Download as rtf, pdf, or txt
Download as rtf, pdf, or txt
You are on page 1of 5

‫سليمان بن عبدالملك‬

‫‪.‬يمكن اعتبار عصر سليمان بن عبدالملك مقدمةً لعصر عمر بن عبدالعزيز في التدين وتطبيق الشرع‬

‫قال عنه السيوطي‪" :‬سليمان بن عبدالملك‪ ،‬أبو أيوب‪ ،‬كان من خيار ملوك بني أمية‪ ،‬وكان فصيحًا مف َّوهًا مؤثِرًا للعدل‪ ،‬محبًّا للغزو‪ ،‬ومن •‬
‫محاسنه‪ :‬أن عمر بن عبدالعزيز كان له كالوزير؛ فكان يمتثل أوامره في الخير‪ ،‬فعزل عمال الحجاج‪ ،‬وأخرج من كان في سجن العراق‪،‬‬
‫‪".‬وأحيا الصالة ألول مواقيتها‪ ،‬وكان بنو أمية أماتوها بالتأخير‬

‫‪ ".‬قال ابن سيرين‪ " :‬يرحم هللا سليمان؛ افتتح خالفته بإحيائه الصالة لمواقيتها‪ ،‬واختتمها باستخالفه عمر بن عبدالعزيز •‬

‫كان سليمان محبًّا للحياة حبًّا ج ّمًا‪ ،‬مقباًل عليها‪ ،‬مغرورًا بها ومغرو ًرا بنفسه‪ ،‬وكان فتى من فتيان قريش بل ُس ِّمي "فتى العرب"‪ ،‬وكان •‬
‫‪ .‬جميل الصورة يقف أمام المرآة ويقول‪" :‬أنا فتى بني أمية"‪ ،‬وكان في نفس الوقت متدينًا‪ ،‬وكان ينهى عن الغناء‬

‫قال يحيى الغساني‪" :‬نظر سليمان في المرآة فأعجبه شبابه وجماله‪ ،‬فقال‪" :‬كان محمد صلى هللا عليه وسلم نبيًّا‪ ،‬وكان أبو بكر صدِّيقًا‪ ،‬وكان •‬
‫عمر فاروقًا‪ ،‬وكان عثمان حييًّا‪ ،‬وكان معاوية حلي ًما‪ ،‬وكان يزيد صبو ًرا‪ ،‬وكان عبدالملك سائسًا‪ ،‬وكان الوليد جبا ًرا‪ ،‬وأنا الملك الشاب‪ ...‬فما‬
‫‪".‬دار الشهر حتى مات‬
‫‪.‬وكان من األ َكلَ ِة المذكورين‪ ،‬أكل في مجلس سبعين رمانة وخروفًا وست دجاجات‪ ،‬ومكوك زبيب طائفي •‬

‫هم عصره يجب أن نرى اتجاه الوليد في سياسته نحو الخصوم؛ فقد كان يتنازع الوليد في سياسته عامالن •‬
‫‪:‬ولفَ ِ‬

‫‪.‬سياسة الحجاج العنيفة التي تريد قهر الخصوم وإذاللهم والجبروت عليهم‬

‫‪ .‬وسياسة عمر بن عبدالعزيز التي كانت تريد ائتالف الناس والعدل والسيرة الحسنة‬

‫وقد أرسل الولي ُد عمر بن عبدالعزيز واليًا على المدينة‪ ،‬فجمع عمر فقهاء المدينة العشرة‪ ،‬وجعلهم مجلس شوراه‪ ،‬وقال لهم‪" :‬األمر لكم‬
‫‪.‬فأعينوني على ما أنا فيه"‪ ،‬فسُرُّ وا به وساعدوه‪ ،‬وسارت األمور سيرًا حسنًا‪ ،‬وساد العدل‬

‫وكان يأتي من العراق هاربون من َج ور الحجاج متوارون منه‪ ،‬يلجؤون إلى عمر بن عبدالعزيز وعدله‪ ،‬فكان يجيرهم ويتقون به شر •‬
‫الحجاج‪ ،‬فضاق به الحجاج ذرعًا‪ ،‬وشدد الطلب على الوليد بأن يقيله من المدينة‪ ،‬واحت َّج بأنه يثير الناس على سياسته في العراق‪ ،‬وأل َّح حتى‬
‫أجاب الوليد إجابة ظاهرها في صالح عمر بن عبدالعزيز‪ ،‬فقد استحضره إلى دمشق مستشا ًرا له‪ ،‬وكان المستشار في ذلك الوقت بمثابة‬
‫وزير‪ ،‬وأرسل بداًل منه خالد بن عبدهللا القسري‪ ،‬فسار خالد على السياسة التي يتطلبها الحجاج‪ ،‬أما عمر بن عبدالعزيز فكان يجتمع بالخليفة‬
‫‪.‬الوليد‪ ،‬ويهدِّئ من جبروته‪ ،‬ويصلح من توجيهه‪ ،‬لكن الحجاج كان له بالمرصاد‬

