Professional Documents
Culture Documents
الحيل النفسية للعوده
الحيل النفسية للعوده
1
أي أنه يذكر معاين جمملة عامة يسهل على كل إنسان فهمها وليس فيها من الغموض والدقة أي مقدار.
ومن بعده كان اإلمام الشاطيب أيضا يقول:
( إن السلف رحمهم اهلل تعالى كان الواحد منهم ال يهتم باأللفاظ ،بل يلقي الكالم على عواهله وكيفما أتفق متى
ما علم أن هذا الكالم يؤدي المعنى المقصود ،ويصل إلى ذهن السامع ويبلغ المعنى الشرعي).
إذا لندرك أننا يف هذه اجللسة ال يعنينا تزويق األلفاظ.
وال تصفيف العبارات ،وال الرتتيب العلمي واملوضوعي بقدر ما يعنينا أن أمامنا عددا من احليل النفسية اليت نتسرت هبا
أحيانا ينبغي أن نكتشفها ونفضح نفوسنا فيها حىت نضعها أمام احلقيقة وجها لوجه ،وال نبقي عذرا ملعتذر يقعد عن أن
يقوم بعمل يف سبيل اهلل عز وجل.
إذا ال تنتظر مين استكماال للموضوع وال تطويال فيه وال تنظريا ،بل وال حسن ترتيب ،فحسيب أن تفهم الكالم الذي
أقوله وتوقن أو تعلم بأنه حق وأنه ينبغي أن نعاجله.
وبادئ ذي بدء نالحظ أن الرسول (صلى اهلل عليه وسلم) هنى عن العجز واستعاذ منه فقال عليه الصالة والسالم يف
حديث أيب هريرة الذي رواه مسلم وهو حديث طويل:
( أحرص على ما ينفعك وأستعن باهلل وال تعجز).
وهذا هني ،وال تعجز ،إذا أمسك بيدك كلمة العجز حىت نفكر بعد قليل ما هو العجز.
مث تنتقل فتجد أن من دعاء النيب (صلى اهلل عليه وسلم) الذي ثبت عن مجاعة من الصحابة كأنس أبن مالك مثال أو غريه
أنه كان عليه الصالة والسالم يستعيذ من العجز:
( وأعوذ بك من العجز) .واحلديث جاء عن أنس وزيد أبن أرقم وهو يف الصحيح وغريه.
وجتد يف القرآن الكرمي كلمة العجز أيضا موجودة يف مواضع منها:
(واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما…..اآليات)
إىل قوله تعاىل:
(فبعث اهلل غرابا يبحث في األرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب
فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين)
إذا هنا يربز أمامك العجز ،فالعجز إذا داء ،مرض يكون سببه الغفلة وعدم االهتداء ،حىت أن هذا اإلنسان مثال مل يكن
عاجزا عن أن حيفر األرض ليدفن أخاه الذي قتله ،ولكنه غفل عن هذا املعىن ومل يتفطن له حىت رأى الغرب يبحث يف
األرض فاستيقظ وتنبه والم نفسه أن يكون الغراب معلماً له ويسبقه إىل هذه القضية فيحفر يف األرض فقال:
(قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين).
وبذلك قد نكتشف أن العجز هو صفة مالزمة للمعتدين أحيانا ،ألن هذا اإلنسان كان معتديا ،فاالعتداء غلف قلبه
وغطى على فطرته حىت مل يتفطن إىل مسألة أن حيفر األرض أخاه.
إذا الزيادة أو النقص اإلفراط أو التفريط كل هذه األشياء تكون سببا يف ابتالء اإلنسان بالعجز والقعود وترك العمل.
2
اإلنسان يتعلم إذا حىت من احليوان ،وأنت تعرف قصة اإلنسان الذي أراد أن يتعلم النحو ففشل مرة ومرتني وثالث،
وبعد ذلك رأى منلة تصعد وكلما صعدت سقطت مث تكرر احملاولة.
فبعد ذلك تلقن من ذلك درسا أنه جيب أن حياول ويكرر احملاولة فيستجيب حىت من احليوان أو الطري أو غريه ،حىت
يذكرون هذه القصة عن سيبويه أو غريه.
ولذلك وصم اهلل املنافقني الذين ختلفوا أنه أراد سبحانه أن يصيبهم ببعض ذنوهبم ومبا كسبت أيديهم ،وكذلك بعض
املؤمنني أيضا الذين هربوا أو تولوا من املعركة:
(إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا اهلل عنهم إن اهلل غفور
حليم)( .فإن تولوا فاعلم أنما يريد اهلل أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون).
هذا العجز الوارد يف الشرع هو ما ميكن أن نعرب عنه أحيانا بالعوائق النفسية أو احليل النفسية وهو داء يف القلب أو يف
النفس لكن ال يصل إىل حد أن نعترب أن صاحبه بالضرورة Ÿكما قد يتوهم البعض مريضا نفسيا أو جمنونا مثال.
ال ..لكن عنده نوع من اخللل ،وأنت تالحظ الفرق بني إنسان سوي النفس سليم القلب ملتزم بالكتاب والسنة كثري
اإلقبال عليهما شديد التوكل على اهلل ،جتد أن موازينه وحساباته مضبوطة.
وآخر أعماله النفسية كلها غري طبيعية بل هي مصابة باخللل بسبب نوع من عدم االعتدال عنده.
فتجد مثال قضية اإلدراك عنده غري منضبطة ،ال يدرك األمور إدراكا صحيحا ،وال يتصورها تصورا صحيحا ،وال
يتذكرها وال يتخيلها بشكل صحيح ،فهو يدركها على غري صورهتا وبذلك خيطئ احلسابات كما سوف يأيت أمثلة لذلك
بعد قليل ،وبالتايل جتد أن هذا اإلنسان ال يعمل.
أحيانا هناك إنسانا قاعدا ال يعمل ،ولو قلت له ،قال لك نعم أنا ال أفعل شيء ،ملاذا ؟
قال لك عسى اهلل يهديين ،واهلل أنا قادر ومستطيع ،فال خيدع نفسه أو يضحك عليها.
ولكن هناك آخر جتد أنه إذا حادثته وقلت ملاذا ال تفعل شيء؟
بدأ يفلسف هذا العجز ،ويظهره بصورة العقل أحيانا،
أو بصورة الفهم أو احلكمة ،أو حىت بصورة الشرع كما سوف يبدو لك.
فما هي هذه األعذار اليت نتسرت ورائها أحيانا حىت نرتك العمل ؟
قبل أن أذكرها أود أن أقول لك نقطة حتى تدرك هل أنت تعيش نوعا من الحيل النفسية.
تصور وأنت قاعد بني يدي اآلن ،هل تشعر أنك املخاطب وأن الكالم وموجه لك مباشرة؟
أم تشعر أنه يعين أناس آخرين غريك؟
فإن كنت تتصور أن الكالم موجه لك أنت بالذات دون غريك ،فهذا دليل على نوع من الوضوح والصراحة مع نفسك.
لكن إن كنت تشعر بأن املخاطبني أناس موجودين يف كوكب آخر ،فيجب أن تتنبه إىل أن هذه بداية احليل النفسية،
أنك جتعل الكالم يزل عن ميينك ومشالك وال يصيبك.
أول هذه الحيل التواضع الوهمي الكاذب.
3
فريى اإلنسان نفسه ليس أهال لشيء ،ال لعمل وال لوظيفة وال لشهادة وال إلمامة وال خلطابة وال لدعوة وال لتصدر وال
إلدارة وال لشيء.
يقول يا أخي أنا أعرف نفسي ،ال تظن أين متواضع ،ال.
احلقيقة لو تعرف ما يف نفسي من العيوب لعذرتين وأدركت أنين ال أقول إال احلقيقة ،فدعين ونفسي.
وعبثا حتاول إخراج بعض هؤالء الناس من تواضعهم الومهي الذي أصبح حيول بينهم وبني أي عمل.
وليست املشكلة يف وجود الشعور نفسه ،كون اإلنسان يتكلم عن نفسه بازدراء أو احتقار أو يهضم نفسه أو يوخبها،
هذا ال شيء فيه بل هو أمر فطري بل املؤمن الصادق هو كذلك ،ال يصاب بغرور وال عجب وال يرى نفسه شيئا.
وكما قال أبن مسعود رضي اهلل عنه كما يف الصحيح( :إن المؤمن يرى ذنوبه مثل جبل على رأسه يخشى أن يقع
عليه ،والمنافق كذباب وقع على وجهه فقال به هكذا بيده فطار).
إذا حنن ال نعيبك أن توبخ نفسك وال أن تزدري نفسك وال أن حتتقرها فهذا ال شيء فيه.
ولكن املشكلة أن يتحول هذا الشعور عندك إىل منهج حيكم كل تصرفاتك وأعمالك.
درس أو أمسك هذه الوظيفة املهمة أو ألف كتابا أو ألقي فإذا قلنا لك يا فالن تعال أمسك املسجد وصلي باملسلمني أو ّ
درسا أو حماضرة أو أمر مبعروف أو أهنى عن منكر ،هززت رأسك وقلت:
اهلل املستعان ،لو كنت تعلم ما يب كنت تعذرين ،فتحول هذا الشعور إىل عائق وحائل مينع اإلنسان من العمل.
وأنت جتد أن كالم السلف يدل على أن املشكلة ليست يف وجود هذا الشعور والكالم ،ولكن املشكلة يف كونه يتحول
إىل ذريعة لرتك العمل الصاحل.
مثال أبو الوفاء أبن عقيل – رمحه اهلل – صاحب كتاب الفنون يف مثامنائة جملد وهو من أذكياء العامل ،له كالم عجيب يف
توبيخ نفسه نقله أبن اجلوزي يف كتاب صيد اخلاطر ،وقال أبن اجلوزي بعد ما وبخ نفسه وذمها وعاتبها قال:
( وقد رأيت اإلمام أبو الوفاء أبن عقيل قد ناح على نفسه نحو ما نحت فأعجبتني نياحته فنقلتها ها هنا).
يقول أعجبين صياحه وبكائه على نفسه.
ماذا قال أبو الوفاء؟ قال كالما طويال مقصده وخالصته أن أبا الوفاء أبن عقيل خياطب نفسه ويقول:
(يا نفس ماذا استفدت من عمرك الطويل؟ استفدت من أن يقال لك أنك إنسان مناظر قوي الحجة ال غير ،مثل ما
يقال للمصارع المنتصر الغارة (يوصف هبذا الوصف أو يسمى هبذا االسم).
قال :وعما قليل تترك ذلك في الموت ،بل حتى في حياتك لو برز للناس شخص أو شاب افره من وأقوى منك
عبارة لربما موهوا له بالقول وركضوا ورائه وتركوك ،فماذا انتفعت من قول الناس لك يا مناظر ؟ وأنت تعلم ما
في نفسك وما في قلبك.
ثم قال واهلل ما أعلم في نفسي حسنة أستطيع أن أسأل اهلل بها فأقول :اللهم إني أسألك كذا بكذا.
