Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 27

‫خطبة‪( :‬الخيل النفسية)‬

‫فضيلة الشيخ‪ :‬سلمان ابن فهد العوده‬


‫‪.............................................................................‬‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬


‫إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه‪،‬‬
‫ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهد اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له‪،‬‬
‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪،‬‬
‫وأشهد أن حممدا عبده ورسوله صلى اهلل عليه وعلى آله وأصحابه وأتبعاه إىل يوم الدين وسلم تسليما كثريا‪.‬‬
‫أما بعد…………‪.‬‬
‫والعنوان كما سمعتم ورأيتم الحيل النفسية‪:‬‬
‫وأود أن أقول لألخوة يف البداية إن هذا املوضوع هو استكمال ملوضوع كنت بدأته من قبل وخرج بعنوان األمة الغائبة‪.‬‬
‫ولعل هذا املوضوع هو تشخيص لبعض أسباب غياب األمة‪ ،‬وهو أيضا مثل سابقه عبارة عن مطالبة باملشاركة‪.‬‬
‫أي لون من ألوان املشاركة يف الدعوة إىل اهلل عز وجل‪ ،‬إذ حنن ال نشرتط حني نطالبك أنت بشخصك وعينك أيها‬
‫القاعد بني أيدينا‪ ،‬ال نشرتط ملشاركتك يف العلم والدعوة واإلصالح واألمر باملعروف شكال معينا وال مقارا معينا أو‬
‫حجما معينا‪.‬‬
‫لكن نطلب منك مطلق املشاركة بقدر ما تستطيع‪.‬‬
‫ألننا نعلم أوال أنك تقدر فإن اهلل تعاىل خلقك إنسانا‪ ،‬وكلمة إنسان بذاهتا قبل أن ندخل يف أي لفظ شرعي‪ ،‬كلمة‬
‫إنسان يقول أهل اللغة‪( :‬هي مشتقة من النوس‪ ،‬ناس‪ ،‬ينوس إذا حترك)‪.‬‬
‫إذا أنت متحرك بطبيعتك‪ ،‬وفعال بطبيعتك‪ ،‬فأنت تستطيع أن تصنع الكثري‪ ،‬فنحن نطالبك أوال هبذا‪.‬‬
‫وثانيا ال نشرتط قدرا معينا ألننا نعلم أن الناس ليس نسخة واحدة طبق األصل بعضهم من بعض‪ ،‬كال‪.‬‬
‫فالذي يف كبينة القيادة أحيانا شخص واحد أو اثنان وعلى العموم هم أفراد‪.‬‬
‫لقد حرصت أيها األخوة يف هذه احملاضرة على الوضوح واملباشرة وعدم التعقيد العلمي‪ ،‬ألن املخاطب هبذه الكلمات‬
‫ليسو هم النخبة وعلية القوم من املثقفني واخلاصة والدعاة‪ .…،‬كال‪.‬‬
‫بل نريد أن خناطب هبذه الكلمات كل إنسان مسلم بغض النظر عن مستواه العلمي والثقايف‪ ،‬وعن عمره وعن أي شيء‬
‫آخر‪ ،‬ولذلك فال غرابة أن أحرص على توضيح العبارات وبسطها والبعد عن أي لون من ألوان الرتتيب العلمي الذي قد‬
‫يصعب ويشق على الناس فهمه‪.‬‬
‫ومن قبل كان أبن قتيبة رمحه اهلل يقول يف بعض كتبه‪:‬‬
‫(ينبغي أن يكون الخطيب متخير اللفظ قليل اللحظ ال يحرص على تدقيق العبارة وال على تخصيص المعاني)‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أي أنه يذكر معاين جمملة عامة يسهل على كل إنسان فهمها وليس فيها من الغموض والدقة أي مقدار‪.‬‬
‫ومن بعده كان اإلمام الشاطيب أيضا يقول‪:‬‬
‫( إن السلف رحمهم اهلل تعالى كان الواحد منهم ال يهتم باأللفاظ‪ ،‬بل يلقي الكالم على عواهله وكيفما أتفق متى‬
‫ما علم أن هذا الكالم يؤدي المعنى المقصود‪ ،‬ويصل إلى ذهن السامع ويبلغ المعنى الشرعي)‪.‬‬
‫إذا لندرك أننا يف هذه اجللسة ال يعنينا تزويق األلفاظ‪.‬‬
‫وال تصفيف العبارات‪ ،‬وال الرتتيب العلمي واملوضوعي بقدر ما يعنينا أن أمامنا عددا من احليل النفسية اليت نتسرت هبا‬
‫أحيانا ينبغي أن نكتشفها ونفضح نفوسنا فيها حىت نضعها أمام احلقيقة وجها لوجه‪ ،‬وال نبقي عذرا ملعتذر يقعد عن أن‬
‫يقوم بعمل يف سبيل اهلل عز وجل‪.‬‬
‫إذا ال تنتظر مين استكماال للموضوع وال تطويال فيه وال تنظريا‪ ،‬بل وال حسن ترتيب‪ ،‬فحسيب أن تفهم الكالم الذي‬
‫أقوله وتوقن أو تعلم بأنه حق وأنه ينبغي أن نعاجله‪.‬‬
‫وبادئ ذي بدء نالحظ أن الرسول (صلى اهلل عليه وسلم) هنى عن العجز واستعاذ منه فقال عليه الصالة والسالم يف‬
‫حديث أيب هريرة الذي رواه مسلم وهو حديث طويل‪:‬‬
‫( أحرص على ما ينفعك وأستعن باهلل وال تعجز)‪.‬‬
‫وهذا هني ‪ ،‬وال تعجز‪ ،‬إذا أمسك بيدك كلمة العجز حىت نفكر بعد قليل ما هو العجز‪.‬‬
‫مث تنتقل فتجد أن من دعاء النيب (صلى اهلل عليه وسلم) الذي ثبت عن مجاعة من الصحابة كأنس أبن مالك مثال أو غريه‬
‫أنه كان عليه الصالة والسالم يستعيذ من العجز‪:‬‬
‫( وأعوذ بك من العجز)‪ .‬واحلديث جاء عن أنس وزيد أبن أرقم وهو يف الصحيح وغريه‪.‬‬
‫وجتد يف القرآن الكرمي كلمة العجز أيضا موجودة يف مواضع منها‪:‬‬
‫(واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما…‪..‬اآليات)‬
‫إىل قوله تعاىل‪:‬‬
‫(فبعث اهلل غرابا يبحث في األرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب‬
‫فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين)‬
‫إذا هنا يربز أمامك العجز‪ ،‬فالعجز إذا داء‪ ،‬مرض يكون سببه الغفلة وعدم االهتداء‪ ،‬حىت أن هذا اإلنسان مثال مل يكن‬
‫عاجزا عن أن حيفر األرض ليدفن أخاه الذي قتله‪ ،‬ولكنه غفل عن هذا املعىن ومل يتفطن له حىت رأى الغرب يبحث يف‬
‫األرض فاستيقظ وتنبه والم نفسه أن يكون الغراب معلماً له ويسبقه إىل هذه القضية فيحفر يف األرض فقال‪:‬‬
‫(قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين)‪.‬‬
‫وبذلك قد نكتشف أن العجز هو صفة مالزمة للمعتدين أحيانا‪ ،‬ألن هذا اإلنسان كان معتديا‪ ،‬فاالعتداء غلف قلبه‬
‫وغطى على فطرته حىت مل يتفطن إىل مسألة أن حيفر األرض أخاه‪.‬‬
‫إذا الزيادة أو النقص اإلفراط أو التفريط كل هذه األشياء تكون سببا يف ابتالء اإلنسان بالعجز والقعود وترك العمل‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫اإلنسان يتعلم إذا حىت من احليوان‪ ،‬وأنت تعرف قصة اإلنسان الذي أراد أن يتعلم النحو ففشل مرة ومرتني وثالث‪،‬‬
‫وبعد ذلك رأى منلة تصعد وكلما صعدت سقطت مث تكرر احملاولة‪.‬‬
‫فبعد ذلك تلقن من ذلك درسا أنه جيب أن حياول ويكرر احملاولة فيستجيب حىت من احليوان أو الطري أو غريه‪ ،‬حىت‬
‫يذكرون هذه القصة عن سيبويه أو غريه‪.‬‬
‫ولذلك وصم اهلل املنافقني الذين ختلفوا أنه أراد سبحانه أن يصيبهم ببعض ذنوهبم ومبا كسبت أيديهم‪ ،‬وكذلك بعض‬
‫املؤمنني أيضا الذين هربوا أو تولوا من املعركة‪:‬‬
‫(إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا اهلل عنهم إن اهلل غفور‬
‫حليم)‪( .‬فإن تولوا فاعلم أنما يريد اهلل أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون)‪.‬‬
‫هذا العجز الوارد يف الشرع هو ما ميكن أن نعرب عنه أحيانا بالعوائق النفسية أو احليل النفسية وهو داء يف القلب أو يف‬
‫النفس لكن ال يصل إىل حد أن نعترب أن صاحبه بالضرورة‪ Ÿ‬كما قد يتوهم البعض مريضا نفسيا أو جمنونا مثال‪.‬‬
‫ال‪ ..‬لكن عنده نوع من اخللل‪ ،‬وأنت تالحظ الفرق بني إنسان سوي النفس سليم القلب ملتزم بالكتاب والسنة كثري‬
‫اإلقبال عليهما شديد التوكل على اهلل‪ ،‬جتد أن موازينه وحساباته مضبوطة‪.‬‬
‫وآخر أعماله النفسية كلها غري طبيعية بل هي مصابة باخللل بسبب نوع من عدم االعتدال عنده‪.‬‬
‫فتجد مثال قضية اإلدراك عنده غري منضبطة‪ ،‬ال يدرك األمور إدراكا صحيحا‪ ،‬وال يتصورها تصورا صحيحا‪ ،‬وال‬
‫يتذكرها وال يتخيلها بشكل صحيح‪ ،‬فهو يدركها على غري صورهتا وبذلك خيطئ احلسابات كما سوف يأيت أمثلة لذلك‬
‫بعد قليل‪ ،‬وبالتايل جتد أن هذا اإلنسان ال يعمل‪.‬‬
‫أحيانا هناك إنسانا قاعدا ال يعمل‪ ،‬ولو قلت له‪ ،‬قال لك نعم أنا ال أفعل شيء‪ ،‬ملاذا ؟‬
‫قال لك عسى اهلل يهديين‪ ،‬واهلل أنا قادر ومستطيع‪ ،‬فال خيدع نفسه أو يضحك عليها‪.‬‬
‫ولكن هناك آخر جتد أنه إذا حادثته وقلت ملاذا ال تفعل شيء؟‬
‫بدأ يفلسف هذا العجز‪ ،‬ويظهره بصورة العقل أحيانا‪،‬‬
‫أو بصورة الفهم أو احلكمة‪ ،‬أو حىت بصورة الشرع كما سوف يبدو لك‪.‬‬
‫فما هي هذه األعذار اليت نتسرت ورائها أحيانا حىت نرتك العمل ؟‬
‫قبل أن أذكرها أود أن أقول لك نقطة حتى تدرك هل أنت تعيش نوعا من الحيل النفسية‪.‬‬
‫تصور وأنت قاعد بني يدي اآلن‪ ،‬هل تشعر أنك املخاطب وأن الكالم وموجه لك مباشرة؟‬
‫أم تشعر أنه يعين أناس آخرين غريك؟‬
‫فإن كنت تتصور أن الكالم موجه لك أنت بالذات دون غريك‪ ،‬فهذا دليل على نوع من الوضوح والصراحة مع نفسك‪.‬‬
‫لكن إن كنت تشعر بأن املخاطبني أناس موجودين يف كوكب آخر‪ ،‬فيجب أن تتنبه إىل أن هذه بداية احليل النفسية‪،‬‬
‫أنك جتعل الكالم يزل عن ميينك ومشالك وال يصيبك‪.‬‬
‫أول هذه الحيل التواضع الوهمي الكاذب‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫فريى اإلنسان نفسه ليس أهال لشيء‪ ،‬ال لعمل وال لوظيفة وال لشهادة وال إلمامة وال خلطابة وال لدعوة وال لتصدر وال‬
‫إلدارة وال لشيء‪.‬‬
‫يقول يا أخي أنا أعرف نفسي‪ ،‬ال تظن أين متواضع‪ ،‬ال‪.‬‬
‫احلقيقة لو تعرف ما يف نفسي من العيوب لعذرتين وأدركت أنين ال أقول إال احلقيقة‪ ،‬فدعين ونفسي‪.‬‬
‫وعبثا حتاول إخراج بعض هؤالء الناس من تواضعهم الومهي الذي أصبح حيول بينهم وبني أي عمل‪.‬‬
