس اإلشكالية
التي شغلت الفكر اإلسالمي .وكان أمام الفكر ا ألوروبيـ عدداً من الخيارات ،فإما أن يتمسك بما انتقل إليه من تراث ديني
كما هو وبالتالي يلغي العقل تماماً ،أو أن يحاول التوفيق بينهما مثلما حدث في بداية عصر النهضة وخاصة في إيطاليا،
أو أن يجعل العقل قادراً على إثبات صدق التراث الديني بإثبات قدرته على التوصل إلى نفس الحقائق الدينية باالعتماد
على البرهان العقلي وحده ال على أي سلطة موروثة ،أو أن يجعل العقل وحده المعيار الوحيد للحكم على سلوك اإلنسان
ومعرفته .ولم يتجه الفكر األوروبي إلى التضحية بالعقل في سبيل النقل ،بل ظهرت فيه باقي المحاوالت السابقة .إذا
ظهرت محاوالت إلثبات العقائد الدينية عن طريق العقل وحده عند ديكارت وباسكال وبالبرانش ،كما ظهرت محاوالت
للحصول على االستقالل التام للعقل بعيداً عن أي سلطة تراثية موروثة عند سبينوزاـ وفولتيرـ وروسوـ والماديين الفرنسيين
أصحاب الموسوعة في أواخر القرن الثامن عشر ،وظهرتـ محاولة للتوفيقـ بين العقل والعقائد اإليمانية لدى كانط في
كتابيه «نقد العقل العملي و«الدين في حدود العقل و حده»
- 2اإلنســـانية:
ظهرت النزعة اإلنسانية في بداياتهاـ األولى في عصر النهضة ،واتخذت أشكاالً فنية وأدبية قبل أن تتحول إلى مجال
الفكر والفلسفة ،وكان من بين بواعث ظهورهاـ حركة إحياء التراث اليوناني .أمد هذا التراث عصر النهضة األوربية
برؤية مختلفة لإلنسانُ ،تعطي األولوية للخبرات اإلنسانية الحية وتعلي من قيمته وتنظر إليه على أنه سيد الطبيعة وأعلى
الموجودات .كما تهتم بتصوير الطابع الدرامي للحياة اإلنسانية وتتخذـ الرؤية اإلنسانية باعتبارهاـ مقياسا ً لكل شئ ،بعد أن
كانت الرؤية الالهوتية هي المسيطرة في العصور الوسطىـ[ .]18ففي الفن ازدهر النحت على يد مايكل أنجلو الذي يهتم
بتجسيد الجسم اإلنساني في حالة الحركة واالهتمام بتعبيرات الوجه ،وفي التصويرـ الزيتي اهتم ليوناردو دافنشيـ برسم
وجوه من الحياة اليومية وتصويرـ اإلنسان وهو منشغل في أنشطته اليومية المختلفة ،وفيـ األدب ظهر شكسبير الذي اهتم
بالدراما البشرية وبالصراع والقيم التي تتنازعـ في النفس اإلنسانية ،وظهرـ سرفانتيسـ األديب األسباني مؤلف رواية
«دون كيشوت» التي صورت آمال وأحالم اإلنسان عندما تصطدمـ بأرض الواقع وتتكسرـ.
