Professional Documents
Culture Documents
25
25
25
نظـرة نقدية
دكتور
سنـاء عبد الحميد خضــر
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
1102
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
مقدمة:
ربما يكون من دواعي البحث في الماركسية وأخالقها ،تلك المفاهيم -
المغلوطة عنها ،والتي وجب علينا تصحيحها من منظور الفهم الحقيقي
للرؤية الماركسية للعالم .وهي رؤية إنسانية – دينية – سياسية – أخالقية –
اقتصادية.
لقد قدمت الماركسية ،بالفعل ،رؤية شمولية للعالم بحيث يمكن لنا أن نسميها -
فلسفة كونية Cosmic philosophyإن صح هذا التعبير ..ولِ َم ال وقد قدمت
الماركسية بالفعل رؤية شمولية للعالم فتعاطت الوجود من كافة نواحيه؟!
ونعتقد أن القليل من الفلسفات والمذاهب التي استطاعت أن تضم العالم كله
إلى صدرها وتحتويه برؤية ثاقبة مثلما فعلت الرؤية الماركسية.
فقد تناولت الماركسية الفكر وعالقته بالواقع ،وأيضً ا الحلم بعالم أفضل -
وأكرم لإلنسانية ،عالم يالمس الواقع في ديناميكية ،ويالمس الذات اإلنسانية
في ثرائها الروحي والمعرفي ،ومغزاها الدرامي بين األنا البروليتارية
واآلخر البرجوازي.
إن الماركسية تعد – بحق – هي الحدث األكثر تأثيرً ا على الشعوب وهي -
الفلسفة .التي استطاعت أن تقول (ها أنا ذا) كنت ومازالت في قلب المشهد
ألنني تعاملت مع الكيان والجوهر وصرخت في وجه الزيف ودغدغة
المشاعر للنيل من اإلنسان أو لمكاسب سياسية أو أيديولوجية معنية.
وهذا ما سوف تكشف عنه دراستنا هذه.
إذن فليس غريبًا أن تقابل الماركسية بالنقد الشديد أو حتى أن يتالمس معها -
الحس اإلنساني الراقي ويتوافق مع رؤيتها وكأنه يتنفس ذاته من خاللها.
وليس هذا إال دليالً على حيويتها وديمومتها وبقائها وإن لم يكن على أرض
الواقع الفعلي ،فهو يبقى -كحلم -من أحالم الوجود اإلنساني.
فقد عانى اإلنسان كثيرً ا من تعنت وظلم وحب السيطرة من قبل بعض القوى -
السياسية واالنحيازات والتكتالت االقتصادية ،مما كان له مردوده على البنية
االجتماعية والنظرية األخالقية.
ولذلك سوف تكون المعالجة حول األخالق الماركسية من عدة زوايا ،نراها -
هي األبعاد الحقيقية للرؤية الماركسية األخالقية وهي:
1103
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
أوالً :ماركس لوحة حياة ومفهوم إنساني بصياغة ماركسية.
ثانيًا :األخالق الماركسية (بناء أخالقي بمقوالت ماركسية).
ً
ثالثا :قيم األخالق في المجتمع الرأسمالي االشتراكي.
راب ًعا :مستويات الماركسية بين الحرية والنسبية.
خامسً ا :الماركسية والمثالية األخالقية بين االستحالة واإلمكانية.
سادسً ا :الماركسية في ميزان النقد.
أما المنهج المناسب لتناول هذه الموضوعات ،ذات الخصوصية الماركسية، -
فهو المنهج التحليل النقدي ،فهو الذي يصمد أمام فلسفة بحجم الفلسفة
الماركسية ،التي ال تكتفي –فقط -بالنظرة السطحية أو الظاهراتية
(الفينومينولوجية) بل تصل إلى عمق الرؤية لكي تستنبط قيمًا معرفية جديدة
وأصيلة ومضمونية! إذن فالتحليل والتفكيك قائمان ماركسيًا.
وأيضً ا النقد الذي يظهرنا على ما في الماركسية من عيوب يجب إدراكها، -
والعمل على تذويبها ،ومواطن قوة يجب علينا أن نستلهمها اليوم في واقعنا
جدا تجعلنا نحصد نتائج أكثر فاعلية وديناميكية في المعاصر بضغطة شديدة ً
مجتمعنا الذي أصبح يئن ويتوجع كثيرً ا من رذائل وقيم إنسانية وأخالقية
زائفة ومتلونة بامتياز.
إذن فعلينا -اآلن -بإنقاذ المضمون األخالقي من عبث العابثين وبرجماتية -
البرجماتيين من خالل نظرة أخالقية ماركسية نستلهم أفضل ما فيها ..وكأن
الماركسية تكشف لنا ،وبعمق ،عن أمراضنا االجتماعية وصورتنا
االنعزالية ..
1104
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
نفسه صفة الماركسية في مواجهة تيار ينسب نفسه إلى الماركسية في فرنسا ويحول
القالب التصور المادي للتاريخ ،أي الماركسية ،إلى قالب تبسيطي يقوم على الوقائع
االقتصادية ..كما يرفض أن يكون ماركسيًا على غرار الحزب االشتراكي
الديمقراطي األلماني ،وهي ماركسية ت ّدعي أنها تقوم على مذهب علمي خالص ،على
حين أن علميتها كاذبة ليست إال تكي ًفا مع العالقات الواقعية الرأسمالية.
ولذلك يقال ال ماركس وال انجلز( )6ارتضيا بأن يع ّدا من فئة الفالسفة،
بل تركا هذا اللقب للذين فضلوا االتصال بالروح ،وهاموا بالغيب ووعظوا
بالفرضيات والوهميات ،وأطلقا تعاليمهما من العلم ،إنهما عالمان كما كان
داروين ،قاهر ،الطبيعة عالمًا – كما جاء على لسان جورج حنا.
ويكتب (بول ال فارغ)( )7فيقول :كان باإلمكان أن تسأل ماركس في أي
وقت تشاء وعن أي شيء ،وكنت ستحصل – حتمًا -على الجواب الشافي إن
دماغه كان أشبه بالباخرة الحربية ال ّراسية في المرفأ والمستعدة لالنطالق ،لقد
مستعدا –دائمًا-لإلبحار في أي اتجاه من اتجاهات الفكر. ً كان
كما يقول "إن ضمير ماركس األدبي لم يكن يقل صرامة عن ضميره
العلمي ،فهو لم يكن ينشر أي شيء مالم يعالجه بكل دقة ويغيره عدة مرات
ليتطابق مع الشكل ،ولم يكن يطيق فكره أن يتقدم إلى الجمهور بشيء لم يستنفذ
العمل فيه حتى النهاية.
والحقيقة كما يرى د .مصطفى النشار( .)8أن مذهب ماركس الفلسفي بالغ
من الشهرة الحد الكبير فقد نجحت الماركسية في حل مشكالت العصر فيقول
ماركس عن نفسه "ليس بين ابناء العصر من لقى مق ًتا وافتراء عليه مثل ما لقيت"
فقد استخدم ماركس المنهج العلمي( Scientific Method )9والتضمين
الوجودي Ontological Presuppositionوخاصة في استخدامه للقيمة ويعتبر
ماركس علميًا ممارسًا للتطبيق ،فهو يتحدث عن الممارسة في العلم وتأثيرات
ذلك على العلم نفسه ومنها (نظرية العمل في القيمة) فقد نقد نظريات جون لوك
1106
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
– آدم سميث – ديفيد ريكاردو ،واهتم بالظاهرة االجتماعية والتطور اإلنسان
والقوى المنتجة .productive Forces
كتابات ماركسية
كتابات ماركس عديدة ومتشعبة في مجاالت مختلفة وسوف نذكر هنا
بعضمن أهم كتاباته.
إن ماركس في أطروحته(( )10الفرق بين فلسفة الطبيعة عند ديمقريطس
وفلسفة الطبيعة عند أبيقور) ،كما في عدة مقاالت ،أعاد طبعها (مهرنغ) ،يبدو -
أمامنا -مثاليًا مخلصً ا من المدرسة الهيجلية ،مثله مثل أنجلز الذي اشترك في
الحوليات نصيرً ا عني ًدا لإلنسانية الفيورباخية.
وهكذا كان كتاب (العائلة المقدسة) أو (نقد االقتصاد النقدي) يبين لنا كال
من المؤلفين ماركس ،وأنجلز وقد قاما بخطوات عديدة في تطوير فلسفة
فيورباخ.
()11
Manifesto of وقد ألقا ماركس مع انجلز منفيستو الحزب الشيوعي
the Communist partyوهو يتناول ثالث نقاط أساسية:
.Bourgeois and proletarians -1
.Proletarians and communists -2
.Socialist and Communist literature -3
أي كل ما يتعلق بالبرجوازية والبروليتاريا والشيوعية واألدب.
ويعتبر البيان الشيوعي( )12هو تاريخ البشرية كله ،وهو الصراع بين
الطبقات ،وأنه في كل عصر ومجتمع كان من الضروري أن توزع الملكيات
بين الذين أنتجوها توزيعًا متساويًا ،ولكن هذا مالم يحدث أصالً فقد كانت
البشرية – دائمًا -منقسمة إلى طبقات بعضها تحكم وتملك ،واألخرى محكومة
وال تملك.
كذلك لماركس كتاب هام هو يؤسس الفلسفة(" )13لقد كان برودون سيء
الحظ ..لقد قيل عنه في فرنسا أنه كان اقتصاديًا فاشالً ،ألنه كان يعد من أقدر
االقتصاديين الفرنسيين".
وقد عالج ماركس في هذا الكتاب تناقض قيمة السلعة عند برودون –
االقتصاد واألخالق عند برودون – برودون وصراع الطبقات وغيرها.
1107
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
كما عرض ماركس في هذا الكتاب( )14المذهب الثوري للبروليتاريا وقد
ردا على [فلسفة البؤس]صدر هذا الكتاب باللغة الفرنسية يوليو ،1847وذلك ً
للسيد برودون ،وينتقد ماركس برودون ومفاهيمه المثالية واستخدامه لديالكتيك
هيجل(*)(*) بشكل مشوِّ ه.
أما الكتاب الذي كان ،والزال له قيمة عالية في البناء االقتصادي ،فهو
كتاب رأس المال لماركس.
وعنوان الكتاب هو(( )15رأس المال ونقد في االقتصاد السياسي) وقد
وضع على شكل بحث في علم االجتماع ،ويقول ماركس في المقدمة (إن
موضوع البحث في هذا المؤلف هو الطريقة الرأسمالية في اإلنتاج ،وعالقات
اإلنتاج والتبادل المناسب لهذه الطريقة .والمجلد الثاني يعالج عملية انتشار رأس
المال والمجلد األخير وهو الثالث فيختص بتاريخ النظرية الرأسمالية.
إذن الموضوع العام للمؤلف ،كله ،لم يكن إال الرأسمالية.
ولذلك يقول غوربونون (في الثقافة)( )16أشار لفين إلى أن (مسألة
مصير الرأسمالية في روسيا) أصبح بعد ظهور (رأسمال) كارل ماركس
(المسألة الرئيسية لالشتراكية الروسي وحول هذه المسألة كان يتوقف حل أهم
الموضوعات المتعلقة ببرامجهم وكان هذا يشمل مجال الثقافة وتحديد طابع
تطورها في روسيا ،ودورها في العمليات االقتصادية االجتماعية.
والسؤال ما هو مفهوم رأس المال وما هي الرأسمالية؟
رأس المال( )17مصطلح اقتصادي اقترن ظهوره واستخدامه بالنظام
الليبرالي (الرأسمالي) الذي أعطى المبرر لظهوره إلى المبادئ التي قام عليها
وأهمها الحرية االقتصادية من خالل الملكية الفردية لوسائل اإلنتاج وحرية
المنافسة وقانون العرض والطلب.