‫وليست املشكلة يف وجود الشعور نفسه‪ ،‬كون اإلنسان يتكلم عن نفسه بازدراء أو احتقار أو يهضم نفسه أو يوخبها‪،‬‬
‫هذا ال شيء فيه بل هو أمر فطري بل املؤمن الصادق هو كذلك‪ ،‬ال يصاب بغرور وال عجب وال يرى نفسه شيئا‪.‬‬
‫وكما قال أبن مسعود رضي اهلل عنه كما يف الصحيح‪( :‬إن المؤمن يرى ذنوبه مثل جبل على رأسه يخشى أن يقع‬
‫عليه‪ ،‬والمنافق كذباب وقع على وجهه فقال به هكذا بيده فطار)‪.‬‬
‫إذا حنن ال نعيبك أن توبخ نفسك وال أن تزدري نفسك وال أن حتتقرها فهذا ال شيء فيه‪.‬‬
‫ولكن املشكلة أن يتحول هذا الشعور عندك إىل منهج حيكم كل تصرفاتك وأعمالك‪.‬‬
‫درس أو أمسك هذه الوظيفة املهمة أو ألف كتابا أو ألقي‬ ‫فإذا قلنا لك يا فالن تعال أمسك املسجد وصلي باملسلمني أو ّ‬
‫درسا أو حماضرة أو أمر مبعروف أو أهنى عن منكر‪ ،‬هززت رأسك وقلت‪:‬‬
‫اهلل املستعان‪ ،‬لو كنت تعلم ما يب كنت تعذرين‪ ،‬فتحول هذا الشعور إىل عائق وحائل مينع اإلنسان من العمل‪.‬‬
‫وأنت جتد أن كالم السلف يدل على أن املشكلة ليست يف وجود هذا الشعور والكالم‪ ،‬ولكن املشكلة يف كونه يتحول‬
‫إىل ذريعة لرتك العمل الصاحل‪.‬‬
‫مثال أبو الوفاء أبن عقيل – رمحه اهلل – صاحب كتاب الفنون يف مثامنائة جملد وهو من أذكياء العامل‪ ،‬له كالم عجيب يف‬
‫توبيخ نفسه نقله أبن اجلوزي يف كتاب صيد اخلاطر‪ ،‬وقال أبن اجلوزي بعد ما وبخ نفسه وذمها وعاتبها قال‪:‬‬
‫( وقد رأيت اإلمام أبو الوفاء أبن عقيل قد ناح على نفسه نحو ما نحت فأعجبتني نياحته فنقلتها ها هنا)‪.‬‬
‫يقول أعجبين صياحه وبكائه على نفسه‪.‬‬
‫ماذا قال أبو الوفاء؟ قال كالما طويال مقصده وخالصته أن أبا الوفاء أبن عقيل خياطب نفسه ويقول‪:‬‬
‫(يا نفس ماذا استفدت من عمرك الطويل؟ استفدت من أن يقال لك أنك إنسان مناظر قوي الحجة ال غير‪ ،‬مثل ما‬
‫يقال للمصارع المنتصر الغارة (يوصف هبذا الوصف أو يسمى هبذا االسم)‪.‬‬
‫قال‪ :‬وعما قليل تترك ذلك في الموت‪ ،‬بل حتى في حياتك لو برز للناس شخص أو شاب افره من وأقوى منك‬
‫عبارة لربما موهوا له بالقول وركضوا ورائه وتركوك‪ ،‬فماذا انتفعت من قول الناس لك يا مناظر ؟ وأنت تعلم ما‬
‫في نفسك وما في قلبك‪.‬‬
‫ثم قال واهلل ما أعلم في نفسي حسنة أستطيع أن أسأل اهلل بها فأقول‪ :‬اللهم إني أسألك كذا بكذا‪.‬‬
‫مثل اللهم أين أسألك اجلنة بأين أقوم الليل أو بأين أصوم النهار أو بصلة رحم مثال‪ ،‬يقول إين ال أعلم لنفسي حسنة‬
‫أستطيع أسأل اهلل هبا فأقول اللهم إين أسألك كذا بكذا‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫(وعما قليل أموت فيقول الناس مات الرجل الصالح العالم الورع الـ‪ ..‬الـ‪ ..‬ووهلل لو علموا حقيقتي ما دفنوني‪).‬‬
‫وكالم من هذا القبيل طويل‪ ،‬كالم مث قال‪:‬‬
‫(واهلل ألنادين على نفسي وأفضحها لعل اهلل أن يرحمني بذلك)‪.‬‬
‫كالم أبن اجلوزي مثال‪ ،‬وكال أبو الوفاء أبن عقيل وغريهم من أهل العلم لعل الكثريين منكم يفضحون نونية القحطاين‪:‬‬
‫واهلل لو علموا قبيح سريرتي …‪.‬ألبى السالم علي من يلقاني‬
‫وألعرضوا عني وملوا صحبتي…ولبؤت بعد كرامة بهواني‬
‫إىل آخر قصيدته‪.‬‬
‫لكن السؤال‪ ،‬أبو الوفاء أبن عقيل وأبن اجلوزي والقحطاين ومن قبلهم ومن بعدهم حىت الصحابة رضي اهلل عنهم هلم يف‬
‫ذلك كالم كثري يف ازدراء النفس‪ ،‬هل هذا الشعور جعلهم ال يعملون‪ ،‬ال جياهدون‪ ،‬ال يأمرون باملعروف ال ينهون عن‬
‫املنكر؟ ال‪ ..‬أبو بكر هو اخلليفة وأمور املسلمني كلها يف عنقه ومع ذلك كثريا ما يوبخ نفسه‪ ،‬فإذا مدحوه قال‪:‬‬
‫(اللهم أغفر لي ما ال يعلمون واجعلني خيرا مما يظنون)‪.‬‬
‫وكثري ما كان أبو بكر رضي اهلل عنه يقبل على نفسه فيوخبها ويذمها‪.‬‬
‫ومثله عمر‪ ،‬خليفة وتعرف عمر ماذا فعل رجل إجيايب من الدرجة األوىل‪ ،‬ومع ذلك عمر كما يف األثر الصحيح كان‬
‫(بخ بخ يا أبن الخطاب‪ ،‬باألمس ترعى غنم الخطاب‪ ،‬واليوم أمير المؤمنين‪ ،‬واهلل لتتقين اهلل أو ليعذبنك)‪.‬‬
‫يقول‪ٍ :‬‬
‫إذا فرق بني شعورك باالزدراء واالحتقار لنفسك الذي هو خري وضمانة –إن شاء اهلل‪ -‬عن العجب واالغرتار وعن‬
‫حبوط العمل وعن الكرب وعن الغطرسة وعن رد احلق‪ ،‬فرق بني هذا‪ ،‬وبني هذا االحتقار للنفس الذي هو مدخل من‬
‫مداخل الشيطان جيعلك ال تقوم بأي عمل صاحل وال متارس أي دور‪.‬‬
‫كالم أبو الوفاء أبن عقيل وأبن اجلوزي والقحطاين ومن قبلهم أيب بكر وعمر وعثمان وعلي وفالن وعالن مل مينع آخرين‬
‫من أن يتكلموا عن ما وهبهم اهلل من اخلري والنعم‪.‬‬
‫ألن النعمة جيب أن تشكر‪ ،‬وأول مراحل الشكر للنعمة هو أن تعرف النعمة‪ ،‬يقول اهلل عز وجل‪:‬‬
‫(يعرفون نعمة اهلل ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون)‪.‬‬
‫فأول مراحل الشكر للنعمة املعرفة‪ ،‬فإذا كان اهلل أعطاك مواهب البد أن تعرف هذه املواهب حىت تشكرها‪ ،‬ولو جحدهتا‬
‫لكنت منكرا نعمة اهلل تعاىل عليك‪.‬‬
‫يوسف عليه السالم نيب اهلل‪( :‬قال اجعلني على خزائن األرض إني حفيظ عليم)‪.‬‬
‫ما منعه أن يطالب بأن يكون على خزائن األرض ألنه يعلم أن اهلل تعاىل قد أختصه هبذه املزايا‪.‬‬
‫أبن عباس يقول‪( :‬أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله (وما يعلم تأويله إال اهلل)‪ ،‬وفي قوله تعالى ‪( ،‬ما‬
‫يعلمهم إال قليل)‪ ،‬أنا من القليل الذين يعلمه)‪ .‬مل مينعه تواضعه أن يقول هذا‪.‬‬
‫عثمان أبن أيب العاص كما يف السنن وهو حديث صحيح‪( :‬يا رسول اهلل اجعلني إمام قومي‪ ،‬قال أنت إمامهم‪،‬‬
‫واقتدي بأضعفهم‪ ،‬وأتخذ مؤذنا ال يأخذ على آذانه أجرا)‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫فعثمان ابن أيب العاص مل مينعه تواضعه وهضم نفسه من أن يطلب أن يتوىل عمال دينيا وهو اإلمامة‪.‬‬
‫ليس عمال دنيويا إنا ال نويل هذا األمر من طلبه‪ ،‬ولكن العمل الديين‪.‬‬
‫وهلذا اهلل تعاىل وصف املتقني كلهم بأهنم عباد الرمحن بأهنم يقولون‪:‬‬
‫(ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما)‪.‬‬
‫اجعلنا للمتقني إماما‪ ،‬ما طلبوا فقط أن يكونوا من املتقني‪.‬‬
‫بل طلبوا أن يكونوا أئمة للمتقني‪ ،‬ليسوا أئمة للمؤمنني أو املسلمني فقط‪ ،‬بل للمتقني‪.‬‬
‫وال شك أنه من الغنب أن يقول العبد يف سجوده‪ ،‬واجعلنا للمتقني إماما‪ ،‬مث يطلب منه أن يتوىل أمر ثالثة يف دعوة أو‬
‫إصالح أو قيادة أو توجيه أو أمر مبعروف أو هني عن منكر‪ ،‬مث ينفض ثوبه ويتنصل ويقول‪:‬‬
‫ال أستطيع …ال أستطيع‪.‬‬
‫ألن مقتضى الشرع أن الدعاء يتطلب العمل الصاحل‪ ،‬فإذا قلت‪:‬‬
‫(واجعلنا للمتقين إماما) ينبغي أن تسعى إىل حتقيق اإلمامة يف الدين‪ .‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬
‫(وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)‪.‬‬
‫قال سفيان‪( :‬بالصبر واليقين تنال اإلمامة في الدين)‪.‬‬
‫وملا قال ربيعة ابن مالك األسلمي رضي اهلل عنه كما يف صحيح مسلم لرسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم)‪:‬‬
‫(يا رسول اهلل أدعو اهلل أن أكون رفيقك في الجنة‪ ،‬قال أعني بكثرة السجود)‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬إذا دعوت بشيء عزز دعائك بفعل األسباب‪ ،‬وكما قال عمر رضي اهلل عنه‪:‬‬
‫(أخلط مع دعاء العجوز شيئا من القطران)‪.‬‬
‫كانوا يقولون إذا أصاب أبل الصدقة اجلرب‪ ،‬نذهب إىل عجوز هناك تدعو فيشفيها اهلل تعاىل‪ ،‬فقال عمر رضي اهلل عنه‪:‬‬
‫ال بأس هذا جيد أذهبوا للعجوز لكي تدعو‪.‬‬
‫ولكن ويف نفس الوقت هاتوا القطران وهو نوع من العالج اطلوا به هذا اجلرب فيزول بأذن اهلل تعاىل‪.‬‬
‫فالسبب البد من فعله‪ ،‬الدعاء سبب وفعل العمل الصاحل من السجود أو السعي إىل اإلمامة يف الدين بالصرب والتقوى‬
‫واليقني هو أيضا مطلوب‪.‬‬
‫وأحيانا تجد أن المعصية أو النقص أو التقصير يتسبب لإلنسان يف ترك العمل الصاحل‪ ،‬وكأنه يظن أنه ال يعمل للخري‬
‫إال الكامل فال يعملون‪ ،‬مع أنك لو نظرت للنص الشرعي وجدت غري هذا‪.‬‬
‫يا فالن ملاذا ال تدعو إىل اهلل ؟‬
‫قال اهلل املستعان‪ ،‬روائح ذنويب فاحت‪.‬‬
‫أنا أستحي أن أقف أمام الناس‪ ،‬أستحي من اهلل تعاىل‪.‬‬
‫أخجل أن أعظ الناس وأنا أحتاج إىل من يعظين‪.‬‬
‫طيب يا أخي‪ ،‬اآلن أنت عندك مال‪ ،‬هل تزكيه؟‬

‫‪6‬‬
‫قال نعم أزكيه ألنه بلغ النصاب‪.‬‬
‫طيب‪ ،‬املال بلغ النصاب تزكيه‪ ،‬لكن أمل تعلم أن العلم عليه زكاة أيضا‪ ،‬ويف نفس الوقت العلم ليس له نصاب‪ ،‬فالرسول‬
‫عليه الصالة والسالم بني النصاب يف األموال الزكوية‪ ،‬ولكن بالنسبة للعلم ماذا قال ؟ قال‪:‬‬
‫(بلغوا عني ولو آية)‪ .‬كما يف الصحيح‪.‬‬
‫آية واحدة فقط أو حديثا‪.‬‬
‫(نظّر اهلل امرؤا مسع منا حديثا فبلغه)‪Ÿ.‬‬
‫آية وحدة أو حديث واحد‪ ،‬من يوجد من املسلمني كلهم من ال حيفظ آية أو حيفظ حديثا؟‬
‫فيجب أن تتفطن أن كل قدر من العلم ولو قل عندك عليه زكاة‪ ،‬وأن تقصريك أنت بفعل املعصية‪ ،‬ليس موجبا بل وال‬
