التعليق والإلغاء في باب ظن وأخواتها

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 8

‫التعليق واإللغاء في باب (ظن) وأخواتها‬

‫يقول ابن مالك‪:‬‬


‫ص بالتعليق واإللغاء ما ‪ ...‬من قبل َه ْب واألمر هب قد ألزما‬‫و ُخ َّ‬
‫تعلم ولغير الماض من ‪ ...‬سواهما اجعل كل ما له زكن‬ ‫كذا َّ‬
‫"وخص بالتعليق"‪ ،‬وهو إبطال العمل لفظا ال محال "‪.‬‬
‫واإللغاء" هو إبطاله لفظا ومحال‪.‬‬
‫"ما" ذكر "من قبل هب" من أفعال القلوب‪ ،‬وهو أحد عشر فعال‪ ،‬وذلك ألن هذه‬
‫األفعال ال تؤثر فيما دخلت عليه تأثير الفعل في المفعول؛ ألن متناولها في‬
‫الحقيقة ليس هو األشخاص‬
‫وإنما متناولها األحداث التي تدل عليها أسامي الفاعلين والمفعولين‪ ،‬فهي‬
‫ضعيفة العمل؛ بخالف أفعال التصيير‪.‬‬
‫امتناع التعليق واإللغاء‬
‫وإنما لم يدخل التعليق واإللغاء "هب" و"تعلم" ‪-‬وإن كان قلبيين‪ -‬لضعف شبههما‬
‫بأفعال القلوب‪ ،‬من حيث لزوم صيغة األمر‪.‬كما أشار إليه بقوله‪" :‬واألمر هب قد‬
‫ألزما‪ ،‬كذا تعلم"‬
‫"ولغير الماض" وهو‪ :‬المضارع‪ ،‬واألمر‪ ،‬واسم الفاعل‪ ،‬واسم المفعول‪ ،‬والمصدر‬
‫"من سواهما"؛ أي‪ :‬سوى "هب" و"تعلم"‪ ،‬من أفعال الباب "اجعل كل ماله"‪ ،‬أي‪:‬‬
‫للماضي "زكن"‪ ،‬أي‪ :‬علم‪ ،‬من األحكام‪ ،‬من نصب مفعولين هما في األصل مبتدأ‬
‫وخبر‬
‫نحو‪" :‬أظن زيدا قائما"‪ ،‬ويا هذا ظن زيدا قائما‪ ،‬و"أنا ظان زيدا قائما"‪ ،‬و"مررت‬
‫برجل مظنون أبوه قائما"‪ ،‬و"أعجبني ظنك زيدا قائما"‬
‫شروط اإللغاء في باب ظن وأخواتها‬
‫ويقول ابن مالك‪:‬‬
‫وجوز اإللغاء ال في االبتدا ‪ ...‬وانو ضمير الشأن أو الم ابتدا‬
‫في موهم إلغاء ما تقدما ‪ ...‬والتزم التعليق قبل نفي "ما"‬
‫و"إن" و"ال" الم ابتداء أو قسم ‪ ...‬كذا واالستفهام ذا له انحتم‬
‫"وجوز اإللغاء ال في" حال "االبتدا" بالفعل‪ ،‬بل في حال توسطه أو تأخره‪ ،‬وصدق ذلك بثالث صور‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يتوسط الفعل بين المفعولين‪ ،‬واإللغاء واإلعمال حينئذ سواء‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫أظن ُ‬
‫ربع الظاعنين ‪" ...‬فلم تعبأ بعذل العاذلينا"‬ ‫شجاك ُ‬
‫يروى برفع "ربع" على أنه فاعل "شجاك"‪ :‬أي أحزنك‪ ،‬و"أظن"‪ :‬لغو‪ ،‬وينصبه على أنه مفعول أول لـ"أظن"‪،‬‬
‫و"شجاك"‪ :‬المفعول الثاني مقدم‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يتأخر عنهما‪ ،‬واإللغاء حينئذ أرجح‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫آت الموت تعلمون فال ير ‪ ...‬هبكم من لظى الحروب اضطرام‬
‫زيدا قائماً"‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن يتقدم عليهما وال يبتدأ به‪ ،‬بل يتقدم عليه شيء‪ ،‬نحو‪" :‬متى ظننت ً‬
‫واإلعمال حينئذ أرجح‪ ،‬وقيل‪ :‬واجب‪.‬‬
‫آراء العلماء حول حكم اإللغاء للفعل المتقدم في باب ظن‬
‫وال يجوز إلغاء المتقدم‪ ،‬خالفا للكوفيين واألخفش؛ "وانو ضمير الشأن"؛ ليكون هو‬