الرأسمالية( )18هي التشكيل االقتصادي الذي حل محل اإليقاع وتقوم
الرأسمالية على الملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج واستغالل المأجور واستخالص
فائض القيمة هو القانون األساسي لإلنتاج الرأسمالي.
ً
موجودا بصورة جنينية في والحقيقة أن ما تم اكتشافه في رأس المال كان
مخطوطة ،1844وفي البيان الشيوعي .. 1848القرن الوحيد مزيد من
النضج والتدقيق بتوالي السنين – كما يرى البعض(.)19
1108
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
وعلى وجه العموم يمكن القول إن كتابات نيتشه تخضع للبعد األخالقي فيقول
كافكا( :)20إن المؤلفات األولى لماركس وخاصة ماركس الشاب ،استخدم معياره
في الحرب والتناغم ليقيم مبادئ خلقية موضوعية تكون حقيقية بشكل أبدي،
وهكذا في (مالحظات عن آخر تعليمات الدولة البروسية للرقباء) مقال نشره
ماركس في صحيفة (انيكدوتا) 1842ويالحظ ماركس أن التعليمات قد أحلت
كلمات (الذوق – اللياقة – اللباقة الخارجية) محل كلمات (األخالقيات –
اللباقات الرقيقة) في القانون األصلي.
فقد كتب ماركس(( )21نحن نرى كيف أن األخالقيات كأخالقيات ،كمبر
للعالم والتي تطيع قوانينها تختفي وتكون لدينا محل طبيعتها الجوهرية مظهرً ا
خارجيًا ،زخرفة يفرضها البوليس ،حلية إقناعية".
ومن خالل كتابات ماركس كلها يمكننا أن تصنف ماركس بالثوري.
يقول سارتر( :)22إن ما يطالب به الثوري(*)(*) هو أن يكون إنسا ًنا غير
مبرر ،لكنه ،مع ذلك ،مضطهد في مجتمعه ،وهو قادر ،مع ذلك ،على تجاوز
هذا المجتمع بما يبذله من جهد لتغييره ،والمثالية تضلله ألنها تربطه بحقوق
وقيم موجودة ،وتعميه عن قدرته التي تستطيع أن تخلق له قيمة ،وهو وطرائقه
في الحياة.
كما يقول لفين( :)23إن االنتهازيين ال يعترفون إال باألشكال السلمية
سبيالً إلى تحقيق اإلصالحات الجزئية ،في حين أن اليساريين ينفونها –حتمًا-
ويدعون إلى األعمال الثورية الفورية.
كما أدان لفين – بشدة – نزعة المقامرة لدى أنصار الحملة الثورية فقد
أخذ يذكر ،مرارً ا وتكرارً ا ،توكيد ماركس وأنجلز مؤسس الشيوعية العلمية ،إلى
عدم محاولة استباق األحداث وعدم الدعوة إلى اإلطاحة الفورية بالنظم القائمة
في المكان والزمان اللذين لم تتضح فيهما الظروف الموضوعية.
والحقيقة أن الممارسة الثورية عند ماركس( )24يأخذنا إلى المفهوم
األكثر جدالً عند ماركس وهو (القوة) إنها ليست فكرة ماركسية ،بل إنها فكرة
المجتمع البرجوازي خالل األعوام الثالثمائة األخيرة .إن الديمقراطية الغربية
هي ابنة الثورات اإلنجليزية – األمريكية – الفرنسية العظمى.
وهنا يجب مناقشة أفكار ماركس عن الثورة والشيوعية( )25وذلك
بتوضيح األفكار السياسية األخرى لماركس ،وخاصة التي تعلقت بالطبقات
1109
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
والدولة ،والذي يمكن لنا فهمها داخل سياق within the contextالتزامه
ومسئوليته تجاه الثورة والشيوعية وكذلك داخل أبعاد تفكيره السياسي الخاص.
وهنا نجد ماركس يناقش إمكانيةالثورة االجتماعية Social revolution
عندما تصبح قوى اإلنتاج forces of productionقصيدة بعالقات اإلنتاج
relations of productionكما ال يمكن لنا إغفال ما كتبه ماركس عن الحكم
(التسلط) البريطاني في الهند ،والذي نشر في نيويورك 25يناير 1853ولذلك
فإن الثورة األساسية ،والتي تمثل الراس ،كانت في آسيا.
وفي نظر ماركس( )26البد أن تكون الثورة – في البداية – هي التي
تشمل الفكر وتسلسل الحركات األصلي فيما يتعلق بالمجتمع والحضارة وتعتبر
المعاناة اإلنسانية human sufferingجزءًا هامًا من ذلك وخاصة فيما يتعلق
بالمرأة والطفل لكي توضع العناصر األساسية لألمل واحترام الذات فكل هذا
يوضع ضمن العناية المقدسة .divine providence
ولذلك يجب أن ننظر فيما سوف يعود علينا من الظلم injusticeأو
االستغالل exploitationأو العنف Violenceحتى نسير –دائمًا -في اتجاه
المساواة equalityوالعدالة Justicنحو الكمال والتحقق اإلنساني human
fulfillmentوخاصة أننا نعيش في عالم يفتقد األمن االقتصادي economic
.insecurity
وفي النهاية ،يمكن القول إن هذه هي فلسفة العظماء( )27وهي التي تتسم
بـ:
أنهم في الزمان فوق الزمان ،لكل منهم ،حتى أعظمهم وضع راهن ح ًقا في -1
مكان ،وهو يرتدي ثيابًا تاريخية.
كل مفكر صحيح أصلي شأنه شأن كل إنسان طبيعي حقيقي ،ولكن المفكر -2
العظيم أصيل بأصله ،وهذا يعني انه يزود العالم بقدرة تواصل لم تكن من
قبل قائمة ،واألصالة تكمن في األثر في التحقق المبدع الذي ال يمكن أن
يتكرر فاألصالة وثنية في التاريخ ،واألصالة هي أصالة الفكر.
()28
كلمات عن ماركس
انجلز :كما أن داروين اكتشف قانون تطور الطبيعة العضوية ،كذلك -1
اكتشف ماركس قانون تطور التاريخ اإلنساني.
باكونين :يشكو ماركس من العيب الذي يشكو منه جميع العلماء المحترفين، -2
وقد بلغ به األمر إلى حد اعتبار نفسه بمنتهى الجدية ،أبا االشتراكية.
1110
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
لينين :الماركسية هي الوريث الطبيعي لخير ما أبدعته البشرية في القرن -3
التاسع عشر في الفلسفة األلمانية.
إرنست بلوخ :لم يكن ماركس متعصبًا وال انتهازيًا ،بل هو يمثل خير ما -4
في المأثور الغربي :اإليمان بالعقل ،وبتقدم اإلنسان.
برودون :ماركس هو الدودة الوحيدة لالشتراكية. -5
الفلسفة الماركسية وعناصرها
(الماركسية لغة الحياة والديمومة)
من المعروف أن لماركس وأنجلز مذهب اقتصادي وسياسي
أيديولوجيًا( )29عرف بالماركسية وان صفة (ماركس) واالسم (ماركسية) لم
يصدرا عن ماركس نفسه وأصحابه وإنما عن خصومة أنصار باكونين حين دب
ال ِّنزاع بين الفريقين مما أدى إلى طرد أنصار باكونين في مؤتمر (الدولية
األولى) الذي انعقد في الهاي هولندا ،1872وقد بدأ الخالف بسخرية باكونين
من ماركس والماركسية ،فأخذ يهاجم دكتاتورية الشرذمة – الماركسية المتسلطة
على أنقاض الدولية ..ووصف مؤتمر الهاي بأنه (تزييف ماركس) ولذلك كان
لفظ ماركس والماركسيين منطويًا على الذم عند الباكونيين.
والماركسية هي نظرة عالمية شاملة( ،)30إنها إذا ما عيرنا عنها
باختصاص المادية الحديثة ،التي تمثل أعلى مرحلة من مراحل تطور تلك
النظرة إلى الحالة التي أرسيت أسسها في اليونان القديمة قبل ديمقريطس.
يقول لينين أن ماركس ،في كتابه المميز (تعاليم مارك) ،أنه العبقري
الذي أكمل األيديولوجيات الثالثة الرئيسية ،التي كانت سائدة في القرن التاسع
عشر ،وهي في البلدان الثالثة األكثر تقدمًا في العالم ،وهي الفلسفة األلمانية
الكالسيكية ،واالقتصاد السياسي اإلنجليزي الكالسيكي ،واالشتراكية
الفرنسية(.)31
ولقد كان دور الفلسفة داخل الماركسية كما يظل موضوع مجادالت
ويدل على ذلك ردود الفعل التي أثارها في العشرينات عمل دورج لوكاش
(التاريخ والوعي الطبقي) وخصوصًا عمل ك .تورسين (الماركسية والفلسفة)
سواء من جانب االشتراكية الديمقراطية (كاوتسكي) أو من جانب اللينيتية
(ديبورين).
1111
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
ومن المعروف أنه في نقد فيورباخ وضع ماركس األسس الفلسفية
للماركسية الممارسة – فاعلية اإلنسان الحسية – معيار حقيقة الفكر – جملة
العالقات االجتماعية تفسير العالم وتحويله(.)32
وتعني نظرية Thérieفي الماركسية :أنها منظومة من األفكار
المرشدة في فرع من فروع العلم والمعرفة وتعميم التجربة اإلنسانية ،مجموع
المعارف عن الطبيعة والمجتمع المتراكمة خالل التاريخ .في الماركسية نجد أن
الممارسة هي محك النظرية ومعيار صوابها(.)33
إذن الماركسية ترفض التأمل Spéculationوال تعترف (إال بالنظرية
(لغويًا) .وقاموس الروس الصغير يعلمنا أن كلمة Théoirieنظرية تعارض
( pratiqueممارسة) وتعارضه أي ً
ضا speculationليس له ،عند هيج ْل
المدلول السيء له في الماركسية المادية .
()34
1112
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
واالقتصادية) تلك العمارة المعرفية لها أساس فلسفي في كتابات
ماركس(.)38
()39
إذن ما هو السؤال األساسي في الفلسفة الماركسية؟
?What is the fundamental question of philosophy
يقول إفاناسيف :إذا نظرنا إلى العالم سنجد كل الظواهر إما مادية أو مثالية
روحية فالظواهر المادية تحتوي كل ما يوجد موضوعيًا أي خارج وعي
اإلنسان (األفكار – األحاسيس – العواطف) يرتبط بمجال المثالي إذن فالسؤال
هو كيف يرتبط المادي بالمثالي؟
?What are the Material and the Spiritual Connected
إنها نفس العالقة بين الفكر والوجود أي الروحي والمادي وهي مشكلة
تتوقف عليها مشكالت أخرى.
إن السؤال األساسي في الفلسفة هو العالقة بين الوجود والوعي؟
The Fundamental question of philosophy and the relation
.between the being and consiciousness
ولكن وفي نفس الوقت اختلف مفهوم الماركسية ،عند البعض ،فنجد –
مثالً -سارتر في أول إشارة واضحة ما قاله في محاضراته (الوجودية مذهب
إنساني) التي ألقاها 1946والذي يعترف فيها أنه يتبنى الكثير من أوصاف
الماركسية ،وأن الوجودية هي موقف الحق للماركسية ،وأن وجوديته تتجاوز
الماركسية أو تضيف إليها شيًئ ا جدي ًدا(.)40
ولذلك نجد أن الماركسية مثلت ،منذ البدايةً ،
حدثا تاريخيًا وقوة
اجتماعية فاالتحاد السوفيتي ويوغوسالفيا يدعيان االنتماء –رسميًا -إلى
الماركسية وبينهما تباين في اآلراء أدى إلى منازعات تدهورت معها العالقات
بين البلدين ومن لم يسمع بستالين أو بما يسمون اليوم بالستالينية.