‫مبيحا لرتك النهي عنه‪ ،‬وتقصريك برتك الطاعة ليس موجبا بل وال مبيحا برتك األمر هبا‪.‬‬
‫مبعىن جيب أن تأمر باملعروف ولو كنت تاركا له‪ ،‬وجيب أنت تنهى عن املنكر ولو كنت واقعا فيه‪.‬‬
‫ِ‬
‫محمد‬ ‫ظ العاصين بعد‬
‫ولو لم يعظ في الناس من هو مذنب…‪.‬فمن يع ُ‬
‫وال شك يف هذا بل هو يكاد يكون إمجاعا ألهل العلم‪.‬‬
‫إذ كونك تركت املعروف بنفسك هذا خطأ‪ ،‬تعاجله خبطاء آخر أنك أيضا ال تأمر به‪.‬‬
‫وكونك فعلت املنكر هذا خطأ‪ ،‬لكن تعاجل هذا اخلطاء خبطأ آخر هو أنك ال تنهى عن املنكر‪.‬‬
‫وأضرب لك مثاال بسيطا‪:‬‬
‫أنت – وحاشاك إن شاء اهلل – مبتلى بشرب الدخان ألنك نشأت يف بيئة مل تعودك على ترك هذا‪ ،‬فأخذته بالتقليد‬
‫والعادة وأصبح صعبا عليك تركه بسبب اإلدمان‪.‬‬
‫تزوجت ورزقت بأوالد فوجدت أبن عشر سنوات من أوالدك يدخن‪.‬‬
‫هل تقول حني إذا ال أهناه ألين أنا مدخن؟‬
‫قطعا ال… بل ستقول أمنعه وستتخذ من كونك مدخنا حجة عليه‪ ،‬وستقول له يا ولدي‬
‫أنا جربت قبلك وابتليت هبذا الداء الذي أخرج من مايل وأتركه لكن عجزت‪.‬‬
‫فأنت اآلن ما دمت يف بداية الطريق أبتعد عن هذا الشيء‪.‬‬
‫فتستفيد من اخلطأ الذي وقعت فيه يف هني الناس‪.‬‬
‫مع أنك مطالب برتك املعصية ومطالب بفعل الطاعة‪ ،‬ولكن ليس من شروط األمر باملعروف أن تكون فاعله‪.‬‬
‫وال من شروط النهي عن املنكر أن تكون تركا له‪.‬‬
‫أما قول اهلل تعاىل‪:‬‬
‫(أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم)‪.‬‬
‫هذا نعم‪ ..‬ال شك أنه يوبخ ألن اآلمر للناس عامل‪ ،‬وكان مفروضا أن يكون أول املمتثلني‪ ،‬كما قال شعيب عليه السالم‪:‬‬
‫(وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه‬
‫)‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫لكن كونك قصرت يف هذا ال يبيح لك أن تقصر يف الثاين‪.‬‬
‫مثله قوله عليه السالم كما يف حديث أسامة يف صحيح البخاري‪:‬‬
‫(يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى بالنار …إلى قوله كنتم آمركم بالمعروف وال آتيه‪ ،‬وأنهاكم عن المنكر وآتيه)‪.‬‬
‫نقول هذا هل دخل النار ألنه يأمر باملعروف وينهى عن املنكر؟‬
‫كال…األمر باملعروف والنهي عن املنكر بالنية الصاحلة عمل صاحل يدخل اجلنة ويباعد عن النار‪ ،‬وإمنا دخل النار ألنه‬
‫يفعل املنكر ويرتك املعروف‪.‬‬
‫أو ألنه يأمر وينهى على سبيل النفاق واخلداع والتغرير ال على سبيل الصدق واإلخالص والعمل الصاحل‪.‬‬
‫وإلنسان اإلجيايب الفعال له منطق آخر‪.‬‬
‫جتده ممكن يلقي درسا عن قيام الليل وفصل قيام الليل وير ّغب الناس فيه‪ ،‬فإذا قالت له زوجته وهي تعرف أنه ال يقوم‬
‫الليل‪ ،‬أو قال له زميله الذي يعرف انه ال يقوم الليل‪:‬‬
‫يا فالن أحتث الناس على قيام الليل وأنت منجعف على فراشك تتقلب‪ ،‬ما ختاف اهلل ؟ ما تستحي ؟‬
‫حاول أن يقوم وبذل اجلهد‪ ،‬لكنه يقول يف نفسه أيضا رمبا قام أحد هؤالء الناس الذين مسعوا موعظيت فدعا اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل فكنت أنا شريكا يف األجر ألنه قام بسبيب‪ ،‬ورمبا أشركين بدعوة صاحلة‪ ،‬والدال على اخلري كفاعله‪.‬‬
‫ويف حديث أيب هريرة عند مسلم‪( :‬من دعا إلى هدى كان له من األجر مثل أجور من تبعه)‬
‫ويف حديث جرير أبن عبد اهلل البجلي‪( :‬من سن في اإلسالم سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها)‬
‫فيأخذ األمر من هذا املنطلق‪.‬‬
‫أضرب لكم مثاال يسريا‪ ،‬وإمنا اخرتته لكثرة تكرره‪:‬‬
‫رأيت الكثريين من الشباب‪ ،‬أئمة مساجد وأساتذة‪ ،‬ومدرسني يف حلقات‪ ،‬ومشرفني على نشاطات خريية‪ ،‬جتد الواحد‬
‫منهم يتربم من عمله ويتضايق ويهم بالرتك حىت كأنه عصفور يف قفص‪ ،‬وقد التقيت بالكثريين منهم فأساله ملاذا؟‬
‫فيقول عندي عيوب عندي أخطاء‪ ،‬أنا ما أستاهل‪ ،‬أنا‪..‬أنا‪..‬‬
‫وبعدما الغلغه واخرج ما يف نفسه أكتشف مثال أن هذا اإلنسان مبتلى مبا يسمى بالعادة السرية‪.‬‬
‫طيب‪..‬هذا خطأ وينبغي أن تبذل جهدك للخالص منه‪.‬‬
‫ولو مل يكن من سيئاته إال ما أوجده يف قلبك من الضيق والتربم واحلسرة والشقاء واخلجل لكان كافيا‪.‬‬
‫ولكن هذا الذنب حىت مع القول بتحرميه وهو قول كثري من أهل العلم وإن مل يقولوا أنه من كبائر الذنوب بل هو من‬
‫صغائرها‪ .‬هذا الذنب هل يوجب ترك اإلمامة وترك اخلطابة وترك الدعوة وترك التعليم وترك التوجيه؟‬
‫يا أخي رمبا يغفر لك بسبب إنسان علمته أو دعوته أو وجهته أو ركعة ركعتها أو صالة صليتها باملسلمني‪.‬‬
‫وهذا ضرره قاصر على نفسك ال يتعدى إىل غريك‪ ،‬لكن أعمال اخلري اليت تقوم به أنت نفعها متعدي إىل األمة كلها‪.‬‬
‫فال خيدعنك الشيطان‪ ،‬جيرك من األعمال الصاحلة هبذه احلجة الواهية‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫مث بعد ذلك ال أنت تركت املعصية أو الذنب الذي أنت واقع فيه وال أنت قمت هبذه األعمال الصاحلة اليت هي تقاوم‬
‫اإلمث والسيئة‪ ،‬واهلل عز وجل يقول‪( :‬إن الحسنات يذهبن السيئات)‪.‬‬
‫ويف حديث النيب (صلى اهلل عليه وسلم)‪( :‬وأتبع السيئة الحسنة تمحها)‪.‬‬
‫إذا ال بد من النزول للميدان‪ ،‬البد من املشاركة يف األعمال‪ ،‬البد من التوكل على اهلل عز وجل‪ ،‬البد من العلم الصحيح‬
‫الذي يضئ لإلنسان الطريق ويبني له ما يأخذ وما يدع‪ ،‬والبد من أن يهتم اإلنسان بأمر نفسه ودعوته‪ ،‬فيهتم مبوضوع‬
‫القدوة ويهتم أيضا مبوضوع الدعوة‪ ،‬فإذا أراد أن يقوم بعمل من األعمال الصاحلة فإنه حيرص على إتقاهنا وأدائها‪.‬‬
‫الحاجز الثاني أو الوهم الثاني وهو الخوف‪:‬‬
‫واخلوف أذل أعناق الرجال‪ ،‬وكما أسلفت أحيانا عندما يكون عند اإلنسان خلل يف نفسيته يكون عنده خلل يف تصوره‬
‫لألمور‪ Ÿ,‬وإدراكه لألمور وختيله هلا‪ ،‬فتجد أنه خيطئ يف احلسابات ويضخم األمور تضخيما مبالغا فيه‪.‬‬
‫فمثلا إنسان عنده وسواس‪ ،‬والشك أن الوسواس نوع من اخللل‪ ،‬جتد هذا املوسوس خياف من الكفر‪ ،‬فيقول يا أخي أنا‬
‫قلت كذا هل يعترب هذا العمل كفر؟ تقول له ال‪.‬‬
‫بعد فرتة يقول لك أنا جاء يف قليب كذا‪ ،‬هل تعد هذا من الكفر؟ تقول له ال‪.‬‬
‫ورمبا سألك يف اليوم الواحد عشرين سؤاال كلها تدور حول هل يعد من الكفر؟ هل يعد من الكفر؟‬
‫طيب‪..‬أنت إنسان موصول القلب باهلل عز وجل‪ ،‬مقبل على اهلل تعاىل‪ ،‬حمب هلل ولدينه‪ ،‬حريص على جتنب حىت الشبهة‬
‫فضال عن احلرام‪ ،‬فضال عن الكبائر‪ ،‬فضال عن الكفر‪ ،‬فكيف حتول األمر إىل خوف يف قلبك؟‬
‫هذا بسبب أن عنده خلل يف نفسيته فصار عند خلل يف إدراك األشياء وتصورها وختيلها ومعرفتها‪.‬‬
‫فتجد أن اإلنسان خياف‪ ،‬خياف من الطالق مثال‪ ،‬حىت أن بعضهم جمرد خاطر يف قلبه يأتيه الشيطان ويلقي عنده خاطر‬
‫أنه إذا مل تتجاوز هذه السيارة وتسبقها فزوجتك طالق‪ ،‬جمرد خاطر‪.‬‬
‫فتجده يسرع بقوة حىت يتجاوز هذه السيارة‪ ،‬فإذا وصل إىل اإلشارة وضع الشيطان عند وهم أنه إذا ما رجعت من عند‬
‫هذه اإلشارة وأخذت الدورة مرة أخرى من عند الرصيف اآلخر فزوجتك طالق‪.‬‬
‫فتجد هذا املسكني يركض كاجملنون‍‪ ،‬تركض وراء ماذا؟ تبحث عن ماذا؟‬
‫جمرد أوهام يلقيها الشيطان وأخيلة نتيجة خلل يف النفسية واضطراب وعدم وضع لألمور يف مواضعها‪.‬‬
‫هذا منوذج قد يكون واضح‪ ،‬ورمبا البعض يضحك منه‪.‬‬
‫لكن خذ أمثلة مشاهبة قد ال تضحك منها بل رمبا تقول أنا مبتلى هبا‪.‬‬
‫مثال اخلوف من رجال األمن‪ ،‬اخلوف من أجهزة املخابرات وأجهزة املباحث‪.‬‬
‫جتدها ترسم بصماهتا أحيانا على بعض الناس فيخاف من كل شيء ويقرأ يف كل حركة ويف كل لفتة ويف كل نضرة‪.‬‬
‫خياف من املباحث خياف من االستخبارات‪ ،‬خياف من الدول‪ ،‬سواء ما يسموهنا الدول العظمى أو غريها حىت يقول‬
‫أحدهم وكان إنسانا أخطأ فهرب فيقول معربا عن هذا املعىن بالضبط يقول‪:‬‬

‫‪9‬‬
‫لقد خفت حتى لو تمر حمامة…‪.‬لقلت عدو أو طليعة معشر‬
‫فإن قيل خير قلت هذه خديعة…‪.‬وإن قيل شر قلت حق فشمر‬
‫يقول إذا جاءين واحد وقال أبدا اطمأن األمور طيبة‪ ،‬قلت هذا مرسول ليخدعين‪ ،‬وإن جاءين أحد وقال أهرب الطلب‬
‫يف أثرك‪ ،‬قلت هذا صادق مث مشرت وركضت‪ .‬هذا خوف‪.‬‬
‫واآلخر يقول‪:‬‬
‫حتى صدى الهمسات غشاه الوهن…ال تنطقوا إن الجدار له إذن‪.‬‬
‫والثالث يقول‪:‬‬
‫لو كنت أستطيع أن أقابل السلطان‬
‫قلت له يا حضرة السلطان‬
‫كالبك المفترسات دائما ورائي‬
‫كالبك المفترسات مزقت حذائي‬
‫ومخبروك دائما ورائي‬
‫أنوفهم ورائي‪ ،‬عيونهم ورائي‬
‫آذانهم ورائي‬
‫كالقدر المحتوم كالقضاء‬
‫يستجوبون زوجتي‬
‫ويكتبون عنهم أسماء أصدقائي‪.‬‬
‫والرابع الذي يقول‪:‬‬
‫(هناك مخبر يدخله مع الشهيق‪ ،‬ويخرج مع الزفير أو يرسل التقرير مع الزفير)‪.‬‬
‫طبعا هذا شاعر‪ ،‬ومن عادة الشاعر أنه حيب املبالغة بطبيعته‪ ،‬وليس بالضرورة أنه يعيش هذه األوهام‪ ،‬لكن هو يصور‬
‫حقيقة لكن بالغ يف تصويرها‪ ،‬ولكن هذه املبالغة تتحول إىل إحساس حقيقي عند بعض املرضى‪.‬‬