مثل اللهم أين أسألك اجلنة بأين أقوم الليل أو بأين أصوم النهار أو بصلة رحم مثال ،يقول إين ال أعلم لنفسي حسنة
أستطيع أسأل اهلل هبا فأقول اللهم إين أسألك كذا بكذا.
4
(وعما قليل أموت فيقول الناس مات الرجل الصالح العالم الورع الـ ..الـ ..ووهلل لو علموا حقيقتي ما دفنوني).
وكالم من هذا القبيل طويل ،كالم مث قال:
(واهلل ألنادين على نفسي وأفضحها لعل اهلل أن يرحمني بذلك).
كالم أبن اجلوزي مثال ،وكال أبو الوفاء أبن عقيل وغريهم من أهل العلم لعل الكثريين منكم يفضحون نونية القحطاين:
واهلل لو علموا قبيح سريرتي ….ألبى السالم علي من يلقاني
وألعرضوا عني وملوا صحبتي…ولبؤت بعد كرامة بهواني
إىل آخر قصيدته.
لكن السؤال ،أبو الوفاء أبن عقيل وأبن اجلوزي والقحطاين ومن قبلهم ومن بعدهم حىت الصحابة رضي اهلل عنهم هلم يف
ذلك كالم كثري يف ازدراء النفس ،هل هذا الشعور جعلهم ال يعملون ،ال جياهدون ،ال يأمرون باملعروف ال ينهون عن
املنكر؟ ال ..أبو بكر هو اخلليفة وأمور املسلمني كلها يف عنقه ومع ذلك كثريا ما يوبخ نفسه ،فإذا مدحوه قال:
(اللهم أغفر لي ما ال يعلمون واجعلني خيرا مما يظنون).
وكثري ما كان أبو بكر رضي اهلل عنه يقبل على نفسه فيوخبها ويذمها.
ومثله عمر ،خليفة وتعرف عمر ماذا فعل رجل إجيايب من الدرجة األوىل ،ومع ذلك عمر كما يف األثر الصحيح كان
(بخ بخ يا أبن الخطاب ،باألمس ترعى غنم الخطاب ،واليوم أمير المؤمنين ،واهلل لتتقين اهلل أو ليعذبنك).
يقولٍ :
إذا فرق بني شعورك باالزدراء واالحتقار لنفسك الذي هو خري وضمانة –إن شاء اهلل -عن العجب واالغرتار وعن
حبوط العمل وعن الكرب وعن الغطرسة وعن رد احلق ،فرق بني هذا ،وبني هذا االحتقار للنفس الذي هو مدخل من
مداخل الشيطان جيعلك ال تقوم بأي عمل صاحل وال متارس أي دور.
كالم أبو الوفاء أبن عقيل وأبن اجلوزي والقحطاين ومن قبلهم أيب بكر وعمر وعثمان وعلي وفالن وعالن مل مينع آخرين
من أن يتكلموا عن ما وهبهم اهلل من اخلري والنعم.
ألن النعمة جيب أن تشكر ،وأول مراحل الشكر للنعمة هو أن تعرف النعمة ،يقول اهلل عز وجل:
(يعرفون نعمة اهلل ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون).
فأول مراحل الشكر للنعمة املعرفة ،فإذا كان اهلل أعطاك مواهب البد أن تعرف هذه املواهب حىت تشكرها ،ولو جحدهتا
لكنت منكرا نعمة اهلل تعاىل عليك.
يوسف عليه السالم نيب اهلل( :قال اجعلني على خزائن األرض إني حفيظ عليم).
ما منعه أن يطالب بأن يكون على خزائن األرض ألنه يعلم أن اهلل تعاىل قد أختصه هبذه املزايا.
أبن عباس يقول( :أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله (وما يعلم تأويله إال اهلل) ،وفي قوله تعالى ( ،ما
يعلمهم إال قليل) ،أنا من القليل الذين يعلمه) .مل مينعه تواضعه أن يقول هذا.
عثمان أبن أيب العاص كما يف السنن وهو حديث صحيح( :يا رسول اهلل اجعلني إمام قومي ،قال أنت إمامهم،
واقتدي بأضعفهم ،وأتخذ مؤذنا ال يأخذ على آذانه أجرا).
5
فعثمان ابن أيب العاص مل مينعه تواضعه وهضم نفسه من أن يطلب أن يتوىل عمال دينيا وهو اإلمامة.
ليس عمال دنيويا إنا ال نويل هذا األمر من طلبه ،ولكن العمل الديين.
وهلذا اهلل تعاىل وصف املتقني كلهم بأهنم عباد الرمحن بأهنم يقولون:
(ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما).
اجعلنا للمتقني إماما ،ما طلبوا فقط أن يكونوا من املتقني.
بل طلبوا أن يكونوا أئمة للمتقني ،ليسوا أئمة للمؤمنني أو املسلمني فقط ،بل للمتقني.
وال شك أنه من الغنب أن يقول العبد يف سجوده ،واجعلنا للمتقني إماما ،مث يطلب منه أن يتوىل أمر ثالثة يف دعوة أو
إصالح أو قيادة أو توجيه أو أمر مبعروف أو هني عن منكر ،مث ينفض ثوبه ويتنصل ويقول:
ال أستطيع …ال أستطيع.
ألن مقتضى الشرع أن الدعاء يتطلب العمل الصاحل ،فإذا قلت:
(واجعلنا للمتقين إماما) ينبغي أن تسعى إىل حتقيق اإلمامة يف الدين .قال اهلل تعاىل:
(وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون).
قال سفيان( :بالصبر واليقين تنال اإلمامة في الدين).
وملا قال ربيعة ابن مالك األسلمي رضي اهلل عنه كما يف صحيح مسلم لرسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم):
(يا رسول اهلل أدعو اهلل أن أكون رفيقك في الجنة ،قال أعني بكثرة السجود).
إذاً ،إذا دعوت بشيء عزز دعائك بفعل األسباب ،وكما قال عمر رضي اهلل عنه:
(أخلط مع دعاء العجوز شيئا من القطران).
كانوا يقولون إذا أصاب أبل الصدقة اجلرب ،نذهب إىل عجوز هناك تدعو فيشفيها اهلل تعاىل ،فقال عمر رضي اهلل عنه:
ال بأس هذا جيد أذهبوا للعجوز لكي تدعو.
ولكن ويف نفس الوقت هاتوا القطران وهو نوع من العالج اطلوا به هذا اجلرب فيزول بأذن اهلل تعاىل.
فالسبب البد من فعله ،الدعاء سبب وفعل العمل الصاحل من السجود أو السعي إىل اإلمامة يف الدين بالصرب والتقوى
واليقني هو أيضا مطلوب.
وأحيانا تجد أن المعصية أو النقص أو التقصير يتسبب لإلنسان يف ترك العمل الصاحل ،وكأنه يظن أنه ال يعمل للخري
إال الكامل فال يعملون ،مع أنك لو نظرت للنص الشرعي وجدت غري هذا.
يا فالن ملاذا ال تدعو إىل اهلل ؟
قال اهلل املستعان ،روائح ذنويب فاحت.
أنا أستحي أن أقف أمام الناس ،أستحي من اهلل تعاىل.
أخجل أن أعظ الناس وأنا أحتاج إىل من يعظين.
طيب يا أخي ،اآلن أنت عندك مال ،هل تزكيه؟
6
قال نعم أزكيه ألنه بلغ النصاب.
طيب ،املال بلغ النصاب تزكيه ،لكن أمل تعلم أن العلم عليه زكاة أيضا ،ويف نفس الوقت العلم ليس له نصاب ،فالرسول
عليه الصالة والسالم بني النصاب يف األموال الزكوية ،ولكن بالنسبة للعلم ماذا قال ؟ قال:
(بلغوا عني ولو آية) .كما يف الصحيح.
آية واحدة فقط أو حديثا.
(نظّر اهلل امرؤا مسع منا حديثا فبلغه)Ÿ.
آية وحدة أو حديث واحد ،من يوجد من املسلمني كلهم من ال حيفظ آية أو حيفظ حديثا؟
فيجب أن تتفطن أن كل قدر من العلم ولو قل عندك عليه زكاة ،وأن تقصريك أنت بفعل املعصية ،ليس موجبا بل وال
مبيحا لرتك النهي عنه ،وتقصريك برتك الطاعة ليس موجبا بل وال مبيحا برتك األمر هبا.
مبعىن جيب أن تأمر باملعروف ولو كنت تاركا له ،وجيب أنت تنهى عن املنكر ولو كنت واقعا فيه.
ِ
محمد ظ العاصين بعد
ولو لم يعظ في الناس من هو مذنب….فمن يع ُ
وال شك يف هذا بل هو يكاد يكون إمجاعا ألهل العلم.
إذ كونك تركت املعروف بنفسك هذا خطأ ،تعاجله خبطاء آخر أنك أيضا ال تأمر به.
وكونك فعلت املنكر هذا خطأ ،لكن تعاجل هذا اخلطاء خبطأ آخر هو أنك ال تنهى عن املنكر.
وأضرب لك مثاال بسيطا:
أنت – وحاشاك إن شاء اهلل – مبتلى بشرب الدخان ألنك نشأت يف بيئة مل تعودك على ترك هذا ،فأخذته بالتقليد
والعادة وأصبح صعبا عليك تركه بسبب اإلدمان.
تزوجت ورزقت بأوالد فوجدت أبن عشر سنوات من أوالدك يدخن.
هل تقول حني إذا ال أهناه ألين أنا مدخن؟
قطعا ال… بل ستقول أمنعه وستتخذ من كونك مدخنا حجة عليه ،وستقول له يا ولدي
أنا جربت قبلك وابتليت هبذا الداء الذي أخرج من مايل وأتركه لكن عجزت.
فأنت اآلن ما دمت يف بداية الطريق أبتعد عن هذا الشيء.
فتستفيد من اخلطأ الذي وقعت فيه يف هني الناس.
مع أنك مطالب برتك املعصية ومطالب بفعل الطاعة ،ولكن ليس من شروط األمر باملعروف أن تكون فاعله.
وال من شروط النهي عن املنكر أن تكون تركا له.
أما قول اهلل تعاىل:
(أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم).
هذا نعم ..ال شك أنه يوبخ ألن اآلمر للناس عامل ،وكان مفروضا أن يكون أول املمتثلني ،كما قال شعيب عليه السالم:
(وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه
).
7
لكن كونك قصرت يف هذا ال يبيح لك أن تقصر يف الثاين.
مثله قوله عليه السالم كما يف حديث أسامة يف صحيح البخاري:
(يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى بالنار …إلى قوله كنتم آمركم بالمعروف وال آتيه ،وأنهاكم عن المنكر وآتيه).
نقول هذا هل دخل النار ألنه يأمر باملعروف وينهى عن املنكر؟
كال…األمر باملعروف والنهي عن املنكر بالنية الصاحلة عمل صاحل يدخل اجلنة ويباعد عن النار ،وإمنا دخل النار ألنه
يفعل املنكر ويرتك املعروف.