إذن الماركسية ليست فلسفة مدرسية بل هي عقيدة في حالة ذات أهمية
عالية(.)41
ولذلك نجد مؤسس النظرية الشيوعية (ماركس) قد شرح الظواهر
الحتمية عندما قال :إن كل شيء في الكون يتحرك طب ًقا لمبدأ الحتمية السببية،
وأن كل شيء ينتهي إلى قدر محتوم وإذا أردنا أن نعرف كل شيء عن أي
شيء في الكون فيجب أن تعرف مبادئه التي تحكمه بدقة(.)42
1113
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
عالقة ماركس بمذهب هيجل
"إن الفكر الماركسي في جوهره هيجلي وذلك من حيث مصدره وطابعه
فنجد روبرت تيكر R.Ctukerيؤكد على أن ماركس قد أقام الماركسية من
خالل ثورته الهيجلية وربما يكمن تلخيص أهم منجزاته في أنه أوقف هيجل
على قدميه(.)43
1114
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
تاريخية.
كما يذكر كاريوهنت أن عناصر الماركسية ثالثة هي :
()46
1115
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
عولت هذه الحركات عن تحقيق أهدافها ولذلك ظهرت اآلراء الراديكالية الحديثة
َّ
في فكر هيجل – انجلز – ماركس.
والحقيقة أن الفوضوية اتجاه سياسي اجتماعي( )48تشكل خالل فترة
األربعينات حتى الستينات من القرن الماضي وأهم مبادئها :إقامة مجتمع إنساني
بال دولة وبال طبقات ،مستغلة تمجيد الثورة والتمرد على السلطة في كل
صورها التقليدية ..ولم تحقق الفوضوية نفس النجاح الذي حققته الماركسية
برغم من التزامن في الظهور على المسرح السياسي .ومع ذلك ،ظلت
الفوضوية مؤثرة في بعض حركات التحرر الوطني في الستينات من هذا القرن
وقد مارست تأثيرً ا كبيرً ا على بعض منظري حركة اليسار الجديد عند ماركيوز
– قانون – دوبريه.
ومما الشك فيه أن الماركسية( )49تتبع ايديولوجية معينة سواء في
الطبيعة أو األخالق أو الدولة.
فهل توجد عناصر بنائية في الماركسية؟ فهذا ما حاول اإلجابة عليه
د.فؤاد زكريا في (آفاق الفلسفة)( )50فنجد بعض الماركسيين الجدد لم يهتموا
بالعوامل االقتصادية التي اقتصرت عليها الماركسية التقليدية (سيياج) وهو
ماركسي السببية المطلقة للعامل االقتصادي ووضعه في إطار أوسع منه
والمحاولة األهم هي التي قام بها (لوي التوسير) الذي أراد أن يعيد إلى
الماركسية انضباطها العلمي ويؤكد استقاللها عند هيجل وعن الذات الفلسفي
السابق له ويجعل محورها بنا ًء اجتماعيًا اقتصاديًا يكون اإلنسان – ذاته -جزءًا
منه وقد كان لوسيان سيياج Lu cein se bagمن أوائل الماركسيين الذين
تنبهوا إلى إمكان وجود (عناصر بنائية في فكر ماركس).
ماركس والمادية الجدلية والتاريخية
إن المادية الجدلية Dialectical Materialismهي فلسفة هيجل التي
يدين لها ماركس بالكثير صعبة للغاية فهي تمقت كل ماال يستسي ُغه العقل ويعتقد
أن عملية التدرج الكوني – كلها -تقوم على أساس مبدأ منطقي معقول وهو أن
(روح العالم) هي التشخيص .وهذا ما أدى إلى تصريحه المشهور (بأن كل
شيء معقول وحقيقي) ونظام هيجل يقول بأن المطلق هو الشمول ال في الفكر
فقط بل في جميع التجارب(.)51
ويعرض ح .أوسيبون( )52الفلسفة الجدلية في عدة نقاط هي:
1116
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
الفلسفة بوصفها علمًا تتناول القوانين العامة التي تحكم الطبيعة والمجتمع -1
والفكر اإلنساني ،هي -في حقيقتها -قوانين مادية جدلية وعامة dialectical
.materialist and universal
لقد خلق ماركس وأنجلز ،بإدماجهما النشاط البشري االجتماعي في الفلسفة -2
نظامًا فلسفيًا واح ًدا متكامالً .A single integral philosophical system
ال يمكن باإلضافة إلى هذا أن تطابق بين الفلسفة االجتماعية وعلم االجتماع -3
فمجالها ليس هو مجال علم االجتماع وإنما جدل (ديالكتيك) التطور
االجتماعي .Dialectics social development
وهكذا كان الجدل الهيجلي( )53مدخال إلى النظرية الماركسية عن
المجتمع (من حيث إن عالقات اإلنتاج هي التي تحدد الطبقات األساسية في
المجتمع).
ومما الشك فيه ارتباط المادية بالواقعية Realismوالواقعي Realهو
التحقق من األعيان في مقابل الوهمي والممكن والمثالي(.)54
كما ارتبطت الواقعية والمادية الجدلية بمفكر كبير هو فيورباخ ،والذي
تأثر به ماركس كثيرً ا كما ،تأثر فيورباخ ،لودفيج أندرباس Feurbach
Ludwing Andreasبهيجل( .)55فقد وضع فيورباخ نظرية معرفة واقعية بدالً
من النظرية المثالية الكانطية ،فالمادية الجدلية في تناقض تام مع المثالية الجدلية
الهيجلية وعالقة ذلك بمنطق الجدل(.)56
والسؤال اآلن هل مادية ماركس وانجلز هي مادية فيورباخ؟؟
عندما يعرِّ ف ماركس وانجلز مادتيهما يرجعان – عادة -إلى فيورباخ
باعتباره الفيلسوف الذي أعاد إلى المادية حقوقها ،غير أن ذلك ال يعني أن مادية
ماركس وانجلز هي عين مادية فيورباخ فكالهما لم يقتبسا من مادية فيورباخ
سوى نواتها المركزية ،ثم وسعاها وجعال منها نظرية فلسفية علمية للمادية .
()57
فقد أصبح الجدل عند ماركس موجهًا ال إلى المناقشات اللفظية ،بل إلى
عالم الطبيعة والمادة قال انجلز (إن الجدل ال يعترف بوجود شيء مطلق)
إن الجدل ،عند ماركس ،ال يكتفي بعرض الصور الحقيقية للواقع ،ولكن
يحللها ً
بحثا عن التناقضات الداخلية ،التي تحل في األشياء والظواهر ،ويوضح
كيف أن هذه التناقضات هي مصدر الحركة والتطور .
()58
1117
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
يقول ماركس(" )59إن المادية أو الحساسية يجب أن تكون أساس كل
عالم وال يكون العلم علمًا في الواقع إال إذا انطلق من المادية تحت شكلها
المزدوج كوعي محسوس وكحاجة محسوسة ،إذن إال إذا انطلق من الطبيعة".
والفالسفة الماديون( ،)60من أمثال بيكون ولوك وهوبز ،في القرن السابع
عشر ،وهم الذين جعلوا ماركس يقول إن المذهب المادي في والته جاء من
كبار البريطانيين ،عندما فقدت البرجوازية البريطانية ثوريتها ،ثم جاء تطور
العلم من القرن السادس عشر حتى القرن الثامن عشر الذي جاء بتطوير المادية
من خالل االلة المعقدة.
والحقيقة أن للفلسفة اليونانية دورً ا كبيرً ا وأصيالً في مسألة المادية
وجذورها.
فقد كان الختيار ماركس فلسفة ديمقريطس( )61موضوعًا ألطروحته
داللة ،فديمقريطس بين األوليين من فالسفة اإلغريق بدأت فلسفته بمالمح مادية.
وجاء في أقواله (إن كل تغير ليس إال اتحاد أجزاء أو انفصال أجزاء ،وما من
شيء يحدث دون سبب ،وليس في الوجود غير ذرات تسبح في فراغ .وكل
ماعدا ذلك وهم .وقد وسع أبيقور في فلسفة ديمقريطس ،بافتراض أن للذرات
قدرة ذاتية على الحركة.
وقد استخدمت المادية الجدلية(( )62ماركس ولينين) الطبيعة بمعنيين
اثنين.
المعنى الواسع الطبيعة مقابل الروح ،المادة مقابل الوعي ،الكينونة -1
مقابل الفكر ،ومبدأ المادية على أساس المنطق(*)(*) الجدلي.
المعنى الضيق الطبيعة ،كشكل أول ،أولي للصيرورة الموضوعية، -2
وهو فاعلية اإلنسان المتخذ هد ًفا ضد المادية غير الجدلية وغير التاريخية.
إذن الفلسفة الماركسية مادية ،Materialistألن المادة والوجود أوليان
وهي ديالكتيكية Dialecticalألنها تدرس العالم المادي Material worldفي
تطوره(.)63
وخال ًفا للمثالية التي تعتبر العالم تجس ًُّدا للفكرة المطلقة أو للعقل الكليِّ أو
للوعي تسير مادية ماركس الفلسفية من المبدأ القائل إن العالم ،بطيعته ،مادي
وإن حوادث العالم المتعددة هي مظاهر مختلفة للمادة المتحركة.
1118
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
وخال ًفا للمثالية ،التي تؤكد أن شعورنا – وحده -هو الموجود واقعيًا،
وأن العالم المادي والكائن والطبيعة ،ال توجد إال في إدراكنا وتخيالتنا ..تقوم
(المادية الفلسفية الماركسية) على مبدأ آخر ،وهو أن المادة والطبيعة والكائن،
هي حقيقة موضوعية موجودة خارج اإلدراك والشعور(.)64
أما القوانين األساسية للجدل المادي Basic Laws of Materialist -
Dialecticsفهي :
()65
قانون وحدة وصراع األضداد The law of the unity and struggle of -1
.opposits
قانون تحول التغير الكمي إلى كيفي The law of the Transformation -2
.of quantitative of quantitative into qualitative change
قانون نفي النفي .the law of the negation of negation -3
وسوف نذكر ،فيما بعد ،االنعكاسات األخالقية للديالكتيك المادي عند
ماركس.
ومن األهمية بمكان أن نعرض أن تصور ماركس للمادية( )66قد تعرض
لعملية إساءة فهم جسيمة أكثر من أي مفهوم ماركسي آخر ،فمن المعتقد –
بشكل كبير – أن ماركس يؤمن بأن الدافع السيكولوجي األعظم في اإلنسان إنما
هو ميله للراحة والكسب المادي يشكل الحافز الرئيسي في حياة اإلنسان الفردية،
وفي تطور الجنس البشري – كما يرى البعض.
()67
Economic وهذا يقودنا – بالتبعية-الحديث عن المادية االقتصادية
Materialالتي تعتبر مفهوما أحادي الجانب للتاريخ حيث يعتبر االقتصاد القوة
الوحيدة في التطور االجتماعي وال تعترف بأهمية السياسة واألفكار والنظريات
في العملية التاريخية ومن أنصارها برنشتاين في الغرب ،والماركسيون
الشرعيون واالقتصاديون في روسيا.
أما موقف ماركس من المادية اآللية( )68فهو واضح والمادية اآللية ..