‫وبعض املصابني فتجد أنه خياف من كل شيء‪،‬ال يعمل شيء‪ ،‬ختايله األوهام دائما وأبدا‪.‬‬
‫وبالعكس جتد أحيانا دوال أو مسؤولني يف دول أو شخصيات جتده خياف من الناس خياف من شعبه‪.‬‬
‫يفسر كل حركة وكل خطوة وكل سكنة وكل حماولة وكل شيء بأنه ضده وأنه املقصود فيه‪ ،‬فتجده يواجه هذا‬
‫وحيارب هذا ويفرق اجملتمع وجيمع املتفرق‪ ،‬ويقوم حبركات تنبئ عن اخلوف‪.‬‬
‫هذا اخلوف هو يف كثري من األحيان عبارة عن وهم نفسي‪ ،‬وليس حقيقة واقعة‪ ،‬وبالتايل قد يتصور أنه يستطيع أن يؤذ‬
‫الناس أو أن يبطش هبم أو ينكل أو يكمم األفواه أو ما أشبه ذلك ولكن هيهات‪.‬‬
‫وهذا ما يسمى أحيانا بعقدة املؤامرة اليت توجد لدى الفرد أو اجلماعة أو الدولة‪ ،‬شعورك بأن كل شيء مؤامرة وخمطط‬
‫ضدك أو ضد هذه الدولة أو ضد اإلسالم أو ضد مجاعة بعينها مثال‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫نعم حنن ندرك أن هناك مؤامرات‪ ،‬وجيب أن نعرف الواقع‪ ،‬ونعرف حجم عدونا ونعرف كيف يفكر وكيف يعمل‪.‬‬
‫وحىت ال نبالغ فنحن يف أحيان كثرية نتكلم عن مؤامرات األعداء ونشخصها‪.‬‬
‫وقبل أيام كان يل درس عن وسائل املنصرين‪ ،‬وسأحتدث عن هذا املوضوع أيضا مرات أخرى‪.‬‬
‫لكن فرق بني أن تدرك الواقع على طبيعته وبني أن تضخم هذا الواقع حىت يتحول إىل عقدة عندك تتصور كل شيء‬
‫ورائه مؤامرة‪ ،‬حىت لو كان شيء يف صاحلك ختيلت أن ورائه مؤامرة وبذلك توقفت عنه‪.‬‬
‫مثل إنسان يقدم له طعاما طيبا فيقول واهلل ممكن أن هذا الطعام فيه شيء فيه حاجة‪ ،‬إذا ال داعي‪ ،‬فيرتكه خوفا أن يكون‬
‫ورائه شيء‪ ،‬فيحرم نفسه من خري أتيح له‪.‬‬
‫وينبغي أن تدرك أن العدو واألعداء‪ ،‬وأن أجهزة املخابرات العاملية مثل املخابرات األمريكية أو املوساد اإلسرائيلية أو‬
‫املخابرات الروسية‪ ،‬أو أي جهاز خمابرات يف العامل‪.‬‬
‫بل حىت الدول نفسها تعتمد على ما يسمى باحلرب النفسية‪ ،‬حرب التخويف والتضليل وإلقاء الرهبة يف نفوس الشعوب‪.‬‬
‫حىت جتد أن الواحد ينهزم قبل أن خيوض املعركة ألنه يشعر أنه ضعيف وأنه ال ميلك شيء يف حني أنه يواجه عدوا‬
‫مدججا ميلك كل شيء‪.‬‬
‫ولعلكم تعرفون على سبيل املثال أفالم الرعب اليت تعرض اآلن يف التلفاز أو يف الفيديو وأكثر من يشاهدها األطفال‪.‬‬
‫مسلسالت للرعب كيف تغرس يف نفوس األطفال؟‬
‫تغرس يف نفوسهم املخاوف‪ ،‬وتغرس يف نفوسهم الرعب حىت إن إحدى املستشفيات استقبلت يف أسبوع أكثر من أربعني‬
‫حالة لبعض األطفال بسبب فيلم أو مسلسل عرض يف التلفاز‪.‬‬
‫أيضا تعرف كتب اجلاسوسية باآلالف‪ ،‬الكتب اليت تتكلم عن التجسس واجلاسوسية‪ ،‬وأعمال اجلاسوسية وغريه‪ ،‬بعضها‬
‫حقائق وبعضها غري صحيح ولكن رمبا بعض الوكاالت تقوم بنفسها بالتأليف عن نفسها من أجل أن تضخم حقيقتها يف‬
‫نفوس الشعوب‪ ،‬ألن اخلوف أحيانا يرحيهم من أشياء كثرية‪.‬‬
‫جمرد اخلوف منعك من العمل ومنعك من املشاركة ومنعك من اإلقدام فلم حيتاجوا بعد ذلك إىل شيء آخر‪ ،‬وهم‬
‫يعتمدون على التهويل واملبالغة‪ ،‬بل يقومون أحيانا بتسريب بعض املعلومات واألخبار غري الصحيحة من أجل احلرب‬
‫النفسية‪.‬‬
‫وأوضح مثال اليهود‪:‬‬
‫اآلن هناك عشرات الكتب تتكلم عن اليهود‪ ،‬اليهود القوة اخلفية يف العامل‪.‬‬
‫اليهود الذين ميلكون االقتصاد وميلكون اإلعالم وميلكون أمريكا وميلكون روسيا‪.‬‬
‫واليهود الذين ميلكون التصنيع‪،.‬حىت تصور البعض أن اليهود وراء كل شيء ووراء كل عمل وأن أمريكا دمية بيد‬
‫اليهود‪ ،‬وأن روسيا كذلك‪ ،‬وأن العامل كله‪.‬‬
‫وبناء عليه فليس هناك داعي أن نواجه اليهود‪ ،‬وال أمل يف االنتصار عليهم‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫طيب‪ Ÿ..‬ملاذا ال تفرتض أن هذه الصورة الومهية اخليالية املبالغ فيها أن اليهود هم الذين سعوا إىل رمسها ألنفسهم يف نفسي‬
‫ونفسك حىت نبقى خائفني‪ ،‬وال شك أن اخلوف بداية اهلزمية‪.‬‬
‫خاصة إذا تصورنا أن اليهود عندهم خطط يف احلرب النفسية ناجحة يف جمال اإلعالم‪ ،‬نعم يف جمال احلرب النفسية‬
‫واملخابرات لديهم خطط‪ ،‬فال غرابة أن خيططوا ملثل هذا‪ ،‬لكن تصور أن اليهود يتحكمون يف كل شيء هذا وهم‪.‬‬
‫واألمر كما قال أحد الكتاب‪:‬‬
‫(قال اليهود ال يصنعون األحداث‪ ،‬ولكنهم يستغلونها)‪.‬‬
‫وهم أعجز من أن يديروا كل شيء ويعملوا كل شيء‪ ،‬لكن عندهم قدرة على استثمار األحداث بقدر اإلمكان‬
‫لصاحلهم‪ ،‬وهذا ال ينكر‪ ،‬واليهود لديهم قوة ولديهم قدرة ولديهم تغلغل‪.‬‬
‫مثال يف أمريكا ويف روسيا ويف عدد من البالد‪ ،‬وأعطاهم اهلل سبحانه وتعاىل بعض التمكني‪ ،‬لكن مع ذلك أقول أن‬
‫الصورة اليت ترسم يف أذهاننا هي يف كثري من األحيان صورة خيالية ومبالغ فيها عن حقيقة القوة اليهودية‪.‬‬
‫مثل ذلك أيضا قصص التعذيب‪:‬‬
‫كثري من شباب الدعوة أول ما يبدأ يف القراءة يقرأ مثال كتاب‪:‬‬
‫البوابة السوداء‪ ،‬يف الزنزانة‪ ،‬ملاذا أعدم سيد قطب وإخوانه ؟‪ ،‬يف غياهب السجون‪.‬‬
‫وعشرات الكتب اليت تتكلم عن سجون عبد الناصر‬
‫وألوان التعذيب‪ ،‬أو السجون اآلن يف تونس أو يف اجلزائر أو يف أي بلد آخر‪.‬‬
‫فالشاب الذي هو يف أول حياته مل ينضج بعد‪ ،‬وال يزال غضا طريا نشأ على هذه املعاين وهذه املفاهيم فتولد عنده رعب‬
‫وخوف‪ ،‬ونشأ يف نوع من الذل ونوع من اهلزمية ونوع من الضعف‪.‬‬
‫فأصبح مثل الشجرة اليت نشأت يف الظل ليس فيها قوة واخضرار ومناء‪ ،‬جتد فيها صفرة وفيها ضعف وال تقاوم العواصف‬
‫خاصة إذا كان هذا يف أول عمره وترىب عليه وأكثر من قراءته ففي الغالب أن هذا حيدث عنده أثرا سلبيا‪.‬‬
‫إذا البد من حتطيم هذه املخاوف وهذه اهليبة واحلديث بصورة معتدلة عن كل هذه األمور‪.‬‬
‫فمثال ملاذا ال نتحدث اآلن عن سقوط أمريكا؟‬
‫وقد ظهرت اآلن كتب ودراسات وحتقيقات علمية عن بداية السقوط ألمريكا‪ ،‬ليس بأقالم علماء ومشايخ وكتاب‬
‫مسلمني‪ ،‬ال‪ ..‬بل بأقالم أمريكان‪.‬‬
‫ومن آخر هذه الكتب وأخطرها وأكثرها شهرة كتاب أمسه "صعود‪ Ÿ‬القوى العظمى واحنطاطها"‪ ،‬يتكلم عن ما جرى‬
‫لالحتاد السوفييت ويقول إن السنة ماضية وأن أمريكا تسري على األثر‪.‬‬
‫مث رصد عدد من الظواهر االجتماعية واالقتصادية والسياسية والعسكرية اليت تأكد أن أمريكا سوف تتفتت وتنهار‬
‫بطريقة أو بأخرى كما اهنار االحتاد السوفييت‪.‬‬
‫فلماذا ال نتكلم عن هذا املعىن حىت نزيل الرهبة املوجودة يف نفوس البعض‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫والذين يتصورون أن أمريكا تستطيع أن تفعل كل شيء‪ ،‬وأهنا هتيمن عل كل ما يقع يف هذا الكون حىت حتولت إىل شبح‬
‫ليس يف نفوس البسطاء والسذج فقط‪ ،‬بل يف نفوس الساسة أحيانا ويف نفوس املفكرين ويف نفوس الصحفيني‬
‫واإلعالميني‪.‬‬
‫ولعلكم تسمعون وتقرءون كيف يتكلمون عن هذه القوة اليت يقدسوهنا ويسبحون حبمدها أحيانا ويضفون عليها من‬
‫أوصاف اجلالل والقوة والقدرة واهليمنة شيء ال عهد للتاريخ مبثله‪.‬‬
‫ملاذا ال حنطم هذه اهليبة بالكالم عن سقوط أمريكا هذا السقوط الوشيك مخس سنوات عشر سنوات األمر يسري‪.‬‬
‫ملاذا ال نتكلم مثال عن سقوط اليهود سواء من خالل األحداث الواقعية أو من خالل النصوص الشرعية؟‪.‬‬
‫ملاذا ال نتكلم عن ضعف البشر وأن مجيع أجهزة البشر وإمكانيات البشر مهما بلغت من قوة ومن دقة فهي ضعيفة‪ ،‬ولو‬
‫أردت أن أحدثكم يف هذا املوضوع لفعلت ولكن ليس هذا موضوع حديثي‪.‬‬
‫املهم أن نثبت أن البشر ضعاف ومهازيل ويفوهتم الكثري وتنطلي عليهم أمور كثرية جدا‪ ،‬وهم ال يدركون إال القليل‪،‬‬
‫وحىت هذا القليل الذي يدركونه قد ال يدركونه متاما وعلى حقيقته بل يدركون شيئا منه‪:‬‬
‫(يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا)‪.‬‬
‫وقارا وقد خلقكم أطوارا)‪.‬‬ ‫وباملقابل ال بد من تعظيم اهلل عز وجل‪( :‬ما لكم ال ترجون هلل‬
‫اإلميان بوعد اهلل تعاىل ولقائه واليوم اآلخر الذي تعد الدنيا كلها وما فيها بالنسبة له كقطرة يف حبر‪.‬‬
‫اإلميان تعظيم رسل اهلل عز وجل وحمبتهم واإلميان مبا جاءوا به‪.‬‬
‫إدراك أو تصور وتذكر املوت الذي يهون عليك كل شيء وهو السبيل إىل الدار اآلخرة‪.‬‬
‫اإلميان بقضاء اهلل وقدره‪ ،‬كل هذه املعاين إذا ترىب عليها اإلنسان وأدركها بنفسه إدراكا صحيحا اعتدلت عنده األمور‬
‫وأصبح يدرك األمور على حقيقتها بال مبالغة‪.‬‬
‫من ألوان الخوف وهو من أنواع الحيل النفسية‪ ،‬الخوف من الفشل‪:‬‬
‫فتجد اإلنسان ال يقوم بأب عمل ملاذا؟‬
‫قال أخاف أفشل‪.‬‬
‫ملاذا مثال ال تدرس؟‬
‫قال أخشى من الرسوب‪.‬‬
‫طيب أقرتح عليك لو تقوم تلقي كلمة‪.‬‬
‫قال واهلل أخاف أخطئ يف اللغة أو آيت بكلمة مضحكة فيسخر الناس مين مث بعد ذلك ال أقوم أبدا وال تقوم يل قائمة‪.‬‬
‫طيب‪..‬ملاذا ال تفتح مؤسسة جتارية تستفيد منها وينتفع من ورائها املسلمون؟‬
‫قال واهلل أخاف من اخلسارة‪.‬‬
‫إذا هذا اخلوف إذا الحق اإلنسان سيمنعه من أي عمل‪.‬‬