ثم انتقلت النزعة اإلنسانية إلى مجال الفكر والفلسفة ،وصار اإلنسان مقياس صدقـ وحقيقة المعرفة .واختلفت التيارات
الفلسفية في ذلك ،فالمذاهب التي تؤكد أولية العقل اإلنساني جعلت من التفكير المجرد والوعي الذاتي مقياسا ً للحقيقة،
والمذاهب التي تؤكد أولوية الحواس واإلدراكـ الحسي جعلت الخبرة التجريبية البشرية مقياسا ً للحقيقة .فعلى الرغم من
اختالف العقليين عن التجريبين إال أنهم جميعا ً ينطلقون من أساس واحد ،وهو إعطاء األولوية للرؤية اإلنسانية ،سواء
كانت هذه الرؤية حسا ً أو عقالً .ولذلك ينظر إلى ديكارت على أنه أبو الفلسفة الحديثة ،ألنه بدأ مذهبه بعد الشك بإثبات
وجود الذات المفكرة وانطلقـ منها إلى إثبات وجود اإلله والعالمـ وخلود ا لنفس .كما تعد فلسفة هيوم تطوراًـ في النزعة
اإلنسانية في الفلسفة ،إذ ركز على جانب آخر في الطبيعة اإلنسانية غير الفكر ،وهو الجانب االنفعالي ،وركز على دور
اإلحساس واإلدراك الحسي في المعرفة ،وأقام أول مذهب فلسفي على أساس نظرية سيكولوجية في االنفعاالت ،وذهب
إلى أن علم النفس البشرية هو الفلسفة الحقة وهو أساس علوم األخالق والسياسة .وظهرت كذلك فلسفة كانط التي أحدثت
ثورة في مجال نظرية المعرفة ،وأصبح معيار صدق المعرفة هو اتفاقها مع قوانين العقل اإلنساني ال مع الظواهر
التجريبية المتغيرة ،وقدم صورة للمعرفة باعتبارها صادرة عن إخضاع الخبرة التجريبية للقوانين العامة الكلية
والضرورية للفهم البشري ،بحيث أصبح الفهم البشريـ هو الذي يضفي االنتظام والموضوعية على عالم الخبرة
التجريبية ،وأن هذه الخبرة ال توجه المعرفة بل الفهم البشري هو الذي يوجههاـ وينظمها صانعًا منها معارف وعلوما ً.
- 3الفرديـــة:
نظر الفكر الفلسفي الحديث إلى اإلنسان على أنه مقياس األشياء جميعاً ،سواء كان عقالً أو إحساسا ً أو انفعاالً ،وبذلك فإن
هذا المقياس فرديـ في األساس[ Individualist ]19فنقطة االنطالق التي بنى عليها ديكارت مذهبه هي أنا أفكر ،وقدـ
ظهر هذا األنا أو الكوجيتو على أنه فعل فردي.ـ كما أن نظرية المعرفة عند لوك تتصف أيضا ً بالفردية ،ذلك ألنها كلها
وصف للعمليات الذهنية التي تدور في ذهن الفرد ويؤسسـ بها المعرفة .كما ظهرت النزعة الفردية واضحة في الفكر
السياسي للفالسفة المحدثين ،وازدهرت المذاهب الليبرالية وأهمها مذهب توماس هوبز ،وجون لوك وديفيد هيوم ،وهي
تصف المجتمع على أنه ليس إال مجموعة من األفراد ،وعلى أن ما يحرك هذا المجتمع المصالح الفردية ،ووصفت
ظهور السلطة السياسية بفكرة العقد االجتماعي الذي هو اتفاق بين أفراد على التخلي عن جزء من حقوقهمـ الطبيعية
لتنظيم سياسي يمثلهم .وظهرت كذلك فكرة الحق الطبيعي الذي هو حق الفرد في حفظ حياته وممتلكاته وتنمية قدراته
واختيار حكامه ،وفكرة الحق المدني الذي هو حق المواطن الفرد في أن تكون له حقوق مصانة ومعترفـ بها من قبل
السلطة السياسية.
وقد كان التأكيد على الفردية كقيمة عليا جديداً على الفكر األوروبيـ بعد عصر اإلقطاع الذي لم يكن يعرف أفراداً
مستقلين عن األنساق االقتصادية والسياسية والدينية التي تشملهم .وبذلك ظهر حق الفرد في تقرير مصيره وحريته في
اختيار عقيدته وآراءه وشكل الحكم الذي يلتزم به .وتتضح الفردية باعتبارها خاصية للفكر الحديث من مقارنتها بما ساد
الفكر المعاصر ،إذ لم تعد قيم الفردية تمثل تلك األهمية التي كانت لها ،فقد ظهر المجتمع في الفكر المعاصر باعتباره
كيانا ً مستقالً عن األفراد ،يمتلك حقوقاًـ تختلف عن الحقوق الفردية ،ويمتلك هوية خاصة به تختلف عن هوية األفراد
المكونين له ،وظهر ذلك على يد هيجل وماركس وكل المذاهب الفكرية التي تنظر إلى المجتمع على أنه كيان عضوي
مثل الجسد اإلنساني الذي يشمل أعضا ًء متكاملة الوظائف ،حيث يصبح األفراد أعضا ًء متكاملين في هذا الجسد
االجتماعي الواحد ،وتمثل ذلك في علماء االجتماع عند فرديناند تونيزـ وإميل دوركايم ومعظمـ المذاهب االشتراكية
المعاصرة .ومعنى هذا أن عصر الفلسفة الحديثة كان عصر الفردية بدون منازع ،ألن مقولة المجتمع باعتباره كيانا ً
مستقالً عن األفرادـ لم تكن قد ظهرت بعد ،وعندما ظهرت في القرن التاسع عشر لن تعودـ الفردية هي النزعة المسيطرة
على الفكر األوروبي،ـ إذ سوف تنافسهاـ نزعات أخرى ،عضوية وجماعية واشتراكية .والمالحظـ أن هذه النزعات سوف
تضمحل في النصف الثاني من القرن العشرين ،الذي سوف يشهد عودة إلى ظهورـ النزعات الفردية مرة أخرى والمتمثلة
في المذاهب الليبرالية الجديدة.