أو ألنه يأمر وينهى على سبيل النفاق واخلداع والتغرير ال على سبيل الصدق واإلخالص والعمل الصاحل.
وإلنسان اإلجيايب الفعال له منطق آخر.
جتده ممكن يلقي درسا عن قيام الليل وفصل قيام الليل وير ّغب الناس فيه ،فإذا قالت له زوجته وهي تعرف أنه ال يقوم
الليل ،أو قال له زميله الذي يعرف انه ال يقوم الليل:
يا فالن أحتث الناس على قيام الليل وأنت منجعف على فراشك تتقلب ،ما ختاف اهلل ؟ ما تستحي ؟
حاول أن يقوم وبذل اجلهد ،لكنه يقول يف نفسه أيضا رمبا قام أحد هؤالء الناس الذين مسعوا موعظيت فدعا اهلل سبحانه
وتعاىل فكنت أنا شريكا يف األجر ألنه قام بسبيب ،ورمبا أشركين بدعوة صاحلة ،والدال على اخلري كفاعله.
ويف حديث أيب هريرة عند مسلم( :من دعا إلى هدى كان له من األجر مثل أجور من تبعه)
ويف حديث جرير أبن عبد اهلل البجلي( :من سن في اإلسالم سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها)
فيأخذ األمر من هذا املنطلق.
أضرب لكم مثاال يسريا ،وإمنا اخرتته لكثرة تكرره:
رأيت الكثريين من الشباب ،أئمة مساجد وأساتذة ،ومدرسني يف حلقات ،ومشرفني على نشاطات خريية ،جتد الواحد
منهم يتربم من عمله ويتضايق ويهم بالرتك حىت كأنه عصفور يف قفص ،وقد التقيت بالكثريين منهم فأساله ملاذا؟
فيقول عندي عيوب عندي أخطاء ،أنا ما أستاهل ،أنا..أنا..
وبعدما الغلغه واخرج ما يف نفسه أكتشف مثال أن هذا اإلنسان مبتلى مبا يسمى بالعادة السرية.
طيب..هذا خطأ وينبغي أن تبذل جهدك للخالص منه.
ولو مل يكن من سيئاته إال ما أوجده يف قلبك من الضيق والتربم واحلسرة والشقاء واخلجل لكان كافيا.
ولكن هذا الذنب حىت مع القول بتحرميه وهو قول كثري من أهل العلم وإن مل يقولوا أنه من كبائر الذنوب بل هو من
صغائرها .هذا الذنب هل يوجب ترك اإلمامة وترك اخلطابة وترك الدعوة وترك التعليم وترك التوجيه؟
يا أخي رمبا يغفر لك بسبب إنسان علمته أو دعوته أو وجهته أو ركعة ركعتها أو صالة صليتها باملسلمني.
وهذا ضرره قاصر على نفسك ال يتعدى إىل غريك ،لكن أعمال اخلري اليت تقوم به أنت نفعها متعدي إىل األمة كلها.
فال خيدعنك الشيطان ،جيرك من األعمال الصاحلة هبذه احلجة الواهية.
8
مث بعد ذلك ال أنت تركت املعصية أو الذنب الذي أنت واقع فيه وال أنت قمت هبذه األعمال الصاحلة اليت هي تقاوم
اإلمث والسيئة ،واهلل عز وجل يقول( :إن الحسنات يذهبن السيئات).
ويف حديث النيب (صلى اهلل عليه وسلم)( :وأتبع السيئة الحسنة تمحها).
إذا ال بد من النزول للميدان ،البد من املشاركة يف األعمال ،البد من التوكل على اهلل عز وجل ،البد من العلم الصحيح
الذي يضئ لإلنسان الطريق ويبني له ما يأخذ وما يدع ،والبد من أن يهتم اإلنسان بأمر نفسه ودعوته ،فيهتم مبوضوع
القدوة ويهتم أيضا مبوضوع الدعوة ،فإذا أراد أن يقوم بعمل من األعمال الصاحلة فإنه حيرص على إتقاهنا وأدائها.
الحاجز الثاني أو الوهم الثاني وهو الخوف:
واخلوف أذل أعناق الرجال ،وكما أسلفت أحيانا عندما يكون عند اإلنسان خلل يف نفسيته يكون عنده خلل يف تصوره
لألمور Ÿ,وإدراكه لألمور وختيله هلا ،فتجد أنه خيطئ يف احلسابات ويضخم األمور تضخيما مبالغا فيه.
فمثلا إنسان عنده وسواس ،والشك أن الوسواس نوع من اخللل ،جتد هذا املوسوس خياف من الكفر ،فيقول يا أخي أنا
قلت كذا هل يعترب هذا العمل كفر؟ تقول له ال.
بعد فرتة يقول لك أنا جاء يف قليب كذا ،هل تعد هذا من الكفر؟ تقول له ال.
ورمبا سألك يف اليوم الواحد عشرين سؤاال كلها تدور حول هل يعد من الكفر؟ هل يعد من الكفر؟
طيب..أنت إنسان موصول القلب باهلل عز وجل ،مقبل على اهلل تعاىل ،حمب هلل ولدينه ،حريص على جتنب حىت الشبهة
فضال عن احلرام ،فضال عن الكبائر ،فضال عن الكفر ،فكيف حتول األمر إىل خوف يف قلبك؟
هذا بسبب أن عنده خلل يف نفسيته فصار عند خلل يف إدراك األشياء وتصورها وختيلها ومعرفتها.
فتجد أن اإلنسان خياف ،خياف من الطالق مثال ،حىت أن بعضهم جمرد خاطر يف قلبه يأتيه الشيطان ويلقي عنده خاطر
أنه إذا مل تتجاوز هذه السيارة وتسبقها فزوجتك طالق ،جمرد خاطر.
فتجده يسرع بقوة حىت يتجاوز هذه السيارة ،فإذا وصل إىل اإلشارة وضع الشيطان عند وهم أنه إذا ما رجعت من عند
هذه اإلشارة وأخذت الدورة مرة أخرى من عند الرصيف اآلخر فزوجتك طالق.
فتجد هذا املسكني يركض كاجملنون ،تركض وراء ماذا؟ تبحث عن ماذا؟
جمرد أوهام يلقيها الشيطان وأخيلة نتيجة خلل يف النفسية واضطراب وعدم وضع لألمور يف مواضعها.
هذا منوذج قد يكون واضح ،ورمبا البعض يضحك منه.
لكن خذ أمثلة مشاهبة قد ال تضحك منها بل رمبا تقول أنا مبتلى هبا.
مثال اخلوف من رجال األمن ،اخلوف من أجهزة املخابرات وأجهزة املباحث.
جتدها ترسم بصماهتا أحيانا على بعض الناس فيخاف من كل شيء ويقرأ يف كل حركة ويف كل لفتة ويف كل نضرة.
خياف من املباحث خياف من االستخبارات ،خياف من الدول ،سواء ما يسموهنا الدول العظمى أو غريها حىت يقول
أحدهم وكان إنسانا أخطأ فهرب فيقول معربا عن هذا املعىن بالضبط يقول:
9
لقد خفت حتى لو تمر حمامة….لقلت عدو أو طليعة معشر
فإن قيل خير قلت هذه خديعة….وإن قيل شر قلت حق فشمر
يقول إذا جاءين واحد وقال أبدا اطمأن األمور طيبة ،قلت هذا مرسول ليخدعين ،وإن جاءين أحد وقال أهرب الطلب
يف أثرك ،قلت هذا صادق مث مشرت وركضت .هذا خوف.
واآلخر يقول:
حتى صدى الهمسات غشاه الوهن…ال تنطقوا إن الجدار له إذن.
والثالث يقول:
لو كنت أستطيع أن أقابل السلطان
قلت له يا حضرة السلطان
كالبك المفترسات دائما ورائي
كالبك المفترسات مزقت حذائي
ومخبروك دائما ورائي
أنوفهم ورائي ،عيونهم ورائي
آذانهم ورائي
كالقدر المحتوم كالقضاء
يستجوبون زوجتي
ويكتبون عنهم أسماء أصدقائي.
والرابع الذي يقول:
(هناك مخبر يدخله مع الشهيق ،ويخرج مع الزفير أو يرسل التقرير مع الزفير).
طبعا هذا شاعر ،ومن عادة الشاعر أنه حيب املبالغة بطبيعته ،وليس بالضرورة أنه يعيش هذه األوهام ،لكن هو يصور
حقيقة لكن بالغ يف تصويرها ،ولكن هذه املبالغة تتحول إىل إحساس حقيقي عند بعض املرضى.
وبعض املصابني فتجد أنه خياف من كل شيء،ال يعمل شيء ،ختايله األوهام دائما وأبدا.
وبالعكس جتد أحيانا دوال أو مسؤولني يف دول أو شخصيات جتده خياف من الناس خياف من شعبه.
يفسر كل حركة وكل خطوة وكل سكنة وكل حماولة وكل شيء بأنه ضده وأنه املقصود فيه ،فتجده يواجه هذا
وحيارب هذا ويفرق اجملتمع وجيمع املتفرق ،ويقوم حبركات تنبئ عن اخلوف.
هذا اخلوف هو يف كثري من األحيان عبارة عن وهم نفسي ،وليس حقيقة واقعة ،وبالتايل قد يتصور أنه يستطيع أن يؤذ
الناس أو أن يبطش هبم أو ينكل أو يكمم األفواه أو ما أشبه ذلك ولكن هيهات.
وهذا ما يسمى أحيانا بعقدة املؤامرة اليت توجد لدى الفرد أو اجلماعة أو الدولة ،شعورك بأن كل شيء مؤامرة وخمطط
ضدك أو ضد هذه الدولة أو ضد اإلسالم أو ضد مجاعة بعينها مثال.
10
نعم حنن ندرك أن هناك مؤامرات ،وجيب أن نعرف الواقع ،ونعرف حجم عدونا ونعرف كيف يفكر وكيف يعمل.
وحىت ال نبالغ فنحن يف أحيان كثرية نتكلم عن مؤامرات األعداء ونشخصها.
وقبل أيام كان يل درس عن وسائل املنصرين ،وسأحتدث عن هذا املوضوع أيضا مرات أخرى.
لكن فرق بني أن تدرك الواقع على طبيعته وبني أن تضخم هذا الواقع حىت يتحول إىل عقدة عندك تتصور كل شيء
ورائه مؤامرة ،حىت لو كان شيء يف صاحلك ختيلت أن ورائه مؤامرة وبذلك توقفت عنه.
مثل إنسان يقدم له طعاما طيبا فيقول واهلل ممكن أن هذا الطعام فيه شيء فيه حاجة ،إذا ال داعي ،فيرتكه خوفا أن يكون
ورائه شيء ،فيحرم نفسه من خري أتيح له.
وينبغي أن تدرك أن العدو واألعداء ،وأن أجهزة املخابرات العاملية مثل املخابرات األمريكية أو املوساد اإلسرائيلية أو
املخابرات الروسية ،أو أي جهاز خمابرات يف العامل.
بل حىت الدول نفسها تعتمد على ما يسمى باحلرب النفسية ،حرب التخويف والتضليل وإلقاء الرهبة يف نفوس الشعوب.