‫إن أثر األشخاص في التاريخ ال يعادل أثر الجماعات‪ ،‬لكن الحجاج من األفراد النادرين في التاريخ الذين كانوا ذوي أثر ال يقل كثيرًا عن •‬
‫أثر الجماعات‪ ،‬وإنا نستطيع أن نضعه في ِكفَّة مقابلة لكفة عمر بن الخطاب‪ ،‬فعمر بعدله أسس للعرب مل ًكا عضودًا‪ ،‬وجعل األعاجم يقبلون‬
‫‪ .‬على العروبة ويدخلون في قبائلها‪ ،‬أما الحجاج فبظلمه وضع قنبلة تحت البنيان العربي‪ ،‬أسهمت في إطاحته ونقضه‬

‫ومن حسن حظ عمر بن عبدالعزيز أن الحجاج وقف ضد سليمان بن عبدالملك في عهد الوليد‪ ،‬وكان سليمان وليًّا للعهد‪ ،‬فحضَّ الحجاج •‬
‫‪.‬الولي َد على خلعه وتولية ابنه مكانه‪ ،‬وحفظها سليمان على الحجاج‪ ،‬ومات الوليد قبل أن تُنتزع الوالية من سليمان‬

‫وهكذا أفضت الخالفة إلى سليمان‪ ،‬ونفسه مضطرمة على الحجاج‪ ،‬فوجد عمر سندًا له في مخالفته لسياسة الحجاج‪ ،‬وزاد حقد سليمان على‬
‫الحجاج أن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة – وكان واليًا للحجاج على خراسان ‪ -‬على خالف مع الحجاج؛ إذ عزله هذا عن واليته وتتبَّ َعه‪ ،‬فلجأ‬
‫يزيد إلى سليمان‪ ،‬وأثاره أكثر فأكثر على الحجاج‪ ،‬فاضطرم الخالف بين االثنين‪ ،‬لكن الحجاج توفي قبل أن يتولى سليمان‪ ،‬وكان يدعو هللا‬
‫‪.‬تعالى بذلك‪ ،‬فاستجاب دعاءه‬

‫أقبل سليمان منذ أول يوم من خالفته على عمر بن عبدالعزيز وقال له‪" :‬يا أبا حفص‪ ،‬إنا قد ُولِّينا ما ترى‪ ،‬ولم يكن لنا بتدبيره علم‪ ،‬فما •‬
‫‪".‬رأيت من مصلحة العامة ف ُمرْ به‬

‫ُأ طلقت يد عمر بن عبدالعزيز؛ فقام بإصالحات؛ منها أنه أطلق األسرى في العراق‪ ،‬وأخلى السجون‪ ،‬وأعاد الصالة إلى أوقاتها‪ ،‬وكان بنو •‬
‫‪ .‬أمية يؤخرونها بعض التأخير عن أوقاتها‪ ،‬وأحسن معاملة عامة الناس‪ ،‬وتتبع الفساق‬

