"تخضع المرافق العامة – باعتبارها مشروعات أو نشاطات تنشئها الدولة ،وتستهدف
تحقيق النفع العام للمواطنين -في إنشائها وتنظيمها وإلغائها لالختصاص المانع للدولة؛ إذ ال خالف على أن إنشاء وتنظيم وإلغاء المرافق العامة هو من سلطة الدولة وحدها ،فهذا أمر يدخل في جوهر فكرة المرفق العام ،ويفرضه تعريف المرفق العام وعناصره .إنما الخالف والمشكلة قد تثور حول األداة القانونية ،التي تتحقق بها عملية إنشاء وتنظيم وإلغاء المرافق العامة :هل هذه األداة هي القانون الصادر عن البرلمان؟ أم انه يجوز أن تكون هذه األداة القانونية مرسوم أو قرار وزاري ؟" إن اإلجابة على هذه اإلشكالية ،تقتضي التطرق إلى دراسة مختلف القواعد التي تحكم بداية عملية إنشاء المرافق العامة ،هذا أوال ،وعملية تنظيمها ثانيا ،وأخيرا كيفية إلغائها ،وذلك على النحو األتي: الـــــفرع األول :إنــــــشاء المـــرافق الـــــعامة يقصد بإنشاء المرافق العامة :تأسيس مشروعات عامة ،رأت الحكومة ضرورتها إلشباع الحاجات العامة وتحقيق النفع العام .ويتم هذا اإلنشاء إما باستحداث مشروع ألول مرة ،أو بتحويل مشروع خاص إلى مشروع عام من أجل النفع العام ".فإنشاء المرفق العام هو أول مراحل التزام اإلدارة بإشباع إحدى الحاجات العامة ،وهو يعني االعتراف بأهمية توفير هذه الحاجة العامة .ويعرفه القضاء بكونه" :معنى إنشاء المرفق العام أن جهة اإلدارة رأت أن هناك حاجة جماعية ملحة ،قد بلغت من األهمية مبلغا يقتضي تدخلها ،لكي توفرها لألفراد باستخد ام وسائل القانون العام ،التي تنطوي على قدر كبير من المساس بحقوق األفراد وحرياتهم ،مما يستتبع إحاطة هذا اإلنشاء بشيء من الضمانات ،للتأكد من أن هذا المساس له في الواقع ما يبرره". لقد مرت مسالة إنشاء المرافق العامة الوطنية بالجزائر بأربعة مراحل أساسية: المـــرحلة األولى :قبل عام 1965 - "في مرحلة ما قبل ،1965كان إنشاء المرافق العامة بالجزائر ،يتم إما بموجب قانون؛ كالبنك المركزي الجزائري الذي تم إنشائه بقانون (أي نص تشريعي) صدر في 13سبتمبر عام ،1963وكذا صندوق التنمية الجزائري الذي أنشيء أيضا بقانون صدر في 7مارس .... 1963الخ .وإما بموجب مرسوم؛ كالشركة الوطنية سوناطراك ،التي تم إنشائها عبر مرسوم صدر في 31ديسمبر ".1963 -الــــمرحلة الثـــــانية :صــــدور قـــانون المـــــالية لــــــعام 1965 "بعد صدور قانون المالية لعام ،1965نصت المادة الخامسة منه مكرر على أن: "جميع المؤسسات العامة يتم إنشاءها بموجب عمل له قوة التشريع؛" أي بمقتضى قانون .ويقصد المشرع هنا بالمؤسسات العامة :المرافق العامة القومية .إال انه بالرجوع إلى قانون التسيير االشتراكي للمؤسسات ،الصادر في 16نوفمبر عام ،1971نجد أن المادة الخامسة منه قد نصت على أنه " :تحدث المؤسسة االشتراكية بموجب مرسوم باستثناء المؤسسات التي لها أهمية وطنية ،والتي تحدث بموجب قانون". وما يفهم من هذا النص ،أنه إذا كان المرفق ذا أهمية بالغة وسيعود بالنفع ،فإن إنشائه يكون بموجب نص تشريعي .أما إذا كان هذا المرفق يهدف إلى تحقيق منفعة محدودة تخص إقليم معين ،فإن إحداثه يتم عن طريق نص تنظيمي". -المــــرحلة الثــــــالثة :صـــدور دســــــتور 1976ودســـتور :1989 "في ظل العهد االشتراكي وبناء على أحكام دستور ،1976أصبح إنشاء المؤسسات الوطنية من صالحيات اإلدارة المركزية؛ إذ أن أحكام المادة 151من هذا الدستور، المتعلقة باختصاصات المجلس الشعبي الوطني ،لم تشتمل على االختصاص التشريعي بإنشاء المرافق العامة أو المؤسسات الوطنية .ولذلك ،فإن إنشاء المؤسسات العامة الوطنية كان يتم بموجب مرسوم صادر عن رئيس الجمهورية ،من خالل ممارسته للسلطة التنظيمية ،المخولة له بموجب أحكام المادة 115من دستور .1976 وعلى غرار الدستور السابق ذكره ،فإن دستور 1989لم يجعل كذلك إنشاء المرافق العامة الوطنية من اختصاص القانون؛ حيث لم تنص المادة 122منه على صالحية واختصاص السلطة التشريعية بذلك". -الـــــــمرحلة الـــــرابعة :دســـــــتور :1996 "فيما يتعلق بدستور ،1996وخالفا للدستورين السابقين ،اعترف البرلمان بسلطة إنشاء "'فئات المؤسسات" وذلك بموجب المادة 112منه .