- 4النســـقية:
كان الفالسفة المحدثين مولعين بإقامة أفكارهم في صورة نسق فلسفي متكامل .والنسق الفلسفي Systemهو مذهب عام
يحتوي توجها ً معينا ً ويضم نظرية في المعرفة وأخرىـ في األخالق وثالثة في السياسة ،كما يمكن أن يحتويـ على مذهب
ميتافيزيقيـ أو ال يحتويـ حسب موقف الفيلسوف من الميتافيزيقاـ سواء بالقبول أو الرفض .ويعبر وضع الفالسفة ألفكارهم
في صورة نسق عن الطابع الموسوعي للقرنين السابع عشر والثامن عشر ،وعن إصرار هؤالء الفالسفة على االحتفاظ
بدور أساسي ومركزى للفلسفة وسطـ العلوم الطبيعية الجديدة الناشئة .فقد ظلوا يتمسكون بالدور المشرع للفلسفة بالنسبة
للعلوم األخرى ،وبأن المعرفة اإلنسانية واحدة ومتكاملة على الرغم من ظهور التخصصاتـ الدقيقة وزيادة انفصال العلم
التجريبي عن الفلسفة .ودائماًـ ما كانت نظرية المعرفة تحتل المكان األول في كل نسق فلسفي ،تليها الميتافيزيقا ،سواء
بالقبول أو الرفض ،ثم األخالق وأخيراً السياسة .وقد ظهر هذا التقسيم للمذهب الفلسفي لدى أغلب الفالسفة المحدثين.
وكان هيجل آخر الفالسفة أصحاب األنساق الفلسفية الكبرى ،ولذلك ينظر إليه على أنه آخر فيلسوف محدث ينتهي عنده
تاريخ الفلسفة الحديثة ،لكننا أثرنا اعتباره أول الفالسفة المعاصرين ألن الصورة الجديدة التي وضع فيها الفلسفة،
والقضايا واإلشكاليات التي طرحها ،سوف تكون لها أبلغ األثر في كل تيارات الفلسفة المعاصرة .بحيث أن الفيلسوفـ في
الحقبة المعاصرة لن يستطيع التفلسف دون العودة إلى هيجل .وعندما نذهب إلى أن النسقية كانت خاصية مرتبطة
بالفلسفات الحديثة فنحن نقصد بذلك أنها لم تعد تميز الفلسفة المعاصرة ،التي هي فلسفة ضد النسق بصفة أساسية .فقد
امتنع الفالسفة المعاصرين عن وضع أفكارهم في صورة مذهب فلسفي ،وآثرواـ الكتابة في موضوعات مختلفة متنوعة
اتخذت شكل المقاالت أو المؤلفات الفكرية التي تضم موضوعات متنوعة ،مثل مؤلفات الوجوديين وفالسفة مدرسة
فرانكفورت ،أو التركيز على قضية واحدة فقط مع الحرص على عدم صنع مذهب فلسفي منها ،مثل أعمال برجسون
وفالسفة البراجماتية والتحليل .كما أن تركيز الفلسفة المعاصرة سوف يبتعد عن الفلسفة باعتبارهاـ مذهبا ً أو نسقا ً عاما ً
ويتحول إلى النظر إليها على أنها منهج ،ولذلك سوفـ تظهر مناهج فلسفية عديدة في الفكر المعاصر :الفينومينولوجيا،
التحليل المنطقي،الهرمنيوطيقاـ أو منهج التأويل ،البنيوية ،التفكيكية ،ومعنىـ هذا أن الفلسفة باعتبارها مذهبا ً أو نسقا ً كانت
ظاهرة مرتبطة بالفلسفة الحديثة على نحو أساسي ،وسوفـ تكف الفلسفة عن أن تكون نسقا ً مذهبيا ً في الفكر المعاصر.