‫وبناء عليه جيب أن تدرك أن أي عمل يف الدنيا يتطلب قدرا من التضحية وقدرا من املغامرة‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫فالعمل التجاري مثال‪ ،‬خاصة إذا كان عمال مدروسا قد يفشل فعال‪ ،‬لكن كم نسبة فشله؟‬
‫إذا كان مدروسا فقد تكون نسبة الفشل عشرة باملائة‪ ،‬وهذه نسبة ال يلتفت إليها‪ ،‬مث لو حصل الفشل‪ ،‬تصور ما‬
‫النتيجة؟‬
‫رمبا ختسر عشرة آالف لاير‪ ،‬مخسة عشر ألف لاير‪ ،‬عشرين ألف لاير فقط وتستطيع أن تسددها‪ ،‬ليس الفشل معناه أنك‬
‫خسرت الدنيا واآلخرة مثال‪.‬‬
‫ولذلك تفكر بقدر إمكانياتك‪ ،‬ال تفكر تفكريا خياليا‪.‬‬
‫طيب‪ Ÿ..‬الكلمة اليت نطالبك أن تتكلم هبا أمام الناس أو تلقي موعظة‪ ،‬تقول ميكن أخطئ‪.‬‬
‫إذا أخطأت كان ماذا؟ سأستحي وأخجل‪.‬‬
‫ممكن وصحيح‪ ،‬لكن هذا اخلجل ستنساه خالل يوم أو يومني‪ ،‬ومتتنع عن الكلمة أسبوع‪ ،‬ويف األسبوع الثاين رمبا تكرر‬
‫احملاولة وال تعود إىل الفشل بأذن اهلل تعاىل‪.‬‬
‫ومع ذلك حنن نقول ينبغي أن حتتاط وتضبط الكالم وتعده إعدادا جيدا وحىت تطمئن إن شاء اهلل أنك لن ختطئ‪ ،‬وإن‬
‫كان خطأ فهو خطأ يسري ممكن أن حيتمل‪ ،‬مثل أن يكون خطأ يف اللغة فقط‪.‬‬
‫طيّب‪ Ÿ..‬حىت لو تصورت السباحة مثال‪ ،‬كم واحد ال جييد السباحة؟‬
‫ملاذا؟‪ ..‬عملية بسيطة ال حتتاج إىل جهود وال إىل تعب‪ ،‬احليوانات تسبح تلقائيا إذا وضعت يف املاء‪.‬‬
‫لكن جتد اإلنسان ألنه تعلم اخلوف‪ ،‬فتجده خياف وال يسبح أحيانا‪ ،‬ملاذا؟‬
‫ألنه عنده عقدة اخلوف‪ ،‬أخاف من الغرق‪.‬‬
‫وهبذه العقدة توقفه عن أي عمل إجيايب ومثمر‪.‬‬
‫إذا البد أن تعمل أعمال اخلري‪ ،‬بل حىت أعمال الدنيا املطلوبة منك باجتهادك‪ ،‬ولئن تعمل باجتهاد ويتبني لك يف ما بعد‬
‫أن هذا االجتهاد مرجوح خري من أن تقعد‪.‬‬
‫يعين الذي يعمل وخيطئ أحب إلينا من الذي ال يعمل أصال‪.‬‬
‫فكونك تأمر باملعروف مث اكتشفت احلقيقة أنك املرة هذه أغلظت يف األمر باملعروف‪ ،‬أنت أحب إلينا من إنسان مل‬
‫يأمر‪ ،‬خاصة إذا كان اإلغالظ بقدر معقول‪ Ÿ،‬ملاذا ؟‬
‫ألنك استفدت درسا من اإلغالظ هذه املرة‪ ،‬فاملرة الثانية إن شاء اهلل سوف تأمر باملعروف وتنهى عن املنكر باحلسىن‬
‫واحلكمة والكلمة الطيبة ولن تغلظ إىل أحد بقول أو فعل‪.‬‬
‫لكن ذلك اإلنسان الذي مل يأمر مبعروف ومل ينهى عن منكر هو قد قصر يف أصل الواجب‪.‬‬
‫وأنت مطالب بأن تعمل وتصحح وتواصل‪ ،‬ال تقف عند اخلطأ‪ ،‬صحح اخلطأ وواصل‪.‬‬
‫ولو تأملت القرآن واحلديث لوجدت أن ترك العمل خوف الفشل من مسات املنافقني‪ ،‬وإياك أن تكون منهم‪.‬‬
‫(الذين قالوا إلخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا)‪.‬‬
‫خضنا معركة وقتل منا من قتل‪ ،‬فجاء واحد وقال‪:‬‬

‫‪14‬‬
‫قتلوا هؤالء‪ ،‬يا أخي نزفت دماء‪.‬‬
‫هؤالء لو أطاعونا وجلسوا يف بيوهتم ما قتلوا‪.‬‬
‫(قل فأدروا عن أنفسكم الموت)‪.‬‬
‫من مل ميت بالسيف مات بغريه‪ ،‬قتل هؤالء يف معركة شهداء يف سبيل اهلل‪.‬‬
‫طيّب‪ Ÿ..‬كم ميوت ويقتل يف سبيل الطاغوت ؟‬
‫كم يقتل يف سبيل الدنيا ؟‬
‫كم يقتل من مهريب املخدرات ؟‬
‫كم يقتل من اللصوص‪ ،‬كم يقتل‪ ..‬وكم يقتل ؟‬
‫أعداد غفرية من الناس‪.‬‬
‫طيّب‪..‬كم ميوت باملرض ؟‬
‫كم ميوت باجلوع والعطش والعري والربد واحلر ؟‬
‫أعداد غفرية من الناس‪ ،‬فلماذا تستكثر أن ميوت يف سبيل اإلسالم بضعة أشخاص أو مئات أو ألوف‪ ،‬وال تستكثر أن‬
‫ميوتوا يف سبيل الدنيا‪ ،‬املوت أمر طبيعي‪ ،‬ومن مل ميت بالسيف مات بغريه‪.‬‬
‫(لو كان لنا من األمر شيء ما قتلنا ها هنا)‪.‬‬
‫يقولون حنن ما كان رأينا اخلروج يف املعركة‪ ،‬كان رأينا جنلس يف املدينة‪.‬‬
‫فلو كان الرسول (عليه السالم) استشارنا ما قتلنا ها هنا‪.‬‬
‫( قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم)‪.‬‬
‫إذا املؤمن بالقضاء والقدر ما يأيت دائما وأبدا لو‪ ..‬لو‪.‬‬
‫ولذلك النيب عليه الصالة والسالم قال يف نفس حديث أيب هريرة الذي سقته أوال‪:‬‬
‫(وال تعجز) الحظ قرن بني هذا وهذا قال وال تعجز فنهاك هني عن العجز‪ ،‬من أسباب العجز اخلوف من الفشل‪ ،‬أن‬
‫تقول ال أفعل أخاف‪ ،‬وهلذا قال‪:‬‬
‫(وإن أصابك شيء فال تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا‪ ،‬ولكن قل ق ّدر اهلل وما شاء فعل‪ ،‬فإن لو تفتح حمل‬
‫الشيطان)‪.‬‬
‫من ألوان وصور الخوف أيضا الخوف من النقد والتبرم به‪:‬‬
‫فالكثريون من الناس ميتلكون حساسية مفرطة شديدة‪ ،‬ال حيب أن يسمع كلمة نقد‪ ،‬وإذا انتقد حيس بأنه اختل توازنه‪،‬‬
‫ويتمىن أن تنفتح األرض لتبتلعه خجال‪.‬‬
‫أو أحيانا جتد بعض الناس يستكرب عن النقد ويتعجرف عن أن يسمع‪ ،‬مع أن الواقع أن اإلنسان إذا قام بعمل فهو عرضة‬
‫للنقد‪ ،‬وهلذا قالوا‪:‬‬
‫(من ألف فقد أستهدف)‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫يعين ملا تكتب كتاب وتقدمه للناس فسيقرئه مئات أو ألوف‪.‬‬
‫هذا أعجبه الكتاب وهذا ما أعجبه‪ ،‬وهذا أعجبه لكن له مالحظات‪ ،‬وهذا‪ ..‬وهذا‪.‬‬
‫هذا شيء طبيعي‪ ،‬وحينما تلقي درسا أو حماضرة أو كلمة‪.‬‬
‫سيقول هذا زاد وهذا نقص وهذا أخطأ وهذا حلن وهذا أفرط وهذا فرط‪..‬إىل أخره‪.‬‬
‫وهذا طبيعي‪ ،‬فأنت حينما تقوم بأي عمل‪ ،‬ضع باعتبارك أنك عرضة للنقد‪ ،‬حىت األعمال الدنيوية‪.‬‬
‫جتارة مثال‪ ..‬سيقول لك واحد واهلل يا فالن لو كانت البقالة يف املكان الفالين كان أفضل‪.‬‬
‫وآخر يقول لك العامل الذي وضعته غري مناسب وغري مأمون‪ Ÿ،‬وهذا أخالقه سيئة وشرسة مع الناس‪..‬وثالث‪..‬ورابع‪.‬‬
‫إذا أنت عرضة للنقد ينبغي أن يكون لديك استعداد للعمل واستعداد لسماع النقد واستعداد للتصحيح أيضا‪.‬‬
‫ملاذا؟‪ ..‬ألن الناقد يشرتط كما يقول بعضهم‪.‬‬
‫مبعىن أن الناقد يشرتط الكمال يف ما قلت أو يف ما فعلت وهلذا يطالبك باملزيد من الشروط السليمة‪.‬‬
‫وهلذا قال الشاعر حىت عن خصومة‪:‬‬
‫عداتي لهم فضل علي ومنة… فال أبعد الرحمن عني األعادي‬
‫هم بحثوا عن زلتي فاجتبتها… وهم نافسوني فاكتسبت المعالي‬
‫ُ‬
‫ما رأيك يف إناء يشرتك يف غسله أيد كثرية من أيدي األصدقاء واألعداء‪ ،‬البد أن يتنظف هذا اإلناء ولو بعد حني‪.‬‬
‫من ألوان الخوف‪ ،‬الخوف على لمكاسب‪:‬‬
‫هذا موظف مثال كسب يف وظيفته مستوى معينا أو رتبة معينة‪ ،‬فتجده ال حياول أن ينتقل مثال إىل إدارة أخرى…ملاذا؟‬
‫ألنه خياف على بعض املكاسب اليت حصلت له يف إدارته‪.‬‬
‫يقول مثال أنا أقمت عالقات جيدة مع الرؤساء‪ ،‬فرمبا لو انتقلت إىل إدارة أخرى قد ال حيصل هذا‪.‬‬
‫هذا قد يقع‪ ،‬لكن أحيانا جتد أن هذا اخلوف قد حيول بينك وبني وظيفة أفضل‪.‬‬
‫كذلك التاجر‪ ،‬لو تقرتح عليه االنتقال إىل عمل جتاري أمثل وافضل‪ ،‬خاف‪.‬‬
‫حىت بائع املسامري يف السوق‪ ،‬لو تأتيه وتقول‪:‬‬
‫يا فالن أنت تتاجر يف املسامري‪ ،‬والناس اآلن بنت الدور والقصور وملكت وكذا‪ ،‬ملاذا ؟‬
‫أنت رجل وعندك عقل وتفكري‪.‬‬
‫فيتصور هذا اإلنسان أنه لو ترك بيع هذه األشياء البسيطة أنه سوف ميوت هو وأوالده جوعا‪..‬ملاذا ؟‬
‫ألنه حصل كسبا بسيطا فهو خياف على هذا املكسب أن يضيع‪.‬‬
‫ومثله داعية قام بعمل طيب ولكن هذا اهلمل حمدود‪ ،‬مثال أقام مكتبة ونشط يف هذه املكتبة وهدى اهلل على يديه أفراد يف‬
‫احلي‪ ،‬فتقول له يا فالن‪:‬‬
‫أنت لست حقك أن يهدي اهلل على يديك مخسة أو عشرة‪ ،‬أنت حقك أن ختاطب بلدا بأكمل أو أمة بأكملها‪.‬‬
‫قال يا أخي نعم لكن هؤالء العشرة أخاف عليهم أن يضيعوا وليس هلم أحد غريي‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫فاخلوف على هذا املكسب تسبب بأن يفوت على نفسه خريا أكرب واعظم‪.‬‬
‫قد يكون هذا هو قدره‪ ،‬قد يكون هؤالء األفراد هم احلجم املناسب إلمكانياته‪.‬‬
‫لكن أحيانا قد جتد إنسان ميلك مواهب أكرب وأوسع وأكثر وقدرات وإمكانيات قد أهدرها وضيعها‪..‬ملاذا؟‪Ÿ‬‬
‫ألنه أرتبط هبذا الواقع وهذا الوضع فصار خيشى على هذا املكسب‪ ،‬وهو مكسب حقيقي‪ ،‬ولكنه حمدود وميكن أن يقوم‬
‫به إنسان آخر أقل منه مواهب‪ ،‬فخسرنا بذلك وخسر هو أمور أكرب‪.‬‬
‫ملاذا ؟ ألنه دائما ميد يداً قصرية‪ ،‬وهو حيامي دون هذه املكاسب وخياف عليها‪.‬‬
‫ولذلك كلما قيل له تعال هنا‪ ،‬تعال إىل هذا امليدان‬
‫قال ال أخاف على فوات بعض ما كسبت‪.‬‬
‫إذا البد من كرب اهلمة وعلوها وحسن الظن باهلل تعاىل‪ ،‬والعوام يقولون يف أمثلتهم‪:‬‬
‫(قل خيرا يقوله اهلل عز وجل)‪.‬‬
‫وحنن ال نقول هكذا‪ ،‬ولكن نقول كما قال اهلل عز وجل يف احلديث القدسي وهو صحيح‪:‬‬
‫(أنا عند ظن عبدي بي‪ ،‬فليظن بي ما شاء)‪.‬‬
‫فظن باهلل خريا‪ ،‬وأعتقد إن شاء اهلل أن اهلل يفتح لك أبواب اخلري‪ ،‬مىت ما كربت مهتك واتسع نطاق تفكريك‪ ،‬وانتقل إن‬
‫شاء اهلل من مكسب إىل مكسب ومن نصر إىل نصر أكرب منه‪ ،‬وال تقف عند حد معني وتقول هذا يكفي‪.‬‬
‫من الحيل النفسية تطلب الكمال مع عدم السعي في تحصيله‪:‬‬
‫جتد اإلنسان أحيانا يفرتض هدفا عظيما وكبريا جدا ال يستطيعه وال يسعى إليه وإمنا يتحسر يف نفسه ويدع العمل‪.‬‬
‫وخذ هذه بعض األمثلة‪:‬‬
