Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 97

‫التفسير‬

‫النبوي للقرآن‬

‫تأليف‬
‫فضيلة الشيخ‬
‫سلمان بن فهد العودة‬
‫المشرف العام على موقع اإلسالم اليوم‪‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪2‬‬

‫‪‬‬
‫‪3‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫*‬
‫مقدمة‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب َولَم‬ ‫الحم ُد هلل الَّذي َأن َز َل َعلَى َعب ده الكتَ َ‬ ‫( َ‬
‫أسا َش ِدي ًدا ِمن لَ ُدنهُ َو ُيبَ ِّ‬
‫ش َر‬ ‫ِ ِ‬ ‫‪.‬‬
‫عو ًجا َقيِّ ًما ليُنذ َر بَ ً‬ ‫جعل لَهُ َ‬
‫يَ َ‬
‫َأن لَ ُهم َأج ًرا‬ ‫الص الِح ِ‬
‫ات َّ‬ ‫ؤمنِ َّ ِ‬ ‫الم ِ‬
‫عملُ و َن َّ َ‬ ‫ين يَ َ‬ ‫ين الذ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ين قَ الُوا اتَّ َخ َذ اهلل‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ين في ه َأبَ ًدا َويُن ذ َر الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪.‬‬
‫ِ‬
‫س نًا َم اكث َ‬‫َح َ‬
‫َولَ ًدا) [الكهف‪.]4-1:‬‬
‫والص الة والس الم على رس وله القائل ‪-‬كما يف‬
‫ح ديث املق دام رضي اهلل عنه وغ ريه‪" :-‬أال إني أوتيت‬
‫القـرآن ومثله معه‪ ،‬أال يوشك رجـل ش بعان على‬
‫أريكته أن يق ول حين يأتيه األمر من أم ري فيما أم رت‬
‫به‪ ،‬أو فيما نهيت عنه‪ ،‬فيق ول‪ :‬عن دنا كت اب اهلل‬
‫حسبنا‪ ،‬أال وإن ما حرم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫كما حرم اهلل تعالى"(‪.)1‬‬

‫* أصل هذه الرسالة حماضرة ألقيت يف بريدة عام (‪1412‬هـ) مث قام املكتب‬
‫العلمي مبوقع اإلسالم اليوم بإعدادها يف هذا الكتيب‪.‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪4‬‬

‫أ َّما بعد‪:‬‬
‫ف إن من نعمة اهلل تع اىل على الن اس أمجعني أن توجد‬
‫بني أظه رهم كلم ات اهلل املنـزلة حمفوظة من الزي ادة‬
‫والنقصان‪.‬‬
‫ولعل ه ذه أعظم نعمة يفيض اهلل تع اىل خريها على‬
‫البشر أمجعني‪ ،‬أن يك ون بني أي ديهم كت اب حمف وظ‪،‬‬
‫حيكمونه يف حي اهتم‪ ،‬وحيتكم ون إليه فيما يقع بينهم من‬ ‫ِّ‬
‫اختالف‪ ،‬وذلك بعد أن ُحِّرفت الكتب السماوية كالتوراة‬
‫واإلجنيل وغريها‪ ،‬وض اع أكثرها‪ ،‬ولعبت هبا أي دي التغيري‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫اب‬
‫ين يَكتُبُ و َن الكتَ َ‬ ‫والتب ديل‪ ،‬ق ال تع اىل‪َ ( :‬ف َوي ٌل للَّذ َ‬
‫بَِأي ِدي ِهم ثُ َّم َي ُقولُ و َن َه َذا ِمن ِعن ِد اهلل لِيَش َت ُروا بِ ِه ثَ َمنً ا‬
‫قَلِيالً َف َوي ٌل لَ ُهم ِم َّما َكتَبَت َأي ِدي ِهم َو َوي ٌل لَ ُهم ِم َّما‬
‫كسبُو َن) [البقرة‪.]79:‬‬ ‫ي ِ‬
‫َ‬
‫‪5‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫ولذلك كان علم التفسري من أعظم العلوم على اإلطالق؛‬


‫إذ هو الطريق إىل فهم معاين القرآن الكرمي ومراد اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل من خلقه‪ ،‬ومن هنا اعتىن العلماء ‪-‬سلًفا وخلًف ا‪ -‬هبذا‬
‫عظيما‪ ،‬وصنَّفوا فيه الكثري من املصنفات‪.‬‬
‫اهتماما ً‬
‫العلم ً‬
‫وقد ب دأت مس رية تفسري كت اب اهلل تع اىل يف عهد‬
‫النبوة؛ حيث يعترب النيب صلى اهلل عليه وسلم املرجع األول‬
‫فس ر آيات الكتاب العزيز‬
‫يف تفسري كتاب اهلل تعاىل‪ ،‬فقد ّ‬
‫بقوله وعمله صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫‪..‬‬
‫وس وف نتن اول يف ه ذه الرس الة موض وع‪ :‬التفسري‬
‫النبوي للقرآن الكرمي‪ ،‬وذلك من خالل الفصول اآلتية‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬خصائص القرآن الكرمي‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬عناية األمة بتفسري القرآن الكرمي‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬البالغ النبوي للقرآن الكرمي‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تفسري الصحابة للقرآن الكرمي‪.‬‬
‫‪..‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫الفصل الخ امس‪ :‬أن واع بي ان الس نة للق رآن‬ ‫‪.‬‬


‫‪6‬‬

‫الكرمي‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫الفصل األول‬
‫خصائص القرآن الكريم‬
‫إن القرآن الكـرمي كالم اهلل تعاىل‪ ،‬وهـذه أعظم مزايا‬
‫وخصائص القـرآن الكرمي‪ ،‬فحسبه أنه كـالم اهلل‪.‬‬
‫اب‬
‫ٌ‬ ‫وقد وص فه اهلل عز وجل بقوله‪َ ( :‬وِإنَّهُ لَ ِكتَ‬
‫يل‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ ِ ِ‬ ‫‪.‬‬
‫يز ال يَأتيه البَاط ُل من بَي ِن يَ َديه َوال من َخلف ه تَنـ ِز ٌ‬ ‫َع ِز ٌ‬
‫يد) [فصلت‪.]42 ،41:‬‬ ‫ِمن ح ِك ٍيم ح ِم ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وكما جاء يف احلديث الذي رواه الرتمذي وغريه‪ ،‬أن‬
‫النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪":‬فضل الق رآن على س ائر‬
‫الكالم‪ ،‬كفضل اهلل تعالى على خلقه"(‪.)2‬‬
‫إذًا فك ون الق رآن كالم اهلل‪ ،‬فه ذا يغني عن تع داد‬
‫طرا‬
‫خص ائص الق رآن وفض ائله ومزاي اه‪ ،‬لكن أج دين مض ًّ‬
‫إىل أن أشري إىل ثالث خص ائص هلذا الق رآن؛ البد من‬
‫ذكرها يف مطلع هذه الرسالة‪:‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪8‬‬

‫الخاصية األولى‪ :‬الحفظ‪:‬‬


‫كر َوِإنَّا لَ هُ لَ َح افِظُو َن)‬ ‫قال تعاىل‪ِ( :‬إنَّا نَ ُ‬
‫حن َن َّزلنَ ا ِّ‬
‫الذ َ‬
‫[احلجر‪.]9:‬‬
‫لقد قيَّض اهلل تع اىل للق رآن منذ ن زل من حيفظه من‬
‫الصحابة ومن بعدهم يف الصدور ويف السطور‪ ،‬وبلغت عناية‬
‫املس لمني ب القرآن الك رمي‪ ،‬وتدوين ه‪ ،‬وكتابته‪ ،‬وحفظه‪،‬‬
‫وضبطه شيًئا يفوق الوصف‪ ،‬حىت إن مجيع حروف الق رآن‬
‫وكلماته مض بوطة حمفوظة بقراءاهتا املختلفة ال ي زاد فيها وال‬
‫ينقص‪.‬‬
‫وقد ذكر بعض املفس رين ‪-‬ك القرطيب وغ ريه‪ -‬قصة‬
‫طريفة تتعلق حبفظ القرآن الكرمي‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫وذلك أنه ك ان للم أمون ‪-‬وهو أمري إذ ذاك‪ -‬جملس‬


‫نظ ر‪ ،‬ف دخل يف مجلة الن اس رجل حسن الث وب‪ ،‬حسن‬
‫الوجه‪ ،‬طيب الرائحة‪ ،‬فتكلم فأحسن الكالم والعبارة‪ ،‬فلما‬
‫تقوض اجمللس دعاه املأمون‪ ،‬فقال له‪ :‬إسرائيلي؟ قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫َّ‬
‫قال له‪ :‬أسلم حىت أفعل بك وأصنع‪ ،‬ووعده‪ ،‬فقال‪ :‬ديين‪،‬‬
‫ودين آبائي‪ ،‬وانصرف‪.‬‬
‫لما‪ ،‬فتكلم يف الفقه‬
‫فلما ك ان بعد س نة ج اء مس ً‬ ‫َّ‬
‫فأحسن الكالم‪ ،‬فلما تق َّوض اجمللس دع اه املأمون‪ ،‬وق ال‪:‬‬
‫ألست صاحبنا باألمس؟ قال له‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فما كان سبب‬
‫فأحببت أن أمتحن‬
‫ُ‬ ‫إسالمك؟ قال‪ :‬انصرفت من حضرتك‪،‬‬
‫هذه األديان‪ ،‬وأنت تراين حسن اخلط‪.‬‬
‫فعمدت إىل التوراة‪ ،‬فكتبت ثالث نسخ‪ ،‬فزدت فيها‬
‫ُ‬
‫ونقصت‪ ،‬وأدخلتها الكنيسة‪ ،‬فاشرتيت مين‪.‬‬
‫وعمدت إىل اإلجنيل‪ ،‬فكتبت ثالث نسخ‪ ،‬فزدت فيها‬
‫ُ‬
‫ونقصت‪ ،‬وأدخلتها البيعة‪ ،‬فاشرتيت مين‪.‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪10‬‬

‫دت إىل الق رآن‪ ،‬فعملت ثالث نس خ‪ ،‬وزدت‬ ‫وعم ُ‬


‫فيها ونقص ت‪ ،‬وأدخلتها ال وراقني فتص فحوها‪ ،‬فلما أن‬
‫وج دوا فيها الزي ادة والنقص ان‪ ،‬رم وا هبا فلم يش رتوها‪،‬‬
‫فعلمت أن ه ذا كت اب حمف وظ؛ فك ان ه ذا س بب‬
‫إسالمي(‪.)3‬‬

‫الخاصية الثانية‪ :‬الشمول والكمال‪:‬‬


‫ف إن ه ذا الكت اب ‪-‬كما ق ال اهلل عز وجل في ه‪:-‬‬
‫فصيل ُك ِّل َش ٍ‬
‫يء) [يوسف‪.]111:‬‬ ‫ِ‬
‫(تَ َ‬

‫‪3‬‬
‫تفسري القرطيب ( ‪.)6 ،10/5‬‬
‫‪11‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫فما من أمر حيتاجه الن اس يف دينهم أو دني اهم إال يف‬


‫الق رآن بيانه‪ ،‬س واء ب النص عليه‪ ،‬أو بدخوله حتت قاع دة‬
‫كلية عامة بينها اهلل تع اىل يف كتابه الك رمي‪ ،‬أو باإلحالة‬
‫على مص در آخر؛ كاإلحالة على الس نة النبوية‪ ،‬أو القي اس‬
‫الصحيح‪ ،‬أو إمجاع أهل العلم‪ ،‬أو ما أشبه ذلك‪.‬‬
‫فما من قض ية حيتاجها الن اس يف اجتم اعهم‪ ،‬أو‬
‫أخالقهم‪ ،‬أو عقائ دهم‪ ،‬أو اقتص ادهم‪ ،‬أو سياس تهم‪ ،‬أو‬
‫أم ورهم الفردية أو االجتماعية‪ ،‬الدنيوية أو األخروية‪ ،‬إال‬
‫ويف القرآن بياهنا إمجاالً أو تفصيالً‪.‬‬
‫فجاء القرآن بأصول املسائل؛ فأصول العقائد؛ وأصول‬
‫األحك ام يف الق رآن الك رمي‪ ،‬ف القرآن ش امل كامل مهيمن‬
‫على مجيع شئون احلياة‪.‬‬
‫الخاصية الثالثة‪ :‬الحق المطلق‪:‬‬
‫إن القرآن الكرمي هو احلق املطلق الذي ال ريب فيه‪ ،‬قال‬
‫ين) [البقرة‪.]2 :‬‬ ‫الكَتاب ال ريب ِف ِيه ه ًدى لِ ِ‬
‫ك ِ‬ ‫تعاىل‪َ ( :‬ذلِ َ‬
‫لمتَّق َ‬
‫ُ‬ ‫ُ َ َ ُ‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪12‬‬

‫فالقرآن حق كله‪ ،‬وصدق كله‪ ،‬فهو ‪-‬فيما أخرب به عن‬


‫املاضي أو احلاضر أو املس تقبل‪ -‬ص دق‪ ،‬ويس تحيل اس تحالة‬
‫مطلقة قطعية ال ت ردد فيها أن يتع ارض خرب الق رآن مع‬
‫الواقع‪ ،‬أو مع الت اريخ املاضي‪ ،‬أو مع ما يكتش فه العلم يف‬
‫املستقبل‪.‬‬
‫فنج زم ونقطع بال ت ردد ‪-‬من منطلق إمياننا باهلل العظيم‪-‬‬
‫أن كل ما أخرب به الق رآن عن األمم الس ابقة‪ ،‬من أخب ار‬
‫األنبي اء‪ ،‬وأخب ار األمم وال دول‪ ،‬والقصص واألخب ار يف‬
‫الواقع‪ ،‬ويف الكون‪ ،‬والفلك‪ ،‬والنجوم‪ ،‬واألرض‪ ،‬والسماء‪،‬‬
‫واألرح ام‪ ،‬والنفس البش رية‪ ...‬أنه ص دق وحق قطعي ال‬
‫تردد فيه‪.‬‬
‫‪13‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫ول ذلك يس تحيل أن يثبت العلم حقيقة تتن اقض مع ما‬


‫رآن‪ ،‬ومن‬ ‫اء يف الق‬ ‫ج‬
‫ّاد‬
‫َعى أن هن اك حقيقة علمية تن اقض الق رآن‪ ،‬فهو إما أنه مل‬
‫يفهم الق رآن حق فهم ه‪ ،‬فظن أنه ين اقض العلم‪ ،‬أو مل يفهم‬
‫العلم حق فهمه‪ ،‬فظن أنه يناقض القرآن‪.‬‬
‫رحيا‪،‬‬
‫نص ا قطعيًّا ص ً‬
‫أما أن توجد حقيقة علمية تن اقض ًّ‬
‫فهذا ال ميكن أن يكون حبال من األحوال؛ ألن الذي أنزل‬
‫الق رآن هو ال ذي خلق األك وان‪ ،‬وأوجد اإلنس ان‪ ،‬فال ميكن‬
‫أن خيرب عن اإلنس ان أو عن األك وان إال فيما هو احلق‬
‫والواقع‪( .‬أال يعلم من خلق وهو اللطيف اخلبري)‪.‬‬
‫وكذلك ما أخرب به اهلل عز وجل يف القرآن من األخبار‬
‫املس تقبلة يف آخر ال دنيا‪ ،‬أو يف ي وم القيامة‪ ،‬فإنه البد أن‬
‫يكون حقًّا ال شك فيه‪.‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪14‬‬

‫فأخبار اهلل تعاىل يف القرآن صدق ال ريب فيها‪ ،‬وأحكامه‬


‫يف الق رآن ع دل ال ظلم فيه ا ؛ ول ذلك يق ول اهلل عز وجل‪:‬‬
‫( َوتَ َّمت َكِل َم ُة َربِّ َ‬
‫ك ِ‬
‫ص دقًا َو َع د ًال) [األنع ام‪ ،]115 :‬ص دقًا يف‬
‫وعدال يف األحكام‪:‬‬
‫ً‬ ‫األخبار‪ :‬ماضيها‪ ،‬وحاضرها‪ ،‬ومستقبلها‪،‬‬
‫خاص ها وعامها‪ ،‬فرعها وأص لها‪ ،‬فهو احلق املطلق ال ذي ال‬
‫شك فيه‪.‬‬

