Professional Documents
Culture Documents
مصادر السماع
مصادر السماع
تمهيد:
القرآن هو كالم اهلل تعاىل املنزل على النيب حممد –صلى اهلل عليه وسلم-بوساطة الروح األم،ن ،باللظ
العريب ،املنقول إلينا بالتواتر ،واملكتوب ب،ن دفيت املصحف ،املبدوء بسورة الظاحتة ،واملختوم بسورة الناس.
وتتّصل هبذا النص القرآين أوجه ألدائه تعرف بالقراءات القرآنية.
والقراءات هي األوجه املختلظة اليت مسح الرسول (ص) بقراءة نص املصحف هبا قصد التيسري.
وهي علم بكيظيات أداء كلمات القرآن الكرمي من ختظيف ،وتشديد ،واختالف ألظاظ الوحي يف كتابة
احلروف ،وكيظية نطقها.
نصه حبيث ال يرقى إليه أدىن ريب ،وأصبح املثل األعلى،
وقد نال القرآن الكرمي اهتماما كب ًريا ،وضبط ّ
أقر النحاة بأنه
إليه مظزع الظقهاء ،ومنه يأخذ علماء اللغة شواهدهم اليت يبنون عليها قواعدهم ،وأصوهلم .و ّ
كالم اهلل أجري على كالم العباد ،فكلِّموا بكالمهم .وجاء القرآن على لغتهم ،وعلى ما يعنون .كما أنّه
ليس مثة خالف يف حجيّة النصوص القرآنية.
من هنا ظهرت شواهد القرآن الكرمي يف كتب النحو منذ سيبويه ،ومن تاله من النحاة على اختالف
مذاهبهم ،وإن كانت الغلبة للشاهد من الشعر ،وهو تقليد دأب عليه مجهور النحاة ،وله ما يربره؛ فالشعر
ديوان العرب وروايته شائعة قبل نزول القرآن ،ورمبا حاكى النحاة يف اعتدادهم بالشعر أكثر من القرآن
الظقهاءَ يف تظسريهم للقرآن الكرمي؛ فكان إذا خظي عليهم احلرف من القرآن عادوا إىل الشعر فالتمسوا ذلك
فيه ،ومن مثة برز الشاهد من الشعر يف كتب الظقهاء ،واملظسرين ،كما غلب يف كتب النحاة واللغوي،ن.
احدا؛ فهم ّإما
منهجا و ً
مناهج ال ً
َ وإذا تتبعنا منهج النحاة يف االستشهاد بالقرآن الكرمي ،وجدناها
يظردون الشواهد من القرآن يف مسألة ما ،أو إهنم يقرنوهنا مبا ورد عن العرب من شعر أو نثر ،وهذا األغلب.
صح عن العرب ،وليس وراء
مبتدئ،ن حينًا بالقرآن ،وحينًا بالشعر أو النثر ،وحينًا بأمثلة يقتبسوهنا على ما ّ
كثريا ما يوردون اآليات دون ذكر سورها ،ورقمها ،وأحيانًا ال يق ّدمون هلا مبا
ذلك توثيق للنص القرآين؛ فهم َ
كثريا نص اآلية كلّه .بل يكتظون مبوضع الشاهد منها فحسب،
يدل على أهنا كالم اهلل تعاىل ،وال يذكرون ً
ّ
تب،ن منهجه من االستشهاد بالقرآن باعتباره إمام النحاة ،وأكثرهم اتبّع
ويف الكتاب لسيبويه ّناذج ممّا ذكرناه ّ
منهجه ذاك.
وإذا كان هذا موقف النحاة من االستشهاد بالقرآن ،فما موقفهم من االستشهاد بالقراءات القرآنية؟
نص اللغوي،ن ،والنحاة صراحة على أن القرآن سيّد احلجج .وأن قراءاته سنّة واجبة االتبّاع ،وسواء
ّ
رده ،وال اجلدال فيه .وإن كانت القراءة اليت وردت
يصح ّ
آحادا ،أم شاذة فهي ّما ال ّ
أكانت متواترة ،أم ً
خمالظة للقياس؛ إذ ينبغي أن تقبل القراءة الصحيحة أيًّا كانت دون حت ّكم شيء آخر فيها.
اترا أم
يقول السيوطي(199ه)« :كل ما ورد أنه قرئ به جاز االحتجاج به يف العربية ،سواء أكان متو ً
قياسا معروفًا ،بل لو خالظته ُيتَ ّج هبا
شا ًذا ،وقد أطبق الناس على االحتجاج بالقراءات الشاذة إذا مل ختالف ً
يف ذلك الوارد بعينه .وال يقاس عليه حنو :ا ْستَ ْح َو َذ».
عز امسه أفصح
ويقول البغدادي (ت 9911ه)« :قائل ذلك [يقصد النثر] ّإما ربّنا تبارك وتعاىل :فكالمه ّ
كالم ،وأبلغه ،وجيوز االستشهاد مبتواتره ،وشاذه».
ص القرآن،
إىل هنا ،وهذا الكالم النظري السابق متّظق مع جيب أن يكون بعد هذا التوثيق الرائع لن ّ
لكن ما كان ف ْعال مل يّتظق مع هذا النظر املعقول ذلك أن املمارسة العلمية للدراسة يف كتب النحو مل تتوافق
ّ
كبريا للنّمو بالنحو.