‫مثال يفرتض املسلم اليوم وجود دولة إسالمية نظيفة ناضجة كاملة على الكتاب والسنة‪.‬‬
‫يأمر فيها باملعروف وينهى فيها عن املنكر وتقام احلدود ومينع الرىب‪.‬‬
‫وال يوجد فيها منكرا وال معصية ويدعى فيها إىل السنة‪ ،‬يعين يفرتض دولة إسالمية كاملة مائة باملائة‪.‬‬
‫مث ينظر إىل واقع العامل كله اليوم فيجد أن هذا األمر بعيد املنال‪ ،‬فحني إذ يصبح عنده نوع من االستحسار وترك العمل‪.‬‬
‫مثاال آخر إنسان بدأ يف طلب العلم فتربز إىل ذهنه أحيانا‪:‬‬
‫صورة عامل أو فقيه أو مفيت ال يسأل عن مسألة إال أجاب فيها بالدليل والتعليل والتفصيل‪.‬‬
‫وأحيان يربز إىل ذهنه ذاك األديب الشاعر اللغوي املتكلم‪.‬‬
‫وأحيانا تربز إىل ذهنه ذلك اخلطيب املفوه الذي يهز أعواد املنابر‪.،‬‬
‫فتجد هذا اإلنسان مشتت‪ ،‬يتصور أنه يكون كل هؤالء‪ ،‬عامل وفقه وخطيب ومفيت وداعية وشاعر‪.‬‬
‫فيتصور أن هذا األمر بعيد املنال فيستحسر ويدع طلب العلم‪.‬‬
‫ملاذا ؟ ألن هذه الصورة اليت رمسها صورة مثالية كمالية‪ ،‬هي خيالية قد ال تكون واقعة أصال أو ممكنة‪.‬‬
‫إنسان ثالث يتصور أنه مطالب برتبية الشعوب كلها على اإلسالم قبل أن يتحقق لإلسالم نصر‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫فيقول مىت نريب الشعوب كلها‪ ،‬الواحد منا جيلس سنوات يريب شخص على اإلسالم أو أشخاص‪ ،‬وقد ال يتم له ما أراد‪،‬‬
‫فكيف ترىب شعوبا بأكملها‪ ،‬إذا هذا أمر حمال فيستحسر ويدع العمل‪.‬‬
‫وينسى أنه ليس بالضرورة أن تكون تربية الشعوب كلها أن يربون على املنهج الكامل أصوال وفروعا واعتقادا وعمال‬
‫وعبادة يف مجيع اجلوانب‪..‬ال‪ .‬هذه سنة اهلل أن البشر فيهم وفيهم‪.‬‬
‫والرسول عليه الصالة والسالم كما تعلم مثال ملا جاء إىل صلح احلديبية كان معه ألف وأربعمائة رجل‪.‬‬
‫ويف فتح مكة زاد العدد فلم يكلم أحد بعد الصلح إال أسلم‪..‬‬
‫وبعده يف حنني خرج النيب (صلى اهلل عليه وسلم) بعشرة آالف‪ ،‬عشرة آالف هؤالء خالل فرتة حمدودة جدا هي أقل من‬
‫سنتني‪ ،‬بطبيعة احلال ما تلقوا من الرتبية قدرا كبريا‪ ،‬وهلذا ملا مروا بقوم على شجرة قالوا ‪:‬‬
‫(يا رسول اهلل أجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط)‪.‬‬
‫فقال عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫(إنها السنن‪ ،‬قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى أجعل لنا إله كما لهم آلهة)‪.‬‬
‫مث صلى هبم عليه الصالة والسالم على أثر مساء كانت من الليل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫( هل تدرون ماذا قال ربكم ؟)‬
‫قالوا اهلل ورسوله أعلم‪،‬‬
‫قال‪( :‬أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر‪ ،‬فأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر إلى آخر الحديث)‬
‫املهم تربية عامة وتربية مجاعية مجاهريية على قدر معقول من الدين‪ ،‬وقدر معني وال يلزم أن يكونوا كلهم يف الدرجة‬
‫العليا من الفهم والوعي والعلم واإلدراك‪ ،‬بل قد علم كل أناس مشرهبم‪ ،‬وكل إنسان له سقف وله مستوى يكفي أن‬
‫يصل إليه‪.‬‬
‫مثله أيضا ملا يتكلم اإلنسان‪ ،‬يلقي درسا أو حماضرة يفرتض يف نفسه مجاهري غفرية حتضر له‪ ،‬فإذا جاء للمسجد وقد تعب‬
‫وأعد وجد أن احلضور صف أو صفني أصيب بإحباط ونكسه‪ ،‬مث تصور أن هذا العمل خطأ‪.‬‬
‫طيّب‪ Ÿ..‬ملاذا تفرتض كمال العمل منذ البداية‪ ،‬ملاذا ال تعود الناس القوة واجلودة يف اإلعداد والتجديد والبذل‪ ،‬وسيتكاثر‬
‫حولك الناس حىت ينتفعوا بك ويستفيدوا من علمك‪.‬‬
‫ومثله تماما أو قريبا منه قضية ترك العمل بحجة عدم صالح النية‪.‬‬
‫فتجد لواحد يرتك األعمال يقول أخاف من الرياء‪.‬‬
‫طيّب‪ Ÿ..‬ليس احلل هو ترك العمل‪ ،‬بل أستمر يف العمل وجاهد نفسك على ترك الرياء‪.‬‬
‫صحح النية وادع اهلل تعاىل وقل كما علم الرسول(صلى اهلل عليه وسلم) أبا بكر‪:‬‬
‫(اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئا وأنا أعلمه‪ ،‬وأستغفرك لما أعلمه)‪.‬‬
‫واستمر على العمل وال يكون هذا سببا يف ترك العمل بسبب فساد النية‪.‬‬
‫إذا وجود هدف معقول من أسباب حسن العمل‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫فأنت مثال تنشر العلم وليس بشرط لكي تدرس أن تكون عاملا فحال يشار إليك بالبنان‪ ،‬ولكن لو كان عندك معرفة مبنت‬
‫من املتون فمن املمكن أن تدرسه للناس بقدر طاقتك‪.‬‬
‫حتفيظ القرآن‪ ،‬ال يشرتط لكي جتلس لتحفيظ القرآن أن تكون حافظا للقران بالقراءات السبع وعلومها‪.‬‬
‫بل لو كان عندك القدرة على احلفظ حبيث حتفظ وحتفظ طالبك يف آن واحد ومل يوجد غريك أفضل منك فال بأس هبذا‪.‬‬
‫وهكذا اخلطابة ليس شرطا أن تكون (سحبان وائل) مثال‪ ،‬أو خطيبا يهز أعواد املنابر وحيرك عواطف اجلماهري من أول‬
‫وهلة‪ ،‬املهم أن عندك قدرة على أدىن حد معقول من اخلطابة لتستفيد من هذا وتتدرب وترتقى يف مراقي ومعارج الكمال‬
‫شيئا فشيئا‪.‬‬
‫والبد أن تدرك أن األمور نسبية‪،‬‬
‫وأننا حنن اآلن يف زمن الغربة‪ ،‬وهذا آخر الزمان‪،‬‬
‫وأنت اآلن لست يف القرون الفاضلة اليت ذكرها النيب (صلى اهلل عليه وسلم) وقد كثرت الفنت وكثرت الشهوات‬
‫وكثرت املغريات وكثرت الصوارف لك أنت ولغريك من الناس عن اخلري‪ ،‬فينبغي أن تضع ذلك كله يف اعتبارك‪.‬‬
‫إذا فالبد من اإلميان والقبول باملكاسب اجلزئية واملطالبة مبا هو أكرب منها كما سبق‪.‬‬
‫مثال ليست األمور كلها مائة باملائة أو صفر‪ ،‬أنك تطلب دائما وأبدا طفرات‪ ،‬أو تفسر املكاسب تفسريا غري دقيق بناء‬
‫على أنه املقصود منها اجملاملة أو ألحتوى أو التخطيط أو غري ذلك‪.‬‬
‫واضرب لك مثال يوضح لك ما قصدت‪:‬‬
‫أنت تطلب الكمال‪ ،‬وجدت مثال يف أسواقنا يف كل مكان أن األسواق ممتلئة بأماكن اخلياطة النسائية‪ ،‬واخلياطون رجال‪،‬‬
‫وهذه الصورة يف الواقع صورة شاذة ألن رجل تقف أمامه امرأة ملدة نصف ساعة أو ساعة أو ساعتني أحيانا ويرى بعض‬
‫مفاتنها وتتحدث معه وقد تضحك معه وقد تتصل عليه باهلاتف وقد حتادثه إىل آخره‪.‬‬
‫هذه الصورة صورة شاذة‪ ،‬ولكنها أصبحت مألوفة يف اجملتمع ألهنا موجودة‪.‬‬
‫فبعد فرتة جند أنه وجد يف اجملتمع أماكن خياطة نسائية للنساء‪ ،‬يعين أن اخلياطات نساء‪ ،‬ووجدت أن كثريا من الناس‬
‫يقول لك يا أخي إن أماكن اخلياطة النسائية هذه غري مرحية أو أهنا مشبوهة‪.‬‬
‫وأنا لست أزكيها وال أدري عنها شيئا‪ ،‬لكنين أقول على كل حال هي أفضل إمجاال من أماكن اخلياطة الرجالية ألن‬
‫األصل أن املرأة تتعامل مع امرأة مثلها‪ ،‬وينبغي أن تضبط وحيافظ عليها وتراقب بالوسائل املمكنة‪.‬‬
‫لكن ال ينبغي أن حتارب ألننا نقول أنه يتسىن للمرأة أن تتصل هبا وتفسدها أكثر مما يتسىن للرجل‪ ،‬ألن األصل أن تتعامل‬
‫املرأة مع املرأة‪.‬‬
‫مثال املضيفات‪ ،‬وأعرف أن املضيفات يف اخلطوط هنا قد ألزمن باحلجاب‪.‬‬
‫ومثله أيضا املمرضات يف بعض املستشفيات‪ ،‬هذا مكسب‪ ،‬هو مكسب جزئي الشك وليس هو كل ما ننادي به أو كل‬
‫ما نطالب به‪ ،‬لكن أنت أحسب أنه واحد باأللف أو عشرة آالف مما هو مطلوب‪ ،‬ومما ينبغي أن نسعى إىل حتصيله‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫فأنت تنظر إليه حينئذ على أنه مكسب طيب تفرح به وتطلب املزيد‪ ،‬فال تتوقف ألنه حصل لك ما تريد‪ ،‬هذا شيء مما‬
‫تريد‪ ،‬وهو ليس جديدا أصال ألن هذا هو األصل‪ ،‬وكان يفرتض أن ال يوجد اخلطأ أصال حبيث حتتاج إىل تصليح‪ ،‬فكان‬
‫يفرتض أن ال يوجد يف اجملتمع أصال إال احملجبات وإال املتدينات وإال املتسرتات اخلريات البعيدان عن أي نوع من ألوان‬
‫التربج‪ .‬لكن إذ وجد هذا املنكر فالسعي يف إزالته واجب‪،‬‬
‫والفرح بزوال املنكر أو بعضه أيضا هو أمر فطري ال ميلك اإلنسان حياله إال أن يفرح‪.‬‬
‫مثله أيضا قضية البنوك اإلسالمية‪ ،‬األصل أن ال يوجد يف أي جمتمع مسلم بنك إال إسالمي وفق الشريعة‪ ،‬وهذا ممكن‬
‫وليس مستحيال أبدا‪ ،‬وتضخيم هذا األمر وهتويله هو من احليل النفسية‪ ،‬فمن املمكن أن تكون كل بنوكنا إسالمية‪ ،‬وكل‬
‫معامالتنا إسالمية‪ ،‬ليس بشرط بني يوم وليلة بل نعطي فرصة لرتتيب هذا األمر‪.‬‬
‫املقصود أنه ملا تفتح اجملاالت إلقامة بنوك إسالمية‪ ،‬هذا مكسب جزئي أفرح به باعتبار أنه خطوة ال باعتبار أنه املطلب‬
‫النهائي‪ .‬فوجود بنك إسالمي جيعل من يريد احلالل جيده فال يتجه إىل البنك الربوي إال من أصروا عليه‪.‬‬
‫كما أن هذه البنوك اإلسالمية بإذن اهلل تعاىل مع الوقت سوف تقاوم وتنافس البنوك الربوية خاصة مع ازدياد الوعي‬
‫الديين لدى الناس واحلرص على احلالل وجتنب احلرام‪ ،‬مث أهنا مع الوقت سوف تثبت إذا جنحت وهي ستنجح بإذن اهلل‬
‫إذا وجد الغيورون ورائها‪ ،‬سوف تثبت أن وجود اقتصاد إسالمي نظيف أمرا ممكنا وال حجة ألحد يف تركه‪.‬‬
‫إذا من املمكن أن أقبل باملكاسب اجلزئية وأطالب باملزيد‪ ،‬وليس شرطا أن ال أقبل إال الشيء الكامل مائة يف املائة‪.‬‬
‫أتصور كما قلت دولة إسالمية كاملة‪ ،‬أو أتصور مثال عالما غزيرا أو شعوبا تربت بأكملها على اإلسالم أو غري ذلك‪.‬‬