‫المفعول األول‪ ،‬والجزآن جملة في موضع المفعول الثاني‬
‫"أو" انو "الم ابتدا" لتكون المسألة من باب التعليق "في موهم إلغاء ما تقدما" كقوله‪:‬‬
‫تنويل‬
‫ُ‬ ‫إخال لدينا منك‬ ‫وآمل أن تدنو َّ‬
‫مود ُتها ‪ ...‬وما ُ‬ ‫ُ‬ ‫أرجو‬
‫وقوله‪:‬‬
‫األدب‬ ‫الشيمة‬ ‫مالك‬ ‫أيت‬
‫ر‬ ‫ي‬ ‫كذاك أُدبت حتى صار من خلقي ‪ِّ ...‬‬
‫أن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فعلى األول التقدير‪ :‬إخاله‪ ،‬ورأيته‪ :‬أي الشان‪ ،‬وعلى الثاني لمالك‪ ،‬وللدينا‪ ،‬فالفعل عامل‬
‫على التقديرين‪.‬‬
‫نعم يجوز أن يكون ما في البيتين من باب اإللغاء؛ لتقدم "ما" في األول و"إني" في‬
‫الثاني على الفعل‪ ،‬لكن األرجح خالفه‪ ،‬كما عرفت‪ ،‬فالحمل على ما سبق أولى‪.‬‬
‫شروط التزام التعليق في باب ظن‬
‫"والتزم التعليق" عن العمل في اللفظ‬
‫‪ -1‬إذا وقع الفعل قبل شيء له الصدر‪ ،‬كما إذا وقع "قبل نفي ما" النافية‪ ،‬نحو‪َ{:‬لَق ْد ع ِّلم َت ما ه ُؤ ِّ‬
‫الء‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫َيْن ِّطُقو َن}‬
‫‪ -2‬وقبل "إن‪ ،‬وال" النافيتين في جواب قسم ملفوظ أو مقدر‪ ،‬نحو‪":‬علمت وهللا إن زيد قائم‪ ،‬و"علمت إن زيد‬
‫قائم"‪ ،‬و"علمت وهللا ال زيد في الدار وال عمرو"‪ ،‬و"علمت ال زيد في الدار وال عمرو"‬
‫اه}‪ ،‬وكقوله‪:‬‬ ‫ر‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫اش‬
‫ْ‬ ‫ن‬‫ِّ‬ ‫م‬‫ل‬‫َ‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫م‬‫ل‬‫‪ -3‬وقبل "والم ابتداء أو" الم جواب "قسم كذا"‪ ،‬نحو‪{:‬وَلَق ْد ع ِّ‬
‫َُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫إن المنايا ال تطيش سهامها‬ ‫لتأتين منيتي ‪َّ ...‬‬ ‫َّ‬ ‫علمت‬
‫ُ‬ ‫ولقد‬
‫ِّ‬
‫‪" -4‬واالستفهام ذا" الحكم "له انحتم" سواء كان بالحرف‪ ،‬نحو‪َ { :‬وِّإ ْن أَ ْد ِّري أَ َق ِّريب أَ ْم َبعيد َما ُت َ‬
‫وع ُدو َن}‬
‫‪ -‬أم باالسم‪ ،‬سواء كان االسم مبتدأ نحو‪ِّ {:‬لَن ْعَل َم أَي اْل ِّح ْزَبْي ِّن أَ ْح َصى}‪َ { ،‬وَل َت ْعَل ُم َّن أَيَنا أَ َشد َع َذ ًابا}‬
‫‪ -‬أم خبرا‪ ،‬نحو‪" :‬علمت متى السفر"‬
‫‪ -‬أم مضافا إليه المبتدأ‪ ،‬نحو‪" :‬علمت أبو من زيد"‬
‫ظَل ُموا أَ َّي ُمْنَقَلب َيْنَقِّلُبو َن} فـ"أي"‪ :‬نصب على المصدر بما بعده‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫ين َ‬ ‫‪ -‬أم فضلة‪ ،‬نحو‪{ :‬وسيعَلم َّال ِّ‬
‫ذ‬
‫َ‬ ‫ينقلبون منقلبا؛ أي‪ُ ْ َ َ َ:‬‬
‫انقالب‪ ،‬وليس منصوبا بما قبله‬ ‫ً‬
‫‪ -‬ألن االستفهام له الصدر؛ فال يعمل فيه ما قبله‪.‬‬
‫تنبيهات تتعلق بالتعليق واإللغاء في باب ظن‬
‫األول‪ :‬إذا كان الواقع بين المعلق والمعلق غير مضاف‪ ،‬نحو‪":‬علمت زيدا من هو"‪ ،‬جاز‬
‫نصبه‪ ،‬وهو األجود؛ ولكونه غير مستفهم به وال مضاف إلى مستفهم به‬
‫أيضا رفعه؛ ألنه المستفهم عنه في المعنى‪ ،‬وهذا شبيه بقولهم‪" :‬إن أحدا ال يقول‬ ‫وجاز ً‬
‫ذلك"‪ ،‬فـ"أحد" هذا ال يستعمل إال بعد نفي‬
‫وهنا قد وقع قبل النفي؛ ألنه والضمير في "ال يقول" شيء واحد في المعنى‪.‬‬