تلك التي استطاع الماديون اإلغريق أن يناقشوا فيها طبيعة األشياء وكانت
أعمالهم نو ًعا من الشعر العلمي Scientific poetryثم بالنظر إلى العبيد
والحركات االجتماعية وتطور العلم وتفكير الماديين وخاصة فيما يتعلق باآلالت
وفي التطبيقات الصناعية .industrial applications
1119
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
ويقول ماركس( )69عن المادية اآللية والجدلية :إن الطريقة الديالكتيكية
ليست فقط مختلفة عن الهيجلية ،بل هي على طريقها المعاكس مباشرة.
في حين يرى البعض أن الفلسفة الماركسية معارضة للمادية اآللية(،)70
حيث ولدت في النصف الثاني من القرن ( )19واقتضت ظروف مولدها أن
تكون معارضة ،منذ البدء ،للفلسفات المادية اآللية التي سادت في القرن ()18
وأوائل ( )19ونعرف أن هلفيتوس والمتري من ممثلي المادية اآللية في القرن
( .)18وكانا يقوالن بنظرية (اإلنسان آلة) َفر َّدا التفكير إلى الجسم ووضع
المتري نظرية مادية في األخالق .وفي القرن ( )18وجدنا (كابانيه) يقول (أن
المخ يهضم ،بكيفية ما ،االنطباعات الحسية).
لقد نبه ماركس وأنجلز عقم الفلسفات اآللية وتخلفها عن مجاراة العلم
في تطوره وعجزها عن تقديم شروح مالئمة لكثير من النتائج العلمية.
وفي النهاية ،يأتي الحديث عن المادية التاريخية Historical
.Materialism
في البداية يجب التعرف على نظرية ماركس في التاريخ( .)71ومن
المعروف أن مالمح االشتراكية الماركسية المادية الديالكتيكية و(التفسير المادي
للتاريخ)(.)72
والمادية التاريخية هي علم فلسفي ،يتناول بالبحث قوانين حياة أي
مجتمع وتطوره في إطار ما يميز تلك القوانين عن القوانين الشاملة للوجود
عمومًا ،وهي أسلوب فلسفي في تحليل الظواهر االجتماعية يتجلّى في مراعاة
التناسب بين الموضوعي والذاتي ،بين الظروف واإلنسان( .)73إذن قوانين
التاريخ ظهرت من خالل التحليل العلمي الدقيق للمجتمع(.)74
-2األخالق الماركسية (بناء أخالقي بمقوالت ماركسية)
أ -مدخل عام
سوف نتناول فيه عدة نقاط من شأنها أن تكشف عن الحالة األخالقية في
الماركسية وهي:
النقطة األولى
إنسانية الماركسية – األخالق بين الفكر والعمل
1120
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
يتميز اإلنسان ،عند ماركس ،بمبدأ الحركة( .)75إن مبدأ الحركة ال ينبغي
أن يفهم بشكل ميكانيكي بل كدافع لحيوية خالقة كطاقة .إن ماركس يعتبر
العاطفة اإلنسانية (القوة الجوهرية لإلنسان ،التي تندفع بقوة إلى موضوعها).
تعقيب هذا القول ضد ما يشاع عن موت العاطفة الماركسية فهل حلت
العاطفة –هنا -محل العقل ..ال إنها توازنات ماركس التي لم يلتفت إليها أحد.
()76
إن ماركس يبدأ في التعارض مع النزعة النسبية السوسيولوجية
بفكرة أن اإلنسان ،بوصفه إنسا ًنا ،هو كينونة قابلة للمعرفة واإلدراك أي ان
اإلنسان ككائن ،من الممكن تحديده ،ليس فقط ،بيولوجيا ،تشريحيًا ،فسيولوجيًا،
ً
تجريدا وإنما –أيضًا-سيكولوجيًا(*)(*) .وهذا المفهوم للطبيعة البشرية ليس
بالنسبة لماركس ،مثله مثل هيجل .إنه جوهر اإلنسان في تغايره عن األشكال
ً
تجريدا المتنوعة لوجوده التاريخي فيقول ماركس (إن جوهر اإلنسان ليس
متأصالً في كل فرد ،على حدة).
()77
إذن ما هو اإلنسان الثري عند ماركس؟
طب ًقا لمفهوم ماركس عن اإلنسان الثري تنشأ رؤيته للفرق بين حس
الملكية وحس الوجود.
"لقد جعلتنا الملكية الخاصة أغبياء ومحدودين لدرجة أننا ال نعتبر
ً
موجودا بالنسبة لنا موضوعًا ما موضوعنا ،إال عندما نملكه ،عندما يكون
كرأسمال يؤكل – يشرب – يلبس – يسكن.
إن الماركسية( ،)78وكما تجلت في رأس المال وبما أنها علم يقرأ نظام
الوجود االجتماعي هي نقطة البدء لتأكيد فلسفة قيم ترسخ إنسانية اإلنسان وتبعث
حريته المهدرة.
إن كون العلم هو المنطلق ،يفرض على الفلسفة ،بما هي بحث في
القيمة ،تبرير وجودها ،وتبرير إمكان الفعل القيمي في الوجود الحيادي.
تعقيب يفهم من هذا الترسيخ أنها فلسفة إنسانية تعني بإنسانية الفرد .وبالتالي
بأخالقه.
ولذلك وجدنا أن من بين تأكيدات ماركس( )79الهامة هي مهمة اإلنسان
وهي مهمة أخالقية فمطلوب من اإلنسان أن يتطابق تمامًا مع الواقع ،أن يصبح
ما هو أن يحقق ماهيته في مظهره ،أن يتخذ نسق االختيار الوحيد الكلي ،فهذا
1121
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
الموقف -على األقل-له قوة قاعدة أخالقية كقوة قاعدة هندسية ،فالماركسية تحمل
أخالقية .ولكن مبنية فقط في مرحلة خاصة لحركة الواقع.
تعقيب هنا نجد إشارة واضحة إلى أن األخالق جزء من حركة الواقع
والتاريخ والديمومة فهي -إذن -ليست أبدية وال أزلية.
وهنا البد من الحديث عن مكانة األخالق نظر ًيا وعمل ًيا من زاوية
ماركسية.
في البداية كانت األخالق عبارة عن محاولة تطبيق األحكام والمبادئ
النظرية المقبولة فلسفيًا على حياة الناس أكثر من أن تكون مسألة فلسفية ما .وقد
ً
وحاثا على ً
واعظا بأنها شافية، دأب كل فيلسوف على إصدار (وصفة) أخالقية
تجربتها في الحياة ..ومن هنا صارت األخالق العملية إما مرتبطة بعلم
االجتماع المعروف بالسيوسيولوجيا أو محصورة بين دفتي كتاب من كتب
(آداب المعاشرة)(.)80
()81
وهنا يمكن القول أنه ال تبدو عالقة الماركسية بفلسفة األخالق
وأسس األخالقيات الموضوعية للشيوعية مسائل عملية مستقلة ،وعندما يتناول
الماركسيون ،في الدول الصناعية المتقدمة بالفعل ،فلسفة األخالق فإنهم يميلون
إلى التركيز على النقد الماركسي لألخالقيات مستخدمينه لتمييز (االشتراكية
العلمية) عن النزعة الخيرية غير العلمية عند الليبرالية والديمقراطية
االجتماعية ،وحتى النقاد الجادون للماركسية مالم يكونوا هم منظري أخالقيات
يظنون أن العالقة الماركسية بفلسفة األخالق مسألة جانبية .إن الجهد المعادي
للنزعة األخالقية في الماركسية األوربية لم يؤد إلى رفض شامل للمعايير
والواجبات والمبادئ أو نبذ كل الفروض األخالقية.
وهكذا كانت نظرية ماركس وانجلز ومازالت مرشد للعمل وليست
عقيدة جامدة وأن خطأ كارل كاوتسكي وأوتوبا أنهم لم يفهموا هذا األمر .
()82
النقطة الثانية
من القيمة االقتصادية إلى القيمة األخالقية
وطبقية األخالق
بحثا في الوجود ،وال ً
بحثا في العمل الغائي ذاته ،سواء إن الفلسفة ليست ً
كان فعالً أخالقيًا فرديًا ،أو فعالً سياسيًا ،أو فعالً فنيًا ،وإنما هي بحث في القيمة،
1122
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
بحث في جدل القيمة مع الوجود ،وبالتالي تهدف إلى استخالص القانون وبحث
يستهدف الوصول إلى القيمة المطلقة – كما يرى البعض(.)83
إن شكل القيمة ،عند ماركس ،هو التمثيل المادي لهيئة العمل في تحديد
المجتمع ..وهو يعني بذلك شكل القيمة (كتصور لإلنتاج) .ولكن عندما نقول
المادة كتمثيل يعني شيًئ ا ما مختل ًفا أي نعني أن شكل القيمة ،في وجودها كتمثيل
للتركيب االجتماعي Social constitutionlوشكل القيمة يحدد بنقد العمل ونقد
ً
بسيطا وخاصة تحليل االقتصاد العمل يأتي من خالل تحليله ،وتحليل العمل ليس
السياسي ،فليس من البساطة تحليل االيديولوجيا والقانون والدولة فكل هذا يتم
في إطار الحركات االجتماعية(.)84
ولذلك نجد بعض االقتصاديين الماركسيين يتحدثون كثيرً ا عن نظرية
العمل للقيمة ،وتعريفها العام .وهو ما عالجه ماركس في أدبياته من خالل
عرض مشكلة التحول (التغير)(.)85
في كتاب (توني) المجتمع المستغل حديث عن أن السعادة ليست بعيدة،
وفي سبيل الحصول عليها واجه العالم كثير من النتائج غير المنتظرة ،والتي
تسبب متاعبه ،كما كان انعدام الفرص االقتصادية سببًا في المتاعب االجتماعية
في القرن ( )18وإذا كانت إرادة الحصول على القوة االقتصادية صادرة عن
تصميم كاف فإنها تجلب الثراء إال ان التصميم يقضي على (القيود الخلقية) التي
يجب أن تحد من السعي وراء الغنى ولذا يجعل الجري وراء المادة ال معنى له
ضا ،إذ أن ما يعطي األهمية للنشاط االقتصادي كأي نشاط آخر الهدف الذي أي ً
يوجه إليه .
()86
ومن هنا تحولت سلطة المال( )87إلى مصدر قوة ونفوذ وهيمنة واستبداد
ً
أفرادا أو مؤسسات أو وطغيان أي مصدر للسيادة والتسلط بالنسبة لمن يملكونه
طبقات على حساب األفراد ومن قوانينها النمو ألجل النمو La croissance
pour la croissanceواإلنتاج ألجل المنفعة ولذلك كان القتل والتدمير خاصية
جوهرية ومالزمة لسلطة رأس المال .فقد نشأت السلطة على أنقاض اإلنسان
والطبيعة وقد أطلق عليهم جارودي أي على أصحاب السلطة من الرأسمالية
(القتلة) الذين يريدون التضحية بكل شيء في سبيل تحقيق غايتهم ،وهو زيادة
الربح .هذه التسمية هي (حفار القبور) ألنهم يتسببون في قتل الفقراء وهذا
التدمير هو ما جعله يطلق على هذه السلطة مصطلح (طاحونة الشيطان) ،وهي
التي تخرب الطبيعة وتلوث الماء والهواء من خالل ممارستها االستغاللية(.)88
1123
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
أما بالنسبة لطبقية األخالق فإنها تأتي من خالل التعرف على اجتماعية
األخالق عند ماركس :وهي تعني انعكاسا للمجتمع حيث يتكون المجتمع من
قسمين :الجانب المادي المتمثل في نوع االقتصاد وحالة قوى اإلنتاج وشكل
ومسائل اإلنتاج ونمط العالقات اإلنتاجية االجتماعية ،والقسم الثاني هو الجانب
الفكري والمعنوي الذي يتمثل في األساطير واالعتقادات واألخالق والفنون وكل
الدالئل تقول إن الجانب الثاني أو ما يسمى بالبناء الفوقي ينبع من ويقوم على
أساس األول أي البناء التحتي أو المادي.
