Professional Documents
Culture Documents
غاية السول في خصائص الرسول
غاية السول في خصائص الرسول
غاية السول في خصائص الرسول
دار النشر /دار البشائر اإلسالمية -بيروت 1414 -هـ 1993 -م.
عدد األجزاء 1 /
تحقيق :عبد اهلل بحر الدين عبد اهلل
مقدمة الكتاب
بسم اهلل الرحمن الرحيم
اللهم اختم بخير يا كريم ربنا آتنا من لدنك رحمة وهييء لنا من أمرنا رشدا
قال الشيخ اإلمام العالمة فريد دهره ووحيد عصره الحازم اليقظ األعز الفطن المحقق جامع أشتات
الفضائل صدر المدرسين رحلة الطالبين سراج الدين أبو حفص عمر ابن الشيخ اإلمام العالمة مفتي
الفرق نور الدين أبي الحسن علي ابن الشيخ اإلمام العالمة شهاب الدين أحمد أبي العباس الشهير بابن
الملقن األنصاري الشافعي -أدام اهلل النفع بعلومه بمحمد وآله آمين
أحمد اهلل على إفضاله وأشكره علي توالي آالئه وأصلي على أشرف مخلوقاته وخاتم أنبيائه وعلى آله
وأصحابه وشرف وكرم
وبعد فهذا مختصر نافع إن شاء اهلل تعالى فيما يتعلق بخصائص
أشرف المخلوقين وأفضل السابقين والالحقين {صلى اهلل عليه وسلم} وعلى سائر النبيين وآل كل
وسائر الصالحين
والمزني -رضي اهلل عنه -افتتح كتاب النكاح بها وتابعه األصحاب وسبب ذلك أن خصائصه في
النكاح كثيرة ثم ذكروا غيرها تبعا لها وهذا الملخص فيه ما ذكروه إن شاء اهلل تعالى مع زوائد مهمة
وقد منع ابن خيران من الكالم فيها في النكاح واإلمامة كما حكاه الماوردي وأطلق في الروضة
الحكاية عن الصيمري عنه ألنه أمر انقضى فال معنى للكالم فيه
وإ نما يشرع االجتهاد في النوازل التي تقع أو تتوقع ومال إليه الغزالي ونسبه إلى المحققين تبعا
إلمامه
فإنه قال في نهايته ليس يسوغ إثبات خصائص رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} باألقيسة التي يناط
بها األحكام العامة في الناس ولكن الوجه ما جاء به الشرع من غير ابتغاء مزيد عليه
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
والذي ذكره المحققونـ في ذلك أن المسائل التي اختلف األصحاب في خصائص رسول اهلل {صلى اهلل
عليه وسلم} فذكر الخالف فيها خبط غير مفيد فإنه ال يتعلق به حكم ناجز تمس الحاجة إليه وإ نما
يجري الخالف فيما ال نجد بدا من إثبات حكم فيه فإن األقيسة ال مجال لها في ذلك وإ نما المتبع فيه
النصوص وما ال نص فيه فاالختيار في ذلك هجوم على غيب بال فائدة واستحسنه ابن الصالح أيضا
وقال إنه قد انقضى وليس فيه من دقيق العلم ما يتعلق به التدرب وال وجه لتضييع الزمان برجم
الظنون فيه
وأما الجمهور فإنهم جوزوا ذلك لما فيه من العلم
قال النووي رحمه اهلل تعالى والصواب الجزم به بل باستحبابه ولو
قيل بوجوبه لم يكن بعيدا ألنه ربما وجد جاهل بعض الخصائص ثابتة في الحديث الصحيح فعمل به
أخذا بأصل التأسي فوجب بيانها لتعرف وال يعمل بها
وأما ما يقع في ضمن الخصائص مما ال فائدة فيه اليوم فقليل ال يخلو أبواب الفقه عن مثله للتدرب
ومعرفة األدلة وتحقيق الشيء على ما هو عليه
وقال ابن الرفعة في مطلبه قد يقال بالتوسط فيتكلم فيما جرى في الصدر األول من ذلك دون ما لم
يجر منه قال وسياق كالم الوسيط يرشد إليه وقد جاء في السنة ما يبينه وهو قوله {صلى اهلل عليه
وسلم} عام الفتح ( إن اهلل أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإ نما أدن له ساعة من نهار )
ونحن نقتدي في هذا التصنيف بالجمهور ونقيد ما تيسر -بحمد اهلل -فيه جعله اهلل نافعا بمحمد وآله
واعلم أنه {صلى اهلل عليه وسلم} اختص بواجبات ومحرمات ومباحات وفضائل فهذه أربعة أنواع
النوع األول الواجبات
والحكمة في اختصاصه بها زيادة الدرجات لما ورد عن اهلل تعالى ( لن يتقرب إلي المتقربون بمثل
أداء ما افترضت عليهم ) ذكره الرافعي من عنده ولم يسنده -وهو في صحيح البخاري -وعلم اهلل
أنه أقوم بها وأصبر عليها من غيره
النوع األول
الواحبات
والحكمة في اختصاصه بها زيادة الدرجات لما ورد عن اهلل تعالى ( لن يتقرب إلي المتقربون بمثل
أداء ما افترضت عليهم ) ذكره الرافعي من عنده ولم يسنده -وهو في صحيح البخاري -وعلم اهلل
أنه أقوم بها وأصبر عليها من غيره
قال اإلمام قال بعض علمائنا الفريضة يزيد ثوابها على ثواب النافلة بسبعين درجة واستأنس بما رواه
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
سلمان الفارسي أنه عليه الصالة والسالم قال في رمضان ( من تقرب فيه فيه بخصلة من خصال
الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه
)
وهو حديث أخرجه ابن خزيمة في صحيحه والبيهقيـ في شعب
اإليمان فقابل النفل فيه بالفرض في غيره وقابل الفرض فيه بسبعين فرضا في غيره فأشعر في هذا
بأن الفرض يزيد على النفل بسبعين درجة من طريق الفحوى
وهذا النوع ينقسم إلى متعلق بالنكاح وإ لى غيره وفي القسم الثاني مسائل
األولى والثانية والثالثة صالة الضحى واألضحى والوتر واستدل أصحابنا لذلك بحديث ابن عباس
رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} قال
( ثالث هن علي فرائض ولكم تطوع النحر والوتر وركعتا الضحى )
رواه اإلمام أحمد في مسنده والبيهقيـ في سننه كذلك والدارقطني وقال الفجر بدل الضحى
وابن عدي ولفظه ( ثالث علي فريضة ولكم تطوع الوتر والضحى وركعتا الفجر )
والحاكم في مستدركه شاهدا بلفظ ( ثالث هن علي فرائض ولكم تطوع النحر والوتر وركعتا الفجر
نقد المصنف لهذا الحديث
ومدار هذا الحديث على أبي جناب الكلبي واسمه يحيى بن أبي حية واسم أبي حية حيي رواه عن
عكرمه عن ابن عباس وأبو جناب هذا
ضعيف مدلس وقد عنعن وإ ن وثقه بعضهم
واختلف كالم ابن حبان فيه فذكره في ثقاته وضعفائه
وقال اإلمام أحمد أحاديثه مناكير قلت فكيف أخرجت له في مسندك وقال البيهقي في خالفياته أبو
جناب هذا ليس بالقوي وقال في سننه ضعيف
وقال ابن الصالح هذا حديث غير ثابت ضعفه البيهقي في خالفياته
لكن قال النووي في شرح المهذب في كالمه عن الوتر أن من خصائصه {صلى اهلل عليه وسلم}
جواز فعل هذا الواجب الخاص به عليه على الراحلة
وفي ذهني أن القرافي المالكي ادعى وجوبه عليه في الحضر دون السفر وهو كما ظننت فإنه قال
فعل الوتر في السفر على الراحلة والوتر لم يكن واجبا عليه إال في الحضر صرح به في شرح
المحصول وشرح التنقية والحليمي في شعب اإليمان والشيخ عز الدين في قواعده
ثانيها روى الترمذي عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال كان النبي {صلى اهلل عليه وسلم}
يصلي الضحى حتى نقول ال يدعها
ويدعها حتى نقول ال يصلي ثم قال حسن غريب
وهو بظاهره يقتضي عدم الوجوب
وكذا حديث عبد اهلل بن شقيق قلت لعائشة أكان النبي {صلى اهلل عليه وسلم} يصلي الضحى قالت ال
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
إال أن يجيء من مغيبه رواه مسلم
وحديثها أيضا ما رأيت رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} يسبح سبحة الضحى وإ ني ألسبحها رواه
البخاري ومسلم
ولم أر من قال به ونقله النووي في شرح المهذب عن العلماء أنه {صلى اهلل عليه وسلم} كان ال يداوم
على صالة الضحى مخافة أن تفرض على األمة فيعجزوا عنها وكان يفعلها في بعض األوقات
قلت وكيف يجمع بين هذا وبين ما ذكره في الروضة وغيرها أنها واجبة عليه ولو قال إنه عليه
الصالة والسالم كان يظهرها في وقت ويخفيها في وقت آخر لكان أولى
وادعى الماوردي أنه {صلى اهلل عليه وسلم} لما صالها يوم الفتح واظب عليها إلى أن مات وفيه
نظر
ففي سنن أبي داود عن عبد الرحمن بن أبي ليلى
قال ما أخبرنا أحد أنه رأى النبي {صلى اهلل عليه وسلم} صلى الضحى غير أم هانئ فإنها أخبرت بها
يوم فتح مكة ولم يره أحد صالهن بعد
وذكر البخاري في صحيحه من حديث أنس أن رجال صنع طعاما ودعا رسول اهلل {صلى اهلل عليه
وسلم} ونضح له طرف الحصير فصلى فيه ركعتان فقال فالن بن فالن بن الجارود ألنس أكان النبي
{صلى اهلل عليه وسلم} يصلي الضحى قال ما رأيته صلى غير ذلك اليوم
ال جرم ذهبت طائفة من السلف إلى حديث عائشة السابق ولم يروا صالة الضحى حكاه ابن بطال
وأبعد بعضهم فقال إنها بدعة
وحكى الطبري عن جماعة استحباب فعلها غبا وهو رواية عن أحمد
وذهبت طائفة على أنها إنما تفعل لسبب من األسباب وأن النبي {صلى اهلل عليه وسلم} إنما فعلها
لسبب فصالته لها يوم الفتح كانت من أجل الفتح
ثالثها هل كان الواجب عليه {صلى اهلل عليه وسلم} -إذا قلنا به -أقل الضحى أو أكثرها أو أدنى
كمالها لم أر في ذلك نقال نعم في رواية ألحمد ( أمرت بركعتي الضحى ولم تؤمروا بها ) وقد سلفت
رابعها هل كان الواجب عليه في الوتر أقله أم أكثره أم أدنى كماله لم أر فيه نقال
خامسها هل كان األضحى في الحديث السالف وكالم أصحابنا المراد به الضحايا كما قاله ابن
الصالح يقال أضحى في الواحد والجمع أضحى ويقال ضحية وضحايا وأضحية وأضاحي بالتشديد
وهذا التقرير قد يفهم أنه كان الواجب عليه ضحايا في كل سنة ولعل اإلشارة به إلى وجوب ذلك في
األعوام
وقد ضحى {صلى اهلل عليه وسلم} بكبشين كما أخرجه البخاري ومسلم من حديث
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
عائشة وفي ابن ماجة والحاكم من حديث أبي هريرة وعائشة أنه {صلى اهلل عليه وسلم} كان إذا أراد
أن يضحي اشترى كبشين عظيمين الحديث
سادسها وقع في كالم اآلمدي وتبعه ابن الحاجب عد ركعتي الفجر من خصائصه ولم أر لهما سلفا في
ذلك وحديث ابن عباس السالف يشهد له لكنه ضعيف كما سلف ( ورأيت صاحب الفصولـ من
الحنابلة عدهما من خصائصه )
المسألة الرابعة التهجد أكان واجبا عليه قال القفال وهو أن يصلي بالليل وإ ن قل
قال اهلل تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة لك اآلية
أي زيادة على ثواب الفرائض بخالف تهجد غيره فإنه جابر للنقصان المتطرق إلى الفرائض وهو
عليه الصالة والسالم معصوم عن تطرق الخلل إلى مفروضاته وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر
حكاه إمام الحرمين وذكر البغوي في تفسيره نحوه
قال الحسن وغيره ليس ألحد نافلة إال النبي {صلى اهلل عليه وسلم} ألن فرائضه كاملة وأما غيره فال
يخلو عن نقص فنوافله تكمل فرائضه
واستدل البيهقي في
دالئل النبوة عن مجاهد وكذا ابن المنذر في تفسيره وذكر -أعني ابن المنذر -عن الضحاك نحوه
وذكره سليمان بن حيان عن أبي غالب عن أبي أمامة إلخ
ثم استدل الرافعي وغيره أيضا بحديث عائشة رضي اهلل عنها أن رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم}
قال ( ثالث هن علي فرائض وهن لكم سنة الوتر والسواك وقيام الليل )
وهو حديث ضعيف أخرجه البيهقي في سننه وخالفياته وفي سنده موسى بن عبد الرحمن الصنعاني
قال ابن عدي منكر الحديث وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتابا في التفسير جمعه
من كالم مقاتل الكلبي وقال البيهقي موسى هذا ضعيف جدا ولم يثبت في هذا إسناد
واعلم أن الشيخ أبا حامد نقل بعد حكاية ذلك عن األصحاب
أن الشافعي نص على أنه نسخ وجوبه في حقه كأمته قال الشيخ أبو عمرو بن الصالح والنووي في
الروضة وهذا هو الصحيح الذي تشهد له األحاديث منها حديث سعد بن هشام عن عائشة في مسلم
وقد قال لها انبئيني عن قيام رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} قالت ألست تقرأ يأ يها المزمل
فقالت كان اهلل فرض قيام الليل من أول هذه السورة فقام عليه الصالة والسالم وأصحابه حوال وأمسك
اهلل خاتمتها اثني عشر شهرا حتى أنزل اهلل في آخرها التخفيف فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة
وفي آخره فانطلقت إلى ابن عباس رضي اهلل عنه فحدثته بحديثها فقال صدقت
وأشارت -رضي اهلل عنها -باآلخر إلى قوله
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
علم أن لن تحصوه فتاب عليكم وبعضهم قال إن الناسخ قوله تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة لك
وقوله تعالى علم أن لن تحصوه فتاب عليكم ناسخ لقيام الليل في حق أمته وفيه نظر ألن الخطاب في
أول السورة للنبي {صلى اهلل عليه وسلم} وقد شركته فيه فالخطاب في آخرها إذا يتوجه لمن يتوجه
إليه الخطاب في أولها
وقد قيل إن المنسوخ من صالة الليل ما كان مقدرا وأما أصل الوجوب فهو باق لقوله تعالى فاقرؤا ما
تيسر منه
فتكون اآلية كقوله تعالى فما استيسر من الهدي
إذ ال بد من الهدي فكذلك ال بد من صالة الليل
والحديث الصحيح من حديث عائشة رضي اهلل عنها ( أفال أكون عبدا شكورا ) من جملة ما يدل
على عدم وجوبه عليه وال أعلم أحدا قال بوجوبه علينا دونه
تنبيهات
األول ان إن قلت قوله تعالى نافلة لك يقتضي أن ذلك غير واجب عليه قال الجوهري النفل والنافلة
عطية التطوع حيث ال يجب ومنه نافلة الصالة والنفل التطوع
فالجواب أن النافلة الزيادة ومنه قوله تعالى ويعقوبـ نافلة وال يلزم منه كونها غير واجبة
الثاني حديث جابر الطويل -في الحج -الثابت في صحيح مسلم أنه {صلى اهلل عليه وسلم} أتى
المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان وإ قامتين ولم
يسبح بينهما شيئا ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإ قامة دال
على عدم وجوب الوتر والتهجد ألن الظاهر أنه لم يفعلهما تلك الليلة
وقد يجاب عن التهجد بأنه لعله إذ ذاك كان منسوخا وفي هذا رد على ما خرج به الدارمي من
أصحابنا في استذكاره من أن الجامع بالمزدلفة يأتي بالوتر دون سنة العشاء والذي نص عليه
الشافعي في األم وغيرها أن السنة ترك النفل بعد العشاء كما يسن تركه بعد المغرب وصرح به
الماوردي والقاضي حسين وغيرهما وأبعد العجلي فقال يأتي فقال إنه يأتي بسنة المغرب بعد العشاء
ثم سنة العشاء بعد الوتر وهو مصادم للنص
الثالث قال الرافعي مقتضى الراوي عن عائشة -أي الذي سلف -وكالم األئمة هنا كون الوتر غير
التهجد المأمور به وذلك مخالف لما مر في باب صالة التطوع أنه يشبه أن يكون الوتر هو التهجد
ويعتضد به الوجه المذكور هناك عن رواية القاضي الروياني
قال وكأن التغاير أظهر وكذا قال في تذنيبه على الشرحين إنه األظهر وتبعه صاحب الحاوي الصغير
قلت وحديث عائشة في
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
الصحيحين ( ما كان رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} يزيد في رمضان وال غيره على إحدى عشرة
ركعة يصلي أربعا فال تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فال تسأل عن حسنهن وطولهن ثم
يصلي ثالثا ) يدل على أن التهجد هو عين الوتر نعم حديثها اآلخر يدل على مقابلة وهو ما أخرجه
مسلم عنها أنها قالت كان رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} يصلي من الليل ثالث عشرة ركعة يوتر