وفي نهاية هذا المدخل بقى أن نشير إلى خاصية أخرى للفلسفة الحديثة ،مرتبطة بها وحدها ولن تستمر في حقبة الفلسفة
المعاصرة ،وهي خاصية في غاية العمومية ألنها مليئة باالستثناءات .فقد تمثلت هذه الخاصية في ارتباط التيارات
الفلسفية بالقوميات .فالتيارـ العقلي كان إلى حد كبير تياراً فرنسياً ،ضم ديكارت ومالبرانش وباسكال ،والتيارـ التجريبي
كان إنجليزيا ً بصورة حصرية :بيكون وهوبز ولوكـ وهيوم،ـ والتيار النقدي كان كانط األلماني هو ممثله األساسي .ويبدوـ
أن السبب في ذلك يرجع إلى طبيعة كل شعب من هذه الشعوب ،فالشعب اإلنجليزي شعب تجاريـ وعملي،
ال يهتم كثيراً بالمثاليات وال يميل إلى الفكر المجرد وغالبا ً ما يلجأ إلى احتكام الحس المشترك ،ولذلك كان التيار التجريبيـ
إنجليزيا ً حصرياً .والفرنسيون على العكس أصحاب تفكير عميق ،وهم أكثر ارتباطاًـ بالتراث العقلي اليوناني،ـ ودائماًـ ما
حاولوا التوفيقـ بين العقل والدين نتيجة لخلفيتهم الكاثوليكية ،وغالبا ً ما ينتج هذا التوفيقـ فلسفة عقلية .هذه الخاصية ليس
لها شأن كبير في الدراسة العينية المتعمقة في تلك التيارات ،بل هي تخص علوما ً أخرى مثل تاريخ العقليات والتاريخ
الحضاري وسوسيولوجياـ المعرفة.
فيما يخص التيّارات أو مذاهب الفلسفة الحديثة فيوجدـ مذهبان أساسيان اتجه إليهما الفالسفة الحديثون وهما:
/1المذهــــب العقلـــــي:
العقالنية مذهب فكري يزعم أنه يمكن الوصول إلى معرفة طبيعة الكون والوجودـ عن طريق االستدالل العقلي بدون
االستناد إلى الوحي اإللهي أو التجربة البشرية وكذلك يرى إخضاع كل شيء في الوجودـ للعقل إلثباته أونفيه أو تحديد
خصائصه.
ويحاول المذهب إثبات وجود األفكار في عقل اإلنسان قبل أن يستمدهاـ من التجربة العملية الحياتية أي أن اإلدراك العقلي
المجرد سابق على اإلدراك المادي .المجسد
-العقالنية مذهب قديمـ جديد بنفس الوقت .برز في الفلسفة اليونانية على يد سقراط وأرسطو ،وبرزـ في الفلسفة الحديثة
والمعاصرة على أيدي فالسفة َّأثروا كثيراً في الفكر البشري أمثال :ديكارت وليبنتز وسبينوزاـ وغيرهم.
-وفيـ المجتمع اإلسالمي نجد المعتزلة تقترب من العقالنية جزئ ًّيا ،إذ اعتمدوا على العقل وجعلوه أساس
تفكيرهم ودفعهمـ هذا المنهج إلى تأويل النصوص من الكتاب والسنة التي تخالف رأيهم .ولعل أهم مقولة لهم
قولهم بسلطة العقل وقدرته على معرفة الحسن والقبيح ولو لم يرد بها شيء .ونقل المعتزلة الدين إلى مجموعة من
القضايا العقلية والبراهين المنطقية وذلك لتأثرهم بالفلسفة اليونانية.