حىت جتد أن الواحد ينهزم قبل أن خيوض املعركة ألنه يشعر أنه ضعيف وأنه ال ميلك شيء يف حني أنه يواجه عدوا
مدججا ميلك كل شيء.
ولعلكم تعرفون على سبيل املثال أفالم الرعب اليت تعرض اآلن يف التلفاز أو يف الفيديو وأكثر من يشاهدها األطفال.
مسلسالت للرعب كيف تغرس يف نفوس األطفال؟
تغرس يف نفوسهم املخاوف ،وتغرس يف نفوسهم الرعب حىت إن إحدى املستشفيات استقبلت يف أسبوع أكثر من أربعني
حالة لبعض األطفال بسبب فيلم أو مسلسل عرض يف التلفاز.
أيضا تعرف كتب اجلاسوسية باآلالف ،الكتب اليت تتكلم عن التجسس واجلاسوسية ،وأعمال اجلاسوسية وغريه ،بعضها
حقائق وبعضها غري صحيح ولكن رمبا بعض الوكاالت تقوم بنفسها بالتأليف عن نفسها من أجل أن تضخم حقيقتها يف
نفوس الشعوب ،ألن اخلوف أحيانا يرحيهم من أشياء كثرية.
جمرد اخلوف منعك من العمل ومنعك من املشاركة ومنعك من اإلقدام فلم حيتاجوا بعد ذلك إىل شيء آخر ،وهم
يعتمدون على التهويل واملبالغة ،بل يقومون أحيانا بتسريب بعض املعلومات واألخبار غري الصحيحة من أجل احلرب
النفسية.
وأوضح مثال اليهود:
اآلن هناك عشرات الكتب تتكلم عن اليهود ،اليهود القوة اخلفية يف العامل.
اليهود الذين ميلكون االقتصاد وميلكون اإلعالم وميلكون أمريكا وميلكون روسيا.
واليهود الذين ميلكون التصنيع،.حىت تصور البعض أن اليهود وراء كل شيء ووراء كل عمل وأن أمريكا دمية بيد
اليهود ،وأن روسيا كذلك ،وأن العامل كله.
وبناء عليه فليس هناك داعي أن نواجه اليهود ،وال أمل يف االنتصار عليهم.
11
طيب Ÿ..ملاذا ال تفرتض أن هذه الصورة الومهية اخليالية املبالغ فيها أن اليهود هم الذين سعوا إىل رمسها ألنفسهم يف نفسي
ونفسك حىت نبقى خائفني ،وال شك أن اخلوف بداية اهلزمية.
خاصة إذا تصورنا أن اليهود عندهم خطط يف احلرب النفسية ناجحة يف جمال اإلعالم ،نعم يف جمال احلرب النفسية
واملخابرات لديهم خطط ،فال غرابة أن خيططوا ملثل هذا ،لكن تصور أن اليهود يتحكمون يف كل شيء هذا وهم.
واألمر كما قال أحد الكتاب:
(قال اليهود ال يصنعون األحداث ،ولكنهم يستغلونها).
وهم أعجز من أن يديروا كل شيء ويعملوا كل شيء ،لكن عندهم قدرة على استثمار األحداث بقدر اإلمكان
لصاحلهم ،وهذا ال ينكر ،واليهود لديهم قوة ولديهم قدرة ولديهم تغلغل.
مثال يف أمريكا ويف روسيا ويف عدد من البالد ،وأعطاهم اهلل سبحانه وتعاىل بعض التمكني ،لكن مع ذلك أقول أن
الصورة اليت ترسم يف أذهاننا هي يف كثري من األحيان صورة خيالية ومبالغ فيها عن حقيقة القوة اليهودية.
مثل ذلك أيضا قصص التعذيب:
كثري من شباب الدعوة أول ما يبدأ يف القراءة يقرأ مثال كتاب:
البوابة السوداء ،يف الزنزانة ،ملاذا أعدم سيد قطب وإخوانه ؟ ،يف غياهب السجون.
وعشرات الكتب اليت تتكلم عن سجون عبد الناصر
وألوان التعذيب ،أو السجون اآلن يف تونس أو يف اجلزائر أو يف أي بلد آخر.
فالشاب الذي هو يف أول حياته مل ينضج بعد ،وال يزال غضا طريا نشأ على هذه املعاين وهذه املفاهيم فتولد عنده رعب
وخوف ،ونشأ يف نوع من الذل ونوع من اهلزمية ونوع من الضعف.
فأصبح مثل الشجرة اليت نشأت يف الظل ليس فيها قوة واخضرار ومناء ،جتد فيها صفرة وفيها ضعف وال تقاوم العواصف
خاصة إذا كان هذا يف أول عمره وترىب عليه وأكثر من قراءته ففي الغالب أن هذا حيدث عنده أثرا سلبيا.
إذا البد من حتطيم هذه املخاوف وهذه اهليبة واحلديث بصورة معتدلة عن كل هذه األمور.
فمثال ملاذا ال نتحدث اآلن عن سقوط أمريكا؟
وقد ظهرت اآلن كتب ودراسات وحتقيقات علمية عن بداية السقوط ألمريكا ،ليس بأقالم علماء ومشايخ وكتاب
مسلمني ،ال ..بل بأقالم أمريكان.
ومن آخر هذه الكتب وأخطرها وأكثرها شهرة كتاب أمسه "صعود Ÿالقوى العظمى واحنطاطها" ،يتكلم عن ما جرى
لالحتاد السوفييت ويقول إن السنة ماضية وأن أمريكا تسري على األثر.
مث رصد عدد من الظواهر االجتماعية واالقتصادية والسياسية والعسكرية اليت تأكد أن أمريكا سوف تتفتت وتنهار
بطريقة أو بأخرى كما اهنار االحتاد السوفييت.
فلماذا ال نتكلم عن هذا املعىن حىت نزيل الرهبة املوجودة يف نفوس البعض.
12
والذين يتصورون أن أمريكا تستطيع أن تفعل كل شيء ،وأهنا هتيمن عل كل ما يقع يف هذا الكون حىت حتولت إىل شبح
ليس يف نفوس البسطاء والسذج فقط ،بل يف نفوس الساسة أحيانا ويف نفوس املفكرين ويف نفوس الصحفيني
واإلعالميني.
ولعلكم تسمعون وتقرءون كيف يتكلمون عن هذه القوة اليت يقدسوهنا ويسبحون حبمدها أحيانا ويضفون عليها من
أوصاف اجلالل والقوة والقدرة واهليمنة شيء ال عهد للتاريخ مبثله.
ملاذا ال حنطم هذه اهليبة بالكالم عن سقوط أمريكا هذا السقوط الوشيك مخس سنوات عشر سنوات األمر يسري.
ملاذا ال نتكلم مثال عن سقوط اليهود سواء من خالل األحداث الواقعية أو من خالل النصوص الشرعية؟.
ملاذا ال نتكلم عن ضعف البشر وأن مجيع أجهزة البشر وإمكانيات البشر مهما بلغت من قوة ومن دقة فهي ضعيفة ،ولو
أردت أن أحدثكم يف هذا املوضوع لفعلت ولكن ليس هذا موضوع حديثي.
املهم أن نثبت أن البشر ضعاف ومهازيل ويفوهتم الكثري وتنطلي عليهم أمور كثرية جدا ،وهم ال يدركون إال القليل،
وحىت هذا القليل الذي يدركونه قد ال يدركونه متاما وعلى حقيقته بل يدركون شيئا منه:
(يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا).
وقارا وقد خلقكم أطوارا). وباملقابل ال بد من تعظيم اهلل عز وجل( :ما لكم ال ترجون هلل
اإلميان بوعد اهلل تعاىل ولقائه واليوم اآلخر الذي تعد الدنيا كلها وما فيها بالنسبة له كقطرة يف حبر.
اإلميان تعظيم رسل اهلل عز وجل وحمبتهم واإلميان مبا جاءوا به.
إدراك أو تصور وتذكر املوت الذي يهون عليك كل شيء وهو السبيل إىل الدار اآلخرة.
اإلميان بقضاء اهلل وقدره ،كل هذه املعاين إذا ترىب عليها اإلنسان وأدركها بنفسه إدراكا صحيحا اعتدلت عنده األمور
وأصبح يدرك األمور على حقيقتها بال مبالغة.
من ألوان الخوف وهو من أنواع الحيل النفسية ،الخوف من الفشل:
فتجد اإلنسان ال يقوم بأب عمل ملاذا؟
قال أخاف أفشل.
ملاذا مثال ال تدرس؟
قال أخشى من الرسوب.
طيب أقرتح عليك لو تقوم تلقي كلمة.
قال واهلل أخاف أخطئ يف اللغة أو آيت بكلمة مضحكة فيسخر الناس مين مث بعد ذلك ال أقوم أبدا وال تقوم يل قائمة.
طيب..ملاذا ال تفتح مؤسسة جتارية تستفيد منها وينتفع من ورائها املسلمون؟
قال واهلل أخاف من اخلسارة.
إذا هذا اخلوف إذا الحق اإلنسان سيمنعه من أي عمل.
وبناء عليه جيب أن تدرك أن أي عمل يف الدنيا يتطلب قدرا من التضحية وقدرا من املغامرة.
13
فالعمل التجاري مثال ،خاصة إذا كان عمال مدروسا قد يفشل فعال ،لكن كم نسبة فشله؟
إذا كان مدروسا فقد تكون نسبة الفشل عشرة باملائة ،وهذه نسبة ال يلتفت إليها ،مث لو حصل الفشل ،تصور ما
النتيجة؟
رمبا ختسر عشرة آالف لاير ،مخسة عشر ألف لاير ،عشرين ألف لاير فقط وتستطيع أن تسددها ،ليس الفشل معناه أنك
خسرت الدنيا واآلخرة مثال.
ولذلك تفكر بقدر إمكانياتك ،ال تفكر تفكريا خياليا.
طيب Ÿ..الكلمة اليت نطالبك أن تتكلم هبا أمام الناس أو تلقي موعظة ،تقول ميكن أخطئ.
إذا أخطأت كان ماذا؟ سأستحي وأخجل.
ممكن وصحيح ،لكن هذا اخلجل ستنساه خالل يوم أو يومني ،ومتتنع عن الكلمة أسبوع ،ويف األسبوع الثاين رمبا تكرر
احملاولة وال تعود إىل الفشل بأذن اهلل تعاىل.
ومع ذلك حنن نقول ينبغي أن حتتاط وتضبط الكالم وتعده إعدادا جيدا وحىت تطمئن إن شاء اهلل أنك لن ختطئ ،وإن
كان خطأ فهو خطأ يسري ممكن أن حيتمل ،مثل أن يكون خطأ يف اللغة فقط.
طيّب Ÿ..حىت لو تصورت السباحة مثال ،كم واحد ال جييد السباحة؟
ملاذا؟ ..عملية بسيطة ال حتتاج إىل جهود وال إىل تعب ،احليوانات تسبح تلقائيا إذا وضعت يف املاء.