إن التطور الفكري يرتبط باالقتصادي واالجتماعي الذي يستطيع أن
يفسر طبيعته وأسبابه(.)89
إذن ،فإن كل قاعدة يقابلها بنيانها العلوي ،وإذا تغيرت العالقات الطبقية
بين الناس ،وتعدلت القاعدة التي يقوم عليها المجتمع أو انهارت وظهرت قاعدة
جديدة تغير البنيان العلوي القديم بدوره ،وأسرع إلى إخالء مكانه لغيره(.)90
وهكذا شهدت المائة عام األخيرة حدوث تغيرات كبرى في البناء
االجتماعي للبالد الصناعية المتقدمة ،ويمكن اعتبار تاريخ تلك الفترة – إلى حد
ما مؤثرً ا لنمو المساواة في مجاالت جديدة في الحياة االجتماعية أو نمو المواطنة
كما وصفه بعض الكتاب ومنهم T.H Mar shall (Citizenship and social
class) 1950كما اختفى مذهب الحرية االقتصادية المطلقة الذي كان أكثر
تطر ًفا من الواقع العملي(.)91
ومن هنا يقرر (بوتومور) أن الفروق الطبقية الموجودة في النظام
التربوي في (الهند) قائمة في كثير من المجتمعات ،ففي كل مجتمع نظام للتدرج
االجتماعي وبالتالي يوجد تباين داخل النظام التربوي نفسه(.)92
وعند ماركس – نجد بوضوح – أن المادية الديالكتيكية تؤكد أن لكل
طبقة أخالقها ومصالحها ،وأن لكل مجتمع طبقي أكثر من أخالق واحدة ،بعكس
القوانين ،فهي تعبر – عادة -عن الطبقة الحاكمة ،وما تراه لها من حقوق على
الطبقات المحكومة وواجبات لهؤالء تجاهها ،بحيث تسلب األكثرية المستغلة
حقوقها وتحولها إلى متاع وآالت إنتاج ليس غير إذن فإن محاولة تبديل أخالق
لمجتمع معين ال تتم إال بتغيير البناء التحتي (األسس المادية االجتماعية)(.)93
إذن األخالق ليس إال أخالق طبقة وعندما يصل أنجلز إلى هذه النقطة
يلفت االنتباه إلى الوجه العقائدي األيديولوجي لألخالق ..واقعة أن األخالق
1124
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
يمكن استخدامها لحماية المصالح الخاصة وتبريرها لطبقة ما ويؤمن بفكرة أنه
طالما كان المجتمع مقسمًا إلى طبقة تحكم وطبقة محكومة فإن تطبيق قواعد
األخالق يتجه إلى االكتفاء بحماية طبقة أو إلى اإلثقال على كاهل أجزاء معينة
في المجتمع(.)94
وهنا يجب اإلشارة إلى تأثيرات هيجل على ماركس في مسألة األخالق
االجتماعية واستنتاج Deductionاألخالق االجتماعية من األخالقية عامة..
(.)95
1125
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
النقطة الثالثة
سؤال األخالق الماركسية
بين الوعي التقليدي والوعي التجديدي
في هذه النقطة نحاول كشف الغموض عن الموقف األخالقي الماركسي
وأسئلته ومنهجه ومشروعه .وبالتالي المهمة الحقيقية للقيم األخالقية في
الماركسية.
يرى كامنكا في (األسس األخالقية للماركسية)( )96أن العالقة بين
الماركسية وفلسفة األخالق يجري تناولها تلميحً ا ونادرً ا ما يجرى استكشافها،
والمجادالت حولها لم تقدم إال أحكامًا(*)(*) فيما يخص المسائل التضمينية فيها
وماركس نفسه لم يقدم شيء مخصصًا بشكل مباشر لمشكالت الفلسفة الخلقية.
ودليل ذلك ال يوجد تحليالً نقديًا لمعنى المصطلحات الخلقية أو أساس التفرقات
األخالقية ،وال نجد بالفعل أنه تناول بعناية مفهوم اإللزام الخلقي أو معيار تميز
المطالب الخلقية عن غيرها من المطالب .ولكنه من المؤكد أنه رفض بالفعل
تصور فلسفة األخالق باعتبارها علمًا معياريًا ،لقد أنكر – بالمرة -وجود قيم
ومعايير خارج العالم التجريبي للوقائع.
وكان ال يسأل عما ينبغي أن يكون ،بل يسأل عما هو كائن ،ومع ذلك
فإن األجوبة ،التي أدلى بها ظهرت في أعين الكثير من تالمذته ونقاده على أنها
أخالقية ودعائية أخالقية(.)97
وإن كنا نختلف مع بعض ما عرضه كامنكا بخصوص األخالق
الماركسية ،إال أننا البد ،لكي نستكشف حقيقة الموقف الخالقي عند ماركس ،أن
نتعرف على أسئلة الماركسية عن القيم.
السؤال األول )98( :عن كيفية الوصول لمستويات القيم األخالقية
والجمالية وعلى أي شيء يمكن تحديدها؟
السؤال الثاني :منذ أصبحت هذه المستويات متنوعة فكيف يمكن لنا أن
نكتشف األشياء الصحيحة.
إذن سيبقى – دائمًا-السؤال حول موقف الماركسية من القيم( ،)99حيث
توجد ثالثة أنواع من االقترابات األول ما هو الخير والشر ،وما هو الجميل
1126
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
والقبيح وال توجد طريقة إلثبات إجابة واحدة هي الحقيقة Trueواألخرى فاسدة
False؛ ألنها موضوع الختالف المشاعر.
أما االقتراب الثاني فهو ميزة characteristicالمؤسسة والنظام الديني
والقيم األخالقية هنا ال تخلق بواسطة اإلنسان بل يأمر بها إله معبود ما فوق
الطبيعة Super Mature deityوهي أبدية أزلية eternalوغير متغيرة
Unchangeableوعلى اإلنسان أن يطيعها must obeyألنها إرادة هللا كما أن
العصيان والتمرد عليها يؤدي إلى عقاب اإلله God’s punishmentبعد
الموت.
أما االقتراب الثالث فهو أن قيم اإلنسان ليست تح ّكمية تعسفية ،فاإلنسان
هو الذي يخلق قِي َمهُ .إنه يخلق قيم معينة ،ويرفض أخرى وتحدد بواسطة العلل
،causesالتي يكتشفها وقيمة الحقيقة إنما تحدد بواسطة طبيعته واحتياجاته
وإمكانياته ،potentialitiesوهو يطورها كموجود إنساني.
والماركسية تؤكد على االقتراب الثالث( )100وتنحاز للمفكرين من
والفالسفة من أمثال أرسطو – اسبينوزا – هولباخ – كونت – جون ستيوارت
مل – ديوي.
ومن هنا ندرك أن ماركس( )101ينفي علم األخالق التقليدي ،وتبقى -بعد
ذلك -مسألة فعل اإلنسان وقواعده فما من شك في أن على اإلنسان أن يفعل.
فالماركسية هي نقد لكل علم أخالق تقليدي مبنىٍّ على ميل يتجاوز االختيار
(األمر المطلق – القانون اإللهي – القانون الطبيعي).
ولذلك يؤكد (روبل)( )102على أن علم األخالق الماركسي يتميز –سلبيًا-
بجهله األوامر األخالقية ،وإيجابيًا ،إن مسْ لكه برجماتي(*)(*) عملي بصورة
أساسية وهو يلتقي من خالل فيورباخ ،بفكر أكبر جاهلي األوامر األخالقية وهو
اسبينوزا.
()103
إذن كيف يمكن لإلنسان أن يختار قيمة في الماركسية؟
إنها تعتمد على الشخص الخالق المبدع ثم محاولة اختبارها
examiningمن خالل التفكير فنختبر ما هو مقبول بالنسبة لنا ،ثم نحاول أن
نتبعه من خالل ما هو األفضل ،ألن اإلنسان هو صانع هذه الطرق ..مثل ذلك
مثل الطعام فليس كل الطعام متشابه في الجودة إنه اختيار يعد عقليًا rational
وعلميًا Scientificبتأثير الجوهر المعطى في نماذجه المختلفة للبشر ،وحتى
1127
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
على مستوى الدول وظروف الحياة يمكن لنا تحديد ما هو الجيد .هذه هي وجهة
نظر الماركسية.
وهذا ما يؤكد ،عند ماركس ،تلك العالقة الواضحة بين الوعي
واألخالق( ..)104حيث يكون الوعي في موقف يحرر به نفسه من العالم ،ويسير
بنفسه نحو تشكيل األشياء المجردة كالدين – الفلسفة – األخالق ،وكل ما هو
نظري خالص لكن لو حدث وعارض الدين أو األخالق ،أو الفلسفة أو كل ما
هو نظري ،العالقات القائمة الموجودة ،فإن هذا يعني أن العالقات االجتماعية
القائمة قد صارت إلى وضع تناقض قيمة مع قوى اإلنتاج القائمة وهذا األمر
يحدث في مجال العالقات القومية بظهور التناقض بين الوعي القومي ووعي
األمم األخرى.
وهنا يؤكد ماركس أن األخالقيات العقالنية والقانون العقالني مبادئ
للسلوك(.)105
إذن المهمة األخالقية المقصودة ،عند ماركس ،ليست سوى نداء ال
يقاوم ،ال يمكن للبشر ،في وضع معين ،أن يتملصوا منه مجموعيًا على
األقل(.)106
إن فكرة الكل أو المجموع لها أهمية كبرى في صميم الفلسفة
الماركسية ،وحسبنا أن نقول عن هذه الفلسفة أنها مادية تقول بالتغير وتؤمن
بالصيرورة وتفهم الديالكتيك سواء في األشياء أم في الفكر فالحقيقة عند
طابع نسبيٍّ مؤق ًتا ،وبالتالي ال توجد أخالق أبدية كما ظن
ٍ الماركسيين ذات
الفالسفة بل إن األخالق هي أخالق طبقة من الطبقات .
()107
تعقيب هذا الرأي مردود عليه فاألخالق غير متوحدة داخل الطبقة الواحدة
فهناك استثناءات غفلها ماركس وأنجلز ،تتعلق بالفردانية والخصوصية .ففي
داخل المجموع توجد األنا الجماعية واألنا الفردية.
فقد أصدر لوكاش( )108كتابه (التكنيك واألخالق) وق َّدم فيه ،ألول مرة،
في الفكر الماركسي محاولة لتأسيس فلسفة القيم في الممارسة الحزبية داخل
الحزب ،وفي العالقة مع الجماهير وداخل عالقات اإلنتاج .وكان يريد أن ينتقد
الممارسات االنتهازية واالستيالء على ممتلكات الشعب.