من ذلك بخمس ال يجلس في شيء إال في آخرها
وروى ابن ماجة من حديث أبي أمامة رضي اهلل عنه أن النبي {صلى اهلل عليه وسلم} قال ( تسوكوا
فإن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ما جاءني جبريل إال أوصاني بالسواك حتى خشيت أن يفرض
علي وعلى أمتي ولوال
خشيت على أمتي لفرضته عليهم وإ ني ألستاك حتى إني خشيت أن تدردر مقادم فمي ) وفي سنده من
تكلم فيه
تنبيهان
األول هل المراد بوجوبه في حقه بالنسبة إلى الصالة المفروضة أو في النافلة أيضا أو إلى األحوال
التي أكدها في حقنا أو ما هو أعم من
ذلك لم أر فيه نقال
وسياق حديث عبد اهلل بن حنظلة السالف يقوي األول
وادعى ابن الرفعة في كفايته في باب السواك أنه لم يصح أنه {صلى اهلل عليه وسلم} فعل السواك إال
عند القيام إلى الصالة وعند تغير الفم ثم قال فإن قلت قد روى مسلم عن شريح بن هانئ سألت عائشة
رضي اهلل عنها عن أي شيء كان يبدأ به النبي {صلى اهلل عليه وسلم} إذا دخل بيته قالت بالسواك
ولفظة كان تؤذن بالدوام
ثم أجاب بأنه يحتمل أن يكون فعل ذلك ألجل تغير حصل في فمه ثم استبعده بأن في رواية النسائي
عن ابن عباس قال كان رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} يصلي ركعتين ثم ينصرف فيستاك
الثاني قال الشيخ تقي الدين ابن الصالح ترددوا في وجوب السواك عليه وقطعوا بوجوب الضحى
واألضحى والوتر مع أن مستنده الحديث الضعيف
ولو عكسوا فقطعوا بوجوب السواك للحديث السالف وترددوا في األمور الثالثة لكان أقرب
ويكون مستند التردد فيهما أن ضعف الحديث من جهة ضعف رواية أبي جناب الكلبي وفي ضعفه
خالف بين أئمة الحديث وقد وثقه بعضهم
قلت قد ترددوا في وجوب الوتر واألضحى أيضا كما سلف
المسألة السادسة مشاورة ذوي األحالم في األمور
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
وهي واجبة عليه على الصحيح عند أصحابنا لظاهر قوله تعالى وشاورهم في األمر وظاهر األمر
الوجوب ووجه من قال باستحبابها القياس على غيره واألمر لالستبحاب استمالة لقلوبهم وحكاه ابن
القشيري عن نص الشافعي وأنه جعله كقوله عليه الصالة والسالم ( البكر تستأمر تطييبا لقلبها ال أنه
واجب وهو قول الحسن رضي اهلل عنه حيث قال في قوله تعالى وشاورهم في األمر علم اهلل أنه ما به
إليهم من حاجة ولكن أراد أن يستن به من بعده
قال الماوردي واختلف فيما يشاور فيه فقال قوم في الحروب ومكايدة العدو خاصة وقال آخرون في
أمور الدنيا والدين تنبيها لهم على علل األحكام وطريق االجتهاد وقال الثعلبي في تفسيره اختلف في
المعنى الذي أمر اهلل تعالى نبيه بالمشاورة لهم فيه مع كمال عقله وجزالة رأيه وتتابع الوحي عليه
ووجوب طاعة أمته فيما أحبوا أو كرهوا فقيل هو خاص في المعنى وإ ن كان عاما في اللفظ
ومعنى اآلية وشاورهم فيما ليس عندك فيه من اهلل تعالى عهد
يدل عليه قراءة ابن مسعود وشاورهم في بعض األمر
قال ابن الكلبي يعني ناظرهم في لقاء العدو ومكابدة الحروب عند الغزو ثم ذكر قول الحسن السالف
وغيره
المسألة السابعة كان يجب عليه {صلى اهلل عليه وسلم} مصابرة العدو وإ ن كثر عددهم واألمة إنما
يلزمهم الثبات إذا لم يزد عدد الكفار على
الضعف ولم يبوب البيهقي على هذه الخصوصية في سننه
المسألة الثامنة هل كان يجب عليه {صلى اهلل عليه وسلم} إذا رأى منكرا أن ينكره ويغيره وغيره إنما
يلزمه ذلك عند اإلمكان ووجهه أن اهلل تعالى وعده بالعصمة والحفظ فقال واهلل يعصمك من الناس
وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي اهلل عنها قالت ( ما خير رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم}
في أمرين إال أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإذا كان إثما كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول اهلل
{صلى اهلل عليه وسلم} لنفسه إال أن تنتهك حرمة اهلل فينتقم هلل بها )
وأورد النووي في الروضة سؤاال فقال قد يقال هذا ليس من الخصائص بل كل مكلف تمكن من إزالة
المنكر لزمه تغييره
ثم أجاب بأن المراد ال يسقط عنه للخوف فإنه معصوم بخالف غيره وهذا قد ذكرته في غضون
كالمي
المسألة التاسعة كان يجب عليه قضاء دين من مات من المسلمين معسرا عند اتساع المال
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه أن رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} كان يؤتى
بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل ( هل ترك لدينه من قضاء ) فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
وإ ال قال للمسلمين ( صلوا على صاحبكم )
فلما فتح اهلل عليه الفتوح قام فقال أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المؤمنين فترك دينا
فعلي قضاؤه ومن ترك ماال فلورثته وحكى اإلمام وجها أنه لم يكن واجبا عليه بل كان يفعله تكرما
وبه جزم الماوردي وقال النووي في شرح مسلم كان يقضيه من مال المصالح وقيل من خالص ماله
وعلى األول هل يجب ذلك على األئمة بعده من مال المصالح وجهان
وقد
جاء في رواية قيل يا رسول اهلل وعلى كل إمام بعدك قال ( وعلى كل إمام بعدي ) ولكنها ضعيفة
عزيزة الوجود
وقال اإلمام بعد حكايتها وفي اإلطالق نظر
ألن من استدان وبقيـ معسرا حتى مات لم يقض دينه من بيت المال ألنه يلقى اهلل وال مظلمة عليه
قالت عائشة رضي اهلل عنها ألن أموت وعلي مائة ألف وأنا ال أملك قضاءها أحب إلي أن أخلف
مثلها
وإ ن ظلمه بالمطال فاعسر فمات ففيه احتمال واألولى أن ال يقضى فإن أوجبناه فشرطه اتساع المال
وفضله عن مصالح األحياء
ووجه القضاء ترغيب أرباب األموال في معاملة المعسرين
وفي زوائد الروضة في باب قسم الصدقات عن صاحب البيان حكاية وجهين في أن من مات وعليه
دين وال وفاء له هل يقضى من سهم الغارمين
قال ولم يتبين األصح منهما واألصح األشهر ال يقضى منه
قلت وحكي ذلك عن أبي حنيفة ومالك وغيرهما
ونقل أبو عبيد اإلجماع عليه وهي الدعوى توجب التوقف في إثبات الوجهين وكأنه إنما افترق الحي
والميت في كونه يقضى عن الغارم في حياته دون موته أن الحي يحتاج إلى وفاء دينه والميت إن
كان عصى به أو بتأخيره فال يناسب حاله الوفاء عنه
وإ ال فإنه ال يطالب به وال حاجة له والزكاة إنما تعطى لمحتاج بخالف األداء من غير الزكاة لبراءة
ذمته والتخفيف عنه في اآلخرة
المسألة العاشرة كان يجب عليه إذا رأى شيئا يعجبه أن يقول لبيك إن العيش عيش اآلخرة وذكر
الرافعي بصيغة قيل وجزم به ابن القاص في تلخيصه لفظه فيه وكان {صلى اهلل عليه وسلم} إذا رأى
شيئا يعجبه قال ( لبيك إن العيش عيش اآلخرة ) ثم قال هذه كلمة صدرت من رسول اهلل {صلى اهلل
عليه وسلم} في أنعم حاله يوم حجه بعرفة ثم ساقه بإسناده
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
وفي أشد حاله يوم الخندق ثم ثم ساقه بإسناده
كما ذكرته عنه في كتابي المسمى بالبدر المنير في تخريج أحاديث
الرافعي الكبير لإلمام أبي القاسم الرافعي وهو الكتاب الذي ال يستغنى عنه
المسألة الحادية عشرة كان عليه أداء فرض الصالة كاملة ال خلل فيها قاله الماوردي
وقد تقدم في المسألة الرابعة مثله عن حكاية اإلمام وذكره العراقي في شرح المهذب أيضا
المسألة الثانية عشرة كان يلزمه كل تطوع يبتدئ به حكاه البغوي عن بعضهم وسيأتي منزعه في
المسألة الخامسة من النوع الثاني
المسألة الثالثة عشرة عد ابن القاص أمورا أخرى ومنه نقلتها منها أن يدفع بالتي هي أحسن ومنها أنه
كلف من العلم وحده
ما كلفه الناس بأجمعهم ومنها أنه كان يغان على قلبه فيستغفر اهلل ويتوب إليه في اليوم سبعين مرة
ومنها أنه يؤخذ عن الدنيا
القسم األول الواجب المتعلق بالنكاح
األول كان يجب عليه تخيير زوجاته بين اختيار زينة الدنيا ومفارقته وبين اختيار اآلخرة والبقاء في
عصمته وال يجب ذلك على غيره
قال اهلل تعالى يأيها النبي قل ألزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن
سراحا جميال إلى قوله أجرا عظيما
وحكى الحناطي -بالحاء المهملة ثم نون -من أصحابنا وجها أن التخيير لم يكن واجبا عليه وإ نما
كان مندوبا والمشهور األول
فلما نزلت اآلية بدأ بعائشة فاختارته كما أخرج في الصحيح ثم أخبر به باقي نسائه كما هو مخرج في
الصحيح أيضا وبه قال األكثرون
وقال الماوردي إال فاطمة بنت الضحاك الكالبية وكان قد دخل بها فاختارت الحياة الدنيا وزينتها
فسرحها فلما كان في زمن عمر رضي اهلل عنه وجدت تلقط البعر وتقول اخترت الدنيا على اآلخرة
فال دنيا وال آخرة
وقال ابن الطالع إنها كانت تلقط البعر وتقولـ إنها الشقية
وكانت تحته قتيلة بنت قيس وإ نه أوصى بتخييرها في مرضه فاختارت فراقه قبل الدخول
وقال الماوردي وفي اآلية دليل على أحكام خمسة
أ -أن الزوج إذا أعسر بالنفقة لها خيار الفسخ
ب -وأن المتعة تجب للمدخول بها إذا طلقت
ج -وجواز تعجيلها قبل الطالق
د -وأن السراح الجميل صريح في الطالق
ه -وأن المتعة غير مقدرة شرعا
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
ورأيت في كتاب األقسام والخصال ألبي بكر الخفاف من قدماء أصحابنا أن في تخييره {صلى اهلل
عليه وسلم} زوجاته تسع دالئل فذكر الثالثة األول من
كالم الماوردي
وأن التخيير ليس بطالق
وأنها متى اختارت فراقه وجب عليه الطالق
وأن الخيار عليه دون سائر أمته وأنه غير جائز أن يتزوج كافرة وأن أزواجه محرمات على التأبيد
إال أن تكون مطلقة غير مدخول بها هذا لفظه إذا تقرر ذلك فتنبه ألمور
أحدها من اختارت منهن الحياة الدنيا هل كان يحصل الفراق بنفس االختيار فيه وجهان ألصحابنا
أحدهما نعم كما لو خير غيره زوجته ونوى تفويض الطالق إليها واختارت نفسها
وأصحهما ال لقوله تعالى فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميال
ولو جعل الفراق باختيارها لما كان للتسريح معنى وألنه تخيير بين الدنيا واآلخرة كما لو خير واحد
من األمة زوجته فاختارت الدنيا
وفي السراح الجميل تأويالت
أ -أحدها أن يطلق دون الثالث
ب -وثانيها أن يوفى فيه المهر والمتعة
وإ ن قال متكلف ما جرى من النبي {صلى اهلل عليه وسلم} لعائشة رضي اهلل عنها تخير ناجز في حقنا
قلنا فلم اكتفى النبي {صلى اهلل عليه وسلم} باختيارها اهلل ورسوله ورآه جوابا عن التخيير فال حاصل
لذكر الخالف في اعتبار الفور وعدمه مع جزمه بحصول الفراق باالختيار لكنه بناه على أن تلك
فرقة طالق طالق أو فسخ وفيه وجهان فإن قلنا فرقة طالق فهي على الفور وإ ال فعلى التراخي
( فرع ) إن جعلنا على الفور فيمتد بامتداد المجلس أم يعتبر الفورية المعتبرة في اإليجاب والقبول
فيه حكاهما الرافعي عن الهروي
ثالثها هل كان يحرم عليه عليه الصالة والسالم طالق من اختارته فيه وجهان ألصحابنا
أحدهما وبه قطع الماوردي ونص عليه الشافعي في األم نعم كما يحرم إمساكها لو رغبت عنه
ومكافأة لهن
على صبرهن وبه يشعر قوله تعالى وال أن تبدل بهن من أزواج اآلية
فإن التبدل فراقهن وتزوج غيرهن ففي تحريمه تحريم مفارقتهن
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
وأظهرهما عند اإلمام والرافعي في شرح الصغير والنووي في أصل الروضة ال
كما لو أراد واحد من األمة طالق زوجته ال يمنع منه وإ ن رغبت فيه وألن التبدل معناه مفارقتهن
والتزوج بأمثالهن بدال عنهن وذلك مجموع أمرين فال يقتضي المنع من أولهما قال اإلمام وادعاء
الحجر على الشارع في الطالق بعيد
وفيه وجه ثالث أنه يحرم عقب اختيارهن وال يحرم إذا انفصل عنه
فإن قلت هل يستدل للوجه األظهر أنه عليه الصالة والسالم طلق حفصة وراجعها
وعزم على طالق سودة فوهبت يومها لعائشة رضي اهلل عنها قلت ال
فإن المارودي قال كان ذلك قبل التخيير وكذا قصة اإلفك وقول علي رضي اهلل عنه لما استشاره عليه
الصالة والسالم في فراق أهله لم يضيق اهلل عليك النساء كثير سواها
لعله قبل نزول آية
التخيير وقد صرح به ابن الجوزي فقال كان إيالؤه عليه الصالة والسالم سنة تسع من الهجرة
والتخيير بعدها لكن اصطفى رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} صفية بنت حيي من سبي خيبر سنة
سبع وتزوجها وادعى الماوردي أن تزوجه لها كان بعد نزول آية التخيير
رابعها لما خير عليه الصالة والسالم زوجاته كافأهن اهلل على حسن صنيعهن بالجنة فقال إن اهلل أعد
للمحسنات أي المختارات منكم أجرا عظيما أي الجنة ومن للبيان ال للتبعيض وبأن حرم على رسوله
التزوج عليهن واالستبدال بهن فقال تعالى ال يحل لك النساء من بعد وال أن تبدل بهن من أزواج اآلية
لكن نسخ ذلك لتكون المنة لرسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} بترك التزوج عليهن بقوله تعالى يأيها
النبي إنا أحللنا لك أزواجك اآلية
قالت عائشة رضي اهلل عنها ( ما مات رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} حتى حل له النساء )
رواه الشافعي وأحمد والترمذي وقال حسن صحيح وصححه ابن حبان والحاكم
وعائشة بهذا الشأن أخبر
قال أصحابنا وأبيح له التبدل بهن ولكنه لم يفعل
وخالف أبو حنيفة رحمه اهلل فقال دام التحريم ولم ينسخ واستدل بأوجه
أ -أحدها أن قوله من بعد يدل على التأبيد والجواب أنه ال داللة في ذلك على عدم النسخ
ب -وثانيها أنه تعالى جعل جزاء الختيارهن فال يحسن الرجوع فيه
قلت ال تحسين إال بالشرع ألن التحريم إنما كان بصبرهن على الضيق وقد زال بفتح الفتوح
ج -وثالثها أنه لما كان يحرم طالقهن وجب أن يكون تحريم النكاح عليهن باقيا ألنهما جميعا جزاء
والجواب بالفرق بينهما بأن الطالق يخرجهن أن يكن أزواجه في اآلخرة بخالف التزوج عليهن
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
واعترض على هذا االستدالل باآلية بأنها متقدمة في التالوة على آية التخيير والناسخ ال يكون متقدما
على المنسوخ فوجب حملها على أن المراد أنه أحل النساء الالتي اخترنه
وهو قول مجاهد والجواب أن اآلية وإ ن تقدمت في التالوة فهي
متأخرة في النزول كما وقع ذلك في قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا اآلية إلى قوله
عشرا
فإنه ناسخ لقوله تعالى متاعا إلى الحول غير إخراج وإ ن كان متأخرا عنه في التالوة
وإ نما قدمت اآلية الناسخة في التالوة ألن جبريل عليه السالم كان إذا نزل إلى النبي {صلى اهلل عليه
وسلم} بآية قال إجعلها في موضع كذا من سورة كذا فقدمت في التالوة لسبق التالي إلى معرفة الحكم
الذي استقر حتى لو لم يعرف المنسوخ بعده لم يضره
وأما حمل اآلية على الالتي اخترنه فال يصح لوجهين
أحدهما أنهن كن حالال قبل نزول اآلية فلم تفده هذه اآلية وألن قوله إنا أحللنا لك تقتضي تقدم حظره
والثاني أنه قال فيها وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خاالتك