وبالتالي االعتراف للسلطة التشريعية بسلطة إنشاء المرافق العامة ".وهذه المسالة أكدتها أيضا المادة 122الفقرة ما قبل األخيرة من الصيغة المعدلة لدستور ،1996لعام .2008وكذا الفقرة ما قبل األخيرة من المادة 140من التعديل الدستوري لعام .2016ويالحظ أن الدستور الجزائري قد تبنى حرفيا الصيغة الواردة في نص المادة 34من الدستور الفرنسي ،التي سوف يتم الحديث عنها فيما بعد. وهكذا فإن إنشاء المرافق العامة الوطنية بالجزائر ،متوقف على توزيع السلطات بين الهيئتين ا لتشريعية والتنفيذية ،فتختص هذه األخيرة كقاعدة عامة بإنشاء جميع المرافق العامة؛ وذلك من خالل إصدار مراسيم رئاسية أو تنفيذية ،باستثناء "فئات المؤسسات" فتبقى من االختصاص األصيل للسلطة التشريعية. ب .إنــــــشاء المــــرافق العامة الـــمحلية في الــــجـــزائر أما بالنسبة إلنشاء المرافق العامة المحلية" ،فيمنح كل من قانون البلدية وقانون الوالية ،للمجلس الشعبي البلدي والمجلس الشعبي الوالئي ،االختصاص إلحداث وتنظيم المرافق العامة .وفي هذا الصدد نصت المادة 83من قانون البلدية لعام ،2011على ما يلي" :يسهر رئيس المجلس الشعبي البلدي على وضععلى وضع المصالح والمؤسسات العامة للبلدية وحسن سيرها ".كما نصت المادة 7من قانون الوالية لعام 2012على ما يلي" :يمكن للوالية إنشاء مصالح عمومية للتكفل باحتياجات المواطن .وتضمن له االستمرارية والتساوي في االنتفاع". ويجدر اإلشارة ،إلى أن "المجالس المحلية ال تتمتع بالحرية للمطالبة بإنشاء المرافق العامة؛ بحيث أنها ملزمة بإنشاء بعض المرافق العامة ذات الصلة بالنظافة والمياه واألسواق العامة ،والنقل العمومي .إال أن المداوالت بشان هذه المرافق ال تكون نهائية ،إال بعد الحصول على المصادقة من السلطة الوطنية". الفرع الثاني :إلـــــغاء الــــمرافق العامة "ما دام األفراد ال يملكون حق إجبار اإلدارة على إنشاء المرافق العامة ،فإنهم ال يستطيعون أيضا إجبارها على االستمرار في تأدية خدماتها ،وذلك إذا ما قدرت الدولة في وقت من األوقات أن إشباع حاجة عامة معينة يمكن أن يتم بغير وسيلة المرفق ،بواسطة "publicsإذا قدرت اإلدارة ،بدافع الرغبة في توفير الجهد والمال ،أن الخدمة التي يؤديها المرفق العام المزمع إلغائه ،يمكن أن يعهد بها إلى مرفق آخر قائم ،وأن يضاف عبئها إلى سائر أعبائه". "وكما أن إنشاء المرافق العامة يعتبر أمرا تقديريا للسلطة العامة ،فكذلك تتمتع بصدد إلغائها بسلطة تقديرية ،فترخص في تقدير مدى الحاجة أو عدم الحاجة إلى المرافق ،والموازنة بين فوائده ومضاره ،واختيار الوقت المالئم لإللغاء ،ووزن ظروفه ومالبساته وأسبابه ()1 ومبرراته". "والقاعدة ،أن يتم اإللغاء بنفس األداة التي تقرر بها اإلنشاء ( قاعدة توازي األشكال ،)La règle du parallélisme des procéduresفالمرفق الذي تم إنشائه بقانون ال يتم إلغائه إال بنفس الطريقة .وإذا كان إنشاء المرفق بقانون فال يتم إلغائه إال بنفس الطريقة .وإذا كان إنشاء المرفق بقرار من إحدى درجات السلطة التنفيذية ،فيلغى بقرار من ذات السلطة ،إال إذا نص القانون على خالف ذلك .وعندما يتم إلغاء المرفق العمومي ،فإن األموال تضاف إلى الجهة التي نص عليها القانون الصادر بإلغائه ،فإن لم ينص على ذلك، فتضاف إلى أموال الشخص اإلداري الذي كان يتبعه هذا المرفق " .في التشريع الجزائري، فاألصل العام أن تلغى المرافق العامة بنفس طريقة إنشائها ،تطبيقا لقاعدة توازي األشكال، فالمرفق العام الذي ينشا بقانون يلغى بقانون ،والمنشأ بمرسوم يلغى بمرسوم أيضا. المصدر: