غاية السول في خصائص الرسول

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 77

‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬

‫غاية السول في خصائص الرسول صلى اهلل عليه وسلم‬


‫أبو حفص عمر بن علي األنصاري الشهير بابن الملقن‬

‫دار النشر ‪ /‬دار البشائر اإلسالمية ‪ -‬بيروت ‪1414 -‬هـ ‪1993 -‬م‪.‬‬
‫عدد األجزاء ‪1 /‬‬
‫تحقيق ‪ :‬عبد اهلل بحر الدين عبد اهلل‬

‫مقدمة الكتاب‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫اللهم اختم بخير يا كريم ربنا آتنا من لدنك رحمة وهييء لنا من أمرنا رشدا‬
‫قال الشيخ اإلمام العالمة فريد دهره ووحيد عصره الحازم اليقظ األعز الفطن المحقق جامع أشتات‬
‫الفضائل صدر المدرسين رحلة الطالبين سراج الدين أبو حفص عمر ابن الشيخ اإلمام العالمة مفتي‬
‫الفرق نور الدين أبي الحسن علي ابن الشيخ اإلمام العالمة شهاب الدين أحمد أبي العباس الشهير بابن‬
‫الملقن األنصاري الشافعي ‪ -‬أدام اهلل النفع بعلومه بمحمد وآله آمين‬
‫أحمد اهلل على إفضاله وأشكره علي توالي آالئه وأصلي على أشرف مخلوقاته وخاتم أنبيائه وعلى آله‬
‫وأصحابه وشرف وكرم‬
‫وبعد فهذا مختصر نافع إن شاء اهلل تعالى فيما يتعلق بخصائص‬
‫أشرف المخلوقين وأفضل السابقين والالحقين {صلى اهلل عليه وسلم} وعلى سائر النبيين وآل كل‬
‫وسائر الصالحين‬
‫والمزني ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬افتتح كتاب النكاح بها وتابعه األصحاب وسبب ذلك أن خصائصه في‬
‫النكاح كثيرة ثم ذكروا غيرها تبعا لها وهذا الملخص فيه ما ذكروه إن شاء اهلل تعالى مع زوائد مهمة‬
‫وقد منع ابن خيران من الكالم فيها في النكاح واإلمامة كما حكاه الماوردي وأطلق في الروضة‬
‫الحكاية عن الصيمري عنه ألنه أمر انقضى فال معنى للكالم فيه‬
‫وإ نما يشرع االجتهاد في النوازل التي تقع أو تتوقع ومال إليه الغزالي ونسبه إلى المحققين تبعا‬
‫إلمامه‬
‫فإنه قال في نهايته ليس يسوغ إثبات خصائص رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} باألقيسة التي يناط‬
‫بها األحكام العامة في الناس ولكن الوجه ما جاء به الشرع من غير ابتغاء مزيد عليه‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬

‫والذي ذكره المحققونـ في ذلك أن المسائل التي اختلف األصحاب في خصائص رسول اهلل {صلى اهلل‬
‫عليه وسلم} فذكر الخالف فيها خبط غير مفيد فإنه ال يتعلق به حكم ناجز تمس الحاجة إليه وإ نما‬
‫يجري الخالف فيما ال نجد بدا من إثبات حكم فيه فإن األقيسة ال مجال لها في ذلك وإ نما المتبع فيه‬
‫النصوص وما ال نص فيه فاالختيار في ذلك هجوم على غيب بال فائدة واستحسنه ابن الصالح أيضا‬
‫وقال إنه قد انقضى وليس فيه من دقيق العلم ما يتعلق به التدرب وال وجه لتضييع الزمان برجم‬
‫الظنون فيه‬
‫وأما الجمهور فإنهم جوزوا ذلك لما فيه من العلم‬
‫قال النووي رحمه اهلل تعالى والصواب الجزم به بل باستحبابه ولو‬
‫قيل بوجوبه لم يكن بعيدا ألنه ربما وجد جاهل بعض الخصائص ثابتة في الحديث الصحيح فعمل به‬
‫أخذا بأصل التأسي فوجب بيانها لتعرف وال يعمل بها‬
‫وأما ما يقع في ضمن الخصائص مما ال فائدة فيه اليوم فقليل ال يخلو أبواب الفقه عن مثله للتدرب‬
‫ومعرفة األدلة وتحقيق الشيء على ما هو عليه‬
‫وقال ابن الرفعة في مطلبه قد يقال بالتوسط فيتكلم فيما جرى في الصدر األول من ذلك دون ما لم‬
‫يجر منه قال وسياق كالم الوسيط يرشد إليه وقد جاء في السنة ما يبينه وهو قوله {صلى اهلل عليه‬
‫وسلم} عام الفتح ( إن اهلل أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإ نما أدن له ساعة من نهار )‬
‫ونحن نقتدي في هذا التصنيف بالجمهور ونقيد ما تيسر ‪ -‬بحمد اهلل ‪ -‬فيه جعله اهلل نافعا بمحمد وآله‬
‫واعلم أنه {صلى اهلل عليه وسلم} اختص بواجبات ومحرمات ومباحات وفضائل فهذه أربعة أنواع‬
‫النوع األول الواجبات‬
‫والحكمة في اختصاصه بها زيادة الدرجات لما ورد عن اهلل تعالى ( لن يتقرب إلي المتقربون بمثل‬
‫أداء ما افترضت عليهم ) ذكره الرافعي من عنده ولم يسنده ‪ -‬وهو في صحيح البخاري ‪ -‬وعلم اهلل‬
‫أنه أقوم بها وأصبر عليها من غيره‬
‫النوع األول‬
‫الواحبات‬

‫والحكمة في اختصاصه بها زيادة الدرجات لما ورد عن اهلل تعالى ( لن يتقرب إلي المتقربون بمثل‬
‫أداء ما افترضت عليهم ) ذكره الرافعي من عنده ولم يسنده ‪ -‬وهو في صحيح البخاري ‪ -‬وعلم اهلل‬
‫أنه أقوم بها وأصبر عليها من غيره‬
‫قال اإلمام قال بعض علمائنا الفريضة يزيد ثوابها على ثواب النافلة بسبعين درجة واستأنس بما رواه‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫سلمان الفارسي أنه عليه الصالة والسالم قال في رمضان ( من تقرب فيه فيه بخصلة من خصال‬
‫الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه‬
‫)‬
‫وهو حديث أخرجه ابن خزيمة في صحيحه والبيهقيـ في شعب‬
‫اإليمان فقابل النفل فيه بالفرض في غيره وقابل الفرض فيه بسبعين فرضا في غيره فأشعر في هذا‬
‫بأن الفرض يزيد على النفل بسبعين درجة من طريق الفحوى‬
‫وهذا النوع ينقسم إلى متعلق بالنكاح وإ لى غيره وفي القسم الثاني مسائل‬
‫األولى والثانية والثالثة صالة الضحى واألضحى والوتر واستدل أصحابنا لذلك بحديث ابن عباس‬
‫رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} قال‬
‫( ثالث هن علي فرائض ولكم تطوع النحر والوتر وركعتا الضحى )‬
‫رواه اإلمام أحمد في مسنده والبيهقيـ في سننه كذلك والدارقطني وقال الفجر بدل الضحى‬
‫وابن عدي ولفظه ( ثالث علي فريضة ولكم تطوع الوتر والضحى وركعتا الفجر )‬
‫والحاكم في مستدركه شاهدا بلفظ ( ثالث هن علي فرائض ولكم تطوع النحر والوتر وركعتا الفجر‬
‫نقد المصنف لهذا الحديث‬
‫ومدار هذا الحديث على أبي جناب الكلبي واسمه يحيى بن أبي حية واسم أبي حية حيي رواه عن‬
‫عكرمه عن ابن عباس وأبو جناب هذا‬
‫ضعيف مدلس وقد عنعن وإ ن وثقه بعضهم‬
‫واختلف كالم ابن حبان فيه فذكره في ثقاته وضعفائه‬
‫وقال اإلمام أحمد أحاديثه مناكير قلت فكيف أخرجت له في مسندك وقال البيهقي في خالفياته أبو‬
‫جناب هذا ليس بالقوي وقال في سننه ضعيف‬
‫وقال ابن الصالح هذا حديث غير ثابت ضعفه البيهقي في خالفياته‬

‫قلت ولهذا الحديث طريق ثان من حديث جابر الجعفي عن‬


‫عكرمة عن ابن عباس مرفوعا ( أمرت بركعتي الفجر والوتر وليس عليكم ) رواه البزار وجابر‬
‫ضعيف‬
‫ورواه اإلمام أحمد ولم يذكر لفظة ( عليكم ) وقال بدلها ( ولم يكتب ) وفي رواية ( أمرت بركعتي‬
‫الضحى ولم تؤمروا بها وأمرت باألضحى ولم يكتب )‬
‫وطريق ثالث من طريق وضاح بن يحيى عن مندل عن يحيى بن سعيد عن عكرمة عن ابن عباس‬
‫مرفوعا ( ثالث علي فريضة وهن لكم تطوع الوتر وركعتا الفجر وركعتا الضحى ) وهو ضعيف‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫قال ابن حبان ال يحتج به فالوضاح كان يروي عن الثقات األحاديث المقلوبة التي كأنها معمولة وقد‬
‫ضعفه ابن الجوزي في علله فقال هذا حديث ال يصح وقال في األعالم أيضا إنه حديث ال يثبت‬
‫فتلخص ضعف الحديث من جميع طرقه وحينئذ ففي ثبوت خصوصية هذه الثالثة به نظر‬
‫فإن الذي ينبغي وال يعدل إلى غيره أن ال تثبت خصوصية إال بدليل صحيح على أنه قد جاء ما‬
‫يعارضه وهو ما أخرجه الدارقطني من حديث قتادة عن أنس مرفوعا ( أمرت بالوتر واألضحى ولم‬
‫يعزم علي )‬
‫ورواه ابن شاهين في ناسخه ومنسوخه وقال ( ولم تفرض علي ) لكنه حديث ضعيف فيه عبد اهلل بن‬
‫محرر وهو ضعيف باجماعهم وذكر ابن‬
‫شاهين في ناسخ ومنسوخة حديث ابن عباس المتقدم من طريق الوضاح وحديث أنس هذا ثم قال‬
‫الحديث األول أقرب إلى الصواب من الثاني ألن فيه عبد اهلل بن محرر وليس بمرضي عندهم قال‬
‫وال أعلم الناسخ منهما لصاحبه‬
‫قال ولكن الذي يشبه أن يكون حديث عبد اهلل بن محرر ‪ -‬على ما فيه ‪ -‬ناسخا لألول ألنه ليس يثبت‬
‫أن هذه الصلوات فرض‬
‫وهذا كله كالم عجيب فال ناسخ وال منسوخ ألن النسخ إنما يصار إليه عند تعارض األدلة الصحيحة‬
‫وال معارضة إذا‬
‫ثم ههنا أمور تنبه لها‬
‫أحدها أحسن بعض األصحاب فيما حكى عن أبي العباس الروياني فقال إن األضحية والوتر لما يجب‬
‫عليه وقد يشهد للوتر فقط فعله {صلى اهلل عليه وسلم} على الراحلة‬

‫لكن قال النووي في شرح المهذب في كالمه عن الوتر أن من خصائصه {صلى اهلل عليه وسلم}‬
‫جواز فعل هذا الواجب الخاص به عليه على الراحلة‬
‫وفي ذهني أن القرافي المالكي ادعى وجوبه عليه في الحضر دون السفر وهو كما ظننت فإنه قال‬
‫فعل الوتر في السفر على الراحلة والوتر لم يكن واجبا عليه إال في الحضر صرح به في شرح‬
‫المحصول وشرح التنقية والحليمي في شعب اإليمان والشيخ عز الدين في قواعده‬
‫ثانيها روى الترمذي عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال كان النبي {صلى اهلل عليه وسلم}‬
‫يصلي الضحى حتى نقول ال يدعها‬
‫ويدعها حتى نقول ال يصلي ثم قال حسن غريب‬
‫وهو بظاهره يقتضي عدم الوجوب‬
‫وكذا حديث عبد اهلل بن شقيق قلت لعائشة أكان النبي {صلى اهلل عليه وسلم} يصلي الضحى قالت ال‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫إال أن يجيء من مغيبه رواه مسلم‬
‫وحديثها أيضا ما رأيت رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} يسبح سبحة الضحى وإ ني ألسبحها رواه‬
‫البخاري ومسلم‬
‫ولم أر من قال به ونقله النووي في شرح المهذب عن العلماء أنه {صلى اهلل عليه وسلم} كان ال يداوم‬
‫على صالة الضحى مخافة أن تفرض على األمة فيعجزوا عنها وكان يفعلها في بعض األوقات‬
‫قلت وكيف يجمع بين هذا وبين ما ذكره في الروضة وغيرها أنها واجبة عليه ولو قال إنه عليه‬
‫الصالة والسالم كان يظهرها في وقت ويخفيها في وقت آخر لكان أولى‬
‫وادعى الماوردي أنه {صلى اهلل عليه وسلم} لما صالها يوم الفتح واظب عليها إلى أن مات وفيه‬
‫نظر‬
‫ففي سنن أبي داود عن عبد الرحمن بن أبي ليلى‬
‫قال ما أخبرنا أحد أنه رأى النبي {صلى اهلل عليه وسلم} صلى الضحى غير أم هانئ فإنها أخبرت بها‬
‫يوم فتح مكة ولم يره أحد صالهن بعد‬
‫وذكر البخاري في صحيحه من حديث أنس أن رجال صنع طعاما ودعا رسول اهلل {صلى اهلل عليه‬
‫وسلم} ونضح له طرف الحصير فصلى فيه ركعتان فقال فالن بن فالن بن الجارود ألنس أكان النبي‬
‫{صلى اهلل عليه وسلم} يصلي الضحى قال ما رأيته صلى غير ذلك اليوم‬
‫ال جرم ذهبت طائفة من السلف إلى حديث عائشة السابق ولم يروا صالة الضحى حكاه ابن بطال‬
‫وأبعد بعضهم فقال إنها بدعة‬
‫وحكى الطبري عن جماعة استحباب فعلها غبا وهو رواية عن أحمد‬

‫وذهبت طائفة على أنها إنما تفعل لسبب من األسباب وأن النبي {صلى اهلل عليه وسلم} إنما فعلها‬
‫لسبب فصالته لها يوم الفتح كانت من أجل الفتح‬
‫ثالثها هل كان الواجب عليه {صلى اهلل عليه وسلم} ‪ -‬إذا قلنا به ‪ -‬أقل الضحى أو أكثرها أو أدنى‬
‫كمالها لم أر في ذلك نقال نعم في رواية ألحمد ( أمرت بركعتي الضحى ولم تؤمروا بها ) وقد سلفت‬
‫رابعها هل كان الواجب عليه في الوتر أقله أم أكثره أم أدنى كماله لم أر فيه نقال‬
‫خامسها هل كان األضحى في الحديث السالف وكالم أصحابنا المراد به الضحايا كما قاله ابن‬
‫الصالح يقال أضحى في الواحد والجمع أضحى ويقال ضحية وضحايا وأضحية وأضاحي بالتشديد‬
‫وهذا التقرير قد يفهم أنه كان الواجب عليه ضحايا في كل سنة ولعل اإلشارة به إلى وجوب ذلك في‬
‫األعوام‬
‫وقد ضحى {صلى اهلل عليه وسلم} بكبشين كما أخرجه البخاري ومسلم من حديث‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫عائشة وفي ابن ماجة والحاكم من حديث أبي هريرة وعائشة أنه {صلى اهلل عليه وسلم} كان إذا أراد‬
‫أن يضحي اشترى كبشين عظيمين الحديث‬
‫سادسها وقع في كالم اآلمدي وتبعه ابن الحاجب عد ركعتي الفجر من خصائصه ولم أر لهما سلفا في‬
‫ذلك وحديث ابن عباس السالف يشهد له لكنه ضعيف كما سلف ( ورأيت صاحب الفصولـ من‬
‫الحنابلة عدهما من خصائصه )‬
‫المسألة الرابعة التهجد أكان واجبا عليه قال القفال وهو أن يصلي بالليل وإ ن قل‬
‫قال اهلل تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة لك اآلية‬
‫أي زيادة على ثواب الفرائض بخالف تهجد غيره فإنه جابر للنقصان المتطرق إلى الفرائض وهو‬
‫عليه الصالة والسالم معصوم عن تطرق الخلل إلى مفروضاته وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‬
‫حكاه إمام الحرمين وذكر البغوي في تفسيره نحوه‬
‫قال الحسن وغيره ليس ألحد نافلة إال النبي {صلى اهلل عليه وسلم} ألن فرائضه كاملة وأما غيره فال‬
‫يخلو عن نقص فنوافله تكمل فرائضه‬
‫واستدل البيهقي في‬
‫دالئل النبوة عن مجاهد وكذا ابن المنذر في تفسيره وذكر ‪ -‬أعني ابن المنذر ‪ -‬عن الضحاك نحوه‬
‫وذكره سليمان بن حيان عن أبي غالب عن أبي أمامة إلخ‬

‫ثم استدل الرافعي وغيره أيضا بحديث عائشة رضي اهلل عنها أن رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم}‬
‫قال ( ثالث هن علي فرائض وهن لكم سنة الوتر والسواك وقيام الليل )‬
‫وهو حديث ضعيف أخرجه البيهقي في سننه وخالفياته وفي سنده موسى بن عبد الرحمن الصنعاني‬
‫قال ابن عدي منكر الحديث وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتابا في التفسير جمعه‬
‫من كالم مقاتل الكلبي وقال البيهقي موسى هذا ضعيف جدا ولم يثبت في هذا إسناد‬
‫واعلم أن الشيخ أبا حامد نقل بعد حكاية ذلك عن األصحاب‬
‫أن الشافعي نص على أنه نسخ وجوبه في حقه كأمته قال الشيخ أبو عمرو بن الصالح والنووي في‬
‫الروضة وهذا هو الصحيح الذي تشهد له األحاديث منها حديث سعد بن هشام عن عائشة في مسلم‬
‫وقد قال لها انبئيني عن قيام رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} قالت ألست تقرأ يأ يها المزمل‬
‫فقالت كان اهلل فرض قيام الليل من أول هذه السورة فقام عليه الصالة والسالم وأصحابه حوال وأمسك‬
‫اهلل خاتمتها اثني عشر شهرا حتى أنزل اهلل في آخرها التخفيف فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة‬
‫وفي آخره فانطلقت إلى ابن عباس رضي اهلل عنه فحدثته بحديثها فقال صدقت‬
‫وأشارت ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬باآلخر إلى قوله‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫علم أن لن تحصوه فتاب عليكم وبعضهم قال إن الناسخ قوله تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة لك‬
‫وقوله تعالى علم أن لن تحصوه فتاب عليكم ناسخ لقيام الليل في حق أمته وفيه نظر ألن الخطاب في‬
‫أول السورة للنبي {صلى اهلل عليه وسلم} وقد شركته فيه فالخطاب في آخرها إذا يتوجه لمن يتوجه‬
‫إليه الخطاب في أولها‬
‫وقد قيل إن المنسوخ من صالة الليل ما كان مقدرا وأما أصل الوجوب فهو باق لقوله تعالى فاقرؤا ما‬
‫تيسر منه‬
‫فتكون اآلية كقوله تعالى فما استيسر من الهدي‬
‫إذ ال بد من الهدي فكذلك ال بد من صالة الليل‬
‫والحديث الصحيح من حديث عائشة رضي اهلل عنها ( أفال أكون عبدا شكورا ) من جملة ما يدل‬
‫على عدم وجوبه عليه وال أعلم أحدا قال بوجوبه علينا دونه‬
‫تنبيهات‬

‫األول ان إن قلت قوله تعالى نافلة لك يقتضي أن ذلك غير واجب عليه قال الجوهري النفل والنافلة‬
‫عطية التطوع حيث ال يجب ومنه نافلة الصالة والنفل التطوع‬
‫فالجواب أن النافلة الزيادة ومنه قوله تعالى ويعقوبـ نافلة وال يلزم منه كونها غير واجبة‬
‫الثاني حديث جابر الطويل ‪ -‬في الحج ‪ -‬الثابت في صحيح مسلم أنه {صلى اهلل عليه وسلم} أتى‬
‫المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان وإ قامتين ولم‬
‫يسبح بينهما شيئا ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإ قامة دال‬
‫على عدم وجوب الوتر والتهجد ألن الظاهر أنه لم يفعلهما تلك الليلة‬
‫وقد يجاب عن التهجد بأنه لعله إذ ذاك كان منسوخا وفي هذا رد على ما خرج به الدارمي من‬
‫أصحابنا في استذكاره من أن الجامع بالمزدلفة يأتي بالوتر دون سنة العشاء والذي نص عليه‬
‫الشافعي في األم وغيرها أن السنة ترك النفل بعد العشاء كما يسن تركه بعد المغرب وصرح به‬
‫الماوردي والقاضي حسين وغيرهما وأبعد العجلي فقال يأتي فقال إنه يأتي بسنة المغرب بعد العشاء‬
‫ثم سنة العشاء بعد الوتر وهو مصادم للنص‬
‫الثالث قال الرافعي مقتضى الراوي عن عائشة ‪ -‬أي الذي سلف ‪ -‬وكالم األئمة هنا كون الوتر غير‬
‫التهجد المأمور به وذلك مخالف لما مر في باب صالة التطوع أنه يشبه أن يكون الوتر هو التهجد‬
‫ويعتضد به الوجه المذكور هناك عن رواية القاضي الروياني‬
‫قال وكأن التغاير أظهر وكذا قال في تذنيبه على الشرحين إنه األظهر وتبعه صاحب الحاوي الصغير‬
‫قلت وحديث عائشة في‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫الصحيحين ( ما كان رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} يزيد في رمضان وال غيره على إحدى عشرة‬
‫ركعة يصلي أربعا فال تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فال تسأل عن حسنهن وطولهن ثم‬
‫يصلي ثالثا ) يدل على أن التهجد هو عين الوتر نعم حديثها اآلخر يدل على مقابلة وهو ما أخرجه‬
‫مسلم عنها أنها قالت كان رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} يصلي من الليل ثالث عشرة ركعة يوتر‬
‫من ذلك بخمس ال يجلس في شيء إال في آخرها‬

‫الرابع فصالته عليه السالم بالليل كانت أنواعا‬


‫أ ‪ -‬ست ركعات مفصوالت ويوتر بثالث رواه ابن عباس رضي اهلل عنهما‬
‫ب ‪ -‬إحدى عشرة مفصوالت ويوتر بواحدة روته عائشة رضي اهلل عنها‬
‫ج ‪ -‬ثالث عشرة كذلك‬
‫د ‪ -‬ثمان ركعات موصوالتـ ويوتر بخمس متوالية ال يجلس إال في آخرها‬
‫ه ‪ -‬تسع تسع ركعات ال يجلس في شيء منهن إال في الثامنة ثم ينهض وال يسلم ثم يصلي التاسعة‬
‫ويسلم ويصلي ركعة بعد ما يسلم‬
‫و ‪ -‬سبع ركعات كالتسع المذكورة ثم يصلي بعدها ركعتين جالسا مثنى ويوتر بثالث موصولة‬
‫ز ‪ -‬أربع ركعات روي فتأمل ذلك‬
‫فائدة حكى النووي في شرح مسلم في باب صالة الليل عن بعض السلف أنه يجب على األمة من قيام‬
‫الليل ما يقع عليه االسم ولو قدر حلب شاة قال وهو غلط مردود بإجماع من قبله مع النصوص‬
‫الصحيحة أنه ال واجب إال الصلوات الخمس‬
‫الخامس تعبيره في الروضة في التهجد بالصحيح ألجل الوجه اآلخر أنه نسخ في حقه فإياك أن‬
‫تعترض عليه كما وقع لبعضهم‬
‫السادس ذكر في ( الروضة ) في كتاب السير أن اهلل تعالى فرض من قيام الليل أوال ما ذكر في‬
‫سورة المزمل ثم نسخه بما ( في آخرها ثم نسخه بالخمس )‬
‫السابع السواك وكان واجبا عليه {صلى اهلل عليه وسلم} على الصحيح واستدل له بحديث عائشة‬
‫السالف وقد علمت ضعفه‬
‫نعم روى أبو داود والبيهقيـ في سننهما وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما من حديث عبد اهلل بن‬
‫حنظلة بن عامر الغسيل أن رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} كان يؤمر بالوضوء لكل صالة طاهرا‬
‫أو غير طاهر فلما شق ذلك على رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} أمر بالسواك عند كل صالة‬
‫ووضع عنه الوضوء إال من حدث وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال حديث على شرط مسلم ولم‬
‫يخرجاه‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫ومن أصحابنا من حكى وجها في حقه كما في حق األمة‬
‫قلت واستدل بحديث واثلة بن األسقع رضي اهلل عنه قال قال رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم}‬
‫( أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب علي ) رواه اإلمام أحمد في مسنده والطبراني في أكبر‬
‫معاجمه من طريقين مدارهما على ليث‬