كما يمتدح لوكاش Lukacsسيمون دي بوفوار لقولها بأنه ليس هناك
مشكلة في هذا العصر ،سوى مشكلة أخالقية واحدة هي ما رأيناه في الماركسية
1128
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
وهناك مقالتان فلسفيتان تعالجان مشاكل العقيدة السياسية والعمل (أزمة األخالق
الماركسية) هذه هي المشكلة نفسها التي لفتت اهتمام سارتر أيضً ا ،وهذه
المشكلة تعتبر ،بالنسبة له ،خطأ إيمانه المنهار سواء كان هذا الخطأ من قبل هذه
المشكلة – أم لم يكن تلك المشكلة ،التي تبدو وقد بهرت إحساسه األخالقي في
االعتبارات األخرى(.)109
كما يقول كامو :ينبغي أن نؤكد الجانب المشرق في األخالق الماركسية،
والتي كانت األساس الذي قام عليه الحكم الماركسي وعظمة كارل ماركس
نفسه ،فماركس يعلي من قيمة العمل ،وقد ذكر ماركس أصحاب االمتيازات بأن
امتيازاتهم لم تكن باالمتيازات الصادرة من السماء أن ما يملكونه ليس ح ًقا قدريًا
قد وهب لهم لألبد وفضحهم ماركس واتهمهم باإلجرام(.)110
إن األهداف اإلنسانية النبيلة من إلغاء الستغالل اإلنسان ألخيه اإلنسان
والقضاء على االغتراب وتحقيق أرقى أسباب الحرية والمعرفة والوفرة للفرد
والمجتمع .إن هذه األهداف التي يحملها المشروع االشتراكي هي أهداف مفتقدة
في المشروع الليبرالي(.)111
ِّ
والمنظرين السوفيت قد بدأوا في إلحاح على فقد كان الحزب الشيوعي
أهمية فلسفة األخالق في الماركسية لدواعي سياسية واضحة وألن الماركسية
الراديكالية في العشرينات قد أصبحت غير مالئمة بشكل متزايد لمشكالتهم،
ً
متزايدا ومن زاوية أخرى فإن نقاد ماركس في أوربا الغربية قد أظهروا اهتمامًا
بالتصورات األخالقية الفلسفية وخاصة االغتراب(.)112
ومن هنا جاء التركيز على الفروق بين األخالق البرجوازية وأخالق
البروليتاريا ..أخالق البرجوازية تعكس مبادئها ،وأساليبها أنانية وفردية،
وطريقة حياتها ال أخالقية؛ ألنها تتعارض مع المصالح المشتركة لإلنسانية .ثم
أخالق االشتراكية (البروليتاريا) التي خلقت في ظل النظام القديم والمبادئ
األخالقية التقدمية(.)113
وسوف نقوم بتحليل نوعي األخالق فيما بعد؛ فقد كانت األخالق،
ومازالت ،هي البحث عن توقير الحياة وتوكيدها إنها الحياة الكريمة للبشرية.
إن الحياة( )114تنمو .كما جاء في فلسفة الحضارة – من نفس الجذر
الذي ينمو منه توكيد العالم والحياة ألن األخالق ليست ،هي األخرى ،غير
1129
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
احترام للحياة .وهذا ما يزودنا بالمبدأ األساسي في األخالقيات ،ونعني بذلك أن
الخير هو في حفظ الحياة وترقيتها وأن الشر هو تحطيمها وتضييق أفقها.
أن معنى توقير الحياة( respect of life )115أن يكون المرء في قبضة
أفراده الالمتناهية الالمفسرة الدافعة قُ ُدمًا ،القائمة في الوجود إنها ترفعنا فوق كل
معرفة باألشياء وتجعلنا نصير مثل شجرة آمنة من التيارات .ألنها مغروسة
وسط الجداول الجارية.
وذلك ألن البشر ال يقنعون باالكتفاء بعيش الحياة ولكنهم يرون أنفسهم
مضطرين إلى تقييم وجودهم ،وتحديد هل يحيون حياة كريمة أم حياة بشعة ،فهم
يسْ عون للحكم على قيمة األهداف(.)116
فهل األخالق بهذا عند ماركس لها الصفة الموضوعية؛ وما هو
قانونها الخلقي؟؟
إن األخالق الموضوعية ال تنتهي وال تختفي عند ماركس ،وال يمكن
استبعاد تفسيرها (ما هو سيء بصفة عامة يظل سيًئ ا وال يهم الشخص الذي هو
صا أو موظ ًفا حكوميًا"(.)117
حامل للسوء ،سواء كان ناق ًدا خا ً
أما القانون الخلقي( Moral Law )118فهو مبدأ أخالقي في الفلسفة
المثالية يستخدم كقاعدة للسلوك .وقد صاغ فولتير القانون الخلقي كقاعدة
لألخالق (عامل اآلخرين بمثل ما تريدهم أن يعاملوك به) وقدم كانط القانون
األخالقي باعتباره تنبيهًا أخالقيًا غير مشروط ال يحتاج إلى تبرير أخالقي .أما
األخالق الماركسية فترفض نظرية القانون الخلقي باعتباره مقولة خارج
الطبقات والتاريخ.
ودليل ذلك أن نظرية ماركس( )119ترتكز على صراع الطبقات وأن قوة
المذهب الماركسي ال تقوم على نظرته إلى التاريخ أو التنبؤات المستقبلية التي
يبنيها على هذه النظرية ،بل على إدراكه الواضح بفعل الظروف االقتصادية
وتأثيرها في اإلنتاج (الفكري – الفني – الخلقي) على اإلنسان – كما يرى
سارتر.
ومما يؤكد على قيمة التفسير المادي للتاريخ وعالقته باألخالق( )120هو
ما ذهب إليه كوتسكي kautskyمن أن التفسير المادي للتاريخ هو أول تفسير
طرح على نحو متكامل المثال الخلقي على أنه العامل الموجه في الثورة
االجتماعية .وأن هذه النظرية قد (علمتنا أن نستنبط أهدافنا االجتماعية من
1130
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
معرفة األسس المادية وحدها ،فوضّحت لنا ما ينبغي أن نفعله في كتابه (فلسفة
األخالق والتفسير المادي للتاريخ).
ومن خالل المنظور المادي للتاريخ وعالقته باألخالق يمكن النظر إلى
األخالق الماركسية نظرة تطورية.
()121
والسؤال هو :ما هي األخالق التطورية
هي اتجاه آلي في فلسفة األخالق أسسه سبنسر وكان من المؤمنين
بنظرية األخالق المتطورة في القرن ( )20المبادئ األساسية لألخالق التطورية
هي ينبغي أن يكون للسلوك األخالقي لإلنسان وظيفة التكيف مع األشياء
المحيطة ،والعملية التطورية هي معيار األخالقيات وكل شيء يدعمها فهو خير
وكل شيء يعارضها فهو شر.
وتب ًعا لذلك نجد الهيجلية( – )122التي تأثر بها ماركس – هي نظام
يصعب استخالص أخالق منه إال إذا كان القول يعيش الواقع عقالنيًا ،وهذا ما
يعادل موقف العلم المطلق الجديد بفهم (التطور) بصورة كاملة.
الماركسية هي هيجلية حقيقية بحيث إنها تتمكن -بصعوبة بالغة -من
تقديم أساس أخالقي بالمعنى التقليدي.
عالقة المادية باألخالق
يرى البعض أن المادية تأخذ معنى الالأخالقية ،إلى الرغبة العارمة في
الملذات واألفق الضيق الذي ينحصر في الحاجات المادية فقط(.)123
والسؤال هل هذا صحيح ،طب ًقا لما عرضناه ،عن األخالق الماركسية ..
إنه سؤال.
يفسر سارتر في (المادية والثورة)( )124عالقة المادية باألخالق ..فقد
عرّ ف أوجيست كونت المادية بأنها المذهب الذي يحاول أن يفسر األعلى
بمفاهيم األدنى وكلمتا األعلى واألدنى ال يجب أن نفهمهما –هنا -بمعناهما
األخالقي لكن كشكلين معقدين بصورة ما لنظام ما من النظم – كما ينظر
البعض إلى العالم على أنه أدنى منهم ،كما تنظر الطبقة المضطهدة إلى نفسها
كطبقة أعلى.
1131
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
وعند غوريون( )125نجد أن طريقة إنتاج الحياة المادية تحكم العمليات
االجتماعية والسياسية والروحية للحياة عامة من أهمية استثنائية لفهم التطور
االجتماعي.
ويؤكد مكسيم جوركي( )126على أن الشعب هو القوة التي تخلق القيم
المادية(*)(*) ،وهو كذلك ،المصدر الوحيد الذي ال ينضب لكل القيم الروحية،
فالشعب من قبل الشعراء والفالسفة ،الذين ال يبارون في عبقريتهم اإلبداعية ،هو
مؤلف أعظم الشعر والمآسي ،التي قدر لها أن تكتب وأعظمها جميعً ا هو تاريخ
الثقافة اإلنسانية (وقد جاء ذلك في مقال بعنوان" :تحطيم الشخصية" كتبه
جوركي عام 1908ونشره عام .)1909
إذن فإن معالجة األخالق وتطورها( )127وتاريخ الفكر يصبح بال معنى
وال خطة إذا لم يكن على أساس معالجة تأريخية مستعرضة للتشكيالت
االقتصادية االجتماعية الكبرى ،كما أن المبادئ الخلقية والحقوق الدستورية
والتشريعات القانونية ليست معايير عقالنية أو خالدة يسبق المجتمع ويحدد
طبيعته من أعلى ،بل هي تنتج من طريقة الحياة ووسائل المعيشة والنشاطات
االجتماعية وليس العكس ،ولذلك فإن المبادئ الخلقية والحقوق الدستورية
واألنظمة القانونية تتغير باستمرار.
إذن الحياة ليست مادية فقط عند الماركسيين ،ودليل ذلك ما جاء به د.
زكريا إبراهيم في (مشكلة الحياة) ( )128فيقول :حتى لو تصورنا الحياة على نحو
مادي صرف سواء أكانت هذه المادية ميكانيكية أم ديالكتيكية ،فإننا لن نستطيع
أن نعد الحياة البشرية مجرد انعكاس لقوانين العالم المادي (الطبيعي) على
المجتمع البشري ،ومن المعروف كيف َرحَّ ب الماركسيون (-مثال) -بنظرية
داروين في النشوء واالرتقاء ،ولكننا نجد أن انجلز يرفض تفسير الوجود
البشري باالستناد إلى مبدأ الصراع من أجل البقاء ،وحجته في ذلك أن هناك
فار ًقا أساسيًا بين نشاط الحيوان ونشاط اإلنسان ،ألن كل ما يستطيع الحيوان
القيام به هو عملية (التجميع) في حين أن اإلنسان ينهض لعملية (اإلنتاج) فيجهز
بنفسه وسائل معيشته محق ًقا بذلك عملية ما كانت الطبيعة تستطيع القيام بها بدونه
ولذلك يرى انجلز أن داروين لم يفطن إلى أن الحياة البشرية ال تعني البحث عن
وسائل المعيشة بل تعني اإلنتاج واالستمتاع والترقي.
وفي النهاية ...إذا كانت المادية ال تعني نفي األخالق ،فهل يمكن
اعتبار الماركسية فلسفة نفعية؟
1132
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
يرى كامنكا( :)129أنه يوجد إيحاء خافت بوجود نزعة وسيلية
instumentalismأي وجود نزعة برجماتية ،بالمعنى الحقيقي ،كامن في ربط
ماركس الحقيقة بالواقع (القوة) فإذا كان ماركس يقول إن العقائد الحقة تجري
البرهنة عليها ،أو تتأكد –باألحرى -في الممارسة في تناولنا ،وتعاملنا مع
موضوعات هذه العقائد إذن فإن هذا يكون صحيحً ا ،وإذا كان ماركس يقول ما
قاله البرجماتيون إن (كل س هو ص حقيقة) وهذا ال يعني سوى (أن كل س هو
ص هكذا في الممارسة).
نظرة نهائية حول تأرجح األخالق الماركسية
بين القبول والرفض
مهما قيل عن زيف األخالق الماركسية من قِبل البعض إال أنها موجودة
وموجودة بعمق.
فقد استند البعض على زيف األخالق من خالل ما ورد في (البيان
الشيوعي)( )130مثل (إن القانون واألخالق والدين ليست كلها ،في نظر
البروليتاريا ،إال أوهامًا برجوازية تؤمن بأهدافها وكل وسيلة تؤدي إلى هذه
الغاية هي خير .إن النظام الخلقي في أي مجتمع وديانته وقوانينه ليست غير
جزء من بناء زائف أقامته ظروف اإلنتاج ،فهي تترجم بالتالي إلى مصلحة
الطبقة السائدة).
وأن معنى هذا أن القيم األخالقية ،والمثل والمعايير إنما تمثل فقط تعاليم
الطبقة السائدة ،وطبيعي أال تجد القيم الخالدة في العقائد الدينية مكا ًنا لها ضمن
اإلطار المادي عن األخالق .فقد أعلن لينين 1920ان األخالق هي كل ما
يؤدي إلى هدم هذا المجتمع االستغاللي.
والحقيقة –عندنا -أن السؤال عن األخالق الماركسية هو سؤال عن
وجود وتفعيل ،ال عن عدم وغياب.
إذن ،نعم توجد أخالق ماركسية( ،)131ويوجد مذهب أخالقي يختلف عن
األخالق التقليدية المرتبطة بالالهوت ويتحدث لينين عن األخالق الماركسية
ويتساءل هل توجد أخالق شيوعية؟ بديهي أنهم يزعمون أن ليس لنا أخالق.
وفي هذا خلط يشوش األفكار يزرع االضطراب في عقول العمال والفالحين
فبأي معنى ننكر األخالق ..إننا ننكر األخالق ،التي تب ِّشر بها البرجوازية ،في
دعواها أن األخالق مشتقة من أوامر هللا.
1133
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
إذن ليست الماركسية ً
محوا لألخالق والتاريخ يشهد بذلك(.)132
موقف الماركسية من الدين موقف تأملي وعالقته باألخالق
في البداية يجب التعرف على موقف فيورباخ من الدين هذا الموقف
الذي تأثر به ماركس إلى حد كبير..
فكان لكتاب فيورباخ (ماهية المسيحية)( )133أهمية كبيرة وخاصة أنه أخذ
كمواصلة لحملة اليسار الهيجلي على الكنيسة الكاثوليكية شأنه شأن كتابي شتراوس
وباور ..وعن هذا الكتاب أخذ ماركس فكرة الصلة بين الماهية والحاجة.
وموقف فيورباخ من الدين( )134ينطلق من واقعة أن الدين يجعل اإلنسان
غريبًا عن نفسه ،ويشطر العالم إلى عالم ديني موضوع (مادة) التصورات
وعالم دنيوي ويقوم عمله على تحليل الدين في ركيزته الدنيوية .وهذا األمر
تبرزه بوضوح هذه المالحظة في رأس المال (المجلد األول – الكتاب الثاني –
المنشورات االجتماعية – باريس .)1967
ومن وجهة نظر ماركس( ،)135ومن بعده مانهايم ،هو بديل للعلوم
الطبيعية واالجتماعية ،لقد نشأ الدين لزمن األدغال والمغاور من تخيالت بدائية،
ومن تخيالت أساء فيها اإلنسان الفهم لطبيعته الخاصة وللطبيعة الخارجية
()136
المحيطة به ...أي أن الدين ال ينظر إليه كأيديولوجية عند ماركس
Religionas Ideologyويأتي ذلك من تأثر ماركس بفيورباخ من زاوية
الجوهر اإلنساني والوجود المقدس .ففي الدين اإلنسان يخلق هللا فيظهر اإلنسان
على أنه خالق creatorويعتبر هذا التصور هامًا للذاتية والموضوعية للخالق
والمخلوق وهو أصل للتصور الماركسي في االغتراب والعزلة.
إن التصورات الدينية( )137عند ماركس في عداد الخيال االجتماعي.
ولكن ال ينبغي إعطاء هذا التعبير أي معنى تحقيري ،فكل ما تقدم يرى بخالف
ذلك إلى إثبات أن الخيالي ينطوي على حقيقة ،غير أن التصورات تنسق وفق
منطق الكالم ،وأن النصوص المقدسة في معظمها تعبر بصورة أمثال وأساطير،
ومن ثم البد من تأويلها لتوضيح معناها الباطني .ورسالة اإليمان قابلة لتأويالت
مختلفة وحتى متناقضة وقد استطاعت حث البشرية على الخضوع إلى التسليم
بالنظام القائم واستطاعت سوقهم إلى تحمل آالمهم باعتبارها مشيئة الرب ..
والحال هذه انتقد الماركسيون الدين ال كدين بل كأيديولوجية ،ولذلك لم يجعل
1134
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
ماركس وانجلز ال نظريًا وال عمليًا من الكفاح المناهض للدين هد ًفا ثوريًا كما
يرى ميشال.
ومن هنا جاء موقف ماركس( )138من نقد للدولة الدينية وموقفه من العلم
الروحاني والتصوف.
ومن المعروف أن لماركس موافقاته على األفكار المسيحية في سنواته
الدراسية ،والمرحلة الثانية معارضة للمسيحية ومجموعة معتقداتها في الوقت
الذي كان فيه طالبا في جامعة برلين .أما المرحلة الثالثة فهي استخدام النقد
الديني عن طريق تحليل االقتصاد االجتماعي .Socio- economic analysis
فقد ظهر ذلك في عام .1472
والدين وجهة نظر أكاديمية برجوازية( ،)139هو نظرة إلى الكون
وطريقة حياة محددة باإليمان بوجود إله أو ألوهية ،هو شعور باالرتباط والتعلق
تجاه قوة سحرية مبجلة ،إال أن هذا التعريف غير مفيد ألنه مثالي ،ال يربط بين
الشعور والواقع وبين البناء الفوقي والعالقات االجتماعية.
ولذلك يقول انجلز – الدين انعكاس خيالي في رؤوس الناس لتلك
القوى الخارجية التي تتحكم بوجودهم اليومي.
ومن هنا فليس موقف الشيوعية( )140المعادي لكل دين عداء ال هواده فيه
ظاهرة عرضية – كما يرى المؤلف – وإنما هي نابع من جوهر النظرة
الشيوعية العامة إلى الحياة ونظام الحكم الشيوعي نظرة متطرقة لتمجيد الدولة،
والشيوعيون يعلنون إلحادهم النضالي ،والشيوعية هي عدو لكل أشكال الدين
وخاصة الدين المسيحي ال بوصفه نظامًا اجتماعيًا ،وإنما باعتباره دي ًنا في حد
ذاته ،ألنها تريد أن تكون نفسها دين وأن تحل محل المسيحية.
ومن هنا جاء قول اريك فروم( )141بأن فلسفة ماركس مذهبٌ وجوديٌ
روحيٌّ بالمعنى غير الديني ،إنها ،يسبب هذه الخاصية الروحية بالذات،
تتعارض مع التجربة المادية العصرية وتتفارق كثيرً ا عن الفلسفة المادية السائدة
هذه األيام ..إن االشتراكية مذهب (خالص نبؤي) حسب لغة القرن (.)19
في حين يرى البعض أن نقد ماركس للدين( )142مطابق إلنكاره كل القيم
الروحية .وقد بدا هذا األكثر وضوحً ا ألولئك الذين ي َّدعون أن اإليمان باهلل هو
شرط التوجه الروحاني ،ولكنّ هذه التصورات الشائعة عن مادية ماركس
وعداءه للنزعات الروحية والنظم اإلنسانية هي صورة زائفة كليًا.
1135
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
ومن هنا كان البد من مناقشة جملة ماركس الهامة الدين أفيون
الشعوب ..ألن ذلك سيؤسس للعالقة بين الدين واألخالق عند الماركسية.
كتب ماركس(" )143إن الشدة الدينية هي في جزء منها التعبير عن
الشدة الواقعية ،وفي جزء آخر االحتجاج على الشدة الواقعية الدينية ،وهو
تحسر اإلنسان المضطهد ،حرارة عالم عديم الشفقة ،مثلما هو روح األوضاع
االجتماعية التي ال مكان للروح منها :إنه أفيون الشعوب".
هذه العبارة (أفيون الشعب)( )144كانت مادة تعليقات كثيرة يكشف –
أغلبها -عن ال فهم كامل لفكر ماركس فهو تفسير ،كإدانة قاسية ،للدين .وسياق
الكالم جاف بخالف ذلك إلقامة الدليل على أن هذه العبارة هي باألحرى (تقويم
مدحي) فمن المحتمل أن يذكر األفيون في أيامنا هذه بمخدر تالشى تأثيراته
اإلرادة والملكات الفكرية ،لهذا الذي يستعمله .وفي القرن ( )19كان دواء
يستعمل عادة في مختبرات األدوية كمسكن وتسميه الدين باألفيون كان ،ببساطة
تذكيرً ا بالخاصيات المهدئة لآلالم اإلنسانية ،وكان برها ًنا استخدمه بسعة علم
الدفاع عن العقائد المسيحية لمصلحة الخاصة.
إلى جانب أن هذه العبارة ليست ابتكارً ا لماركس بل لكانط (الذي ال
يخفي إيمانه الديني على أحد ففي (الدين في حدود العقل) يستخدم كانط في
الواقع هذه العبارة لإلشارة إلى المواساة التي يحملها الكهنة إلى فراش المشرفين
على الموت.
استغلت لتعطي معنى ()145
ومن هنا يمكن القول إن كلمة (أفيون)
ومغلوطا تمامًا كما فعل معارضوً االستهانة بأن فسرت تفسيرً ا مغرضًا
ً
ا مضلال ،بل فسروها بعكس ما أريد بها تفسيرً الماركسية ،حين فسروا ماديتها
تمامًا ،وواضح أن ماركس يقصد بأفيون الشعوب معنى (التنهيدة والتنفيس ال
التخدير) بل إن الذي قصده في كل ما جاء في الفقرة هو أن يقول إن البشرية
وجدت في الدين عزاءها فيما كابدت من شقاء وعانت من ظلم.
ومن هنا كان إلغاء الدين ،عند ماركس )146(،من أجل سعادة حقيقية؛ ألنّ
الدين سعادة وهمية للشعب ،يعني عند ماركس المطالبة بالسعادة الحقيقية
والمطالبة بتخلِّيه عن األوهام في وضعه ،تعني المطالبة بتخلِّيه عن وضع يحتاج
إلى أوهام ،إذن فإن نقد الدين هو أصالً نقد وادي الدموع هذا الذي يشكل الدين
هالته.
أن القوة الرئيسية ،التي تؤدي إلى التغيرات في ()147
ولهذا رأى ماركس
اإلدراك البشري والتنظيمات االجتماعية ال يمكن العثور عليها في العقل البشري
1136
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
وال في أي فكرة سامية أو وحي مقدس ،بل في الظروف المادية للوجود (إنتاج
ضروريات الحياة) الذي يعتمد على قوى اإلنتاج.
لذلك وجه ماركس اللوم إلى األخالق المسيحية ،وخاصة حول الزهد
في نقده الديني ،ولكن ماركس في نقده ال يهاجم األخالق المسيحية وحدها كما
هو يفهمها ..فالماركسية تنقد كل قيمة ،كما تنقد كل حقيقة أزلية فال توجد حقيقة
مبررة إال في التطور التاريخي الفعلي ،كما أنه ال يمكن أن يكون ثمة قيمة إال
مثبتة في هذا التطور.
تعقيب ومن هنا فالحقيقة عند ماركس في باطن التاريخ فالماركسية بناء
على هدم وإبراز لصورة أخالقية خارج اإلطار التقليدي..