‫حدث – إ ًذ ا ‪ -‬اتجاه جديد في السياسة األموية مع سليمان بن عبدالملك ٍ‬


‫بأثر من عمر بن عبدالعزيز‪ ،‬ذلك االتجاه الذي سيأخذ حده األقصى مع‬
‫‪.‬عمر نفسه‬

‫قال عبدالرحمن بن حسان الكناني‪" :‬مات سليمان غازيًا بدابق‪ ،‬فلما مرض‪ ،‬قال لرجاء بن حيوة‪ :‬من لهذا األمر بعدي؟ أستخلف ابني؟ قال‪• :‬‬
‫يرضون‪،‬‬
‫َ‬ ‫ابنك غائب‪ ،‬قال‪ :‬فابني اآلخر؟ قال‪ :‬صغير‪ ،‬قال‪ :‬فمن ترى؟ قال‪ :‬أرى أن تستخلف عمر بن عبدالعزيز‪ ،‬قال‪ :‬أتخوَّف إخوتي ال‬
‫قال ‪:‬تُولِّي عمر‪ ،‬ومن بعده يزيد بن عبدالملك‪ ،‬وتكتب كتابًا‪ ،‬وتختم عليه وتدعوهم إلى بيعته مختو ًما‪ ،‬قال‪ :‬لقد رأيت‪ ،‬فدعا بقِرطاس‪ ،‬فكتب‬
‫فيه العهد ودفعه إلى رجاء‪ ،‬وقال‪ :‬اخرج إلى الناس فليبايعوا على ما فيه مختو ًم ا‪ ،‬فخرج‪ ،‬فقال‪ :‬إن أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا لمن في‬
‫هذا الكتاب‪ ،‬قالوا‪ :‬ومن فيه؟ قال‪ :‬هو مختوم‪ ،‬ال تخبروا بمن فيه حتى يموت‪ ،‬قالوا ‪:‬ال نبايع‪ ،‬فرجع إليه فأخبره‪ ،‬فقال‪ :‬انطلق إلى صاحب‬
‫ال ُّشرط والحرس‪ ،‬فاجمع الناس‪ ،‬و ُمرْ هم بالبيعة‪ ،‬فمن أبى‪ ،‬فاضرب عنقه‪ ،‬فبايعوا‪ ،‬قال رجاء‪ :‬فبينما أنا راجع إذا هشام بن عبدالملك‪ ،‬فقال لي‪:‬‬
‫يا رجاء‪ ،‬قد علمت موقعك منا‪ ،‬وأن أمير المؤمنين قد صنع شيًئا ما أدري ما هو‪ ،‬وإني تخوفت أن يكون قد أزالها عني‪ ،‬فإن يكن قد عدلها‬
‫عني‪ ،‬فأعلمني‪ ،‬ما دام في األمر نفس‪ ،‬حتى أنظر‪ ،‬فقلت‪ :‬سبحان هللا! يستكتمني أمير المؤمنين أم ًرا أطلعك عليه؟ ال يكون ذلك أبدًا‪ ،‬ثم لقيت‬
‫ي‪ ،‬ولست أقوم بهذا الشأن‪،‬‬ ‫عمر بن عبدالعزيز‪ ،‬فقال لي‪ :‬يا رجاء‪ ،‬إنه قد وقع في نفسي أمر كبير من هذا الرجل‪ ،‬أتخوَّف أن يكون قد جعلها إل َّ‬
‫فأعلمني ما دام في األمر نفس؛ لعلي أتخلص منه ما دام حيًّا‪ ،‬قلت‪ :‬سبحان هللا! يستكتمني أمير المؤمنين أم ًرا أطلعك عليه؟ ثم مات سليمان‬
‫وفُ تح الكتاب‪ ،‬فإذا فيه العهد لعمر بن عبدالعزيز‪ ،‬فتغيرت وجوه بني عبدالملك‪ ،‬فلما سمعوا‪( :‬وبعده يزيد بن عبدالملك)‪ ،‬تراجعوا‪ ،‬فأتوا عمر‬
‫فسلموا عليه بالخالفة‪ ،‬فعُقر به‪ ،‬فلم يستطع النهوض حتى أخذوا بضبعيه‪ ،‬فدنَوا به إلى المنبر وأصعدوه‪ ،‬فجلس طوياًل ال يتكلم‪ ،‬فقال لهم‬
‫رجاء‪ :‬أال تقومون إلى أمير المؤمنين فتبايعوه؟ فبايعوه ومد يده إليهم‪ ،‬ثم قام فح ِمد هللا وأثنى عليه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أيها الناس‪ ،‬إني لست بفارض‬
‫ولكني منفذ‪ ،‬ولست بمبتدع ولكني متبع‪ ،‬وإن من حولكم من األمصار والمدن إن هم أطاعوا كما أطعتم‪ ،‬فأنا واليكم‪ ،‬وإن هم أبَوا فلست لكم‬
‫بوال ‪ ،‬ثم نزل فأتاه صاحب المراكب فقال‪ :‬ما هذا؟ قال‪ :‬مركب الخليفة‪ ،‬قال ‪:‬ال حاجة لي فيه‪ ،‬ائتوني بدابتي‪ ،‬فأتوه بدابته‪ ،‬وانطلق إلى منزله‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫‪ .‬ثم دعا بدواة وكتب بيده إلى عمال األمصار‪ ،‬قال رجاء‪ :‬كنت أظن أنه سيضعف‪ ،‬فلما رأيت صنعه في الكتاب علمت أنه سيقوى‬

‫يُروى أن مروان بن عبدالملك وقع بينه وبين سليمان في خالفته كالم‪ ،‬فقال له سليمان‪ :‬يا ابن اللخناء‪ ،‬ففتح مروان فاه ليجيبه‪ ،‬فأمسك عمر •‬
‫بن عبدالعزيز بفيه‪ ،‬وقال‪ :‬أنشدك هللا‪ ،‬إمامك وأخوك‪ ،‬وله السن‪ ،‬فسكت وقال‪ :‬قتلتني وهللا‪ ،‬لقد زدت في جوفي أحر من النار‪ ،‬فما أمسى حتى‬
‫‪.‬مات‬

‫وأخرج ابن أبي الدنيا عن زياد بن عثمان أنه دخل على سليمان بن عبدالملك لما مات ابنه أيوب‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬إن عبدالرحمن بن •‬
‫‪.‬أبي بكر كان يقول‪ :‬من أحب البقاء‪ ،‬فليوطِّن نفسه على المصائب‬
‫المصادر‬:

• ‫الدولة األموية؛ يوسف العش‬.

• ‫تاريخ الخلفاء؛ للسيوطي‬.

‫رابط الموضوع‬: https://www.alukah.net/culture/0/160755/%D8%B3%D9%84%D9%8A


%D9%85%D8%A7%D9%86-%D8%A8%D9%86-%D8%B9%D8%A8%D8%AF
%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D9%83/#ixzz7vFeu0ljH

You might also like