ولم يكن من المخيرات أحد من هؤالء كما قاله الشافعي في األم
خامسها إذا ثبت أنه أخل له التزوج فهل ذلك عام في جميع النساء فيه وجهان حكاهما الماوردي
أحدهما ال ويختص ذلك ببنات األعمام والعمات واألخوال والخاالت المهاجرات معه لظاهر اآلية
وقد روى عن أم هانئ أنها قالت نزلت هذه اآلية فأراد رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} أن يتزوجني
فنهي عني ألني لم أهاجر
وأظهرهما أنه عام في جميع النساء
ألن اإلباحة رفعت ما تقدم من الحظر
فاستباح ما كان يستبيحه قبلها
وألنه في استباحة النساء أوسع من أمته فلم يجز أن ينقص عنهم
وقد تزوج عليه الصالة والسالم صفية بعد كما سلف عن الماوردي
وليست من المذكورات في اآلية
والقاضي حسين قال إن تحريم النسوة عليه هل بقي مؤبدا أم ارتفع فيه وجهان
سادسها قال الماوردي تحريم طالق من اختارته منهن أي إذا قلنا به كما سلف لم ينسخ بل بقي إلى
الموت
وبه استدل أبو حنيفة على بقاء تحريم نكاح غيرهن أيضا وكالم اإلمام يشير إلى خالفه
سابعها هل كان يجوز له عليه الصالة والسالم أن يجعل االختيار إليهن قبل المشاورة إليهن فيه
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
وجهان حكاهما الرافعي عن الجرجانيات ألبي العباس الروياني
ولم أرهما في الروضة
النوع الثاني ما اختص به {صلى اهلل عليه وسلم} من المحرمات وذلك تكرمة له فإن أجر ترك
المحرم أكثر من أجر ترك المكروه وفعل المندوب إذ المحرم في المنهيات كالواجب في المأمورات
وهي أيضا قسمان
األول المحرمات في غير النكاح
وفيه مسائل
األولى الزكاة فإنها حرام عليه وشاركه في ذلك ذوو القربى بسببه أيضا فالخاصية عائدة إليه فإنها
أوساخ الناس كما أخرجه مسلم ومنصبه منزه عن ذلك وهي أيضا تعطى على سبيل الترحم المنبئ
عن ذل اآلخذ
فأبدلوا عنها بالغنيمة المأخوذة بطريق العز والشرف المنبئ عن عز اآلخذ وذل المأخوذ منه
قد اختلف علماء السلف أن األنبياء تشاركه في ذلك أم يختص به دونهم فقال باألول الحسن البصري
وبالثاني سفيان بن عيينة
وأما صدقة التطوع ففي تحريهما عليه وعلى آله أربعة أقوال أحدها نعم
وثانيها ال وإ نما كان عليه الصالة والسالم يمنع عنها ترفعا
وأصحها تحرم عليه دونهم
ورابعها يحرم عليهم الخاصة دون العامة أي كالمساجد ومياه اآلبار
وأبدى الماوردي وجها اختاره إن ما كان منها أمواال متقومة كانت محرمة عليه {صلى اهلل عليه
وسلم} دون ما كان منها غير متقوم فتخرج صلواته في المساجد وشربه ماء زمزم وبئر رومة
وحكى الرافعي هنا الخالف من وجهين فقال ومن المحرمات
الصدقة في أظهر الوجهين على ما سبق في قسم الصدقات وتبع في حكاية الخالف كذلك اإلمام هنا
والطبري صاحب العدة
وكذا حكاه العجلي في شرح الوسيط والجرجاني في الشافي
لكن الذي سبق من كالم الرافعي في قسم الصدقات أن الخالف قوالن وهو الصواب المذكور في
بعض نسخ الرافعي هنا وفي الروضة أيضا
فقد قال الماوردي في كتاب الوقف إنهما منصوصان في األم
( فرع ) حكى ابن الصالح عن أمالي أبي الفرج السرخسي أن في صرف الكفارة والنذر إلى
الهاشمي قولين والظاهر جريانهما في المطلبي أيضا ألنه في معناه
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
الثانية كان {صلى اهلل عليه وسلم} ال يأكل البصل والثوم والكراث وما له رائحة كريهة من البقول
وفي الصحيحين من حديث جابر أنه {صلى اهلل عليه وسلم} أتي بقدر فيه خضروات من البقول فوجد
لها ريحا فسأل فأخبر من البقول فقال قربوها إلى بعض أصحابه فلما رآه كره أكلها فقال ( كل فإني
أناجي من ال تناجي )
وهل كان ذلك حراما عليه فيه وجهان
أحدهما وبه جزم الماوردي نعم كيال يتأذى به الملك
وأشبههما ال وإ نما كان {صلى اهلل عليه وسلم} يمتنع منه ترفعا
وفي صحيح مسلم من حديث أبي أيوب أحرام هو قال ( ال
ولكني أكرهه من أجل ريحه )
قال فإني أكره ما كرهت
قال وكان النبي {صلى اهلل عليه وسلم} يؤتى -يعني يأتيه جبريل بالوحي -
وهذا صريح في نفي التحريم وإ ثبات الكراهة
وفي مسند أحمد وسنن أبي داود بسند صالح من حديث عائشة رضي اهلل عنها أنها سئلت عن أكل
البصل فقالت آخر طعام أكله رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} فيه بصل
ولما ذكر ابن الصالح حديث أبي أيوب قال إنه يبطل وجه التحريم اعترض عليه صاحب المطلب
وقال فيه نظر من جهة أن حديث أبي أيوب كان في ابتداء الهجرة والنهي عن أكل الثوم كان عام
خيبر كما رواه البخاري في صحيحه
قلت لكن في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري في قصة خيبر أيضا لكنه لما نهى عن أكل الشجرة
الخبيثة قال الناس حرمت حرمت
فبلغ ذلك رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} فقال ( يا أيها الناس إنه ليس بي تحريم ما أحل اهلل لي
ولكم ولكنها شجرة أكره ريحها )
الثالثة أنه عليه الصالة والسالم كان ال يأكل متكئا
ففي صحيح البخاري من حديث أبي جحيفة رضي اهلل عنه قال كنت عند رسول اهلل {صلى اهلل عليه
وسلم} فقال لرجل عنده ( أنا ال آكل وأنا متكئ )
وفي شعب اإليمان للبيهقي عن يحيى بن أبي كثير أنه عليه الصالة والسالم قال آكل كما يأكل العبد
وأجلس كما يجلس العبد فإنما أنا عبد
وأسنده في دالئله وسننه من حديث ابن عباس ولفظه ( بل أكون عبدا نبيا )
قال فما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئا حتى لقي اهلل
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
وله طرق أوضحتها في تخريجي ألحاديث الرافعي فراجعها منه
وهل كان ذلك حراما عليه أو مكروها كما في حق األمة فيه وجهان
أشبهها -كما قال الرافعي -الثاني
وجزم باألول صاحب التلخيص أي لما فيه من الكبر والعجب وعلل األول بأنه لم يثبت فيه ما يقتضي
التحريم
واجتناب رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} الشيء واختياره غيره ال يدل على كونه محرما عنده
إذا تقرر ذلك
فما المراد بالمتكئ فيه خالف
قال الخطابي المراد به هنا الجالس المعتمد على وطاء تحته وأقره عليه البيهقي في سننه
وأنكره عليه ابن الجوزي وقال المراد به المائل على جنب
وأما صاحب الشفاء ففسره بما قاله الخطابي ثم قال وليس هو الميل على شق عند المحققين وكذا قال
ابن دحية في كتابه المستوفى في أسماء المصطفى إن االتكاء في اللغة هو التمكن في األكل
الرابعة الخط والشعر قال تعالى وال تخطه بيمينك اآلية
وقال تعالى وما علمناه الشعر وما ينبغي له اآلية
وهما حرامان عليه
قال الرافعي وإ نما يتجه القول بتحريمهما ممن يقول إنه كان يحسنهما
وقد اختلف فيه فقيل كان يحسنهما ويمتنع منهما واألصح أنه كان ال يحسنهما
قال النووي في الروضة وال يمتنع تحريمهما وإ ن لم يحسنهما ويكون المراد تحريم التوصل إليهما
وتمسك القائل بأنه كان يحسن الكتابة بما رواه البخاري أنه عليه الصالة والسالم كتب هذا ما صالح
عليه محمد بن عبد اهلل ويجاب بأنه أمر بها ووقع في أطراف ابي مسعود الدمشقي أنه عليه الصالة
والسالم أخذ الكتاب وليس يحسن أن يكتب فكتب مكان رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} محمدا
وكتب هذا ما قاضى عليه محمد
وقال ابن دحية في
كتاب التنوير بعد أن عزاها إليه وهي زيادة منكرة ليست في الصحيحين
قال وذكر عمر بن شبة في كتاب الكتاب له أنه عليه الصالة والسالم كتب يوم الحديبية بيده ومحى
في قوله إلى أنه قصد الكتاب عالما به في ذلك الوقت ولم يعلمه قبله وأن ذلك من معجزاته أن يعلم
الكتابة في وقته ألن ذلك خرق للعادة
وقال بهذا القول بعض المحدثين منهم أبو ذر الهروي وأبو الفتح النيسابوري والقاضيـ أبو الوليد
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
الباجي وصنف في ذلك كتابا
وقيل إنه كتب في ذلك اليوم غير عالم بالكتابة وال مميز لحروفها لكنه أخذ القلم بيده فخط به ما لم
يميزه هو فإذا هو كتاب ظاهر بين على حسب المراد
قال وذهب إلى ذلك القاضي أبو جعفر السمناني األصولي
قال القاضي أبو الوليد كان من أوكد معجزاته أن يكتب من غير تعلم
رضي اهلل عنه فلما دعا رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على
النبي {صلى اهلل عليه وسلم} فقال يا نبي اهلل بايع عبد اهلل فرفع رأسه فنظر إليه ثالثا كل ذلك يأبى
فبايعه بعد ذلك ثم أقبل إلى أصحابه فقال ( أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين رآني كففت
عن مبايعته فيقتله )
فقالوا يا رسول اهلل ما ندري ما في نفسك أال أومأت إلينا بعينك قال ( إنه ال ينبغي لنبي أن يكون له
خائنة األعين )
رواه أبو داود والنسائي من حديث سعد بن أبي وقاص
وقال الحاكم حديث صحيح على شرط مسلم
واختلف في المراد بخائنة األعين كما قال ابن الصالح في مشكله فقيل هي اإليماء بالعين وقيل
مسارقة النظر وعبارة الرافعي هي اإليماء إلى مباح من ضرب أو قتل على خالف ما يظهر ويشعر
به الحال
وإ نما قيل لها خائنة األعين تشبيها بالخيانة من حيث إنه يخفى خالف ما يظهر وال يحرم ذلك على
غيره إال في محظور
واستدل به صاحب التلخيص على أنه لم يكن له أن يخدع في الحرب
وخالفه المعظم كما قال الرافعي معلال بأنه اشتهر أنه كان إذا أراد سفرا ورى بغيره وهو في
الصحيح من حديث كعب بن مالك
وصح أنه {صلى اهلل عليه وسلم} قال ( الحرب خدعة ) وهو بفتح الخاء لغة النبي {صلى اهلل عليه
وسلم}
والفرق أن الرمز يزري برامزه بخالف اإلبهام في األمور العظام
الثامنة اختلف أصحابنا هل كان يحرم عليه أن يصلي على من عليه دين على وجهين
وفي جوازه مع وجود الضامن على طريقين حكاهما
أبو العباس في الجرجانيات فيما حكاه الرافعي عنه
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
قال النووي في الروضة بعد أن حكى الخالف في الثانية وجهين على خالف من كونه طريقين
والصواب الجزم بجوازه مع الضامن ثم نسخ التحريم
فكان النبي {صلى اهلل عليه وسلم} يصلي على من عليه دين وال ضامن له ويوفيه من عنده
واألحاديث الصحيحة مصرحة بذلك
التاسعة كان يحرم عليه {صلى اهلل عليه وسلم} أن يمن ليستكثر ومعناه أن يعطي شيئا ليأخذ أكثر منه
قال اهلل تعالى وال تمنن تستكثر
قال المفسرون ذلك خاص به عليه الصالة والسالم كما نقله الرافعي
اذا تقرر ذلك فالجنة حرام على الكافرين وألنها تكره صحبته وألنه أشرف من أن يضع ماءه في
رحم كافرة
وعبارة القاضي حسين إنه ال يجوز له أن يفرغ ماءه في رحمها وألن اهلل تعالى شرط في إباحة
النساء الهجرة فقال ( الالتي هاجرن معك )
فإذا حظر عليه عليه الصالة والسالم غير المهاجرة فأولى أن يحرم عليه من لم تسلم ولم تهاجر
وخالف أبو إسحاق من أصحابنا فقال ال يحرم عليه نكاحها كما في حق األمة وحكمه عليه الصالة
والسالم في النكاح أوسع من حكم أمته وهي حالل لهم فله أولى
وهذا القائل يقول لو نكحت كتابية لهديت إلى اإلسالم كرامة له عليه الصالة والسالم
وفي الحاوي أنه عليه الصالة والسالم استمتع بأمته ريحانة بنت عمرو اليهودية بملك اليمين -وهي
من سبي بني قريظة -بعد أن عرض عليها اإلسالم فأبت ثم أسلمت بعد ذلك وهذا دليل للقائل بجواز
التسري باألمة الكتابية كما سيأتي
وعلى هذا الوجه فهل عليه تخييرها بين أن تسلم فيمسكها أو تقيم على دينها فيفارقها فيه وجهان
حكاهما
الماوردي
أحدهما نعم لتكون من زوجاته في اآلخرة
والثاني ال ألنه لما عرض على ريحانة اإلسالم فأبت لم يزلها عن ملكه وأقام على االستمتاع
الثالثة في تسريه باألمة الكتابية الخالف المذكور قبله لكن األظهر هنا الحل كما قاله الرافعي في
الكبير وبه أجاب الشيخ أبو حامد وما ذكرناه عن الماوردي في ريحانة يقويه
الرابعة اختلف أصحابنا في تحريم األمة المسلمة على وجهين
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
أحدهما عن ابن أبي هريرة ال تحرم عليه كما في حق أمته وهو عليه الصالة والسالم أوسع نكاحا من
أمته
وأصحهما يحرم ألن جوازه مشروط بخوف العنت وهو عليه الصالة والسالم معصوم وبفقدان طول
الحرة ونكاحه عليه الصالة والسالم غير مفتقر إلى المهر ابتداء وانتهاء
وألن من نكح أمة كان ولده رقيقا ومنصبه عليه الصالة والسالم منزه عن عن ذلك
وبهذا قطع جماعة وادعى الماوردي أنه ال خالف فيه
قال الرافعي لكن من جوز ذلك قال خوف العنت إنما يشترط في حق األمة وفي اشتراط فقدان الطول
تردد
عن الشيخ أبي محمد وغيره على وجه الجواز قال اإلمام فإن شرطناه لم تجز الزيادة على أمة واحدة
وإ ال جازت
الخامسة إذا قلنا بنكاح األمة فأتت بولد لم يكن رقيقا على الصحيح وإ ن قلنا بجريان الرق على العرب
على قول وفي لزوم قيمة هذا الولد لسيدها وجهان
قال أبو عاصم العبادي نعم رعاية لحقه وقال القاضي حسين ال بخالف ولد المغرور ألن هناك فات
الرق بظنه
وهنا الرق متعذر
قال صاحب المطلب وفيه نظر مع القول بانعقاده حرا
قال الرافعي ويوافق ما ذكره القاضي وما حكاه اإلمام أنه لو قدر نكاح غرور في حقه عليه الصالة
والسالم لم تلزمه قيمة الوليد ألنه -مع العلم بالحال -ال ينعقد رقيقا كما في حق غيره
قال اإلمام وهذا هذيان ال يحل اعتقاده
وطرد الحناطي الوجهين في أنه هل يحل له نكاح األمة الكتابية
قال النووي في أصل الروضة والمذهب التحريم يعني القطع به
قال صاحب المطلب وفي إمكان تصور نكاح الغرور ووطء النبي {صلى اهلل عليه وسلم} فيه نظر إذا
قلنا إن وطء الشبهة حرام مع كونه ال إثم فيه فيجوز أن يصان جانبه العلي عن ذلك ويجوز أن يقال
اإلثم مفقود باإلجماع وعند اهلل يصير كفعل الشيء على النسيان ونحوه
قلت واإلمساك عن الخوض في هذا أسلم ولو حذفته لكان أولى لكن تتبعت األصحاب فيه
النوع الثالث ما اختص به من المباحات والتخفيفات
توسعة عليه وتنبيها على أنه ما خص به من اإلباحة ال تلهيه عن طاعة اهلل وإ ن ألهى غيره
وهو قسمان أيضا متعلق بغير النكاح ومتعلق به
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
واعلم أن معظمها لم يفعلها مع إباحتها له وليس المراد بالمباح هنا ما استوى طرفاه بل ما ال حرج
في فعله وال في تركه
فإنه عليه الصالة والسالم واصل وسيأتي أن اإلمام قال إنه قربة في حقه وكذا صفى المغنم
واالستبداد بالخمس كما سيأتي قد يكون راجح الفعل لصرفه في أهم المصالح وقد يكون راجح الترك
لفقد هذا المعنى
ودخول مكة بغير إحرام قد يترجح فعله وقد يترجح تركه -وكذا الزيادة على األربع في القسم الثاني
ال يساوى فيه -فإن أفعاله وأقواله كلها راجحة مثاب عليها فيما نظنه حتى في أكله وشربه ألن
الواحد منا يندب له أن يقصد وجه اهلل بذلك وهو بذلك أولى واهلل أعلم
القسم األول المباحات له في غير النكاح
وفيه مسائل
المسألة األولى الوصال في الصوم أبيح له {صلى اهلل عليه وسلم} قال القضاعي دون غيره من