‫وروى ابن ماجة من حديث أبي أمامة رضي اهلل عنه أن النبي {صلى اهلل عليه وسلم} قال ( تسوكوا‬
‫فإن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ما جاءني جبريل إال أوصاني بالسواك حتى خشيت أن يفرض‬
‫علي وعلى أمتي ولوال‬
‫خشيت على أمتي لفرضته عليهم وإ ني ألستاك حتى إني خشيت أن تدردر مقادم فمي ) وفي سنده من‬
‫تكلم فيه‬
‫تنبيهان‬
‫األول هل المراد بوجوبه في حقه بالنسبة إلى الصالة المفروضة أو في النافلة أيضا أو إلى األحوال‬
‫التي أكدها في حقنا أو ما هو أعم من‬
‫ذلك لم أر فيه نقال‬
‫وسياق حديث عبد اهلل بن حنظلة السالف يقوي األول‬
‫وادعى ابن الرفعة في كفايته في باب السواك أنه لم يصح أنه {صلى اهلل عليه وسلم} فعل السواك إال‬
‫عند القيام إلى الصالة وعند تغير الفم ثم قال فإن قلت قد روى مسلم عن شريح بن هانئ سألت عائشة‬
‫رضي اهلل عنها عن أي شيء كان يبدأ به النبي {صلى اهلل عليه وسلم} إذا دخل بيته قالت بالسواك‬
‫ولفظة كان تؤذن بالدوام‬
‫ثم أجاب بأنه يحتمل أن يكون فعل ذلك ألجل تغير حصل في فمه ثم استبعده بأن في رواية النسائي‬
‫عن ابن عباس قال كان رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} يصلي ركعتين ثم ينصرف فيستاك‬
‫الثاني قال الشيخ تقي الدين ابن الصالح ترددوا في وجوب السواك عليه وقطعوا بوجوب الضحى‬
‫واألضحى والوتر مع أن مستنده الحديث الضعيف‬
‫ولو عكسوا فقطعوا بوجوب السواك للحديث السالف وترددوا في األمور الثالثة لكان أقرب‬
‫ويكون مستند التردد فيهما أن ضعف الحديث من جهة ضعف رواية أبي جناب الكلبي وفي ضعفه‬
‫خالف بين أئمة الحديث وقد وثقه بعضهم‬
‫قلت قد ترددوا في وجوب الوتر واألضحى أيضا كما سلف‬
‫المسألة السادسة مشاورة ذوي األحالم في األمور‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫وهي واجبة عليه على الصحيح عند أصحابنا لظاهر قوله تعالى وشاورهم في األمر وظاهر األمر‬
‫الوجوب ووجه من قال باستحبابها القياس على غيره واألمر لالستبحاب استمالة لقلوبهم وحكاه ابن‬
‫القشيري عن نص الشافعي وأنه جعله كقوله عليه الصالة والسالم ( البكر تستأمر تطييبا لقلبها ال أنه‬
‫واجب وهو قول الحسن رضي اهلل عنه حيث قال في قوله تعالى وشاورهم في األمر علم اهلل أنه ما به‬
‫إليهم من حاجة ولكن أراد أن يستن به من بعده‬
‫قال الماوردي واختلف فيما يشاور فيه فقال قوم في الحروب ومكايدة العدو خاصة وقال آخرون في‬
‫أمور الدنيا والدين تنبيها لهم على علل األحكام وطريق االجتهاد وقال الثعلبي في تفسيره اختلف في‬
‫المعنى الذي أمر اهلل تعالى نبيه بالمشاورة لهم فيه مع كمال عقله وجزالة رأيه وتتابع الوحي عليه‬
‫ووجوب طاعة أمته فيما أحبوا أو كرهوا فقيل هو خاص في المعنى وإ ن كان عاما في اللفظ‬
‫ومعنى اآلية وشاورهم فيما ليس عندك فيه من اهلل تعالى عهد‬
‫يدل عليه قراءة ابن مسعود وشاورهم في بعض األمر‬
‫قال ابن الكلبي يعني ناظرهم في لقاء العدو ومكابدة الحروب عند الغزو ثم ذكر قول الحسن السالف‬
‫وغيره‬
‫المسألة السابعة كان يجب عليه {صلى اهلل عليه وسلم} مصابرة العدو وإ ن كثر عددهم واألمة إنما‬
‫يلزمهم الثبات إذا لم يزد عدد الكفار على‬
‫الضعف ولم يبوب البيهقي على هذه الخصوصية في سننه‬
‫المسألة الثامنة هل كان يجب عليه {صلى اهلل عليه وسلم} إذا رأى منكرا أن ينكره ويغيره وغيره إنما‬
‫يلزمه ذلك عند اإلمكان ووجهه أن اهلل تعالى وعده بالعصمة والحفظ فقال واهلل يعصمك من الناس‬
‫وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي اهلل عنها قالت ( ما خير رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم}‬
‫في أمرين إال أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإذا كان إثما كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول اهلل‬
‫{صلى اهلل عليه وسلم} لنفسه إال أن تنتهك حرمة اهلل فينتقم هلل بها )‬
‫وأورد النووي في الروضة سؤاال فقال قد يقال هذا ليس من الخصائص بل كل مكلف تمكن من إزالة‬
‫المنكر لزمه تغييره‬

‫ثم أجاب بأن المراد ال يسقط عنه للخوف فإنه معصوم بخالف غيره وهذا قد ذكرته في غضون‬
‫كالمي‬
‫المسألة التاسعة كان يجب عليه قضاء دين من مات من المسلمين معسرا عند اتساع المال‬
‫ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه أن رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} كان يؤتى‬
‫بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل ( هل ترك لدينه من قضاء ) فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫وإ ال قال للمسلمين ( صلوا على صاحبكم )‬
‫فلما فتح اهلل عليه الفتوح قام فقال أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المؤمنين فترك دينا‬
‫فعلي قضاؤه ومن ترك ماال فلورثته وحكى اإلمام وجها أنه لم يكن واجبا عليه بل كان يفعله تكرما‬
‫وبه جزم الماوردي وقال النووي في شرح مسلم كان يقضيه من مال المصالح وقيل من خالص ماله‬
‫وعلى األول هل يجب ذلك على األئمة بعده من مال المصالح وجهان‬
‫وقد‬
‫جاء في رواية قيل يا رسول اهلل وعلى كل إمام بعدك قال ( وعلى كل إمام بعدي ) ولكنها ضعيفة‬
‫عزيزة الوجود‬
‫وقال اإلمام بعد حكايتها وفي اإلطالق نظر‬
‫ألن من استدان وبقيـ معسرا حتى مات لم يقض دينه من بيت المال ألنه يلقى اهلل وال مظلمة عليه‬
‫قالت عائشة رضي اهلل عنها ألن أموت وعلي مائة ألف وأنا ال أملك قضاءها أحب إلي أن أخلف‬
‫مثلها‬
‫وإ ن ظلمه بالمطال فاعسر فمات ففيه احتمال واألولى أن ال يقضى فإن أوجبناه فشرطه اتساع المال‬
‫وفضله عن مصالح األحياء‬
‫ووجه القضاء ترغيب أرباب األموال في معاملة المعسرين‬
‫وفي زوائد الروضة في باب قسم الصدقات عن صاحب البيان حكاية وجهين في أن من مات وعليه‬
‫دين وال وفاء له هل يقضى من سهم الغارمين‬
‫قال ولم يتبين األصح منهما واألصح األشهر ال يقضى منه‬
‫قلت وحكي ذلك عن أبي حنيفة ومالك وغيرهما‬

‫ونقل أبو عبيد اإلجماع عليه وهي الدعوى توجب التوقف في إثبات الوجهين وكأنه إنما افترق الحي‬
‫والميت في كونه يقضى عن الغارم في حياته دون موته أن الحي يحتاج إلى وفاء دينه والميت إن‬
‫كان عصى به أو بتأخيره فال يناسب حاله الوفاء عنه‬
‫وإ ال فإنه ال يطالب به وال حاجة له والزكاة إنما تعطى لمحتاج بخالف األداء من غير الزكاة لبراءة‬
‫ذمته والتخفيف عنه في اآلخرة‬
‫المسألة العاشرة كان يجب عليه إذا رأى شيئا يعجبه أن يقول لبيك إن العيش عيش اآلخرة وذكر‬
‫الرافعي بصيغة قيل وجزم به ابن القاص في تلخيصه لفظه فيه وكان {صلى اهلل عليه وسلم} إذا رأى‬
‫شيئا يعجبه قال ( لبيك إن العيش عيش اآلخرة ) ثم قال هذه كلمة صدرت من رسول اهلل {صلى اهلل‬
‫عليه وسلم} في أنعم حاله يوم حجه بعرفة ثم ساقه بإسناده‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫وفي أشد حاله يوم الخندق ثم ثم ساقه بإسناده‬
‫كما ذكرته عنه في كتابي المسمى بالبدر المنير في تخريج أحاديث‬
‫الرافعي الكبير لإلمام أبي القاسم الرافعي وهو الكتاب الذي ال يستغنى عنه‬
‫المسألة الحادية عشرة كان عليه أداء فرض الصالة كاملة ال خلل فيها قاله الماوردي‬
‫وقد تقدم في المسألة الرابعة مثله عن حكاية اإلمام وذكره العراقي في شرح المهذب أيضا‬
‫المسألة الثانية عشرة كان يلزمه كل تطوع يبتدئ به حكاه البغوي عن بعضهم وسيأتي منزعه في‬
‫المسألة الخامسة من النوع الثاني‬
‫المسألة الثالثة عشرة عد ابن القاص أمورا أخرى ومنه نقلتها منها أن يدفع بالتي هي أحسن ومنها أنه‬
‫كلف من العلم وحده‬
‫ما كلفه الناس بأجمعهم ومنها أنه كان يغان على قلبه فيستغفر اهلل ويتوب إليه في اليوم سبعين مرة‬
‫ومنها أنه يؤخذ عن الدنيا‬
‫القسم األول الواجب المتعلق بالنكاح‬
‫األول كان يجب عليه تخيير زوجاته بين اختيار زينة الدنيا ومفارقته وبين اختيار اآلخرة والبقاء في‬
‫عصمته وال يجب ذلك على غيره‬
‫قال اهلل تعالى يأيها النبي قل ألزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن‬
‫سراحا جميال إلى قوله أجرا عظيما‬

‫واختلف في سبب نزولها على أقوال‬


‫إحداها أن نساءه تغايرن عليه فحلف أن ال يكلمهن شهرا ومكث في غرفته شهرا‬
‫قال الغزالي فأمر بتخييرهن ألن الغيرة توغر الصدور وتنفر القلب وتوهن االعتقاد‬
‫ثانيها أنهن اجتمعن وقلن نريد كما يريد النساء من الحلي والثياب فطالبنه بذلك وليس عنده فتأذى‬
‫وإ لزامهن الصبر عل الفقر يؤذيهن ومطالبتهن إياه بذلك يؤذيه‬
‫فأمر بإلقاء زمام األمر إليهن ليفعلن ما يخترنه‬
‫ونزه منصبه العالي عن التاذي واإليذاء‬
‫وقيل إن بعض نسائه التمست منه خاتما من ذهب فاتخذ لها خاتما من فضة وصفره بالزعفران‬
‫فسخطت‬
‫ثالثها أن اهلل تعالى امتحنهن بالتخيير ليكون لرسوله {صلى اهلل عليه وسلم} خير النساء‬
‫رابعها أن اهلل تعالى خيره بين الغنى والفقر فاختار الفقر فأمره اهلل بتخيير نسائه لتكون من اختارته‬
‫منهن موافقة الختياره‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫وعبارة الرافعي المعنى أنه عليه الصالة والسالم آثر لنفسه الفقر والصبر عليه فأمر بتخييرهن لئال‬
‫يكون مكرها لهن على الفقر والصبر‬
‫قلت سيأتي قريبا أن إيالءه {صلى اهلل عليه وسلم} كان من نسوته سنة تسع وتخييره بعدها وهذا‬
‫يضعف أن سبب النزول ما كن فيه من ضيق العيش ألنه {صلى اهلل عليه وسلم} وسع له في آخر‬
‫عمره وكان له سهمه من خيبر وغيره وذكر الرافعي مثل هذا الكالم على الكفاءة ‪ -‬أعني أنه {صلى‬
‫اهلل عليه وسلم} اختار الفقر ‪ -‬وقد يعارضه ما ثبت في الحديث الصحيح أنه كان يتعوذ من الفقر وقد‬
‫ذكر ذلك في باب قسم الصدقات‬
‫خامسها أن سبب نزولها قصة مارية في بيت حفصة رضي اهلل‬
‫عنهما وقيل بل قصة العسل الذي شربه {صلى اهلل عليه وسلم} في بيت زينب بنت جحش وتواطأت‬
‫عائشة وحفصة على أن يقوال له عليه الصالة والسالم إنا نجد منك ريح مغافير فحرمه النبي {صلى‬
‫اهلل عليه وسلم} على نفسه ونزل فيهما إن تتوبا إلى اهلل فقد صغت قلوبكما‬
‫كما أخرج في الصحيح من حديث عائشة رضي اهلل عنها‬
‫والمغافير بالغين المعجمة صمغ حلو كالناطف له رائحة كريهة وأبعد من قال إن له رائحة حسنة‬

‫وحكى الحناطي ‪ -‬بالحاء المهملة ثم نون ‪ -‬من أصحابنا وجها أن التخيير لم يكن واجبا عليه وإ نما‬
‫كان مندوبا والمشهور األول‬
‫فلما نزلت اآلية بدأ بعائشة فاختارته كما أخرج في الصحيح ثم أخبر به باقي نسائه كما هو مخرج في‬
‫الصحيح أيضا وبه قال األكثرون‬
‫وقال الماوردي إال فاطمة بنت الضحاك الكالبية وكان قد دخل بها فاختارت الحياة الدنيا وزينتها‬
‫فسرحها فلما كان في زمن عمر رضي اهلل عنه وجدت تلقط البعر وتقول اخترت الدنيا على اآلخرة‬
‫فال دنيا وال آخرة‬
‫وقال ابن الطالع إنها كانت تلقط البعر وتقولـ إنها الشقية‬
‫وكانت تحته قتيلة بنت قيس وإ نه أوصى بتخييرها في مرضه فاختارت فراقه قبل الدخول‬
‫وقال الماوردي وفي اآلية دليل على أحكام خمسة‬
‫أ ‪ -‬أن الزوج إذا أعسر بالنفقة لها خيار الفسخ‬
‫ب ‪ -‬وأن المتعة تجب للمدخول بها إذا طلقت‬
‫ج ‪ -‬وجواز تعجيلها قبل الطالق‬
‫د ‪ -‬وأن السراح الجميل صريح في الطالق‬
‫ه ‪ -‬وأن المتعة غير مقدرة شرعا‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫ورأيت في كتاب األقسام والخصال ألبي بكر الخفاف من قدماء أصحابنا أن في تخييره {صلى اهلل‬
‫عليه وسلم} زوجاته تسع دالئل فذكر الثالثة األول من‬
‫كالم الماوردي‬
‫وأن التخيير ليس بطالق‬
‫وأنها متى اختارت فراقه وجب عليه الطالق‬
‫وأن الخيار عليه دون سائر أمته وأنه غير جائز أن يتزوج كافرة وأن أزواجه محرمات على التأبيد‬
‫إال أن تكون مطلقة غير مدخول بها هذا لفظه إذا تقرر ذلك فتنبه ألمور‬
‫أحدها من اختارت منهن الحياة الدنيا هل كان يحصل الفراق بنفس االختيار فيه وجهان ألصحابنا‬
‫أحدهما نعم كما لو خير غيره زوجته ونوى تفويض الطالق إليها واختارت نفسها‬
‫وأصحهما ال لقوله تعالى فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميال‬
‫ولو جعل الفراق باختيارها لما كان للتسريح معنى وألنه تخيير بين الدنيا واآلخرة كما لو خير واحد‬
‫من األمة زوجته فاختارت الدنيا‬
‫وفي السراح الجميل تأويالت‬
‫أ ‪ -‬أحدها أن يطلق دون الثالث‬
‫ب ‪ -‬وثانيها أن يوفى فيه المهر والمتعة‬

‫ج ‪ -‬وثالثها أنه التسريح من الطالق دون غيره‬


‫د ‪ -‬ويحتمل رابعا أبداه ابن القشيري في تفسيره وهو أن يكون في مستقبل العدة في طهر لم يجر فيه‬
‫جماع‬
‫وقال الماوردي هل كان التخيير بين الدنيا واآلخرة أو بين الطالق والمقام فيه قوالن للعلماء‬
‫وأشبههما بقول الشافعي الثاني‬
‫ثم قال بعده إنه الصحيح فعلى األول ال شيء حتى يطلق‬
‫وعلى الثاني فيه وجهان أحدهما أن تخييره كتخيير غيره يرجع إلى نيته ونيتها‬
‫وثانيهما أنه صريح في الطالق لخروجه مخرج التغليظ‬
‫وعن أبي العباس الروياني حكاية وجهين في أن قولها اخترت نفسي هل يكون صريحا في الطالق‬
‫حكاهما الرافعي عنه‬
‫والظاهر أنه ما حكاه الماوردي أيضا‬
‫فإن قلنا تحصل الفرقة باالختيار أو بوقوع الطالق فطلقها دون الثالث ففي كونه رجعيا كما في حق‬
‫غيره أو بائنا تغليظا ألن اهلل عز وجل غلظ عليه في التخيير فيغلظ عليه الطالق وجهان حكاهما‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫الماوردي‬
‫ثم في التحريم على التأبيد وجهان‬
‫إحداهما ال ليكون سراحا جميال وثانيهما نعم الختيارها الدنيا على اآلخرة فلم تكن من أزواجه في‬
‫اآلخرة وحكاهما الرافعي عن أبي العباس الروياني أيضا‬
‫ثانيها هل يعتبر أن يكون جوابهن على الفور فيه وجهان أصحهما في أصل الروضة ال‬
‫ويجوز فيه التراخي وبه قطع القاضي ابن كج لقوله {صلى اهلل عليه وسلم} لعائشة رضي اهلل عنها‬
‫( ال تبادريني بالجواب حتى تستأمري أبويك )‬
‫متفق عليه من حديثها‬
‫واعترض الشيخ أبو حامد على هذا االستدالل فإنه عليه الصالة والسالم صرح بتراخي خيارها إلى‬
‫مراجعة أبويها والكالم في التخيير المطلق‬
‫قال الرافعي وحكاه اإلمام عن األصحاب‬
‫وهما مبنيان على الوجهين في حصول الفراق بنفس االختيار‬
‫فإن قلنا به وجب أن يكون على الفور وإ ن قلنا ال فيه التراخي‬
‫وقال اإلمام ال يجوز‬
‫كما لو قال الواحد منا لزوجته طلقي نفسك‬
‫ففي كون جوابها على الفور أو على التراخي قوالن‬
‫قال اإلمام وبناء على هذا الخالف السابق عندنا في غاية الضعف ألجل الخبر‬

‫وإ ن قال متكلف ما جرى من النبي {صلى اهلل عليه وسلم} لعائشة رضي اهلل عنها تخير ناجز في حقنا‬
‫قلنا فلم اكتفى النبي {صلى اهلل عليه وسلم} باختيارها اهلل ورسوله ورآه جوابا عن التخيير فال حاصل‬
‫لذكر الخالف في اعتبار الفور وعدمه مع جزمه بحصول الفراق باالختيار لكنه بناه على أن تلك‬
‫فرقة طالق طالق أو فسخ وفيه وجهان فإن قلنا فرقة طالق فهي على الفور وإ ال فعلى التراخي‬
‫( فرع ) إن جعلنا على الفور فيمتد بامتداد المجلس أم يعتبر الفورية المعتبرة في اإليجاب والقبول‬
‫فيه حكاهما الرافعي عن الهروي‬
‫ثالثها هل كان يحرم عليه عليه الصالة والسالم طالق من اختارته فيه وجهان ألصحابنا‬
‫أحدهما وبه قطع الماوردي ونص عليه الشافعي في األم نعم كما يحرم إمساكها لو رغبت عنه‬
‫ومكافأة لهن‬
‫على صبرهن وبه يشعر قوله تعالى وال أن تبدل بهن من أزواج اآلية‬
‫فإن التبدل فراقهن وتزوج غيرهن ففي تحريمه تحريم مفارقتهن‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫وأظهرهما عند اإلمام والرافعي في شرح الصغير والنووي في أصل الروضة ال‬
‫كما لو أراد واحد من األمة طالق زوجته ال يمنع منه وإ ن رغبت فيه وألن التبدل معناه مفارقتهن‬
‫والتزوج بأمثالهن بدال عنهن وذلك مجموع أمرين فال يقتضي المنع من أولهما قال اإلمام وادعاء‬
‫الحجر على الشارع في الطالق بعيد‬
‫وفيه وجه ثالث أنه يحرم عقب اختيارهن وال يحرم إذا انفصل عنه‬
‫فإن قلت هل يستدل للوجه األظهر أنه عليه الصالة والسالم طلق حفصة وراجعها‬
‫وعزم على طالق سودة فوهبت يومها لعائشة رضي اهلل عنها قلت ال‬
‫فإن المارودي قال كان ذلك قبل التخيير وكذا قصة اإلفك وقول علي رضي اهلل عنه لما استشاره عليه‬
‫الصالة والسالم في فراق أهله لم يضيق اهلل عليك النساء كثير سواها‬
‫لعله قبل نزول آية‬
‫التخيير وقد صرح به ابن الجوزي فقال كان إيالؤه عليه الصالة والسالم سنة تسع من الهجرة‬
‫والتخيير بعدها لكن اصطفى رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} صفية بنت حيي من سبي خيبر سنة‬
‫سبع وتزوجها وادعى الماوردي أن تزوجه لها كان بعد نزول آية التخيير‬

‫رابعها لما خير عليه الصالة والسالم زوجاته كافأهن اهلل على حسن صنيعهن بالجنة فقال إن اهلل أعد‬
‫للمحسنات أي المختارات منكم أجرا عظيما أي الجنة ومن للبيان ال للتبعيض وبأن حرم على رسوله‬
‫التزوج عليهن واالستبدال بهن فقال تعالى ال يحل لك النساء من بعد وال أن تبدل بهن من أزواج اآلية‬
‫لكن نسخ ذلك لتكون المنة لرسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} بترك التزوج عليهن بقوله تعالى يأيها‬
‫النبي إنا أحللنا لك أزواجك اآلية‬
‫قالت عائشة رضي اهلل عنها ( ما مات رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} حتى حل له النساء )‬
‫رواه الشافعي وأحمد والترمذي وقال حسن صحيح وصححه ابن حبان والحاكم‬
‫وعائشة بهذا الشأن أخبر‬
‫قال أصحابنا وأبيح له التبدل بهن ولكنه لم يفعل‬
‫وخالف أبو حنيفة رحمه اهلل فقال دام التحريم ولم ينسخ واستدل بأوجه‬
‫أ ‪ -‬أحدها أن قوله من بعد يدل على التأبيد والجواب أنه ال داللة في ذلك على عدم النسخ‬
‫ب ‪ -‬وثانيها أنه تعالى جعل جزاء الختيارهن فال يحسن الرجوع فيه‬
‫قلت ال تحسين إال بالشرع ألن التحريم إنما كان بصبرهن على الضيق وقد زال بفتح الفتوح‬
‫ج ‪ -‬وثالثها أنه لما كان يحرم طالقهن وجب أن يكون تحريم النكاح عليهن باقيا ألنهما جميعا جزاء‬
‫والجواب بالفرق بينهما بأن الطالق يخرجهن أن يكن أزواجه في اآلخرة بخالف التزوج عليهن‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫واعترض على هذا االستدالل باآلية بأنها متقدمة في التالوة على آية التخيير والناسخ ال يكون متقدما‬
‫على المنسوخ فوجب حملها على أن المراد أنه أحل النساء الالتي اخترنه‬
‫وهو قول مجاهد والجواب أن اآلية وإ ن تقدمت في التالوة فهي‬
‫متأخرة في النزول كما وقع ذلك في قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا اآلية إلى قوله‬
‫عشرا‬
‫فإنه ناسخ لقوله تعالى متاعا إلى الحول غير إخراج وإ ن كان متأخرا عنه في التالوة‬

‫وإ نما قدمت اآلية الناسخة في التالوة ألن جبريل عليه السالم كان إذا نزل إلى النبي {صلى اهلل عليه‬
‫وسلم} بآية قال إجعلها في موضع كذا من سورة كذا فقدمت في التالوة لسبق التالي إلى معرفة الحكم‬
‫الذي استقر حتى لو لم يعرف المنسوخ بعده لم يضره‬
‫وأما حمل اآلية على الالتي اخترنه فال يصح لوجهين‬
‫أحدهما أنهن كن حالال قبل نزول اآلية فلم تفده هذه اآلية وألن قوله إنا أحللنا لك تقتضي تقدم حظره‬
‫والثاني أنه قال فيها وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خاالتك‬
‫ولم يكن من المخيرات أحد من هؤالء كما قاله الشافعي في األم‬
‫خامسها إذا ثبت أنه أخل له التزوج فهل ذلك عام في جميع النساء فيه وجهان حكاهما الماوردي‬
‫أحدهما ال ويختص ذلك ببنات األعمام والعمات واألخوال والخاالت المهاجرات معه لظاهر اآلية‬
‫وقد روى عن أم هانئ أنها قالت نزلت هذه اآلية فأراد رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} أن يتزوجني‬
‫فنهي عني ألني لم أهاجر‬
‫وأظهرهما أنه عام في جميع النساء‬
‫ألن اإلباحة رفعت ما تقدم من الحظر‬
‫فاستباح ما كان يستبيحه قبلها‬
‫وألنه في استباحة النساء أوسع من أمته فلم يجز أن ينقص عنهم‬
‫وقد تزوج عليه الصالة والسالم صفية بعد كما سلف عن الماوردي‬
‫وليست من المذكورات في اآلية‬
‫والقاضي حسين قال إن تحريم النسوة عليه هل بقي مؤبدا أم ارتفع فيه وجهان‬
‫سادسها قال الماوردي تحريم طالق من اختارته منهن أي إذا قلنا به كما سلف لم ينسخ بل بقي إلى‬
‫الموت‬
‫وبه استدل أبو حنيفة على بقاء تحريم نكاح غيرهن أيضا وكالم اإلمام يشير إلى خالفه‬
‫سابعها هل كان يجوز له عليه الصالة والسالم أن يجعل االختيار إليهن قبل المشاورة إليهن فيه‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫وجهان حكاهما الرافعي عن الجرجانيات ألبي العباس الروياني‬
‫ولم أرهما في الروضة‬
‫النوع الثاني ما اختص به {صلى اهلل عليه وسلم} من المحرمات وذلك تكرمة له فإن أجر ترك‬
‫المحرم أكثر من أجر ترك المكروه وفعل المندوب إذ المحرم في المنهيات كالواجب في المأمورات‬
‫وهي أيضا قسمان‬
‫األول المحرمات في غير النكاح‬

‫وفيه مسائل‬
‫األولى الزكاة فإنها حرام عليه وشاركه في ذلك ذوو القربى بسببه أيضا فالخاصية عائدة إليه فإنها‬
‫أوساخ الناس كما أخرجه مسلم ومنصبه منزه عن ذلك وهي أيضا تعطى على سبيل الترحم المنبئ‬
‫عن ذل اآلخذ‬
‫فأبدلوا عنها بالغنيمة المأخوذة بطريق العز والشرف المنبئ عن عز اآلخذ وذل المأخوذ منه‬
‫قد اختلف علماء السلف أن األنبياء تشاركه في ذلك أم يختص به دونهم فقال باألول الحسن البصري‬
‫وبالثاني سفيان بن عيينة‬
‫وأما صدقة التطوع ففي تحريهما عليه وعلى آله أربعة أقوال أحدها نعم‬
‫وثانيها ال وإ نما كان عليه الصالة والسالم يمنع عنها ترفعا‬
‫وأصحها تحرم عليه دونهم‬
‫ورابعها يحرم عليهم الخاصة دون العامة أي كالمساجد ومياه اآلبار‬
‫وأبدى الماوردي وجها اختاره إن ما كان منها أمواال متقومة كانت محرمة عليه {صلى اهلل عليه‬
‫وسلم} دون ما كان منها غير متقوم فتخرج صلواته في المساجد وشربه ماء زمزم وبئر رومة‬
‫وحكى الرافعي هنا الخالف من وجهين فقال ومن المحرمات‬
‫الصدقة في أظهر الوجهين على ما سبق في قسم الصدقات وتبع في حكاية الخالف كذلك اإلمام هنا‬
‫والطبري صاحب العدة‬
‫وكذا حكاه العجلي في شرح الوسيط والجرجاني في الشافي‬
‫لكن الذي سبق من كالم الرافعي في قسم الصدقات أن الخالف قوالن وهو الصواب المذكور في‬
‫بعض نسخ الرافعي هنا وفي الروضة أيضا‬
‫فقد قال الماوردي في كتاب الوقف إنهما منصوصان في األم‬
‫( فرع ) حكى ابن الصالح عن أمالي أبي الفرج السرخسي أن في صرف الكفارة والنذر إلى‬
‫الهاشمي قولين والظاهر جريانهما في المطلبي أيضا ألنه في معناه‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫الثانية كان {صلى اهلل عليه وسلم} ال يأكل البصل والثوم والكراث وما له رائحة كريهة من البقول‬
‫وفي الصحيحين من حديث جابر أنه {صلى اهلل عليه وسلم} أتي بقدر فيه خضروات من البقول فوجد‬
‫لها ريحا فسأل فأخبر من البقول فقال قربوها إلى بعض أصحابه فلما رآه كره أكلها فقال ( كل فإني‬
‫أناجي من ال تناجي )‬
‫وهل كان ذلك حراما عليه فيه وجهان‬
‫أحدهما وبه جزم الماوردي نعم كيال يتأذى به الملك‬