‫من صور تطلب الكمال مع عدم السعي يف حتصيله أنك جتد اإلنسان ينتقص اآلخرين أحيانا أو يعكر على جهودهم‪.‬‬
‫مثال قيام دعوة إسالمية وانتشار الشريط اإلسالمي‪ ،‬هذه ظاهرة إجيابية بكل املقاييس وال شك يف هذا‪ ،‬ظاهرة إجيابية‪.‬‬
‫ولكن من املمكن أن تكون هذه الظاهرة عليها سلبيات كثرية حتتاج إىل عالج‪ ،‬فتجد هذا اإلنسان يأيت ليقول لك مثال‪:‬‬
‫واهلل هذه األشرطة يف الواقع طيبة ولكن يغلب عليها أهنا أشرطة طابعها سياسي‪ ،‬ودائما تتكلم يف موضوعات‪ Ÿ‬سياسية‪،‬‬
‫ويف أحوال املسلمني وغري ذلك مثال‪.‬‬
‫وأنا قد أحتدث عن نفسي شخصيا يف هذا اجلانب وإن مل يكن هذا املوضوع‪.‬‬
‫ولكن الدفاع عن النفس على كل حال مشروع‪ ،‬من حق اإلنسان أن يدافع عن نفسه‪ ،‬فأنا أقول مثال حني تقول أنت‬
‫هذا الكالم ملاذا تغفل أكثر من مائة وثالثني درسا يف شرح بلوغ املرام؟‬
‫ملاذا تغفل أكثر من ثالمثائة درس بل ضعف هذا العدد يف شرح البخاري ومسلم؟‬
‫ملاذا تغفل أشرطة تصل إىل مائة يف الدعوة والرتبية واإلصالح؟‬
‫وباجلملة فإن األشرطة اليت تعاجل موضوعات‪ Ÿ‬سياسية ال تتجاوز عشرة باملائه‪ ،‬لكن من طبيعة الناس أهنم يتابعوهنا‪،‬‬
‫ويسمعوهنا ويهتمون هبا‪ ،‬فيتصورون أن فالنا ال يقول إال هذا‪ ،‬وال يعرفونه إال من خالل هذا الشريط‪.‬‬
‫على كل حال دعك من هذا األمر‪ ،‬لنفرتض ونسلم أن هذا نقص موجود عندي أو عند زيد أو عبيد من الناس‪.‬‬
‫طيّب‪ Ÿ..‬إنسان فتح له جمال خري أو بورك له يف شيء ونفع اهلل به يف هذا اجلانب‪ ،‬ملاذا أنت ال تكمل اجلانب اآلخر؟‬

‫‪20‬‬
‫ملاذا تفرتض الكمال وأن فالنا إن تكلم فينبغي أن يتكلم يف كل شيء؟‬
‫ممكن يكون إنسان فقيه وال حيسن التفسري‪.‬‬
‫وآخر مفسر وال حيسن يف احلديث‪.‬‬
‫وثالث حمدث وال يستطيع اخلطابة‪.‬‬
‫ورابع خطيب ولكن ليس عنده علم‪.‬‬
‫وخامس يستطيع أن يقرر أمور العقيدة ولكن ال يستطيع أن يقرر أمور األحكام‪.‬‬
‫وهذا من عمر الدنيا وهو موجود وقائم‪ ،‬فإذا وجد نقص عند فالن أو عالن من الناس وهو موجود بطبيعة احلال‪.‬‬
‫فلماذا أنت ال تكمل هذا النقص املوجود عندهم ؟‬
‫وتعترب أنك أنت والثاين والثالث جمموعكم ميكن أن يشكل منهجا صحيحا للناس‪.‬‬
‫أما تصور أن فالنا بذاته ومبا يطرحه هو منهج متكامل‪ ،‬هذا مطالبة مبا ال يطاق وال ميكن‪.‬‬
‫مثال آخر من انتقاص اآلخرين‪:‬‬
‫تتحدث عن املسلمني مثال يف يوغسالفيا أو املسلمني يف روسيا وضرورة دعمهم‪ ،‬يأتيك إنسان فيقول لك‪:‬‬
‫يا أخي هؤالء عندهم معاصي ويشربون اخلمور وبعضهم ال يصلي والنساء متربجات…إىل آخره‪.‬‬
‫طبعا هذا األمر جزء منه كبري موجود بسبب أن هذه البالد ظلت زماننا طويال حتت تسلط الشيوعية‪ ،‬وحتت تسلط‬
‫الكفر وحيل بينهم وبني املسلمني فال تعليم وال دعوة وال إصالح‪.‬‬
‫ومن الطبيعي أن إنسان يعيش يف مثل هذه اجملاهل أن تكون هذه النتيجة‪.‬‬
‫لكن لديهم من الرغبة يف العلم شيء كبري حىت أن بعض األخوة الذين ذهبوا إليهم يقولون‪:‬‬
‫إذا رأونا جلسوا بني يدينا ال يعرفون لغتنا وال ميلكون إال البكاء والدموع‪ ،‬واستعدادهم للتعلم عجيب‪ ،‬وليس لديهم أي‬
‫لون من ألوان التعصب واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬
‫فلديهم استعداد للتعلم‪ ،‬فلماذا بدال من أن تكون القضية قضية تنقص هلؤالء وأن فيهم وفيهم‪.‬‬
‫بدال من هذه احليلة النفسية اليت نقنع هبا أنفسنا أن ال نعمل وال نساعد‪.‬‬
‫ملاذا ال نقوم حنن بدعمهم‪ ،‬ومن دعمهم تعليمهم دين اهلل عز وجل‪،‬‬
‫وأمرهم باملعروف باحلسىن وهنيهم عن املنكر باحلسىن‪،‬‬
‫والتسلل إىل قلوهبم ومساعدهتم ماديا وإنسانيا‪،‬‬
‫وإغاثتهم ومساعدهتم أيضا بالسالح والوقوف إىل صفهم بالنفس واملال حىت نستطيع أن خنرجهم من حمنتهم وأن جنعلهم‬
‫مسلمني أقوياء صاحلني‪.‬‬
‫إذا حيلة نفسية أنك تنتقص هذا اإلنسان أو تنتقص هذا اجلهد أو تنتقص هذا الطريق أو تنتقص هذا املنهج لتربر لنفسك‬
‫ترك العمل‪ ،‬بشكل عام ال نعذرك أبدا أن تنظر للجانب السليب وترتك اجلاين اإلجيايب‪.‬‬
‫مثال أضرب لك مثاال بسيطا‪ ،‬مثال بعيد عن املوضوع لكن من أجل أن تدرك‪:‬‬

‫‪21‬‬
‫إنسان خرج من صالة الفجر‪ ،‬فلما خرج مر فوجد شخصا آخر قد خرج لتوه من صالة الفجر وهو يقلم أشجار‬
‫احلديقة أو األشجار احمليطة يف املنـزل‪ ،‬فقال هذا اإلنسان‪:‬‬
‫فالن مسكني ما وجد شيئا يشغل به وقته إال أن يقلم األشجار‪ ،‬ملاذا مل يذهب‪ Ÿ‬ليقرأ قرآن يف املسجد؟‬
‫مجيل قرأة القرآن أفضل من تقليم األشجار ال شك يف هذا‪ ،‬لكن أيضا تقليم األشجار عندنا أفضل من النوم وأنت ذاهب‬
‫إىل أين؟ إىل الفراش‪.‬‬
‫فلماذا تنتقد إنسان‪ ،‬ال بأس أن توجهه لكن أيضا ينبغي أن توجه نفسك وتنتبه إىل أنك أنت ذاهب إىل عمل أقل قدرا‬
‫حىت من تقليم األشجار الذي تنتقد به صاحبك‪.‬‬
‫طبيعي املوضوع طويل‪ ،‬ولعلي أمر عليه مرور الكرام إن استطعت‪.‬‬
‫من الحيل النفسية القناعة الزائفة‪:‬‬
‫شعور اإلنسان أحيانا بأنه كامل‪ ،‬أو أن هذا العمل الذي يقوم به عمال كامال وأنه ال مزيد عليه حبال من األحوال‪..‬‬
‫وأن كل اإلمكانيات املوجودة لديه قد صرفها يف سبيل العلم أو الدعوة أو اجلهاد أو األمر أو النهي‪ ،‬وهلذا ال يطلب وال‬
‫يسعى إىل الكمال‪.‬‬
‫وعلى سبيل املثال ومن أوضح األمثلة أحوال الدول واجلماعات‪ ،‬جتد هذه الدولة أو تلك ترى أهنا قد بلغت الكمال يف‬
‫اقتصادها وسياستها وإعالمها وجيشها وأمنها وغري ذلك‪ ،‬وهلذا ال تقوم بأي لون من ألوان اإلصالح‪ ،‬ملاذا ؟‬
‫ألهنا ترى الكمال وأن اإلصالح يعين وجود نقص سابق‪.‬‬
‫وبذلك يتبني لك خيانة اإلعالم الرمسي املضلل يف كثري من األحيان الذي ال يذكر إال الصورة اإلجيابية‪ ،‬ويتجاهل‬
‫السلبيات وهو بذلك خيالف أوال املنهج الشرعي القائم على النقد والنصيحة‪ ،‬ويف حديث أيب رقية يف مسلم‪:‬‬
‫(الدين النصيحة)‪.‬‬
‫وهو أيضا خمالف للمنهج الغريب مع األسف الذي يقلده العرب واملسلمون اليوم‪ ،‬فإن املنهج الغريب قائم على النقد وحرية‬
‫النقد لألفراد والدول واألحزاب واملؤسسات‪.‬‬
‫وبكل حال فإن اإلعالم ال يصلح إال يف جو من احلرية الشرعية اليت جتعله يقوم بدوره ليس فقط الثناء على املكاسب‬
‫واملبالغة يف ذلك‪ ،‬بل يف نقد الواقع وتصحيحه وحث الناس وحفز اهلمم إىل التغيري حنو األفضل‪ ،‬وينبغي أن ندرك ذلك‬
‫جيدا ونعيه‪.‬‬
‫ومن قبل كان عمر رضي اهلل عنه كان يقول‪:‬‬
‫(أشكو إلى اهلل عجز التقي وجور الفاجر)‪.‬‬
‫الحظ التقي اآلن يشعر بأنه وصل إىل درجة معينة فال يطلب املزيد‪ ،‬أما الفاجر فتجده يطالب‪.‬‬
‫الداعية يتحرك على استحياء‪ ،‬يتسلل ويأيت كما يقال من أبواب اخلدم‪ ،‬واملفروض أن اإلسالم يدخل من أبواب امللوك ال‬
‫من أبواب السوقة‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫أما اخلصم العدو لإلسالم احملارب جتده يصيح دائما وأبدا وينادي بالويل والثبور مع أنه هو املنتصر ‪ ،‬ويتبجح وهو‬
‫الغالب‪.‬‬
‫مثال املرأة يف التلفاز‪ ،‬أول ما ظهرت املرأة يف التلفاز كان ما يظهر إال اليد فقط أثناء عملية إعداد الطبخ‪،‬‬
‫مث ظهر جزء من البدن‪ ،‬مث ظهرت حمجبة مث ظهر الوجه‪ ،‬مث ظهر الشعر‪ ،‬مث بدأ الثوب ينحسر حىت أصبحت ترى املرأة يف‬
‫التلفاز يظهر منها إىل ما فوق نصف الفخذ أحيانا وبأهبى زينة‪ ،‬بل حيصل أحيانا ما هو أكثر من ذلك‪.‬‬
‫فهذا التدرج جتد أن بعض الفاسقني يطالب أن اإلعالم ال يزال حمافظا‪ ،‬وأنه ينبغي حترير اإلعالم‪ ،‬وينبغي وينبغي…‬
‫لكن األخيار حني يطالب الواحد منهم بتصحيح وضع‪ ،‬أو يرسل مالحظة على برنامج يرسل على استحياء‪, ،‬إذا حصل‬
‫أدىن استجابة جتد يشعر بأنه حصل كل ما يريد وحتقق كل شيء‪.‬‬
‫الداعية‪ ،‬إذا كان الداعية وخاصة يف جمال الدعوة‪ ،‬مع األسف قد يكون الداعية أحيانا مندوب الدعوة أو مدير ملركز من‬
‫مراكز الدعوة‪ ،‬فتجد أنه ال يأخذ صالحياته وال يقوم بأعماله‪.‬‬
‫وإمنا ميد يدا قصرية ويرى أنه قد قام بكل شيء وانه ال مزيد على ما قام به‪.‬‬
‫لكن جتد أن أندية رياضية فضال عن مثل املراكز الصيفية كما هو حاصل اآلن مثال‪ ،‬جتد أندية رياضية أو جهات ليس هلا‬
‫عالقة بالدعوة‪ ،‬جتد أنه تنشط يف جمال الدروس واحلاضرات وحتطم بعض احلواجز وبعض املوانع وبعض السدود ومتارس‬
‫عملها بقوة وجرأة وشجاعة يفقدها مع األسف حىت بعض املنتسبني إىل مؤسسات دينية رمسية‪.‬‬
‫أحيانا يشعر اإلنسان داعية أو موظف متدين أو غري ذلك‪ ،‬يشعر بالتهمة اليت تقال عنه‪ ،‬ويتقبل هذه التهمة فتجد أنه‬
‫يدافع عن نفسه ويتحرك على ضوئها وهلذا ال يقوم باألعمال قياما صحيحا بل يقنع قناعة زائفة بأدىن جناح يتحقق له‪.‬‬
‫من الحيل النفسية تحميل اآلخرين المسؤولية‪:‬‬
‫أنت بريء واملسؤولون هم اآلخرون‪.‬‬
‫وأحيانا املسؤول الشيطان فتجد اإلنسان يلقي بالالئمة على الشيطان‪.‬‬
‫وأحيانا اإلنسان حيتج بالقدر‪.‬‬
‫وأحيانا بالعدو كاالستعمار أو الصهيونية أو الغرب أو غري لك‪.‬‬