األنبياء
واختلف فيه في حقنا
قال {صلى اهلل عليه وسلم} لما قيل له إنك تواصل قال ( إني لست مثلكم إني أطعم وأسقى )
متفق على صحته
كذا قاله الشافعي والجمهور أنه من المباحات وقال اإلمام هو قربة في حقه
قال ابن حبان في صحيحه وفي هذا الحديث دليل على أن األخبار التي فيها ذكر وضع النبي {صلى
اهلل عليه وسلم} الحجر على بطنه كلها أباطيل
وإ نما معناه الحجر ال الحجر والحجز طرف اإلزار إذ اهلل عز وجل كان يطعم نبيه ويسقيه إذا واصل
فكيف يترك جائعا مع عدم الوصال حتى يحتاج على شد حجر على بطنه
وما يغني الحجر عن الجوع
قلت قد ذكر هو في صحيحه حديث ابن عباس خرج أبو بكر رضي اهلل عنه بالهاجرة إلى المسجد
فسمع بذلك عمر -يعني فخرج -فقال يا أبا بكر ما أخرج هذه هذه الساعة قال ما أخرجني إال ما
أجد من حاق الجوع
قال ( أنا واهلل ما أخرجني غيره فقوما ) ثم ذكر ما في الحديث
( تنبيه ) قد اشتهر عن كثير من العلماء الوصال فلعل وصالهم جاء من غير قصد إليه بل اتفق ترك
تناول المفطر لغفلة عنه أو االشتغال باالستغراق في المعارف ونحن نشاهد الترك عند اشتغال القلب
بما يسر أو يحزن فكيف بذلك على هذا تكون الخصوصية له {صلى اهلل عليه وسلم} على كل أمته ال
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
على أحد أفرادها والنهي توجه بحسب المجموع ألنه مشرع نبه عليه صاحب المطلب
المسألة الثانية اصطفاء ما يختاره من الغنيمة قبل قسمتها من جارية أو غيرها ويسمى المختار
الصفي والصفية والجمع الصفايا
ومن صفاياه {صلى اهلل عليه وسلم} صفية بنت حيي اصطفاها وأعتقها وتزوجها كما أخرج
البخاري ومسلم من حديث أنس رضي اهلل عنه وفي سنن أبي داود من حديث عائشة رضي اهلل عنها
أنها من الصفي وأخرجه عن قتادة أيضا
قال أبو عمر سهم الصفي مشهور في صحيح اآلثار معروف
عند أهل العلم وال يختلف أهل السير في أن صفية منه
وأجمع العلماء على أنها خاص به
قلت حكى القرطبي عن بعض العلماء أنه قال هو لألئمة بعده
واعلم أن في الصحيح أيضا أنها صارت لدحية الكلبي فاشتراها بسبعة رؤوس فيحتاج إلى تأويل ما
قاله أهل السير أو إلى تأويلها
وقد يجاب أن الشراء ليس على حقيقته
وذكر الرافعي أن ذا الفقار كان من الصفي
وروى أحمد والطبراني والترمذي وابن ماجة من حديث ابن عباس رضي اهلل عنهما أنه عليه الصالة
والسالم تنفله يوم بدر
قال الترمذي حسن غريب وأخرجه الحاكم وقال إنه صحيح اإلسناد
قال واألخبار أنه من خيبر واهية
وفي الطبراني الكبير من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف أن الحجاج بن عالط أهداه له
والفقار مفتوح الفاء قال الخطابي والعامة تكسرها وأصل الفقار عظام الظهر ومفرده فقارة بالفتح
وفقرة
قال ابن األثير في نهايته هي خرزات الظهر
قال وفي حديث زيد بن ثابت ( ما بين عجب الذنب إلى فقاره واحد وثالثون دينارا )
( فائدة ) هذا السيف كان للعاص بن منبه أوال فقتل وأخذه عليه الصالة والسالم وأعطاه لعلي رضي
اهلل عنه وانتقل في أوالده
ورآه
األصمعي عند الرشيد متقلدا وبه ثمان عشرة فقارة
وحكى اإلمام قبل كتاب قسم الصدقات وجهين في أن الصفي كان للنبي {صلى اهلل عليه وسلم} خارجا
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
من سهمه أو كان محسوبا عليه من سهمه
المسألة الثالثة االستبداد بخمس من خمس الفيء والغنيمة وبأربعة أخماس الفيء منفرد بذلك وله مع
خمس الغنيمة سهم كسهام الغانمين
قال تعالى واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن هلل خمسه اآلية
وعن عمرو بن عنبسة قال قال رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} ( ال يحل لي من غنائمكم مثل هذا
إال الخمس والخمس مردود فيكم )
رواه أبو داود والحاكم وهو على شرط البخاري
وادعى الماوردي أنه كان له أوال جميع الفيء كما كان له جميع الغنيمة ولم يزل األمر على ذلك إلى
أن أنزل اهلل تعالى ما أفاء اهلل على رسوله اآلية
وفي الغنيمة واعلموا أنما غنمتم من شيء اآلية
ووراء ذلك ( وجه ) يشير إليه كالم الفوراني إن الخمس من الخمس يصرف بعد رسول اهلل {صلى
اهلل عليه وسلم} إلى خليفة الزمان قال اإلمام ولم يصح عندي نسبته إلى أحد من األصحاب وعلى هذا
الوجه -إن صح -ال خصوصية
وأفاده صاحب المغني من الحنابلة أن له عليه الصالة والسالم خمس الخمس وإ ن لم يحضر
المسألة الرابعة دخول مكة بغير إحرام
نقله صاحب التلخيص وغيره
وفي جوازه لغيره من غير عذر خالف
ودليل ما ذكرناه ما أخرجه مسلم من حديث جابر رضي اهلل عنه ( أن رسول اهلل {صلى اهلل عليه
وسلم} دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء من غير إحرام ) وعبر القضاعي في عيون المعارف
بالحرم بدل مكة وهو المراد هنا وذكر أن ذلك مما خص به دون من قبله من األنبياء
وذكر ابن الرفعة في الكفاية في أوائل الحج وغيره أن من دخل مكة مقاتال لباغ أو قاطع طريق أو
خائفا من ظالم ال يلزمه اإلحرام
واستدل بأنه عليه الصالة والسالم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر ولو كان محرما لم يلبسه
وقد كان خائفا من غدر الكفار وعدم قبولهم الصلح الواقع بينه وبين أبي سفيان
وقد علمت أن االستدالل بذلك ليس بجيد ألجل هذه الخصوصية الواقعة في حقه {صلى اهلل عليه
وسلم} ثم قوله ولو كان محرما لم يلبسه وقد كان خائفا من غدرهم كالم ال يلتئم
فإن المحرم الخائف يباح له اللبس قطعا وحديث جابر الذي سقناه صريح في الداللة
ثم تعليله ترك اإلحرام واللبس بالخوف كيف يلتئم مع قوله تعالى واهلل يعصمك من الناس اآلية
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
وفي الحديث لما نزلت هذه اآلية ترك الحرس
المسألة الخامسة القتل في الحرم
فإنه قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة كذا رأيت في التلخيص البن القاص وتبعه القضاعي
وقال إنه خص به من بين سائر األنبياء
وفي الخصوصية نظر
ألن ابن خطل صاحب جرم والحرم ال يعيذ عاصيا وال فارا بدم وال فارا
بخربة كما ثبت في الصحيح
وقد قيل إن ابن خطل كان قد بعثه رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} في وجه مع رجل من األنصار
أمر عليه فلما كان في بعض الطريق وثب على أميره األنصاري فقتله
المسألة السادسة أن ماله ال يورث عنه قال {صلى اهلل عليه وسلم} ( ال نورث ما تركناه صدقة )
متفق على صحته من حديث جماعة
ثم فيه وجهان أحدهما أنه صدقة للحديث المذكور وبه قطع أبو العباس الروياني وقال الرافعي في
الشرح الصغير إنه المشهور وعلى هذا هل يكون وقفا على ورثته فيه وجهان حكاهما أبو العباس
أيضا فإن جعلناه وقفا فهل هو الواقف فيه وجهان لقوله في الحديث ( ما تركناه صدقة ) وأصحهما
عند اإلمام أنه باق على ملكه ينفق منه على أهله كما كان عليه
الصالة والسالم ينفقه في حياته
ووجهه اإلمام بأن األنبياء أحياء
قال وكذلك كان الصديق رضي اهلل عنه ينفق منه على أهله وخدمه ويصرفه فيما كان يصرفه فيه في
حياته
قال النووي في الروضة وكل هذا ضعيف والصواب الجزم بأنه زال ملكه عنه عليه الصالة والسالم
وأن ما تركه فهو صدقة على المسلمين ال يختص به الورثة وكيف يصح غير ذلك مع الحديث
الصحيح فإنه نص على زوال الملك
ثم اعلم أن الرافعي ذكر في الباب األول من قسم الفيء والغنيمة أن خمس الفيء كان له عليه الصالة
والسالم ينفق منه على نفسه وأهله
وفي مصالحه ولم يكن يملكه ولم ينتقل منه إلى غيره إرثا وهذا حكم منه بأن جهة اإلنفاق غير
مملوكة خالف ما ذكره هنا
ومن غريب ما ذكره صاحب البيان في آخر إحياء الموات عن الشيخ أبي حامد
أن بعضهم قال إنه عليه الصالة والسالم ما كان يملك شيئا وال يتأتى منه الملك وإ نما أبيح له ما يأكله
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
وما يحتاج إليه
وغلط الشيخ أبو حامد لقوله تعالى ما أفاء اهلل على رسوله اآلية وقد أعتق صفية واستولد مارية
ثم ههنا أمور
أحدها عد الغزالي واإلمام هذه الخصلة من جملة التخفيفات
قال الرافعي كأن المعنى فيه أن جعلها صدقة تورث زيادة القربة ورفع الدرجات واألكثرون عدوها
من الكرامات
هوالرابع من خصائصه {صلى اهلل عليه وسلم} وتوجه ما ذكره اإلمام والغزالي بأنه
يجوز أن يكون له التصدق يجميع ماله بعد موته بخالف أمته كما أبداه بعضهم بحثا
ثانيها هذا ليس خاصا به {صلى اهلل عليه وسلم} من بين سائر األنبياء عليهم السالم
ففي السنن الكبرى للنسائي من حديث الزبير وغيره ( إنا معشر األنبياء ال نورث ما تركناه فهو
صدقة )
نعم يمتاز به من بين أمته
وأما القضاعي فلما ذكر خصائصه من بين سائر األنبياء قال ومنها أن ماله كان بعد موته قائما على
نفقته وملكه
ثالثها ما الحكمة في كون األنبياء عليهم الصالة والسالم ال يورثون
فيه أوجه أحدها لئال يتمنى قريبهم موتهم فيهلك بذلك
ثانيها لئال ينفر الناس عنهم ويظنوا فيهم الرغبة في الدنيا وجمعها لوراثهم بهم
ثالثها لئال يفتن بعض الذين أسلموا وتابعوهم بظنهم فيهم الرغبة والجمع لوراثهم
رابعها ما الجواب عن قوله تعالى فهب لي من لدنك وليا يرثني
ويرث من آل يعقوبـ ) اآلية
وقوله تعالى وورث سليمان داود اآلية
قلت المراد الوراثة في النبوة والعلم والدين ال في المال
وفي هذا رد على ما حكاه القاضي عياض عن الحسن البصري أنه قال عدم اإلرث منهم يختص
بنبينا {صلى اهلل عليه وسلم}
واستدل باآلية األولى وزعم أن المراد وراثة المال
قالوا ولو أراد وراثة النبوة لم يقل وإ ني خفت الموالي من ورائي إذ ال يخاف الموالي على النبوة ثم
استدل باآلية األخرى
والصواب الذي عليه جميع العلماء أن جميع األنبياء ال يورثون ويؤول ذلك بما سبق
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
خامسها قوله {صلى اهلل عليه وسلم} ( صدقة ) هو مرفوع خالفا لإلمامية حيث نصبوه قالوا ويورث
-بمثناة تحت -أي ما تركناه صدقة فال يورث
( تنبيه ) هل يرث لم أر فيه نقال لكن في كتاب مشكل الحديث في أواخره قالوا حديث ينقضه القرآن
قالوا رويتم أن النبي {صلى اهلل عليه وسلم} قال ( إنا معاشر األنبياء ال نورث ما تركناه صدقة ومن
الدليل أيضا على أن رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} ال يورث أنه كان ال يرث
بعد أن أوحى اهلل إليه وإ نما كانت وراثته أبويه قبل الوحي
قلت وآية المواريث لم تشهد للسياق قبلها وبعدها والخطاب فيها للموروث والوارث
وفي عيون المسائل من ال وارث بماله في قوله عليه الصالة والسالم ( أنا وارث من ال وارث له
أعقل عنه وأرثه )
أنه خبر متروك الظاهر ألنه عليه الصالة والسالم ال يرث وال يعقل باإلجماع
قلت إن معناه أنه ال يأخذ المال أخذ الوارث إذا خال المال عن االستحقاق والموصى له مستحق المال
إذا إذا خال
المسألة السابعة كان له {صلى اهلل عليه وسلم} أن يقضي بعلمه وفي غيره خالف
واستدل له البيهقي بقصة هند في الصحيحين وقوله {صلى اهلل عليه وسلم} ( يكفيك وولدك بالمعروف
) وهذا بناء على أنه قضاء ال فتيا وفي ذلك اضطراب أوضحته في شرح العمدة
المسألة الثامنة كان له {صلى اهلل عليه وسلم} أن يحكم لنفسه ولولده على األصح
ألنه معصوم
وفي غيره وجه في حكمه لولده حكاه الماوردي وحكى معه وجها آخر أنه يجوز باإلقرار دون البينة
للتهمة في تسامحه بتعديلها وجعل القضاعي هذه الخصوصية واآلتية بعدها مما خص بهما من دون
سائر األنبياء
( فرع ) كان ال يكره في حقه الفتوى والحكم في حال الغضب ألنه ال يخاف عليه ما يخاف علينا
ذكره النووي في شرحه لمسلم في كتاب اللقطة
المسألة التاسعة كان يقبل شهادة من يشهد له كما قبل شهادة خزيمة لنفسه وقصته في أبي داود
والحاكم وصححهما وخالف ابن حزم
فأعلها
وادعى صاحب المطلب أنها في الصحيح مشهورة ومقتضى إطالق الحاوي الصغير أن من
خصائصه أيضا قبول شهادة من يشهد لولده أيضا وبه صرح البارزي في توضيحه الكبير
( فرع ) له أيضا أن يشهد لنفسه ولولده {صلى اهلل عليه وسلم}
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
( فرع ) لو قال عليه السالم لفالن على فالن كذا هل للسامع أن يشهد لفالن على كذا فيه وجهان عن
روضة الحكام للقاضي شريح
فأعلها
وادعى صاحب المطلب أنها في الصحيح مشهورة ومقتضى إطالق الحاوي الصغير أن من
خصائصه أيضا قبول شهادة من يشهد لولده أيضا وبه صرح البارزي في توضيحه الكبير
( فرع ) له أيضا أن يشهد لنفسه ولولده {صلى اهلل عليه وسلم}
( فرع ) لو قال عليه السالم لفالن على فالن كذا هل للسامع أن يشهد لفالن على كذا فيه وجهان عن
روضة الحكام للقاضي شريح
المسألة العاشرة كان له {صلى اهلل عليه وسلم} أن يحمي لنفسه ولم يقع ذلك منه ولو وقع لكان ذلك
أيضا لمصلحة المسلمين ألن ما كان مصلحة له فهو مصلحة لهم
وليس لألئمة بعده وال لغيرهم أن يحموا ألنفسهم كما هو مقرر في موضعه من كتب الفقه وذكر
القضاعي هذه الخصيصة فيما خص به دون من قبله من األنبياء
( فرع ) ما حماه {صلى اهلل عليه وسلم} للمسلمين ال ينقض بحال ألنه نص وقيل إن بقيت الحاجة
التي حمى لها لم ينقض وإ ن زالت فوجهان واألصح المنع أيضا ألنه تغيير المقطوع بصحته باجتهاد
أما اإلمام بعده فله نقض حماه للحاجة على األصح
المسألة الحادية عشرة له عليه الصالة والسالم أن يأخذ الطعام والشراب من مالكهما المحتاج إليهما
إذا احتاج إليهما وإ ن كان مالكهما محتاجا وعليه البذل ويفدي مهجته بمهجته عليه أفضل الصالة
والسالم
قال تعالى النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم
ومثله ما ذكره الفوراني وإ براهيم المروذي وغيرهما أنه لو قصده ظالم وجب على من حضره أن
يبذل نفسه دونه {صلى اهلل عليه وسلم} أي كما وقاه
طلحة بن عبيد اهلل رضي اهلل عنه بنفسه يوم أحد
وعد القضاعي هذه الخصوصية مما خص بها دون غيره من األنبياء
المسألة الثانية عشرة أنه يجب على أمته أن يحبوه أعلى درجات المحبة كما ثبت في الصحيح أنه
عليه الصالة والسالم قال ( ال يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله وماله ووالده وولده والناس
أجمعين )
وأسباب المحبة اإلجالل واإلعظام والكمال في الصفات
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
المعنوية والحسن واإلشفاق وهي كلها موجودة في حقه عليه الصالة والسالم فوجبت له المحبة
الكاملة
( فرع ) قال القاضي حسين يجب على المرء أن يكون جزعه وحزنه وقلقه على فراق النبي {صلى
اهلل عليه وسلم} من الدنيا أكثر من حزنه على فراق أبويه كما يجب عليه أن يكون عنده أحب إليه من
نفسه وأهله وماله
المسألة الثالثة عشرة كان ال ينتقض وضوءه بالنوم بخالف غيره ألن كانت تنام عيناه وال ينام قلبه
كما ورد في الصحيح
وفيه إشارة