‫أيضا "لعل"‪ ،‬نحو‪َ {:‬وِّإ ْن أَ ْد ِّري َل َعَّل ُه ِّف ْتَنة}‪ .‬ذكر ذلك أبو علي في التذكرة‬
‫الثاني‪ :‬من المعلقات ً‬
‫و"لو" الشرطية؛ كقوله "من الطويل"‪:‬‬
‫حاتما ‪ ...‬أراد ثراء المال كان له وفر‬ ‫وقد علم األقوام لو أن ً‬
‫و"إن" التي في خبرها الالم‪ ،‬نحو‪":‬علمت إن زيدا لقائم"‪ ،‬ذكر ذلك جماعة من المغاربة‪.‬‬
‫والظاهر أن المعلق إنما هو الالم ال "إن"‬
‫إال أن ابن الخباز حكى في بعض كتبه أنه يجوز‪" :‬علمت إن زيدا قائم"‪ ،‬بالكسر مع عدم‬
‫الالم‪ ،‬وأن ذلك مذهب سيبويه‪ ،‬فعلى هذا المعلق "إن"‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬قد عرفت أن اإللغاء سبيله عند وجود سببه الجواز‪ ،‬والتعليق سبيله‬
‫‪.‬‬
‫الوجوب‪ ،‬وأن الملغى ال عمل له البتة‪ ،‬والمعلق عامل في المحل‪ ،‬حتى يجوز‬
‫العطف بالنصب على المحل‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫وما كنت أدري قبل عزة ما البكا ‪ ...‬وال موجعات القلب حتى تولت‬
‫يروى بنصب "موجعات" بالكسرة عطفا على محل قوله "ما البكا"‪.‬‬
‫ووجه تسميته تعليقا أن العامل ملغى في اللفظ عامل في المحل؛ فهو عامل ال‬
‫عامل‪ ،‬فسمي معلقا أخ ًذا من المرأة المعلقة التي ال مزوجة وال مطلقة‪.‬‬
‫ولهذا قال ابن الخشاب‪ :‬لقد أجاد أهل هذه الصناعة في هذا اللقب لهذا المعنى‪.‬‬
‫ظْر أَي َها أَ ْزَكى‬ ‫الرابع‪ :‬قد ألحق بأفعال القلوب في التعليق أفعال غيرها‪ ،‬نحو‪َ { :‬فْلَيْن ُ‬
‫احِّب ِّه ْم ِّم ْن‬
‫طعاما}‪َ { ،‬فس ُتب ِّصر ويب ِّصرو َن‪ِّ ،‬بأ َِّي ُكم اْلم ْف ُتو ُن}‪{ ،‬أَوَلم ي َت َف َّكروا ما ِّبص ِّ‬
‫َ ْ َ ُ َ َ‬ ‫ُ َِّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ين}‪َ { ،‬وَي ْس َتْنبُئوَن َك أَ َحق ُه َو}‬ ‫ِّجَّنة}‪{ ،‬يسأَلو َن أََّيان يوم ِّ‬
‫الد ِّ‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫َْ‬
‫ومنه ما حكاه سيبويه من قولهم‪ :‬أما ترى أي برق ههنا‪.‬‬
‫تنبيه ابن مالك على ظن وعلم‬
‫يقول ابن مالك‪:‬‬
‫وظن ُتهمه ‪ ...‬تعدية لواحد ُملتزمه"‬
‫فان َّ‬‫ر‬‫ع‬‫"ِّلعِّلم ِّ‬
‫ََ ْ ُ‬
‫إذا كانت (علم) مبعىن (عرف) تعدت إىل مفعول واحد‪ ،‬كقولك‪ :‬علمت زيدا؛ أي‪ :‬عرفته‪.‬‬
‫للاه أَ ْخ َر َج هك ُْم ِم ُْن بهطه ُِ‬
‫ون أ َّهم َه ُاتِ هك ُْم ال تَ ْعلَ همو َُن َش ْيئاُ} ؛ أي‪ :‬ال تعرفون‪.‬‬ ‫ومنه قوله تعاىل‪َ { :‬و ُ‬
‫وكذلك إذا كانت (ظن) مبعىن (اهتم) تعدت إىل مفعول واحد‪ .‬كقولك‪ :‬ظننت ُزيدا؛ أي‪:‬‬
‫اهتمته‪.‬‬
‫وتقول‪" :‬سرق مالي" و"ظننت زيدا"‪ :‬أي اتهمته‪ ،‬واسم المفعول منه "مظنون"‬
‫و"ظنين"‪ ،‬قال هللا تعالى‪َ { :‬و َما ُه َو َعَلى اْل َغْي ِّب ِّب َض ِّنين}‪ :‬أي بمتهم‪.‬‬
‫وإنما خص هو "علم" و"ظن" بالتنبيه ألنهما األصل؛ إذ غيرهما ال ينصب‬
‫المفعولين إال إذا كان بمعناهما‪ ،‬وأيضا فغيرهما عند عدم نصب المفعولين يخرج‬
‫عن القلبية غالبا‪ ،‬بخالفهما‪.‬‬

You might also like