تأخرت يف الزمن عنها بعد أن قطع النحاة شوطًا ً
مع تلك اآلراء اليت ّ
فاملتصظح لكتب النحو -على تعدد مذاهب أصحاهبا-يلح أن النحاة تباينت مواقظهم من االستشهاد
أصال يف بناء القاعدة ،السيما مجهور
بالقراءات .فمنهم من قَبل القراءات ،واستشهد هبا ،و ّاختذها ً
حرجا يف ختطئتها ،ورميها بالشذوذ ،والضعف إذا ما خالظت قواعده ،وعجز
الكوفيون ،ومنهم من مل جيد ً
عن تأويلها ،وخترجيها وفق قواعده ،وهذا دأب أكثر البصري،ن.
وهلذا املوقف املتباين ب،ن البصري،ن ،والكوفيون ما يعللّه؛ فالكوفة مدينة فن اشتهرت فيها القراءات،
القراء السبعة ،مقابل قارئ واحد يف البصرة.
والقراء ،وفيها ثالثة من ّ
توسع يف أصول اللغة ،وقياس على القليل ،واعتداد باملثال الواحد.
كما أنّه يرجع إىل ما عرفوا به من ّ
فأمكنهم بذلك توجيه كثري من القراءات وخترجيها على مقتضى أصوهلم ،ومن هنا قلّت ختطئتهم هلا .وكانت
مصدرا من مصادر النحو الكويف ،يقول مهدي املخزومي« :والقراءات مصدر هام من مصادر
ً القراءات
النحو الكويف ،ولكن البصري،ن كانوا قد وقظوا منها موقظهم من سائر النصوص اللغوية ،وأخضعوها ألصوهلم
وأقيستهم .فما وافق منها أصوهلم ولو بالتأويل قبلوه ،وما أباها رفضوا االحتجاج به ،ووصظوه بالشذوذ ،كما
رفضوا االحتجاج بكثري من الروايات اللغوية وع ّدوها شاذة حتظ ،وال يقاس عليها».
غري أن املتصظح لكتب النحاة على تع ّدد مشارهبم ،وأزماهنم يلح أن تعاملهم مع القراءات متشابه،
حرجا يف ختطئة القراءات على اختالف مراتبها ،ورميها بالقبح ،أو الضعف ،والشذوذ إذا
فأكثرهم مل جيد ً
عجزوا عن فهمها ،أو توجيهها وفق قواعدهم.
وفيما يلي عرض لبعض مواقف النحاة من بعض القراءات:
القراء قراءهتم ﴿:وما
-9حكى البغدادي يف خزانته أن النحاة يف عصر أيب عمرو بن العالء أنكروا على ّ
ص ِرِخي ﴾بكسر الياء ،فظزع أحدهم إىل أيب عمرو قائال له« :إ ّن أصحاب النحو يلحنوننا فيها»
أنْ تُ ْم بِ ُم ْ
أيضا ،فال تـبَال».
فقال« :هي جائزة ً
"الظراء" الذي وصظها بأهنا من وهم القراء؛ إذ ظنوا أن الباء يف
وممّن طعن يف هذه القراءة من قدامى النحاةّ :
جارة" للظ كلّه مع أن الياء للمتكلم ،كذلك طعن فيها أبو عبيدة ،وقال« :نراهم
"مبصرخي" خافضة "أي ّ ِّ
قد غلطوا ظنًّا أنّ الباء تكسر ملا بعدها» ،وطعن فيها أيضا الزجاج ،وأبو حامت ،واألخظش الذ بلغ به األمر
أن قال« :لو صليت خلف إمام يقرأ " مبصرخ ِّي" حلملت نعلي ومضيت».
ِ َ
-2قرئ قوله تعاىل ﴿:هَؤُ َلءِ ب ناتي ُه َّن أطْهر ل ُك ْم ﴾بنصبَ :
أطهر ،وقد قال أبو عمرو بن العالء يف
أطهر لكم" فقد تربّع يف حلنه» .وقال اخلليل" :هذا ال جيوز".
"هن َ شأهنا« :من قرأّ :
احر ِ
ان تظَّاهرا ﴾بالتشديد« :تشديده حلن؛ ألنّه فعل ما ٍ
ض ،وإّنا -1ويقول ابن خالويه يف قراءة ﴿:س ِ
الطبقة الثانية :وتضم الشعراء املخضرم،ن :وهم الذين أدركوا اجلاهلية واإلسالم كلبيد ّ
وحسان بن ثابت،
ويؤخذ عنهم بإمجاع شأهنم شأن اجلاهلي،ن.
الطبقة الثالثة :وتضم الشعراء املتقدم،ن ،ويقال هلم "اإلسالميون" وهم الذين كانوا يف صدر اإلسالم كجرير
والظرزدق ،وآخرهم ابن هرمة ،قال أبو عبيدة" :افتتح الشعر بامرئ القيس ،وختم بابن هرمة" .والصواب
يتورع النحويون الذين
صحة االستشهاد بشعر هؤالء الشعراء ألهنم ضمن عصر الظصاحة ،ومع ذلك مل ّ
ّ
عاصروهم عن ختطئتهم ،على حنو ما يروى لنا من وقائع ب،ن عبد اهلل بن أيب إسحاق احلضرمي والظرزدق
ومشاحنات ،انتهت هبجاء الظرزدق له يف غري موضع.