لكن جتد اإلنسان ألنه تعلم اخلوف ،فتجده خياف وال يسبح أحيانا ،ملاذا؟
ألنه عنده عقدة اخلوف ،أخاف من الغرق.
وهبذه العقدة توقفه عن أي عمل إجيايب ومثمر.
إذا البد أن تعمل أعمال اخلري ،بل حىت أعمال الدنيا املطلوبة منك باجتهادك ،ولئن تعمل باجتهاد ويتبني لك يف ما بعد
أن هذا االجتهاد مرجوح خري من أن تقعد.
يعين الذي يعمل وخيطئ أحب إلينا من الذي ال يعمل أصال.
فكونك تأمر باملعروف مث اكتشفت احلقيقة أنك املرة هذه أغلظت يف األمر باملعروف ،أنت أحب إلينا من إنسان مل
يأمر ،خاصة إذا كان اإلغالظ بقدر معقول Ÿ،ملاذا ؟
ألنك استفدت درسا من اإلغالظ هذه املرة ،فاملرة الثانية إن شاء اهلل سوف تأمر باملعروف وتنهى عن املنكر باحلسىن
واحلكمة والكلمة الطيبة ولن تغلظ إىل أحد بقول أو فعل.
لكن ذلك اإلنسان الذي مل يأمر مبعروف ومل ينهى عن منكر هو قد قصر يف أصل الواجب.
وأنت مطالب بأن تعمل وتصحح وتواصل ،ال تقف عند اخلطأ ،صحح اخلطأ وواصل.
ولو تأملت القرآن واحلديث لوجدت أن ترك العمل خوف الفشل من مسات املنافقني ،وإياك أن تكون منهم.
(الذين قالوا إلخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا).
خضنا معركة وقتل منا من قتل ،فجاء واحد وقال:
14
قتلوا هؤالء ،يا أخي نزفت دماء.
هؤالء لو أطاعونا وجلسوا يف بيوهتم ما قتلوا.
(قل فأدروا عن أنفسكم الموت).
من مل ميت بالسيف مات بغريه ،قتل هؤالء يف معركة شهداء يف سبيل اهلل.
طيّب Ÿ..كم ميوت ويقتل يف سبيل الطاغوت ؟
كم يقتل يف سبيل الدنيا ؟
كم يقتل من مهريب املخدرات ؟
كم يقتل من اللصوص ،كم يقتل ..وكم يقتل ؟
أعداد غفرية من الناس.
طيّب..كم ميوت باملرض ؟
كم ميوت باجلوع والعطش والعري والربد واحلر ؟
أعداد غفرية من الناس ،فلماذا تستكثر أن ميوت يف سبيل اإلسالم بضعة أشخاص أو مئات أو ألوف ،وال تستكثر أن
ميوتوا يف سبيل الدنيا ،املوت أمر طبيعي ،ومن مل ميت بالسيف مات بغريه.
(لو كان لنا من األمر شيء ما قتلنا ها هنا).
يقولون حنن ما كان رأينا اخلروج يف املعركة ،كان رأينا جنلس يف املدينة.
فلو كان الرسول (عليه السالم) استشارنا ما قتلنا ها هنا.
( قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم).
إذا املؤمن بالقضاء والقدر ما يأيت دائما وأبدا لو ..لو.
ولذلك النيب عليه الصالة والسالم قال يف نفس حديث أيب هريرة الذي سقته أوال:
(وال تعجز) الحظ قرن بني هذا وهذا قال وال تعجز فنهاك هني عن العجز ،من أسباب العجز اخلوف من الفشل ،أن
تقول ال أفعل أخاف ،وهلذا قال:
(وإن أصابك شيء فال تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا ،ولكن قل ق ّدر اهلل وما شاء فعل ،فإن لو تفتح حمل
الشيطان).
من ألوان وصور الخوف أيضا الخوف من النقد والتبرم به:
فالكثريون من الناس ميتلكون حساسية مفرطة شديدة ،ال حيب أن يسمع كلمة نقد ،وإذا انتقد حيس بأنه اختل توازنه،
ويتمىن أن تنفتح األرض لتبتلعه خجال.
أو أحيانا جتد بعض الناس يستكرب عن النقد ويتعجرف عن أن يسمع ،مع أن الواقع أن اإلنسان إذا قام بعمل فهو عرضة
للنقد ،وهلذا قالوا:
(من ألف فقد أستهدف).
15
يعين ملا تكتب كتاب وتقدمه للناس فسيقرئه مئات أو ألوف.
هذا أعجبه الكتاب وهذا ما أعجبه ،وهذا أعجبه لكن له مالحظات ،وهذا ..وهذا.
هذا شيء طبيعي ،وحينما تلقي درسا أو حماضرة أو كلمة.
سيقول هذا زاد وهذا نقص وهذا أخطأ وهذا حلن وهذا أفرط وهذا فرط..إىل أخره.
وهذا طبيعي ،فأنت حينما تقوم بأي عمل ،ضع باعتبارك أنك عرضة للنقد ،حىت األعمال الدنيوية.
جتارة مثال ..سيقول لك واحد واهلل يا فالن لو كانت البقالة يف املكان الفالين كان أفضل.
وآخر يقول لك العامل الذي وضعته غري مناسب وغري مأمون Ÿ،وهذا أخالقه سيئة وشرسة مع الناس..وثالث..ورابع.
إذا أنت عرضة للنقد ينبغي أن يكون لديك استعداد للعمل واستعداد لسماع النقد واستعداد للتصحيح أيضا.
ملاذا؟ ..ألن الناقد يشرتط كما يقول بعضهم.
مبعىن أن الناقد يشرتط الكمال يف ما قلت أو يف ما فعلت وهلذا يطالبك باملزيد من الشروط السليمة.
وهلذا قال الشاعر حىت عن خصومة:
عداتي لهم فضل علي ومنة… فال أبعد الرحمن عني األعادي
هم بحثوا عن زلتي فاجتبتها… وهم نافسوني فاكتسبت المعالي
ُ
ما رأيك يف إناء يشرتك يف غسله أيد كثرية من أيدي األصدقاء واألعداء ،البد أن يتنظف هذا اإلناء ولو بعد حني.
من ألوان الخوف ،الخوف على لمكاسب:
هذا موظف مثال كسب يف وظيفته مستوى معينا أو رتبة معينة ،فتجده ال حياول أن ينتقل مثال إىل إدارة أخرى…ملاذا؟
ألنه خياف على بعض املكاسب اليت حصلت له يف إدارته.
يقول مثال أنا أقمت عالقات جيدة مع الرؤساء ،فرمبا لو انتقلت إىل إدارة أخرى قد ال حيصل هذا.
هذا قد يقع ،لكن أحيانا جتد أن هذا اخلوف قد حيول بينك وبني وظيفة أفضل.
كذلك التاجر ،لو تقرتح عليه االنتقال إىل عمل جتاري أمثل وافضل ،خاف.
حىت بائع املسامري يف السوق ،لو تأتيه وتقول:
يا فالن أنت تتاجر يف املسامري ،والناس اآلن بنت الدور والقصور وملكت وكذا ،ملاذا ؟
أنت رجل وعندك عقل وتفكري.
فيتصور هذا اإلنسان أنه لو ترك بيع هذه األشياء البسيطة أنه سوف ميوت هو وأوالده جوعا..ملاذا ؟
ألنه حصل كسبا بسيطا فهو خياف على هذا املكسب أن يضيع.
ومثله داعية قام بعمل طيب ولكن هذا اهلمل حمدود ،مثال أقام مكتبة ونشط يف هذه املكتبة وهدى اهلل على يديه أفراد يف
احلي ،فتقول له يا فالن:
أنت لست حقك أن يهدي اهلل على يديك مخسة أو عشرة ،أنت حقك أن ختاطب بلدا بأكمل أو أمة بأكملها.
قال يا أخي نعم لكن هؤالء العشرة أخاف عليهم أن يضيعوا وليس هلم أحد غريي.
16
فاخلوف على هذا املكسب تسبب بأن يفوت على نفسه خريا أكرب واعظم.
قد يكون هذا هو قدره ،قد يكون هؤالء األفراد هم احلجم املناسب إلمكانياته.
لكن أحيانا قد جتد إنسان ميلك مواهب أكرب وأوسع وأكثر وقدرات وإمكانيات قد أهدرها وضيعها..ملاذا؟Ÿ
ألنه أرتبط هبذا الواقع وهذا الوضع فصار خيشى على هذا املكسب ،وهو مكسب حقيقي ،ولكنه حمدود وميكن أن يقوم
به إنسان آخر أقل منه مواهب ،فخسرنا بذلك وخسر هو أمور أكرب.
ملاذا ؟ ألنه دائما ميد يداً قصرية ،وهو حيامي دون هذه املكاسب وخياف عليها.
ولذلك كلما قيل له تعال هنا ،تعال إىل هذا امليدان
قال ال أخاف على فوات بعض ما كسبت.
إذا البد من كرب اهلمة وعلوها وحسن الظن باهلل تعاىل ،والعوام يقولون يف أمثلتهم:
(قل خيرا يقوله اهلل عز وجل).
وحنن ال نقول هكذا ،ولكن نقول كما قال اهلل عز وجل يف احلديث القدسي وهو صحيح:
(أنا عند ظن عبدي بي ،فليظن بي ما شاء).
فظن باهلل خريا ،وأعتقد إن شاء اهلل أن اهلل يفتح لك أبواب اخلري ،مىت ما كربت مهتك واتسع نطاق تفكريك ،وانتقل إن
شاء اهلل من مكسب إىل مكسب ومن نصر إىل نصر أكرب منه ،وال تقف عند حد معني وتقول هذا يكفي.
من الحيل النفسية تطلب الكمال مع عدم السعي في تحصيله:
جتد اإلنسان أحيانا يفرتض هدفا عظيما وكبريا جدا ال يستطيعه وال يسعى إليه وإمنا يتحسر يف نفسه ويدع العمل.
وخذ هذه بعض األمثلة:
مثال يفرتض املسلم اليوم وجود دولة إسالمية نظيفة ناضجة كاملة على الكتاب والسنة.
يأمر فيها باملعروف وينهى فيها عن املنكر وتقام احلدود ومينع الرىب.
وال يوجد فيها منكرا وال معصية ويدعى فيها إىل السنة ،يعين يفرتض دولة إسالمية كاملة مائة باملائة.
مث ينظر إىل واقع العامل كله اليوم فيجد أن هذا األمر بعيد املنال ،فحني إذ يصبح عنده نوع من االستحسار وترك العمل.
مثاال آخر إنسان بدأ يف طلب العلم فتربز إىل ذهنه أحيانا:
صورة عامل أو فقيه أو مفيت ال يسأل عن مسألة إال أجاب فيها بالدليل والتعليل والتفصيل.
وأحيان يربز إىل ذهنه ذاك األديب الشاعر اللغوي املتكلم.
وأحيانا تربز إىل ذهنه ذلك اخلطيب املفوه الذي يهز أعواد املنابر.،
فتجد هذا اإلنسان مشتت ،يتصور أنه يكون كل هؤالء ،عامل وفقه وخطيب ومفيت وداعية وشاعر.