على أن نوم العين المجردة ال ينقض الوضوء وفيه ( وجه غريب أنه ينقض كأمته )
( فائدة ) عد القضاعي هذه الخصوصية وهي نوم عينيه دون قلبه مما خص به دون األنبياء قبله
ووهم فيه ففي صحيح البخاري من حديث أنس في قصة اإلسراء ( وكذلك األنبياء تنام أعينهم وال
تنام قلوبهم )
( فائدة ) ذكر القاضي عياض في الشفاء في أوائل الباب الثالث في الكالم على شق البطن أن في
رواية إن جبريل قال قلب وكيع -أي شديد -فيه عينان تبصران وأذنان سميعتان
المسألة الرابعة عشرة في انتقاض وضوئه باللمس وجهان
قال النووي في الروضة والمذهب الجزم بانتقاضه
قلت لكن في النسائي الكبير من حديث القاسم عن عائشة رضي اهلل عنها قالت كان رسول اهلل {صلى
اهلل عليه وسلم}
ليصلي وإ ني لمعترضة بين يديه إعتراض الجنازة حتى إذا أراد أن يوتر مسني برجله
وإ سناده صحيح جليل وظاهره يؤيد عدم النقض
وفي مسند البزار من حديث عبد الكريم الجزري الجزري عن عطاء عن عائشة أن رسول اهلل {صلى
اهلل عليه وسلم} يقبل بعض نسائه ثم يخرج إلى
الصالة وال يتوضأ ثم قال ال نعلمه يروى عن النبي {صلى اهلل عليه وسلم} إال من رواية عائشة وال
نعلمه يروى عنها إال من حديث حبيب عن عروة ومن حديث عبد الكريم عن عطاء
قال عبد الحق وال أعلم لهذا الحديث علة توجب تركه وال أعلم فيه أكثر من قول يحيى بن معين
حديث عبد الكريم عن عطاء حديث فردي ألنه غير محفوظ
وانفراد الثقة بالحديث ال يضر فإما أن يكون قبل أن تنزل اآلية أو يكون أن المالمسة الجماع كما قال
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
ابن عباس رضي اهلل
عنهما
واحتج الشافعي رضي اهلل عنه بحديث لمس عائشة أخمص قدميه على أن طهر الملموس ال ينتقض
وهذا يؤذن بانتفاء الخصوصية وإ ال لما حسن االحتجاج به
المسألة الخامسة عشرة كان يجوز له أن يدخل المسجد جنبا
قاله صاحب التلخيص وفيه حديث في الترمذي حسنه مع الغرابة من طريق أبي سعيد ( يا علي ال
يحل ألحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك )
قلت وفي حسنه نظر ففيه سالم بن أبي حفصة وعطية العوفي وهما ضعيفان جدا شيعيان متهمان
ورواه البزار من حديث
سعد بن أبي وقاص والطبراني في أكبر معاجمه من حديث أم سلمة
قلت ومقتضىـ الحديث اشتراك علي رضي اهلل عنه معه في ذلك ولم يقل به أحد من العلماء
وذكر الترمذي عقب إيراده الحديث عن ضرار بن صرد أن معنى الحديث ال يحل ألحد يستطرقه
جنبا غيري وغيرك
وهذا التفسير فيه نظر ألن هذا الحكم ال يختص به بل أمته كذلك وأما القفال فإنه ال يسلم ذلك لصاحب
التلخيص بل قال ال أظنه صحيحا
وقال إمام الحرمين هذا الذي قاله صاحب التلخيص هوس ال ندري من أين قاله وال إلى أي أصل
أسنده فالوجه القول بتخطئته
قلت إسناده إلى رواية الترمذي وتحسينه له وذلك هو غاية الفقيه فال وجه لتخطئته وقد قوى النووى
مقالته
وذكر القضاعي هذه الخصوصية فيما خص بها من بين سائر األنبياء وعبر باللبث دون الدخول فقال
ومنها أنه أبيح له اللبث في المسجد في حال جنابته
المسألة السادسة عشرة قال ابن القاص كان يجوز له {صلى اهلل عليه وسلم} أن يلعن شيئا من غير
سبب يقتضيه ألن لعنته رحمة
واستبعده األئمة لكن في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه أن رسول اهلل {صلى اهلل
عليه وسلم} قال ( اللهم إني اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه فإنما أنا بشر فأي المؤمنين آذيته أو شتمته
أو لعنته فاجعلها له زكاة وصالة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة ) وفي رواية لهما ( إنما أنا بشر
أغضب كما يغضب البشر فأيما
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له صالة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة
واجعل ذلك كفارة له إلى يوم القيامة )
قال الرافعي وهذا قريب من جعل الحدود كفارات ألهلها قال العلماء وذلك في حق المسلمين كما
نطق به الخبر فإنه عليه الصالة والسالم دعا على الكفار والمنافقين ولم يكن لهم رحمة فإن قيل إن
كان
يستحق الدعاء فكيف يجعل رحمة لهم وإ ن كان ال يستحقه فكيف يدعو عليه الصالة والسالم من ال
يستحق الدعاء فالجواب من أوجه
أحدها أنه يجوز أن يكون مستحقا للدعاء عليه شرعا
ولكن رأفته عليه الصالة والسالم وشفقته تقتضي أن يدعو له الرتكاب ما نهى عنه
والعاصي أولى وأحق أن يدعى له وقد يكون الدعاء عليه سببا لزيادة عصيانه
وثانيها يجوز أن ال يكون مستحقا للدعاء في الباطن وهو مستحق له في الظاهر وهو عليه الصالة
والسالم إنما يحكم بالظاهر
وثالثها يجوز أن يكون المراد به ما صدر منه على صيغة الدعاء واللعن والسب وليس المراد به
حقيقته كما جرت به عادة العرب في كالمها
كقوله تربت يمينك وعقري حلقي
فخشي عليه الصالة
والسالم أن يصادف شيء من ذلك إجابة فسأل اهلل أن يجعل ذلك رحمة وكفارة
فإن قيل معنى الحديث السالف ( إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر ) وذلك يقتضي أن السب
واللعن للغضب قلت قال
الماوردي يحتمل أنه عليه الصالة والسالم أراد أن دعاءه وسبه وجلده كان مما خير فيه بين أمرين
أحدهما هذا والثاني زجره بأمر آخر يحمله الغضب هلل تعالى على أحد األمرين المخير فيهما وهو
السب واللعن والجلد فليس ذلك خارجا عن حكم الشرع
ومعنى اجعلها صالة أي رحمة كما في الرواية األخرى
وعد القضاعي هذه الخصيصة مما خص بها دون األنبياء قبله
المسألة السابعة عشرة قال ابن القاص وكان يجوز له القتل بعد األمان قال الرافعي وخطؤوه فيه
وقالوا من يحرم عليه خائنة األعين كيف يجوز له قتل من أمنه قلت ال جرم حذفها من الروضة
وقصة ابن خطل ال ينافيه فإنه عليه الصالة والسالم قال ( من دخل المسجد فهو آمن وكان أراق دمه
فقيل له ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال ( اقتلوه )
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
القسم الثاني التخفيفات المتعلقة بالنكاح
وفيه مسائل
المسألة األولى أبيح له {صلى اهلل عليه وسلم} الجمع بين أكثر من أربع نسوة وهو إجماع وقد مات
{صلى اهلل عليه وسلم} عن تسع زوجات كما سيأتي
وألنه لما كان الحر -لفضله على العبد -يستبيح من النسوة أكثر مما يستبيحه العبد وجب أن يكون
النبي {صلى اهلل عليه وسلم} لفضله على جميع األمة يستبيح من النساء أكثر مما تستبيحه األمة
قيل في قوله تعالى أم يحسدون الناس على ما أتاهم اهلل من فضله اآلية
إن المراد بالناس النبي {صلى اهلل عليه وسلم} وأنهم حسدوه في نكاح تسع نسوة وقالوا هال شغلته
النبوة عن النساء فأكذبهم اهلل تعالى وقال كان لسليمان الملك العظيم ولم يشغله عن النبوة وكان له ألف
حرة ومملوكة
وكان لداود عليه السالم تسع وتسعون زوجة حكاه اإلمام أبو نصر عبد الرحيم القشيري في تفسيره
المسمى بالتيسير في التفسير
وحكى القرطبي في تفسير هذه اآلية أنه أحل لنبينا عليه الصالة والسالم تسعا وتسعين امرأة
قيل خص {صلى اهلل عليه وسلم} بذلك ألنه حبب إليه من الدنيا الطيب والنساء وجعلت قرة عينه في
الصالة كما رواه النسائي من حديث أنس وصححه الحاكم على شرط مسلم ووقع في مطلب ابن
الرفعة أنه في الصحيح والظاهر وهمه
وفي إسناد الحديث مقال أوضحته في تخريج
أحاديث الرافعي
وقال الماوردي واختلف أهل العلم في تحبيب النساء إليه على قولين
أحدهما أنه زيادة في االبتالء والتكليف حتى ال يلهو بما حبب إليه من النساء عما كلف به من أداء
الرسالة وال يعجز عن تحمل أثقال النبوة فيكون تلك أكثر لمشاقه وأعظم ألجره
والثاني ليكون مع من يشاهدها من نسائه فيزول عنه ما يرميه المشركون من أنه ساحر أو شاعر
فيكون تحبيبه لهن على هذا القول للطف به
ويحتمل قوال ثالثا وهو الحث ألمته عليه لما فيه من النسل الذي تحصل به المباهاة يوم القيامة
ورابعا هو أن قبائل العرب تتشرف به وقد قيل إنه له بكل قبيلة منها اتصاال بمصاهرة وغيرها سوى
تيم وتغلب
وخامسا هو كثرة العشائر من جهة نسائه رجاال ونساء فيكونون عونا على أعدائه
إذا تقرر ذلك فهل يجوز له {صلى اهلل عليه وسلم} الزيادة على التسع فيه وجهان ألصحابنا أحدهما ال
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
ألن األصل استواؤه عليه الصالة والسالم وأمته في األحكام لكن ثبت له جواز الزيادة إلى تسع
فيقتصر عليه
وأصحهما -وبه قطع الماوردي -الجواز ألنه مأمون الجور ولظاهر قوله تعالى إنا أحللنا لك
أزواجك الالتي آتيت أجورهن اآلية
وقد قيل إنه كان عنده حين التخيير عشر نسوة العاشرة بنت الضحاك التي اختارت الدنيا
وروى الحافظ ضياء الدين في األحاديث المختارة من حديث أنس تزوج النبي {صلى اهلل عليه وسلم}
خمس عشرة امرأة ودخل منهن بإحدى عشرة ومات عن تسع فيكون قوله تعالى يأيها النبي إنا أحللنا
لك ناسخة
وفي رعاية الحنابلة إلى أن نزل ال يحل لك النساء من بعد فتكون ناسخة
( تنبيه ) ذكر القضاعي في كتابه ( عيون المعارف ) هذه الخصيصة وهي أنه أبيح له عليه الصالة
والسالم أكثر من أربع نسوة فيما خص به دون األنبياء من قبله وهو غريب منه وقد أسلفت لك ما
يخالفه
( فائدتان )
األولى قال مجاهد أعطي النبي {صلى اهلل عليه وسلم} قوة أربعين رجال كل رجل من رجال أهل
الجنة
وسيأتي عن أنس أنه قال كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثالثين
الثانية النكاح في حقه عليه الصالة والسالم عبادة بال شك ومن جملة فوائده في حقه فائدتان عظيمتان
األولى نقل الشريعة التي لم يطلع عليه الرجال الثانية نقل محاسنه الباطنة فإنه {صلى اهلل عليه وسلم}
مكمل الظاهر والباطن
وتزوج من القبائل أم حبيبة وأبوها ذلك الوقت عدوه
وصفية وقد قتل أباها وغيرهما فلو لم يطلعن من باطن أحواله على أنه أكمل الخلق لكانت الطباع
البشرية تقتضي ميلهن إلى آبائهن وقرابتهن
وكان في كثرة النساء عنده بيان لمعجزاته وكماله باطنا كما عرفه الرجال منه ظاهرا {صلى اهلل عليه
وسلم}
( فرع ) في انحصار طالقه {صلى اهلل عليه وسلم} في الثالث طريقان أحدهما فيه وجهان كالوجهين
في عدد زوجاته لكن صحح البغوي الحصر فيها
كغيره
وصحح في أصل الروضة
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
والرافعي ذكر الطريقة األولى ثم قال وروى صاحب التتمة االنحصار ولم يزد على ذلك في شرحيه
والثانية القطع بانحصاره فيه بخالف عدد الزوجات ألن المأخوذ عليه من أسباب التحريم أغلظ كذا
علله الماوردي وهو جازم بعدم انحصار النسوة وحاك لوجهين في انحصار طالقه ومنه خرجت هذه
الطريقة
قال وعلى الحصر إذا طلق واحدة ثالثا هل تحل له من غير أن تنكح غيره فيه وجهان أحدهما نعم لما
خص من تحريم نسائه على غيره
والثاني ال يحل له أبدا لما عليه من التغليظ في أسباب التحريم
المسألة الثانية في انعقاد نكاحه بلفظ الهبة وجهان أحدهما ال كغيره وأصحهما نعم وهو ما قطع به
اإلمام والغزالي لقوله تعالى وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة
لك من دون المؤمنين
وعلى هذا ال يجب المهر بالعقد وال بالدخول كما هو مقتضىـ الهبة
وهل يشترط لفظ النكاح من جهته {صلى اهلل عليه وسلم} أو يكفي لفظ االتهاب فيه وجهان أحدهما ال
يشترط كما في حق المرأة وأصحهما في أصل الروضة والرافعي قال إنه أرجح وعند الشيخ أبي
حامد يشترط لظاهر قوله تعالى أن يستنكحها اآلية فاعتبر في جانبه النكاح
قال األصحاب وينعقد نكاحه عليه الصالة والسالم بمعنى الهبة حتى ال يجوز مهر ابتداء وال انتهاء
وفي وجه غريب أنه يجب المهر الذي خص به النعقاد نكاحه بلفظ الهبة دون معناها
وقال الماوردي مرة بسقوط المهر
وقال مرة اختلف أصحابنا فيمن لم يسم لها مهرا في العقد هل يلزمه لها مهر المثل على وجهين وجه
المنع أن المقصود منه التوصل إلى ثواب اهلل تعالى
قال واختلف العلماء هل كانت عنده عليه الصالة والسالم امرأة موهوبة أم ال من أجل اختالف القراء
في فتح إن وكسرها من قوله إن وهبت نفسها فعلى الثاني يكون شرطا مستقبال وعلى األول يكون
خبرا عن ماض
وعلى هذا اختلفوا في من هي فقيل أم شريك قاله
عروة وأخرجه النسائي عنها
وقيل ميمونة بنت الحارث قاله ابن عباس وقال الشعبي هي زينب بنت خزيمة األنصارية أم
المساكين
قلت اسم أم شريك غزية بنت جابر بن حكيم وقيل بنت ذروان بن عوف وقيل غزيلة وقيل ليلى بنت
الخطيم
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
وقيل فاطمة بنت شريح
وقيل خولة بنت حكيم قالته عائشة رضي اهلل عنها ففي الصحيحين عنها قالت كانت خولة بنت حكيم
من الالئي وهبن
أنفسهن للنبي {صلى اهلل عليه وسلم} فقالت عائشة رضي اهلل عنها أما تستحي المرأة تهب نفسها
للرجل فلما نزلت ترجئ من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء قلت يا رسول اهلل ما أرى ربك إال
يسارع في هواك وهذا يدل على أن معنى قوله تعالى ترجئ أي تؤخر من تشاء من الواهبات وتؤوي
إليك من تشاء أي بقبول هبتها وقيل خالفه
وعبارة القضاعي ابي عبد اهلل محمد بن سالم في كتابه عيون المعارف ( أن مما خص به له إباحة
الموهوب له خاصة وهو أن يتزوجها بلفظ الهبة وإ باحة النكاح بغير مهر وال يستقر عليه إال بالدخول
)
وليس ذلك بجيد منه وذكر هذه الخصوصية في قسم ما خص به دون األنبياء من قبله
ودون أمته تشريفا له وتعظيما لشأنه
المسألة الثالثة إذا رغب النبي {صلى اهلل عليه وسلم} في نكاح امرأة فإن كانت خلية فعليها اإلجابة
على الصحيح وتحرم على غيره خطبتها وإ ن كانت ذات زوج وجب على زوجها طالقها لينكحها
على الصحيح لقوله تعالى يأيها الذين آمنوا استجيبوا هلل والرسول اآلية
كذا استدل بها الماوردي
واستدل الغزالي في وسيطه لوجوب التطليق بقصة زيد رضي اهلل عنه وهي مشهورة
والذي كلف أخف ما في النفس مع إبداء اهلل له فإن كثيرا من المباحات الشرعية يستحيي اإلنسان من
فعلها ويمتنع منها وقوله تعالى ما كان على النبي من حرج اآلية فيه رفع اإلثم ال نفي الحياء من
الشيء
فإن قلت ما الجواب عن حديث عائشة المتفق على صحته ( أن رجال استأذن على النبي {صلى اهلل
عليه وسلم} فلما رآه قال ( بئس أخو العشيرة ) أو ( بئس ابن العشيرة ) فلما جلس تطلق النبي {صلى
اهلل عليه وسلم} في وجهه وانبسط فلما انطلق قالت له عائشة يا رسول اهلل حين رأيت الرجل فقلت
كذا وكذا ثم تطلقت في وجهه وانبسطت له فقال رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} يا عائشة متى
عهدتيني فحاشا إن شر الناس عند اهلل منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره ) وفي لفظ استأذن
رجل فقال ( ائذنوا له بئس أخو العشيرة ) فلما دخل أالن له في الكالم
ثم ذكره نحوه
فالجواب أنه يجوز أن يقال الذي منع منه أن يظهر -بلفظ لمن يخاطبه -شيئا يريد خالفه
ولين الكالم لم يرد به النبي {صلى اهلل عليه وسلم} إال حقيقته ألجل شره وما قاله في غيبته تنبيها على
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
صفته ليحذر منه أو يعامل بمثل ما عامله النبي {صلى اهلل عليه وسلم} وكذا أمثاله وهو من قبيل الدفع
بالتي هي أحسن
وبهذا يقع الجواب أيضا عن قوله عليه الصالة والسالم ألبي بصير مسعر حرب لو وجد أعوانا
( تنبيه ) ما قدمته أوال أنه يحرم على غير خطبتها هو مبني على أنه يجب عليها اإلجابة
أما إذا قلنا ال فال يظهر ذلك لما فيه من اإلضرار بها
المسالة الرابعة في انعقاد نكاحه بال ولي وال شهود وجهان
أحدهما ال لعموم قوله {صلى اهلل عليه وسلم} ( ال نكاح إال بولي وشاهدي عدل )
وأصحهما نعم
ألن اعتبار الولي المحافظة على الكفاءة وال شك فيه أنه {صلى اهلل عليه وسلم} فوق األكفاء واعتبار
الشهود ألمن الجحود وهو عليه الصالة
والسالم ال يجحد وإ ن جحدت هي لم يرجع إلى قولها على خالف قوله بل قال العراقي في شرح
المهذب تكون كافرة بتكذيبه
ويدل على االنعقاد أيضا أن الصحابة كلهم أشكل عليهم هل تزوج صفية وأحالوا ذلك على حجبها
وقصة زينب في تزويجه بها وهذا الخالف في غير زينب
أما زينب فمنصوص عليها وقد نبه عليه أيضا النووي في شرحه لمسلم في باب زواج زينب بنت
جحش
وذكر القضاعي هذه الخصيصة فيما خص بها دون األنبياء من قبله
( تنبيه ) قال الشيخ أبو حامد الخالف في المسألة مبني على أن المتكلم هل يدخل في عموم خطابه أم
ال فإنه {صلى اهلل عليه وسلم} قد قال ( ال نكاح إال بولي مرشد وشاهدي عدل )
وفيما ذكره نظر ألن المحكوم عليه هنا إنما هو نفي ماهية النكاح عند انتفاء ذلك فتنتفي تلك الماهية
أيضا في حقه عمال بهذا الحديث
ولم يأت لفظ عام لألشخاص حتى نقول هل دخل فيهم أم ال
المسألة الخامسة في انعقاد نكاحه في حال اإلحرام وجهان
أحدهما نعم لما روى البخاري ومسلم عن ابن عباس أنه عليه الصالة والسالم تزوج ميمونة وهو
محرم
وهذا ما نسبه الماوردي إلى أبي الطيب ابن سلمة
وقال الرافعي إن كالم النقلة بترجيحه أشبه
وصححه النووي في أصل الروضة
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
وثانيهما ال كغيره
وكما ال يحل له الوطء في اإلحرام
وهو ما نقله الماوردي عن سائر األصحاب ونكاح ميمونة في أكثر الروايات جرى وهو حالل كذا
قاله الرافعي وغيره
قال القاضي عياض وغيره ولم يرو أنه تزوجها محرما إال ابن عباس وحده
قلت في صحيح ابن حبان عن عائشة أنه عليه الصالة والسالم تزوج بعض نسائه وهو محرم
وروت
ميمونة وأبو رافع وغيرهما أنه تزوجها حالال وهم أعرف بالقصة من ابن عباس لتعلقهم بها وألنهم
أضبط من ابن عباس وأكبر
قال ابن المسيب ووهم ابن عباس في ذلك كذا رواه عنه أبو داود وابن عدي
قلت ويؤيده أن الدارقطني روى من حديث ابن عباس تزوجها وهو حالل
رواه من حديث محمد بن عثمان بن مخلد عن أبيه عن سالم أبي المنذر وعن مطر الوراق عن
عكرمة عنه
ثم قال تفرد به محمد بن عثمان عن أبيه عن سالم وهو غريب عن مطر
ورواه أبو األسود عن عكرمة أيضا
قلت وترجح رواية أبي رافع أيضا ألنه كان بالغا إذ ذاك بخالف ابن عباس وبأنه عليه الصالة
والسالم تزوجها في عمرة القضاء كما ذكره البخاري وغيره ولم يكن ابن عباس معه
وتؤول رواية ابن عباس المشهورة بأن المراد تزوجها في الشهر الحرام أو في البلد الحرام
كما قال الشاعر
قتلوا ابن عفان الخليفة محرما
ألنه قتل في أيام التشريق من الشهر الحرام
( تنبيه ) عد القضاعي هذه الخصيصة مما خص بها دون األنبياء من قبله عليهم السالم
المسألة السادسة في وجوب القسم عليه في زوجاته وجهان
أحدهما وبه قطع اإلصطخري
قال الماوردي وطائفة وصححه الغزالي في الخالصة وعليه اقتصر في الوجيز ال يجب وإ نما كان
يتطوع به
ألن في وجوبه عليه شغال عن لوازم الرسالة ولقوله تعالى ترجئ من تشاء منهن وتؤوي إليك من
تشاء أي تبعد من تشاء فال تقسم لها وتقرب من تشاء فتقسم لها
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
ونقل ابن الجوزي عن أكثر العلماء أن اآلية نزلت مبيحة ترك ذلك وكان عليه الصالة والسالم
يطوف على نسائه في الساعة الواحدة كما أخرجه البخاري من حديث أنس وذلك ينافي وجوبه عليه
وأصحهما عند الشيخ أبي حامد والعراقيين وتابعهم البغوي وهو ظاهر نصه في األم أنه يجب ألنه
كان يطاف به في مرضه على نسائه حتى
حللنه كما ذكره الشافعي في المختصر بالغا
وفي صحيح البخاري في كتاب الهبة عن عائشة رضي اهلل عنها قالت لما ثقل رسول اهلل {صلى اهلل
عليه وسلم} واشتد وجعه واستأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي فأذن له
وصح أنه عليه الصالة والسالم كان يقول ( اللهم هذا قسمي فيما أملك فال تلمني فيما تملك وال أملك )
كما أخرجه أصحاب السنن األربع وصححه ابن حبان والحاكم
ولما هم بطالق سودة وهبت يومها لعائشة فجعل لها يومين
وأما اآلية فهي محمولة على إباحة التبدل بهن بعد التحريم
وقال ابن القشيري في تفسيره إنه كان واجبا ثم نسخ بهذه اآلية
وذكر الماوردي في اآلية تأويلين
أحدهما معناه تعزل من شئت من أزواجك فال تأتيها وتأتي من شئت منهن
بناء على أن المخاطب هل يدخل في الخطاب ألنه قال ( ال تنكح المرأة على عمتها وال على خالتها )
فالمعنى ال ينكح أحد
المسألة الرابعة عشرة لم يكن يحل له الجمع بين األختين ألن خطاب اهلل تعالى يدخل فيه نبيه {صلى
اهلل عليه وسلم}
وفيه وجه حكاه الحناطي وهو باطل قطعا فقد ثبت في الصحيح عن أم حبيبة أنها قالت لرسول اهلل
{صلى اهلل عليه وسلم} هل لك في أختي بنت أبي سفيان فقال ( أفعل ماذا ) قلت تنكحها
قال أو تحبين ذلك قلت لست لك بمخلية وأحب من شركني في خير أختي
قال ( فإنها ال تحل لي )
المسألة الخامسة عشرة لم يكن يحل له الجمع بين األم وبنتها وفيه وجه بعيد حكاه الحناطي
المسألة السادسة عشرة أعتق {صلى اهلل عليه وسلم} صفية وتزوجها وجعل عتقها صداقها كما ثبت
في الصحيحين من حديث أنس نعم هو في رواية البخاري من حديث أبي موسى أنه {صلى اهلل عليه
وسلم} أعتقها ثم أصدقها وذلك يدل على تجديد العقد بصداق غير العتق
وقال البيهقي روي من حديث ضعيف أنه أمهرها فذكره وفي
رواية من حديث ابن عمر أن جويرية وقع لها مثل ذلك
ولكن أعلها ابن حزم بيعقوبـ بن حميد بن كاسب وهو مختلف فيه ال كما جزم بتضعيفه
واختلف أصحابنا في معنى أعتقها وجعل عتقها صداقها على أربعة أوجه
أحدها أنه أعتقها بشرط أن ينكحها فلزمها الوفاء بخالف غيره
وهذا يقتضي إنشاء عقد بعد ذلك
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
ثانيها أنه جعل نفس العتق صداقها وجاز له ذلك بخالف غيره
وهذا ما أورده الماوردي
وثالثها أنه أعتقها بال عوض وتزوجها بال مهر ال في الحال وال فيما بعد
قال النووي في الروضة وهذا أصح
وسبقه إلى ذلك ابن الصالح فإنه قال في مشكله إنه أصح وأقرب إلى الحديث
وحكي عن أبي
إسحاق وقطع به البيهقي فقال أعتقها مطلقا
قال ابن الصالح فيكون معنى قوله وجعل عتقها صداقها أنه لم يجعل لها شيئا غير العتق فحل محل
الصداق وإ ن لم يكن صداقا
وهو من قبيل قولهم الجوع زاد من ال زاد له
رابعها أنه أعتقها على شرط أن يتزوجها فوجب له عليها قيمتها فتزوجها به وهي مجهولة وليس
لغيره أن يتزوج بصداق مجهول حكاه الغزالي في وسيطه
نعم لنا وجه في صحة إصداق قيمة األمة المعتقة المجهولة إذا أعتقها عليه بالنسبة إلينا
وهو يرد قول الغزالي في وسيطه فيه خاصية باالتفاق إال أن يكون القائل بالصحة في حق غيره غير
القائل بالصحة هنا
قال ابن حزم ما وقع في الحديث سنة جائزة صحيحة لكل من أراد أن يفعل مثل ذلك إلى يوم القيامة
وكذا قال الترمذي فإنه لما أخرج الحديث المتقدم قال حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل
العلم من الصحابة وغيرهم قال وهو قول الشافعي وأحمد وإ سحاق
وكره بعض أهل العلم أن يجعل عتقها صداقها حتى يجعل لها مهرا سوى العتق قال والقولـ األول
أصح
وقال ابن حبان -من أصحابنا -في صحيحه
فعل فعله {صلى اهلل عليه وسلم} لم تقم الداللة على أنه خص باستعماله دون أمته مباح لهم استعمال
ذلك الفعل لعدم وجود تخصيصه فيه ثم ساق حديث أنس السالف
( خاتمة ) ثبت في الصحيح أنه {صلى اهلل عليه وسلم} كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه
وتفلي رأسه وينام عندها
قال النووي في شرحه لمسلم في باب فضل الغزو في البحر اتفق العلماء على أنها كانت محرما له
{صلى اهلل عليه وسلم} واختلفوا في كيفية ذلك
فقال ابن عبد البر وغيره كانت إحدى خاالته من
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
الرضاعة وقال آخرون بل كانت خالته ألبيه أو لجده ألن عبد المطلب كانت أمه من بني بني النجار
هذا كالمه
وما ذكره من االتفاق على أنها
كانت محرما له فيه نظر ومن أحاط علما بنسب النبي {صلى اهلل عليه وسلم} ونسب أم حرام علم أنه
ال محرمية بينهما
وقد بين ذلك الحافظ شرف الدين الدمياطي في جزء مفرد وقال خاص بأم حرام وأختها أم سليم
وقد ذكرت ذلك عنه في كتابي المسمى ( العدة في معرفة رجال العمدة ) والنبي {صلى اهلل عليه
وسلم} معصوم -فيقال كان من خصائصه الخلوة باألجنبية وقد ادعاه بعض شيوخنا
( تنبيه ) صح أنه {صلى اهلل عليه وسلم} تزوج عائشة رضي اهلل عنها لست سنين أو سبع فذهب ابن
شبرمة فيما حكاه ابن حزم إلى أن ذلك خاص بالنبي {صلى اهلل عليه وسلم} وأنه ال يجوز لألب إنكاح
ابنته حتى تبلغ وهو غريب ال نعلمه عن غيره وقد خالف الجمهور فإنهم قالوا إن ذلك يجوز لكل
واحد وإ نه ليس من الخصائص
بل نقل ابن المنذر اإلجماع عليه
وقد خطب عمر أم كلثوم إلى علي علي رضي اهلل عنه فقال إنها تصغر عن ذلك ثم زوجه وقال
الشافعي زوج ابن الزبير ابنته صفية وزوج غير واحد من الصحابة ابنته صغيرة
النوع الرابع ما اختص به {صلى اهلل عليه وسلم} من الفضائل والكرامات وهي أيضا قسمان متعلق
بالنكاح وغير متعلق به
القسم األول المتعلق به وفيه مسائل
المسألة األولى أن أزواجه الالتي توفي عنهن محرمات على غيره أبدا قال اهلل تعالى وما كان لكم أن
تؤذوا رسول اهلل وال أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا
قيل نزلت في طلحة بن عبيد اهلل فإنه قال إن مات ألتزوجن عائشة
وألنهن أمهات المؤمنين قال تعالى وأزواجه أمهاتهم أي مثل أمهاتهم في وجوب احترامهن وطاعتهن
-كما سيأتي -وتحريم نكاحهن لما في إحاللهن لغيره من النقص لمنصبه
وألنهن أزواجه في الجنة كما رأيته في الخصال للخصاف من أصحابنا وعيون المعارف للقضاعي
ذكره فيما خص به دون األنبياء وأمته فإن المرأة في الجنة آلخر أزواجها كما قال ابن القشيري
وألنه حي {صلى اهلل عليه وسلم}
ولهذا حكى الماوردي وجها أنه ال يجب عليهن عدة والوفاة
وفيمن فارقها في الحياة كالمستعيذة والتي وجد بكشحها بياضا ثالثة أوجه
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
أحدها يحرمن أيضا وهو المنصوص في أحكام القرآن لشمول اآلية السالفة
والبعدية في قوله تعالى من بعده عند هذا القائل ال تختص بما بعد الموت بل بما هو أعم منه فيكون
التقدير من بعد نكاحه
قال بعضهم وحرمن لوجوب محبة رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} فإن العادة أن زوج المرأة يكره
زوجها األول قال في الروضة وهذا أرجح
وقال ابن الصالح إنه أشبه بظاهر نص الشافعي
وقيل إن وجه التفصيل -يعني الثالثة -أصح
وعبارة القضاعي تقضي هذا الوجه أيضا فإنه أطلق أن نساءه حرمن على غيره وجعل ذلك من
خصائصه دون غيره من األنبياء
وثانيها ال يحرمن إلعراض النبي {صلى اهلل عليه وسلم} عنها وانقطاع االعتناء بها وألن في ذلك
إضرارا والبعدية على هذا مخصوصة بما بعد الموت
وثالثها وبه قال القاضي أبو حامد وذكر الشيخ أبو حامد أنه الصحيح
وقال الرافعي في الشرح الصغير إنه األظهر وصححه الماوردي والغزالي أيضا
وقال اإلمام إنه األعدل
وجزم به صاحب الحاوي الصغير
يحرم المدخول بها
فقط لما روي أن األشعث بن قيس نكح المستعيذة في زمن عمر رضى اهلل عنه فهم عمر برجمها
فأخبر أنه لم
يكن مدخوال بها فكف عنهما
كذا أورده اإلمام والغزالي والقاضي قال هم بجلد األشعث بدل رجمه
والماوردي ذكره كاألولـ وذكر أنه روي أنه عليه الصالة والسالم تزوج في ربيع األول من سنة
عشر -التي مات فيها -قتيلة أخت األشعث بن قيس الكندي ولم يدخل بها فأوصى في مرض موته
أن تخير إن شاءت أن يضرب عليها الحجاب وتحرم على المؤمنين ( وتجري عليها ما يجري على
أمهات المؤمنين ) وإ ن شاءت أن تنكح من شاءت فاختارت النكاح فتزوجها عكرمة بن أبي جهل
بحضرموت فبلغ أبا بكر رضي اهلل عنه فقال لقد هممت أن أحرق عليهما فقال عمر رضي اهلل عنه
ما هي من أمهات المؤمنين ما دخل بها رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} وال ضرب عليها حجابا
فكف عنهما أبو بكر رضي اهلل عنه
قال الماوردي فصار كاإلجماع
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
فإن حرمنا ففي أمة يفارقها بالموت أو غيره بعد وطئها وجهان في الرافعي وهما في التهذيب أحدهما
ال يحل كالمنكوحة التي فارقها
والثاني ال ألن مارية غير معدودة في أمهات المؤمنين
وقال الماوردي إن مات عنها كمارية أم ولده إبراهيم حرم نكاحها وإ ن لم تصر أما للمؤمنين
كالزوجات لنقصها بالرق
وإ ن باعها ففي تحريمها على مشتريها وعلى سائر المسلمين وجهان كالمطلقة
وجزم في باب استبراء أم الولد بالتحريم وينتظم من ذلك ثالثه أوجه
ثم األوجه السالفة في غير المخيرات أما المخيرات فمن اختارت منهن الدنيا ففي حلها لألزواج
طريقان قال العراقيون بطرد األوجه
وقطع أبو يعقوب األبيوردي وآخرون بالحل لتحصل فائدة
التخيير
وهو التمكن من زينة الدنيا وهذا ما اختاره اإلمام ونقل االتفاق عليه ومنعه الغزالي
فإن قلنا ال تحل ففي وجوب نفقتها من خمس الخمس وجهان
أحدها تجب كما تجب نفقة الالتي مات عنهن لتحريمهن
وثانيها ال ألنها لم تجب في حياته فأولى أن ال تجب بعد موته وألنها مقطوعة العصمة بالطالق
( فائدة ) في عدد أزواجه ومن مات منهن في حياته ومن فارقهن ومن مات عنهن في عصمته
{صلى اهلل عليه وسلم} وهو معهم
وقد تزوج رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} كثيرا قيل أربع عشرة وقيل خمس عشرة حكاه ابن
الصباغ
وأنه دخل منهن بثالث عشرة وقيل سبع عشرة وقيل ثماني عشرة حكاه القاضي حسين وابن الصباغ
أيضا
وقال الماوردي ثالثا وعشرين ست متن قبله وتسع مات قبلهن
وثمان فارقهن
والالتي متن قبله خديجة بنت خويلد رضي اهلل عنها وهي أول نسائه تزوجها قبل النبوة عند مرجعه