‫نعمة القرآن‪:‬‬
‫والق رآن هو الم يزان والفيصل فيما يش تجر فيه الن اس‬
‫وخيتلفون فيه من أمور الدين‪ ،‬وبذلك تُعرف نعمة اهلل تعاىل‬
‫حبفظ هذا القرآن إلى هذا الزمان‪ ،‬وأن ه نعم ة كربى على‬
‫املسلمني؛ بل على البشرية كلها‪.‬‬
‫وش كر ه ذه النعمة أن يك ون الق رآن هو املهيمن على‬
‫حياتنا‪ :‬أف رادًا‪ ،‬وأس ًرا‪ ،‬وجمتمع ات‪ ،‬ودوالً‪ ،‬وأممً ا‪ ،‬حبيث‬
‫يكون القرآن هو احملكَّم يف كل أمورنا‪.‬‬
‫‪15‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫وإذا مل نفعل نكون كفرنا هذه النعمة‪ ،‬وعقوبة كفران‬


‫هذه النعمة عقوبة أليمة‪ ،‬وهي أن يُرفع هذا القرآن من بني‬
‫أيدينا‪ ،‬فال يبقى يف األرض منه آية‪.‬‬
‫روى ابن ماجة وغريه بسند صحيح من حديث حذيف ة‬
‫رضي اهلل عنه أن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪" :‬ي درس‬
‫اإلسالم كما يدرس وشي الثوب‪ ،‬حتى ال يُدرى ما صيام‪،‬‬
‫وال ص الة‪ ،‬وال نس ك‪ ،‬وال ص دقة‪ ،‬وليُس رى على كت اب‬
‫اهلل عز وجل في ليل ة‪ ،‬فال يبقى في األرض منه آي ة"(‪،)4‬‬
‫فيُنـزع الق رآن من املص احف ومن ص دور الرج ال؛ ألنه ال‬
‫تكرمي ا لكالمه‬
‫ُيعمل به‪ ،‬فتعطلت منافعه‪ ،‬فرفع ه اهلل تع اىل ً‬
‫العظيم أن يوضع عند من ال يستعينون به‪ ،‬وال يستحقونه‪.‬‬

‫***‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪16‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫‪17‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫عناية األمة بتفسير القرآن الكريم‬


‫ن زل الق رآن على رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫فتلق اه عنه أص حابه‪ ،‬مث تلق اه عنهم املس لمون‪ ،‬وعن وا به‬
‫عناية كبرية‪ ،‬وكان من أوجه عنايتهم به عنايتهم بتفسريه‪.‬‬
‫عناية الصحابة بتفسير القرآن الكريم‪:‬‬
‫ك ان الص حابة يعن ون بتفسري الق رآن‪ ،‬حىت ك ان منهم‬
‫من اشتهر بذلك(‪ ،)5‬فصرفوا حياهتم ووقتهم يف فهم معاني‬
‫القرآن الكرمي‪ ،‬ومن هؤالء‪:‬‬
‫‪ -‬عبد اهلل بن عباس(‪ )6‬رضي اهلل عنهما‪:‬‬
‫(‪) 7‬‬
‫ملفسرين‪ ،‬الذي دعا‬
‫حرب األمة‪ ،‬وترمجان القرآن ‪ ،‬وإمام ا ِّ‬
‫له النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فقال‪" :‬اللهم فقهه في الدين‪،‬‬
‫وعلمه التأويل"(‪ ،)8‬وقد ورد عنه يف التفسري ما ال حيصى‬
‫ك ثرة‪ ،‬وهو أحد األربعة ال ذين مجع وا الق رآن على عهد‬
‫الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم‪ ،‬وك ان من ق راء الص حابة‪،‬‬
‫وسيد احلفاظ(‪.)9‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪18‬‬

‫‪ -‬عبد اهلل بن مسعود(‪ )10‬رضي اهلل عنه‪:‬‬


‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬خذوا القرآن من‬
‫أربع ة‪ :‬من ابن أم عبد ‪-‬أي عبد اهلل بن مس عود‪ -‬فب دأ ب ه‪،‬‬
‫ومع اذ بن جب ل‪ ،‬وأبي بن كعب‪ ،‬وس الم م ولى أبي‬
‫حذيفة"(‪.)11‬‬
‫وق ال عبد اهلل بن مس عود‪" :‬واهلل‪ ،‬لقد أخ ذت من ِّيف‬
‫بضعا وسبعني سورة‪ ،‬واهلل‬‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ً‬
‫لقد علم أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم أين من أعلمهم‬
‫ت يف‬ ‫بكت اب اهلل‪ ،‬وما أنا خبريهم"‪ ،‬ق ال ال راوي‪ :‬فجلس ُ‬
‫رادا يقول غري ذلك(‪.)12‬‬
‫مسعت ًّ‬
‫احللق أمسع ما يقولون‪ ،‬فما ُ‬
‫وق ال رضي اهلل عنه ‪-‬كما يف الرواية الص حيحة عنه‪:-‬‬
‫"واهلل الذي ال إله غريه‪ ،‬ما أنزلت سورة من كتاب اهلل إال‬
‫أنا أعلم أين أن زلت‪ ،‬وال أن زلت آية من كت اب اهلل إال أنا‬
‫أحدا أعلم مين بكتاب اهلل تبلغه‬
‫أعلم فيم أنزلت‪ ،‬ولو أعلم ً‬
‫اإلبل لركبت إليه"(‪.)13‬‬
‫‪19‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫ومن الص حابة رضي اهلل عنهم من ورد عنه اليسري يف‬
‫تفسري الق رآن الك رمي‪ ،‬ومن ه ؤالء(‪ )14‬عمر وعلي وأيب بن‬
‫كعب و عبد اهلل بن عمر(‪ )15‬رضي اهلل عنهم‪:‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪20‬‬

‫روى مالك يف املوطّأ أن ابن عمر رضي اهلل عنه مكث‬


‫نني(‪،)16‬‬ ‫رة مثاين س‬ ‫ورة البق‬ ‫يف تعلم س‬
‫فلم‬
‫ّ‬
‫ا‬ ‫َ‬
‫ّأمت‬
‫شكرا هلل تعاىل‪ ،‬وهو ال شك كان يتعلم البقرة‬ ‫َها حنر بََدنَة ً‬
‫ألفاظً ا ومع اني‪ ،‬وإال فص غار الطلبة الي وم يف املدارس‬
‫االبتدائية حيفظ ون س ورة البق رة يف أس بوع أو يف ش هر‪،‬‬
‫حاشا ابن عمر أن حيت اج إلى مثاين س نني يف حفظ ألفاظها‬
‫فحسب؛ بل كان يتفهمها ويتلقاها ألفاظًا ومعاني‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫عناية التابعين بتفسير القرآن الكريم‪:‬‬


‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪22‬‬

‫وك ذلك الت ابعون تلق وا التفسري عن الص حابة رضي اهلل‬
‫ان منهم أئمة يف التفسري كمجاهد بن جرب‬ ‫عنهم‪ ،‬فك‬
‫املكي(‪ ،)17‬الذي يقول فيه سفيان الثوري‪" :‬إذا جاءك التفسري‬
‫من جماهد فحس بك به"(‪ ،)18‬وليس ه ذا بغ ريب؛ فقد تلقى‬
‫"عرضت القرآن على ابن‬
‫ُ‬ ‫عن ابن عباس‪ ،‬حىت إنه كان يقول‪:‬‬
‫عب اس ثالث عرض ات‪ ،‬من فاحتته إىل خامتت ه‪ ،‬أوقفه عند كل‬
‫آية"(‪.)19‬‬
‫‪23‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫وك ذلك ممن ع رف بالتفسري من الت ابعني‪ :‬قت ادة(‪،) 20‬‬


‫وعكرمة(‪ ،) 21‬والس دي(‪ ،) 22‬وغ ريهم كثري من الت ابعني‬
‫وأتباعهم(‪.) 23‬‬
‫المصنَّفات في التفسير‪:‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪24‬‬

‫األئمة‬ ‫إىل‬ ‫األمر‬ ‫انتهى‬ ‫مث‬


‫املصنّ‬
‫ِفني‪،‬‬
‫ّ‬
‫فصن‬
‫َفوا مئات ‪-‬بل أل وف‪ -‬الكتب يف تفسري كت اب اهلل تع اىل‬
‫ون‪ ،‬فأهل اللغة‬ ‫مبختلف الفن‬
‫ّ‬
‫صن‬
‫َفوا كتبًا يف تفسري القرآن من النواحي اللغوية؛ يف اإلعراب‪،‬‬
‫والبالغة‪ ،‬والبيان‪ ،‬والبديع‪ ،‬وغريها(‪...)24‬‬
‫صنفوا كتبًا يف مع اين آي ات األحك ام‪،‬‬
‫وأهل الفقه َّ‬
‫وتفسريها‪ ،‬ودالالهتا‪ ،‬واختالف العلماء فيها(‪.)25‬‬
‫ات اليت‬ ‫صنفوا كتبًا يف مجع الرواي‬
‫وأهل احلديث َّ‬
‫وردت يف تفسري معاين كتاب اهلل تعاىل(‪.)26‬‬
‫‪25‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫ذا أهل كل فن‬ ‫وهك‬


‫صنّ‬
‫كتبا يف التفسري‪ ،‬تتن اول الق رآن من الزاوية اليت حيس نوهنا‬
‫َفوا ً‬
‫ويتح دثون فيها‪ ،‬وه ذه الكتب الشك فيها الغث والس مني‪،‬‬
‫والقوي والض عيف‪ ،‬واجليد وال رديء؛ بل إن بعض ال ذين‬
‫فس‬
‫َروا الق رآن الك رمي‪ ،‬فس روه ليوافق ما ل ديهم من األغ راض‪،‬‬
‫سواء أكانت حقًّا أم باطالً‪.‬‬
‫فاملعتزلة ‪-‬مثالً‪ -‬منهم من فسَّر الق رآن ليخ دم مذهبه‬
‫الفاسد‪ ،‬كما فعل القاضي عبد اجلب ار(‪ )27‬يف تفس ريه(‪،)28‬‬
‫وكما فعل الزخمش ري(‪ )29‬يف كش افه ‪ ،‬حيث جعل الق رآن‬
‫دليالً لمذهبه يف االعتزال(‪.)30‬‬
‫وك ذلك بعض املتكلمني‪ ،‬فس ّروا الق رآن ليوافق‬
‫آراءهم وأص وهلم‪ ،‬كما فعل ال رازي(‪ )31‬يف تفس ريه‬
‫الكبري(‪ ،)32‬واملاتُريدي‪ ،‬وغريهم‪.‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪26‬‬

‫وفية من‬ ‫ومن الص‬


‫يفس‬
‫ِر الق رآن ليخ دم مذهبه الص ويف‪ ،‬كتفسري أيب عبد ال رمحن‬
‫السلمي وغريه(‪.)33‬‬
‫وبعض الفقه اء فسَّروا آي ات األحك ام تفس ًريا خيدم‬
‫اجتاهاهتم املذهبية‪ ،‬ويؤيد ما اختاروه من األقوال الفقهية‪.‬‬
‫ووُجد من أرب اب العل وم ‪-‬خاصة املعاص رين‪ -‬من‬
‫أن‬ ‫حياول‬
‫ّ‬
‫حيم‬
‫ِل القرآن وألفاظه ما ال حيتمل من الداللة على أنواع العلوم‬
‫العص رية‪ ،‬كما فعل طنط اوي ج وهري يف تفس ريه املسمّى‬
‫"ب اجلواهر"(‪ ،)34‬وال ذي فيه كل ش يء إال التفسري‪ ،‬فهو‬
‫كت اب يف الفلك‪ ،‬والعل وم املادية‪ ،‬واألحي اء‪ ،‬والفيزي اء‪،‬‬
‫واجليولوجيا‪ ،‬لكن ليس فيه شيء من تفسري القرآن الكرمي‪.‬‬
‫‪27‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫عما يُس مى‬ ‫يتحدثون ّ‬


‫وكما يفعل بعض ال ذين َّ‬
‫"اإلعج از العلمي للق رآن"‪ ،‬ف إن منهم من يغلو فيحمِّل‬
‫ألف اظ الق رآن الك رمي ومعاني ه ما ال حتتم ل؛ لتوافق بعض‬
‫مكتش فات وخمرتع ات العلم؛ بل بعض النظري ات العلمية‬
‫اليت لم تصل بعد إىل حد أن تكون حقيقة قطعية ثابتة‪.‬‬

‫***‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪28‬‬

‫الفصل الثالث&‬
‫البالغ النبوي للقرآن الكريم‬
‫إن هذا اخلالف يف تفسري القرآن الكرمي‪ ،‬يوجب على‬
‫المس لم احلريص على معرفة كالم اهلل عز وجل أن يع ود‬
‫إىل املص در األول واملنب ع الص ايف‪ ،‬أال وهو س نة الرس ول‬
‫عليه الصالة والسالم الصحيحة الثابتة‪ ،‬فهي خري ما يفسِّر‬
‫كت اب اهلل تع اىل؛ ألن الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم أُ ِم ر‬
‫ك ِإالَّ البَالغُ) [الش ورى‪:‬‬ ‫ب البالغ‪ ،‬ق ال تع اىل‪ِ( :‬إن َعلَي َ‬
‫‪.‬‬
‫عج َل بِ ِه ِإ َّن َعلَينَ ا‬ ‫‪ ،]48‬وقال‪( :‬ال تُح ِّرك بِ ِه لِس انَ َ ِ‬
‫ك لتَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪.‬‬
‫مع هُ َوقُرآنَ هُ فَ ِإ َذا َق َرأنَ اهُ فَ اتَّبع قُرآنَ هُ ثُ َّم َّن َعلَينَ ا‬
‫ِإ‬ ‫َج َ‬
‫ول َبلِّغ َم ا‬ ‫الر ُس ُ‬ ‫َبيَانَ هُ) [اإلنس ان‪ ،]16:‬وق ال‪( :‬يَ ا َُّأي َه ا َّ‬
‫غت ِر َس الَتَهُ)‬ ‫فع ل فَ َم ا َبلَّ َ‬ ‫ك ِمن َربِّ َ‬
‫ك َوِإن لَم تَ َ‬ ‫ُأن ِز َل ِإلَي َ‬
‫[املائدة‪.]67:‬‬
‫فالرس ول عليه الص الة والس الم مط الب ب البالغ‬
‫والبيان‪ ،‬لكن ما هو البالغ الذي طولب به الرسول صلى‬
‫اهلل عليه وسلم؟‬
‫‪29‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫إن البالغ النبوي للقرآن الكرمي يشتمل على األمور اآلتية‪:‬‬


‫أوالً‪ :‬بالغ األلفاظ‪:‬‬
‫واملقص ود به بالغ النيب ص لى اهلل عليه وس لم أللف اظ‬
‫الق رآن الك رمي كما ن زلت‪ ،‬وكما بلغه جربيل إياه ا‪ ،‬دون‬
‫زيادة أو نقص‪.‬‬
‫يقول اهلل عز وجل يف سورة آل عمران‪( :‬لََق د َم َّن اهلل‬
‫ث ِفي ِهم َر ُس والً ِمن َأن ُف ِس ِهم يَتلُ و‬
‫ين ِإذ َب َع َ‬‫ِِ‬
‫الم ؤمن َ‬
‫َعلَى ُ‬
‫َعلَي ِهم آيَاتِ ِه) [آل عم ران‪ ،]164:‬ف البالغ النب وي أللف اظ‬
‫الق رآن الك رمي هو املقص ود بقوله تع اىل‪( :‬يَتلُ و َعلَي ِهم‬
‫آيَاتِِه)‪.‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪30‬‬

‫وقد ك ان النيب ص لى اهلل عليه وس لم ش ديد احلرص‬


‫على بالغ ألفاظ القرآن الكرمي‪ ،‬حىت إن ابن عباس رضي‬
‫اهلل عنهم ا يق ول ‪-‬كما يف احلديث املتفق عليه‪" :-‬ك ان‬
‫رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم يع اجل من التنـزيل ش دة‪،‬‬
‫وكان حيرك شفتيه"‪" ،‬فأنزل اهلل عز وجل‪( :‬ال تُ َح ِّرك بِ ِه‬
‫[القيامة‪:‬‬ ‫معـهُ َوقُرآنَـهُ)‬ ‫‪.‬‬ ‫ِ‬
‫عج َل بِه ِإ َّن َعلَينَا َج َ‬
‫لِسـانَ َ ِ‬
‫ك لتَ َ‬ ‫َ‬
‫‪ ،]17 ،16‬قال‪ :‬مَج عه يف صدرك مث تقرؤه‪( ،‬فَ ِإ َذا َقَرأنَاهُ‬
‫فَاتَّبِع قُرآنَهُ) [القيامة‪ ،]18:‬قال‪ :‬فاستمع له وأنصت‪ ،‬مث إن‬
‫علينا أن تق رأه‪ ،‬ق ال‪ :‬فك ان رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم إذا أت اه جربيل عليه الس الم اس تمع‪ ،‬ف إذا انطلق‬
‫جربيل قرأه النيب صلى اهلل عليه وسلم كما أقرأه"(‪.)35‬‬
‫‪31‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫وهذا البيان اللفظي جزء من البالغ الذي ُأمر به رسول‬


‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وال شك أن الرسول صلى اهلل عليه‬
‫لم‬ ‫وس‬
‫ّبل‬
‫تاما‪ ،‬ومل يكتم ش يًئا مما ُأن زل‬
‫َ غ ألف اظ الق رآن الك رمي بال ًغا ًّ‬
‫عليه‪.‬‬
‫ولو ك ان الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم كتم ش يًئا مما‬
‫ول لِلَّ ِذي َأنعم اهلل َعلَ ِ‬
‫يه‬ ‫ُأنزل عليه‪ ،‬لكتم هذه اآلية‪َ ( :‬وِإذ َت ُق ُ‬
‫ََ‬
‫خفي ِفي‬ ‫ك واتَِّق اهلل وتُ ِ‬
‫َ‬ ‫وج َ َ‬ ‫ك َز َ‬
‫مت َعلَي ِه ِ‬
‫َأمس ك َعلَي َ‬ ‫َأنع َ‬
‫َو َ‬
‫َأح ُّق َأن تَ َ‬
‫خش اهُ)‬ ‫بد ِ‬
‫ك م ا اهلل م ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس َواهلل َ‬
‫خش ى الن َ‬ ‫يه َوتَ َ‬ ‫ُ‬ ‫نَفس َ َ‬
‫[األحزاب‪ ،]37:‬فهذه اآلية فيها عتاب شديد للرسول صلى‬
‫اهلل عليه وس لم‪ ،‬مث يق وم الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫فيقرؤها على الن اس يف الص الة ويف غريها وهو املخ اطب‬
‫هبا!!‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪32‬‬

‫األعمى‪.‬‬‫س َوتَولى‪َ.‬أن َج َاءُه َ‬


‫َّ‬
‫أو يكتم هذه اآلي ات‪َ ( :‬عَب َ‬
‫كرى‪ََّ .‬أما َم ِن‬
‫يك لََعلُه َي َّز َّكى‪َ.‬أو يَ ذ َّكُر َفَتنَفَع ُه ال ِّذ َ‬
‫َّ‬ ‫َوَم ا يُ د ِر َ َّ‬
‫َأال َي َّز َّكى‪َ .‬و ََّأما َمن َج َاء َك‬
‫يك َّ‬‫ص َّدى‪َ .‬وَما َعَل َ‬ ‫است َغنى‪.‬فََأ َ‬
‫نت لَُه تَ َ‬ ‫َ‬
‫نه َتَلهَّى) [عبس‪ ،]10 -1 :‬ففيها‬ ‫نت َع ُ‬‫خشى‪.‬فََأ َ‬ ‫سعى‪َ .‬و ُهَو يَ َ‬ ‫يَ َ‬
‫عت اب ش ديد للرس ول ص لى اهلل عليه وس لم‪ ،‬ومع ذلك يتلو‬
‫هذه اآليات على الناس كما نزلت عليه!!‬
‫إن اهلل تع اىل اخت ار حمم ًدا ص لى اهلل عليه وس لم على‬
‫جع ُل‬
‫يث يَ َ‬‫علم على الع املني‪ ،‬ق ال تع اىل‪( :‬اهلل َأعلَ ُم َح ُ‬
‫ِر َس الَتَهُ) [األنع ام‪ ،]124:‬اخت ار رجالً يعلم أنه لن يكتم‬
‫شيًئا مما ي وحى إليه‪ ،‬فحىت اآليات اليت عاتبه والمه اهلل فيها‬
‫على بعض ما ص در منه ص لى اهلل عليه وس لم‪ ،‬ينقلها‬
‫للناس كما ينقل اآليات اليت مُدح فيها!‪.‬‬
‫‪33‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫فيق رأ على الن اس ق ول اهلل جل وعلا له ص لى اهلل عليه‬


‫ك لَ َعلَى ُخلُ ٍق َع ِظ ٍيم) [القلم‪ ،]4:‬ويقرأ عليهم‬ ‫وسلم‪َ ( :‬وِإنَّ َ‬
‫ول اهلل والَّ ِذين مع هُ ِ‬
‫َأش َّداءُ َعلَى‬ ‫قوله تع اىل‪ُ ( :‬م َح َّم ٌد َر ُس ُ َ َ َ َ‬
‫اهم ُر َّك ًع ا ُس َّج ًدا يَ َبتغُ و َن فَض الً‬
‫ال ُك َّفا ِر ُر َح َم اءُ بَ َين ُهم َت َر ُ‬
‫ِ‬
‫ضوانًا) [الفتح‪ ،]29:‬كما يقرأ اآليات اليت فيها‬ ‫م َن اهلل َو ِر َ‬
‫اللوم والعتاب‪ ،‬سواء بسواء‪.‬‬
‫موحد يش هد أن ال إله إال اهلل وأن حممدًا‬
‫ًإذا جيزم كل ِّ‬
‫رس ول اهلل؛ ب أن النيب ص لى اهلل عليه وس لم قد َّبلغ الق رآن‬
‫تاما ال ريب فيه‪.‬‬
‫الكرمي بألفاظه بال ًغا ًّ‬
‫ثانيًا‪ :‬بالغ المعاني‪:‬‬
‫ك ان النيب ص لى اهلل عليه وس لم ش ديد احلرص على‬
‫البالغ اللفظي للق رآن الك رمي‪ ،‬لكنه – ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫– مل يكتف ببالغ ألفاظه ولكن بلغهم معانيه أيضاً‪.‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪34‬‬

‫إن تبليغه صلى اهلل عليه وسلم ملعاين كتاب اهلل تعاىل‬
‫هي بنص كتاب اهلل تعاىل جزء من مهمته يف البالغ‪ ،‬فمن‬
‫مهمة الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم ومس ئوليته أن يبلِّغ‬
‫الناس ألفاظ القرآن ومعانيه‪.‬‬
‫عج َل‬ ‫فبعد أن ق ال تع اىل‪( :‬ال تُح ِّرك بِ ِه لِس انَ َ ِ‬
‫ك لتَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫معهُ َوقُرآنَهُ) [القيامة‪ ،]17 ،16:‬وهذا هو‬ ‫‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بِه ِإ َّن َعلَينَا َج َ‬
‫البالغ اللفظي كما س بق‪ ،‬ق ال س بحانه‪( :‬ثُ َّم ِإ َّن َعلَينَ ا‬
‫َبيَانَهُ) [القيامة‪ ،]19:‬أي‪ :‬علينا أن نبني لك لفظه ومعناه‪.‬‬
‫وبعد أن قال تعاىل‪َ ( :‬ر ُسوالً ِمن َأن ُف ِس ِهم يَتلُ و َعلَي ِهم‬
‫آيَاتِِه) [آل عمران‪ ،]164:‬قال‪َ ( :‬و ُي َز ِّكي ِهم)‪ ،‬والتزكية تعين‬
‫أن الرسول صلى اهلل عليه وسلم يريب أصحابه على القرآن‬
‫الك رمي‪ ،‬حبيث يتحوَّل الق رآن من جمرد كت اب مكت وب‬
‫ومقروء إلى واقع حياة عملية‪ ،‬تتحقق على ظهر األرض‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫حىت قال بعضهم‪" :‬إن أصحاب الرسول صلى اهلل عليه‬


‫وس لم‪ ،‬ك ان الواحد منهم كأنه ق رآن ميشي على األرض"‪،‬‬
‫بعيدا‪ ،‬فإن عائشة رضي اهلل عنها ملا سئلت‬
‫وهذا التعبري ليس ً‬
‫عن خلق الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬قالت للسائل ‪-‬كما‬
‫يف مسلم وغريه‪" :-‬أتقرأ القرآن؟"‪ ،‬قال‪" :‬نعم"‪ ،‬قالت‪" :‬فإن‬
‫خلق نيب اهلل صلى اهلل عليه وسلم كان القرآن"(‪.)36‬‬
‫فه ذا معىن قوله تع اىل‪َ ( :‬وُي َز ِّكي ِهم) أي‪ :‬ي ربيهم‬
‫ويزكيهم بالعقائد الصحيحة‪ ،‬واألخالق الفاضلة‪ ،‬والسلوك‬
‫احلسن‪،‬‬
‫ّ‬
‫ويعد‬
‫ُهم للدور العاملي الذي ينتظرهم لقيادة البشرية‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كم ةَ)‪،‬‬ ‫مث قال تعاىل‪َ ( :‬وُيَز ِّكي ِهم َوُي َعلِّ ُم ُه ُم الكتَ َ‬
‫اب َوالح َ‬
‫فما الكتاب؟ وما احلكمة؟‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪36‬‬

‫ق ال الش افعي‪" :‬ق ال تع اىل‪َ ( :‬واذ ُك ر َن َم ا يُتلَى فِي‬


‫كم ِة ِإ َّن اهلل َك ا َن لَ ِطي ًف ا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُبيُ وت ُك َّن من آيَ ات اهلل َوالح َ‬
‫َخبِ ًيرا) [األح زاب‪ ،]34:‬ف ذكر اهلل الكت اب وهو الق رآن‪،‬‬
‫وذكر احلكمة‪ ،‬فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن‬
‫يقول‪ :‬احلكمة سنة رسول اهلل"(‪.)37‬‬
‫إذن إذا تأملنا ق ول اهلل تع اىل‪َ ( :‬ر ُس والً ِمن َأن ُف ِس ِهم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫كم ةَ)‬ ‫اب َوالح َ‬ ‫يَتلُو َعلَي ِهم آيَاته َو ُي َز ِّكي ِهم َو ُي َعلِّ ُم ُه ُم الكتَ َ‬
‫[آل عمران‪ ،]164 :‬فإننا نالحظ أنه يف أول اآلية قال‪( :‬يَتلُ و‬
‫َعلَي ِهم آيَاتِ ِه)‪ ،‬أي‪ :‬يق رأ عليهم الق رآن ويتلو عليهم ألفاظ ه‪،‬‬
‫وهو البي ان اللفظي للق رآن‪ ،‬ف إذا ض بطوا الق رآن وحفظ وه‬
‫وأتقن وه‪ ،‬انتقل إىل مرحلة أخ رى‪ ،‬وهي‪َ ( :‬وُي َعلِّ ُم ُه ُم‬
‫اب)‪ ،‬يعين‪ :‬يفقههم يف معاين القرآن‪ ،‬ويعلمهم معاين ما‬ ‫ِ‬
‫الكَت َ‬
‫حفظ وه وض بطوه‪ ،‬مث ينتقل إىل مرحلة ثالثة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ؤدهبم هبذا الكت اب حىت يعمل وا به وهي‬ ‫( َوُي َز ِّكي ِهم)‪ ،‬أي‪ :‬ي ِّ‬
‫التزكية‪.‬‬
‫‪37‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫ول ذلك ق ال أبو عب د ال رمحن اجلهين(‪ :)38‬ح دَّثنا من‬


‫ك ان يقرئنا من أص حاب النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪ ،‬أهنم‬
‫ك انوا يق رتئون من رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم عشر‬
‫آي ات‪ ،‬فال يأخ ذون يف العشر األخ رى حىت يعلم وا ما يف‬
‫هذه من العلم والعمل‪ ،‬قالوا‪ :‬فعلمنا العلم والعمل(‪.)39‬‬
‫فمهمة الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم البالغ اللفظي‬
‫واملعن وي‪ ،‬وقد ق ام مبهمة البالغ بش قيها خري قي ام‪ ،‬عليه‬
‫الصالة والسالم‪.‬‬

‫***‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪38‬‬

‫الفصــــل الــرابع‬
‫تفسير الصحابة للقرآن الكريم‬
‫إن أص حاب النيب ص لى اهلل عليه وس لم ك انوا عربً ا‪،‬‬
‫يعرفون بالسليقة معاين الكالم العريب‪ ،‬فبمجرد مساعهم الكالم‬
‫العريب يفقهون ه؛ ولذلك كان الكفار يف مكة يعرفون عموم‬
‫معاين الكالم العريب والقرآن‪ ،‬واهلل عز وجل يقول عن القرآن‪:‬‬
‫ان‬ ‫‪.‬‬
‫ك لَِت ُكو َن ِمن الم ِنذِرين بِِلس ٍ‬
‫َ ُ َ َ‬ ‫ين َعَلى قَلِب َ‬ ‫‪.‬‬
‫ِ‬
‫وح األم ُ‬
‫الر ُ‬ ‫(َنَز َل بِِه ُّ‬
‫َأرس َلنا‬
‫ين) [الشعراء‪ ،]195 -193 :‬وقال تعاىل‪َ ( :‬وَما َ‬ ‫َع َربِ ٍّي ُمِب ٍ‬
‫وم ِه) [إبراهيم‪ ،]4 :‬ومن هنا فإن العرب‬ ‫ان قَ ِ‬
‫ول ِإ َّال بِِلس ِ‬‫ِمن ر ُس ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫‪-‬حىت الكفار منهم‪ -‬فهموا القرآن من حيث اجلملة؛ ولذلك‬
‫ردوه حيث خالف أهواءهم‪.‬‬
‫‪39‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫أيض ا يفهم ون مع ىن‪" :‬ال إله إال اهلل"‪ ،‬فلمَّا‬ ‫وك انوا ً‬
‫مسعوا قوله ص لى اهلل عليه وس لم‪" :‬يا أيها الن اس‪ ،‬قول وا‬
‫ال إله إال اهلل"(‪ ،)40‬عرف وا أن معناها‪ :‬ال عبودية إال هلل‪،‬‬
‫فال معب ود حبق إال اهلل‪ ،‬وال أحد يس تحق العب ادة إال اهلل؛‬
‫ول ذلك رفض وها‪ ،‬وق الوا‪َ( :‬أجع ل الآلِه ةَ ِإلَه ا و ِ‬
‫اح ًدا ِإ َّن‬ ‫ََ َ َ ً َ‬
‫اب) [ص‪.]5:‬‬ ‫شيءٌ عُ َج ٌ‬
‫َه َذا لَ َ‬
‫إن اإلمام الشيخ حممد بن عبد الوهاب رمحه اهلل قارن‬
‫بني مس لمي ه ذا الزم ان ومش ركي األولني‪ ،‬فق ال‪ :‬إن‬
‫األولني ك انوا أعلم مبعىن "ال إله إال اهلل" ممن ينس بون إلى‬
‫اإلسالم يف هذا الزمان‪.‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪40‬‬

‫ف أبو جهل وأبو هلب يفهمون معانيها يف اللغة العربي ة‪،‬‬


‫لكن كث ًريا من املنتس بني إلى اإلس الم يف ه ذا العصر ومنذ‬
‫عصور يقولون‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬وال يفهمون منها حىت املعىن‬
‫ال ذي فهمه أبو جهل وأبو هلب‪ .‬يفهم كثري من املس لمني‬
‫معىن ال إله إال اهلل أي ال خ الق إال اهلل‪ ،‬ال رازق إال اهلل‪.‬‬
‫وه ذا ج زء من معناها‪ ،‬لكن املعىن األص لي ال ذي أنك ره‬
‫املشركون هو إفراد اهلل يف العبادة‪.‬‬
‫فالصحابة كانوا عربًا أقحاحاً‪ ،‬يفهمون معاين الكالم؛‬
‫ول ذلك فهم وا كث ًريا من الق رآن الك رمي مبج رد تالوة‬
‫الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم ل ه‪ ،‬كما أن الع ريب الي وم‬
‫يفهم بالس ليقة من الق رآن الك رمي أش ياء كثرية ال حيت اج‬
‫معها إىل الرجوع إلى كتب التفسري‪.‬‬
‫مسعت كالم اهلل تع اىل عن اجلنة‪،‬‬
‫َ‬ ‫ف أنت ‪-‬مثالً‪ -‬إذا‬
‫عن النار‪ ،‬عن الرسل‪ ،‬عن القرآن الكرمي‪ ،‬عن املواريث‪...‬‬
‫فهمت معناها مباشرة مبجرد مساعها‪ ،‬والصحابة رضي اهلل‬
‫أيضا وراء ذلك أشياء كثرية‪.‬‬
‫عنهم كانوا يفهمون ً‬
‫‪41‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫أسباب اختالف الصحابة في فهم القرآن الكريم‪:‬‬


‫فهما لكتاب اهلل‬
‫إن الصحابة الكرام كانوا أكثر الناس ً‬
‫عز وجل‪ ،‬ومع ذلك ف إهنم ك انوا يتف اوتون يف فهمهم‬
‫للق رآن الك رمي ألس باب كث رية؛ ول ذلك ك انوا يس ألون‬
‫الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم عن أش ياء من الق رآن مما‬
‫حيت اجون إلى بيانه‪ ،‬فيبينه هلم‪ ،‬ومن أس باب اختالفهم ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنهم ‪ -‬يف فهمهم للكتاب العزيز‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬تفاوتهم في مداركهم وعقولهم‪:‬‬


‫اىل‬ ‫إن اهلل تع‬ ‫ف‬
‫قس‬
‫َم بني اخللق أرزاقهم وأخالقهم وعق وهلم؛ فه ذا عقله كبري‬
‫عبقري نابغة‪ ،‬وآخر دون ذلك‪.‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪42‬‬

‫وأصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم كانوا يشرتكون‬


‫يف قدر من العلم بالقرآن‪ ،‬إال أن بعضهم كان يفوق بعضًا‬
‫يف ذلك‪.‬‬
‫عليا رضي اهلل عنه سئل‪ :‬هل عندكم‬ ‫ويف الصحيحني أن ًّ‬
‫ش يء من ال وحي إال ما يف كت اب اهلل؟ فق ال‪ " :‬وال ذي فلق‬
‫فهما يعطيه اهلل رج ًال يف‬
‫احلبة وب رأ النس مة‪ ،‬ما أعلمه إال ً‬
‫القرآن‪ ،‬وما يف هذه الصحيفة" ‪-‬إشارة إلى صحيفة َّ‬
‫معلقة يف‬
‫سيفه‪ ،-‬فقال السائل‪":‬وما يف هذه الصحيفة؟"‪ ،‬قال‪" :‬العقل‬
‫‪-‬يعين الديات‪ ،-‬وفكاك األسري‪ ،‬وأال يُقتل مسلم بكافر"(‪.)41‬‬
‫فهما يعطيه اهلل رج ًال يف الق رآن"‪ً ،‬إذا‬
‫والش اهد قوله‪" :‬إال ً‬
‫قد يُؤتى أحد الص حابة ‪-‬أو غ ريهم‪ -‬من الفهم ما مل يؤته‬
‫غريه‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫ويف الص حيح أن ابن عب اس رض ي اهلل عنهما وضع‬


‫للنيب ص لى اهلل عليه وس لم طه وره‪ ،‬فق ال‪" :‬من وضع‬
‫شابًا دون احلُلُم يف ذلك‬
‫هذا؟" قالوا‪" :‬ابن عباس"‪ ،‬وكان ّ‬
‫الوقت‪ ،‬ف ُأعجب النيب صلى اهلل عليه وسلم بعمله وذكائه‬
‫فقه هُ في ال دين‪ ،‬وعلمه‬ ‫وأدبه‪ ،‬ف دعا له ق ائالً‪" :‬اللهم ِّ‬
‫التأويل"(‪ ،)42‬فكان ابن عباس رض ي اهلل عنهما ال يشق له‬
‫غب ار يف فهمه لكت اب اهلل تع اىل‪ ،‬وله يف ذلك قصص‬
‫وأخب ار‪ ،‬لعل من أعجبها وأطرفها قص ته مع ن افع بن‬
‫األزرق اخلارجي‪.‬‬
‫وذلك أنه سأل ابن عباس عن أشياء كثرية يف كتاب اهلل‬
‫وجل‪،‬‬ ‫عز‬
‫ّ‬
‫وكل‬
‫َما أجابه ق ال‪ :‬هل تع رف ذلك الع رب يف كالمه ا؟ فيقول‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬مث يستشهد ابن عباس بأبيات من أبيات العرب‪ ،‬وهي‬
‫من حمفوظه‪ ،‬وهي عجب من العجب(‪.)43‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪44‬‬

‫ولتف اوهتم يف م داركهم جتد االختالف بينهم‪ ،‬فقد‬


‫اختلف الص حابة يف مع اين آي ات كث رية‪ ،‬وفهم بعض هم من‬
‫مع اين اآلي ات خالف ما ت دل عليه‪ ،‬كما س تأيت اإلش ارة إىل‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬اختالفهم في فهم اللغة العربية‪:‬‬
‫فإهنم وإن كانوا عربًا إال أهنم متفاوتون يف التوسع يف‬
‫فهم اللغة العربية‪ ،‬وألفاظها‪ ،‬ومعانيها‪.‬‬
‫ول ذلك ج اء يف تفسري الط ربي وغ ريه‪ :‬أن عمر بن‬
‫األرض‬
‫َ‬ ‫اخلط اب ق رأ ق ول اهلل تع اىل‪( :‬ثُ َّم َش َققنَا‬
‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬
‫َش ًّقا فََأنبَتنَ ا فِ َيه ا َحبًّا َو ِعنَبً ا َوقَض بًا َو َزيتُونً ا َونَخالً‬
‫‪.‬‬
‫َو َح َداِئ َق غُلبًا َوفَاكِ َهةً َوَأبًّا) [عبس‪ ،]31-26:‬فقال‪" :‬قد‬
‫عرفنا الفاكهة‪ ،‬فما األبّ؟"‪ ،‬مث رجع إىل نفسه وق ال‪:‬‬
‫"واهلل إن هذا هلو التكَُّلف ياعمر!"(‪.)44‬‬
‫األب‪ ،‬أي نوع من أنواع النباتات هو؟‬
‫فما كان يعرف ّ‬
‫(‪.) 45‬‬
‫‪45‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫ويف رواية‪ :‬أن أبا بكر رض ي اهلل عن ه س ئل عن ه ذه‬


‫اآلية‪ ،‬فق ال‪" :‬أي أرض تقلين‪ ،‬وأي مساء تظلين‪ ،‬إن قلت‬
‫يف كتاب اهلل تعاىل ما ال أعلم؟"(‪.)46‬‬
‫فك انوا يتف اوتون يف فهمهم للغة العربية‪ ،‬كما ك انوا‬
‫يتفاوتون يف فهمهم ملراد اهلل تعاىل باآلية‪.‬‬
‫وه ذا عدي بن ح امت رضي اهلل عنه ملَّا مسع ق ول اهلل‬
‫ض‬
‫ط األبيَ ُ‬
‫اشربُوا َحتَّى َيتََبيَّ َن لَ ُك ُم ال َخي ُ‬
‫تعاىل‪َ ( :‬و ُكلُ وا َو َ‬
‫ِم َن ال َخي ِط األس َو ِد ِم َن ال َفج ِر) [البق رة‪ ،]187:‬فهم أن‬
‫فلما ن ام وضع حتت وس ادته‬ ‫اخليط هو احلبل املع روف‪َّ ،‬‬
‫حبلني‪ :‬أحدمها أبيض واآلخر أسود‪ ،‬فلما قام لكي يتسحر‬
‫وضع اخليطني جبواره‪ ،‬وص ار يأكل وينظر حىت أس فر‪،‬‬
‫وصار يعرف األبيض من األسود‪.‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪46‬‬

‫فلمّ‬
‫َ ا أص بح غ دا إلى الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم وأخ ربه‬
‫ب اخلرب‪ ،‬فق ال له النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪" :‬إنما ذلك‬
‫س واد الليل وبياض النهار"(‪- )47‬اخليط األبيض هو النه ار‬
‫واخليط األسود هو الليل‪ ،-‬فإذا ب ان لك النهار ‪-‬يعين طلع‬
‫فأمسك‪.‬‬
‫الصبح‪ِ -‬‬
‫فه ذا من اختالفهم يف فهم م راد اهلل تع اىل؛ ألن اللغة‬
‫العربية حتتمل أن يك ون اخليط هو احلبل‪ ،‬وحيتمل أن يك ون‬
‫ي فهم األول‪،‬‬ ‫ار‪ ،‬فعد ٌّ‬ ‫ود هو الليل والنه‬ ‫املقص‬
‫بي‬ ‫ف‬
‫َن له الرسول عليه الصالة والسالم أن املراد هو املعىن الثاين‪،‬‬
‫وال شك أن بقية الصحابة مل يفهموا هذا املعىن الذي فهم ه‬
‫عدي؛ ولذلك مل يقعوا يف األمر الذي وقع فيه‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬اختالفهم في معرفة التواريخ واألحداث واألخبار‬
‫والعلوم األخرى التي يستفاد منها في فهم القرآن الكريم‪:‬‬
‫‪47‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫ويف ص حيح مس لم عن املغ رية بن ش عبة‪ :‬أن النيب ص لى‬


‫اهلل عليه وس لم بعثه إىل نص ارى جنران ي دعوهم إلى اإلس الم‬
‫ّ‬
‫ويعل‬
‫ِمهم‪ ،‬فك ان من ض من ما قرأ عليهم املغ رية بن ش عبة س ورة‬
‫ٍ‬
‫وء وما َكانَت ُُّأم ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‬ ‫امرَأ َس َ َ‬
‫ُأخت َه ُارو َن َما َكا َن َأبُوك َ‬
‫مرمي‪( :‬يَا َ‬
‫بَِغيًّا) [مرمي‪ ،]28 :‬فقال النصارى‪" :‬يا مغرية‪ ،‬كيف يقول‪ :‬يا‬
‫أخت هارون‪ ،‬ومرمي بينها وبني هارون قرون متطاولة؟!"‪.‬‬
‫فتحرَّي املغ رية رضي اهلل عنه ومل يس تطع أن جييبهم‪،‬‬
‫فج اء للنيب ص لى اهلل عليه وس لم وس أله‪ ،‬فق ال له النيب‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم‪" :‬ك انوا يس ّمون بأنبي ائهم‬
‫والص الحين قبلهم"(‪ ،)48‬فحلَّ له الإش كال‪ ،‬وبيَّن له أن‬
‫ه ارون املذكور يف اآلية ليس ه ارون أخ ا موسى؛ بل‬
‫ه ارون آخر مسوه عليه؛ ألهنم ك انوا يس مون بأمساء‬
‫األنبياء؛ ولذلك يكثر مثالً يف اليهود اسم موسى وهارون‪.‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪48‬‬

‫وال شك أن املغ رية لو ك ان يعلم ه ذا ملا س أل النيب‬


‫ص لى اهلل عليه وس لم عنه‪ ،‬لكن ملَّا س أله النص ارى وقع‬
‫عن ده الإش كال‪ ،‬فس أل عنه النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪،‬‬
‫فأجابه‪.‬‬

‫***‬
‫‪49‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫الفصـــل& الخــامس‬
‫أنواع بيان السنة للقرآن الكريم‬
‫إن الرسول صلى اهلل عليه وس لم قد بَّين يف سنته كل‬
‫ما حيتاج إىل بيانه من القرآن‪ ،‬وهل َّبينه كله أو بعضه؟‬
‫من العلم اء من يق ول‪ :‬مل ي بني الرس ول عليه الص الة‬
‫والس الم من الق رآن إال قليالً كما يق ول الس يوطي‪،‬‬
‫ويس تدلون حبديث م روي عن عائشة رض ي اهلل عنها‪" :‬أن‬
‫يفس ر ش يًئا من الق رآن‬
‫النيب ص لى اهلل عليه وس لم ك ان ال ِّ‬
‫برأيه إال آيًا بعدد"(‪ ،)49‬وهذا احلديث ال يصح‪ ،‬رواه البزار‬
‫وغريه وهو معل ول‪ ،‬يف إس ناده حممد بن جعفر الزب ريي‪،‬‬
‫وهو ضعيف ال يُحتج حبديثه‪.‬‬
‫ومن العلم اء من يق ول‪ :‬إن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫وسلم بيَّن القرآن كله‪ ،‬ومقصودهم بأنه َّبين ما حيتاج إىل‬
‫بيان‪ ،‬فهناك آيات ال حتتاج إىل بيان ألهنا بيِّنة بنفسها‪.‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪50‬‬

‫يقول ابن عباس رض ي اهلل عنهما ‪-‬كما ذكر الطربي‬


‫وغريه‪ :-‬التفسري أربعة أوجه‪:‬‬
‫وجه تعرفه العرب من كالمها‪ ،‬ف إذا قرئ على العرب‬
‫فإهنم يفهمونه‪.‬‬
‫وتفسري ال يُع ذر أحد جبهالت ه‪ ،‬وذلك كتفسري اآلي ات‬
‫يف األحكام والعقائد اليت حيتاج الناس إلى معرفتها‪.‬‬
‫وتفسري تعلمه العلماء‪ ،‬وهي املعاين اخلفية اليت اليفقهها‬
‫عامة الناس‪.‬‬
‫وتفسري ال يعلمه إال اهلل تعاىل‪.‬‬
‫فهذه أربعة أنواع من التفسري‪.‬‬
‫واخلالصة أن الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم قد بنَّي‬
‫كل ما حيتاج الناس إلى بيانه من القرآن الكرمي يف سنته‪.‬‬
‫وبش كل ع ام ف إن السنة النبوية تفسري للق رآن الك رمي‪،‬‬
‫وأنواع بيان السنة للقرآن على أربعة أضرب‪:‬‬
‫‪51‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫األول‪ :‬بيان القرآن بالقول (بالنص)‪:‬‬


‫وذلك ب أن ي بنِّي الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم الق رآن‬
‫دًّا‪ ،‬حىت‬ ‫ذا كثري ج‬ ‫ه‪ ،‬وه‬ ‫بقول‬
‫ّ‬
‫صن‬
‫َف فيه العلم اء مص نفات مس تقلة‪ ،‬مثل‪ :‬تفسري عبد بن‬
‫محيد(‪ ،)50‬وتفسري ابن مردويه(‪ ،)51‬وتفسري ابن أبي ح امت(‪،)52‬‬
‫وتفسري الط ربي(‪ ،)53‬ومجع الس يوطي من ذلك أش ياء طيبة يف‬
‫كتابه‪" :‬الدر املنثور يف التفسري باملأثور"(‪.)54‬‬
‫وكثري من كتب الس نة تف رد بابًا خاصًّا بالتفسري‪ ،‬فمث ًال‪:‬‬
‫(‪) 55‬‬
‫ول" البن األثري‬ ‫امع األص‬ ‫"ج‬
‫خص‬
‫تقريبا للم روي عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم يف‬ ‫َص جمل ًدا ً‬
‫تفسري الق رآن يف الكتب الس تة‪ ،‬وهي‪ :‬ص حيح البخ اري‪،‬‬
‫وص حيح مس لم‪ ،‬وس نن أبي داود‪ ،‬وس نن الرتم ذي‪ ،‬وس نن‬
‫النس ائي‪ ،‬وموطأ مالك‪ ،‬ومل يس تقص؛ بل ف َّرق بعض ها يف‬
‫مواضع أخرى‪ ،‬وهو قريب من جملد كامل‪.‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪52‬‬

‫وفس ر أشياء‬
‫إذًا فقد بنَّي الرسول صلى اهلل عليه وسلم َّ‬
‫كثرية من القرآن الكرمي بقوله ولفظه‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫أ‪ -‬ما ج اء يف الص حيحني عن كعب بن عج رة يف‬
‫تفسري قوله تع اىل‪( :‬فَ َمن َك ا َن ِمن ُكم َم ِر ً‬
‫يض ا َأو بِ ِه َأذًى‬
‫ك) [البق رة‪:‬‬ ‫ص ي ٍام َأو ص َدقَ ٍة َأو نُس ٍ‬‫ِ ِِ ِ ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫من َرأس ه فَفديَ ةٌ من َ‬
‫ك) حيتاج إلى‬ ‫ِ ِ‬
‫صي ٍام َأو ص َدقَ ٍة َأو نُس ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫‪ ،]196‬فقوله‪( :‬من َ‬
‫تفسري‪ ،‬فهو جممل‪ ،‬ما الصيام؟ ما مقداره؟ م ا الصدقة؟ ما‬
‫النسك؟‬
‫فحملت إىل‬ ‫ق ال كعب‪" :‬ك ان يب أذى من رأسي ُ‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي‪،‬‬
‫فق ال‪ :‬ما كنت أرى أن الجهد بلغ منك ما أرى‪ ،‬أتجد‬
‫ش اة؟ فقلت‪ :‬ال‪ ،‬فنـزلت ه ذه اآلي ة‪( :‬فَِفدي ةٌ ِمن ِ‬
‫ص يَ ٍام َأو‬ ‫َ‬
‫ك)‪ ،‬ق ال‪ :‬ص وم ثالثة أي ام‪ ،‬أو إطع ام س تة‬ ‫ص َدقٍَة َأو نُس ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫(‪)56‬‬
‫طعاما لكل مس كين" ‪.‬‬ ‫مس اكين‪ ،‬نصف ص اع ً‬
‫بي‬ ‫ف‬
‫َن عليه الصالة والسالم تفسري هذه اآلية يف هذا احلديث‪.‬‬
‫‪53‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫ك ال يَن َف ُع‬ ‫عض آي ِ‬


‫ات َربِّ َ‬ ‫ب‪ -‬قوله تعاىل‪( :‬ي ِ‬
‫وم يَأتي بَ ُ َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س بَت في‬ ‫آمنَت من قَب ُل َأو َك َ‬ ‫فس ا ِإ َ‬
‫يما ُن َه ا لَم تَ ُكن َ‬ ‫نَ ً‬
‫يمانِ َها َخ ًيرا) [األنعام‪.]158:‬‬
‫ِإ َ‬
‫بيَّنها رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ب أن ذلك حني‬
‫تطلع الش مس من مغرهبا‪ ،‬فق ال‪" :‬ال تق وم الس اعة ح تى‬
‫تطلع الش مس من مغربه ا‪ ،‬ف إذا طلعت من مغربها آمن‬
‫فس ا ِإ َ‬
‫يما ُن َه ا لَم‬ ‫الناس كلهم أجمعون‪ ،‬فيومئذ (ال يَن َف ُع نَ ً‬
‫يمانِ َها َخ ًيرا)"(‪.)57‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سبَت في ِإ َ‬ ‫بل َأو َك َ‬
‫آمنَت من قَ ُ‬ ‫تَ ُكن َ‬
‫ج‪ -‬ك ذلك ما ورد يف ص حيح مس لم عن عقبة بن‬
‫عامر رضي اهلل عنه قال‪" :‬مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وس لم وهو على املنرب يق ول‪( :‬و ِ‬
‫َأع ُّدوا لَ ُهم َم ا اس تَطَعتُم‬ ‫َ‬
‫ِمن ُق َّو ٍة)‪ ،‬أال إن الق وة ال رمي‪ ،‬أال إن الق وة ال رمي‪ ،‬أال‬
‫إن القوة الرمي"(‪.)58‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪54‬‬

‫ففس‬
‫َر القوة ب الرمي؛ واملراد الرمي بك ل شيء سواء كان بالسهام‬
‫كما يف وقتهم‪ ،‬أو باملدفعية والط ائرات والص واريخ يف وقتنا‬
‫هذا‪.‬‬
‫د ‪ -‬ما جاء يف الصحيحني من حديث عائشة رضي اهلل‬
‫عنه ا أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪" :‬ليس أحد‬
‫يحاسب ي وم القيامة إال هلك"‪ ،‬فق الت عائشة رضي اهلل‬
‫عنه ا‪" :‬يا رس ول اهلل‪ ،‬أليس قد ق ال اهلل تع اىل‪( :‬فَ ََّأما َمن ُأوتِ َي‬
‫ب ِح َسابًا يَ ِس ًيرا)؟" فقال رسول اهلل‬ ‫اس ُ‬ ‫‪.‬‬
‫ِكَتابَُه بَِي ِم ِينِه فَ َس َ‬
‫وف يُ َح َ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬إنما ذلك العرض‪ ،‬وليس أحد يناقش‬
‫الحساب يوم القيامة إال ُع ِّذب"(‪.)59‬‬
‫ف بيَّن ص لى اهلل عليه وس لم أن املقص ود باحلس اب‬
‫رض على العبد أعماله وذنوبه وال‬ ‫اليسري‪ ،‬هو أن تع‬
‫وإال لو نوقش احلساب عُ ِّذب‪.‬‬
‫يناقش فيها‪َّ ،‬‬
‫‪55‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫هـ ‪ -‬وما ج اء يف الص حيحني من ح ديث ال رباء‪ ،‬يف‬


‫ت‬‫ول الثَّابِ ِ‬
‫آمنُ وا بِ ال َق ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َ‬
‫ت اهلل الذ َ‬ ‫تفسري قوله تعاىل‪ُ ( :‬يثَبِّ ُ‬
‫الدنيَا َوفِي الآ ِخ َر ِة)‪.‬‬
‫الحيَ ِاة ُّ‬
‫في َ‬
‫ِ‬
‫قال صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬إذا ُأقعد المؤمن في قبره‪،‬‬
‫ُأتي‪ ،‬ثم ش هد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن محم دا رس ول اهلل‪،‬‬
‫ول الثَّابِ ِ‬
‫ت)"(‪.)60‬‬ ‫آمنُوا بِال َق ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َ‬
‫ت اهلل الذ َ‬
‫فذلك قوله‪ُ ( :‬يثَبِّ ُ‬
‫وأمثلة ذلك كثرية جدًّا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ما جاء في السنة النبوية استنباطًا واستقراء‬
‫من القرآن الكريم‪:‬‬
‫أحيانًا تك ون املع اين ال واردة يف النص وص النبوية تفص ي ًال‬
‫ملعاين آيات الكتاب العزيز‪ ،‬وهذا الضرب لطيف‪ ،‬فتأيت إىل‬
‫معىن جاء يف السنة فتستخرج من القرآن ما يدل عليه‪ ،‬وهذا‬
‫أسلوب لطيف ُعين به احلافظ ابن كثري يف تفسريه‪.‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪56‬‬

‫وبعض طلب ة العلم يف ه ذا العصر حياولون أن جيمع وا‬


‫مستخرجا‬
‫ً‬ ‫كتابًا يشمل كل ما ورد يف السنة النبوية مما يعترب‬
‫من الق رآن الك رمي اس تنباطًا من النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪،‬‬
‫ومن لطيف ذلك‪:‬‬
‫أ ‪ -‬قوله ص لى اهلل عليه وس لم ‪-‬كما يف الص حيح‪:-‬‬
‫"أق رب ما يك ون العبد من ربه وهو س اجد"(‪ ،)61‬ففي‬
‫الق رآن الك رمي آية ت دل على ه ذا املعىن‪ ،‬وهي قوله تع اىل‪:‬‬
‫اسجد َواقتَ ِرب) [العلق‪.]19:‬‬ ‫ِ‬
‫( َكالَّ ال تُطعهُ َو ُ‬
‫أيض ا قوله ص لى اهلل عليه وس لم ‪-‬كما يف‬‫ب‪ً -‬‬
‫ص حيح مس لم‪" :-‬إذا دخل الرجل بيت ه‪ ،‬ف ذكر اهلل عند‬
‫دخوله وعند طعام ه‪ ،‬ق ال الش يطان‪ :‬ال م بيت لكم وال‬
‫عش اء‪ ،‬وإذا دخل فلم ي ذكر اهلل عند دخول ه‪ ،‬ق ال‬
‫الش يطان‪ :‬أدركتم الم بيت‪ ،‬وإذا لم ي ذكر اهلل عند‬
‫طعامه‪ ،‬قال‪ :‬أدركتم المبيت والعشاء"(‪.)62‬‬
‫‪57‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫فاآلية اليت ت دل على ه ذا املعىن هي قوله تع اىل‪:‬‬


‫كو ِ‬
‫َأجلب َعلَي ِهم‬ ‫عت ِم ُنهم بِ ِ‬
‫( َواس تَف ِزز َم ِن اس تَطَ َ‬
‫ص وت َ َ‬ ‫َ‬
‫دهم)‬ ‫ِ ِ‬ ‫األمو ِال َو‬ ‫ك و َش ا ِر ِ‬ ‫بِ َخ ِيل َ ِ ِ‬
‫األوالد َوع ُ‬ ‫كهم في َ‬ ‫ُ‬ ‫ك َو َرجل َ َ‬
‫[اإلس راء‪ ،]64:‬فمن مش اركته يف األم وال‪ ،‬أن يأكل‬
‫الشيطان ويشرب وينام معك‪ ،‬إذا مل تذكر اهلل تعاىل‪.‬‬
‫أيض ا قوله ص لى اهلل عليه وس لم ي وم األح زاب‪:‬‬ ‫ج‪ً -‬‬
‫"شغلونا عن الصالة الوسطى صالة العصر‪ ،‬مأل اهلل بيوتهم‬
‫وقب ورهم ن ارًا"(‪ ،) 63‬واحلديث نفسه ج اء يف ص حيح مس لم‬
‫عن ابن مسعود(‪ ،)64‬فكأن احلديث تفسري للصالة الوسطى‬
‫الص ِ‬
‫الة‬ ‫ات َو َّ‬‫الص لَو ِ‬ ‫ِ‬
‫ال واردة يف قوله تع اىل‪َ ( :‬ح افظُوا َعلَى َّ َ‬
‫الوسطَى) [البقرة‪.]238:‬‬ ‫ُ‬
‫ويف القرآن الكرمي آية تدل على هذا وهي قوله تعاىل‪:‬‬
‫َأيم انُ ُكم‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َملَ َكت َ‬ ‫آمنُ وا ليَس تَأذن ُك ُم الذ َ‬
‫ين َ‬‫(يَ ا َُّأي َه ا الذ َ‬
‫ات ِمن قَب ِل‬ ‫الث م َّر ٍ‬ ‫ِ‬
‫الحلُ َم من ُكم ثَ َ َ‬ ‫ين لَم يَبلُغُ وا ُ‬
‫َّ ِ‬
‫َوالذ َ‬
‫ضعو َن ثِياب ُكم ِمن الظَّ ِهير ِة و ِمن ب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عد‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ين تَ َ ُ َ َ‬ ‫صالة ال َفج ِر َوح َ‬ ‫َ‬
‫شاء) [النور‪.]58:‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صالة ِ‬
‫الع َ‬ ‫َ‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪58‬‬

‫وميكن أن يستأنس هبذه اآلية على أن الرسول صلى اهلل‬


‫عليه وس لم فهم أن الص الة الوس طى هي ص الة العصر من‬
‫الق رآن الك رمي‪ ،‬فه ذه اآلية ت دل على أن األوق ات تبت دئ‬
‫ب الفجر وتنتهي بالعش اء… إ ًذا يك ون ال وقت األوسط هو‬
‫العصر‪ ،‬وقبله الفجر والظهر‪ ،‬وبعده املغرب والعشاء‪ ،‬فقد بدأ‬
‫الة الَفج ِر)‪ ،‬وانتهى بقول ه‪( :‬وِمن ب ِ‬
‫عد‬ ‫اهلل تعاىل بقوله‪( :‬قَ ِبل ص ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫الع َش ِاء)‪ ،‬فأول األوقات هو الفجر وآخرها العشاء‪.‬‬ ‫ص ِ‬
‫الة ِ‬
‫َ‬
‫ول ذلك ك ان مس لك بعض الفقه اء وكثري من‬
‫ّ‬
‫احملد‬
‫ِثني يف ذكر املواقيت يف كتب الفقه‪ ،‬أن يب دأوا مبيق ات‬
‫صالة الفجر‪ ،‬مث الظهر‪ ،‬مث العصر‪ ،‬مث املغرب‪ ،‬مث العشاء‪.‬‬
‫د – ومنه أن بني س لمة ‪-‬وهم حي من األنص ار‪-‬‬
‫أرادوا أن يتحولوا مبنازهلم قرب مسجد رسول اهلل – صلى‬
‫فلما علم بذلك النىب صلى اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫اهلل عليه وسلم‪َّ ،‬‬
‫(‪)65‬‬
‫ق ال‪" :‬يا ب ني س لمة‪ ،‬دي اركم تكتب آث اركم" ‪ ،‬يع ين‪:‬‬
‫الزموا دياركم وابقوا فيها‪.‬‬
‫‪59‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫وكأنه صلى اهلل عليه وسلم كره أن خيلوا أحناء املدينة‪،‬‬


‫وأحب أن يك ون أهل اخلري منتشرين يف البلد‪ ،‬وال يكون ون‬
‫موجودين فقط حول املسجد‪ ،‬وختلو بقية األحياء عنهم‪.‬‬
‫وقد يك ون ص لى اهلل عليه وس لم فهم ذلك واس تنبطه‬
‫ب َم ا قَ َّد ُموا‬ ‫حن نُحيِي َ‬
‫الموتَى َونَكتُ ُ‬ ‫من قوله تعاىل‪ِ( :‬إنَّا نَ ُ‬
‫َوآثَ َار ُهم) [يس‪ ،]12:‬فمن اآلث ار اليت تُكتب خطى‬
‫اإلنسان إىل املسجد ذهابًا وإيابًا‪.‬‬
‫أيض ا قوله ص لى اهلل عليه وس لم ‪" :-‬ال يمس‬
‫هـ‪ً -‬‬
‫الق رآن إال ط اهر"(‪ ،)66‬واحلديث حسن بمجم وع طرقه‬
‫وله ما يشهد له‪ ،‬واملقصود بالطاهر على الراجح من أقوال‬
‫أهل العلم الطاهر من احلدثني األكرب واألصغر‪.‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪60‬‬

‫فقد يك ون الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم اس تنبط ذلك‬


‫‪.‬‬ ‫اب مكنُ ٍ‬
‫ون ال‬ ‫يم في كَت ٍ َ‬ ‫‪.‬‬
‫من قوله تع اىل‪ِ( :‬إنَّهُ لَُق رآ ٌن َك ِر ِ ِ‬
‫ٌ‬
‫ين) [الواقعة‪-77 :‬‬ ‫ِ‬
‫الع الَم َ‬
‫ب َ‬ ‫يل ِمن َر ِّ‬ ‫‪.‬‬
‫المطَهَُّرو َن تَن ِز ٌ‬ ‫س هُ ِإالَّ ُ‬
‫يَ َم ُّ‬
‫يم) كل ما بعده وصف له‪ ،‬فهو‬ ‫‪ ،]80‬فقوله‪ِ( :‬إنَّهُ لَُقرآ ٌن َك ِر ٌ‬
‫اب مكنُ ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫س ُه ِإ َّال ُ‬
‫المطَهَُّرو َن)‪ ،‬وهو‬ ‫ون)‪ ،‬وهو (ال يََم ُّ‬ ‫(في كَت ٍ َ‬
‫ين)؛ ول ذلك اس تدل أهل العلم على‬ ‫ب َ ِ‬
‫الع الَم َ‬ ‫(تَن ِزي ٌل ِمن َر ِّ‬
‫حترمي مس املصحف لغري املتوضئ بهذه اآلية‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬بيان أسباب نزول القرآن الكريم‪:‬‬
‫وال شك أن من يعلم سبب نزول القرآن يكون أقدر‬
‫على فهم اآلي ات‪ ،‬وربطها بس بب النـزول‪ ،‬ومعرفة على‬
‫أي وجه ُأنزلت‪ ،‬وأضرب على ذلك بعض األمثلة‪:‬‬
‫‪61‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫أ‪ -‬ما رواه البخ اري ومس لم يف ص حيحيهما عن‬


‫الزه ري عن ع روة بن الزبري أنه ق ال‪" :‬س ألت عائشة رضي‬
‫اهلل عنه ا‪ ،‬فقلت هلا‪ :‬أرأيت ق ول اهلل تع اىل‪ِ( :‬إ َّن َّ‬
‫الص َفا‬
‫ِئ‬ ‫والم ِ‬
‫اح‬ ‫يت َأ ِو َ‬
‫اعت َم َر فَال ُجَن َ‬ ‫روَة من َش َعا ِر اهلل فَ َمن َح َّج َ‬
‫الب َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ف بِِه َما) [البقرة‪ ،]158 :‬فواهلل ما على أحـد جناح‬ ‫َعلَ ِيه َأن يَطََّّو َ‬
‫ال يطُ وف بالص فا واملروة‪ ،‬ق الت‪ :‬بئس ما قلت يا‬ ‫أن‬
‫ابن أخ يت‪ ،‬إن ه ذه لو ك انت كما َّأولتها علي ه‪ ،‬ك انت‪ :‬ال‬
‫جن اح عليه أن ال يتطوف هبما‪ ،‬ولكنها ُأن زلت يف األنصار‪،‬‬
‫يهلون ملناة الطاغية‪ ،‬اليت كانوا يعبدوهنا‬ ‫كانوا قبل أن يسلموا ُّ‬
‫أهل يتحرج أن يطوف بالصفا واملروة‪،‬‬ ‫عند امل َشَّلل‪ ،‬فكان من َّ‬
‫ُ‬
‫فلما أسلموا سألوا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن ذلك‪،‬‬
‫ق الوا‪ :‬يا رس ول اهلل‪ ،‬إنا كنا نتح رج أن نط وف بني الص فا‬
‫روَة ِمن َش َعاِئِر اهلل)‬
‫الم َ‬ ‫واملروة‪ ،‬ف أنزل اهلل تع اىل‪ِ( :‬إ َّن َّ‬
‫الص َفا َو َ‬
‫اآلية‪.‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪62‬‬

‫ق الت عائشة رضي اهلل عنه ا‪ :‬وقد س َّن رس ول اهلل‬


‫صلى اهلل عليه وسلم الطواف بينهما‪ ،‬فليس ألحد أن يرتك‬
‫الطواف بينهما‪.‬‬
‫أخربت أبا بكر بن عبد الرمحن فقال‪ :‬إن هذا لعلم ما‬‫ُ‬ ‫مث‬
‫مسعت رج ا ًال من أهل العلم ي ذكرون‪ :‬أن‬
‫كنت مسعتُه‪ ،‬ولقد ُ‬
‫الن اس ‪-‬إال من ذك رت عائش ُة ممن ك ان يهل مبن اة‪ -‬ك انوا‬
‫يطوف ون كلهم بالص فا واملروة‪ ،‬فلما ذكر اهلل تع اىل الط واف‬
‫ب البيت ومل ي ذكر الص فا واملروة يف الق رآن‪ ،‬ق الوا‪ :‬يا رس ول‬
‫اهلل‪ ،‬كنا نط وف بالص فا واملروة‪ ،‬وإن اهلل أن زل الط واف‬
‫ب البيت فلم ي ذكر الص فا‪ ،‬فهل علينا من ح رج أن نط وف‬
‫بالص فا واملروة؟ ف أنزل اهلل تع اىل‪( :‬إن الص فا والم روة من‬
‫شعائر اهلل) اآلية‪.‬‬
‫‪63‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫فأمسع ه ذه اآلية ن زلت يف الف ريقني‬


‫ق ال أبو بك ر‪ُ :‬‬
‫كليهم ا؛ يف ال ذين ك انوا يتحرج ون أن يطوف وا باجلاهلية‬
‫بالص فا واملروة‪ ،‬وال ذين يطوف ون مث حترج وا أن يطوف وا هبما‬
‫يف اإلسالم‪ ،‬من أجل أن اهلل تعاىل أمر بالطواف بالبيت ومل‬
‫ي ذكر الص فا‪ ،‬حىت ذكر ذلك بعد ما ذكر الط واف‬
‫بالبيت"(‪.)67‬‬
‫إذن اآلية ن زلت ألم رين‪ :‬األول‪ :‬لتق ول لألنص ار‪:‬‬
‫طوف وا بني الص فا واملروة خالفًا ملا كنتم تفعلونه يف‬
‫هلون ملناة‪.‬‬
‫اجلاهلية يوم أن كنتم ُت ُّ‬
‫والث اين‪ :‬لتق ول للمه اجرين ولس ائر املس لمني‪ :‬طوف وا‬
‫بالص فا واملروة وإن كنتم تطوف ون هبما يف اجلاهلية؛ ألن‬
‫هذا من شعائر اهلل‪ ،‬وليس من عادات اجلاهلية‪.‬‬
‫بب النـزول هاهنا‬ ‫فمعرفة س‬
‫بي‬ ‫ت‬
‫شافيا‪.‬‬
‫ِن معىن اآلية بيانًا ً‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪64‬‬

‫ال‬
‫اح َأن تَ َبتغُ وا فَض ً‬
‫يس َعلَي ُكم ُجَن ٌ‬
‫ب‪ -‬قوله تع اىل‪( :‬لَ َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شع ِر‬ ‫من َربِّ ُكم فَِإ َذا َأفَضتُم من َعَرفَات فَاذ ُكُروا اهلل عن َد َ‬
‫الم َ‬
‫الح َر ِام) [البق رة‪ ،]198 :‬ما هو املقص ود بالفضل؟ حيتمل أن‬ ‫َ‬
‫يكون هو الذكر‪ ،‬والدعاء‪ ،‬واألجر‪ ...‬واآلية شاملة جامعة‬
‫هلذا كله‪ ،‬لكن من معاين الفضل التجارة يف احلج‪.‬‬
‫وقد ج اء عن ابن عب اس رض ي اهلل تع اىل عنهما أنه‬
‫ق ال‪ :‬ك انت عك اظ وجمنة وذو اجملاز أس واقًا يف اجلاهلي ة‪،‬‬
‫اح‬
‫يس َعلَي ُكم ُجنَ ٌ‬ ‫مَّث‬
‫فت أ وا أن يتَّجروا يف املواسم‪ ،‬فنـزلت‪( :‬لَ َ‬
‫َأن تَ َبتغُ وا فَض الً ِمن َربِّ ُكم) يف مواسم احلج"(‪ ،)68‬أي ليس‬
‫عليهم جن اح أن ي ذهبوا للحج ويت اجروا فيه‪،‬‬
‫بي‬ ‫ف‬
‫َن سببُ النـزول معىن اآلية‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫س َعلَى التَّق َوى ِمن‬ ‫ُأس َ‬‫ج‪ -‬قوله تع اىل‪( :‬لَ َمس ِج ٌد ِّ‬
‫ال يُ ِحبُّو َن َأن‬
‫وم فِي ِه فِي ِه ِر َج ٌ‬ ‫ٍ‬
‫ََّأو ِل يَ وم َ‬
‫َأح ُّق َأن َت ُق َ‬
‫ين) [التوبة‪ ،]108:‬ما‬ ‫المطَّ ِّه ِر َ‬
‫ب ُ‬ ‫َّروا َواهلل يُ ِح ُّ‬
‫َيتَطَه ُ‬
‫املقصود بالتطهر؟‬
‫ثبت عند أيب داود والرتم ذي وابن ماجة من ح ديث‬
‫أبي هريرة رضي اهلل عنه‪ ،‬وهو حديث صحيح بمجموع‬
‫طرق ه‪ ،‬أن ه ذه اآلية ن زلت يف أهل قب اء‪ ،‬ق ال‪" :‬ك انوا‬
‫يس تنجون باملاء"(‪ ،)69‬يعني‪ :‬يس تخدمون املاء يف‬
‫االستنجاء‪.‬‬
‫ويف رواية عند البزار‪" :‬أهنم ك انوا يتبع ون احلج ارة‬
‫باملاء"(‪ ،)70‬وه ذه رواية ض عيفة ج دًّا‪ .‬فلم يكون وا يتبع ون‬
‫احلجارة باملاء‪ ،‬يعين يستنجون باحلجارة مث املاء؛ بل كانوا‬
‫يستنجون باملاء ال باحلجارة‪.‬‬
‫د‪ -‬قوله تع اىل‪( :‬ي وم يس حبو َن ِفي النَّا ِر َعَلى وج ِ‬
‫وهِهم‬ ‫ُُ‬ ‫َ َ ُ َُ‬
‫يء َخَل َقن ُاه بَِق َدٍر) [القمر‪.]49 ،48 :‬‬ ‫‪.‬‬
‫س سَقر ِإنَّا ُك َّل َش ٍ‬
‫ُذوقُوا َم َّ َ َ‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪66‬‬

‫هذه اآلية يستدل هبا أهل السنة واجلماعة على إثبات‬


‫القدر‪ ،‬وأن كل شيء بقدر‪ ،‬أي بقضاء من عند اهلل تعاىل‪،‬‬
‫وقد رأيت بعض من ينكر ذلك‪ ،‬يق ول‪ :‬إن معىن اآلية‬
‫خلقن اه بق در‪ ،‬يعني مق درًا مفصالً مناس بًا ألوانه وزمانه‪،‬‬
‫أيض ا‬
‫وال م انع ب أن يك ون ه ذا جزءًا من معىن اآلية‪ ،‬لكن ً‬
‫بقدر يعني‪ :‬مكتوب عند اهلل تعاىل‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ومن ذل ك‪ :‬البحر احمليط أليب حي ان‪ ،‬والكش اف‬
‫للزخمشري‪ ،‬والبسيط للواحدي‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬أحكام القرآن للجصاص‪ ،‬وأحكام القرآن‬
‫البن العريب‪ ،‬واجلامع ألحكام القرآن للقرطيب‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬جامع البيان للطربي‪ ،‬والكشف والبيان عن‬
‫تفسري الق رآن للثع اليب‪ ،‬ومع امل التنـزيل للبغ وي‪ ،‬وتفسري‬
‫القرآن العظيم البن كثري‪.‬‬
‫‪67‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫والذي يفصل يف هذا ويبيِّن املعىن الصحيح للقدر‪ ،‬ما‬


‫رواه مسلم يف صحيحه عن أبي هريرة قال‪" :‬جاء مشركو‬
‫ق ريش خياص مون رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم يف‬
‫الق در‪ ،‬فنـزلت‪( :‬ي وم يس حبو َن فِي النَّا ِر َعلَى وج ِ‬
‫وه ِهم‬ ‫ُُ‬ ‫َ َ ُ َُ‬

‫هو أبو احلسن عبد اجلب ار بن أمحد بن عبد اجلب ار ابن‬ ‫‪27‬‬

‫أمحد بن اخلليل اهلم داين األس رباذي الش افعي‪ ،‬ش يخ‬
‫املعتزل ة‪ .‬ت ويف س نة ( ‪)415‬هـ‪ .‬انظ ر‪ :‬طبق ات املفس رين‬
‫للسيوطي ص ‪.60 ،59‬‬
‫‪28‬‬
‫ويسمى تنـزيه القرآن عن املطاعن‪ ،‬وجند فيه تأثر مؤلفه‬
‫العظيم مبذهبه االعتزايل‪ ،‬فال يكاد مير بآية تعارض مذهبه‬
‫إال صرفها عن ظاهرها‪ ،‬ومال هبا إىل ناحية مذهبه‪.‬‬
‫أبو القاس م‪ ،‬حمم ود بن عمر بن حممد بن عمر‬ ‫‪29‬‬

‫اخلوارزمي‪ ،‬اإلمـام احلنفي املعتزيل‪ ،‬امللقَّب جبار اهلل‪ ،‬تويف‬


‫سنة ( ‪)538‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬طبقات املفسرين للسيوطي ص‬
‫‪.121 ،120‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪68‬‬

‫يء َخلَقنَاهُ بَِق َد ٍر)"(‪.)71‬‬ ‫‪.‬‬


‫س س َقر ِإنَّا ُك َّل َش ٍ‬
‫ذُوقُوا َم َّ َ َ‬
‫الرابع‪ :‬بيان القرآن بالفعل‪:‬‬

‫‪30‬‬
‫وه ذا التفسري (الكش اف) حمشو بالبدع ة‪ ،‬وعلى طريقة‬
‫املعتزلة من إنكار الصفات والرؤية‪ ،‬والقول خبلق القرآن‪،‬‬
‫وإنك ار أن اهلل تع اىل مريد للكائن ات‪ ،‬وخ الق ألفع ال‬
‫العباد‪ ،‬وغري ذلك من أصول املعتزلة‪.‬‬
‫ومع ذلك فهو تفسري مل يُس بق إلي ه؛ ملا أب ان فيه من‬
‫وجوه اإلعجاز يف غري ما آية من القرآن‪ ،‬وملا أظهر فيه‬
‫من مجال النظم القرآين وبالغته‪.‬‬
‫أبو عبد اهلل‪ ،‬حممد بن عمر بن احلسني بن احلسن بن‬ ‫‪31‬‬

‫علي‪ ،‬اإلم ام فخر ال دين ال رازي القرشي البك ري‪،‬‬


‫املفس ر املتكلّم‪ .‬ت ويف س نة ( ‪)606‬هـ‪ .‬انظ ر‪:‬‬
‫الش افعي ّ‬
‫طبقات املفسرين للسيوطي ص ‪.115‬‬
‫‪69‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫قال بعض األئمة املهتدين يف هذا العصر ‪-‬ملَّا سئل عن‬


‫تفسري الق رآن‪ :-‬أعظم كت اب يُفهم منه تفسري الق رآن هو‬
‫سرية النيب صلى اهلل عليه وسلم؛ لأن سرية النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم عبارة عن ترمجة عملية للقرآن الكرمي‪ ،‬بأقواله‪،‬‬

‫‪32‬‬
‫تفسريه‬
‫ويسمى مفاتيح الغيب‪ ،‬قال السيوطي‪" :‬وقد مأل َ‬
‫‪-‬أي ال رازي‪ -‬ب أقوال احلكم اء والفالس فة وش بهها‪،‬‬
‫وخرج من شيء إىل شيء؛ حىت يقضي الناظر العجب‬
‫من ع دم مطابقة املورد لآلية‪ ،‬ق ال أبو حي ان يف البح ر‪:‬‬
‫مجع اإلم ام ال رازي يف تفس ريه أش ياء كث رية طويلة ال‬
‫حاجة هبا يف علم التفس ري؛ ول ذلك ق ال بعض العلم اء‪:‬‬
‫فيه كل شيء إال التفسري!"‪ .‬انظر‪ :‬اإلتقان ( ‪.)2/501‬‬
‫‪33‬‬
‫أيض ا‪ :‬تفسري الق رآن العظيم‬
‫ومن تفاسري الص وفية ً‬
‫للتسرتي‪ ،‬وعرائس البيان يف حقائق القرآن للشريازي‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫أخرجه البخ اري ( ‪ ،)5002‬ومس لم ( ‪ ،)3463‬عن‬
‫ابن مسعود رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪70‬‬

‫وأفعاله‪ ،‬وتقريراته عليه الصالة والسالم‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫املوطأ ( ‪.)477‬‬
‫‪17‬‬
‫واملفس رين‪ ،‬أبو‬
‫جماهد بن ج رب‪ ،‬اإلم ام ش يخ الق راء ِّ‬
‫احلج اج املكي األس ود م وىل الس ائب بن أيب الس ائب‬
‫‪71‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫ولذلك ملا سئلت عائشة رضي اهلل عنه ا عن خلقه صلى‬


‫اهلل عليه وس لم‪ ،‬ق الت‪" :‬ف إن خلق نيب اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫(‪) 72‬‬
‫أيضا يف حديث ه الطويل‬
‫وسلم كان القرآن" ويقول جابر ً‬
‫ول اهلل‬
‫يف س ياق حجة النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪" :-‬ورس ُ‬

‫املخزومي القارئ‪ ،‬روى عن ابن عباس فأكثر وأطاب‪،‬‬


‫وعنه أخذ الق رآن والتفسري والفق ه‪ ،‬ت ويف وهو س اجد‬
‫سنة ( ‪)104‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬سري أعالم النبالء ( ‪-449/ 4‬‬
‫‪.)456‬‬
‫‪18‬‬
‫انظر‪ :‬تفسري ابن كثري ( ‪.)1/6‬‬
‫قت ادة بن دعامة بن قت ادة بن عزي ز‪ ،‬وقي ل‪ :‬قت ادة بن‬ ‫‪20‬‬

‫املفس رين‬
‫دعامة ابن عكاب ة‪ ،‬حافظ العص ر‪ ،‬ق دوة ِّ‬
‫واحملدِّثني‪ ،‬أبو اخلط اب السدوسي البص ري الض رير‬
‫األكم ه‪ ،‬ك ان من أوعية العلم وممن يض رب به املثل يف‬
‫قوة احلفظ‪ .‬قال معمر‪ :‬مسعت قتادة يقول‪ :‬ما يف القرآن‬
‫آية إال وقد مسعت فيها ش يًئا‪ .‬وك ان رمحه اهلل خيتم‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪72‬‬

‫ص لى اهلل عليه وس لم بني أظهرنا‪ ،‬وعليه ينـزل الق رآن‪ ،‬وهو‬


‫يعرف تأويله‪ ،‬وما عمل به من شيء عملنا به"(‪ ،)73‬يعين يف‬
‫احلج وغري احلج‪.‬‬

‫القرآن يف سبع‪ ،‬وإذا جاء رمضان ختم يف كل ثالث‪،‬‬


‫فإذا جاء العشر ختم كل ليلة‪ .‬قال أمحد بن حنبل‪ :‬كان‬
‫قتادة عاملا بالتفســري وباختالف العلماء‪ .‬تويف بواسط ســنة‬
‫ً‬
‫( ‪)117‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬سري أعالم النبالء (‪)282 -269 / 5‬‬
‫عكرمة احلرب العامل أبو عبد اهلل الرببري مث املدين اهلامشي‪،‬‬ ‫‪21‬‬

‫موىل ابن عباس‪ .‬قال عكرمة‪ :‬طلبت العلم أربعني سنة‪،‬‬


‫وك ان ابن عب اس يضع الكبل يف رجلي على تعليم‬
‫الق رآن والس نن‪ ،‬وعن الش عيب ق ال‪ :‬ما بقي أحد أعلم‬
‫بكت اب اهلل من عكرم ة‪ ،‬وك ان احلسن إذا ق دم عكرمة‬
‫رة أمسك عن التفسري والفتيا ما دام عكرمة‬ ‫البص‬
‫بالبص رة‪ .‬م ات رمحه اهلل باملدينة س نة ( ‪)107‬هـ‪ .‬انظ ر‪:‬‬
‫‪73‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫ومن أمثلة أعم ال الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم اليت‬


‫هي تفسري للقرآن‪:‬‬
‫الم‪ ،‬فقد‬ ‫الة والس‬ ‫الته عليه الص‬ ‫أ ‪-‬ص‬
‫صل‬
‫ّ‬
‫َى وق ال‪" :‬ص لوا كما رأيتم وني أص لي"(‪ ،)74‬فالص الة كلها‬
‫داخلة حتت قوله تع اىل‪َ ( :‬و َِأق ُيم وا َّ‬
‫الص الَة) [البق رة‪،]43 :‬‬

‫تذكرة احلفاظ ( ‪.)96 ،1/95‬‬


‫‪22‬‬
‫الس دي إمساعيل بن عبد ال رمحن بن أيب كرمية اإلم ام‬ ‫ُّ‬
‫املفس ر‪ ،‬أبو حممد احلج ازي مث الك ويف األع ور الس دي‪،‬‬
‫ِّ‬
‫أحد م وايل ق ريش‪ .‬ق ال إمساعيل بن أيب خال د‪ :‬ك ان‬
‫الس دي أعلم ب القرآن من الش عيب رمحهما اهلل‪ ،‬وم َّر‬
‫ليفس ر‬
‫يفس ر‪ ،‬فق ال‪ :‬إنه ِّ‬
‫إب راهيم النخعي بالس دي وهو ِّ‬
‫تفسري الق وم‪ .‬م ات س نة ( ‪)127‬هـ‪ .‬انظ ر‪ :‬سري أعالم‬
‫النبالء ( ‪.)265 ،5/264‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪74‬‬

‫وصالته تفسري هلذه اآلية‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫أخرجه ابن س عد يف الطبق ات ( ‪ ،)2/395‬وابن أيب‬
‫شيبة ( ‪ ،)30287‬وأمحد يف فضائل الصحابة ( ‪1867‬‬
‫)‪ ،‬والدارمي ( ‪ ،)1160‬والطربي يف التفسري ( ‪2/395‬‬
‫)‪ ،‬واحلاكم يف املستدرك ( ‪ ،)3105‬وأبو نعيم يف احللية‬
‫( ‪ ،)3/279‬عن جماهد رمحه اهلل‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫اشتهر بالتفسري من التابعني كثريون‪ ،‬فمنهم‪:‬‬
‫‪ -‬أهل مك ة‪ :‬وهم أتب اع ابن عب اس‪ ،‬كمجاه د‪،‬‬
‫وعكرمة‪ ،‬وعطاء بن أيب رباح‪.‬‬
‫أيب بن كعب‪ ،‬كزيد بن‬
‫‪ -‬أهل املدين ة‪ :‬وهم أتب اع ّ‬
‫أسلم‪ ،‬وأيب العالية‪ ،‬وحممد بن كعب القرظي‪.‬‬
‫‪75‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫حج وأدى‬
‫ب ‪ -‬حج ه عليه الص الة والس الم‪ ،‬فقد َّ‬
‫املناسك كلها؛ من اإلح رام‪ ،‬والط واف‪ ،‬والس عي‪،‬‬
‫والوق وف‪ ،‬والنحر‪ ،‬وغريه ا‪ ،...‬وق ال‪" :‬خ ذوا عني‬
‫مناسككم"(‪ ،)75‬فكل أعمال الرسول صلى اهلل عليه وسلم‬

‫‪ -‬أهل الكوفة‪ :‬وهم أتباع عبد اهلل بن مسعود‪ ،‬كقتادة‪،‬‬


‫وعلقمة‪ ،‬والشعيب‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫اجلواهر يف تفسري الق رآن الك رمي للش يخ طنط اوي‬
‫ج وهري‪ ،‬فيه خ روج ب القرآن عن قص ده‪ ،‬واحنراف به‬
‫عن هدف ه‪ ،‬وهو أحد التفاسري املعاص رة اليت متثل االجتاه‬
‫أيض ا‪:‬‬
‫العلمي لتفسري الق رآن الك رمي‪ ،‬ومن ه ذه التفاسري ً‬
‫"كشف األس رار النورانية القرآني ة" لإلم ام الفاضل حممد‬
‫بن أمحد اإلس كندراين‪ ،‬و"طب ائع االس تبداد ومص ارع‬
‫االستبعاد" للكواكيب‪ ،‬و"إعجاز القرآن" للرافعي‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫أخرجه البخاري ( ‪ ،)7524‬ومسلم ( ‪ ،)448‬عن عبد‬
‫اهلل بن عباس رضي اهلل عنهما‪.‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪76‬‬

‫َّاس ِح ُّج‬
‫يف احلج داخل ة يف تفسري قوله تع اىل‪َ ( :‬وهلل َعلَى الن ِ‬
‫يت) [آل عمران‪.]97:‬‬‫الب ِ‬
‫َ‬

‫‪36‬‬
‫أخرجه مس لم ( ‪ )746‬عن أم املؤم نني عائشة رضي اهلل‬
‫عنها‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫الرسالة للشافعي ص ‪.78 ،77‬‬
‫‪38‬‬
‫زيد بن خالد اجله ين‪ ،‬اختلف يف كنيته ويف وقت وفاته‬
‫كثريا‪ ،‬فقي ل‪ :‬أبا عبد ال رمحن‪ ،‬وقيل‪ :‬أبا طلحة‪،‬‬
‫اختالفًا ً‬
‫وقي ل‪ :‬أبا زرعة‪ ،‬كان صاحب لواء جهينة يوم الفتح‪،‬‬
‫تويف باملدينة سنة ( ‪)68‬هـ‪ ،‬وقيل‪ :‬بل مات مبصر سنة (‬
‫‪)50‬هـ‪ ،‬وقي ل‪ :‬ت ويف بالكوفة يف آخر خالفة معاوي ة‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬تويف سنة ( ‪)78‬هـ‪ ،‬وقيل‪ :‬سنة (‪)72‬هـ‪ .‬انظر‪:‬‬
‫االستيعاب ( ‪.)2/549‬‬
‫‪39‬‬
‫أخرجه ابن أيب شيبة يف املصنف ( ‪.)29929‬‬
‫‪77‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫ج ‪ -‬وهك ذا بنَّي لنا أحك ام الص يام بعمله ص لى اهلل‬


‫ب َعلَي ُك ُم‬ ‫ِ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فكلها داخل ة حتت قوله تعاىل‪ُ ( :‬كت َ‬
‫ام) [البقرة‪.]183:‬‬
‫الصيَ ُ‬
‫ِّ‬

‫‪40‬‬
‫حديث صحيح أخرجه أمحد ( ‪ ،)16023‬واحلــاكم (‬
‫‪ )38،39‬من طرق‪ ،‬عن ربيعة بن عباد الدؤيل‪.‬‬
‫وأخرجه ابن أيب ش يبة يف املص نف ( ‪ ،)36565‬وابن‬
‫حبان ( ‪ ،)14/518‬وابن خزمية ( ‪ ،)159‬والضياء يف‬
‫املختارة ( ‪ ،)143‬وغريهم‪ ،‬من حديث طارق بن عبد‬
‫اهلل احملاريب رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫أخرجه البخ اري ( ‪ ،)3047‬ومس لم ( ‪ ،)1370‬من‬
‫حديث أيب جحيفة السوائي رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫‪42‬‬
‫تق ّدم خترجيه‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫انظر‪ :‬اإلتقان ( ‪.)377 -1/347‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪78‬‬

‫د‪ -‬وبنَّي لنا مقادير الزكاة‪ ،‬فكلها تفسري لقوله تعاىل‪:‬‬


‫( َوآتُوا َّ‬
‫الز َكاةَ) [البقرة‪.]43:‬‬
‫هـ‪ .‬ومن األمثلة التفصيلية لذلك‪:‬‬

‫‪44‬‬
‫أخرجه ســعيد بن منص ور (‪ ،)43‬وابن أيب شــيبة (‬
‫‪ ،)30105‬والط ربي يف التفسري ( ‪،)61-30/59‬‬
‫واحلاكم ( ‪ ،)3897‬عن عمر بن اخلط اب رضي اهلل‬
‫عنه‪ .‬وقال احلاكم‪ :‬حديث صحيح‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫األب‪ :‬هو ما تأكله البه ائم من العشب والنب ات‪ .‬انظ ر‪:‬‬ ‫‪45‬‬

‫تفسري الطربي ( ‪.)30/59‬‬


‫‪46‬‬
‫أخرجه ابن أيب شيبة يف املصنف ( ‪ ،)30103‬واخلطيب‬
‫البغ دادي يف اجلامع آلداب ال راوي وأخالق الس امع (‬
‫‪.)2/193‬‬
‫‪47‬‬
‫أخرجه البخ اري ( ‪ ،)1916‬ومس لم ( ‪ ،)1090‬من‬
‫حديث عدي بن حامت رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫‪79‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫مس ِإلَى غَ َس ِق‬


‫الش ِ‬
‫وك َّ‬ ‫الصال َة لِ ُدلُ ِ‬
‫يقول اهلل تعاىل‪َِ ( :‬أق ِم َّ‬
‫ودا)‬‫اللَّي ِل َوقُ رآ َن الَفج ِر ِإ َّن قُ رآ َن الَفج ِر َك ا َن َمش ُه ً‬
‫[اإلسراء‪ ،]78:‬هذه اآلية حتدد مواقيت الصلوات اخلمس‪.‬‬

‫وأخرجه البخ اري ( ‪ ،)1917‬ومس لم ( ‪ ،)1091‬من‬


‫ح ديث س هل بن س عد رضي اهلل عنه ب دون ذكر اسم‬
‫ع دي رضي اهلل عن ه‪ ،‬ولفظ احلديث‪" :‬ك ان الرجل‬
‫يأخذ خيطًا أبيض وخيطًا أسود"‪.‬‬
‫‪48‬‬
‫أخرجه مس لم ( ‪ )2135‬من ح ديث املغ رية بن ش عبة‬
‫رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫أخرجه البـزار ‪-‬كما يف اجملمع‪ ،)6/303 ( -‬وأبو يعلى‬
‫( ‪ ،)4528‬واخلطيب البغ دادي يف ت اريخ بغ داد (‬
‫‪ ،)13/253‬وابن القيسـراين يف املؤتلف واملختلف (‬
‫‪.)1/171‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪80‬‬

‫وقد أت اه ص لى اهلل عليه وس لم س ائل يس أله عن‬


‫م واقيت الص الة‪ ،‬فلم ي رد عليه ش يًئا‪ :‬فأق ام الفجر حني‬
‫بعض ا‪ ،‬مث‬
‫انشق الفج ر‪ ،‬والن اس ال يك اد يع رف بعض هم ً‬
‫أمره فأقام بالظهر حني زالت الشمس‪ ،‬والقائل يقول‪" :‬قد‬

‫هو اإلم ام احلافظ احلجة أبو حممد عبد بن محيد بن نصر‬ ‫‪50‬‬

‫الكسي ويق ال ل ه‪ :‬الكشي ب الفتح‪ ،‬يق ال‪ :‬امسه عبد‬


‫احلميد‪ .‬تويف سنة ( ‪)249‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬سري أعالم النبالء (‬
‫‪.)236 ،12/235‬‬
‫هو احلافظ اجملود العالمة وحمدث أصبهان‪ ،‬أبو بكر أمحد‬ ‫‪51‬‬

‫بن موسى بن مردويه بن ف ورك بن موسى بن جعفر‬


‫األص بهاين‪ ،‬املت وىف س نة ( ‪)410‬هـ‪ ،‬وتفس ريه يف الق رآن‬
‫يف سبع جملدات‪ .‬انظر‪ :‬سري أعالم النبالء ( ‪-17/308‬‬
‫‪.)310‬‬
‫هو اإلم ام احلافظ ش يخ اإلس الم أبو حممد عبد ال رمحن‬ ‫‪52‬‬

‫ابن احلافظ الكبري أيب ح امت حممد بن إدريس بن املن ذر‬


‫‪81‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫انتصف النه ار" وهو ك ان أعلم منهم‪ ،‬مث أم ره فأق ام‬


‫بالعصر والش مس مرتفع ة‪ ،‬مث أم ره فأق ام ب املغرب حني‬
‫وقعت الشمس‪ ،‬مث أمره فأقام العشاء حني غاب الشفق‪.‬‬

‫التميمي احلنظلي ال رازي‪ .‬ت ويف س نة ( ‪)327‬هـ‪ .‬انظ ر‪:‬‬


‫تذكرة احلفاظ ( ‪.)831 -3/829‬‬
‫‪53‬‬
‫جامع البيان يف تفسري القرآن لإلمام أيب جعفر حممد بن‬
‫جرير بن يزيد بن كثري بن غ الب الط ربي‪ ،‬رأس‬
‫املفسرين على اإلطالق‪.‬‬
‫ّ‬
‫ويعترب ه ذا التفسري أج ّل التفاس ري‪ ،‬مل يؤلَّف مثل ه‪ ،‬كما‬
‫ذك ره العلم اء قاطب ة‪ ،‬ومنهم الن ووي يف هتذيب ه؛ وذلك‬
‫ألنه مجع فيه بني الرواية والدراي ة‪ ،‬ومل يش اركه يف ذلك‬
‫املفس رين‬
‫أحد ال قبله وال بع ده‪ .‬انظ ر‪ :‬طبق ات ّ‬
‫للسيوطي ص ‪ ،96 ،95‬واإلتقان له ( ‪502 ،2/501‬‬
‫)‪.‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪82‬‬

‫أخر الفجر من الغ د‪ ،‬حىت انص رف منها والقائل‬ ‫مث َّ‬


‫أخر الظهر حىت‬‫يق ول‪" :‬قد طلعت الش مس أو ك ادت"‪ ،‬مث َّ‬
‫أخر العصر حىت‬ ‫قريبا من وقت العصر ب األمس‪ ،‬مث َّ‬
‫ك ان ً‬
‫أخر‬
‫امحرت الش مس"‪ ،‬مث َّ‬ ‫انص رف منها والقائل يق ول‪" :‬قد َّ‬

‫املفسرين الذين‬
‫كما يعترب هذا التفسري املرجع األول عند ِّ‬
‫عنوا بالتفسري النقلي‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫ال در املنث ور يف التفسري باملأثور‪ ،‬لإلم ام احلافظ جالل‬
‫ال دين أيب الفضل عبد ال رمحن بن أيب بكر بن حممد‬
‫السيوطي الشافعي املتوىف سنة ( ‪)911‬هـ‪.‬‬
‫ويف هذا الكتاب سرد السيوطي الروايات عن السلف‬
‫يف التفسري ب دون أن يعقِّب عليه ا‪ ،‬فهو كت اب ج امع‬
‫فقط ملا يروى عن السلف يف التفسري‪ ،‬أخذه السيوطي‬
‫من البخ اري‪ ،‬ومس لم‪ ،‬والنس ائي‪ ،‬والرتم ذي‪ ،‬وأمحد‪،‬‬
‫وأيب داود‪ ،‬وابن جرير‪ ،‬وابن أيب حامت‪ ،‬وعبد بن محيد‪،‬‬
‫ودون التفسري‪.‬‬
‫وابن أيب الدنيا‪ ،‬وغريهم ممن تقدمه َّ‬
‫‪83‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫أخر العش اء حىت‬


‫املغ رب حىت ك ان عند س قوط الش فق‪ ،‬مث َّ‬
‫ك ان ثلث الليل األول‪ ،‬مث أص بح ف دعا الس ائل‪ ،‬فق ال‪:‬‬
‫"الوقت بين هذين"(‪.)76‬‬

‫‪55‬‬
‫ج امع األص ول ألح اديث الرس ول‪ ،‬أليب الس عادات‬
‫مب ارك بن حممد املع روف ب ابن األثري اجلزري الش افعي‪،‬‬
‫املتوىف سنة ( ‪)606‬هـ‪.‬‬
‫‪56‬‬
‫أخرجه البخ اري ( ‪ ،)1815‬ومس لم ( ‪ ،)1201‬من‬
‫حديث كعب بن عجرة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫أخرجه البخ اري ( ‪ ،)4636‬ومس لم ( ‪ ،)157‬من‬
‫حديث أيب هريرة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫أخرجه مس لم ( ‪ )1917‬من ح ديث عقبة بن ع امر‬
‫رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪84‬‬