فيتصور أن هذا األمر بعيد املنال فيستحسر ويدع طلب العلم.
ملاذا ؟ ألن هذه الصورة اليت رمسها صورة مثالية كمالية ،هي خيالية قد ال تكون واقعة أصال أو ممكنة.
إنسان ثالث يتصور أنه مطالب برتبية الشعوب كلها على اإلسالم قبل أن يتحقق لإلسالم نصر.
17
فيقول مىت نريب الشعوب كلها ،الواحد منا جيلس سنوات يريب شخص على اإلسالم أو أشخاص ،وقد ال يتم له ما أراد،
فكيف ترىب شعوبا بأكملها ،إذا هذا أمر حمال فيستحسر ويدع العمل.
وينسى أنه ليس بالضرورة أن تكون تربية الشعوب كلها أن يربون على املنهج الكامل أصوال وفروعا واعتقادا وعمال
وعبادة يف مجيع اجلوانب..ال .هذه سنة اهلل أن البشر فيهم وفيهم.
والرسول عليه الصالة والسالم كما تعلم مثال ملا جاء إىل صلح احلديبية كان معه ألف وأربعمائة رجل.
ويف فتح مكة زاد العدد فلم يكلم أحد بعد الصلح إال أسلم..
وبعده يف حنني خرج النيب (صلى اهلل عليه وسلم) بعشرة آالف ،عشرة آالف هؤالء خالل فرتة حمدودة جدا هي أقل من
سنتني ،بطبيعة احلال ما تلقوا من الرتبية قدرا كبريا ،وهلذا ملا مروا بقوم على شجرة قالوا :
(يا رسول اهلل أجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط).
فقال عليه الصالة والسالم:
(إنها السنن ،قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى أجعل لنا إله كما لهم آلهة).
مث صلى هبم عليه الصالة والسالم على أثر مساء كانت من الليل ،فقال:
( هل تدرون ماذا قال ربكم ؟)
قالوا اهلل ورسوله أعلم،
قال( :أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ،فأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر إلى آخر الحديث)
املهم تربية عامة وتربية مجاعية مجاهريية على قدر معقول من الدين ،وقدر معني وال يلزم أن يكونوا كلهم يف الدرجة
العليا من الفهم والوعي والعلم واإلدراك ،بل قد علم كل أناس مشرهبم ،وكل إنسان له سقف وله مستوى يكفي أن
يصل إليه.
مثله أيضا ملا يتكلم اإلنسان ،يلقي درسا أو حماضرة يفرتض يف نفسه مجاهري غفرية حتضر له ،فإذا جاء للمسجد وقد تعب
وأعد وجد أن احلضور صف أو صفني أصيب بإحباط ونكسه ،مث تصور أن هذا العمل خطأ.
طيّب Ÿ..ملاذا تفرتض كمال العمل منذ البداية ،ملاذا ال تعود الناس القوة واجلودة يف اإلعداد والتجديد والبذل ،وسيتكاثر
حولك الناس حىت ينتفعوا بك ويستفيدوا من علمك.
ومثله تماما أو قريبا منه قضية ترك العمل بحجة عدم صالح النية.
فتجد لواحد يرتك األعمال يقول أخاف من الرياء.
طيّب Ÿ..ليس احلل هو ترك العمل ،بل أستمر يف العمل وجاهد نفسك على ترك الرياء.
صحح النية وادع اهلل تعاىل وقل كما علم الرسول(صلى اهلل عليه وسلم) أبا بكر:
(اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئا وأنا أعلمه ،وأستغفرك لما أعلمه).
واستمر على العمل وال يكون هذا سببا يف ترك العمل بسبب فساد النية.
إذا وجود هدف معقول من أسباب حسن العمل.
18
فأنت مثال تنشر العلم وليس بشرط لكي تدرس أن تكون عاملا فحال يشار إليك بالبنان ،ولكن لو كان عندك معرفة مبنت
من املتون فمن املمكن أن تدرسه للناس بقدر طاقتك.
حتفيظ القرآن ،ال يشرتط لكي جتلس لتحفيظ القرآن أن تكون حافظا للقران بالقراءات السبع وعلومها.
بل لو كان عندك القدرة على احلفظ حبيث حتفظ وحتفظ طالبك يف آن واحد ومل يوجد غريك أفضل منك فال بأس هبذا.
وهكذا اخلطابة ليس شرطا أن تكون (سحبان وائل) مثال ،أو خطيبا يهز أعواد املنابر وحيرك عواطف اجلماهري من أول
وهلة ،املهم أن عندك قدرة على أدىن حد معقول من اخلطابة لتستفيد من هذا وتتدرب وترتقى يف مراقي ومعارج الكمال
شيئا فشيئا.
والبد أن تدرك أن األمور نسبية،
وأننا حنن اآلن يف زمن الغربة ،وهذا آخر الزمان،
وأنت اآلن لست يف القرون الفاضلة اليت ذكرها النيب (صلى اهلل عليه وسلم) وقد كثرت الفنت وكثرت الشهوات
وكثرت املغريات وكثرت الصوارف لك أنت ولغريك من الناس عن اخلري ،فينبغي أن تضع ذلك كله يف اعتبارك.
إذا فالبد من اإلميان والقبول باملكاسب اجلزئية واملطالبة مبا هو أكرب منها كما سبق.
مثال ليست األمور كلها مائة باملائة أو صفر ،أنك تطلب دائما وأبدا طفرات ،أو تفسر املكاسب تفسريا غري دقيق بناء
على أنه املقصود منها اجملاملة أو ألحتوى أو التخطيط أو غري ذلك.
واضرب لك مثال يوضح لك ما قصدت:
أنت تطلب الكمال ،وجدت مثال يف أسواقنا يف كل مكان أن األسواق ممتلئة بأماكن اخلياطة النسائية ،واخلياطون رجال،
وهذه الصورة يف الواقع صورة شاذة ألن رجل تقف أمامه امرأة ملدة نصف ساعة أو ساعة أو ساعتني أحيانا ويرى بعض
مفاتنها وتتحدث معه وقد تضحك معه وقد تتصل عليه باهلاتف وقد حتادثه إىل آخره.
هذه الصورة صورة شاذة ،ولكنها أصبحت مألوفة يف اجملتمع ألهنا موجودة.
فبعد فرتة جند أنه وجد يف اجملتمع أماكن خياطة نسائية للنساء ،يعين أن اخلياطات نساء ،ووجدت أن كثريا من الناس
يقول لك يا أخي إن أماكن اخلياطة النسائية هذه غري مرحية أو أهنا مشبوهة.
وأنا لست أزكيها وال أدري عنها شيئا ،لكنين أقول على كل حال هي أفضل إمجاال من أماكن اخلياطة الرجالية ألن
األصل أن املرأة تتعامل مع امرأة مثلها ،وينبغي أن تضبط وحيافظ عليها وتراقب بالوسائل املمكنة.
لكن ال ينبغي أن حتارب ألننا نقول أنه يتسىن للمرأة أن تتصل هبا وتفسدها أكثر مما يتسىن للرجل ،ألن األصل أن تتعامل
املرأة مع املرأة.
مثال املضيفات ،وأعرف أن املضيفات يف اخلطوط هنا قد ألزمن باحلجاب.
ومثله أيضا املمرضات يف بعض املستشفيات ،هذا مكسب ،هو مكسب جزئي الشك وليس هو كل ما ننادي به أو كل
ما نطالب به ،لكن أنت أحسب أنه واحد باأللف أو عشرة آالف مما هو مطلوب ،ومما ينبغي أن نسعى إىل حتصيله.
19
فأنت تنظر إليه حينئذ على أنه مكسب طيب تفرح به وتطلب املزيد ،فال تتوقف ألنه حصل لك ما تريد ،هذا شيء مما
تريد ،وهو ليس جديدا أصال ألن هذا هو األصل ،وكان يفرتض أن ال يوجد اخلطأ أصال حبيث حتتاج إىل تصليح ،فكان
يفرتض أن ال يوجد يف اجملتمع أصال إال احملجبات وإال املتدينات وإال املتسرتات اخلريات البعيدان عن أي نوع من ألوان
التربج .لكن إذ وجد هذا املنكر فالسعي يف إزالته واجب،
والفرح بزوال املنكر أو بعضه أيضا هو أمر فطري ال ميلك اإلنسان حياله إال أن يفرح.
مثله أيضا قضية البنوك اإلسالمية ،األصل أن ال يوجد يف أي جمتمع مسلم بنك إال إسالمي وفق الشريعة ،وهذا ممكن
وليس مستحيال أبدا ،وتضخيم هذا األمر وهتويله هو من احليل النفسية ،فمن املمكن أن تكون كل بنوكنا إسالمية ،وكل
معامالتنا إسالمية ،ليس بشرط بني يوم وليلة بل نعطي فرصة لرتتيب هذا األمر.
املقصود أنه ملا تفتح اجملاالت إلقامة بنوك إسالمية ،هذا مكسب جزئي أفرح به باعتبار أنه خطوة ال باعتبار أنه املطلب
النهائي .فوجود بنك إسالمي جيعل من يريد احلالل جيده فال يتجه إىل البنك الربوي إال من أصروا عليه.
كما أن هذه البنوك اإلسالمية بإذن اهلل تعاىل مع الوقت سوف تقاوم وتنافس البنوك الربوية خاصة مع ازدياد الوعي
الديين لدى الناس واحلرص على احلالل وجتنب احلرام ،مث أهنا مع الوقت سوف تثبت إذا جنحت وهي ستنجح بإذن اهلل
إذا وجد الغيورون ورائها ،سوف تثبت أن وجود اقتصاد إسالمي نظيف أمرا ممكنا وال حجة ألحد يف تركه.
إذا من املمكن أن أقبل باملكاسب اجلزئية وأطالب باملزيد ،وليس شرطا أن ال أقبل إال الشيء الكامل مائة يف املائة.
أتصور كما قلت دولة إسالمية كاملة ،أو أتصور مثال عالما غزيرا أو شعوبا تربت بأكملها على اإلسالم أو غري ذلك.
من صور تطلب الكمال مع عدم السعي يف حتصيله أنك جتد اإلنسان ينتقص اآلخرين أحيانا أو يعكر على جهودهم.
مثال قيام دعوة إسالمية وانتشار الشريط اإلسالمي ،هذه ظاهرة إجيابية بكل املقاييس وال شك يف هذا ،ظاهرة إجيابية.
ولكن من املمكن أن تكون هذه الظاهرة عليها سلبيات كثرية حتتاج إىل عالج ،فتجد هذا اإلنسان يأيت ليقول لك مثال:
واهلل هذه األشرطة يف الواقع طيبة ولكن يغلب عليها أهنا أشرطة طابعها سياسي ،ودائما تتكلم يف موضوعات Ÿسياسية،
ويف أحوال املسلمني وغري ذلك مثال.
وأنا قد أحتدث عن نفسي شخصيا يف هذا اجلانب وإن مل يكن هذا املوضوع.
ولكن الدفاع عن النفس على كل حال مشروع ،من حق اإلنسان أن يدافع عن نفسه ،فأنا أقول مثال حني تقول أنت
هذا الكالم ملاذا تغفل أكثر من مائة وثالثني درسا يف شرح بلوغ املرام؟
ملاذا تغفل أكثر من ثالمثائة درس بل ضعف هذا العدد يف شرح البخاري ومسلم؟
ملاذا تغفل أشرطة تصل إىل مائة يف الدعوة والرتبية واإلصالح؟
وباجلملة فإن األشرطة اليت تعاجل موضوعات Ÿسياسية ال تتجاوز عشرة باملائه ،لكن من طبيعة الناس أهنم يتابعوهنا،
ويسمعوهنا ويهتمون هبا ،فيتصورون أن فالنا ال يقول إال هذا ،وال يعرفونه إال من خالل هذا الشريط.
على كل حال دعك من هذا األمر ،لنفرتض ونسلم أن هذا نقص موجود عندي أو عند زيد أو عبيد من الناس.
طيّب Ÿ..إنسان فتح له جمال خري أو بورك له يف شيء ونفع اهلل به يف هذا اجلانب ،ملاذا أنت ال تكمل اجلانب اآلخر؟
20
ملاذا تفرتض الكمال وأن فالنا إن تكلم فينبغي أن يتكلم يف كل شيء؟
ممكن يكون إنسان فقيه وال حيسن التفسري.
وآخر مفسر وال حيسن يف احلديث.
وثالث حمدث وال يستطيع اخلطابة.
ورابع خطيب ولكن ليس عنده علم.
وخامس يستطيع أن يقرر أمور العقيدة ولكن ال يستطيع أن يقرر أمور األحكام.
وهذا من عمر الدنيا وهو موجود وقائم ،فإذا وجد نقص عند فالن أو عالن من الناس وهو موجود بطبيعة احلال.
فلماذا أنت ال تكمل هذا النقص املوجود عندهم ؟
وتعترب أنك أنت والثاين والثالث جمموعكم ميكن أن يشكل منهجا صحيحا للناس.
أما تصور أن فالنا بذاته ومبا يطرحه هو منهج متكامل ،هذا مطالبة مبا ال يطاق وال ميكن.
مثال آخر من انتقاص اآلخرين:
تتحدث عن املسلمني مثال يف يوغسالفيا أو املسلمني يف روسيا وضرورة دعمهم ،يأتيك إنسان فيقول لك:
يا أخي هؤالء عندهم معاصي ويشربون اخلمور وبعضهم ال يصلي والنساء متربجات…إىل آخره.
طبعا هذا األمر جزء منه كبري موجود بسبب أن هذه البالد ظلت زماننا طويال حتت تسلط الشيوعية ،وحتت تسلط
الكفر وحيل بينهم وبني املسلمني فال تعليم وال دعوة وال إصالح.
ومن الطبيعي أن إنسان يعيش يف مثل هذه اجملاهل أن تكون هذه النتيجة.
لكن لديهم من الرغبة يف العلم شيء كبري حىت أن بعض األخوة الذين ذهبوا إليهم يقولون:
إذا رأونا جلسوا بني يدينا ال يعرفون لغتنا وال ميلكون إال البكاء والدموع ،واستعدادهم للتعلم عجيب ،وليس لديهم أي
لون من ألوان التعصب واهلل تعاىل أعلم.
فلديهم استعداد للتعلم ،فلماذا بدال من أن تكون القضية قضية تنقص هلؤالء وأن فيهم وفيهم.
بدال من هذه احليلة النفسية اليت نقنع هبا أنفسنا أن ال نعمل وال نساعد.
ملاذا ال نقوم حنن بدعمهم ،ومن دعمهم تعليمهم دين اهلل عز وجل،
وأمرهم باملعروف باحلسىن وهنيهم عن املنكر باحلسىن،
والتسلل إىل قلوهبم ومساعدهتم ماديا وإنسانيا،
وإغاثتهم ومساعدهتم أيضا بالسالح والوقوف إىل صفهم بالنفس واملال حىت نستطيع أن خنرجهم من حمنتهم وأن جنعلهم
مسلمني أقوياء صاحلني.
إذا حيلة نفسية أنك تنتقص هذا اإلنسان أو تنتقص هذا اجلهد أو تنتقص هذا الطريق أو تنتقص هذا املنهج لتربر لنفسك
ترك العمل ،بشكل عام ال نعذرك أبدا أن تنظر للجانب السليب وترتك اجلاين اإلجيايب.
مثال أضرب لك مثاال بسيطا ،مثال بعيد عن املوضوع لكن من أجل أن تدرك:
21
إنسان خرج من صالة الفجر ،فلما خرج مر فوجد شخصا آخر قد خرج لتوه من صالة الفجر وهو يقلم أشجار
احلديقة أو األشجار احمليطة يف املنـزل ،فقال هذا اإلنسان:
فالن مسكني ما وجد شيئا يشغل به وقته إال أن يقلم األشجار ،ملاذا مل يذهب Ÿليقرأ قرآن يف املسجد؟
مجيل قرأة القرآن أفضل من تقليم األشجار ال شك يف هذا ،لكن أيضا تقليم األشجار عندنا أفضل من النوم وأنت ذاهب
إىل أين؟ إىل الفراش.
فلماذا تنتقد إنسان ،ال بأس أن توجهه لكن أيضا ينبغي أن توجه نفسك وتنتبه إىل أنك أنت ذاهب إىل عمل أقل قدرا
حىت من تقليم األشجار الذي تنتقد به صاحبك.
طبيعي املوضوع طويل ،ولعلي أمر عليه مرور الكرام إن استطعت.
من الحيل النفسية القناعة الزائفة:
شعور اإلنسان أحيانا بأنه كامل ،أو أن هذا العمل الذي يقوم به عمال كامال وأنه ال مزيد عليه حبال من األحوال..
وأن كل اإلمكانيات املوجودة لديه قد صرفها يف سبيل العلم أو الدعوة أو اجلهاد أو األمر أو النهي ،وهلذا ال يطلب وال
يسعى إىل الكمال.
وعلى سبيل املثال ومن أوضح األمثلة أحوال الدول واجلماعات ،جتد هذه الدولة أو تلك ترى أهنا قد بلغت الكمال يف
اقتصادها وسياستها وإعالمها وجيشها وأمنها وغري ذلك ،وهلذا ال تقوم بأي لون من ألوان اإلصالح ،ملاذا ؟
ألهنا ترى الكمال وأن اإلصالح يعين وجود نقص سابق.
وبذلك يتبني لك خيانة اإلعالم الرمسي املضلل يف كثري من األحيان الذي ال يذكر إال الصورة اإلجيابية ،ويتجاهل
السلبيات وهو بذلك خيالف أوال املنهج الشرعي القائم على النقد والنصيحة ،ويف حديث أيب رقية يف مسلم:
(الدين النصيحة).
وهو أيضا خمالف للمنهج الغريب مع األسف الذي يقلده العرب واملسلمون اليوم ،فإن املنهج الغريب قائم على النقد وحرية
النقد لألفراد والدول واألحزاب واملؤسسات.
وبكل حال فإن اإلعالم ال يصلح إال يف جو من احلرية الشرعية اليت جتعله يقوم بدوره ليس فقط الثناء على املكاسب
واملبالغة يف ذلك ،بل يف نقد الواقع وتصحيحه وحث الناس وحفز اهلمم إىل التغيري حنو األفضل ،وينبغي أن ندرك ذلك
جيدا ونعيه.
ومن قبل كان عمر رضي اهلل عنه كان يقول:
(أشكو إلى اهلل عجز التقي وجور الفاجر).
الحظ التقي اآلن يشعر بأنه وصل إىل درجة معينة فال يطلب املزيد ،أما الفاجر فتجده يطالب.
الداعية يتحرك على استحياء ،يتسلل ويأيت كما يقال من أبواب اخلدم ،واملفروض أن اإلسالم يدخل من أبواب امللوك ال
من أبواب السوقة.
22
أما اخلصم العدو لإلسالم احملارب جتده يصيح دائما وأبدا وينادي بالويل والثبور مع أنه هو املنتصر ،ويتبجح وهو
الغالب.
مثال املرأة يف التلفاز ،أول ما ظهرت املرأة يف التلفاز كان ما يظهر إال اليد فقط أثناء عملية إعداد الطبخ،
مث ظهر جزء من البدن ،مث ظهرت حمجبة مث ظهر الوجه ،مث ظهر الشعر ،مث بدأ الثوب ينحسر حىت أصبحت ترى املرأة يف
التلفاز يظهر منها إىل ما فوق نصف الفخذ أحيانا وبأهبى زينة ،بل حيصل أحيانا ما هو أكثر من ذلك.
فهذا التدرج جتد أن بعض الفاسقني يطالب أن اإلعالم ال يزال حمافظا ،وأنه ينبغي حترير اإلعالم ،وينبغي وينبغي…
لكن األخيار حني يطالب الواحد منهم بتصحيح وضع ،أو يرسل مالحظة على برنامج يرسل على استحياء, ،إذا حصل
أدىن استجابة جتد يشعر بأنه حصل كل ما يريد وحتقق كل شيء.
الداعية ،إذا كان الداعية وخاصة يف جمال الدعوة ،مع األسف قد يكون الداعية أحيانا مندوب الدعوة أو مدير ملركز من
مراكز الدعوة ،فتجد أنه ال يأخذ صالحياته وال يقوم بأعماله.
وإمنا ميد يدا قصرية ويرى أنه قد قام بكل شيء وانه ال مزيد على ما قام به.
لكن جتد أن أندية رياضية فضال عن مثل املراكز الصيفية كما هو حاصل اآلن مثال ،جتد أندية رياضية أو جهات ليس هلا
عالقة بالدعوة ،جتد أنه تنشط يف جمال الدروس واحلاضرات وحتطم بعض احلواجز وبعض املوانع وبعض السدود ومتارس
عملها بقوة وجرأة وشجاعة يفقدها مع األسف حىت بعض املنتسبني إىل مؤسسات دينية رمسية.
أحيانا يشعر اإلنسان داعية أو موظف متدين أو غري ذلك ،يشعر بالتهمة اليت تقال عنه ،ويتقبل هذه التهمة فتجد أنه
يدافع عن نفسه ويتحرك على ضوئها وهلذا ال يقوم باألعمال قياما صحيحا بل يقنع قناعة زائفة بأدىن جناح يتحقق له.
من الحيل النفسية تحميل اآلخرين المسؤولية:
أنت بريء واملسؤولون هم اآلخرون.
وأحيانا املسؤول الشيطان فتجد اإلنسان يلقي بالالئمة على الشيطان.
وأحيانا اإلنسان حيتج بالقدر.
وأحيانا بالعدو كاالستعمار أو الصهيونية أو الغرب أو غري لك.
وأحيانا احلكام ،احلكام هم املسؤولون عن كل شيء يف نظر البعض.
وأحينا العلماء إذا صلحوا صلح الناس.