من الشام وعمره خمس وعشرون سنة
وهي أم أوالده خال إبراهيم فإنه من مارية القبطية من كورة انصنا من الديار المصرية كان المقوقس
أهداها له ولم يتزوج على خديجة حتى ماتت كما هو مخرج في الصحيح
وكان موتها قبل الهجرة بثالث سنين وهي أول من آمن من النساء قطعا
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
وقال {صلى اهلل عليه وسلم} في حقها خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة وقالت
عائشة رضي اهلل عنها ما غرت على امرأة ما غرت عليها من كثرة ذكر رسول اهلل إياها
قالت تزوجني بعدها بثالث سنين وأمره ربه أو جبريل أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب
رواه البخاري
وقال القاضي حسين إن عائشة ناظرت فاطمة رضي اهلل عنهما فقالت تزوجني بكرا وتزوج أمك ثيبا
فبلغ ذلك رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} فقال ( قولي لها إن كان قد أخذك بكرا فقد أخذت هي
رسول اهلل بكرا )
وألجل هذا قال فريق من أصحابنا -كما قال القاضي والمتولي -إن خديجة
أفضل من عائشة
وقال فريق بل عائشة أفضل لدوام صحبتها النبي {صلى اهلل عليه وسلم} بعد النبوة وطول مدتها إلى
موته وألنه عليه الصالة والسالم قال ( أريتك في المنام ثالث ليال جاءني بك الملك في سرقة من
حرير فيقولـ هذه امرأتك فأكشف عن وجهك فإذا أنت هي فأقول ( إن يكن من عند اهلل يمضه )
أخرجاه في الصحيحين
وجه الداللة قوله ( هذه امرأتك )
والسرقة واحدة السرق وهو الشقق البيض من الحرير خاصة
وألنها كانت حب رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} وقال عليه الصالة والسالم ( فضل عائشة على
النساء كفضل الثريد على سائر الطعام )
وسأله عمرو بن العاص قال أي الناس أحب إليك قال ( عائشة )
أخرجه البخاري
وقد اختلف أصحابنا أيضا في أن عائشة أفضل من فاطمة أم فاطمة أفضل منها وقد تقدم مناظرتها
لها فيما حكيناه عن القاضي حسين في المسألة الثانية قبل النوع الثالث
نعم هي ال توجب التفضيل
قال ابن دحية في كتاب مرج البحرين ذكر بعض الجهلة أن عائشة أفضل من فاطمة واستدل على
ذلك أنها عند علي في الجنة وعائشة عند
رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم}
قال وهذا ال يوجب التفضيل
ثم أطال في الرد عليه قال وسئل العالم الكبير أبو بكر بن داود بن علي أعائشة أفضل أم خديجة فقال
عائشة أقرأها السالم النبي {صلى اهلل عليه وسلم} من جبريل وخديجة أقرأها جبريل
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
السالم من ربها على لسان نبيه فهي أفضل
فقيل له فمن أفضل أخديجة أم فاطمة فقال إن رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} قال ( إن فاطمة
بضعة مني ) وال أعدل ببضعة رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} أحدا
قلت ولقد قال لها عليه الصالة والسالم حين بكت بعدما سارها ثانيا عند موته ( أما ترضين أن تكوني
سيدة نساء المؤمنين ) أو ( سيدة نساء هذه األمة ) فضحكت
وليس لها في الصحيح سواه
وقولها لما دفن رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول اهلل
{صلى اهلل عليه وسلم} التراب
وادعى ابن دحية في تنويره أنه ليس في الصحيحين سوى األول
قال العلماء وفاطمة أفضل من أخواتها ألنهن في ميزان النبي {صلى اهلل عليه وسلم} وهو في ميزانها
أما ما رواه الطحاوي بإسناده إلى عائشة رضي اهلل عنها أن النبي {صلى اهلل عليه وسلم} قال لزيد بن
حارثة أال تنطلق فتجيء بزينب -يعني ابنته لما خرجت
من مكة وأدركها هبار بن األسود حتى ألقت ما في بطنها وأعطاه خاتمه وجاء إلى راعي غنم لها
فأعطاه الخاتم واستكتمه فأعطاها الخاتم فعرفته حتى إذا كان الليل خرجت إليه فقال لها اركبي بين
يدي قالت ال لكن اركب أنت فركب وركبت وراءه حتى أتى النبي {صلى اهلل عليه وسلم} -هي
أفضل بناتي أصيبت في
فجوابه -إن صح -أنه يحتمل كان في ذلك الوقت ثم وهب اهلل لفاطمة من األعمال الصالحة
واألحوال السنية والكمال ما لم يشركها فيه أحد من بناته سواها
وأجاب الطحاوي عن مجيء زيد بزينب بأن زيدا كان في حكم التبني أخا لزينب محرما لها جائزا له
السفر بها كما يجوز لألخ لو كان لها
الثانية زينب بنت خزيمة الهاللية أم المساكين دخل بها وأقامت عنده شهورا ثم ماتت وهي أخت
ميمونة بنت الحارث من أمها وجزم ابن األثير في معرفة الصحابة بأنه لم يمت من أزواجه قبله
غيرها وغير خديجة
الثالثة سبا بنت الصلت ماتت قبل أن يصل إليها
الرابعة أساف أخت دحية الكلبي ماتت قبل أن تصل إليه
الخامسة خولة بنت الهذيل ماتت قبل أن يدخل بها وقيل هي التي وهبت نفسها
السادسة خولة بنت حكيم السلمية ماتت قبل أن يدخل بها وقيل أيضا التي وهبت نفسها
وأما التسع الالتي مات عنهن
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
فاألولى عائشة بنت الصديق
تزوجها بعد موت خديجة بسنتين أو ثالث كما سلف عن رواية البخاري
واألولى في البخاري أيضا بمكة وهي بنت سبع أو ست وكالهما في الصحيح
وبنى بها بالمدينة في شوال في السنة الثانية وقال الواقدي في األولى وقال ابن دحية األول هو
الصحيح والواقدي كذاب
وقال الشيخ شرف الدين الدمياطي بل الصحيح ما قاله الواقدي فأوضحه
وهي بنت تسع ولم يتزوج بكرا غيرها
ومات عنها وهي بنت ثماني عشرة سنة
وهي أول أمرأة تزوجها بعد خديجة
وقيل بل تزوج قبلها سودة بنت زمعة
وكانت عائشة أحب نسائه إليه
الثانية سودة بنت زمعة تزوجها بعد عائشة كما أخبرت بذلك في الصحيحين فلما عرف أخوها عبد
بن زمعة حثا التراب على رأسه ثم سفه نفسه في ذلك لما أسلم
الثالثة حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي عنهما تزوجها بالمدينة بعد سودة
قال الماوردي كان عثمان خطبها فقال عليه الصالة
والسالم ( أال أدلك على من هو خير لها من عثمان وأدل عثمان على من هو خير له منها )
وتزوجها عليه الصالة والسالم وزوج بنته أم كلثوم بعثمان
وقد كان النبي {صلى اهلل عليه وسلم} طلقها فقيل له راجعها فإنها صوامة قوامة وفيها وفي عائشة
نزل قوله تعالى ( إن تتوبا إلى اهلل فقد صغت قلوبكما )
الرابعة أم حبيبة بنت أبي سفيان -رملة -كانت تحت عبيد اهلل بن
جحش مات عنها بأرض الحبشة وزوجها منه عثمان بن عفان
وقيل خالد بن سعيد بن العاصي
وقيل الوليد وهم أوالد عم أبيها بإذنها
وقيل النجاشي وقبل له وكيله عمرو بن أمية الضمري وأمهرها النجاشي عنه أربعة آالف درهم
وقيل تزوج بالمدينة بعد مجيئها من الحبشة
وما وقع في مسلم أن أبا سفيان قال للنبي {صلى اهلل عليه وسلم} يوم الفتح أزوجك أجمل العرب
وأحسبه أم حبيبة قال ( نعم ) فطعن ابن حزم في شريك راويه
فأجاب غيره بأن المراد تجديد العقد أو غير ذلك مما أوضحته في كتاب الوكالة من تخريج أحاديث
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
الرافعي ونقلته إلى شرح العمدة فسارع إليها
قال الماوردي وقيل إن في تزويجها نزل قوله تعالى عسى اهلل أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم
مودة
ولما تنازع أزواجه عليه الصالة والسالم في حضانة ابنه إبراهيم قال ادفعوه إلى أم حبيبة فإنها
أقربهن منه رحما
الخامسة منهن أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية تزوجها بعد وفاة أبي سلمة عبد اهلل
بن عبد األسد
السادسة ميمونة بنت الحارث خالة ابن عباس
وكل النبي {صلى اهلل عليه وسلم} أبا رافع في قبول نكاحها وهي بمكة
وهل كان حالال أو محرما ففيه خالف قدمته
ودخل بها عام الفتح سنة ثمان بسرف وبه ماتت
وبدأ به {صلى اهلل عليه وسلم} المرض في بيتها
المسالة الثانية من هذا النوع فأزواجه عليه الصالة والسالم أمهات المؤمنين قال تعالى وأزواجه
أمهاتهم
وقرأ مجاهد وهو أب لهم وقيل إنها قراءة أبي بن كعب
قال الشافعي في المختصر أمهاتهم في معنى دون معنى
وذلك أنه ال يحل نكاحهن بحال وال يحرم بنات لو كن له ألنه عليه الصالة والسالم زوج بناته وهن
أخوات المؤمنين
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
وذكر نحوه في األم
وجعل القضاعي ذلك له دون غيره من األنبياء وقد خولف في ذلك كما سيأتي
فأزواجه {صلى اهلل عليه وسلم} أمهات المؤمنين سواء من مات تحته ومن مات عنها وهي تحته
وذلك في تحريم نكاحهن ووجوب احترامهن وطاعتهن
وفي تعدي ذلك إلى جواز النظر وجهان في الحاوي والمشهور المنع وبه جزم الرافعي
وال يثبت لهن حكم األمومة في جواز الخلوة والمسافرة وال في النفقة والميراث
وال يتعدى ذلك إلى غيرهن فال يقال بناتهن أخوات المؤمنين بدليل أنه ال يحرم على المؤمنين التزوج
ببناتهن وأخواتهن
وال على
إخوانهن التزويج بالمؤمنات
وقد زوج {صلى اهلل عليه وسلم} بناته من المؤمنين علي وعثمان ونكح الزبير أخت عائشة وعبد
الرحمن بن عوف حمنة أخت زينب
وكذا ال يقال آباؤهن وأمهاتهن أجداد وجدات المؤمنين بل يقتصر على ما ورد من ثبوت حكم
األمومة لهن في بعض األحكام
وحكى الرافعي وجها أن اسم األخوة يطلق على بناتهن واسم الخؤولة ينطلق على إخوتهن وأخواتهن
لثبوت اسم األمومة لهن وإ ن لم توجب ذلك تحريم النكاح كما أن المسلمات كلهن أخوات المسلمين في
اإلسالم وال يوجب ذلك تحريم النكاح
قال وهذا ظاهر لفظ المختصر يشير إلى قوله زوج بناته وهن أخوات المؤمنين لكن أكثر األصحاب
-كما قال الماوردي -غلطوا فيه ألنه قال في أحكام القرآن وقد تزوج بناته وهن غير أخوات
المؤمنين
وقيل إن الكاتب حذف لفظة غير
وقيل ما قاله صحيح
وتقديره قد زوج بناته أي يزوجهن وهن أخوات المؤمنين
والقاضي حسين حكى الخالف في جواز تسمية معاوية خال المؤمنين مع جزمه بتخطئة المزني
وينبغي اختياره وقد صححه القاضي حسين من أصحابنا وكان يستشفى ويتبرك ببوله ودمه كذا
عبارة النووي في الروضة
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
وعبارة الرافعي وكان يستشفى ويتبرك ببوله ودمه
قال السهيلي وفي شرب بوله ودمه من الفقه أنهما يخالفان بول غيره ودمه في التحريم ولم ينكر -
واهلل أعلم -ذلك للحديث الذي بيناه في نزول الملكين عليه حين غسال جوفه بالثلج في طشت الذهب
الذهب فصار بذلك من المطهرين
واعلم أن الرافعي نقل عن أبي جعفر الترمذي الطهارة في الكل وهو خالف ما في الماوردي حيث
قال في حاويه في باب األواني وكان أبو جعفر من أصحابنا يزعم أن شعر النبي {صلى اهلل عليه
وسلم} وحده طاهر وأن شعر غيره من الناس نجس
ألنه عليه الصالة والسالم حين حلق شعره بمنى قسمه بين أصحابه ولو كان نجسا لمنعهم منه
قيل له فقد حجمه أبو طيبة وشرب دمه بحضرته أفتقول أن دمه طاهر فركب الباب وقال أقول
بطهارته
قيل له فقد روي أن امرأة شربت بوله فقال لها ( إذا ال ييجع بطنك ) أفتقول بطهارته قال ال ألن
البول منقلب من الطعام والشراب وليس كذلك الدم والشعر ألنهما من أصل الخلقة
وحاصل ذلك أنا ال نقول بطهارة البول والغائط والقيء على خالف ما ذكره الرافعي
نعم الخالف ثابت عن غير أبي جعفر حكاه القفال في شرح التلخيص في الخصائص وتلقاه منه
جماعة
المسألة السابعة والعشرون من زنا بحضرته أو استهان به كفر جزم به الرافعي
وقال النووي في الروضة في الزنا نظر
المسألة الثامنة والعشرون يجب على المصلي إذا دعاه {صلى اهلل عليه وسلم} أن يجيبه لقصة أبي
سعيد بن المعلى في صحيح البخاري وأتى في الترمذي
وال تبطل صالته
وفيهما وجه بعيد
وأبداهما الروياني في إجابة الوالد في الصالة
وذكر القضاعي هذه الخصيصة فيما خص به من دون سائر األنبياء
المسألة التاسعة والعشرون أوالد بناته ينسبون إليه
وأوالد بنات غيره ال ينسبون إليه في الكفاءه وغيرها
قال {صلى اهلل عليه وسلم} ( كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إال سببي ونسبي )
رواه الحاكم من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن عمر وقال صحيح اإلسناد
ومن حديث المسور بن مخرمة بزيادة ( وصهرتي )
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
ثم قال صحيح
وأخرجه الطبراني في أكبر معاجمه من حديث ابن عباس بإسناد ال أعلم به بأسا
وقد وقع لنا من حديث عمر بطريق آخر غير ما سلف
فلنذكره
باإلسناد على عادة الحفاظ الثقات أنبأنا به الذهبي أنا أحمد بن سالم إجازة عن مسعود بن أبي منصور
أنا أبو علي المقرئ أنا أبو نعيم أنا أبو جعفر الحضرمي أنا عباد بن زياد أنا يونس بن أبي يعفور عن
أبيه سمعت ابن عمر قال سمعت عمر يقول
سمعت رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} يقول ( كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إال سببي ونسبي
)
ويدل لما ذكرناه أيضا أنه عليه الصالة والسالم أخذ بيد الحسين حين أراد الحضور للمباهلة لما نزل
قوله تعالى قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم وقوله للحسن ( إن ابني هذا سيد )
وقوله حين بال عليه وهو صغير ( ال تزرموا ابني )
وهذه الخصيصة التي ذكرتها قالها صاحب التلخيص
وتبعه الرافعي في معنى الحديث السالف
فقيل معناه أن أمته ينسبون إليه يوم القيامة وأمم سائر األنبياء ال ينسبون
وقيل ال ينتفع يومئذ بسائر األنساب وينتفع بالنسبة إليه وذكر القضاعي هذه الخصيصة فيما خص به
دون غيره من األنبياء
المسألة الثالثون صح عنه أنه {صلى اهلل عليه وسلم} قال ( تسموا باسمي وال تكنوا يكنيتي )
كما أخرجه البخاري ومسلم من رواية جماعة من الصحابة منهم جابر وأبو هريرة وغيرهما
قال الشافعي وليس ألحد أن يكتني بأبي القاسم سواء كان اسمه محمدا أم ال
قال الرافعي ومنهم من حمله على كراهية الجمع بين االسم والكنية وجوز اإلفراد
قال ويشبه أن يكون هذا أظهر ألن الناس ما زالوا يكتنون به في سائر األعصار من غير إنكار
قال النووي في الروضة وهذا التأويل واالستدالل ضعيف
واألقرب مذهب مالك وهو جواز التكني بأبي القاسم مطلقا لمن اسمه محمد ولغيره
والنهي مختص بحياته {صلى اهلل عليه وسلم} ألن سبب النهي أن اليهود تكنوا به وكانوا ينادون يا أبا
القاسم فإذا التفت النبي {صلى اهلل عليه وسلم} قالوا لم نعنك
إظهارا لإليذاء
وقد زال ذلك المعنى
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
وهذا نقله الغزالي في اإلحياء عن العلماء
وقول النووي في الروضة كما سلف ما ذكره الرافعي أنه ضعيف
وكذا قوله في األذكار أن فيه مخالفة ألصل الحديث فيه نظر بل فيه موافقة لحديث صحيح رواه
اإلمام أحمد وأبو داود والترمذي من حديث أبي الزبير عن جابر رفعه ( من تسمى باسمى فال يتكنى
بكنيتي ومن تكنى بكنيتي فال يتسمى بإسمي ) قال الترمذي حسن غريب
وقال البيهقي في شعب اإليمان بعد أن أخرجه هذا إسناد صحيح