‫وأشبههما ال وإ نما كان {صلى اهلل عليه وسلم} يمتنع منه ترفعا‬
‫وفي صحيح مسلم من حديث أبي أيوب أحرام هو قال ( ال‬
‫ولكني أكرهه من أجل ريحه )‬
‫قال فإني أكره ما كرهت‬
‫قال وكان النبي {صلى اهلل عليه وسلم} يؤتى ‪ -‬يعني يأتيه جبريل بالوحي ‪-‬‬
‫وهذا صريح في نفي التحريم وإ ثبات الكراهة‬
‫وفي مسند أحمد وسنن أبي داود بسند صالح من حديث عائشة رضي اهلل عنها أنها سئلت عن أكل‬
‫البصل فقالت آخر طعام أكله رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} فيه بصل‬
‫ولما ذكر ابن الصالح حديث أبي أيوب قال إنه يبطل وجه التحريم اعترض عليه صاحب المطلب‬
‫وقال فيه نظر من جهة أن حديث أبي أيوب كان في ابتداء الهجرة والنهي عن أكل الثوم كان عام‬
‫خيبر كما رواه البخاري في صحيحه‬
‫قلت لكن في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري في قصة خيبر أيضا لكنه لما نهى عن أكل الشجرة‬
‫الخبيثة قال الناس حرمت حرمت‬
‫فبلغ ذلك رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} فقال ( يا أيها الناس إنه ليس بي تحريم ما أحل اهلل لي‬
‫ولكم ولكنها شجرة أكره ريحها )‬
‫الثالثة أنه عليه الصالة والسالم كان ال يأكل متكئا‬
‫ففي صحيح البخاري من حديث أبي جحيفة رضي اهلل عنه قال كنت عند رسول اهلل {صلى اهلل عليه‬
‫وسلم} فقال لرجل عنده ( أنا ال آكل وأنا متكئ )‬
‫وفي شعب اإليمان للبيهقي عن يحيى بن أبي كثير أنه عليه الصالة والسالم قال آكل كما يأكل العبد‬
‫وأجلس كما يجلس العبد فإنما أنا عبد‬
‫وأسنده في دالئله وسننه من حديث ابن عباس ولفظه ( بل أكون عبدا نبيا )‬
‫قال فما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئا حتى لقي اهلل‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫وله طرق أوضحتها في تخريجي ألحاديث الرافعي فراجعها منه‬
‫وهل كان ذلك حراما عليه أو مكروها كما في حق األمة فيه وجهان‬
‫أشبهها ‪ -‬كما قال الرافعي ‪ -‬الثاني‬
‫وجزم باألول صاحب التلخيص أي لما فيه من الكبر والعجب وعلل األول بأنه لم يثبت فيه ما يقتضي‬
‫التحريم‬
‫واجتناب رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} الشيء واختياره غيره ال يدل على كونه محرما عنده‬
‫إذا تقرر ذلك‬
‫فما المراد بالمتكئ فيه خالف‬

‫قال الخطابي المراد به هنا الجالس المعتمد على وطاء تحته وأقره عليه البيهقي في سننه‬
‫وأنكره عليه ابن الجوزي وقال المراد به المائل على جنب‬
‫وأما صاحب الشفاء ففسره بما قاله الخطابي ثم قال وليس هو الميل على شق عند المحققين وكذا قال‬
‫ابن دحية في كتابه المستوفى في أسماء المصطفى إن االتكاء في اللغة هو التمكن في األكل‬
‫الرابعة الخط والشعر قال تعالى وال تخطه بيمينك اآلية‬
‫وقال تعالى وما علمناه الشعر وما ينبغي له اآلية‬
‫وهما حرامان عليه‬
‫قال الرافعي وإ نما يتجه القول بتحريمهما ممن يقول إنه كان يحسنهما‬
‫وقد اختلف فيه فقيل كان يحسنهما ويمتنع منهما واألصح أنه كان ال يحسنهما‬
‫قال النووي في الروضة وال يمتنع تحريمهما وإ ن لم يحسنهما ويكون المراد تحريم التوصل إليهما‬
‫وتمسك القائل بأنه كان يحسن الكتابة بما رواه البخاري أنه عليه الصالة والسالم كتب هذا ما صالح‬
‫عليه محمد بن عبد اهلل ويجاب بأنه أمر بها ووقع في أطراف ابي مسعود الدمشقي أنه عليه الصالة‬
‫والسالم أخذ الكتاب وليس يحسن أن يكتب فكتب مكان رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} محمدا‬
‫وكتب هذا ما قاضى عليه محمد‬
‫وقال ابن دحية في‬
‫كتاب التنوير بعد أن عزاها إليه وهي زيادة منكرة ليست في الصحيحين‬
‫قال وذكر عمر بن شبة في كتاب الكتاب له أنه عليه الصالة والسالم كتب يوم الحديبية بيده ومحى‬
‫في قوله إلى أنه قصد الكتاب عالما به في ذلك الوقت ولم يعلمه قبله وأن ذلك من معجزاته أن يعلم‬
‫الكتابة في وقته ألن ذلك خرق للعادة‬
‫وقال بهذا القول بعض المحدثين منهم أبو ذر الهروي وأبو الفتح النيسابوري والقاضيـ أبو الوليد‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫الباجي وصنف في ذلك كتابا‬
‫وقيل إنه كتب في ذلك اليوم غير عالم بالكتابة وال مميز لحروفها لكنه أخذ القلم بيده فخط به ما لم‬
‫يميزه هو فإذا هو كتاب ظاهر بين على حسب المراد‬
‫قال وذهب إلى ذلك القاضي أبو جعفر السمناني األصولي‬
‫قال القاضي أبو الوليد كان من أوكد معجزاته أن يكتب من غير تعلم‬

‫قال ابن دحية وهذا كله ليس بشيء‬


‫وقد رد على القاضي أبي الوليد وخطأه في جزء كبير ابن مفوز العالم ثم حكى حكاية عظيمة في ذلك‬
‫رؤيا‬
‫قلت وحديث مجالد حدثني عون بن عبد اهلل عن أبيه قال ( ما مات رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم}‬
‫حتى كتب وقرأ )‬
‫وهاه البيهقي أنه حديث منقطع وفي رواته جماعة من الضعفاء والمجهولين‬
‫قلت وقد وقع مثله في قوله تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقواـ اآلية‬
‫وما روي عنه {صلى اهلل عليه وسلم} من الرجز كقوله‬
‫هل أنت إال أصبع دميت‬
‫قال األخفش إنه ليس بشعر وقيل إنه عليه الصالة والسالم لم يقصده وإ نما وقع مرجزا وال يسمى‬
‫شعرا وال قائله شاعرا‬
‫قال الحربي ولم يبلغني أنه عليه الصالة والسالم أنشد بيتا كامال على رويه بل الصدر كقول لبيد‬
‫أال كل شيء ما خال اهلل باطل‬
‫أو العجز كقول طرفة‬
‫ويأتيك باألخبار من لم تزود‬
‫فإن أنشد بيتا كامال غيره قال يوما‬
‫أتجعل نهبي ونهب العبيد‬
‫بين األقرع والعيينة‬
‫فقيل له إنما هو بين العيينة واألقرع‬
‫قال ( إنما هو بين األقرع والعيينة ) فقال أبو بكر أشهد أنك رسول اهلل ثم قرأ وما علمناه الشعر اآلية‬
‫وال فرق في الخط بين العربي وغيره وألحق الماوردي بقول الشعر‬
‫روايته وبالكتابة القراءة أي في الكتاب لقوله تعالى وما كنت تتلو من قبله من كتاب اآلية‬
‫وعبارة القضاعي في عيون المعارف إن من خصائصه أنه لم يكن له أن يقول شعرا وال أن يتعلمه‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫( فائدة ) جميع كتابات األمم اثنا عشرة كتابة العربية والحميرية واليونانية والفارسية والسريانية‬
‫والعبرانية والرومية والقبطية والبربرية واألندلسية والهندية والصينية‬
‫ذهب منها خمس فال تعرف اليوم الحميرية واليونانية‬
‫والقبطية والبربرية واألندلسية وثالث بقيت في بالدها وال تعرف في بالد اإلسالم الرومية والهندية‬
‫والصينية‬
‫وبقيت أربع تستعمل في بالد اإلسالم العبرانية والفارسية والسريانية والعربية‬
‫كذا قيل وال يخلو بعضه من نزاع‬
‫واختلف في أول من خط بالعربية‬

‫قيل إسماعيل عليه السالم والصحيح مرامر بن مرة من أهل األنبار‬


‫وقيل إنه من بني مرة ومن األنبار‬
‫ثم انتشرت كتابة العربية في الناس‬
‫الخامسة كان يحرم عليه إذا لبس ألمته أن ينزعها حتى يلقى‬
‫العدو ويقاتل‬
‫ففي سنن البيهقي مرسال ( ال ينبغي لنبي إذا أخذ ألمة الحرب وأذن في الناس بالخروج إلى العدو أن‬
‫يرجع حتى يقاتل )‬
‫ثم قال وقد كتبناه موصوال بإسناد حسن فذكره من رواية ابن عباس‬
‫وأخرج اإلمام أحمد من حديث أبي الزبير عن جابر‬
‫وذكره البخاري في صحيحه في باب المشاورة بغير إسناد‬
‫وقوله في الحديث ( ألمته ) بالهمزة‬
‫كما قيده صاحب المشارق وغيره‬
‫وقال ابن دحية في كتابه ( نهاية السول في خصائص الرسول {صلى اهلل عليه وسلم} ) كذا سمعته‬
‫وأرويه‬
‫قال ابن فارس الألمة مهموزة الدرع‬
‫قال كذا قيدتها بالهمز في كتاب فقه اللغة إال أنه جعله الدرع التامة وكذا قيدته أيضا في كفاية المتحفظ‬
‫لألجدابي بالهمز وجمعها ألم ألم كتمرة وتمر ويجمع أيضا على لؤم بوزن نفر على غير قياس كما‬
‫قال الجوهري كأنه جمع لؤمة بضم الالم واستألم الرجل لبس الألمة‬
‫ثم ما جزمنا به من تحريم النزع عليه حتى يقاتل هو المشهور وعن رواية الشيخ أبي علي أن ذلك‬
‫كان مكروها ال محرما قال اإلمام وهذا بعيد غير موثوق‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫قال البغوي وقد قيل بناء عليه إنه كان ال يبتدئ تطوعا إال لزمه إتمامه‬
‫السادسة كان يحرم عليه مد العين إلى ما متع به الناس لقوله تعالى وال تمدن عينيك اآلية‬
‫نقله الرافعي عن صاحب‬
‫اإلفصاح ورواية في التلخيص مجزوما ولذا جزم به النووي في أصل الروضة‬
‫السابعة كان يحرم عليه خائنة األعين ألنه {صلى اهلل عليه وسلم} لما كان يوم فتح مكة آمن الناس إال‬
‫ستة منهم عبد اهلل بن أبي سرح فاختبأ عند عثمان‬

‫رضي اهلل عنه فلما دعا رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على‬
‫النبي {صلى اهلل عليه وسلم} فقال يا نبي اهلل بايع عبد اهلل فرفع رأسه فنظر إليه ثالثا كل ذلك يأبى‬
‫فبايعه بعد ذلك ثم أقبل إلى أصحابه فقال ( أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين رآني كففت‬
‫عن مبايعته فيقتله )‬
‫فقالوا يا رسول اهلل ما ندري ما في نفسك أال أومأت إلينا بعينك قال ( إنه ال ينبغي لنبي أن يكون له‬
‫خائنة األعين )‬
‫رواه أبو داود والنسائي من حديث سعد بن أبي وقاص‬
‫وقال الحاكم حديث صحيح على شرط مسلم‬
‫واختلف في المراد بخائنة األعين كما قال ابن الصالح في مشكله فقيل هي اإليماء بالعين وقيل‬
‫مسارقة النظر وعبارة الرافعي هي اإليماء إلى مباح من ضرب أو قتل على خالف ما يظهر ويشعر‬
‫به الحال‬
‫وإ نما قيل لها خائنة األعين تشبيها بالخيانة من حيث إنه يخفى خالف ما يظهر وال يحرم ذلك على‬
‫غيره إال في محظور‬
‫واستدل به صاحب التلخيص على أنه لم يكن له أن يخدع في الحرب‬
‫وخالفه المعظم كما قال الرافعي معلال بأنه اشتهر أنه كان إذا أراد سفرا ورى بغيره وهو في‬
‫الصحيح من حديث كعب بن مالك‬
‫وصح أنه {صلى اهلل عليه وسلم} قال ( الحرب خدعة ) وهو بفتح الخاء لغة النبي {صلى اهلل عليه‬
‫وسلم}‬
‫والفرق أن الرمز يزري برامزه بخالف اإلبهام في األمور العظام‬
‫الثامنة اختلف أصحابنا هل كان يحرم عليه أن يصلي على من عليه دين على وجهين‬
‫وفي جوازه مع وجود الضامن على طريقين حكاهما‬
‫أبو العباس في الجرجانيات فيما حكاه الرافعي عنه‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫قال النووي في الروضة بعد أن حكى الخالف في الثانية وجهين على خالف من كونه طريقين‬
‫والصواب الجزم بجوازه مع الضامن ثم نسخ التحريم‬
‫فكان النبي {صلى اهلل عليه وسلم} يصلي على من عليه دين وال ضامن له ويوفيه من عنده‬
‫واألحاديث الصحيحة مصرحة بذلك‬
‫التاسعة كان يحرم عليه {صلى اهلل عليه وسلم} أن يمن ليستكثر ومعناه أن يعطي شيئا ليأخذ أكثر منه‬
‫قال اهلل تعالى وال تمنن تستكثر‬
‫قال المفسرون ذلك خاص به عليه الصالة والسالم كما نقله الرافعي‬

‫القسم الثاني المحرمات المتعلقة بالنكاح‬


‫وفيه مسائل‬
‫األولى إمساك من كرحت كرهت نكاحه ورغبت عنه واستشهد له بما رواه البخاري في صحيحه من‬
‫حديث عائشة رضي اهلل عنها أن ابنة الجون لما دخلت على رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} ودنا‬
‫منها فقالت أعوذ باهلل منك فقال ( لقد عذت بعظيم الحقي بأهلك )‬
‫وفي رواية ابن سعد علمها نساؤه ذلك‬
‫ولكن إسنادها ضعيف‬
‫وفي مستدرك الحاكم أن المعلم لها ذلك إما عائشة وإ ما حفصة وقد أوضحت طرق هذا الحديث أحسن‬
‫إيضاح في تخريجي ألحاديث الرافعي‬
‫وذكرت في اسم هذه المستعيذة سبعة أقوال فاستفد ذلك منه‬
‫فإنه ال يوجد لك ذلك في غيره‬
‫وفهم مما ذكرناه أنه حرم عليه نكاح نكاح كل امرأة كرهت صحبته وجدير أن يكون األمر كذلك لما‬
‫فيه من اإليذاء ويشهد لذلك إيجاب التخيير المتقدم‬
‫ومن أصحابنا من قال إنما كان يفارقها تكرما‬
‫وهو غريب كما في الرافعي‬
‫الثانية نكاح الحرة الكتابية حرام عليه‬
‫قال اهلل تعالى وأزواجه أمهاتهم اآلية‬
‫وقال {صلى اهلل عليه وسلم} ( سألت ربي عز وجل أن ال أزوج أحدا من أمتى وال أتزوج إال كان‬
‫معي في الجنة فأعطاني )‬
‫رواه الحاكم في مستدركه من‬
‫حديث ابن أبي أوفى وقال صحيح اإلسناد‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫وفي البيهقي من حديث حذيفة أنه قال المرأته إن سرك أن تكوني زوجتي في الجنة فال تزوجين‬
‫بعدي فإن المرأة في الجنة آلخر أزواجها في الدنيا فلذلك حرم على أزواج النبي {صلى اهلل عليه‬
‫وسلم} أن ينكحن بعده ألنهن أزواجه في الجنة‬
‫ولما تكلم القاضي حسين في فضل عائشة رضي اهلل عنها على فضل فاطمة رضي اهلل عنها قال إن‬
‫فاطمة قالت لها أنا أفضل منك ألني بضعة من رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} فقال عائشة رضي‬
‫اهلل عنها أما في أمور الدنيا فاألمر كما تقولين لكن الفخر في اآلخرة فأنا أكون مع النبي {صلى اهلل‬
‫عليه وسلم} في درجته في الجنة وأنت تكونين مع علي في درجته في الجنة فانظري الفضل بين‬
‫الدرجتين فبكت فاطمة حين عجزت عن الجواب فقامت عائشة وقبلت رأسها وقالت ليتني شعرة في‬
‫رأسك‬

‫اذا تقرر ذلك فالجنة حرام على الكافرين وألنها تكره صحبته وألنه أشرف من أن يضع ماءه في‬
‫رحم كافرة‬
‫وعبارة القاضي حسين إنه ال يجوز له أن يفرغ ماءه في رحمها وألن اهلل تعالى شرط في إباحة‬
‫النساء الهجرة فقال ( الالتي هاجرن معك )‬
‫فإذا حظر عليه عليه الصالة والسالم غير المهاجرة فأولى أن يحرم عليه من لم تسلم ولم تهاجر‬
‫وخالف أبو إسحاق من أصحابنا فقال ال يحرم عليه نكاحها كما في حق األمة وحكمه عليه الصالة‬
‫والسالم في النكاح أوسع من حكم أمته وهي حالل لهم فله أولى‬
‫وهذا القائل يقول لو نكحت كتابية لهديت إلى اإلسالم كرامة له عليه الصالة والسالم‬
‫وفي الحاوي أنه عليه الصالة والسالم استمتع بأمته ريحانة بنت عمرو اليهودية بملك اليمين ‪ -‬وهي‬
‫من سبي بني قريظة ‪ -‬بعد أن عرض عليها اإلسالم فأبت ثم أسلمت بعد ذلك وهذا دليل للقائل بجواز‬
‫التسري باألمة الكتابية كما سيأتي‬
‫وعلى هذا الوجه فهل عليه تخييرها بين أن تسلم فيمسكها أو تقيم على دينها فيفارقها فيه وجهان‬
‫حكاهما‬
‫الماوردي‬
‫أحدهما نعم لتكون من زوجاته في اآلخرة‬
‫والثاني ال ألنه لما عرض على ريحانة اإلسالم فأبت لم يزلها عن ملكه وأقام على االستمتاع‬
‫الثالثة في تسريه باألمة الكتابية الخالف المذكور قبله لكن األظهر هنا الحل كما قاله الرافعي في‬
‫الكبير وبه أجاب الشيخ أبو حامد وما ذكرناه عن الماوردي في ريحانة يقويه‬
‫الرابعة اختلف أصحابنا في تحريم األمة المسلمة على وجهين‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫أحدهما عن ابن أبي هريرة ال تحرم عليه كما في حق أمته وهو عليه الصالة والسالم أوسع نكاحا من‬
‫أمته‬
‫وأصحهما يحرم ألن جوازه مشروط بخوف العنت وهو عليه الصالة والسالم معصوم وبفقدان طول‬
‫الحرة ونكاحه عليه الصالة والسالم غير مفتقر إلى المهر ابتداء وانتهاء‬
‫وألن من نكح أمة كان ولده رقيقا ومنصبه عليه الصالة والسالم منزه عن عن ذلك‬
‫وبهذا قطع جماعة وادعى الماوردي أنه ال خالف فيه‬

‫قال الرافعي لكن من جوز ذلك قال خوف العنت إنما يشترط في حق األمة وفي اشتراط فقدان الطول‬
‫تردد‬
‫عن الشيخ أبي محمد وغيره على وجه الجواز قال اإلمام فإن شرطناه لم تجز الزيادة على أمة واحدة‬
‫وإ ال جازت‬
‫الخامسة إذا قلنا بنكاح األمة فأتت بولد لم يكن رقيقا على الصحيح وإ ن قلنا بجريان الرق على العرب‬
‫على قول وفي لزوم قيمة هذا الولد لسيدها وجهان‬
‫قال أبو عاصم العبادي نعم رعاية لحقه وقال القاضي حسين ال بخالف ولد المغرور ألن هناك فات‬
‫الرق بظنه‬
‫وهنا الرق متعذر‬
‫قال صاحب المطلب وفيه نظر مع القول بانعقاده حرا‬
‫قال الرافعي ويوافق ما ذكره القاضي وما حكاه اإلمام أنه لو قدر نكاح غرور في حقه عليه الصالة‬
‫والسالم لم تلزمه قيمة الوليد ألنه ‪ -‬مع العلم بالحال ‪ -‬ال ينعقد رقيقا كما في حق غيره‬
‫قال اإلمام وهذا هذيان ال يحل اعتقاده‬
‫وطرد الحناطي الوجهين في أنه هل يحل له نكاح األمة الكتابية‬
‫قال النووي في أصل الروضة والمذهب التحريم يعني القطع به‬
‫قال صاحب المطلب وفي إمكان تصور نكاح الغرور ووطء النبي {صلى اهلل عليه وسلم} فيه نظر إذا‬
‫قلنا إن وطء الشبهة حرام مع كونه ال إثم فيه فيجوز أن يصان جانبه العلي عن ذلك ويجوز أن يقال‬
‫اإلثم مفقود باإلجماع وعند اهلل يصير كفعل الشيء على النسيان ونحوه‬
‫قلت واإلمساك عن الخوض في هذا أسلم ولو حذفته لكان أولى لكن تتبعت األصحاب فيه‬
‫النوع الثالث ما اختص به من المباحات والتخفيفات‬
‫توسعة عليه وتنبيها على أنه ما خص به من اإلباحة ال تلهيه عن طاعة اهلل وإ ن ألهى غيره‬
‫وهو قسمان أيضا متعلق بغير النكاح ومتعلق به‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫واعلم أن معظمها لم يفعلها مع إباحتها له وليس المراد بالمباح هنا ما استوى طرفاه بل ما ال حرج‬
‫في فعله وال في تركه‬
‫فإنه عليه الصالة والسالم واصل وسيأتي أن اإلمام قال إنه قربة في حقه وكذا صفى المغنم‬
‫واالستبداد بالخمس كما سيأتي قد يكون راجح الفعل لصرفه في أهم المصالح وقد يكون راجح الترك‬
‫لفقد هذا المعنى‬

‫ودخول مكة بغير إحرام قد يترجح فعله وقد يترجح تركه ‪ -‬وكذا الزيادة على األربع في القسم الثاني‬
‫ال يساوى فيه ‪ -‬فإن أفعاله وأقواله كلها راجحة مثاب عليها فيما نظنه حتى في أكله وشربه ألن‬
‫الواحد منا يندب له أن يقصد وجه اهلل بذلك وهو بذلك أولى واهلل أعلم‬
‫القسم األول المباحات له في غير النكاح‬
‫وفيه مسائل‬
‫المسألة األولى الوصال في الصوم أبيح له {صلى اهلل عليه وسلم} قال القضاعي دون غيره من‬
‫األنبياء‬
‫واختلف فيه في حقنا‬
‫قال {صلى اهلل عليه وسلم} لما قيل له إنك تواصل قال ( إني لست مثلكم إني أطعم وأسقى )‬
‫متفق على صحته‬
‫كذا قاله الشافعي والجمهور أنه من المباحات وقال اإلمام هو قربة في حقه‬
‫قال ابن حبان في صحيحه وفي هذا الحديث دليل على أن األخبار التي فيها ذكر وضع النبي {صلى‬
‫اهلل عليه وسلم} الحجر على بطنه كلها أباطيل‬
‫وإ نما معناه الحجر ال الحجر والحجز طرف اإلزار إذ اهلل عز وجل كان يطعم نبيه ويسقيه إذا واصل‬
‫فكيف يترك جائعا مع عدم الوصال حتى يحتاج على شد حجر على بطنه‬
‫وما يغني الحجر عن الجوع‬
‫قلت قد ذكر هو في صحيحه حديث ابن عباس خرج أبو بكر رضي اهلل عنه بالهاجرة إلى المسجد‬
‫فسمع بذلك عمر ‪ -‬يعني فخرج ‪ -‬فقال يا أبا بكر ما أخرج هذه هذه الساعة قال ما أخرجني إال ما‬
‫أجد من حاق الجوع‬
‫قال ( أنا واهلل ما أخرجني غيره فقوما ) ثم ذكر ما في الحديث‬
‫( تنبيه ) قد اشتهر عن كثير من العلماء الوصال فلعل وصالهم جاء من غير قصد إليه بل اتفق ترك‬
‫تناول المفطر لغفلة عنه أو االشتغال باالستغراق في المعارف ونحن نشاهد الترك عند اشتغال القلب‬
‫بما يسر أو يحزن فكيف بذلك على هذا تكون الخصوصية له {صلى اهلل عليه وسلم} على كل أمته ال‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫على أحد أفرادها والنهي توجه بحسب المجموع ألنه مشرع نبه عليه صاحب المطلب‬
‫المسألة الثانية اصطفاء ما يختاره من الغنيمة قبل قسمتها من جارية أو غيرها ويسمى المختار‬
‫الصفي والصفية والجمع الصفايا‬
‫ومن صفاياه {صلى اهلل عليه وسلم} صفية بنت حيي اصطفاها وأعتقها وتزوجها كما أخرج‬

‫البخاري ومسلم من حديث أنس رضي اهلل عنه وفي سنن أبي داود من حديث عائشة رضي اهلل عنها‬
‫أنها من الصفي وأخرجه عن قتادة أيضا‬
‫قال أبو عمر سهم الصفي مشهور في صحيح اآلثار معروف‬
‫عند أهل العلم وال يختلف أهل السير في أن صفية منه‬
‫وأجمع العلماء على أنها خاص به‬
‫قلت حكى القرطبي عن بعض العلماء أنه قال هو لألئمة بعده‬
‫واعلم أن في الصحيح أيضا أنها صارت لدحية الكلبي فاشتراها بسبعة رؤوس فيحتاج إلى تأويل ما‬
‫قاله أهل السير أو إلى تأويلها‬
‫وقد يجاب أن الشراء ليس على حقيقته‬
‫وذكر الرافعي أن ذا الفقار كان من الصفي‬
‫وروى أحمد والطبراني والترمذي وابن ماجة من حديث ابن عباس رضي اهلل عنهما أنه عليه الصالة‬
‫والسالم تنفله يوم بدر‬
‫قال الترمذي حسن غريب وأخرجه الحاكم وقال إنه صحيح اإلسناد‬
‫قال واألخبار أنه من خيبر واهية‬
‫وفي الطبراني الكبير من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف أن الحجاج بن عالط أهداه له‬
‫والفقار مفتوح الفاء قال الخطابي والعامة تكسرها وأصل الفقار عظام الظهر ومفرده فقارة بالفتح‬
‫وفقرة‬
‫قال ابن األثير في نهايته هي خرزات الظهر‬
‫قال وفي حديث زيد بن ثابت ( ما بين عجب الذنب إلى فقاره واحد وثالثون دينارا )‬
‫( فائدة ) هذا السيف كان للعاص بن منبه أوال فقتل وأخذه عليه الصالة والسالم وأعطاه لعلي رضي‬
‫اهلل عنه وانتقل في أوالده‬
‫ورآه‬
‫األصمعي عند الرشيد متقلدا وبه ثمان عشرة فقارة‬
‫وحكى اإلمام قبل كتاب قسم الصدقات وجهين في أن الصفي كان للنبي {صلى اهلل عليه وسلم} خارجا‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫من سهمه أو كان محسوبا عليه من سهمه‬
‫المسألة الثالثة االستبداد بخمس من خمس الفيء والغنيمة وبأربعة أخماس الفيء منفرد بذلك وله مع‬
‫خمس الغنيمة سهم كسهام الغانمين‬
‫قال تعالى واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن هلل خمسه اآلية‬
‫وعن عمرو بن عنبسة قال قال رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} ( ال يحل لي من غنائمكم مثل هذا‬
‫إال الخمس والخمس مردود فيكم )‬
‫رواه أبو داود والحاكم وهو على شرط البخاري‬