وأحيانا وهذا من املضحكات الناس ،من هم الناس؟ أنا وأنت.
جتد كثري من األدباء يؤلف كتب وجيعل فصول يف هجاء الناس ،ما لقي الناس من الناس ،والناس كذا والناس كذا.
من الناس ؟ أنا وأنت واملؤلف من الناس أيضا ،فهو إن يهجو الناس يهجو نفسه.
وحنن نقول الشيطان موجود وله دور.
والقدر حق وال شك فيه.
والعدو خيطط.
23
واحلكام عليهم مسؤولية كبرية أكرب من غريهم.
والعلماء كذلك.
لكن ال يعين هذا أبدا أنك أنت بذاتك وشخصك وعينك ونفسك أنك خارج إطار املسؤولية.
بعضهم يقول ،كل املشاكل اليت نعانيها اآلن هي من صنع اجليل السابق وسوف يقوم حبلها اجليل الالحق.
إذا حنن خارج الدائرة ،ال صنعنا املشاكل وال شاركنا يف حلها ،هذا ال جيوز حبال.
بعض األخوة من حتميلهم املسؤولية لآلخرين جتد أهنم ينتظرون املفاجئات:
إما مفاجئات ربانية خوارق أو معجزات أو آيات ،وجتد البعض ينتظرون املهدي أو عيسى.
وحنن نؤمن باملهدي أنه يأيت يف آخر الزمان ،ونؤمن بعيسى أنه ينزل يف آخر الزمان ،وهذا فيه نصوص صرحية.
ولكن ما أمرنا شرعا أن ننتظر املهدي وال عيسى عليه السالم وال غريه وال حىت اجملدد الذي يبعثه اهلل على رأس كل مائة
سنة .ما امرنا باالنتظار ،امرنا بأن نعمل ما نستطيع وال حنمل املسؤولية اآلخرين ،وال ننتظر أحد.
كذلك بعضهم ينتظرون مفاجئات يصنعها اآلخرون:
مثل واحد ينتظر مفاجأة يصنعها الكفار ،أن الكفار مثال سوف يعلنون حربا ضروسا على املسلمني ،حربا صليبية تستثري
مهم املسلمني العاديني وتدفعهم إىل القوة وإىل املشاركة.
هذا ليس بالزم بل ينبغي أن نقوم حنن بالعمل وال ننتظر عدونا.
من حتميل اآلخرين املسؤولية التالوم ،والتالوم مبناه سوء الظن بالناس ،فأنت تسيء الظن بالناس فتلومهم ،فالقائد مثال
يلوم املقود ويقول:
ولو أن قومي أنطقتني رماحهم…نطقت ولكن الرماح أجرتي
وكما يقول بعضهم يقول:
(الناس حزمة خوص) يعين لو كربتها باحلبل تشتت وتفرقت.
إذا ال أهتم بالناس وال أكرتث هلم ،وكذلك قد يقول القائل كما قال األول:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا…..ليوم كريهة وسداد ثغر
أما مجهور الناس املقودين فيقول قائلهم:
تاه الدليل فال تعجب إذا تاهوا… أو ضيع الركب أشباح وأشباه
تاه الدليل فال تعجب إذا انحرفوا… عن السراط لالت الشرك عزاه
تاه الدليل فال تعجب إذا تركوا… قصد السبيل وحاذوا عن سجاياه
فهذا يلوم هذا وهذا يلوم هذا ،والواقع أنه يف غياب القائد ومل لو يوجد قائد فيجب أن نكون كلنا قواد.
ويف معركة مؤته ملا قتل القواد الذي حددهم رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم) وكاد املسلمون أن يقتلوا.
قام رجل حمتسب وهو ثابت أبن أقرم العجالين ،محل الراية وقال أيها املسلمون إيل إيل ،مبادرة شجاعة حىت جتمع الناس
وقال اختاروا من بينكم قالوا أنت ،قال لست هلا بأهل ،اختاروا ،فاختاروا خالد فسلمه الراية.
24
جتد البعض يقول لك ،يا أخي الناس اليوم ليس عندهم استعداد للتضحيات ،الناس ال يفعلون شيء ،الناس ال يقدرون
اجلهود.
يا أخي اآلن الكفار يفعلون الكثري.
والكفار يقدرون اجلهود.
والكفار مستعدون أن يضحوا من أجل دينهم الباطل.
كما رأيت الصرب اآلن ،وكما رأيت الروس كيف قاوموا االنقالب الشيوعي الفاشل ،وكما رأيت أمم الكفر كلها
قامت وواجهت القوة بأجساد عارية وبسواعد ال متلك شيئا ومع ذلك حققوا انتصار.
فهل تظن أن املسلمني وهم حسب اإلحصائيات الرمسية ألف مليون عاجزون عن أن يدافعوا عن دينهم؟
بال واهلل قادرون ،لكن لو أفلح الدعاة بتحريك مشاعرهم وخماطبتهم ودعوهتم إىل امليدان وإقناعهم بضرورة املشاركة
بكل صورها وألواهنا.
من ألوان حتميل اآلخرين املسؤولية اعتقادك أن الساحة ملئ وأنه ما عدا فيه جمال ،احلمد هلل اخلري كثري ،واألصوات كثرية
والعلماء وطالب العلم كثريون وأنه مالك جمال أبدا ،وهذا خطأ ،فاهلل عز وجل يقول:
(فقاتل في سبيل اهلل ال تكلف إال نفسك).
وأنت إذا اعتذرت عن أعمال اخلري اآلن حبجة أن الساحة ملئ ،فأخشى أن تعتذر يوم القيامة عن دخول اجلنة.
كما يف احلديث الصحيح:
(أن اهلل عز وجل قال لرجل اذهب فأدخل الجنة ،فذهب فلما اقترب منها وجد أنها مأل ،ظن أنها مأل أو خيل
إليه ،فقال يا رب وجدتها مأل ،فقال اهلل تعالى له اذهب فإن لك الدنيا وعشرة أمثال الدنيا)
وهذا من آخر من يدخل اجلنة ،فرمبا تتأخر منزلتك يف اجلنة بسبب تأخرك عن العمل الصاحل اآلن حبجة أن الساحة مأل
وأن األخيار كثريون.
أما الشرع فهو يف هذا واضح ،ما أعطاك الشرع حجة وما ترك لك جماال لالعتذار بأن هناك كفاية يف عدد الدعاة أو
اآلمرين باملعروف أو الناهني عن املنكر أو املصلحني أو اجملاهدين أو الباذلني يف سبيل اهلل أو أي لون من ألوان اخلري.
مثال يقول ربنا جل وعال:
(وهو الذي جعلكم خالئف األرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم).
كلكم بشر ،كلكم خالئف األرض ،كلكم مبتلون مبا أعطاكم اهلل تعاىل ،علم ،جاه ،مال ،شجاعة ،رئاسة ،إدارة ،خط،
رسم ،خطابة ،بالغة ،منزلة ،أي لون من ألوان املواهب والعطايا فهي بلوى ابتليت هبا.
يقول اهلل تعاىل:
(وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا)
(إن كل من في السماوات واألرض إال آتي الرحمن عبدا،لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا).
ويقول النيب (صلى اهلل عليه وسلم):
25
(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) .وهو يف الصحيحني.
ويف احلديث اآلخر وهو عند الرتمذي وغريه وهو صحيح:
(لن تزول قدم عبد (أي عبد) يوم القيامة حتى يسأل عن أربع ،عن عمره وعن شبابه وعن مالك وعن علمه ماذا
عمل به).
كذلك قول اهلل تعاىل( :ال يكلف اهلل نفسا إال وسعها).
بعض األخوة يفرح ( ال يكلف اهلل نفسا إال وسعها) ،طّيب… .يا أخي هذه حجة عليك ،ملاذا أنت تفهم من اآلية
اإلعفاء وال تفهم من آلية املسؤولية ؟
اهلل تعاىل كلفك وسعك ،ومل يكلفك ما هو فوق وسعك.
فالبعض إذا أحتج عن ترك العمل قال (ال يكلف اهلل نفسا إال وسعها).
طيّب Ÿ..هذا دليل على أن اهلل قد كلفك وسعك وطاقتك ،فنحتج عليك به على أنك مسؤول قبل أن حتتج به أنت على
أنك غري مسؤول وأنك غري مكلف.
ومثله أن بعض األخوة مثال يقول يا أخي ورع أن أترك العمل ،فريون أن الورع يف ترك الشيء ،وال يذكرون أن الورع
أحيانا يف فعل الشيء ،نعم من الورع ترك املكروه ،وترك الذي يشتبه باملكروه ،أو يشتبه بأنه حرام ،هذا كله من الورع.
لكن أيضا ألست تعرف أن من الورع أن تفعل ما يشتبه أن يكون واجبا أو يشتبه أن يكون مستحبا عليك ،فالشبيه
باملستحب أو الشبيه بالواجب من الورع أن تفعله ،لكن جتدنا دائما حنب ترك العمل.
وهلذا فالورع الذي فيه ترك ممن نرتكه ،لكن الورع الذي فيه فعل نتأخر عن فعله ألننا دائما وأبدا نتأخر إىل الوراء ،ال
نرغب يف أن نقوم بعمل وهذا هو العجز كما ذكرته قبل قليل.
جتدنا نقرأ هذه اآلية:
(ال يكلف اهلل نفسا إال وسعها).
وننسى أن معىن اآلية أن اهلل تعاىل قد كلفنا تكليفا شرعيا أن نعمل بكل وسعنا.
بقي في موضوع الحيل النفسية.
موضوع التسويف
موضوع اليأس
موضوع تعظيم األمر أو تهوينه.
وأتركها ألن الوقت ضاق ،وأسأل اهلل تعلى أن جيعل ما قلته سببا إىل أن نقوم مجيعا مبا أو جب اهلل تعاىل علينا من
األقوال واألفعال وأن جناهد يف سبيل اهلل تعاىل كما أمر اهلل.
أسأل اهلل تعاىل يل ولكم التوفيق لصاحل القول والعمل.
(مت حبمد اهلل وتوفيقه)
……………………………………………………….
26
أخي احلبيب – رعاك اهلل
ال نقصد من نشر هذه املادة القراءة فقط أو حفظها يف جهاز احلاسب،
بل نآمل منك تفاعال أكثر من خالل:
-إبالغنا عن اخلطأ اإلمالئي أو اهلجائي كي يتم التعديل.
-نشر هذه املادة يف مواقع أخرى على الشبكة.
-مراجعتها ومن مث طباعتها وتغليفها بطريقة جذابة كهدية لألحباب واألصحاب.
-يف حال إمكان ذلك األستاذان من الشيخ لتبين طباعتها ككتيب يكون صدقة جارية لك.
أخي احلبيب ال حترمنا من دعوة صاحلة يف ظهر الغيب.
من خالل اقرتاحاتك وتوجيهاتك ألخيك ميكن أن تساهم يف هذا العمل اجلليل.
اللهم اجعل هذا العمل خالصا لوجهك الكرمي.
للتواصل مع أخوكم البوراق anaheho@maktoob.com /
27