-وقدـ ف َّند علماء اإلسالم آراء المعتزلة في عصرهم ،ومنهمـ اإلمام أحمد بن حنبل ثم جاء بعد ذلك ابن تيمية ور َّد عليهم ر ًّدا
قو ًّيا في كتابه درء تعارض العقل والنقل وبيّن أن صريح العقل ال يمكن أن يكون مخالفا ً لصحيح النقل .وهناك من يحاول
اليوم إحياء فكر المعتزلة إذ يعدونهم أهل الحرية الفكرية في اإلسالم ،وال يخفى ما وراء هذه الدعوة من حرب على
العقيدة اإلسالمية الصحيحة ،وإن لبست ثوب التجديد في اإلسالم أحيانا ً.
تعتمد العقالنية على عدد من المبادئ األساسية هي:
-العقل ال الوحي هو المرجع الوحيد في تفسير كل شيء في الوجود.
-يمكن الوصولـ إلى المعرفة عن طريق االستدالل العقلي وبدون لجوء إلى أية مقدمات تجريبية.
-عدم اإليمان بالمعجزات أو خوارق العادات.
-العقائد الدينية ينبغي أن تختبر بمعيارـ عقلي.
-وفيـ عصر النهضة ونتيجة احتكاك أوروبا بالمسلمين – في الحروب الصليبية واالتصال بمراكز الثقافة في
األندلس وصقلية والشمال اإلفريقي – أصبح العقل األوربي في شوق شديد السترداد حريته في التفكير ،ولكنه عاد
وسخرـ العقل للبعد عن هللا ،وأصبح التفكير الحر معناه اإللحاد وذلك أن َّ إلى الجاهلية اإلغريقية ونفر من الدين الكنسي،
التفكير الديني معناه عندهم الخضوع للفقيد الذي قيدت به الكنيسة العقل وحجرت عليه أن يفكر
-يتضح مما سبق أن العقالنية مذهب فكري فلسفي يزعم أن االستدالل العقلي هو الطريق الوحيد للوصول إلى معرفة
طبيعة الكون والوجود ،بدون االستنادـ إلى الوحي اإللهي أو التجربة البشرية ،وأنه ال مجال لإليمان بالمعجزات
أو خوارقـ العادات ،كما أن العقائد الدينية يمكن ،بل ينبغي أن تختبر بمعيار عقلي ،وهنا تكمن علله التي تجعله مناوئا ً
ليس فقط للفكر اإلسالمي ،بل أيضا ً لكل دين سماوي صحيح.
/2المذهب التجريبي:
يعتبر فرنسيس بيكون مؤسس هذا االتجاه ولقد اعتمد بيكون على استراتيجية خطابية تهدف إلى منع المرء من االكتفاء
بالمعرفة الجاهزة ودفعه إلى البحث عن معرفة جديدة عبر تغيير المنهج القديم بآخر جديد واالقتناع بأن التقدم يجب أن
يكون مهمة ال نهاية لها وال يمكن تحديد الطريقة التي ينبغي إتباعها بصورة قبلية من اجل إنتاج معارف علمية جديدة.
ولذلك يكتفي بيكون ببعض اإلشارات والتوصيات التي يتسنى له التخلي عنها عند التقدم في البحث ألن المرء ال يمكنه أن
يتوقع أنه يتقدم وأنه بصدد تحقيق المزيد من االكتشافات وال أن يقول ما ستكون عليه المعرفة في المستقبل وبهذا المعنى
كان الهدف األساسيـ من فلسفة بيكون هو تحريرـ عملية االكتشاف.
جديدا في Novum Organumباإلضافة إلى برنامج ً العلم يجب أن يأخذ نهجا واقعيا .يقدم فرانسيس بيكون منط ًقا
العلوم الطبيعية .اذ إنه يسلط الضوء على الحاجة إلى معرفة أسرار الطبيعة ،أي تنظيمها ،من أجل النهوض بالعلوم
اإلنسانية والح ًقا إتقان السيطرة على الطبيعة من خالل تفسير الظواهر والتحكمـ فيها.