‫أيض ا‪ :‬ق ول اهلل عز وجل عن الس عي بني‬ ‫و‪ -‬ومثله ً‬


‫ف بِِهما)‬ ‫اح َعلَي ِه َأن يَطَّ َّ‬
‫ـو َ‬ ‫الص فا واملروة يف احلـج‪( :‬فَال ُجَن َ‬
‫[البق رة‪ ،]185 :‬وه ذا ي دل على أنه ال حيرم الس عي بني‬
‫أيض ا‪ ،‬لكن ملا فعله ص لى اهلل عليه‬ ‫الص فا واملروة وال جيب ً‬
‫وسلم ُعلِم أنه واجب؛ ولذلك قالت عائشة رضي اهلل عنها‬
‫‪59‬‬
‫أخرجه البخ اري ( ‪ ،)6537‬ومس لم ( ‪ ،)2876‬من‬
‫حديث أم املؤمنني عائشة رضي اهلل عنها‪.‬‬
‫‪60‬‬
‫أخرجه البخ اري ( ‪ ،)1369‬ومس لم ( ‪ ،)2871‬من‬
‫حديث الرباء بن عازب رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫أخرجه مسلم ( ‪ )482‬من حديث أيب هريرة رضي اهلل‬
‫عنه‪.‬‬
‫‪62‬‬
‫أخرجه مس لم ( ‪ )2018‬من ح ديث ج ابر بن عبد اهلل‬
‫رضي اهلل عنهما‪.‬‬
‫‪63‬‬
‫أخرجه البخ اري ( ‪ ،)6396‬ومس لم ( ‪ ،)627‬من‬
‫حديث علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫‪85‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫‪-‬كما س بق‪" :-‬ما أمت اهلل حج ام رئ وال عمرته‪ ،‬مل يَ ُط ف‬


‫بني الصفا واملروة"(‪.)77‬‬

‫أخرجه مسلم ( ‪ )628‬من حديث عبد اهلل بن مس عود‬ ‫‪64‬‬

‫رضي اهلل عنه‪.‬‬


‫‪65‬‬
‫أخرجه مس لم ( ‪ )665‬من ح ديث ج ابر بن عبد اهلل‬
‫رضي اهلل عنهما‪.‬‬
‫‪66‬‬
‫أخرجه البيهقي يف شعب اإلميان ( ‪ ،)2111‬والاللكائي‬
‫يف ش رح أص ول االعتق اد ( ‪ ،)572‬وابن اجلوزي يف‬
‫التحقيق يف أح اديث اخلالف ( ‪ ،)260‬من ح ديث أيب‬
‫بكر بن حممد بن عم رو بن ح زم عن أبيه عن ج ده‬
‫رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫وأخرجه مالك يف املوطأ ( ‪ ،)468‬وأبو داود يف‬
‫املراس يل ( ‪ ،)2111‬من ح ديث أيب بكر بن حممد ابن‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪86‬‬

‫فكل أفعاله وأقواله صلى اهلل عليه وسلم هي بيان للقرآن‬


‫الك رمي؛ ول ذلك ق ال الش افعي رمحه اهلل‪" :‬كل ما حكم به‬
‫رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم فهو مما فهمه من‬
‫القرآن"(‪.)78‬‬

‫ال‪.‬وق ال ابن عبد ال رب‪ :‬ال‬


‫عم رو بن ح زم من قوله مرس ً‬
‫خالف عن مالك يف إرس ال ه ذا احلديث‪ ،‬وقد روي‬
‫مسندا من وجه صاحل‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫ً‬
‫وأخرجه الط رباين ( ‪ ،)3135‬واحلاكم ( ‪ ،)6051‬من‬
‫حديث حكيم بن حزام‪.‬‬
‫وأخرجه الط رباين يف الكبري ( ‪ ،)13217‬والص غري (‬
‫‪ ،)1162‬من ح ديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل‬
‫عنهم ا‪ .‬وأورده اهليثمي يف جممع الزوائد ( ‪)1/276‬‬
‫وقال‪ :‬رواه الط رباين يف الصغري والكبري ورجاله موثقون‪.‬‬
‫اهـ‪.‬‬
‫‪87‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫وب ذلك نعلم أن الق رآن والسنة متالزم ان ‪ ،‬ال يفرتق ان‬
‫إلى ي وم القيامة‪ ،‬وال ُيس تغنى بأح دمها عن الآخر‪ ،‬وأنه ال‬
‫ميكن أن نفهم القرآن إال على ضوء السنة‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫أخرجه البخ اري ( ‪ ،)1643‬ومس لم ( ‪ ،)1277‬من‬
‫ح ديث الزه ري عن ع روة بن الزبري عن أم املؤم نني‬
‫عائشة رضي اهلل عنها‪.‬‬
‫أخرجه البخ اري ( ‪ )4519‬من ح ديث عبد اهلل بن‬ ‫‪68‬‬

‫عباس رضي اهلل عنهما‪.‬‬


‫‪69‬‬
‫أخرجه أبو داود ( ‪ ،)45‬والرتم ذي ( ‪ ،)3100‬وابن‬
‫ماجة ( ‪ ،)357‬من ح ديث أيب هري رة رضي اهلل عن ه‪.‬‬
‫قال الرتمذي‪ :‬حديث غريب من هذا الوجه‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫‪70‬‬
‫أخرجه ال بزار (كما يف نصب الراي ة‪ ،)1/217 -‬ق ال‬
‫ال بزار‪ :‬ه ذا احلديث ال نعلم أح ًدا رواه عن الزه ري إال‬
‫حممد بن عبد العزي ز‪ ،‬وال يُعلم أحد روى عنه إال ابن ه‪.‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪88‬‬

‫نس أل اهلل تع اىل أن يرزقنا الفقه يف كتابه والعمل ب ه‪،‬‬


‫وص لى اهلل وس لم على نبينا حمم د‪ ،‬وعلى آله وص حبه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫اهـ‪.‬‬
‫‪71‬‬
‫أخرجه مس لم ( ‪ )2656‬من ح ديث أيب هري رة رضي‬
‫اهلل عنه‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫أخرجه البخ اري ( ‪ ،)1651‬ومس لم ( ‪ ،)1218‬من‬
‫حديث جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫أخرجه البخ اري ( ‪ ،)631‬ومس لم ( ‪ ،)674‬من‬ ‫‪74‬‬

‫حديث مالك بن احلويرث رضي اهلل عنه‪.‬‬


‫‪75‬‬
‫أخرجه مسلم ( ‪ ،)1777‬والبيهقي يف السنن الكربى (‬
‫‪ ،)9307‬وغريمها‪ ،‬وه ذا لفظ ال بيهقي‪ ،‬من ح ديث‬
‫جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما‪.‬‬
‫‪89‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫***‬

‫‪76‬‬
‫أخرجه مسلم ( ‪ )614‬من حديث أيب موسى األشعري‬
‫رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫‪77‬‬
‫أخرجه البخ اري ( ‪ ،)1790‬مس لم ( ‪ ،)1277‬من‬
‫حديث أم املؤمنني عائشة رضي اهلل عنها‪.‬‬
‫‪78‬‬
‫انظر‪ :‬اإلتقان ( ‪.)2/467‬‬

‫أخرجه أمحد ( ‪ ،)17174‬وال دارمي ( ‪ ،)606‬وأبو‬ ‫‪1‬‬

‫داود ( ‪ ،)4594‬والرتم ذي ( ‪ ،)2664‬وابن ماجة (‬


‫‪ ،)12‬واملروزي يف السنة ( ‪ ،)244‬والط رباين يف مسند‬
‫الشاميني ( ‪ ،)1061‬من حديث املقدام بن معديكرب‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪90‬‬

‫فهرس‬
‫الموض&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&وع‬
‫الصفحة‬

‫الكن دي‪ .‬ق ال الرتم ذي‪ :‬ح ديث حسن غ ريب من ه ذا‬
‫الوجه‪ .‬اهـ‪ ،‬وقد صححه الشيخ األلباين يف صحيح اجلامع‬
‫( ‪.)2643‬‬
‫أخرجه ال دارمي (‪ ،)3399‬وعبد اهلل بن أمحد يف‬ ‫‪2‬‬

‫الس نة ( ‪ ،)128‬والرتم ذي ( ‪ ،)2926‬وال بيهقي يف‬


‫شعب اإلميان ( ‪ ،)2015‬من حديث أيب سعيد اخلدري‬
‫رضي اهلل عن ه‪ .‬وق ال الرتم ذي‪ :‬ح ديث حسن غ ريب‪.‬‬
‫اهـ‪ ،‬وق ال املب اركفوري يف حتفة األح وذي ( ‪:)8/197‬‬
‫ق ال احلافظ يف الفتح بعد ذكر ه ذا احلديث‪ :‬رجاله‬
‫ثقات إال عطية العويف ففيه ضعف اهـ‪ .‬قلت‪ :‬ويف سنده‬
‫أيض ا‬‫حممد بن احلسن بن أيب يزيد اهلم داين وهو ً‬
‫‪91‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫‪3‬‬ ‫‪..........................................‬‬ ‫مقـدمة‬


‫‪6‬‬ ‫‪.......‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬خصائص القرآن الكريم‬
‫‪7‬‬ ‫اخلاصية األوىل‪ :‬احلفـظ ‪.....................‬‬
‫‪9‬‬ ‫اخلاصية الثانية‪ :‬الشمول والكمال ‪............‬‬

‫ضعيف‪ .‬قال احلافظ يف هتذيب التهذيب يف ترمجته‪ :‬قال‬


‫حسن الرتمذي حديثه فلم حَي ُسن‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫الذهيب‪َّ :‬‬
‫‪4‬‬
‫أخرجه ابن غ زوان يف ال دعاء ( ‪ ،)15‬وابن ماجة (‬
‫‪ ،)4049‬ونعيم بن محاد يف الفنت ( ‪ ،)1665‬والبزار (‬
‫‪ ،)2838‬واحلـاكم ( ‪ ،)8460‬وال بيهقي يف ش عب‬
‫اإلميــان ( ‪ ،)2028‬واخلطيب البغدادي يف تــاريخ بغداد‬
‫( ‪ ،)1/400‬من ح ديث حذيفة بن اليم ان رضي اهلل‬
‫عن ه‪ .‬ق ال احلاكم‪ :‬ح ديث ص حيح على ش رط مس لم‪،‬‬
‫وقال البوصريي يف مصباح الزجاجة ( ‪ :)4/194‬إسناد‬
‫صحيح رجاله ثقات‪.‬اهـ‪ ،‬وقد صحح احلديث األلباين يف‬
‫صحيح اجلامع ( ‪.)8077‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪92‬‬

‫‪10‬‬ ‫‪..................‬‬ ‫اخلاصية الثالثة‪ :‬احلق املطلق‬


‫الفصل الث اني‪ :‬عناية األمة بتفس ير الق رآن ‪14‬‬
‫الكريم‬
‫عناية الصحابة بتفسري القرآن الكرمي ‪14 ........‬‬

‫اش تهر بالتفسري من الص حابة عش رة‪ :‬اخللف اء األربع ة‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫وأيب بن كعب‪ ،‬وزيد بن‬ ‫وابن مس عود‪ ،‬وابن عب اس‪ّ ،‬‬


‫ثابت‪ ،‬وأبو موسى األشعري‪ ،‬وعبد اهلل بن الزبري‪ .‬وأكثر‬
‫من روي عنه من اخللفاء األربعة هو علي بن أيب طالب‬
‫رضي اهلل عنه‪ ،‬والرواية عن الثالثة األولني قليلة ج دًّا‪.‬‬
‫انظر‪ :‬اإلتقان ( ‪.)2/493‬‬
‫عبد اهلل بن العب اس بن عبد املطلب بن عبد من اف‬ ‫‪6‬‬

‫القرشي اهلامشي‪ ،‬أبو العب اس‪ ،‬ابن عم رس ول اهلل ص لى‬


‫اهلل عليه وسلم‪ .‬ولد قبل اهلجرة بثالث سنوات‪ ،‬وتويف‬
‫رضي اهلل عنه سنة ( ‪)68‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬اإلصابة ( ‪-4/141‬‬
‫‪.)151‬‬
‫‪93‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫عناية التابعني بتفسري القرآن الكرمي ‪16 ..........‬‬


‫املصنفات يف التفسـري ‪17 .......................‬‬
‫الفصل الث الث‪ :‬البالغ النب وي للق رآن الك ريم ‪20‬‬
‫‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫أخرج ابن أيب شيبة يف املصنف ( ‪ ،)32220‬وأمحد يف‬
‫فض ائل الص حابة ( ‪ ،)1556‬واحلاكم يف املس تدرك (‬
‫‪ ،)6291‬والبيهقي يف املدخل إىل السنن ( ‪ ،)126‬عن‬
‫ابن مس عود رضي اهلل عنه أنه ق ال‪" :‬نعم ترمجان الق رآن‬
‫ابن عب اس"‪ .‬ق ال احلاكم‪ :‬ح ديث ص حيح على ش رط‬
‫الشيخني ومل خيرجاه‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫أخرجه البخ اري ( ‪ ،)143‬ومس لم ( ‪ ،)2477‬من‬
‫حديث عبد اهلل بن عباس رضي اهلل عنهما‪.‬‬
‫انظر‪ :‬اإلصابة ( ‪.)151 -4/141‬‬ ‫‪9‬‬

‫عبد اهلل بن مس عود بن غافل اهلذيل‪ ،‬أحد الس ابقني‬ ‫‪10‬‬

‫درا‬
‫األولني‪ ،‬أس لم ق دميًا‪ ،‬وه اجر اهلج رتني‪ ،‬وش هد ب ً‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪94‬‬

‫أوالً‪ :‬بالغ األلفاظ ‪21 ...........................‬‬


‫ثانيًا‪ :‬بالغ املعاين ‪24 .............................‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تفسري الصحابة للقرآن الكرمي ‪28 ..‬‬
‫أسباب اختالف الصحابة يف فهم القرآن الكرمي ‪30‬‬

‫واملش اهد بع دها‪ ،‬والزم النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪،‬‬


‫وح ّدث عنه ب الكثري‪ .‬ق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪:‬‬
‫غض ا كما ن زل‪ ،‬فليق رأ على‬
‫"من س ّره أن يق رأ الق رآن ًّ‬
‫قراءة ابن أم عبد" أي‪ :‬ابن مسعود‪.‬‬
‫تويف رضي اهلل عنه باملدينة سنة ( ‪)32‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬اإلصابة‬
‫( ‪.)235 -4/233‬‬
‫أخرجه مسلم ( ‪ )2464‬من حديث عبد اهلل بن عمرو‬ ‫‪11‬‬

‫رضي اهلل عنهما‪.‬‬


‫‪12‬‬
‫رواه البخاري ( ‪ ،)5000‬ومسلم ( ‪ ،)2462‬عن عبد‬
‫اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫‪95‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫الفصل الخامس‪ :‬أنواع بيان السنة للقرآن الكرمي ‪37‬‬


‫األول‪ :‬بيان القرآن بالقول (بالنص) ‪39 .........‬‬
‫واستقراء‬
‫ً‬ ‫الثاين‪ :‬ما جاء يف السنة النبوية استنباطًا‬
‫رمي‬ ‫رآن الك‬ ‫من الق‬
‫‪42‬‬ ‫‪........................‬‬
‫الث الث‪ :‬بي ان أس باب ن زول الق رآن الك رمي ‪47‬‬

‫أيض ا‪ :‬أنس بن مال ك‪ ،‬وأبو هري رة‪ ،‬وج ابر ابن‬


‫ومنهم ً‬ ‫‪14‬‬

‫عبد اهلل األنص اري‪ ،‬وعبد اهلل بن عم رو بن الع اص‬


‫رضي اهلل عنهم‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫عبد اهلل بن عمر بن اخلط اب بن نفيل القرشي الع دوي‪،‬‬
‫أبو عبد ال رمحن املكي‪ ،‬أس لم ق دميًا وهو ص غري وه اجر‬
‫مع أبي ه‪ ،‬واستص غر يف أحد مث ش هد اخلن دق وبيعة‬
‫الرض وان واملش اهد بع دها‪ ،‬ت ويف س نة (‪)73‬هـ‪ .‬انظ ر‪:‬‬
‫هتذيب التهذيب ( ‪.)288 ،5/287‬‬
‫‪72‬‬
‫تقدم خترجيه‪.‬‬
‫التفسير النبوي للقرآن‬ ‫‪96‬‬

‫‪....‬‬
‫الرابع‪ :‬بيان القرآن بالفعل ‪52 ...................‬‬
‫‪57‬‬ ‫‪..........................................‬‬ ‫فهـرس‬
‫الهوامش ‪59 ...................................‬‬

‫***‬
‫‪97‬‬ ‫التفسير النبوي للقرآن‬

‫الهــوامش‬

You might also like