وصححه أيضا ابن حبان وابن السكن وهو مذهب أبي حاتم بن حبان من جلة أصحابنا كما أوضحه
في صحيحه
وشذ آخرون فمنعوا التسمية باسم النبي {صلى اهلل عليه وسلم} جملة كيف ما يكنى حكاه الشيخ زكي
الدين المنذري قال وذهب آخرون إلى أن النهي في ذلك منسوخ
قلت وفي آخر كتاب الصبر -يعني الحافظ بخطه -ما نصه ظئر محمد بن طلحة روى عنها عيسى
بن طلحة قالت لما ولد محمد بن طلحة أتينا به رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} فقال ( ماسميتموه )
فقلنا محمدا فقال ( هذا اسمي وكنيته أبو القاسم )
فإن صح فيحمل أن هذا كان قبل النسخ
واعلم أن جماعة تسموا بهذا االسم وكنوا بهذه بهذه الكنية
وبعضهم أدرك زمنه {صلى اهلل عليه وسلم} منهم
أبو القاسم محمد بن الحنفية في جامع الترمذي من حديث محمد بن الحنفية عن علي رضي اهلل عنه
أنه قال يا رسول اهلل أرأيت إن ولد لي من بعدك ولد أسميه محمدا وأكنيه بكنيتك قال ( نعم )
قال وكانت رخصة لي
قال الترمذي حديث صحيح
قلت ويروى أنه قال لعلي رضي اهلل عنه ( سيولد لك بعدي غالم وقد نحلته اسمي وكنيتي وال يحل
ألحد من أمتي بعده
ومنهم أبو القاسم محمد بن أبي بكر الصديق ومحمد بن طلحة بن عبيد اهلل ومحمد بن سعد بن أبي
وقاص ومحمد بن عبد الرحمن بن عوف ومحمد بن جعفر بن أبي طالب ومحمد بن حاطب بن أبي
بلتعة ومحمد بن األشعث بن قيس وكلهم كانوا يكتنون بهذه الكنية
( تنبيه ) لما حكى في الروضة من زوائد المذهب
الثالث في التكني بأبي القاسم قال والثالث يجوز لمن اسمه محمد دون غيره كذا هو في بعض النسخ
وهو سهو منه في التعبير
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
والصواب أنه يجوز لمن ليس اسمه محمدا دون غيره فتنبه له واهلل أعلم
( فائدة غريبة ) حكى ابن الصالح في فوائده عن كتاب األعداد البن سراقة الفقيه نهى النبي {صلى
اهلل عليه وسلم} عن أربع كنى أبي عيسى وأبي الحكم وأبي مالك وأبي القاسم لمن تسمى محمدا
المسألة الحادية والثالثون كانت الهدية له حالال بخالف غيره من الحكام ووالة األمر من رعاياهم
ذكره النووي في الروضة
وذكر
القضاعي في عيون المعارف أن من خصائصه أنه اليقبلـ هدية مشرك وال يستعين به وفيما ذكره
نظر
المسألة الثانية والثالثون أعطي {صلى اهلل عليه وسلم} جوامع الكلم
وأوتي اآليات األربع من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطهن أحد قبله وال بعده
قال الهروي نعني بجوامع الكلم القرآن جمع اهلل في األلفاظ اليسيرة منه المعاني الكثيرة
وكالمه {صلى اهلل عليه وسلم} كان بالجوامع قليل اللفظ كثير المعاني
وقال ابن شهاب بلغني أن جوامع الكلم أن اهلل تعالى يجمع له األمور الكثيرة التي كانت تكتب قبله في
األمر الواحد واألمرين ونحو ذلك
ذكره البيهقي في دالئل النبوة في إثر حديث أبي هريرة أنه {صلى اهلل عليه وسلم} قال ( بعثت
بجوامع الكلم ) الحديث وعزاه إلى البخاري ومسلم
المسألة الثالثة والثالثون عرض عليه الخلق كلهم من آدم إلى من بعده كما علم آدم أسماء كل شيء
ذكره العراقي في شرح المهذب
المسألة الرابعة والثالثون فاتته -عليه الصالة السالم -ركعتان بعد الظهر فقضاهما بعد العصر ثم
داوم عليهما بعده واألصح أن هذه
المداومة خاصة به
ذكره النووي في الروضة لكن ذكر الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد حديثا عن تميم الداري أنه كان
يصليهما مع النبي {صلى اهلل عليه وسلم} من طريق يحيى بن بكير عن الليث عن أبي األسود عن
عروة عنه
فإن صح خدش في ذلك لما ذكره ابن حبان في صحيحه من حديث أم سلمة أنه {صلى اهلل عليه وسلم}
قال لها -وقد سألته عن فعله لهاتين الركعتين ( -كنت أصليهما قبل العصر فصليتهما اآلن ) قالت
يا رسول اهلل أنصليهما إذا فاتتنا قال ( ال )
قال فيه البيان بأن من فاتته ركعتا الظهر إلى أن صلى
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
العصر ليس عليه إعادتهما وإ نما كان ذلك له خاصة دون أمته اه
وينبغي أن تحمل اإلعادة في كالمه على الدوام وإ ال فظاهر كالمه ليس بجيد
المسألة الخامسة والثالثون ال يجوز الجنون على األنبياء عليهم الصالة والسالم بخالف اإلغماء كما
أطلقه الرافعي وغيره
وعن القاضي حسين أنه حكى في كتاب الصوم عن الدارمي أن اإلغماء إنما يجوز عليهم ساعة أو
ساعتين فأما الشهر والشهران فال كالجنون
واألشهر امتناع االحتالم عليهم كما قاله في الروضة
قلت وفي الطبراني من حديث ابن عباس رفعه ( ما احتلم نبي قط إنما االحتالم من الشيطان )
وضعفه ابن دحية في كتابه المسمى باآليات البينات
المسألة السادسة والثالثون من رآه في المنام فقد رآه حقا فإن الشيطان ال يتمثل في صورته كما صح
في الحديث
قال القاضي أبو
بكر معناه أن رؤياه صحيحة ليست بأضغاث
وقال آخرون معناه رآه حقيقة
قال القاضي عياض ويحتمل أن يكون المراد ما إذا رآه على صفته المعروفة له في حياته
فإن رآه على خالفها كانت رؤيا تأويل ال رؤيا حقيقة
قال بعض العلماء خص عليه الصالة والسالم بأن رؤيته في المنام صحيحة ومنع الشيطان أن
يتصور في خلقته لئال يكذب على لسانه في النوم كما منع أن يتصور في صورته في اليقظة إكراما
له
إذا تقرر ذلك فما سمعه الرائي في المنام مما تتعلق به األحكام ال يعمل به لعدم ضبط الرائي ال للشك
في الرؤيا
فإن الخبر ال يقبل إال من ضابط مكلف والنائم بخالفه
هذا ما ذكره القاضي حسين في فتاويه في مسألة صيام رمضان وآخرون من األصحاب وجزم به في
الروضة من زوائده في أوائل النكاح في الكالم على الخصائص
ونقل القاضي عياض االجماع عليه
ونقل النووي أيضا في شرح مسلم -في باب بيان أن اإلسناد من الدين -عن أصحابنا وغيرهم أنهم
نقلوا االتفاق على أنه ال يغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع
ثم قال وهذا في منام يتعلق بإثبات حكم على خالف ما يحكم به لواله
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
وأما إذا رآه وأمره بفعل ما هو مندوب إليه أو ينهاه عن منهي عنه أو يرشده إلى فعل مصلحة فال
خالف في استحباب العمل على وفقه
ألن ذلك ليس حكما بمجرد المنام بل بما تقرر من أصل ذلك الشيء
نعم عن فتاوي الحناطي -من جلة أصحابنا -أن إنسانا رأى النبي {صلى اهلل عليه وسلم} في منامه
على الصفة المنقولة عنه فسأله عن الحكم فأفتاه بخالف مذهبه وليس مخالفا لنص وال أجماع
فقال فيه وجهان
أحدهما يؤخذ بقوله ألنه مقدم على القياس
وثانيهما ال ألن القياس دليل واألحالم ال تعويل عليها فال يترك من أجلها الدليل
وعن كتاب الجدل لألستاذ أبي إسحاق اإلسفرائيني حكاية وجهين في أن الرجل لو رأى النبي {صلى
اهلل عليه وسلم} في المنام وأمره بأمر هل يجب عليه امتثاله إذا
استيقظ كذا هو في مجموع عتيق منسوب البن الصالح عنه
وفيه أيضا حكاية وجهين في وجوب التمسك من حيث هو في الحالة المذكورة
وعن روضة الحكام للقاضي شريح من أصحابنا لو كان النبي {صلى اهلل عليه وسلم} قال لفالن على
فالن كذا هل للسامع أن يشهد لفالن على فالن كذا وجهان
وقد سلفا
( فائدة ) روى الطبراني -أظنه في أوسط معاجمه -من حديث أبي سعيد الخدري أنه {صلى اهلل
عليه وسلم} قال ( من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان ال يتمثل بي وال بالكعبة )
ثم قال ال تحفظ هذه اللفظة إال في هذا الحديث
( تنبيه ) جعل القضاعي هذه الخصوصية مما خص بها دون غيره من األنبياء
المسألة السابعة والثالثون أن األرض ال تأكل لحوم األنبياء للحديث الصحيح في ذلك
ذكره في الروضة
المسألة الثامنة والثالثون أن الكذب عليه {صلى اهلل عليه وسلم} عمدا من الكبائر لقوله {صلى اهلل
عليه وسلم} في الحديث الصحيح ( إن كذبا علي ليس ككذب على أحد )
نعم ال يكفر فاعله على الصحيح وهو قول الجمهور
وقال
الشيخ أبو محمد هو كفر فإن تاب قبلت توبته إذا حسنت حالته
قال جماعة منهم الصيرفي من أصحابنا ال تقبل روايته بعدها بخالف الفسق وبخالف الشهادة وهو
مذهب أحمد
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
المسألة التاسعة والثالثون قال الماوردي في تفسيره قال ابن أبي هريرة كان {صلى اهلل عليه وسلم}
ال يجوز عليه الخطأ ويجوز على غيره من األنبياء
ألنه خاتم النبيين فليس بعده من يستدرك خطأه بخالفهم فلذلك عصمه اهلل تعالى منه
وقال اإلمام الحق أنه ال يخطأ اجتهاده
واختار اآلمدي وابن الحاجب أنه يجوز عليه الخطأ بشرط أن ال يقر عليه
ونقله اآلمدي عن أكثر أصحابنا والحنابلة وأصحاب الحديث
واحتج اآلمدي بأشياء منها قوله تعالى عفا اهلل عنك لم أذنت لهم اآلية
وقوله تعالى ما كان لنبي أن يكون له أسرى اآلية
فإن عمر رضي اهلل عنه كان قد أشار بقتلهم فلم يقتلهم
والحديث ( إنما أحكم بالظاهر ) واهلل أعلم
المسألة األربعون يبلغه {صلى اهلل عليه وسلم} سالم الناس عليه بعد موته
ويشهد لجميع النبيين باألداء يوم القيامة قاله الماوردي
المسألة الحادية واألربعون جعل ابن سبع من خصائصه أنه كان نورا
وكان إذا مشى في الشمس أو القمر ال يظهر له ظل
ويشهد له أنه عليه الصالة والسالم سأل اهلل تعالى أن يجعل في جميع أعقابه وجهاته نورا وختم ذلك
بقوله ( واجعلني نورا )
المسألة الثانية واألربعون قال الشيخ عز الدين بن عبد السالم جاء عن رسول اهلل {صلى اهلل عليه
وسلم} أنه علم بعض الناس الدعاء
فقال ( قل اللهم إني أقسم عليك بنبيك محمد نبي الرحمة )
فإن صح فينبغي أن يكون مخصوصا به فإنه سيد ولد آدم وأن ال يقسم على اهلل بغيره من األنبياء
والمالئكة واألولياء فإنهم ليسوا في درجته
قلت الحديث المذكور أخرجه الترمذي من حديث عثمان بن
حنيف بلفظ ( اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ) الحديث
ثم قال حسن صحيح غريب
قال البيهقي في دالئل النبوة ورويناه في كتاب الدعوات بإسناد صحيح
ورواه من طريق ليس فيها ( أقسم ) بل ( أسألك )
فوائد نختم بها الكتاب
روت عائشة رضي اهلل عنها أنه {صلى اهلل عليه وسلم} كان يرى في الظلمة كما يرى في النور لكنه
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
ضعفه ابن بشكوال كما حكاه ابن دحية في كتابه اآليات البينات له
وأخرجه البيهقي في دالئل النبوة من حديثها بلفظ كان يرى في الظلماء كما يرى في الضوء
ثم قال هذا إسناد فيه ضعف
ثم أخرجه من حديث ابن عباس بلفظ كان يرى بالليل في الظلمة كما يرى بالنهار من الضوء
ثم قال ليس إسناده بالقوي
وروي أن األرض تبتلع بوله وغائطه ويفوح لذلك رائحة طيبة
روت عائشة أيضا أنها قالت يا
رسول اهلل إني أراك تدخل الخالء ثم يجيء الذي يدخل بعدك فال يرى لما يخرج منك أثرا
فقال ( يا عائشة أما علمت أن اهلل تعالى أمر األرض أن تبتلع ما خرج من األنبياء )
قال ابن دحية في الكتاب المذكور سنده ثابت
وأما البيهقي فأخرجه في دالئل النبوة من حديثها أيضا بلفظ كان إذا دخل الغائط دخلت في أثره
فال أرى شيئا إال أني كنت أشم رائحة الطيب
فذكرت ذلك له فقال يا عائشة أما علمت أن أجسادنا تنبت أرواح أهل الجنة وما خرج منها من شيء
ابتلعته األرض
ثم قال هذا من موضوعاتـ الحسين بن علوان ال ينبغي ذكره
ففي األحاديث الصحيحة والمشهورة كفاية عن كذب ابن علوان
وفي الشفاء البن سبع عن بعض أصحابه أنه قال ( صحبه {صلى اهلل عليه وسلم} في سفر فلما أراد
قضاء حاجته تأملته وقد دخل مكانا فقضىـ حاجته فدخلت
في الموضع الذي خرج منه فلم أر له أثر غائط وال بول ورأيت في ذلك الموضع ثالثة أحجار
فأخذتهن في كفي فتعلقت رائحتهن رائحة طيب وعطر
وروى أنس موضوعا ( من كرامتي أني ولدت مختونا ولم ير أحد سوأتي )
ذكر أبن الجوزي في كتاب الوفاء له
قال ابن دحية ولم تعرف علته واعتقد صحته وهو حديث مصنوع اإلسناد
وذكر أن من خصائصه {صلى اهلل عليه وسلم} أنه ال يشهد على جور
وفيه نظر بالنسبة إلى غيره
وذكر القاضي عياض في الشفا أنه عليه الصالة والسالم كان يرى في الثريا أحد عشر نجما
وذكر السهيلي أنه كان يرى فيها اثني عشر نجما كما قال القرطبي في كتاب أسماء النبي {صلى اهلل
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
عليه وسلم}
وصفاته أنه ال تزيد على تسعة أنجم فيما يذكرون ونظم ذلك في رجزه فقال
وهو الذي يرى النجوم الخافية
مبينات في السماء العالية
إحدى عشر عد في الثريا
لناظر سواه ما تهيا
ومن خصائصه {صلى اهلل عليه وسلم} بياض إبطه فإنه أسود ألجل الشعر نص على ذلك أبو نعيم في
دالئله فقال بياض إبطه {صلى اهلل عليه وسلم} من عالمة نبوته
وادعى المهلب بن أبي صفرة المالكي أنه {صلى اهلل عليه وسلم} كان ال يتجنب الطيب في اإلحرام
ونهانا عنه لضعفنا عن ملك الشهوات
إذ الطيب من أسباع الجماع ودواعيه
وفي الشفاء البن سبع أنه لم تقع على ثيابه ذباب قط
ولم يكن القمل تؤذيه تعظيما له وتكريما
وأن كل دابة ركب عليها بقيت على القدر الذي كان يركب عليها فلم تهرم لبركته وقال غريب
قال وكان إذا جلس أعلى من جميع الجلوس
وإ ذا مشى بين الناس ينسب إلى الطول ولم يكن أحد من الناس يماشيه إال طاله
وفي الزمخشري في سورة التحريم في قوله قد فرض اهلل لكم تحلة أيمانكم
إن قلت هل كفر رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} لذلك قلت عن الحسن أنه لم يكفر ألنه كان مغفورا
له ما تقدم من ذنبه وما تأخر
وإ نما هو تعليم للمؤمنين
وعن مقاتل أن رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} أعتق رقبة في تحريم مارية اه
قال مؤلفه غفر اهلل له قرأت على الشيخ اإلمام صالح الدين أبي المحاسن يوسف بن أحمد بن عبيد اهلل
بن جبريل الموقع أنا أبو الفرج الحراني قراءة عليه أنا أبو حامد عبد اهلل بن مسلم بن حوالي قراءة
عليه أنا أبو منصور القزاز أنا الحافظ أبو بكر الخطيب
أنا الحسن بن أبي بكر بن شاذان ثنا أبو الحسن عبد الرحمن بن نصر الشاعر ثنا أبو عمر اآلسي
بمصر ثنا دينار مولى أنس قال صنع أنس ألصحابه طعاما فلما طعموا قال يا جارية هاتي المنديل
فجاءت بمندل درم فقال اسجري التنور واطرحيه فيه ففعلت فابيض فسألناه عنه فقال إن كان هذا
للنبي {صلى اهلل عليه وسلم} فإن النار ال تحرق شيئا مسته أيدي األنبياء
مكتبة مشكاة اإلسالمية غاية السول في خصائص
وهذا حديث عال وقع عالي اإلسناد ودينار هذا ضعفوه
هذا آخر ما تيسر جمعه -بحمد اهلل ومنه -وأنا ساع في الزيادة عليه أعاننا اهلل على ذلك
فخصائصه في الحقيقة ال تحصى ومآثره أكثر من أن يجاء بها فتستقصى
قال المؤلف تغمده اهلل برحمته ووقع الفراغ منه عند زوال ظهر يوم الثالثاء نصف شهر اهلل األصم
رجب من سنة ثمان وخمسين وسبعمائة
أحسن اهلل بعضها وما بعدها في خير وعافية وذلك بالقاهرة المعزية من الديار المصرية حماها اهلل
وسائر بالد اإلسالم وأهله