‫وادعى الماوردي أنه كان له أوال جميع الفيء كما كان له جميع الغنيمة ولم يزل األمر على ذلك إلى‬
‫أن أنزل اهلل تعالى ما أفاء اهلل على رسوله اآلية‬
‫وفي الغنيمة واعلموا أنما غنمتم من شيء اآلية‬
‫ووراء ذلك ( وجه ) يشير إليه كالم الفوراني إن الخمس من الخمس يصرف بعد رسول اهلل {صلى‬
‫اهلل عليه وسلم} إلى خليفة الزمان قال اإلمام ولم يصح عندي نسبته إلى أحد من األصحاب وعلى هذا‬
‫الوجه ‪ -‬إن صح ‪ -‬ال خصوصية‬
‫وأفاده صاحب المغني من الحنابلة أن له عليه الصالة والسالم خمس الخمس وإ ن لم يحضر‬
‫المسألة الرابعة دخول مكة بغير إحرام‬
‫نقله صاحب التلخيص وغيره‬
‫وفي جوازه لغيره من غير عذر خالف‬
‫ودليل ما ذكرناه ما أخرجه مسلم من حديث جابر رضي اهلل عنه ( أن رسول اهلل {صلى اهلل عليه‬
‫وسلم} دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء من غير إحرام ) وعبر القضاعي في عيون المعارف‬
‫بالحرم بدل مكة وهو المراد هنا وذكر أن ذلك مما خص به دون من قبله من األنبياء‬
‫وذكر ابن الرفعة في الكفاية في أوائل الحج وغيره أن من دخل مكة مقاتال لباغ أو قاطع طريق أو‬
‫خائفا من ظالم ال يلزمه اإلحرام‬
‫واستدل بأنه عليه الصالة والسالم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر ولو كان محرما لم يلبسه‬
‫وقد كان خائفا من غدر الكفار وعدم قبولهم الصلح الواقع بينه وبين أبي سفيان‬
‫وقد علمت أن االستدالل بذلك ليس بجيد ألجل هذه الخصوصية الواقعة في حقه {صلى اهلل عليه‬
‫وسلم} ثم قوله ولو كان محرما لم يلبسه وقد كان خائفا من غدرهم كالم ال يلتئم‬
‫فإن المحرم الخائف يباح له اللبس قطعا وحديث جابر الذي سقناه صريح في الداللة‬
‫ثم تعليله ترك اإلحرام واللبس بالخوف كيف يلتئم مع قوله تعالى واهلل يعصمك من الناس اآلية‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫وفي الحديث لما نزلت هذه اآلية ترك الحرس‬
‫المسألة الخامسة القتل في الحرم‬
‫فإنه قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة كذا رأيت في التلخيص البن القاص وتبعه القضاعي‬
‫وقال إنه خص به من بين سائر األنبياء‬
‫وفي الخصوصية نظر‬

‫ألن ابن خطل صاحب جرم والحرم ال يعيذ عاصيا وال فارا بدم وال فارا‬
‫بخربة كما ثبت في الصحيح‬
‫وقد قيل إن ابن خطل كان قد بعثه رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} في وجه مع رجل من األنصار‬
‫أمر عليه فلما كان في بعض الطريق وثب على أميره األنصاري فقتله‬
‫المسألة السادسة أن ماله ال يورث عنه قال {صلى اهلل عليه وسلم} ( ال نورث ما تركناه صدقة )‬
‫متفق على صحته من حديث جماعة‬
‫ثم فيه وجهان أحدهما أنه صدقة للحديث المذكور وبه قطع أبو العباس الروياني وقال الرافعي في‬
‫الشرح الصغير إنه المشهور وعلى هذا هل يكون وقفا على ورثته فيه وجهان حكاهما أبو العباس‬
‫أيضا فإن جعلناه وقفا فهل هو الواقف فيه وجهان لقوله في الحديث ( ما تركناه صدقة ) وأصحهما‬
‫عند اإلمام أنه باق على ملكه ينفق منه على أهله كما كان عليه‬
‫الصالة والسالم ينفقه في حياته‬
‫ووجهه اإلمام بأن األنبياء أحياء‬
‫قال وكذلك كان الصديق رضي اهلل عنه ينفق منه على أهله وخدمه ويصرفه فيما كان يصرفه فيه في‬
‫حياته‬
‫قال النووي في الروضة وكل هذا ضعيف والصواب الجزم بأنه زال ملكه عنه عليه الصالة والسالم‬
‫وأن ما تركه فهو صدقة على المسلمين ال يختص به الورثة وكيف يصح غير ذلك مع الحديث‬
‫الصحيح فإنه نص على زوال الملك‬
‫ثم اعلم أن الرافعي ذكر في الباب األول من قسم الفيء والغنيمة أن خمس الفيء كان له عليه الصالة‬
‫والسالم ينفق منه على نفسه وأهله‬
‫وفي مصالحه ولم يكن يملكه ولم ينتقل منه إلى غيره إرثا وهذا حكم منه بأن جهة اإلنفاق غير‬
‫مملوكة خالف ما ذكره هنا‬
‫ومن غريب ما ذكره صاحب البيان في آخر إحياء الموات عن الشيخ أبي حامد‬
‫أن بعضهم قال إنه عليه الصالة والسالم ما كان يملك شيئا وال يتأتى منه الملك وإ نما أبيح له ما يأكله‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫وما يحتاج إليه‬
‫وغلط الشيخ أبو حامد لقوله تعالى ما أفاء اهلل على رسوله اآلية وقد أعتق صفية واستولد مارية‬
‫ثم ههنا أمور‬
‫أحدها عد الغزالي واإلمام هذه الخصلة من جملة التخفيفات‬

‫قال الرافعي كأن المعنى فيه أن جعلها صدقة تورث زيادة القربة ورفع الدرجات واألكثرون عدوها‬
‫من الكرامات‬
‫هوالرابع من خصائصه {صلى اهلل عليه وسلم} وتوجه ما ذكره اإلمام والغزالي بأنه‬
‫يجوز أن يكون له التصدق يجميع ماله بعد موته بخالف أمته كما أبداه بعضهم بحثا‬
‫ثانيها هذا ليس خاصا به {صلى اهلل عليه وسلم} من بين سائر األنبياء عليهم السالم‬
‫ففي السنن الكبرى للنسائي من حديث الزبير وغيره ( إنا معشر األنبياء ال نورث ما تركناه فهو‬
‫صدقة )‬
‫نعم يمتاز به من بين أمته‬
‫وأما القضاعي فلما ذكر خصائصه من بين سائر األنبياء قال ومنها أن ماله كان بعد موته قائما على‬
‫نفقته وملكه‬
‫ثالثها ما الحكمة في كون األنبياء عليهم الصالة والسالم ال يورثون‬
‫فيه أوجه أحدها لئال يتمنى قريبهم موتهم فيهلك بذلك‬
‫ثانيها لئال ينفر الناس عنهم ويظنوا فيهم الرغبة في الدنيا وجمعها لوراثهم بهم‬
‫ثالثها لئال يفتن بعض الذين أسلموا وتابعوهم بظنهم فيهم الرغبة والجمع لوراثهم‬
‫رابعها ما الجواب عن قوله تعالى فهب لي من لدنك وليا يرثني‬
‫ويرث من آل يعقوبـ ) اآلية‬
‫وقوله تعالى وورث سليمان داود اآلية‬
‫قلت المراد الوراثة في النبوة والعلم والدين ال في المال‬
‫وفي هذا رد على ما حكاه القاضي عياض عن الحسن البصري أنه قال عدم اإلرث منهم يختص‬
‫بنبينا {صلى اهلل عليه وسلم}‬
‫واستدل باآلية األولى وزعم أن المراد وراثة المال‬
‫قالوا ولو أراد وراثة النبوة لم يقل وإ ني خفت الموالي من ورائي إذ ال يخاف الموالي على النبوة ثم‬
‫استدل باآلية األخرى‬
‫والصواب الذي عليه جميع العلماء أن جميع األنبياء ال يورثون ويؤول ذلك بما سبق‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫خامسها قوله {صلى اهلل عليه وسلم} ( صدقة ) هو مرفوع خالفا لإلمامية حيث نصبوه قالوا ويورث‬
‫‪ -‬بمثناة تحت ‪ -‬أي ما تركناه صدقة فال يورث‬
‫( تنبيه ) هل يرث لم أر فيه نقال لكن في كتاب مشكل الحديث في أواخره قالوا حديث ينقضه القرآن‬

‫قالوا رويتم أن النبي {صلى اهلل عليه وسلم} قال ( إنا معاشر األنبياء ال نورث ما تركناه صدقة ومن‬
‫الدليل أيضا على أن رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} ال يورث أنه كان ال يرث‬
‫بعد أن أوحى اهلل إليه وإ نما كانت وراثته أبويه قبل الوحي‬
‫قلت وآية المواريث لم تشهد للسياق قبلها وبعدها والخطاب فيها للموروث والوارث‬
‫وفي عيون المسائل من ال وارث بماله في قوله عليه الصالة والسالم ( أنا وارث من ال وارث له‬
‫أعقل عنه وأرثه )‬
‫أنه خبر متروك الظاهر ألنه عليه الصالة والسالم ال يرث وال يعقل باإلجماع‬
‫قلت إن معناه أنه ال يأخذ المال أخذ الوارث إذا خال المال عن االستحقاق والموصى له مستحق المال‬
‫إذا إذا خال‬
‫المسألة السابعة كان له {صلى اهلل عليه وسلم} أن يقضي بعلمه وفي غيره خالف‬
‫واستدل له البيهقي بقصة هند في الصحيحين وقوله {صلى اهلل عليه وسلم} ( يكفيك وولدك بالمعروف‬
‫) وهذا بناء على أنه قضاء ال فتيا وفي ذلك اضطراب أوضحته في شرح العمدة‬
‫المسألة الثامنة كان له {صلى اهلل عليه وسلم} أن يحكم لنفسه ولولده على األصح‬
‫ألنه معصوم‬
‫وفي غيره وجه في حكمه لولده حكاه الماوردي وحكى معه وجها آخر أنه يجوز باإلقرار دون البينة‬
‫للتهمة في تسامحه بتعديلها وجعل القضاعي هذه الخصوصية واآلتية بعدها مما خص بهما من دون‬
‫سائر األنبياء‬
‫( فرع ) كان ال يكره في حقه الفتوى والحكم في حال الغضب ألنه ال يخاف عليه ما يخاف علينا‬
‫ذكره النووي في شرحه لمسلم في كتاب اللقطة‬
‫المسألة التاسعة كان يقبل شهادة من يشهد له كما قبل شهادة خزيمة لنفسه وقصته في أبي داود‬
‫والحاكم وصححهما وخالف ابن حزم‬
‫فأعلها‬
‫وادعى صاحب المطلب أنها في الصحيح مشهورة ومقتضى إطالق الحاوي الصغير أن من‬
‫خصائصه أيضا قبول شهادة من يشهد لولده أيضا وبه صرح البارزي في توضيحه الكبير‬
‫( فرع ) له أيضا أن يشهد لنفسه ولولده {صلى اهلل عليه وسلم}‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫( فرع ) لو قال عليه السالم لفالن على فالن كذا هل للسامع أن يشهد لفالن على كذا فيه وجهان عن‬
‫روضة الحكام للقاضي شريح‬
‫فأعلها‬

‫وادعى صاحب المطلب أنها في الصحيح مشهورة ومقتضى إطالق الحاوي الصغير أن من‬
‫خصائصه أيضا قبول شهادة من يشهد لولده أيضا وبه صرح البارزي في توضيحه الكبير‬
‫( فرع ) له أيضا أن يشهد لنفسه ولولده {صلى اهلل عليه وسلم}‬
‫( فرع ) لو قال عليه السالم لفالن على فالن كذا هل للسامع أن يشهد لفالن على كذا فيه وجهان عن‬
‫روضة الحكام للقاضي شريح‬
‫المسألة العاشرة كان له {صلى اهلل عليه وسلم} أن يحمي لنفسه ولم يقع ذلك منه ولو وقع لكان ذلك‬
‫أيضا لمصلحة المسلمين ألن ما كان مصلحة له فهو مصلحة لهم‬
‫وليس لألئمة بعده وال لغيرهم أن يحموا ألنفسهم كما هو مقرر في موضعه من كتب الفقه وذكر‬
‫القضاعي هذه الخصيصة فيما خص به دون من قبله من األنبياء‬
‫( فرع ) ما حماه {صلى اهلل عليه وسلم} للمسلمين ال ينقض بحال ألنه نص وقيل إن بقيت الحاجة‬
‫التي حمى لها لم ينقض وإ ن زالت فوجهان واألصح المنع أيضا ألنه تغيير المقطوع بصحته باجتهاد‬
‫أما اإلمام بعده فله نقض حماه للحاجة على األصح‬
‫المسألة الحادية عشرة له عليه الصالة والسالم أن يأخذ الطعام والشراب من مالكهما المحتاج إليهما‬
‫إذا احتاج إليهما وإ ن كان مالكهما محتاجا وعليه البذل ويفدي مهجته بمهجته عليه أفضل الصالة‬
‫والسالم‬
‫قال تعالى النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم‬
‫ومثله ما ذكره الفوراني وإ براهيم المروذي وغيرهما أنه لو قصده ظالم وجب على من حضره أن‬
‫يبذل نفسه دونه {صلى اهلل عليه وسلم} أي كما وقاه‬
‫طلحة بن عبيد اهلل رضي اهلل عنه بنفسه يوم أحد‬
‫وعد القضاعي هذه الخصوصية مما خص بها دون غيره من األنبياء‬
‫المسألة الثانية عشرة أنه يجب على أمته أن يحبوه أعلى درجات المحبة كما ثبت في الصحيح أنه‬
‫عليه الصالة والسالم قال ( ال يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله وماله ووالده وولده والناس‬
‫أجمعين )‬
‫وأسباب المحبة اإلجالل واإلعظام والكمال في الصفات‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫المعنوية والحسن واإلشفاق وهي كلها موجودة في حقه عليه الصالة والسالم فوجبت له المحبة‬
‫الكاملة‬

‫( فرع ) قال القاضي حسين يجب على المرء أن يكون جزعه وحزنه وقلقه على فراق النبي {صلى‬
‫اهلل عليه وسلم} من الدنيا أكثر من حزنه على فراق أبويه كما يجب عليه أن يكون عنده أحب إليه من‬
‫نفسه وأهله وماله‬
‫المسألة الثالثة عشرة كان ال ينتقض وضوءه بالنوم بخالف غيره ألن كانت تنام عيناه وال ينام قلبه‬
‫كما ورد في الصحيح‬
‫وفيه إشارة‬
‫على أن نوم العين المجردة ال ينقض الوضوء وفيه ( وجه غريب أنه ينقض كأمته )‬
‫( فائدة ) عد القضاعي هذه الخصوصية وهي نوم عينيه دون قلبه مما خص به دون األنبياء قبله‬
‫ووهم فيه ففي صحيح البخاري من حديث أنس في قصة اإلسراء ( وكذلك األنبياء تنام أعينهم وال‬
‫تنام قلوبهم )‬
‫( فائدة ) ذكر القاضي عياض في الشفاء في أوائل الباب الثالث في الكالم على شق البطن أن في‬
‫رواية إن جبريل قال قلب وكيع ‪ -‬أي شديد ‪ -‬فيه عينان تبصران وأذنان سميعتان‬
‫المسألة الرابعة عشرة في انتقاض وضوئه باللمس وجهان‬
‫قال النووي في الروضة والمذهب الجزم بانتقاضه‬
‫قلت لكن في النسائي الكبير من حديث القاسم عن عائشة رضي اهلل عنها قالت كان رسول اهلل {صلى‬
‫اهلل عليه وسلم}‬
‫ليصلي وإ ني لمعترضة بين يديه إعتراض الجنازة حتى إذا أراد أن يوتر مسني برجله‬
‫وإ سناده صحيح جليل وظاهره يؤيد عدم النقض‬
‫وفي مسند البزار من حديث عبد الكريم الجزري الجزري عن عطاء عن عائشة أن رسول اهلل {صلى‬
‫اهلل عليه وسلم} يقبل بعض نسائه ثم يخرج إلى‬
‫الصالة وال يتوضأ ثم قال ال نعلمه يروى عن النبي {صلى اهلل عليه وسلم} إال من رواية عائشة وال‬
‫نعلمه يروى عنها إال من حديث حبيب عن عروة ومن حديث عبد الكريم عن عطاء‬
‫قال عبد الحق وال أعلم لهذا الحديث علة توجب تركه وال أعلم فيه أكثر من قول يحيى بن معين‬
‫حديث عبد الكريم عن عطاء حديث فردي ألنه غير محفوظ‬
‫وانفراد الثقة بالحديث ال يضر فإما أن يكون قبل أن تنزل اآلية أو يكون أن المالمسة الجماع كما قال‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫ابن عباس رضي اهلل‬
‫عنهما‬

‫واحتج الشافعي رضي اهلل عنه بحديث لمس عائشة أخمص قدميه على أن طهر الملموس ال ينتقض‬
‫وهذا يؤذن بانتفاء الخصوصية وإ ال لما حسن االحتجاج به‬
‫المسألة الخامسة عشرة كان يجوز له أن يدخل المسجد جنبا‬
‫قاله صاحب التلخيص وفيه حديث في الترمذي حسنه مع الغرابة من طريق أبي سعيد ( يا علي ال‬
‫يحل ألحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك )‬
‫قلت وفي حسنه نظر ففيه سالم بن أبي حفصة وعطية العوفي وهما ضعيفان جدا شيعيان متهمان‬
‫ورواه البزار من حديث‬
‫سعد بن أبي وقاص والطبراني في أكبر معاجمه من حديث أم سلمة‬
‫قلت ومقتضىـ الحديث اشتراك علي رضي اهلل عنه معه في ذلك ولم يقل به أحد من العلماء‬
‫وذكر الترمذي عقب إيراده الحديث عن ضرار بن صرد أن معنى الحديث ال يحل ألحد يستطرقه‬
‫جنبا غيري وغيرك‬
‫وهذا التفسير فيه نظر ألن هذا الحكم ال يختص به بل أمته كذلك وأما القفال فإنه ال يسلم ذلك لصاحب‬
‫التلخيص بل قال ال أظنه صحيحا‬
‫وقال إمام الحرمين هذا الذي قاله صاحب التلخيص هوس ال ندري من أين قاله وال إلى أي أصل‬
‫أسنده فالوجه القول بتخطئته‬
‫قلت إسناده إلى رواية الترمذي وتحسينه له وذلك هو غاية الفقيه فال وجه لتخطئته وقد قوى النووى‬
‫مقالته‬
‫وذكر القضاعي هذه الخصوصية فيما خص بها من بين سائر األنبياء وعبر باللبث دون الدخول فقال‬
‫ومنها أنه أبيح له اللبث في المسجد في حال جنابته‬
‫المسألة السادسة عشرة قال ابن القاص كان يجوز له {صلى اهلل عليه وسلم} أن يلعن شيئا من غير‬
‫سبب يقتضيه ألن لعنته رحمة‬
‫واستبعده األئمة لكن في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه أن رسول اهلل {صلى اهلل‬
‫عليه وسلم} قال ( اللهم إني اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه فإنما أنا بشر فأي المؤمنين آذيته أو شتمته‬
‫أو لعنته فاجعلها له زكاة وصالة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة ) وفي رواية لهما ( إنما أنا بشر‬
‫أغضب كما يغضب البشر فأيما‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له صالة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة‬
‫واجعل ذلك كفارة له إلى يوم القيامة )‬
‫قال الرافعي وهذا قريب من جعل الحدود كفارات ألهلها قال العلماء وذلك في حق المسلمين كما‬
‫نطق به الخبر فإنه عليه الصالة والسالم دعا على الكفار والمنافقين ولم يكن لهم رحمة فإن قيل إن‬
‫كان‬
‫يستحق الدعاء فكيف يجعل رحمة لهم وإ ن كان ال يستحقه فكيف يدعو عليه الصالة والسالم من ال‬
‫يستحق الدعاء فالجواب من أوجه‬
‫أحدها أنه يجوز أن يكون مستحقا للدعاء عليه شرعا‬
‫ولكن رأفته عليه الصالة والسالم وشفقته تقتضي أن يدعو له الرتكاب ما نهى عنه‬
‫والعاصي أولى وأحق أن يدعى له وقد يكون الدعاء عليه سببا لزيادة عصيانه‬
‫وثانيها يجوز أن ال يكون مستحقا للدعاء في الباطن وهو مستحق له في الظاهر وهو عليه الصالة‬
‫والسالم إنما يحكم بالظاهر‬
‫وثالثها يجوز أن يكون المراد به ما صدر منه على صيغة الدعاء واللعن والسب وليس المراد به‬
‫حقيقته كما جرت به عادة العرب في كالمها‬
‫كقوله تربت يمينك وعقري حلقي‬
‫فخشي عليه الصالة‬
‫والسالم أن يصادف شيء من ذلك إجابة فسأل اهلل أن يجعل ذلك رحمة وكفارة‬
‫فإن قيل معنى الحديث السالف ( إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر ) وذلك يقتضي أن السب‬
‫واللعن للغضب قلت قال‬
‫الماوردي يحتمل أنه عليه الصالة والسالم أراد أن دعاءه وسبه وجلده كان مما خير فيه بين أمرين‬
‫أحدهما هذا والثاني زجره بأمر آخر يحمله الغضب هلل تعالى على أحد األمرين المخير فيهما وهو‬
‫السب واللعن والجلد فليس ذلك خارجا عن حكم الشرع‬
‫ومعنى اجعلها صالة أي رحمة كما في الرواية األخرى‬
‫وعد القضاعي هذه الخصيصة مما خص بها دون األنبياء قبله‬

‫المسألة السابعة عشرة قال ابن القاص وكان يجوز له القتل بعد األمان قال الرافعي وخطؤوه فيه‬
‫وقالوا من يحرم عليه خائنة األعين كيف يجوز له قتل من أمنه قلت ال جرم حذفها من الروضة‬
‫وقصة ابن خطل ال ينافيه فإنه عليه الصالة والسالم قال ( من دخل المسجد فهو آمن وكان أراق دمه‬
‫فقيل له ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال ( اقتلوه )‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫القسم الثاني التخفيفات المتعلقة بالنكاح‬
‫وفيه مسائل‬
‫المسألة األولى أبيح له {صلى اهلل عليه وسلم} الجمع بين أكثر من أربع نسوة وهو إجماع وقد مات‬
‫{صلى اهلل عليه وسلم} عن تسع زوجات كما سيأتي‬
‫وألنه لما كان الحر ‪ -‬لفضله على العبد ‪ -‬يستبيح من النسوة أكثر مما يستبيحه العبد وجب أن يكون‬
‫النبي {صلى اهلل عليه وسلم} لفضله على جميع األمة يستبيح من النساء أكثر مما تستبيحه األمة‬
‫قيل في قوله تعالى أم يحسدون الناس على ما أتاهم اهلل من فضله اآلية‬
‫إن المراد بالناس النبي {صلى اهلل عليه وسلم} وأنهم حسدوه في نكاح تسع نسوة وقالوا هال شغلته‬
‫النبوة عن النساء فأكذبهم اهلل تعالى وقال كان لسليمان الملك العظيم ولم يشغله عن النبوة وكان له ألف‬
‫حرة ومملوكة‬
‫وكان لداود عليه السالم تسع وتسعون زوجة حكاه اإلمام أبو نصر عبد الرحيم القشيري في تفسيره‬
‫المسمى بالتيسير في التفسير‬
‫وحكى القرطبي في تفسير هذه اآلية أنه أحل لنبينا عليه الصالة والسالم تسعا وتسعين امرأة‬
‫قيل خص {صلى اهلل عليه وسلم} بذلك ألنه حبب إليه من الدنيا الطيب والنساء وجعلت قرة عينه في‬
‫الصالة كما رواه النسائي من حديث أنس وصححه الحاكم على شرط مسلم ووقع في مطلب ابن‬
‫الرفعة أنه في الصحيح والظاهر وهمه‬
‫وفي إسناد الحديث مقال أوضحته في تخريج‬
‫أحاديث الرافعي‬
‫وقال الماوردي واختلف أهل العلم في تحبيب النساء إليه على قولين‬
‫أحدهما أنه زيادة في االبتالء والتكليف حتى ال يلهو بما حبب إليه من النساء عما كلف به من أداء‬
‫الرسالة وال يعجز عن تحمل أثقال النبوة فيكون تلك أكثر لمشاقه وأعظم ألجره‬

‫والثاني ليكون مع من يشاهدها من نسائه فيزول عنه ما يرميه المشركون من أنه ساحر أو شاعر‬
‫فيكون تحبيبه لهن على هذا القول للطف به‬
‫ويحتمل قوال ثالثا وهو الحث ألمته عليه لما فيه من النسل الذي تحصل به المباهاة يوم القيامة‬
‫ورابعا هو أن قبائل العرب تتشرف به وقد قيل إنه له بكل قبيلة منها اتصاال بمصاهرة وغيرها سوى‬
‫تيم وتغلب‬
‫وخامسا هو كثرة العشائر من جهة نسائه رجاال ونساء فيكونون عونا على أعدائه‬
‫إذا تقرر ذلك فهل يجوز له {صلى اهلل عليه وسلم} الزيادة على التسع فيه وجهان ألصحابنا أحدهما ال‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫ألن األصل استواؤه عليه الصالة والسالم وأمته في األحكام لكن ثبت له جواز الزيادة إلى تسع‬
‫فيقتصر عليه‬
‫وأصحهما ‪ -‬وبه قطع الماوردي ‪ -‬الجواز ألنه مأمون الجور ولظاهر قوله تعالى إنا أحللنا لك‬
‫أزواجك الالتي آتيت أجورهن اآلية‬
‫وقد قيل إنه كان عنده حين التخيير عشر نسوة العاشرة بنت الضحاك التي اختارت الدنيا‬
‫وروى الحافظ ضياء الدين في األحاديث المختارة من حديث أنس تزوج النبي {صلى اهلل عليه وسلم}‬
‫خمس عشرة امرأة ودخل منهن بإحدى عشرة ومات عن تسع فيكون قوله تعالى يأيها النبي إنا أحللنا‬
‫لك ناسخة‬
‫وفي رعاية الحنابلة إلى أن نزل ال يحل لك النساء من بعد فتكون ناسخة‬
‫( تنبيه ) ذكر القضاعي في كتابه ( عيون المعارف ) هذه الخصيصة وهي أنه أبيح له عليه الصالة‬
‫والسالم أكثر من أربع نسوة فيما خص به دون األنبياء من قبله وهو غريب منه وقد أسلفت لك ما‬
‫يخالفه‬
‫( فائدتان )‬
‫األولى قال مجاهد أعطي النبي {صلى اهلل عليه وسلم} قوة أربعين رجال كل رجل من رجال أهل‬
‫الجنة‬
‫وسيأتي عن أنس أنه قال كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثالثين‬
‫الثانية النكاح في حقه عليه الصالة والسالم عبادة بال شك ومن جملة فوائده في حقه فائدتان عظيمتان‬
‫األولى نقل الشريعة التي لم يطلع عليه الرجال الثانية نقل محاسنه الباطنة فإنه {صلى اهلل عليه وسلم}‬
‫مكمل الظاهر والباطن‬
‫وتزوج من القبائل أم حبيبة وأبوها ذلك الوقت عدوه‬