‫وأحيانا احلكام‪ ،‬احلكام هم املسؤولون عن كل شيء يف نظر البعض‪.‬‬
‫وأحينا العلماء إذا صلحوا صلح الناس‪.‬‬
‫وأحيانا وهذا من املضحكات الناس‪ ،‬من هم الناس؟ أنا وأنت‪.‬‬
‫جتد كثري من األدباء يؤلف كتب وجيعل فصول يف هجاء الناس‪ ،‬ما لقي الناس من الناس‪ ،‬والناس كذا والناس كذا‪.‬‬
‫من الناس ؟ أنا وأنت واملؤلف من الناس أيضا‪ ،‬فهو إن يهجو الناس يهجو نفسه‪.‬‬
‫وحنن نقول الشيطان موجود وله دور‪.‬‬
‫والقدر حق وال شك فيه‪.‬‬
‫والعدو خيطط‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫واحلكام عليهم مسؤولية كبرية أكرب من غريهم‪.‬‬
‫والعلماء كذلك‪.‬‬
‫لكن ال يعين هذا أبدا أنك أنت بذاتك وشخصك وعينك ونفسك أنك خارج إطار املسؤولية‪.‬‬
‫بعضهم يقول‪ ،‬كل املشاكل اليت نعانيها اآلن هي من صنع اجليل السابق وسوف يقوم حبلها اجليل الالحق‪.‬‬
‫إذا حنن خارج الدائرة‪ ،‬ال صنعنا املشاكل وال شاركنا يف حلها‪ ،‬هذا ال جيوز حبال‪.‬‬
‫بعض األخوة من حتميلهم املسؤولية لآلخرين جتد أهنم ينتظرون املفاجئات‪:‬‬
‫إما مفاجئات ربانية خوارق أو معجزات أو آيات‪ ،‬وجتد البعض ينتظرون املهدي أو عيسى‪.‬‬
‫وحنن نؤمن باملهدي أنه يأيت يف آخر الزمان‪ ،‬ونؤمن بعيسى أنه ينزل يف آخر الزمان‪ ،‬وهذا فيه نصوص صرحية‪.‬‬
‫ولكن ما أمرنا شرعا أن ننتظر املهدي وال عيسى عليه السالم وال غريه وال حىت اجملدد الذي يبعثه اهلل على رأس كل مائة‬
‫سنة‪ .‬ما امرنا باالنتظار‪ ،‬امرنا بأن نعمل ما نستطيع وال حنمل املسؤولية اآلخرين‪ ،‬وال ننتظر أحد‪.‬‬
‫كذلك بعضهم ينتظرون مفاجئات يصنعها اآلخرون‪:‬‬
‫مثل واحد ينتظر مفاجأة يصنعها الكفار‪ ،‬أن الكفار مثال سوف يعلنون حربا ضروسا على املسلمني‪ ،‬حربا صليبية تستثري‬
‫مهم املسلمني العاديني وتدفعهم إىل القوة وإىل املشاركة‪.‬‬
‫هذا ليس بالزم بل ينبغي أن نقوم حنن بالعمل وال ننتظر عدونا‪.‬‬
‫من حتميل اآلخرين املسؤولية التالوم‪ ،‬والتالوم مبناه سوء الظن بالناس‪ ،‬فأنت تسيء الظن بالناس فتلومهم‪ ،‬فالقائد مثال‬
‫يلوم املقود ويقول‪:‬‬
‫ولو أن قومي أنطقتني رماحهم…نطقت ولكن الرماح أجرتي‬
‫وكما يقول بعضهم يقول‪:‬‬
‫(الناس حزمة خوص) يعين لو كربتها باحلبل تشتت وتفرقت‪.‬‬
‫إذا ال أهتم بالناس وال أكرتث هلم‪ ،‬وكذلك قد يقول القائل كما قال األول‪:‬‬
‫أضاعوني وأي فتى أضاعوا…‪..‬ليوم كريهة وسداد ثغر‬
‫أما مجهور الناس املقودين فيقول قائلهم‪:‬‬
‫تاه الدليل فال تعجب إذا تاهوا… أو ضيع الركب أشباح وأشباه‬
‫تاه الدليل فال تعجب إذا انحرفوا… عن السراط لالت الشرك عزاه‬
‫تاه الدليل فال تعجب إذا تركوا… قصد السبيل وحاذوا عن سجاياه‬
‫فهذا يلوم هذا وهذا يلوم هذا‪ ،‬والواقع أنه يف غياب القائد ومل لو يوجد قائد فيجب أن نكون كلنا قواد‪.‬‬
‫ويف معركة مؤته ملا قتل القواد الذي حددهم رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم) وكاد املسلمون أن يقتلوا‪.‬‬
‫قام رجل حمتسب وهو ثابت أبن أقرم العجالين‪ ،‬محل الراية وقال أيها املسلمون إيل إيل‪ ،‬مبادرة شجاعة حىت جتمع الناس‬
‫وقال اختاروا من بينكم قالوا أنت‪ ،‬قال لست هلا بأهل‪ ،‬اختاروا‪ ،‬فاختاروا خالد فسلمه الراية‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫جتد البعض يقول لك‪ ،‬يا أخي الناس اليوم ليس عندهم استعداد للتضحيات‪ ،‬الناس ال يفعلون شيء‪ ،‬الناس ال يقدرون‬
‫اجلهود‪.‬‬
‫يا أخي اآلن الكفار يفعلون الكثري‪.‬‬
‫والكفار يقدرون اجلهود‪.‬‬
‫والكفار مستعدون أن يضحوا من أجل دينهم الباطل‪.‬‬
‫كما رأيت الصرب اآلن‪ ،‬وكما رأيت الروس كيف قاوموا االنقالب الشيوعي الفاشل‪ ،‬وكما رأيت أمم الكفر كلها‬
‫قامت وواجهت القوة بأجساد عارية وبسواعد ال متلك شيئا ومع ذلك حققوا انتصار‪.‬‬
‫فهل تظن أن املسلمني وهم حسب اإلحصائيات الرمسية ألف مليون عاجزون عن أن يدافعوا عن دينهم؟‬
‫بال واهلل قادرون‪ ،‬لكن لو أفلح الدعاة بتحريك مشاعرهم وخماطبتهم ودعوهتم إىل امليدان وإقناعهم بضرورة املشاركة‬
‫بكل صورها وألواهنا‪.‬‬
‫من ألوان حتميل اآلخرين املسؤولية اعتقادك أن الساحة ملئ وأنه ما عدا فيه جمال‪ ،‬احلمد هلل اخلري كثري‪ ،‬واألصوات كثرية‬
‫والعلماء وطالب العلم كثريون وأنه مالك جمال أبدا‪ ،‬وهذا خطأ‪ ،‬فاهلل عز وجل يقول‪:‬‬
‫(فقاتل في سبيل اهلل ال تكلف إال نفسك)‪.‬‬
‫وأنت إذا اعتذرت عن أعمال اخلري اآلن حبجة أن الساحة ملئ‪ ،‬فأخشى أن تعتذر يوم القيامة عن دخول اجلنة‪.‬‬
‫كما يف احلديث الصحيح‪:‬‬
‫(أن اهلل عز وجل قال لرجل اذهب فأدخل الجنة‪ ،‬فذهب فلما اقترب منها وجد أنها مأل‪ ،‬ظن أنها مأل أو خيل‬
‫إليه‪ ،‬فقال يا رب وجدتها مأل‪ ،‬فقال اهلل تعالى له اذهب فإن لك الدنيا وعشرة أمثال الدنيا)‬
‫وهذا من آخر من يدخل اجلنة‪ ،‬فرمبا تتأخر منزلتك يف اجلنة بسبب تأخرك عن العمل الصاحل اآلن حبجة أن الساحة مأل‬
‫وأن األخيار كثريون‪.‬‬
‫أما الشرع فهو يف هذا واضح‪ ،‬ما أعطاك الشرع حجة وما ترك لك جماال لالعتذار بأن هناك كفاية يف عدد الدعاة أو‬
‫اآلمرين باملعروف أو الناهني عن املنكر أو املصلحني أو اجملاهدين أو الباذلني يف سبيل اهلل أو أي لون من ألوان اخلري‪.‬‬
‫مثال يقول ربنا جل وعال‪:‬‬
‫(وهو الذي جعلكم خالئف األرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم)‪.‬‬
‫كلكم بشر‪ ،‬كلكم خالئف األرض‪ ،‬كلكم مبتلون مبا أعطاكم اهلل تعاىل‪ ،‬علم‪ ،‬جاه‪ ،‬مال‪ ،‬شجاعة‪ ،‬رئاسة‪ ،‬إدارة‪ ،‬خط‪،‬‬
‫رسم‪ ،‬خطابة‪ ،‬بالغة‪ ،‬منزلة‪ ،‬أي لون من ألوان املواهب والعطايا فهي بلوى ابتليت هبا‪.‬‬
‫يقول اهلل تعاىل‪:‬‬
‫(وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا)‬
‫(إن كل من في السماوات واألرض إال آتي الرحمن عبدا‪،‬لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا)‪.‬‬
‫ويقول النيب (صلى اهلل عليه وسلم)‪:‬‬

‫‪25‬‬
‫(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)‪ .‬وهو يف الصحيحني‪.‬‬
‫ويف احلديث اآلخر وهو عند الرتمذي وغريه وهو صحيح‪:‬‬
‫(لن تزول قدم عبد (أي عبد) يوم القيامة حتى يسأل عن أربع‪ ،‬عن عمره وعن شبابه وعن مالك وعن علمه ماذا‬
‫عمل به)‪.‬‬
‫كذلك قول اهلل تعاىل‪( :‬ال يكلف اهلل نفسا إال وسعها)‪.‬‬
‫بعض األخوة يفرح ( ال يكلف اهلل نفسا إال وسعها)‪ ،‬طّيب…‪ .‬يا أخي هذه حجة عليك‪ ،‬ملاذا أنت تفهم من اآلية‬
‫اإلعفاء وال تفهم من آلية املسؤولية ؟‬
‫اهلل تعاىل كلفك وسعك‪ ،‬ومل يكلفك ما هو فوق وسعك‪.‬‬
‫فالبعض إذا أحتج عن ترك العمل قال (ال يكلف اهلل نفسا إال وسعها)‪.‬‬
‫طيّب‪ Ÿ..‬هذا دليل على أن اهلل قد كلفك وسعك وطاقتك‪ ،‬فنحتج عليك به على أنك مسؤول قبل أن حتتج به أنت على‬
‫أنك غري مسؤول وأنك غري مكلف‪.‬‬
‫ومثله أن بعض األخوة مثال يقول يا أخي ورع أن أترك العمل‪ ،‬فريون أن الورع يف ترك الشيء‪ ،‬وال يذكرون أن الورع‬
‫أحيانا يف فعل الشيء‪ ،‬نعم من الورع ترك املكروه‪ ،‬وترك الذي يشتبه باملكروه‪ ،‬أو يشتبه بأنه حرام‪ ،‬هذا كله من الورع‪.‬‬
‫لكن أيضا ألست تعرف أن من الورع أن تفعل ما يشتبه أن يكون واجبا أو يشتبه أن يكون مستحبا عليك‪ ،‬فالشبيه‬
‫باملستحب أو الشبيه بالواجب من الورع أن تفعله‪ ،‬لكن جتدنا دائما حنب ترك العمل‪.‬‬
‫وهلذا فالورع الذي فيه ترك ممن نرتكه‪ ،‬لكن الورع الذي فيه فعل نتأخر عن فعله ألننا دائما وأبدا نتأخر إىل الوراء‪ ،‬ال‬
‫نرغب يف أن نقوم بعمل وهذا هو العجز كما ذكرته قبل قليل‪.‬‬
‫جتدنا نقرأ هذه اآلية‪:‬‬
‫(ال يكلف اهلل نفسا إال وسعها)‪.‬‬
‫وننسى أن معىن اآلية أن اهلل تعاىل قد كلفنا تكليفا شرعيا أن نعمل بكل وسعنا‪.‬‬
‫بقي في موضوع الحيل النفسية‪.‬‬
‫موضوع التسويف‬
‫موضوع اليأس‬
‫موضوع تعظيم األمر أو تهوينه‪.‬‬
‫وأتركها ألن الوقت ضاق‪ ،‬وأسأل اهلل تعلى أن جيعل ما قلته سببا إىل أن نقوم مجيعا مبا أو جب اهلل تعاىل علينا من‬
‫األقوال واألفعال وأن جناهد يف سبيل اهلل تعاىل كما أمر اهلل‪.‬‬
‫أسأل اهلل تعاىل يل ولكم التوفيق لصاحل القول والعمل‪.‬‬
‫(مت حبمد اهلل وتوفيقه)‬
‫………………………………………………………‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫أخي احلبيب – رعاك اهلل‬
‫ال نقصد من نشر هذه املادة القراءة فقط أو حفظها يف جهاز احلاسب‪،‬‬
‫بل نآمل منك تفاعال أكثر من خالل‪:‬‬
‫‪ -‬إبالغنا عن اخلطأ اإلمالئي أو اهلجائي كي يتم التعديل‪.‬‬
‫‪ -‬نشر هذه املادة يف مواقع أخرى على الشبكة‪.‬‬
‫‪ -‬مراجعتها ومن مث طباعتها وتغليفها بطريقة جذابة كهدية لألحباب واألصحاب‪.‬‬
‫‪ -‬يف حال إمكان ذلك األستاذان من الشيخ لتبين طباعتها ككتيب يكون صدقة جارية لك‪.‬‬
‫أخي احلبيب ال حترمنا من دعوة صاحلة يف ظهر الغيب‪.‬‬
‫من خالل اقرتاحاتك وتوجيهاتك ألخيك ميكن أن تساهم يف هذا العمل اجلليل‪.‬‬
‫اللهم اجعل هذا العمل خالصا لوجهك الكرمي‪.‬‬
‫للتواصل مع أخوكم البوراق ‪anaheho@maktoob.com /‬‬

‫‪27‬‬

You might also like