وخالصة هذا المذهب انه يؤمن بأنّ الحقائق يت ّم الوصول إليها عن طريق التجربة وباستخدام حواس اإلنسان فال يوجد ما
ٌ
خبرات متراكمة هو فطريٌّ في اإلنسان إ ّنما هي
والمراد من استخدام المنهج التجريبي أن اكتشاف المعرفة الجديدة يتطلب أيضً ا أن يقوم الفيلسوف بالبحث والتحقق من
المعلومات الواردة من الواقع وحساب المعطيات وقياس ما تعلمه من التجربة لتحديد المعلومات وبمجردـ تجميع هذه
الجملة من المالحظات الخاصة ،فإنه من الضروريـ ترتيبها وتنسيقها.ـ
-خاتمة
وفي الختام يمكن القول بأن الفلسفة الحديثة مرحلة هامّة في تاريخ الفلسفة منذ بداياتها األولى في اليونان .تمحورت
الفلسفة الحديثة باألساس حول اإلنسان واإلعال ِء من شأنِه وقيمته ،وجاءت كذلك كر ّدة فعل على األنوار الذي بسبب ِه
أصبح يعيشُ اإلنسان في دوامة المعاناة .و في االخير نتمنى منكم ان تكونواـ قد استفدتم من المعلومات المذكورة اعاله
وبهذا قد نكون انهينا بحثنا والزال البحث متواصال.ـ والى الملتقى وفقنا هلل و إياكم .
قائمة المصادرـ والمراجع:
[ -]1رجب بو دبوس (1425هـ) ،تبسيطـ الفلسفة (الطبعة األولى) ،ليبيا -بنغازي :ال ّدار الجماهيريّة للنشر والتوزيع
واإلعالن ،صفحة.14-13 :
[" ،Sahli Yacine (21-1-2011) - ]2تعريف الفلسفة"ّ ،overblog ،
اطلع عليه بتاريخ .2017-4-29
[ The Beginnings of Modern Philosophie ]8[ -]3موقع انترنت اجنبي www.webspace.ship.edu
[ -]4أحمد أمين ،وزكيـ نجيب محمود :قصة الفلسفة الحديثة ،الجزء األول ،لجنة التأليف والترجمة والنشر ،القاهرة،
،1936ص .39-36
[ -]5وليم كيلي رايت :تاريخ الفلسفة الحديثة ،ترجمة محمود سيد أحمد ،تقديم ومراجعة إمام عبد الفتاح إمام ،المشروع
القومي للترجمة ،المجلس األعلى للثقافة ،القاهرة ،2001 ،ص.49
[ -]6الموسوعة الفلسفية العربية ،تحريرـ د .معن زيادة .مادة «فلسفة النهضة» ،المجلد الثاني ،القسم الثاني ،ص .1034
معهد اإلنماء العربي ،بيروت.1988 ،
[ -]9برتراندـ رسل ،تاريخ الفلسفة الغربية الجزء الثالث ،صفحة .84-83
[ -]11سبينوزا ( ،)2019علم األخالق ،الجيزة مصر :دار صفصافة للنشر والتوزيع ،صفحة .8
[ -]12برتراند رسل ،تاريخ الفلسفة الغربية الجزء الثالث ،صفحة .123
[ -]13هنس زندكولر ،المثالية األلمانية المجلد األول ،بيروت لبنان :الشبكة العربية لألبحاث ،صفحة .385-384
[ -]14غادة إمام وبدرالدين مصطفى ،الميتافيزيقا ،عمان األردن :دار المسيرة ،صفحة 114-112
[ -]15برتراند رسل ،تاريخ الفلسفة الغربية الجزء الثالث ،صفحة .140-139-137
[ -]16الموسوعة الفلسفية العربية ،تحرير د .معن زيادة .مادة «فلسفة النهضة» ،المجلد الثاني ،القسم الثاني .ص -36
.37
[ -]17بول هازار :أزمة المضير األوروبي ( ،)1715-1680ترجمة جودت عثمان ومحمد نجيب المستكاوي ،مقدمة
لطه حسين ،دار الشروق ،القاهرة ،1987 ،ص .140-135
[ -]18جون هرمان راندال :تكوين العقل الحديث .ترجمة د .جورج طعمة ،مراجعة برهان الدين الرجائي ،دار الثقافة،
بيروت ،1958 ،الجزء األول ،ص .35-30