‫وصفية وقد قتل أباها وغيرهما فلو لم يطلعن من باطن أحواله على أنه أكمل الخلق لكانت الطباع‬
‫البشرية تقتضي ميلهن إلى آبائهن وقرابتهن‬
‫وكان في كثرة النساء عنده بيان لمعجزاته وكماله باطنا كما عرفه الرجال منه ظاهرا {صلى اهلل عليه‬
‫وسلم}‬
‫( فرع ) في انحصار طالقه {صلى اهلل عليه وسلم} في الثالث طريقان أحدهما فيه وجهان كالوجهين‬
‫في عدد زوجاته لكن صحح البغوي الحصر فيها‬
‫كغيره‬
‫وصحح في أصل الروضة‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫والرافعي ذكر الطريقة األولى ثم قال وروى صاحب التتمة االنحصار ولم يزد على ذلك في شرحيه‬
‫والثانية القطع بانحصاره فيه بخالف عدد الزوجات ألن المأخوذ عليه من أسباب التحريم أغلظ كذا‬
‫علله الماوردي وهو جازم بعدم انحصار النسوة وحاك لوجهين في انحصار طالقه ومنه خرجت هذه‬
‫الطريقة‬
‫قال وعلى الحصر إذا طلق واحدة ثالثا هل تحل له من غير أن تنكح غيره فيه وجهان أحدهما نعم لما‬
‫خص من تحريم نسائه على غيره‬
‫والثاني ال يحل له أبدا لما عليه من التغليظ في أسباب التحريم‬
‫المسألة الثانية في انعقاد نكاحه بلفظ الهبة وجهان أحدهما ال كغيره وأصحهما نعم وهو ما قطع به‬
‫اإلمام والغزالي لقوله تعالى وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة‬
‫لك من دون المؤمنين‬
‫وعلى هذا ال يجب المهر بالعقد وال بالدخول كما هو مقتضىـ الهبة‬
‫وهل يشترط لفظ النكاح من جهته {صلى اهلل عليه وسلم} أو يكفي لفظ االتهاب فيه وجهان أحدهما ال‬
‫يشترط كما في حق المرأة وأصحهما في أصل الروضة والرافعي قال إنه أرجح وعند الشيخ أبي‬
‫حامد يشترط لظاهر قوله تعالى أن يستنكحها اآلية فاعتبر في جانبه النكاح‬
‫قال األصحاب وينعقد نكاحه عليه الصالة والسالم بمعنى الهبة حتى ال يجوز مهر ابتداء وال انتهاء‬
‫وفي وجه غريب أنه يجب المهر الذي خص به النعقاد نكاحه بلفظ الهبة دون معناها‬
‫وقال الماوردي مرة بسقوط المهر‬

‫وقال مرة اختلف أصحابنا فيمن لم يسم لها مهرا في العقد هل يلزمه لها مهر المثل على وجهين وجه‬
‫المنع أن المقصود منه التوصل إلى ثواب اهلل تعالى‬
‫قال واختلف العلماء هل كانت عنده عليه الصالة والسالم امرأة موهوبة أم ال من أجل اختالف القراء‬
‫في فتح إن وكسرها من قوله إن وهبت نفسها فعلى الثاني يكون شرطا مستقبال وعلى األول يكون‬
‫خبرا عن ماض‬
‫وعلى هذا اختلفوا في من هي فقيل أم شريك قاله‬
‫عروة وأخرجه النسائي عنها‬
‫وقيل ميمونة بنت الحارث قاله ابن عباس وقال الشعبي هي زينب بنت خزيمة األنصارية أم‬
‫المساكين‬
‫قلت اسم أم شريك غزية بنت جابر بن حكيم وقيل بنت ذروان بن عوف وقيل غزيلة وقيل ليلى بنت‬
‫الخطيم‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫وقيل فاطمة بنت شريح‬
‫وقيل خولة بنت حكيم قالته عائشة رضي اهلل عنها ففي الصحيحين عنها قالت كانت خولة بنت حكيم‬
‫من الالئي وهبن‬
‫أنفسهن للنبي {صلى اهلل عليه وسلم} فقالت عائشة رضي اهلل عنها أما تستحي المرأة تهب نفسها‬
‫للرجل فلما نزلت ترجئ من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء قلت يا رسول اهلل ما أرى ربك إال‬
‫يسارع في هواك وهذا يدل على أن معنى قوله تعالى ترجئ أي تؤخر من تشاء من الواهبات وتؤوي‬
‫إليك من تشاء أي بقبول هبتها وقيل خالفه‬
‫وعبارة القضاعي ابي عبد اهلل محمد بن سالم في كتابه عيون المعارف ( أن مما خص به له إباحة‬
‫الموهوب له خاصة وهو أن يتزوجها بلفظ الهبة وإ باحة النكاح بغير مهر وال يستقر عليه إال بالدخول‬
‫)‬
‫وليس ذلك بجيد منه وذكر هذه الخصوصية في قسم ما خص به دون األنبياء من قبله‬
‫ودون أمته تشريفا له وتعظيما لشأنه‬
‫المسألة الثالثة إذا رغب النبي {صلى اهلل عليه وسلم} في نكاح امرأة فإن كانت خلية فعليها اإلجابة‬
‫على الصحيح وتحرم على غيره خطبتها وإ ن كانت ذات زوج وجب على زوجها طالقها لينكحها‬
‫على الصحيح لقوله تعالى يأيها الذين آمنوا استجيبوا هلل والرسول اآلية‬
‫كذا استدل بها الماوردي‬
‫واستدل الغزالي في وسيطه لوجوب التطليق بقصة زيد رضي اهلل عنه وهي مشهورة‬

‫وقد أوضحتها بطرقها في تخريج أحاديث الرافعي فسارع إليه‬


‫ثم قال ‪ -‬أعني الغزالي ‪ -‬لعل السر من جانب الزوج امتحان إيمانه بتكليفه النزول عن أهله فإن‬
‫النبي {صلى اهلل عليه وسلم} قال ( ال يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله وماله وولده ووالده‬
‫والناس أجميعين )‬
‫وقد تقدم‬
‫وقال أيضا ( ال يكمل إيمان أحدكم حتى يكون اهلل ورسوله أحب إليه مما سواهما )‬
‫رواه مسلم‬
‫ويحققه قوله تعالى النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم‬
‫ومن جانبه {صلى اهلل عليه وسلم} ابتالؤه بالبلية البشرية ومنعه من خائنة األعين ومن اإلضمار الذي‬
‫يخالف اإلظهار وال شيء أدعى ‪ -‬إلى غض البصر وحفظه من لمحاته االتفاقية ‪ -‬من هذا التكليف‬
‫قال وهو ما يورده الفقهاء في صنف التخفيف وعندي أن ذلك في غاية التشديد إذ لو كلف بذلك آحاد‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫الناس لما فتحوا أعينهم في الشوارع والطرقات خوفا من ذلك‬
‫ولذلك قالت عائشة رضي اهلل عنها لو كان رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} يخفي شيئا ألخفى هذه‬
‫اآلية‬
‫واعترض عليه ابن الصالح وقال لم يوافق في مخالفة األصحاب في ذلك‬
‫قال وحاصل ما ذكره أنه لم يكتف في حقه عليه الصالة والسالم بالنهي والتحريم زاجرا عن مسارقة‬
‫النظر وحامال له على غض البصر من نساء غيره حتى شدد عليه بتكليف لو كلف به غيره لما فتحوا‬
‫أعينهم في الطرقات‬
‫وهذا غير الئق بمنزلته الرفيعة‬
‫وزعم أن هذا الحكم في غاية التشديد‬
‫اهلل تعالى يقول في ذلك ما كان على النبي من حرج فيما فرض اهلل له اآلية‬
‫وأما قول عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬فذلك ألمر آخر وهو إظهار ما دار بينه وبين مواله وعتابه‬
‫عليه‬
‫فأجيب عنه بأن الغزالي لم يقل إن النهي في حقه ليس كافيا في االنتهاء وإ نما جعل ذلك كفا وحافظا‬
‫عن وقوع النظر االتفاقيـ الذي ال يتعلق به نهي فإذا علم أنه إذا وقع ذلك ووقعت منه المرأة موقعا‬
‫وجب على زوجها مفارقتها‬
‫احتاج إلى زيادة التحفظ في ذلك‬

‫والذي كلف أخف ما في النفس مع إبداء اهلل له فإن كثيرا من المباحات الشرعية يستحيي اإلنسان من‬
‫فعلها ويمتنع منها وقوله تعالى ما كان على النبي من حرج اآلية فيه رفع اإلثم ال نفي الحياء من‬
‫الشيء‬
‫فإن قلت ما الجواب عن حديث عائشة المتفق على صحته ( أن رجال استأذن على النبي {صلى اهلل‬
‫عليه وسلم} فلما رآه قال ( بئس أخو العشيرة ) أو ( بئس ابن العشيرة ) فلما جلس تطلق النبي {صلى‬
‫اهلل عليه وسلم} في وجهه وانبسط فلما انطلق قالت له عائشة يا رسول اهلل حين رأيت الرجل فقلت‬
‫كذا وكذا ثم تطلقت في وجهه وانبسطت له فقال رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} يا عائشة متى‬
‫عهدتيني فحاشا إن شر الناس عند اهلل منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره ) وفي لفظ استأذن‬
‫رجل فقال ( ائذنوا له بئس أخو العشيرة ) فلما دخل أالن له في الكالم‬
‫ثم ذكره نحوه‬
‫فالجواب أنه يجوز أن يقال الذي منع منه أن يظهر ‪ -‬بلفظ لمن يخاطبه ‪ -‬شيئا يريد خالفه‬
‫ولين الكالم لم يرد به النبي {صلى اهلل عليه وسلم} إال حقيقته ألجل شره وما قاله في غيبته تنبيها على‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫صفته ليحذر منه أو يعامل بمثل ما عامله النبي {صلى اهلل عليه وسلم} وكذا أمثاله وهو من قبيل الدفع‬
‫بالتي هي أحسن‬
‫وبهذا يقع الجواب أيضا عن قوله عليه الصالة والسالم ألبي بصير مسعر حرب لو وجد أعوانا‬
‫( تنبيه ) ما قدمته أوال أنه يحرم على غير خطبتها هو مبني على أنه يجب عليها اإلجابة‬
‫أما إذا قلنا ال فال يظهر ذلك لما فيه من اإلضرار بها‬
‫المسالة الرابعة في انعقاد نكاحه بال ولي وال شهود وجهان‬
‫أحدهما ال لعموم قوله {صلى اهلل عليه وسلم} ( ال نكاح إال بولي وشاهدي عدل )‬
‫وأصحهما نعم‬
‫ألن اعتبار الولي المحافظة على الكفاءة وال شك فيه أنه {صلى اهلل عليه وسلم} فوق األكفاء واعتبار‬
‫الشهود ألمن الجحود وهو عليه الصالة‬
‫والسالم ال يجحد وإ ن جحدت هي لم يرجع إلى قولها على خالف قوله بل قال العراقي في شرح‬
‫المهذب تكون كافرة بتكذيبه‬
‫ويدل على االنعقاد أيضا أن الصحابة كلهم أشكل عليهم هل تزوج صفية وأحالوا ذلك على حجبها‬
‫وقصة زينب في تزويجه بها وهذا الخالف في غير زينب‬

‫أما زينب فمنصوص عليها وقد نبه عليه أيضا النووي في شرحه لمسلم في باب زواج زينب بنت‬
‫جحش‬
‫وذكر القضاعي هذه الخصيصة فيما خص بها دون األنبياء من قبله‬
‫( تنبيه ) قال الشيخ أبو حامد الخالف في المسألة مبني على أن المتكلم هل يدخل في عموم خطابه أم‬
‫ال فإنه {صلى اهلل عليه وسلم} قد قال ( ال نكاح إال بولي مرشد وشاهدي عدل )‬
‫وفيما ذكره نظر ألن المحكوم عليه هنا إنما هو نفي ماهية النكاح عند انتفاء ذلك فتنتفي تلك الماهية‬
‫أيضا في حقه عمال بهذا الحديث‬
‫ولم يأت لفظ عام لألشخاص حتى نقول هل دخل فيهم أم ال‬
‫المسألة الخامسة في انعقاد نكاحه في حال اإلحرام وجهان‬
‫أحدهما نعم لما روى البخاري ومسلم عن ابن عباس أنه عليه الصالة والسالم تزوج ميمونة وهو‬
‫محرم‬
‫وهذا ما نسبه الماوردي إلى أبي الطيب ابن سلمة‬
‫وقال الرافعي إن كالم النقلة بترجيحه أشبه‬
‫وصححه النووي في أصل الروضة‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫وثانيهما ال كغيره‬
‫وكما ال يحل له الوطء في اإلحرام‬
‫وهو ما نقله الماوردي عن سائر األصحاب ونكاح ميمونة في أكثر الروايات جرى وهو حالل كذا‬
‫قاله الرافعي وغيره‬
‫قال القاضي عياض وغيره ولم يرو أنه تزوجها محرما إال ابن عباس وحده‬
‫قلت في صحيح ابن حبان عن عائشة أنه عليه الصالة والسالم تزوج بعض نسائه وهو محرم‬
‫وروت‬
‫ميمونة وأبو رافع وغيرهما أنه تزوجها حالال وهم أعرف بالقصة من ابن عباس لتعلقهم بها وألنهم‬
‫أضبط من ابن عباس وأكبر‬
‫قال ابن المسيب ووهم ابن عباس في ذلك كذا رواه عنه أبو داود وابن عدي‬
‫قلت ويؤيده أن الدارقطني روى من حديث ابن عباس تزوجها وهو حالل‬
‫رواه من حديث محمد بن عثمان بن مخلد عن أبيه عن سالم أبي المنذر وعن مطر الوراق عن‬
‫عكرمة عنه‬
‫ثم قال تفرد به محمد بن عثمان عن أبيه عن سالم وهو غريب عن مطر‬
‫ورواه أبو األسود عن عكرمة أيضا‬

‫قلت وترجح رواية أبي رافع أيضا ألنه كان بالغا إذ ذاك بخالف ابن عباس وبأنه عليه الصالة‬
‫والسالم تزوجها في عمرة القضاء كما ذكره البخاري وغيره ولم يكن ابن عباس معه‬
‫وتؤول رواية ابن عباس المشهورة بأن المراد تزوجها في الشهر الحرام أو في البلد الحرام‬
‫كما قال الشاعر‬
‫قتلوا ابن عفان الخليفة محرما‬
‫ألنه قتل في أيام التشريق من الشهر الحرام‬
‫( تنبيه ) عد القضاعي هذه الخصيصة مما خص بها دون األنبياء من قبله عليهم السالم‬
‫المسألة السادسة في وجوب القسم عليه في زوجاته وجهان‬
‫أحدهما وبه قطع اإلصطخري‬
‫قال الماوردي وطائفة وصححه الغزالي في الخالصة وعليه اقتصر في الوجيز ال يجب وإ نما كان‬
‫يتطوع به‬
‫ألن في وجوبه عليه شغال عن لوازم الرسالة ولقوله تعالى ترجئ من تشاء منهن وتؤوي إليك من‬
‫تشاء أي تبعد من تشاء فال تقسم لها وتقرب من تشاء فتقسم لها‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫ونقل ابن الجوزي عن أكثر العلماء أن اآلية نزلت مبيحة ترك ذلك وكان عليه الصالة والسالم‬
‫يطوف على نسائه في الساعة الواحدة كما أخرجه البخاري من حديث أنس وذلك ينافي وجوبه عليه‬
‫وأصحهما عند الشيخ أبي حامد والعراقيين وتابعهم البغوي وهو ظاهر نصه في األم أنه يجب ألنه‬
‫كان يطاف به في مرضه على نسائه حتى‬
‫حللنه كما ذكره الشافعي في المختصر بالغا‬
‫وفي صحيح البخاري في كتاب الهبة عن عائشة رضي اهلل عنها قالت لما ثقل رسول اهلل {صلى اهلل‬
‫عليه وسلم} واشتد وجعه واستأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي فأذن له‬
‫وصح أنه عليه الصالة والسالم كان يقول ( اللهم هذا قسمي فيما أملك فال تلمني فيما تملك وال أملك )‬
‫كما أخرجه أصحاب السنن األربع وصححه ابن حبان والحاكم‬
‫ولما هم بطالق سودة وهبت يومها لعائشة فجعل لها يومين‬
‫وأما اآلية فهي محمولة على إباحة التبدل بهن بعد التحريم‬
‫وقال ابن القشيري في تفسيره إنه كان واجبا ثم نسخ بهذه اآلية‬
‫وذكر الماوردي في اآلية تأويلين‬
‫أحدهما معناه تعزل من شئت من أزواجك فال تأتيها وتأتي من شئت منهن‬

‫وهو قول قتادة ومجاهد ونقله البخاري عن ابن عباس‬


‫قال الماوردي واختلفوا هل أرجأ رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} بعد نزول هذه اآلية من نسائه‬
‫أحدا أم ال فالذي عليه األكثرون الثاني وانه مات عن تسع وكان يقسم لثمان منهن ألن سودة وهبت‬
‫يومها لعائشة‬
‫وروي أنه بلغ نسوة النبي {صلى اهلل عليه وسلم} يريد أن يخلي سبيلهن فأتينه فقلن ال تخل سبيلنا‬
‫وأنت في حل مما بيننا وبينك فأرجأ منهن نسوة وآوى نسوة وكانت ممن أرجأ ميمونة وجويرية وأم‬
‫حبيبة وصفية وسودة وكان‬
‫يقسم بينهن من نفسه وماله‬
‫وكان ممن آوى عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب فكان قسمة من نفسه وماله فيهن سواء‬
‫قال ابن القشيري وقيل كان أراد أن يفارقهن فقلن اقسم لنا من نفسك ما شئت ودعنا على حالنا‬
‫قلت وطوافه على نسائه في الساعة الواحدة يجيب ‪ -‬القائل بالوجوب ‪ -‬عنه بأن ذلك كان برضاهن‬
‫واعلم أن مأخذ الخالف في هذه المسائل وأخواتها أن الزوجات في حقه عليه الصالة والسالم‬
‫كالسراري في حق غيره أو كالزوجات‬
‫وفيه وجهان إن جعلناهن كالسراري لم يشترط الولي وال الشهود وانعقد نكاحه في اإلحرام وبلفظ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫الهبة ولم يحصر عدد منكوحاته وال طالقه وال يجب عليه القسم‬
‫وإ ن جعلناهن كالزوجات انعكس الحكم‬
‫وذكر ابن العربي المالكي أن اهلل تعالى خص نبيه {صلى اهلل عليه وسلم} بأشياء في النكاح منها أنه‬
‫أعطاه ساعة ال يكون ألزواجه فيها حق‬
‫يدخل فيها على‬
‫جميع أزواجه فيفعل ما يريد بهن ثم يدخل عند التي يكون الدور لها‬
‫وفي كتاب مسلم أن تلك الساعة كانت بعد العصر فلو اشتغل عنها لكانت بعد المغرب أو غيره‬
‫فالذلك قال أنس ( كان عليه الصالة والسالم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار )‬
‫المسألة السابعة في وجوب نفقة زوجاته عليه الوجهان السابقان في المهر واألصح الوجوب كما ذكره‬
‫النووي في الروضة‬
‫المسألة الثامنة كان له عليه الصالة والسالم تزويج المرأة ممن شاء بغير إذنها وإ ذن وليها‬
‫المسألة التاسعة وتزويجها من نفسه‬

‫المسألة العاشرة وتولي الطرفين بغير إذنها وإ ذن وليها‬


‫إذ جعله اهلل أولى بالمؤمنين من أنفسهم‬
‫قال الحناطي ويحتمل أن يقال كان ال يجوز إال بإذنها قلت ويؤيده أنه عليه الصالة والسالم‬
‫استأذن جويرية وطلب رضاها بنكاحه‬
‫وقد يجاب عنه بأنه فعل ذلك تطييبا لقلبها كقوله ( والبكر تستأمر )‬
‫ووقع في المطلب للشيخ نجم الدين بن الرفعة أن الرافعي حكى عن الحناطي أنه قال يحتمل أن يقال‬
‫كان اليجوز له إال بإذن وليها قال ولم أر لذلك ذكرا في الروضة بل ذكر الخالف المذكور في توليه‬
‫عليه الصالة والسالم الطرفين‬
‫هذا سهو منه فما ذكره عن الحناطي لم يحكه الرافعي وإ نما الذي حكاه الرافعي ما قدمته ولم يحك في‬
‫الروضة الخالف في تولية الطرفين وإ نما فيها حكايته في إذنها وإ ذن وليها كما حكاه الرافعي فتنبه‬
‫لها‬
‫المسألة الحادية عشرة أن المرأة تحل له بتزويج اهلل عز وجل قال اهلل تعالى فلما قضى زيد منها‬
‫وطرا زوجناكها اآلية‬
‫أي أحللنا لك نكاحها وكانت تفتخر على صواحباتها بذلك‬
‫وتقول زوجكن أهلوكن وزوجني اهلل من فوق سبع سموات‬
‫رواه البخاري من قول أنس رضي اهلل عنه ومنع ذلك بعض أصحابنا وقال إنه عليه الصالة والسالم‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫أنشأ عقدا على زينب ومعنى اآلية أبحنا لك نكاحها‬
‫( فائدة ) لم يذكر اهلل أحدا من الصحابة في القرآن باسمه غير زيد بن حارثة‬
‫( تنبيه ) عد القضاعي هذه الخصيصة مما خص بها دون األنبياء عليهم السالم من قبله‬
‫المسألة الثانية عشرة كان يحل له نكاح المعتدة من غيره على وجه حكاه البغوي والرافعي وهو غلط‬
‫لم يذكره الجمهور وغلطوا من ذكره‬
‫والصواب كما قال النووي في الروضة القطع بالمنع‬
‫قال ابن الصالح قال الغزالي في الخالصة وهو غلط منكر وددت محوه منه‬
‫وتبعه فيه صاحب مختصر الجوينى ومنشئوه في تصحيف كالم أتى به المزني‬
‫المسألة الثالثة عشرة هل كان يحل له الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها وجهان في الرافعي عن ابن‬
‫القطان‬

‫بناء على أن المخاطب هل يدخل في الخطاب ألنه قال ( ال تنكح المرأة على عمتها وال على خالتها )‬
‫فالمعنى ال ينكح أحد‬
‫المسألة الرابعة عشرة لم يكن يحل له الجمع بين األختين ألن خطاب اهلل تعالى يدخل فيه نبيه {صلى‬
‫اهلل عليه وسلم}‬
‫وفيه وجه حكاه الحناطي وهو باطل قطعا فقد ثبت في الصحيح عن أم حبيبة أنها قالت لرسول اهلل‬
‫{صلى اهلل عليه وسلم} هل لك في أختي بنت أبي سفيان فقال ( أفعل ماذا ) قلت تنكحها‬
‫قال أو تحبين ذلك قلت لست لك بمخلية وأحب من شركني في خير أختي‬
‫قال ( فإنها ال تحل لي )‬
‫المسألة الخامسة عشرة لم يكن يحل له الجمع بين األم وبنتها وفيه وجه بعيد حكاه الحناطي‬
‫المسألة السادسة عشرة أعتق {صلى اهلل عليه وسلم} صفية وتزوجها وجعل عتقها صداقها كما ثبت‬
‫في الصحيحين من حديث أنس نعم هو في رواية البخاري من حديث أبي موسى أنه {صلى اهلل عليه‬
‫وسلم} أعتقها ثم أصدقها وذلك يدل على تجديد العقد بصداق غير العتق‬
‫وقال البيهقي روي من حديث ضعيف أنه أمهرها فذكره وفي‬
‫رواية من حديث ابن عمر أن جويرية وقع لها مثل ذلك‬
‫ولكن أعلها ابن حزم بيعقوبـ بن حميد بن كاسب وهو مختلف فيه ال كما جزم بتضعيفه‬
‫واختلف أصحابنا في معنى أعتقها وجعل عتقها صداقها على أربعة أوجه‬
‫أحدها أنه أعتقها بشرط أن ينكحها فلزمها الوفاء بخالف غيره‬
‫وهذا يقتضي إنشاء عقد بعد ذلك‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫ثانيها أنه جعل نفس العتق صداقها وجاز له ذلك بخالف غيره‬
‫وهذا ما أورده الماوردي‬
‫وثالثها أنه أعتقها بال عوض وتزوجها بال مهر ال في الحال وال فيما بعد‬
‫قال النووي في الروضة وهذا أصح‬
‫وسبقه إلى ذلك ابن الصالح فإنه قال في مشكله إنه أصح وأقرب إلى الحديث‬
‫وحكي عن أبي‬
‫إسحاق وقطع به البيهقي فقال أعتقها مطلقا‬
‫قال ابن الصالح فيكون معنى قوله وجعل عتقها صداقها أنه لم يجعل لها شيئا غير العتق فحل محل‬
‫الصداق وإ ن لم يكن صداقا‬
‫وهو من قبيل قولهم الجوع زاد من ال زاد له‬

‫رابعها أنه أعتقها على شرط أن يتزوجها فوجب له عليها قيمتها فتزوجها به وهي مجهولة وليس‬
‫لغيره أن يتزوج بصداق مجهول حكاه الغزالي في وسيطه‬
‫نعم لنا وجه في صحة إصداق قيمة األمة المعتقة المجهولة إذا أعتقها عليه بالنسبة إلينا‬
‫وهو يرد قول الغزالي في وسيطه فيه خاصية باالتفاق إال أن يكون القائل بالصحة في حق غيره غير‬
‫القائل بالصحة هنا‬
‫قال ابن حزم ما وقع في الحديث سنة جائزة صحيحة لكل من أراد أن يفعل مثل ذلك إلى يوم القيامة‬
‫وكذا قال الترمذي فإنه لما أخرج الحديث المتقدم قال حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل‬
‫العلم من الصحابة وغيرهم قال وهو قول الشافعي وأحمد وإ سحاق‬
‫وكره بعض أهل العلم أن يجعل عتقها صداقها حتى يجعل لها مهرا سوى العتق قال والقولـ األول‬
‫أصح‬
‫وقال ابن حبان ‪ -‬من أصحابنا ‪ -‬في صحيحه‬
‫فعل فعله {صلى اهلل عليه وسلم} لم تقم الداللة على أنه خص باستعماله دون أمته مباح لهم استعمال‬
‫ذلك الفعل لعدم وجود تخصيصه فيه ثم ساق حديث أنس السالف‬
‫( خاتمة ) ثبت في الصحيح أنه {صلى اهلل عليه وسلم} كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه‬
‫وتفلي رأسه وينام عندها‬
‫قال النووي في شرحه لمسلم في باب فضل الغزو في البحر اتفق العلماء على أنها كانت محرما له‬
‫{صلى اهلل عليه وسلم} واختلفوا في كيفية ذلك‬
‫فقال ابن عبد البر وغيره كانت إحدى خاالته من‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫الرضاعة وقال آخرون بل كانت خالته ألبيه أو لجده ألن عبد المطلب كانت أمه من بني بني النجار‬
‫هذا كالمه‬
‫وما ذكره من االتفاق على أنها‬
‫كانت محرما له فيه نظر ومن أحاط علما بنسب النبي {صلى اهلل عليه وسلم} ونسب أم حرام علم أنه‬
‫ال محرمية بينهما‬
‫وقد بين ذلك الحافظ شرف الدين الدمياطي في جزء مفرد وقال خاص بأم حرام وأختها أم سليم‬
‫وقد ذكرت ذلك عنه في كتابي المسمى ( العدة في معرفة رجال العمدة ) والنبي {صلى اهلل عليه‬
‫وسلم} معصوم ‪ -‬فيقال كان من خصائصه الخلوة باألجنبية وقد ادعاه بعض شيوخنا‬

‫( تنبيه ) صح أنه {صلى اهلل عليه وسلم} تزوج عائشة رضي اهلل عنها لست سنين أو سبع فذهب ابن‬
‫شبرمة فيما حكاه ابن حزم إلى أن ذلك خاص بالنبي {صلى اهلل عليه وسلم} وأنه ال يجوز لألب إنكاح‬
‫ابنته حتى تبلغ وهو غريب ال نعلمه عن غيره وقد خالف الجمهور فإنهم قالوا إن ذلك يجوز لكل‬
‫واحد وإ نه ليس من الخصائص‬
‫بل نقل ابن المنذر اإلجماع عليه‬
‫وقد خطب عمر أم كلثوم إلى علي علي رضي اهلل عنه فقال إنها تصغر عن ذلك ثم زوجه وقال‬
‫الشافعي زوج ابن الزبير ابنته صفية وزوج غير واحد من الصحابة ابنته صغيرة‬
‫النوع الرابع ما اختص به {صلى اهلل عليه وسلم} من الفضائل والكرامات وهي أيضا قسمان متعلق‬
‫بالنكاح وغير متعلق به‬
‫القسم األول المتعلق به وفيه مسائل‬
‫المسألة األولى أن أزواجه الالتي توفي عنهن محرمات على غيره أبدا قال اهلل تعالى وما كان لكم أن‬
‫تؤذوا رسول اهلل وال أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا‬
‫قيل نزلت في طلحة بن عبيد اهلل فإنه قال إن مات ألتزوجن عائشة‬
‫وألنهن أمهات المؤمنين قال تعالى وأزواجه أمهاتهم أي مثل أمهاتهم في وجوب احترامهن وطاعتهن‬
‫‪ -‬كما سيأتي ‪ -‬وتحريم نكاحهن لما في إحاللهن لغيره من النقص لمنصبه‬
‫وألنهن أزواجه في الجنة كما رأيته في الخصال للخصاف من أصحابنا وعيون المعارف للقضاعي‬
‫ذكره فيما خص به دون األنبياء وأمته فإن المرأة في الجنة آلخر أزواجها كما قال ابن القشيري‬
‫وألنه حي {صلى اهلل عليه وسلم}‬
‫ولهذا حكى الماوردي وجها أنه ال يجب عليهن عدة والوفاة‬
‫وفيمن فارقها في الحياة كالمستعيذة والتي وجد بكشحها بياضا ثالثة أوجه‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫أحدها يحرمن أيضا وهو المنصوص في أحكام القرآن لشمول اآلية السالفة‬
‫والبعدية في قوله تعالى من بعده عند هذا القائل ال تختص بما بعد الموت بل بما هو أعم منه فيكون‬
‫التقدير من بعد نكاحه‬
‫قال بعضهم وحرمن لوجوب محبة رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} فإن العادة أن زوج المرأة يكره‬
‫زوجها األول قال في الروضة وهذا أرجح‬
‫وقال ابن الصالح إنه أشبه بظاهر نص الشافعي‬
‫وقيل إن وجه التفصيل ‪ -‬يعني الثالثة ‪ -‬أصح‬

‫وعبارة القضاعي تقضي هذا الوجه أيضا فإنه أطلق أن نساءه حرمن على غيره وجعل ذلك من‬
‫خصائصه دون غيره من األنبياء‬
‫وثانيها ال يحرمن إلعراض النبي {صلى اهلل عليه وسلم} عنها وانقطاع االعتناء بها وألن في ذلك‬
‫إضرارا والبعدية على هذا مخصوصة بما بعد الموت‬
‫وثالثها وبه قال القاضي أبو حامد وذكر الشيخ أبو حامد أنه الصحيح‬
‫وقال الرافعي في الشرح الصغير إنه األظهر وصححه الماوردي والغزالي أيضا‬
‫وقال اإلمام إنه األعدل‬
‫وجزم به صاحب الحاوي الصغير‬
‫يحرم المدخول بها‬
‫فقط لما روي أن األشعث بن قيس نكح المستعيذة في زمن عمر رضى اهلل عنه فهم عمر برجمها‬
‫فأخبر أنه لم‬
‫يكن مدخوال بها فكف عنهما‬
‫كذا أورده اإلمام والغزالي والقاضي قال هم بجلد األشعث بدل رجمه‬
‫والماوردي ذكره كاألولـ وذكر أنه روي أنه عليه الصالة والسالم تزوج في ربيع األول من سنة‬
‫عشر ‪ -‬التي مات فيها ‪ -‬قتيلة أخت األشعث بن قيس الكندي ولم يدخل بها فأوصى في مرض موته‬
‫أن تخير إن شاءت أن يضرب عليها الحجاب وتحرم على المؤمنين ( وتجري عليها ما يجري على‬
‫أمهات المؤمنين ) وإ ن شاءت أن تنكح من شاءت فاختارت النكاح فتزوجها عكرمة بن أبي جهل‬
‫بحضرموت فبلغ أبا بكر رضي اهلل عنه فقال لقد هممت أن أحرق عليهما فقال عمر رضي اهلل عنه‬
‫ما هي من أمهات المؤمنين ما دخل بها رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} وال ضرب عليها حجابا‬
‫فكف عنهما أبو بكر رضي اهلل عنه‬
‫قال الماوردي فصار كاإلجماع‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫فإن حرمنا ففي أمة يفارقها بالموت أو غيره بعد وطئها وجهان في الرافعي وهما في التهذيب أحدهما‬
‫ال يحل كالمنكوحة التي فارقها‬
‫والثاني ال ألن مارية غير معدودة في أمهات المؤمنين‬
‫وقال الماوردي إن مات عنها كمارية أم ولده إبراهيم حرم نكاحها وإ ن لم تصر أما للمؤمنين‬
‫كالزوجات لنقصها بالرق‬
‫وإ ن باعها ففي تحريمها على مشتريها وعلى سائر المسلمين وجهان كالمطلقة‬
‫وجزم في باب استبراء أم الولد بالتحريم وينتظم من ذلك ثالثه أوجه‬

‫ثم األوجه السالفة في غير المخيرات أما المخيرات فمن اختارت منهن الدنيا ففي حلها لألزواج‬
‫طريقان قال العراقيون بطرد األوجه‬
‫وقطع أبو يعقوب األبيوردي وآخرون بالحل لتحصل فائدة‬
‫التخيير‬
‫وهو التمكن من زينة الدنيا وهذا ما اختاره اإلمام ونقل االتفاق عليه ومنعه الغزالي‬
‫فإن قلنا ال تحل ففي وجوب نفقتها من خمس الخمس وجهان‬
‫أحدها تجب كما تجب نفقة الالتي مات عنهن لتحريمهن‬
‫وثانيها ال ألنها لم تجب في حياته فأولى أن ال تجب بعد موته وألنها مقطوعة العصمة بالطالق‬
‫( فائدة ) في عدد أزواجه ومن مات منهن في حياته ومن فارقهن ومن مات عنهن في عصمته‬
‫{صلى اهلل عليه وسلم} وهو معهم‬
‫وقد تزوج رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} كثيرا قيل أربع عشرة وقيل خمس عشرة حكاه ابن‬
‫الصباغ‬
‫وأنه دخل منهن بثالث عشرة وقيل سبع عشرة وقيل ثماني عشرة حكاه القاضي حسين وابن الصباغ‬
‫أيضا‬
‫وقال الماوردي ثالثا وعشرين ست متن قبله وتسع مات قبلهن‬
‫وثمان فارقهن‬
‫والالتي متن قبله خديجة بنت خويلد رضي اهلل عنها وهي أول نسائه تزوجها قبل النبوة عند مرجعه‬
‫من الشام وعمره خمس وعشرون سنة‬
‫وهي أم أوالده خال إبراهيم فإنه من مارية القبطية من كورة انصنا من الديار المصرية كان المقوقس‬
‫أهداها له ولم يتزوج على خديجة حتى ماتت كما هو مخرج في الصحيح‬
‫وكان موتها قبل الهجرة بثالث سنين وهي أول من آمن من النساء قطعا‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫وقال {صلى اهلل عليه وسلم} في حقها خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة وقالت‬
‫عائشة رضي اهلل عنها ما غرت على امرأة ما غرت عليها من كثرة ذكر رسول اهلل إياها‬
‫قالت تزوجني بعدها بثالث سنين وأمره ربه أو جبريل أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب‬
‫رواه البخاري‬
‫وقال القاضي حسين إن عائشة ناظرت فاطمة رضي اهلل عنهما فقالت تزوجني بكرا وتزوج أمك ثيبا‬
‫فبلغ ذلك رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} فقال ( قولي لها إن كان قد أخذك بكرا فقد أخذت هي‬
‫رسول اهلل بكرا )‬
‫وألجل هذا قال فريق من أصحابنا ‪ -‬كما قال القاضي والمتولي ‪ -‬إن خديجة‬
‫أفضل من عائشة‬

‫وقال فريق بل عائشة أفضل لدوام صحبتها النبي {صلى اهلل عليه وسلم} بعد النبوة وطول مدتها إلى‬
‫موته وألنه عليه الصالة والسالم قال ( أريتك في المنام ثالث ليال جاءني بك الملك في سرقة من‬
‫حرير فيقولـ هذه امرأتك فأكشف عن وجهك فإذا أنت هي فأقول ( إن يكن من عند اهلل يمضه )‬
‫أخرجاه في الصحيحين‬
‫وجه الداللة قوله ( هذه امرأتك )‬
‫والسرقة واحدة السرق وهو الشقق البيض من الحرير خاصة‬
‫وألنها كانت حب رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} وقال عليه الصالة والسالم ( فضل عائشة على‬
‫النساء كفضل الثريد على سائر الطعام )‬
‫وسأله عمرو بن العاص قال أي الناس أحب إليك قال ( عائشة )‬
‫أخرجه البخاري‬
‫وقد اختلف أصحابنا أيضا في أن عائشة أفضل من فاطمة أم فاطمة أفضل منها وقد تقدم مناظرتها‬
‫لها فيما حكيناه عن القاضي حسين في المسألة الثانية قبل النوع الثالث‬
‫نعم هي ال توجب التفضيل‬
‫قال ابن دحية في كتاب مرج البحرين ذكر بعض الجهلة أن عائشة أفضل من فاطمة واستدل على‬
‫ذلك أنها عند علي في الجنة وعائشة عند‬
‫رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم}‬
‫قال وهذا ال يوجب التفضيل‬
‫ثم أطال في الرد عليه قال وسئل العالم الكبير أبو بكر بن داود بن علي أعائشة أفضل أم خديجة فقال‬
‫عائشة أقرأها السالم النبي {صلى اهلل عليه وسلم} من جبريل وخديجة أقرأها جبريل‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫السالم من ربها على لسان نبيه فهي أفضل‬
‫فقيل له فمن أفضل أخديجة أم فاطمة فقال إن رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} قال ( إن فاطمة‬
‫بضعة مني ) وال أعدل ببضعة رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} أحدا‬
‫قلت ولقد قال لها عليه الصالة والسالم حين بكت بعدما سارها ثانيا عند موته ( أما ترضين أن تكوني‬
‫سيدة نساء المؤمنين ) أو ( سيدة نساء هذه األمة ) فضحكت‬
‫وليس لها في الصحيح سواه‬
‫وقولها لما دفن رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول اهلل‬
‫{صلى اهلل عليه وسلم} التراب‬
‫وادعى ابن دحية في تنويره أنه ليس في الصحيحين سوى األول‬
‫قال العلماء وفاطمة أفضل من أخواتها ألنهن في ميزان النبي {صلى اهلل عليه وسلم} وهو في ميزانها‬

‫أما ما رواه الطحاوي بإسناده إلى عائشة رضي اهلل عنها أن النبي {صلى اهلل عليه وسلم} قال لزيد بن‬
‫حارثة أال تنطلق فتجيء بزينب ‪ -‬يعني ابنته لما خرجت‬
‫من مكة وأدركها هبار بن األسود حتى ألقت ما في بطنها وأعطاه خاتمه وجاء إلى راعي غنم لها‬
‫فأعطاه الخاتم واستكتمه فأعطاها الخاتم فعرفته حتى إذا كان الليل خرجت إليه فقال لها اركبي بين‬
‫يدي قالت ال لكن اركب أنت فركب وركبت وراءه حتى أتى النبي {صلى اهلل عليه وسلم} ‪ -‬هي‬
‫أفضل بناتي أصيبت في‬
‫فجوابه ‪ -‬إن صح ‪ -‬أنه يحتمل كان في ذلك الوقت ثم وهب اهلل لفاطمة من األعمال الصالحة‬
‫واألحوال السنية والكمال ما لم يشركها فيه أحد من بناته سواها‬
‫وأجاب الطحاوي عن مجيء زيد بزينب بأن زيدا كان في حكم التبني أخا لزينب محرما لها جائزا له‬
‫السفر بها كما يجوز لألخ لو كان لها‬
‫الثانية زينب بنت خزيمة الهاللية أم المساكين دخل بها وأقامت عنده شهورا ثم ماتت وهي أخت‬
‫ميمونة بنت الحارث من أمها وجزم ابن األثير في معرفة الصحابة بأنه لم يمت من أزواجه قبله‬
‫غيرها وغير خديجة‬
‫الثالثة سبا بنت الصلت ماتت قبل أن يصل إليها‬
‫الرابعة أساف أخت دحية الكلبي ماتت قبل أن تصل إليه‬
‫الخامسة خولة بنت الهذيل ماتت قبل أن يدخل بها وقيل هي التي وهبت نفسها‬
‫السادسة خولة بنت حكيم السلمية ماتت قبل أن يدخل بها وقيل أيضا التي وهبت نفسها‬
‫وأما التسع الالتي مات عنهن‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫فاألولى عائشة بنت الصديق‬
‫تزوجها بعد موت خديجة بسنتين أو ثالث كما سلف عن رواية البخاري‬
‫واألولى في البخاري أيضا بمكة وهي بنت سبع أو ست وكالهما في الصحيح‬
‫وبنى بها بالمدينة في شوال في السنة الثانية وقال الواقدي في األولى وقال ابن دحية األول هو‬
‫الصحيح والواقدي كذاب‬
‫وقال الشيخ شرف الدين الدمياطي بل الصحيح ما قاله الواقدي فأوضحه‬
‫وهي بنت تسع ولم يتزوج بكرا غيرها‬
‫ومات عنها وهي بنت ثماني عشرة سنة‬
‫وهي أول أمرأة تزوجها بعد خديجة‬
‫وقيل بل تزوج قبلها سودة بنت زمعة‬
‫وكانت عائشة أحب نسائه إليه‬

‫الثانية سودة بنت زمعة تزوجها بعد عائشة كما أخبرت بذلك في الصحيحين فلما عرف أخوها عبد‬
‫بن زمعة حثا التراب على رأسه ثم سفه نفسه في ذلك لما أسلم‬
‫الثالثة حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي عنهما تزوجها بالمدينة بعد سودة‬
‫قال الماوردي كان عثمان خطبها فقال عليه الصالة‬
‫والسالم ( أال أدلك على من هو خير لها من عثمان وأدل عثمان على من هو خير له منها )‬
‫وتزوجها عليه الصالة والسالم وزوج بنته أم كلثوم بعثمان‬
‫وقد كان النبي {صلى اهلل عليه وسلم} طلقها فقيل له راجعها فإنها صوامة قوامة وفيها وفي عائشة‬
‫نزل قوله تعالى ( إن تتوبا إلى اهلل فقد صغت قلوبكما )‬
‫الرابعة أم حبيبة بنت أبي سفيان ‪ -‬رملة ‪ -‬كانت تحت عبيد اهلل بن‬
‫جحش مات عنها بأرض الحبشة وزوجها منه عثمان بن عفان‬
‫وقيل خالد بن سعيد بن العاصي‬
‫وقيل الوليد وهم أوالد عم أبيها بإذنها‬
‫وقيل النجاشي وقبل له وكيله عمرو بن أمية الضمري وأمهرها النجاشي عنه أربعة آالف درهم‬
‫وقيل تزوج بالمدينة بعد مجيئها من الحبشة‬
‫وما وقع في مسلم أن أبا سفيان قال للنبي {صلى اهلل عليه وسلم} يوم الفتح أزوجك أجمل العرب‬
‫وأحسبه أم حبيبة قال ( نعم ) فطعن ابن حزم في شريك راويه‬
‫فأجاب غيره بأن المراد تجديد العقد أو غير ذلك مما أوضحته في كتاب الوكالة من تخريج أحاديث‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫الرافعي ونقلته إلى شرح العمدة فسارع إليها‬
‫قال الماوردي وقيل إن في تزويجها نزل قوله تعالى عسى اهلل أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم‬
‫مودة‬
‫ولما تنازع أزواجه عليه الصالة والسالم في حضانة ابنه إبراهيم قال ادفعوه إلى أم حبيبة فإنها‬
‫أقربهن منه رحما‬
‫الخامسة منهن أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية تزوجها بعد وفاة أبي سلمة عبد اهلل‬
‫بن عبد األسد‬
‫السادسة ميمونة بنت الحارث خالة ابن عباس‬
‫وكل النبي {صلى اهلل عليه وسلم} أبا رافع في قبول نكاحها وهي بمكة‬
‫وهل كان حالال أو محرما ففيه خالف قدمته‬
‫ودخل بها عام الفتح سنة ثمان بسرف وبه ماتت‬
‫وبدأ به {صلى اهلل عليه وسلم} المرض في بيتها‬

‫وروي أنه تزوجها عمرة القضاء وكانت سنة سبع‬


‫قال عطاء وكان ال يقسم لها فلعله كان يرضاها‬
‫وهو ما حكاه‬
‫القرطبي في تفسيره‬
‫المعروف أن التي ال يقسم لها سودة‬
‫قال عطاء وكانت آخرهن موتا ماتت بالمدينة‬
‫السابعة صفية بنت حيي بن أخطب من سبي بني النضير من ولد هارون عليه السالم اصطفاها عليه‬
‫السالم وأعتقها وتزوجها في سنة سبع‬
‫وهي التي أهدت إليها زينب بنت سالم اليهودية الشاة المسمومة فأكل منها {صلى اهلل عليه وسلم}‬
‫وسميت صفية الصطفائها من المغنم وقيل بل كان اسمها من قبل‬
‫الثامنة جويرية بنت الحارث من بني المصطلق من خزاعة‬
‫سبيت‬
‫في غزوة المريسيع‬
‫وقد تقدم في رواية أنه عليه الصالة والسالم جعل عتقها صداقها‬
‫وفي أبي داود أنها جاءت تستعينه في كتابتها قال النبي {صلى اهلل عليه وسلم} ( أؤدي عنك كتابتك‬
‫وأتزوجك ) قالت قد فعلت‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫فلما تسامع الناس أن رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} تزوجها أرسلوا بما في أيديهم من السبي‬
‫فأعتقوهم وقالوا أصهار رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم}‬
‫فكانت أبرك امرأة على قومها عتق بسببها أكثر من مائة أهل بيت من بني المصطلق‬
‫التاسعة زينب بنت جحش وكان اسم أبيها مرة فسماه‬
‫رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} جحشا‬
‫وقال ( لو كان مسلما سميناه اسما من أسمائنا )‬
‫وكانت ابنة عمته ألن أمها أميمة بنت عبد المطلب‬
‫وبدأ ابن األثير في جامعه بعائشة ثم بحفصة ثم أم سلمة ثم بزينب ثم بأم حبيبة ثم بصفية ثم بجويرية‬
‫ثم بسودة ثم بميمونة وهذا الترتيب بحسب فضلهن كما ادعاه صاحب المطلب ال بحسب التقديم في‬
‫النكاح‬
‫قال فإن أول من تزوج بعد خديجة على المشهور عائشة ثم سودة ثم حفصة ثم أم سلمة ثم أم حبيبة ثم‬
‫زينب بنت جحش ثم ميمونة ثم جويرية ثم صفية كذا قال‬
‫وقال أعني ابن األثير ‪ -‬في معرفة الصحابة أول نسائه خديجة ثم بعدها سودة وقيل عائشة وتزوج‬
‫حفصة سنة ثالث وزينب بنت جحش سنة خمس‬
‫وقيل غير ذلك‬
‫وأم حبيبة سنة ست وبنى بها سنة سبع‬
‫وجويرية سنة ست وقيل خمس‬
‫وميمونة سنة سبع وصفية سنة تسع‬
‫وزينب بنت خزيمة الهاللية سنة ثالث‬
‫وأم سلمة سنة أربع‬

‫وأما الثمان الالتي فارقهن في حياته‬


‫أ ‪ -‬فأسماء بنت النعمان الكندية المستعيذة على أحد األقوال‬
‫ب ‪ -‬وليلى بنت الخطيم األوسية أتت رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} وهو غافل فضربت ظهره‬
‫فقال ( من هذا أكله األسد )‬
‫فقالت أنا ليلى جئت أعرض عليك نفسي فقال ( قد قبلت )‬
‫ثم علمت كثرة ضرائرها فاستقالته فأقالها‬
‫فدخلت حائطا بالمدينة فأكلها الذئب‬
‫ج ‪ -‬وعمرة بنت يزيد الكالبية دخل بها ثم رآها تتطلع فطلقها‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫د ‪ -‬العالية بنت ظبيان دخل بها ومكثت عنده ما شاء اهلل ثم طلقها‬
‫ه ‪ -‬وفاطمة بنت الضحاك اختارت فراقه عند التخيير ففارقها بعد الدخول‬
‫و ‪ -‬وقتيلة بنت قيس أخت األشعث بن قيس تزوجها في مرضه فاختارت فراقه ولم يدخل بها‬
‫ز ‪ -‬ومليكة بنت كعب الليثية كانت مذكورة بالجمال فقيل إن عائشة رضي اهلل عنها دست إليها أال‬
‫تستحين تزوجي قاتل أبيك يوم الفتح فاستعيذي منه فإنه يعيذك ففعلت فطلقها‬
‫ح ‪ -‬وامرأة من غفار رأى بكشحها وضحا فقال ( ضمي إليك ثيابك والحقي بأهلك )‬
‫فهؤالء ثمان دخل منهن بثالث‬
‫تذنيب‬
‫أخرج في الصحيح أنه عليه السالم كان يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن‬
‫إحدى عشرة قيل ألنس وكان‬
‫يطيقه قال كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثالثين‬
‫وهو صريح في الجمع بين إحدى عشرة في وقت واحد‬
‫التسع الالتي مات عنهن واثنتان غيرهن‬
‫وال يجوز أحدهما زينب بنت خزيمة ألنه ال يجمع بينها وبين أختها ميمونة‬
‫نعم يجوز ان يكونا من الثالثة المتقدمة الالتي دخل بهن إما أسماء أو فاطمة أو عمرة‬
‫( فائدة ) تسرى رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} بمارية القبطية أم ولده إبراهيم وريحانة بنت عمرو‬
‫وهي من بني قريظة ثم أعتقها فلحقت بأهلها‬
‫وقيل إنه تزوجها ثم طلقها‬
‫وقيل مات عنها وهي زوجه‬
‫وفي الشامل البن الصباغ أنه اتخذ من اإلماء ثالثا‬
‫وقد قدمت عن الماوردي أن ريحانة أسلمت ذكرته في المسألة الثانية قبل النوع الثالث‬
‫وقد آن لنا أن نعود إلى المقصود فنقولـ‬

‫المسالة الثانية من هذا النوع فأزواجه عليه الصالة والسالم أمهات المؤمنين قال تعالى وأزواجه‬
‫أمهاتهم‬
‫وقرأ مجاهد وهو أب لهم وقيل إنها قراءة أبي بن كعب‬
‫قال الشافعي في المختصر أمهاتهم في معنى دون معنى‬
‫وذلك أنه ال يحل نكاحهن بحال وال يحرم بنات لو كن له ألنه عليه الصالة والسالم زوج بناته وهن‬
‫أخوات المؤمنين‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫وذكر نحوه في األم‬
‫وجعل القضاعي ذلك له دون غيره من األنبياء وقد خولف في ذلك كما سيأتي‬
‫فأزواجه {صلى اهلل عليه وسلم} أمهات المؤمنين سواء من مات تحته ومن مات عنها وهي تحته‬
‫وذلك في تحريم نكاحهن ووجوب احترامهن وطاعتهن‬
‫وفي تعدي ذلك إلى جواز النظر وجهان في الحاوي والمشهور المنع وبه جزم الرافعي‬
‫وال يثبت لهن حكم األمومة في جواز الخلوة والمسافرة وال في النفقة والميراث‬
‫وال يتعدى ذلك إلى غيرهن فال يقال بناتهن أخوات المؤمنين بدليل أنه ال يحرم على المؤمنين التزوج‬
‫ببناتهن وأخواتهن‬
‫وال على‬
‫إخوانهن التزويج بالمؤمنات‬
‫وقد زوج {صلى اهلل عليه وسلم} بناته من المؤمنين علي وعثمان ونكح الزبير أخت عائشة وعبد‬
‫الرحمن بن عوف حمنة أخت زينب‬
‫وكذا ال يقال آباؤهن وأمهاتهن أجداد وجدات المؤمنين بل يقتصر على ما ورد من ثبوت حكم‬
‫األمومة لهن في بعض األحكام‬
‫وحكى الرافعي وجها أن اسم األخوة يطلق على بناتهن واسم الخؤولة ينطلق على إخوتهن وأخواتهن‬
‫لثبوت اسم األمومة لهن وإ ن لم توجب ذلك تحريم النكاح كما أن المسلمات كلهن أخوات المسلمين في‬
‫اإلسالم وال يوجب ذلك تحريم النكاح‬
‫قال وهذا ظاهر لفظ المختصر يشير إلى قوله زوج بناته وهن أخوات المؤمنين لكن أكثر األصحاب‬
‫‪ -‬كما قال الماوردي ‪ -‬غلطوا فيه ألنه قال في أحكام القرآن وقد تزوج بناته وهن غير أخوات‬
‫المؤمنين‬
‫وقيل إن الكاتب حذف لفظة غير‬
‫وقيل ما قاله صحيح‬
‫وتقديره قد زوج بناته أي يزوجهن وهن أخوات المؤمنين‬
‫والقاضي حسين حكى الخالف في جواز تسمية معاوية خال المؤمنين مع جزمه بتخطئة المزني‬

‫( فرع ) قال البغوي وكن أمهات المؤمنين من الرجال دون النساء‬


‫روي ذلك عن عائشة رضي اهلل عنها يا أماه فقالت لست لك بأم إنما أنا أم رجالكم وهذا جار على‬
‫الصحيح عند أصحابنا أصحابنا وغيرهم من أهل األصولـ أن النساء ال يدخلن في خطاب الرجال‬
‫وحكى الماوردي في تفسيره خالفا في كونهن أمهات المؤمنات وهو خارج على مذهب من أدخلهن‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫في الخطاب تعظيما لحقهن‬
‫ووجه مقابله أن فائدة أمومتهن في حق الرجال مفقودة في حق النساء‬
‫قال أصحابنا فاألمومة ثالث وأحكامها مختلفة‬
‫أ ‪ -‬أمومة الوالدة ويثبت فيها جميع أحكام األمومة‬
‫ب ‪ -‬وأمومة أزواجه عليه الصالة والسالم وال يثبت إال تحريم النكاح‬
‫ج ‪ -‬وأمومة الرضاع متوسطة بينهما‬
‫( فرع ) قال البغوي وكان النبي {صلى اهلل عليه وسلم} أبا الرجال والنساء جميعا‬
‫وقال الواحدي قال بعض أصحابنا ال يجوز أن يقال هو أب المؤمين لقوله تعالى ما كان محمد أبا أحد‬
‫من رجالكم‬
‫قال ونص الشافعي أن يقال هو أب المؤمنين في الحرمة‬
‫ومعنى اآلية ليس أحد من رجالكم ولد صلبه‬
‫قال صاحب المطلب وفيه نظر ألن ذلك معلوم ببداهة العقول والشرع ال يرد بمثله‬
‫إال أن يراد به التنبيه على أن تحريم نكاح زوجة االبن يختص بابن الصلب‬
‫وال يتعدى إلى ابن التبني فإن سبب نزول اآلية زواجه عليه الصالة والسالم بزينب زوجة زيد فإنه‬
‫حينئذ يكون غرضا مقصودا‬
‫وعن األستاذ أبي إسحاق أنه ال يقال أبونا وأنما يقال هو كأبينا لما روي أنه {صلى اهلل عليه وسلم}‬
‫قال ( إنما أنا لكم كالوالد )‬
‫ونقل صاحب المحكم عن الزجاج في معنى قوله تعالى قال يا قوم هؤالء بناتي هن أطهر لكم اآلية‬
‫كنى بنسائه عن نسائهم ونساء أمة كل نبي بمنزلة نسائه وأزواجه بمنزلة أمهاتهم وحكى جماعة من‬
‫المفسرين في ذلك قولين أحدهما أنه أراد بناته حقيقة ألن الجمع يقع على اإلثنين والثاني أنه أراد‬
‫نساء أمته ألنه ولي أمته واهلل أعلم‬
‫المسألة الثالثة تفضيل زوجاته على سائر النساء‬
‫هذا لفظ الرافعي وسبق الخالف في تفضيل فاطمة على خديجة‬

‫والخالف شهير في مريم هل هي نبية أو ال‬


‫قال القرطبي روى عن النبي {صلى اهلل عليه وسلم} أنه قال ( إن في النساء أربع نبيات حواء وآسية‬
‫وأم موسى ومريم )‬
‫ثم قال والصحيح أن مريم كانت نبية ألن اهلل تعالى أوحى إليها بواسطة الملك كما أوحى إلى سائر‬
‫األنبياء‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫قال الماوردي وهل فضلهن ‪ -‬يعني زوجاته ‪ -‬على نساء زمانهن أو على النساء كلهن فيه قوالن‬
‫وقال النووي في شرح مسلم في حديث فضل عائشة على النساء كفضلـ الثريد على سائر الطعام‬
‫فضل عائشة على النساء زائد كزيادة فضل الثريد على غيره من األطعمة‬
‫وليس في هذا تصريح لتفضيلها على مريم وآسية الحتمال أن المراد بفضلها بفضلها على نساء األمة‬
‫( فرع ) وجعل ثوابهن وعقابهن مضاعفا‬
‫قال اهلل تعالى يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة اآليتين‬
‫قال الشافعي قال اهلل تعالى يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن اآلية‬
‫فأبانهن به {صلى اهلل عليه وسلم} من نساء العالمين‬
‫أي‬
‫جعلهن مباينات ألجل صحبة رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} لنساء سائر العالمين في الثواب عند‬
‫االتقاء وفعل الخير وكذا في جزاء الجريمة لو اتفقت منهن والعياذ باهلل والفاحشة المبينة الزنا قاله‬
‫السدي‬
‫وقال ابن عباس رضي اهلل عنهما النشوز وسوء الخلق والقنوت الطاعة واألجر مرتين في اآلخرة‬
‫وقيل أحدهما في الدنيا واآلخر في اآلخرة‬
‫واختلف العلماء في مضاعفة العذاب فقيل عذاب في الدنيا وعذاب في اآلخرة‬
‫وغيرهن إذا عوقب في الدنيا لم يعاقب في اآلخرة ألن الحدود كفارات‬
‫وقال مقاتل حدان في الدنيا‬
‫قال وال يضاعف عليهن في السرقة لو قدرت‬
‫قال سعيد بن جبير وكذا عذاب من قذفهن يضاعف في الدنيا فيجلد مائة وستين‬
‫قال الماوردي ولم أر للشافعي نصا في ذلك من القولين غير أن األشبة بكالمه أنهما حدان في الدنيا‬
‫وإ نما ضوعف الحد بفضلهن كما أن حد الحر ضعف حد العبد لكماله وفضله‬
‫قال صاحب التلخيص قال اهلل تعالى لئن أشركت ليحبطن عملك وعمل غيره إنما يحبط بالموت على‬
‫الكفر‬

‫قال وقال تعالى فيه لقد كدت تركن إليهم اآلية‬


‫( فرع ) ال يحل ألحد أن يسألهن إال من وراء حجاب‬
‫قال اهلل تعالى وإ ذا سألتموهن متاعا اآلية‬
‫وأما غيرهن فيجوز أن‬
‫يسألهن مشافهة‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫جزم به النووي في الروضة والرافعي نقله عن التهذيب للبغوي وأقره‬
‫وقال القاضي عياض المالكي خصصن بفرض الحجاب عليهن بال خالف في الوجه والكفين فال‬
‫يجوز لهن كشف ذلك لشهادة وال غيرها وال إظهار شخوصهن وإ ن كن مستترات إال لضرورة‬
‫خروجهن للبراز‬
‫قال وكن إذا قعدن للناس جلسن من وراء الحجاب وإ ذا خرجن حجبن وسترن أشخاصهن كما جاء في‬
‫حديث حفصة يوم وفاة عمر‬
‫ولما توفيت زينب جعلوا لها قبة فوق نعشها يستر شخصها وأقره على ذلك النووي في شرحه لمسلم‬
‫ذكره في باب إباحة الخروج للنساء لقضاء حاجة اإلنسان‬
‫( فائدة ) ذكر البغوي عن الخطابي عن سفيان بن عيينة أنه قال كان نساء رسول اهلل {صلى اهلل عليه‬
‫وسلم} في معنى المعتدات وللمعتدة السكنى فجعل لهن سكن البيوت ما عشن وال يملكن رقابها‬
‫القسم الثاني كراماته في غير النكاح‬
‫وفيه مسائل‬
‫المسألة األولى أنه خاتم النبيين وال يعارضه ما ورد من نزول عيسى عليه الصالة والسالم آخر‬
‫الزمان فإنه ال يأتي بشريعة ناسخة بل مقررا لها عامال بها‬
‫المسألة الثانية أن أمته خير األمم معصومة ال تجتمع على ضالل ابدا‬
‫المسألة الثالثة أن إجماعها حجة على الصحيح وإ جماع غيرها من األمم ليس بحجة عند األكثرين‬
‫خالفا لألستاذ أبي إسحاق وآخرين‬
‫واختار اآلمدي التوقف في ذلك‬
‫المسألة الرابعة أن شريعته مؤبدة وناسخة لجميع الشرائع‬
‫المسألة الخامسة أن كتابة معجز بخالف سائر كتب األنبياء محفوظ عن التحريف والتبديل وأقيم بعده‬
‫حجة على الناس ومعجزات سائر األنبياء انقرضت بانقراضهم‬
‫المسألة السادسة أنه عليه الصالة والسالم قال نصرت بالرعب مسيرة شهر ) كما ثبت في الصحيح‬
‫وروينا من حديث السائب ابن أخت نمر ( فضلت على األنبياء بخمس )‬
‫فذكر منها ( نصرت بالرعب شهرا أمامي وشهرا خلفي )‬

‫المسألة السابعة أن رسالته عامة إلى اإلنس والجن‬


‫وكل نبي بعث إلى قومه خاصة‬
‫وأما نوح عليه السالم فصارت رسالته عامة بعد الطوفان النحصار الباقين فيمن كان معه في السفينة‬
‫وأما قبله فاختلفوا في عمومها فقيل كانت عامة لعموم العقاب بالطوفان لمخالفته وقيل كانت خاصة‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫لقومه‬
‫( تنبيه ) عبر الرافعي بقوله وبعث إلى الناس كافة‬
‫وتبع في ذلك القرآن والحديث‬
‫وهو معنى قولي أوال إلى اإلنس والجن فإن الناس قد يكون من الجن ومن اإلنس‬
‫وأصلة أناس مخفف نبه عليه الجوهري‬
‫المسألة الثامنة جعلت له وألمته األرض مسجدا وطهورا‬
‫المسألة التاسعة أحلت له و ألمته الغنائم ولم تحل ألحد قبله بل كانوا يجمعونها ثم تأتي نار من السماء‬
‫فتأكلها كما جاء مبينا في الصحيح من رواية أبي هريرة في حديث النبي الذي غزا وحبس اهلل تعالى‬
‫له الشمس‬
‫قال الشيخ تقي الدين القشيري يحتمل أن يراد بحلها له أن‬
‫يتصرف فيها كيف يشاء ويقسمها كما أراد‬
‫كما في قوله تعالى يسألونك عن األنفال قل األنفال هلل والرسول اآلية‬
‫ويحتمل أن يراد لم يحل شيء منها لغيره {صلى اهلل عليه وسلم} وأمته‬
‫وفي بعض األحاديث ( أحل لنا الخمس )‬
‫أخرجه ابن حبان في صحيحه‬
‫قلت قد يجاب عن هذا بأن الخمس خص منها لشرفه‬
‫المسألة العاشرة جعلت أمته شهداء يوم القيامة على األمم بتبليغ الرسل إليهم رساالتهم‬
‫قال اهلل تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس اآلية‬
‫ومستندهم في الشهادة وإ ن لم يروا ذلك إخبار اهلل تعالى لهم به في قوله تعالى كذبت قوم نوح‬
‫المرسلين كذبت عاد كذبك ثمود فكذبوا رسلي ونحوها من اآليات‬
‫المسألة الحادية عشرة أصحابه عليه الصالة والسالم خير األمة فكل منهم أفضل من كل من بعده وإ ن‬
‫رقي في العلم والعمل‬
‫وخالف ابن عبد البر وقال قد يأتي بعدهم من هو أفضل من بعضهم وأفضلهم عند أهل السنة الخلفاء‬
‫األربعة على ترتيبهم في الخالفة ثم بقية العشرة وفضل بعضهم عليا على عثمان‬
‫وفضل بعضهم من مات في حياته على من بقي بعده‬

‫المسألة الثانية عشرة جعلت صفوف أمته كصفوفـ المالئكة‬


‫المسالة الثالثة عشرة له {صلى اهلل عليه وسلم} شفاعات‬
‫أ ‪ -‬أوالهن الشفاعة العظمى في الفصل بين أهل الموقف حين يفزعون إليه بعد األنبياء كما ثبت في‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫الصحيح في حديث الشفاعة‬
‫ب ‪ -‬والثانية في جماعة يدخلون الجنة بغير حساب‬
‫ج ‪ -‬والثالثة في ناس استحقوا دخول النار‬
‫د ‪ -‬والرابعة في ناس دخلوا النار فيخرجون‬
‫ه ‪ -‬والخامسة في رفع درجات ناس في الجنة‬
‫واألولى مختصة به وكذا الثانية‬
‫قال النووي في الروضة ويجوز أن تكون الثالثة والخامسة أيضا أي والرابعة يشاركه فيها غيره من‬
‫األنبياء والعلماء واألولياء‬
‫وقال القاضي عياض إن شفاعته إلخراج من في قلبه مثقال حبة من إيمان مختصة به إذا لم يأت‬
‫شفاعة لغيره إال قبل هذه‬
‫و ‪ -‬وأهمل النووي شفاعة سادسة وهي تخفيف العذاب على من استحق الخلود فيها كما في حق أبي‬
‫طالب في إخراجه من غمرات النار إلى ضحضاحها‬
‫ز ‪ -‬والسابعة وهي الشفاعة لمن مات بالمدينة لما روى الترمذي وصححه عن ابن عمر أن النبي‬
‫{صلى اهلل عليه وسلم} قال ( من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإني أشفع لمن مات بها )‬
‫نبه ‪ -‬على هذه والتي قبلها ‪ -‬القاضي عياض في األكمال‬
‫وفي صحيح مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رفعه ( ال يثبت أحد على ألوائها وجهدها إال كنت‬
‫له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة )‬
‫فهذه شفاعة أخرى خاصة بأهل المدينة‬
‫وكذلك الشهادة زائدة على شهادته لألمة‬
‫وقد قال عليه الصالة والسالم في شهداء أحد ( أنا شهيد على هؤالء )‬
‫وفي العروة الوثقى للقزويني أن من شفاعاته شفاعته لجماعة من صلحاء المؤمنين فيتجاوز عنهم في‬
‫تقصيرهم في الطاعات‬
‫وأطلق الرافعي أن من خصائصه شفاعته في أهل الكبائر‬
‫وفي ذلك نظر فإن المختصة به ليست في مطلق أهل الكبائر‬
‫المسألة الرابعة عشرة أنه أول شافع وأول مشفع أي أول من تجاب شفاعته فقد يشفع اثنان ويجاب‬
‫الثاني قبل األول‬
‫المسألة الخامسة عشرة أنه أول من تنشق عنه األرض يوم القيامة‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫وحديث ( فإذا موسى باطش بجانب العرش فال أدري أكان ممن صعق فأفاق قبلي أم كان ممن‬
‫استثنى اهلل ) يحتمل كما قال القاضي عياض أنه عليه الصالة والسالم قاله قبل أن يعلم أنه أول من‬
‫تنشق عنه األرض على اإلطالق‬
‫قال ويجوز أن يكون معناه أنه من الزمرة الذين أول من تنشق عنهم األرض فيكون موسى من تلك‬
‫الزمرة‬
‫وهم ‪ -‬واهلل أعلم ‪ -‬زمرة األنبياء عليهم السالم‬
‫المسألة السادسة عشرة أنه أول من يقرع باب الجنة‬
‫المسألة السابعة عشرة أنه سيد ولد آدم يوم القيامة كذا عبر به الرافعي وهو لفظ رواية مسلم من‬
‫حديث أبي هريرة‬
‫وفي رواية له وللبخاري ( أنا سيد الناس يوم القيامة )‬
‫عزاها إليهما البيهقي في دالئل النبوة‬
‫ثم رواه من حديث أنس رضي اهلل عنه أيضا باللفظ المذكور بزيادة ( وال فخر )‬
‫ثم رواه من حديث ابن عباس بلفظ ( أال وإ ني سيد ولد آدم يوم القيامة وال فخر )‬
‫وهو سيد ولد آدم مطلقا كما عبر به النووي في الروضة‬
‫والسيد الذي يفوق قومه وإ نما خص يوم القيامة بذلك لظهور ذلك اليوم لكل أحد من غير منازعة كما‬
‫في قوله تعالى لمن الملك اليوم وإ نما أخبر عليه الصالة والسالم بذلك ألمرين‬
‫أحدهما امتثاال لقوله تعالى وأما بنعمت ربك فحدث‬
‫والثاني بأنه من البيان الذي عليه تبليغه على أمته ليعرفوه ويعملوا بمقتضاه‬
‫ويلزم من ذلك تفضيله على جميع الخلق ألن مذهب أهل السنة أن األنبياء عليهم الصالة والسالم‬
‫أفضل من المالئكة‬
‫وأما حديث ( ال تفضلوا بين األنبياء )‬
‫فجوابه من أوجه ذكرتها في شرح المنهاج والتنبيه واقتصر البيهقي في دالئل النبوة على أنه محمول‬
‫على مجادلة أهل الكتاب في تفضيل نبينا على أنبيائهم لئال يؤدي إلى اإلزراء‬
‫ونقله على الحليمي‬
‫ثم نقل عن الخطابي أيضا أن النهي عن ذلك خوف اإلزراء‬
‫قال الخطابي والجمع بين حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه ( أنا سيد ولد آدم ) وحديث ابن عباس‬
‫( ما ينبغي لعبد أن يقول أنا ) وفي رواية ( إني خير من يونس بن متى ) ظاهر‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫ألن األول إخبار عما أكرمه اهلل تعالى به من التفضيل والسؤدد والثاني مؤول بوجهين‬
‫أحدهما أن المراد بالعبد من سواه دون نفسه‬
‫ثانيهما ‪ -‬وهو أوالهما ‪ -‬أنه قاله إظهارا للتواضع‬
‫ويقول ال ينبغي لي أن أقول أنا خير منه ألن الفضيلة التي نلتها كرامة من اهلل ال من قبل نفسي فليس‬
‫لي أن أفتخر بها‬
‫وإ نما خص يونس بالذكر فيما نرى ‪ -‬واهلل أعلم ‪ -‬لما قد قص اهلل علينا من شأنه‬
‫وما كان من قلة صبره على أذى قومه وخرج مغاضبا فلم يصبر كما صبر أولو العزم من الرسل‬
‫وقال الخطابي في موضع آخر وجه الجمع بينهما أن هذه السيادة في القيامة إذا قدم في الشفاعة على‬
‫جميع األنبياء‬
‫وإ نما منع أن يفضل على غيره منهم في الدنيا وإ ن كان مفضال في الدارين من قبل اهلل‬
‫ومعنى ( ال فخر ) أي ال أقول هذا القول على سبيل الفخر الذي يدخله الكبر‬
‫وأما قوله عليه الصالة والسالم ‪ -‬لما قال له ذلك الرجل يا خير البرية ( ذاك إبراهيم عليه السالم )‬
‫رواه مسلم من حديث أنس‬
‫ففيه جوابان‬
‫أحدهما أنه قاله تواضعا واحتراما إلبراهيم عليه السالم لخلته وأبوته‬
‫وذكره البيهقي بنحوه في دالئل النبوة‬
‫وثانيهما أنه قاله قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم‬
‫وجواب ثالث ذكره ابن العربي أن قوله ذاك إبراهيم يعني بعده‬
‫وضعفه ابن دحية في كتابه المستوفى في أسماء المصطفى قال والصحيح الجواب الثاني‬
‫فإن قلت هذا خبر ال يدخله خلف وال نسخ‬
‫فالجواب من وجهين أحدهما أن المراد خير البرية الموجودين في عصره‬
‫وأطلق العبارة الموهمة للعموم ألنه أبلغ في التواضع‬
‫ثانيهما أنه إن كان خبرا فالنسخ يدخله ألن التفضيل يمنحه اهلل لمن يشاء‬
‫المسألة الثامنة عشرة أنه أكثر أكثر األنبياء أتباعا‬
‫المسالة التاسعة عشرة صفوف أمته كصفوفـ المالئكة‬
‫المسألة العشرون كان ال ينام قلبه وكذلك األنبياء عليهم السالم كما أخرجه البخاري في حديث‬
‫اإلسراء‬
‫المسالة الحادية والعشرون يرى من وراء ظهره كما ينظر أمامه‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫قال في الشامل ومعنى ذلك الحس والتحفظ‬
‫ومن الغريب المستفاد ما ذكره الزاهدي مختار بن محمود الحنفي شارح القدوري ومصنف القنية في‬
‫رسالته الناصرية أنه عليه الصالة والسالم‬
‫كان بين كتفيه عينان مثل سم الخياط وكان يبصر بهما وال يحجبهما الثياب‬
‫وذكر في هذه الرسالة أنه قيل ظهر على يد نبينا {صلى اهلل عليه وسلم} ألف معجزة وقيل ثالثة آالف‬
‫وذكر في هذه الرسالة أيضا أن من معجزاته إنبات النخلة في سنام البعير وإ دراك ثمرها في الحال ثم‬
‫تناولها الحاضرون فمن علم اهلل منه أنه يؤمن كانت الثمرة حلوة في فمه ومن علم أنه ال يؤمن عاد‬
‫حجرا في فمه‬
‫المسألة الثانية والعشرون تطوعه بالصالة قاعدا كتطوعه قائما وإ ن لم يكن عذر‬
‫وتطوع غيره على النصف‬
‫قاله صاحب التلخيص والبغوي والرافعي وأنكره القفال وقال ال يعرف هذا بل هو كغيره‬
‫وهو غريب فهو ذهول عما في صحيح مسلم من حديث عبد اهلل بن عمرو بن العاص قال أتيت‬
‫رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} يصلي جالسا فقلت حدثت يا رسول اهلل أنك قلت ( صالة الرجل‬
‫قاعدا على نصف الصالة ) وأنت تصلي قاعدا قال ( أجل ولكني لست كأحد منكم )‬
‫ال جرم قال النووي في الروضة المختار األول‬
‫وقال في شرح مسلم في باب صالة الليل إنه الصواب الذي قاله أصحابنا‬
‫وذكر هذه الخصيصة القضاعي فيما خص به األنبياء قبله‬
‫المسألة الثالثة والعشرون يخاطبه المصلي بقوله سالم عليك أيها النبي وال يخاطب سائر الناس‬
‫المسألة الرابعة والعشرون ال يجوز ألحد رفع صوته فوق صوته قال اهلل تعالى يأيها الذين آمنوا ال‬
‫ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي اآلية‬
‫وال أن يناديه من وراء الحجرات‬
‫قال اهلل تعالى إن الذي ينادونك من وراء الحجرات اآلية‬
‫فإن قيل قد ثبت في الصحيح أن عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه استأذن على النبي {صلى اهلل عليه‬
‫وسلم} وعنده نسوة من قريش يكلمنه عالية أصواتهن فالجواب يحتمل أن يكون ذلك قبل النهي‬
‫ويحتمل أن يكون علو الصوت كان بالهيئة االجتماعية ال بانفراد كل واحدة منهن‬
‫ذكره القاضي عياض‬

‫قال القرطبي قوله تعالى وال تجهروا له بالقول اآلية‬


‫أي ال تخاطبوه يا أحمد يا محمد‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫ولكن يا نبي اهلل يا رسول اهلل توقيرا له‬
‫وقيل ال تجهروا أي عليه كجهر بعضكم بعضا الكاف كاف التشبيه أي ال تجهروا له جهرا مثل جهر‬
‫بعضكم لبعض وفي هذا دليل على أنهم لم ينهوا عن الجهر مطلقا حتى ال يسوغ لهم أن يكلموه إال‬
‫بالهمس والمخافتة‬
‫وإ نما نهوا عن جهر مخصوص مقيد بصفة‬
‫قال وكره بعضهم رفع الصوت عند قبره {صلى اهلل عليه وسلم}‬
‫وكره بعضهم رفع الصوت في مجالس العلماء تشريفا لهم إذ هم ورثة األنبياء عليهم الصالة السالم‬
‫المسألة الخامسة والعشرون ال يجوز أن يناديه باسمه فيقولـ يا محمد يا أحمد‬
‫ولكن يقول يا نبي اهلل يا رسول اهلل لما تقدم من حديث أنس أن رجال من أهل البادية جاء فقال يا‬
‫رسول اهلل أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن اهلل أرسلك الحديث لعله كان قبل النهي أو لم يبلغه‬
‫النهي‬
‫وروى يعقوب بن أبي اسحاق بن أبي إسرائيل عن ابن حميد‬
‫قال ناظر أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور ‪ -‬ثاني خلفاء بني العباس ‪ -‬اإلمام مالكا في مسجد‬
‫رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم}‬
‫وكان بين يدي الخليفة في ذلك اليوم خمسمائة سيف‬
‫فقال له مالك يا أمير المؤمنين ال ترفع صوتك في هذا المسجد فإن اهلل عز وجل أدب قوما فقال ال‬
‫ترفعوا أصواتكم اآلية‬
‫ومدح قوما فقال إن الذين يغضون أصواتهم اآلية‬
‫وذم قوما فقال إن الذين ينادونك من وراء الحجرات اآلية‬
‫وإ ن حرمة رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} ميتا كحرمته حيا‬
‫قال فاستكان لها الخليفة أبو جعفر المنصور وقال يا أبا عبد اهلل أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول‬
‫اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} فقال ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السالم‬
‫بل استقبله واستشفع به‬
‫قال تعالى ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك اآلية‬
‫المسألة السادسة والعشرون شعره طاهر وإ ن نجسنا شعر غيره من الناس‬
‫وكذلك بوله ودمه وسائر فضالته على أحد الوجهين ألصحابنا‬

‫وينبغي اختياره وقد صححه القاضي حسين من أصحابنا وكان يستشفى ويتبرك ببوله ودمه كذا‬
‫عبارة النووي في الروضة‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫وعبارة الرافعي وكان يستشفى ويتبرك ببوله ودمه‬
‫قال السهيلي وفي شرب بوله ودمه من الفقه أنهما يخالفان بول غيره ودمه في التحريم ولم ينكر ‪-‬‬
‫واهلل أعلم ‪ -‬ذلك للحديث الذي بيناه في نزول الملكين عليه حين غسال جوفه بالثلج في طشت الذهب‬
‫الذهب فصار بذلك من المطهرين‬
‫واعلم أن الرافعي نقل عن أبي جعفر الترمذي الطهارة في الكل وهو خالف ما في الماوردي حيث‬
‫قال في حاويه في باب األواني وكان أبو جعفر من أصحابنا يزعم أن شعر النبي {صلى اهلل عليه‬
‫وسلم} وحده طاهر وأن شعر غيره من الناس نجس‬
‫ألنه عليه الصالة والسالم حين حلق شعره بمنى قسمه بين أصحابه ولو كان نجسا لمنعهم منه‬
‫قيل له فقد حجمه أبو طيبة وشرب دمه بحضرته أفتقول أن دمه طاهر فركب الباب وقال أقول‬
‫بطهارته‬
‫قيل له فقد روي أن امرأة شربت بوله فقال لها ( إذا ال ييجع بطنك ) أفتقول بطهارته قال ال ألن‬
‫البول منقلب من الطعام والشراب وليس كذلك الدم والشعر ألنهما من أصل الخلقة‬
‫وحاصل ذلك أنا ال نقول بطهارة البول والغائط والقيء على خالف ما ذكره الرافعي‬
‫نعم الخالف ثابت عن غير أبي جعفر حكاه القفال في شرح التلخيص في الخصائص وتلقاه منه‬
‫جماعة‬
‫المسألة السابعة والعشرون من زنا بحضرته أو استهان به كفر جزم به الرافعي‬
‫وقال النووي في الروضة في الزنا نظر‬
‫المسألة الثامنة والعشرون يجب على المصلي إذا دعاه {صلى اهلل عليه وسلم} أن يجيبه لقصة أبي‬
‫سعيد بن المعلى في صحيح البخاري وأتى في الترمذي‬
‫وال تبطل صالته‬
‫وفيهما وجه بعيد‬
‫وأبداهما الروياني في إجابة الوالد في الصالة‬
‫وذكر القضاعي هذه الخصيصة فيما خص به من دون سائر األنبياء‬
‫المسألة التاسعة والعشرون أوالد بناته ينسبون إليه‬
‫وأوالد بنات غيره ال ينسبون إليه في الكفاءه وغيرها‬
‫قال {صلى اهلل عليه وسلم} ( كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إال سببي ونسبي )‬

‫رواه الحاكم من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن عمر وقال صحيح اإلسناد‬
‫ومن حديث المسور بن مخرمة بزيادة ( وصهرتي )‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫ثم قال صحيح‬
‫وأخرجه الطبراني في أكبر معاجمه من حديث ابن عباس بإسناد ال أعلم به بأسا‬
‫وقد وقع لنا من حديث عمر بطريق آخر غير ما سلف‬
‫فلنذكره‬
‫باإلسناد على عادة الحفاظ الثقات أنبأنا به الذهبي أنا أحمد بن سالم إجازة عن مسعود بن أبي منصور‬
‫أنا أبو علي المقرئ أنا أبو نعيم أنا أبو جعفر الحضرمي أنا عباد بن زياد أنا يونس بن أبي يعفور عن‬
‫أبيه سمعت ابن عمر قال سمعت عمر يقول‬
‫سمعت رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} يقول ( كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إال سببي ونسبي‬
‫)‬
‫ويدل لما ذكرناه أيضا أنه عليه الصالة والسالم أخذ بيد الحسين حين أراد الحضور للمباهلة لما نزل‬
‫قوله تعالى قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم وقوله للحسن ( إن ابني هذا سيد )‬
‫وقوله حين بال عليه وهو صغير ( ال تزرموا ابني )‬
‫وهذه الخصيصة التي ذكرتها قالها صاحب التلخيص‬
‫وتبعه الرافعي في معنى الحديث السالف‬
‫فقيل معناه أن أمته ينسبون إليه يوم القيامة وأمم سائر األنبياء ال ينسبون‬
‫وقيل ال ينتفع يومئذ بسائر األنساب وينتفع بالنسبة إليه وذكر القضاعي هذه الخصيصة فيما خص به‬
‫دون غيره من األنبياء‬
‫المسألة الثالثون صح عنه أنه {صلى اهلل عليه وسلم} قال ( تسموا باسمي وال تكنوا يكنيتي )‬
‫كما أخرجه البخاري ومسلم من رواية جماعة من الصحابة منهم جابر وأبو هريرة وغيرهما‬
‫قال الشافعي وليس ألحد أن يكتني بأبي القاسم سواء كان اسمه محمدا أم ال‬
‫قال الرافعي ومنهم من حمله على كراهية الجمع بين االسم والكنية وجوز اإلفراد‬
‫قال ويشبه أن يكون هذا أظهر ألن الناس ما زالوا يكتنون به في سائر األعصار من غير إنكار‬
‫قال النووي في الروضة وهذا التأويل واالستدالل ضعيف‬
‫واألقرب مذهب مالك وهو جواز التكني بأبي القاسم مطلقا لمن اسمه محمد ولغيره‬

‫والنهي مختص بحياته {صلى اهلل عليه وسلم} ألن سبب النهي أن اليهود تكنوا به وكانوا ينادون يا أبا‬
‫القاسم فإذا التفت النبي {صلى اهلل عليه وسلم} قالوا لم نعنك‬
‫إظهارا لإليذاء‬
‫وقد زال ذلك المعنى‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫وهذا نقله الغزالي في اإلحياء عن العلماء‬
‫وقول النووي في الروضة كما سلف ما ذكره الرافعي أنه ضعيف‬
‫وكذا قوله في األذكار أن فيه مخالفة ألصل الحديث فيه نظر بل فيه موافقة لحديث صحيح رواه‬
‫اإلمام أحمد وأبو داود والترمذي من حديث أبي الزبير عن جابر رفعه ( من تسمى باسمى فال يتكنى‬
‫بكنيتي ومن تكنى بكنيتي فال يتسمى بإسمي ) قال الترمذي حسن غريب‬
‫وقال البيهقي في شعب اإليمان بعد أن أخرجه هذا إسناد صحيح‬
‫وصححه أيضا ابن حبان وابن السكن وهو مذهب أبي حاتم بن حبان من جلة أصحابنا كما أوضحه‬
‫في صحيحه‬
‫وشذ آخرون فمنعوا التسمية باسم النبي {صلى اهلل عليه وسلم} جملة كيف ما يكنى حكاه الشيخ زكي‬
‫الدين المنذري قال وذهب آخرون إلى أن النهي في ذلك منسوخ‬
‫قلت وفي آخر كتاب الصبر ‪ -‬يعني الحافظ بخطه ‪ -‬ما نصه ظئر محمد بن طلحة روى عنها عيسى‬
‫بن طلحة قالت لما ولد محمد بن طلحة أتينا به رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} فقال ( ماسميتموه )‬
‫فقلنا محمدا فقال ( هذا اسمي وكنيته أبو القاسم )‬
‫فإن صح فيحمل أن هذا كان قبل النسخ‬
‫واعلم أن جماعة تسموا بهذا االسم وكنوا بهذه بهذه الكنية‬
‫وبعضهم أدرك زمنه {صلى اهلل عليه وسلم} منهم‬
‫أبو القاسم محمد بن الحنفية في جامع الترمذي من حديث محمد بن الحنفية عن علي رضي اهلل عنه‬
‫أنه قال يا رسول اهلل أرأيت إن ولد لي من بعدك ولد أسميه محمدا وأكنيه بكنيتك قال ( نعم )‬
‫قال وكانت رخصة لي‬
‫قال الترمذي حديث صحيح‬
‫قلت ويروى أنه قال لعلي رضي اهلل عنه ( سيولد لك بعدي غالم وقد نحلته اسمي وكنيتي وال يحل‬
‫ألحد من أمتي بعده‬
‫ومنهم أبو القاسم محمد بن أبي بكر الصديق ومحمد بن طلحة بن عبيد اهلل ومحمد بن سعد بن أبي‬

‫وقاص ومحمد بن عبد الرحمن بن عوف ومحمد بن جعفر بن أبي طالب ومحمد بن حاطب بن أبي‬
‫بلتعة ومحمد بن األشعث بن قيس وكلهم كانوا يكتنون بهذه الكنية‬
‫( تنبيه ) لما حكى في الروضة من زوائد المذهب‬
‫الثالث في التكني بأبي القاسم قال والثالث يجوز لمن اسمه محمد دون غيره كذا هو في بعض النسخ‬
‫وهو سهو منه في التعبير‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫والصواب أنه يجوز لمن ليس اسمه محمدا دون غيره فتنبه له واهلل أعلم‬
‫( فائدة غريبة ) حكى ابن الصالح في فوائده عن كتاب األعداد البن سراقة الفقيه نهى النبي {صلى‬
‫اهلل عليه وسلم} عن أربع كنى أبي عيسى وأبي الحكم وأبي مالك وأبي القاسم لمن تسمى محمدا‬
‫المسألة الحادية والثالثون كانت الهدية له حالال بخالف غيره من الحكام ووالة األمر من رعاياهم‬
‫ذكره النووي في الروضة‬
‫وذكر‬
‫القضاعي في عيون المعارف أن من خصائصه أنه اليقبلـ هدية مشرك وال يستعين به وفيما ذكره‬
‫نظر‬
‫المسألة الثانية والثالثون أعطي {صلى اهلل عليه وسلم} جوامع الكلم‬
‫وأوتي اآليات األربع من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطهن أحد قبله وال بعده‬
‫قال الهروي نعني بجوامع الكلم القرآن جمع اهلل في األلفاظ اليسيرة منه المعاني الكثيرة‬
‫وكالمه {صلى اهلل عليه وسلم} كان بالجوامع قليل اللفظ كثير المعاني‬
‫وقال ابن شهاب بلغني أن جوامع الكلم أن اهلل تعالى يجمع له األمور الكثيرة التي كانت تكتب قبله في‬
‫األمر الواحد واألمرين ونحو ذلك‬
‫ذكره البيهقي في دالئل النبوة في إثر حديث أبي هريرة أنه {صلى اهلل عليه وسلم} قال ( بعثت‬
‫بجوامع الكلم ) الحديث وعزاه إلى البخاري ومسلم‬
‫المسألة الثالثة والثالثون عرض عليه الخلق كلهم من آدم إلى من بعده كما علم آدم أسماء كل شيء‬
‫ذكره العراقي في شرح المهذب‬
‫المسألة الرابعة والثالثون فاتته ‪ -‬عليه الصالة السالم ‪ -‬ركعتان بعد الظهر فقضاهما بعد العصر ثم‬
‫داوم عليهما بعده واألصح أن هذه‬
‫المداومة خاصة به‬

‫ذكره النووي في الروضة لكن ذكر الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد حديثا عن تميم الداري أنه كان‬
‫يصليهما مع النبي {صلى اهلل عليه وسلم} من طريق يحيى بن بكير عن الليث عن أبي األسود عن‬
‫عروة عنه‬
‫فإن صح خدش في ذلك لما ذكره ابن حبان في صحيحه من حديث أم سلمة أنه {صلى اهلل عليه وسلم}‬
‫قال لها ‪ -‬وقد سألته عن فعله لهاتين الركعتين ‪ ( -‬كنت أصليهما قبل العصر فصليتهما اآلن ) قالت‬
‫يا رسول اهلل أنصليهما إذا فاتتنا قال ( ال )‬
‫قال فيه البيان بأن من فاتته ركعتا الظهر إلى أن صلى‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫العصر ليس عليه إعادتهما وإ نما كان ذلك له خاصة دون أمته اه‬
‫وينبغي أن تحمل اإلعادة في كالمه على الدوام وإ ال فظاهر كالمه ليس بجيد‬
‫المسألة الخامسة والثالثون ال يجوز الجنون على األنبياء عليهم الصالة والسالم بخالف اإلغماء كما‬
‫أطلقه الرافعي وغيره‬
‫وعن القاضي حسين أنه حكى في كتاب الصوم عن الدارمي أن اإلغماء إنما يجوز عليهم ساعة أو‬
‫ساعتين فأما الشهر والشهران فال كالجنون‬
‫واألشهر امتناع االحتالم عليهم كما قاله في الروضة‬
‫قلت وفي الطبراني من حديث ابن عباس رفعه ( ما احتلم نبي قط إنما االحتالم من الشيطان )‬
‫وضعفه ابن دحية في كتابه المسمى باآليات البينات‬
‫المسألة السادسة والثالثون من رآه في المنام فقد رآه حقا فإن الشيطان ال يتمثل في صورته كما صح‬
‫في الحديث‬
‫قال القاضي أبو‬
‫بكر معناه أن رؤياه صحيحة ليست بأضغاث‬
‫وقال آخرون معناه رآه حقيقة‬
‫قال القاضي عياض ويحتمل أن يكون المراد ما إذا رآه على صفته المعروفة له في حياته‬
‫فإن رآه على خالفها كانت رؤيا تأويل ال رؤيا حقيقة‬
‫قال بعض العلماء خص عليه الصالة والسالم بأن رؤيته في المنام صحيحة ومنع الشيطان أن‬
‫يتصور في خلقته لئال يكذب على لسانه في النوم كما منع أن يتصور في صورته في اليقظة إكراما‬
‫له‬
‫إذا تقرر ذلك فما سمعه الرائي في المنام مما تتعلق به األحكام ال يعمل به لعدم ضبط الرائي ال للشك‬
‫في الرؤيا‬
‫فإن الخبر ال يقبل إال من ضابط مكلف والنائم بخالفه‬

‫هذا ما ذكره القاضي حسين في فتاويه في مسألة صيام رمضان وآخرون من األصحاب وجزم به في‬
‫الروضة من زوائده في أوائل النكاح في الكالم على الخصائص‬
‫ونقل القاضي عياض االجماع عليه‬
‫ونقل النووي أيضا في شرح مسلم ‪ -‬في باب بيان أن اإلسناد من الدين ‪ -‬عن أصحابنا وغيرهم أنهم‬
‫نقلوا االتفاق على أنه ال يغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع‬
‫ثم قال وهذا في منام يتعلق بإثبات حكم على خالف ما يحكم به لواله‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫وأما إذا رآه وأمره بفعل ما هو مندوب إليه أو ينهاه عن منهي عنه أو يرشده إلى فعل مصلحة فال‬
‫خالف في استحباب العمل على وفقه‬
‫ألن ذلك ليس حكما بمجرد المنام بل بما تقرر من أصل ذلك الشيء‬
‫نعم عن فتاوي الحناطي ‪ -‬من جلة أصحابنا ‪ -‬أن إنسانا رأى النبي {صلى اهلل عليه وسلم} في منامه‬
‫على الصفة المنقولة عنه فسأله عن الحكم فأفتاه بخالف مذهبه وليس مخالفا لنص وال أجماع‬
‫فقال فيه وجهان‬
‫أحدهما يؤخذ بقوله ألنه مقدم على القياس‬
‫وثانيهما ال ألن القياس دليل واألحالم ال تعويل عليها فال يترك من أجلها الدليل‬
‫وعن كتاب الجدل لألستاذ أبي إسحاق اإلسفرائيني حكاية وجهين في أن الرجل لو رأى النبي {صلى‬
‫اهلل عليه وسلم} في المنام وأمره بأمر هل يجب عليه امتثاله إذا‬
‫استيقظ كذا هو في مجموع عتيق منسوب البن الصالح عنه‬
‫وفيه أيضا حكاية وجهين في وجوب التمسك من حيث هو في الحالة المذكورة‬
‫وعن روضة الحكام للقاضي شريح من أصحابنا لو كان النبي {صلى اهلل عليه وسلم} قال لفالن على‬
‫فالن كذا هل للسامع أن يشهد لفالن على فالن كذا وجهان‬
‫وقد سلفا‬
‫( فائدة ) روى الطبراني ‪ -‬أظنه في أوسط معاجمه ‪ -‬من حديث أبي سعيد الخدري أنه {صلى اهلل‬
‫عليه وسلم} قال ( من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان ال يتمثل بي وال بالكعبة )‬
‫ثم قال ال تحفظ هذه اللفظة إال في هذا الحديث‬
‫( تنبيه ) جعل القضاعي هذه الخصوصية مما خص بها دون غيره من األنبياء‬
‫المسألة السابعة والثالثون أن األرض ال تأكل لحوم األنبياء للحديث الصحيح في ذلك‬
‫ذكره في الروضة‬

‫المسألة الثامنة والثالثون أن الكذب عليه {صلى اهلل عليه وسلم} عمدا من الكبائر لقوله {صلى اهلل‬
‫عليه وسلم} في الحديث الصحيح ( إن كذبا علي ليس ككذب على أحد )‬
‫نعم ال يكفر فاعله على الصحيح وهو قول الجمهور‬
‫وقال‬
‫الشيخ أبو محمد هو كفر فإن تاب قبلت توبته إذا حسنت حالته‬
‫قال جماعة منهم الصيرفي من أصحابنا ال تقبل روايته بعدها بخالف الفسق وبخالف الشهادة وهو‬
‫مذهب أحمد‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫المسألة التاسعة والثالثون قال الماوردي في تفسيره قال ابن أبي هريرة كان {صلى اهلل عليه وسلم}‬
‫ال يجوز عليه الخطأ ويجوز على غيره من األنبياء‬
‫ألنه خاتم النبيين فليس بعده من يستدرك خطأه بخالفهم فلذلك عصمه اهلل تعالى منه‬
‫وقال اإلمام الحق أنه ال يخطأ اجتهاده‬
‫واختار اآلمدي وابن الحاجب أنه يجوز عليه الخطأ بشرط أن ال يقر عليه‬
‫ونقله اآلمدي عن أكثر أصحابنا والحنابلة وأصحاب الحديث‬
‫واحتج اآلمدي بأشياء منها قوله تعالى عفا اهلل عنك لم أذنت لهم اآلية‬
‫وقوله تعالى ما كان لنبي أن يكون له أسرى اآلية‬
‫فإن عمر رضي اهلل عنه كان قد أشار بقتلهم فلم يقتلهم‬
‫والحديث ( إنما أحكم بالظاهر ) واهلل أعلم‬
‫المسألة األربعون يبلغه {صلى اهلل عليه وسلم} سالم الناس عليه بعد موته‬
‫ويشهد لجميع النبيين باألداء يوم القيامة قاله الماوردي‬
‫المسألة الحادية واألربعون جعل ابن سبع من خصائصه أنه كان نورا‬
‫وكان إذا مشى في الشمس أو القمر ال يظهر له ظل‬
‫ويشهد له أنه عليه الصالة والسالم سأل اهلل تعالى أن يجعل في جميع أعقابه وجهاته نورا وختم ذلك‬
‫بقوله ( واجعلني نورا )‬
‫المسألة الثانية واألربعون قال الشيخ عز الدين بن عبد السالم جاء عن رسول اهلل {صلى اهلل عليه‬
‫وسلم} أنه علم بعض الناس الدعاء‬
‫فقال ( قل اللهم إني أقسم عليك بنبيك محمد نبي الرحمة )‬
‫فإن صح فينبغي أن يكون مخصوصا به فإنه سيد ولد آدم وأن ال يقسم على اهلل بغيره من األنبياء‬
‫والمالئكة واألولياء فإنهم ليسوا في درجته‬
‫قلت الحديث المذكور أخرجه الترمذي من حديث عثمان بن‬

‫حنيف بلفظ ( اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ) الحديث‬
‫ثم قال حسن صحيح غريب‬
‫قال البيهقي في دالئل النبوة ورويناه في كتاب الدعوات بإسناد صحيح‬
‫ورواه من طريق ليس فيها ( أقسم ) بل ( أسألك )‬
‫فوائد نختم بها الكتاب‬
‫روت عائشة رضي اهلل عنها أنه {صلى اهلل عليه وسلم} كان يرى في الظلمة كما يرى في النور لكنه‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫ضعفه ابن بشكوال كما حكاه ابن دحية في كتابه اآليات البينات له‬
‫وأخرجه البيهقي في دالئل النبوة من حديثها بلفظ كان يرى في الظلماء كما يرى في الضوء‬
‫ثم قال هذا إسناد فيه ضعف‬
‫ثم أخرجه من حديث ابن عباس بلفظ كان يرى بالليل في الظلمة كما يرى بالنهار من الضوء‬
‫ثم قال ليس إسناده بالقوي‬
‫وروي أن األرض تبتلع بوله وغائطه ويفوح لذلك رائحة طيبة‬
‫روت عائشة أيضا أنها قالت يا‬
‫رسول اهلل إني أراك تدخل الخالء ثم يجيء الذي يدخل بعدك فال يرى لما يخرج منك أثرا‬
‫فقال ( يا عائشة أما علمت أن اهلل تعالى أمر األرض أن تبتلع ما خرج من األنبياء )‬
‫قال ابن دحية في الكتاب المذكور سنده ثابت‬
‫وأما البيهقي فأخرجه في دالئل النبوة من حديثها أيضا بلفظ كان إذا دخل الغائط دخلت في أثره‬
‫فال أرى شيئا إال أني كنت أشم رائحة الطيب‬
‫فذكرت ذلك له فقال يا عائشة أما علمت أن أجسادنا تنبت أرواح أهل الجنة وما خرج منها من شيء‬
‫ابتلعته األرض‬
‫ثم قال هذا من موضوعاتـ الحسين بن علوان ال ينبغي ذكره‬
‫ففي األحاديث الصحيحة والمشهورة كفاية عن كذب ابن علوان‬
‫وفي الشفاء البن سبع عن بعض أصحابه أنه قال ( صحبه {صلى اهلل عليه وسلم} في سفر فلما أراد‬
‫قضاء حاجته تأملته وقد دخل مكانا فقضىـ حاجته فدخلت‬
‫في الموضع الذي خرج منه فلم أر له أثر غائط وال بول ورأيت في ذلك الموضع ثالثة أحجار‬
‫فأخذتهن في كفي فتعلقت رائحتهن رائحة طيب وعطر‬
‫وروى أنس موضوعا ( من كرامتي أني ولدت مختونا ولم ير أحد سوأتي )‬
‫ذكر أبن الجوزي في كتاب الوفاء له‬
‫قال ابن دحية ولم تعرف علته واعتقد صحته وهو حديث مصنوع اإلسناد‬

‫يحاسب عليه المحدث إن لم يبين علته يوم القيامة ثم ذكرها‬


‫ومن الفوائد الجليلة أنه عليه الصالة والسالم كان ال يتثاءب‬
‫أخرجه البخاري في تاريخه الكبير وأخرجه في كتاب األدب تعليقا‬
‫وقال مسلمة بن عبد الملك ما تثاءب نبي قط وإ نها عالمة النبوة‬
‫وقيل كان ال يتمطى أيضا ألنه من عمل الشيطان‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫ذكره ابن سبع في الشفاء‬
‫قال أهل اللغة منهم ثابت في دالئله صواب هذه اللفظة تثأب مشدد الهمزة وال يقال تثاوب‬
‫نقله ابن دحية في خصائص أعضاء النبي {صلى اهلل عليه وسلم}‬
‫وفي المثل في الصحاح أعدى من الثوباء تقول منه تثأبت وال يقال تثاوبت‬
‫ومما عد من خصائصه {صلى اهلل عليه وسلم} أنه أقر به جماعة قبل بعثته كورقة بن نوفل بل قيل‬
‫وجوده فقد أقر به حبيب النجار الموجود في عصر عيسى عليه السالم وغيره كما ورد وكذا تبع‬
‫األكبر‬
‫ورأيت في ( أعذب الموارد‬
‫وأطيب الموالد ) للعزفي الشيبي أن من خصائص سيدنا رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} أنه كان ال‬
‫ينزل عليه الذباب‬
‫وحكاه أيضا غيره كما يأتي‬
‫وفي الطبراني الكبير عن الحسن بن جرير الصوري ثنا صفوان بن صالح ثنا الوليد بن مسلم ثنا عبد‬
‫العزيز بن حصين عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى واذكر ربك إذا نسيت‬
‫قال إذا نسيت االستثناء فاستثن إذا ذكرت‬
‫وهي لرسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} خاصة وليس لنا أن نستثني إال في صلة اليمين‬
‫وذكر ابن شاهين أن من جملة شعب اإليمان االستثناء في كل كالم‬
‫وروى بإسناد ضعيف من حديث أبي هريرة مرفوعا ( ال يتم إيمان العبد حتى يستثني في كل حديثه )‬
‫أو قال ( في كل كالمه ) وذكر ابن القاص في تلخيصه من خصائصه أنه كان ال ينطق عن الهوى‬
‫وأنه نهى عن طعام الفجاءة فاجأه أبو الدرداء على طعام له فأمره بأكله‬
‫وتبعهما عليهما القضاعي في عيونه‬
‫وذكر أن هذه مما خص بها دون سائر األنبياء‬
‫وذكر ‪ -‬أعني القضاعي ‪ -‬من هذا القسم أنه خص بعصمته من الناس ومن األعالل الموجبة‬
‫وأن المالئكة قاتلت معه يوم بدر ولم تقاتل مع أحد قبله‬
‫قلت ويوم أحد كما في مسلم‬

‫وذكر أن من خصائصه {صلى اهلل عليه وسلم} أنه ال يشهد على جور‬
‫وفيه نظر بالنسبة إلى غيره‬
‫وذكر القاضي عياض في الشفا أنه عليه الصالة والسالم كان يرى في الثريا أحد عشر نجما‬
‫وذكر السهيلي أنه كان يرى فيها اثني عشر نجما كما قال القرطبي في كتاب أسماء النبي {صلى اهلل‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫عليه وسلم}‬
‫وصفاته أنه ال تزيد على تسعة أنجم فيما يذكرون ونظم ذلك في رجزه فقال‬
‫وهو الذي يرى النجوم الخافية‬
‫مبينات في السماء العالية‬
‫إحدى عشر عد في الثريا‬
‫لناظر سواه ما تهيا‬
‫ومن خصائصه {صلى اهلل عليه وسلم} بياض إبطه فإنه أسود ألجل الشعر نص على ذلك أبو نعيم في‬
‫دالئله فقال بياض إبطه {صلى اهلل عليه وسلم} من عالمة نبوته‬
‫وادعى المهلب بن أبي صفرة المالكي أنه {صلى اهلل عليه وسلم} كان ال يتجنب الطيب في اإلحرام‬
‫ونهانا عنه لضعفنا عن ملك الشهوات‬
‫إذ الطيب من أسباع الجماع ودواعيه‬
‫وفي الشفاء البن سبع أنه لم تقع على ثيابه ذباب قط‬
‫ولم يكن القمل تؤذيه تعظيما له وتكريما‬
‫وأن كل دابة ركب عليها بقيت على القدر الذي كان يركب عليها فلم تهرم لبركته وقال غريب‬
‫قال وكان إذا جلس أعلى من جميع الجلوس‬
‫وإ ذا مشى بين الناس ينسب إلى الطول ولم يكن أحد من الناس يماشيه إال طاله‬
‫وفي الزمخشري في سورة التحريم في قوله قد فرض اهلل لكم تحلة أيمانكم‬
‫إن قلت هل كفر رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} لذلك قلت عن الحسن أنه لم يكفر ألنه كان مغفورا‬
‫له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‬
‫وإ نما هو تعليم للمؤمنين‬
‫وعن مقاتل أن رسول اهلل {صلى اهلل عليه وسلم} أعتق رقبة في تحريم مارية اه‬
‫قال مؤلفه غفر اهلل له قرأت على الشيخ اإلمام صالح الدين أبي المحاسن يوسف بن أحمد بن عبيد اهلل‬
‫بن جبريل الموقع أنا أبو الفرج الحراني قراءة عليه أنا أبو حامد عبد اهلل بن مسلم بن حوالي قراءة‬
‫عليه أنا أبو منصور القزاز أنا الحافظ أبو بكر الخطيب‬

‫أنا الحسن بن أبي بكر بن شاذان ثنا أبو الحسن عبد الرحمن بن نصر الشاعر ثنا أبو عمر اآلسي‬
‫بمصر ثنا دينار مولى أنس قال صنع أنس ألصحابه طعاما فلما طعموا قال يا جارية هاتي المنديل‬
‫فجاءت بمندل درم فقال اسجري التنور واطرحيه فيه ففعلت فابيض فسألناه عنه فقال إن كان هذا‬
‫للنبي {صلى اهلل عليه وسلم} فإن النار ال تحرق شيئا مسته أيدي األنبياء‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫غاية السول في خصائص‬
‫وهذا حديث عال وقع عالي اإلسناد ودينار هذا ضعفوه‬
‫هذا آخر ما تيسر جمعه ‪ -‬بحمد اهلل ومنه ‪ -‬وأنا ساع في الزيادة عليه أعاننا اهلل على ذلك‬
‫فخصائصه في الحقيقة ال تحصى ومآثره أكثر من أن يجاء بها فتستقصى‬
‫قال المؤلف تغمده اهلل برحمته ووقع الفراغ منه عند زوال ظهر يوم الثالثاء نصف شهر اهلل األصم‬
‫رجب من سنة ثمان وخمسين وسبعمائة‬
‫أحسن اهلل بعضها وما بعدها في خير وعافية وذلك بالقاهرة المعزية من الديار المصرية حماها اهلل‬
‫وسائر بالد اإلسالم وأهله‬

You might also like