-4األخالق الماركسية بين االغتراب والنضال
أ-أخالق االغتراب والعزلة
إن مفهوم االغتراب( Alienation )148يكشف عن تنوع استعماله وتعدد
معانيه ،وبعض هذه المعاني تعاني من الغموض إلى درجة تكاد تنتفي معها
قيمتها العلمية .وأن الجانب المعرفي Congnitive A spectلهذا المفهوم قد
تعرض لتحليل في عدة اختصاصات ومازال الباحثون المعاصرون يعلقون على
فحصه لتشخيص داللته.
واالغتراب بمعنى االنفصال – االغتراب بمعنى االنتقال – االغتراب بمعنى
الموضوعية – انعدام القدرة والسلطة – انعدام المعنى – تالشي المعايير.
وقد تعددت التحليالت( )149اللغوية لكلمة اغتراب(*)(*) وخاصة داخل
السياقات المتعددة .السياق القانوني – السياق النفسي واالجتماعي – السياق
الديني.
والسؤال هو هل االغتراب خاصية مميزة للوجود اإلنساني( )150في
العالم أم أنه مرتبط بوجود اإلنسان في عالم تاريخي معين؟ أم أنه ظاهرة يمكن
التخلص منها ألنه يرجع باألصل إلى وجود بعض المالبسات واألوضاع
والظروف التاريخية ،ويمكن تغييره إذا تغيرت الظروف االجتماعية
واالقتصادية؟
االغتراب –إذن -هو االنسالخ عن المجتمع والعزلة(*)(*) واالنعزال .وقد
يضاف إلى هذا اإلخفاق في التكيف مع األوضاع السائدة في المجتمع والالمباالة
وعدم الشعورباالنتماء وبمغزى الحياة ..ومفهوم االغتراب قديم ،وليس قاصرً ا
1137
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
على المجتمع الصناعي الحديث ..فاالغتراب ظاهرة إنسانية توجد في مختلف
أنماط الحياة االجتماعية وكل الثقافات كما أن لها أصول ميتافيزيقية قديمة.
كما يتناول تاريخ االغتراب موضوع رفض القيم السائدة الستحداث قيم
جديدة مثل ما قام به الثوريون من مغادرة أوطانهم فقد عانوا تجربة االغتراب.
إرهاصات االغتراب بين هيجل وفيورباخ
يجمع الباحثون على أن هيجل 1831-1770هو أول من استخدم في
مقصودا ومفص ً
ال ،ومع تزايد البحث في ً فلسفته مصطلح االغتراب استخدامًا منهجيًا
تأثير هيجل على من جاءوا من الفالسفة الذين أخذوا عنه هذا المصطلح ،تزايد
البحث في االتجاه العكسي ،أي تأثر هيجل بالسابقين أو المعاصرين له(.)151
واالغتراب في الفلسفة الهيجلية )152(،يعني االستالب أيضً ا ،وقد
اعتمدها هيجل في التعبير عن تصوره واقع الوجود بأنه ظاهرة استلبت أو
انتزعت من ماهيتها التي هي الفكرة المجردة أو الحقيقة المطلقة ،فالوجود لهذا
في (غربة) افتقد بها حقيقته ،وصار يسعى عبر الزمن أو التاريخ إلى استعادتها
أي ان الوجود نقص افتقد جوهره أو روحه ،وراح يسعى بالتغيير المتواصل
إلى استعادتها.
ولذلك يعتبر هيجل( )153هو المفكر الذي أغنى مفهوم االغتراب حيث
اعتبر تاريخ اإلنسان هو تاريخ االغتراب فهو يكتب في فلسفة التاريخ "إن ما
يسعى العقل حقيقة من أجله ،هو تحقق فكرته ،ولكنه في فعل ذلك ،يقوم بإخفاء
ذاك الهدف عن رؤيته ،ويكون فخورً ا وراضيًا عن هذا االغتراب عن جوهره".
ومن هنا كان تأثير تفكير هيجل االغترابي على ماركس وهو ما سوف
نلمسه حين نتناول اغتراب ماركس.
أما بالنسبة لفيورباخ( –)154والذي تأثر به ماركس كثيرً ا – فيرى أن
االغتراب هو سلب اإلنسان لنفسه وتعرية نفسه بنفسه وإضاعته لنفسه.
واالغتراب هو سيطرة الموضوع على الذات وسيطرة المن َتج (بفتح التاء) على
المنتِج (بكسر التاء) ويستخدم االغتراب ،عند فيورباخ ،على اإلنسان عمومًا
كوحدة مجردة.
وقد قام ماركس( )155بانتقاد فيورباخ ،وخاصة في االغتراب الديني فقد
أرجع فيورباخ االغتراب الديني إلى اغتراب الماهية اإلنسانية ،فالكائن المقدس
أو هللا ليس شيًئ ا آخر سوى الوجود اإلنساني بعد أن تم تنقيته وتطهيره من كل
1138
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
النقائص اإلنسانية .ومن هنا ،فإن كل الصفات التي ننسبها إلى الطبيعة المقدسة
هي صفات الكائن اإلنساني .والحل الذي يقدمه فيورباخ يبدو في رأي ماركس
حالً ساذجً ا ألنه يتعاطى عن حذر المشكلة باعتبار أن هذا االغتراب الديني ينشأ
عن تناقضات اجتماعية واقتصادية فالبؤس األرضي هو الذي يخلق الفردوس
السماوي.
1139
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
1141
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
1142
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
وذلك ألن العالقات السلعية هي المنتشرة وتختزل البشر إلى السلع التي
يمتلكونها مظهرً ا كميًا متشيًئ ا يماثل وقائع العلم الطبيعي(.)169
ولذلك يجد ماركس ثالثة عيوب رئيسية للرأسمالية( )170أوالً عدم األهلية
inefficiencyواالستغالل exploitationواالغتراب alienationوهي توضح
الخطر القادم من الرأسمالية ومن هنا كانت هناك أسباب عديدة إلبطال
الرأسمالية نهائيًا .وقد جعل الشيوعية تمحو االغتراب abolish alienation
حتى الماركسيين الجدد في المدرسة الفرانكفونية ناقشوا أسوأ ما في الرأسمالية،
التي تجعل البشر يصِ لُون لدرجة أنهم ال يعلمون أنهم مغتربون They are
alienatedومن هنا تحاول الماركسية تحديد الفروق بين الحاجات العملية
Actual needsوالحاجات المُرْ ضِ ية (ال ُم ْقنِعة) .Satisfied needs
ويخضع األفراد لألشياء في الرأسمالية( )171وتصبح هذه األشياء
متح ّكمة في األفعال البشرية ،وبذلك يصير األفراد ُخ ْدامًا لعالم السلع ،ولقد
صارت السلعة ،على الرغم من إنتاجها بأيد بشرية ،عبارة عن معبود أو وثن
يتحكم في منتجه البشري واإلنسان.
وقد تحدث ماركس عن الصبغة الوهمية التي تتصل بالسلع فقال" :تعتبر
الصبغة الوهمية للسلع نتيجة للصبغة االجتماعية للعمل الذي ينتج السلع ،وأن
العالقات االجتماعية الخاصة بين الناس هي التي تكتسب هنا الشكل الوهمي
لعالقة تقوم بين األشياء.
لقد اكتسبت النقود سلطا ًنا على اإلنسان وأخذت تتمتع – بالتالي -بطغيان
مضارع طغيان إبليس.
وقد أكد هربرت ماركيوز( )172ذلك ،حيث وجد أن العامل في ظل
الرأسمالية يغترب حين يعجز عن االهتداء إلى ذاته وإلى الهدف من عمله في
ظل قوى ال شخصية مجهولة هي قوة (رأس المال) وتقلبات (السوق).
على وجود تناقضات اجتماعية Social كما يؤكد Rogar
()173
1143
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
()174
والسؤال ما هو حال االغتراب في المجتمع االشتراكي؟
توجد في التجارب االشتراكية بيروقراطية وفساد وقيود على
الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير ولكنه هذا كله كان يهون إزاء ما تقدمه هذه
التجارب لنا من مساندات سياسية وعسكرية لقضايانا النضالية ومساعدات
اقتصادية وثقافية لخططنا التنموية ،وإزاء ما كانت تمثله في ضمائرنا وعقولنا
من بديل اجتماعي إنساني تقدمي نبيل باهر خال من (االستغالل واالغتراب)
واألزمات في مواجهة عالم رأسمالي استعماري يحتل ويعتدي وسبب ما نحن
فيه هو أننا اغتربنا عن الواقع بذات النظرية التي من المفروض أن تحررنا من
االغتراب ألننا ألغينا الواقع بالنظرية والمثال ولم نختبر النظرية المثال بالواقع.
إذن يمكن القول إن تجاوز االغتراب( )175الكامل لإلنسان المتحقق في
البروليتاريا ال يتم إال في مجتمع مشاعي ،وهو أمر تصوره من قبل فيورباخ
وهيس ..ولكن لدى ماركس البروليتاريا هي مبدعة فعل التحرر بالثورة
الشيوعية ..الثورة الشيوعية عند ماركس هي التحرر من االغتراب ،لكن ليس
االغتراب الديني عند فيورباخ ،وإنما االغتراب السلعي كما حلله االشتراكيون
الفرنسيون ،فاإللحاد ال يضع نهاية لالغتراب .إن اإلنسان الحديث جعل نفسه
ً
ساجدا أمامها للحصول على فصاميًا يغترب ألنه يصنع السلطة بيديه ،ثم يخر
أي نصيب منها.
وذلك ألن العامل – كما يقول ماركس في إحدى رسائله – (يصنع
البندقية ،فتؤخذ منه ،ثم تديرها الشرطة إلى نحره) .ولهذا االغتراب أراد
ماركس أن يضع ً
حدا.
ولذلك فإن الشيوعية( )176هي اإللغاء اإليجابي للملكية الخاصة
لالغتراب الذاتي ،وبالتالي فهي االمتالك الواقعي للطبيعة اإلنسانية بواسطة
اإلنسان ومن أجله ،إنها عودة اإلنسان بذاته ،ككائن اجتماعي إنساني واقعي،
إنها عودة واعية وكاملة تستوعب كل ثروة التطور السابق.
وذلك باختصار ألن مفهوم ماركس لالشتراكية( )177هو االنعتاق من
االغتراب ،وعودة اإلنسان لذاته وتحققها الفعلي.
وفي النهاية( )178فقد انتقد االغتراب عند ماركس من قبل البعض
فنجد القول بأن مفهوم ماركس عن االغتراب ،الذي يعتقد فيه أن الطبقة العاملة
هي الطبقة األكثر اغترابًا .ومن هنا فإن االنعتاق من االغتراب يتطلب،
بالضرورة ،البدء بتحرير هذه الطبقة ..إال أن ماركس لم يستطع التنبؤ بالدرجة
1144
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
التي سيصبح فيها االغتراب هو قدر الغالبية الساحقة من الناس ،وخصوصًا
المجتمع الذي يتعامل مع الرموز والبشر أكثر من تعامله مع اآلالت.
ب -الماركسية أخالق نضالية
إذا كانت الماركسية ليست فلسفة ،لكن هناك فلسفة ماركسية – كما يقول
البعض – ولما كانت الماركسية تربط الفكر بالنضال فإن كثيرً ا من المفكرين
الماركسيين العظام هم مناضلون عظام أيضً ا (ماركس – انجلز – لينين –
ماوتسي تونج) وغيرهم .خاض هؤالء (المناضلون المفكرون غمار معارك
كثيرة شغلت جزءًا كبيرً ا من كتاباتهم وتركت لهم على مهام النضال أو النقاش
العاجلة ،ولذلك ال توجد الفلسفة الماركسية في الكتب المخصصة لها فقط ،بل
ضا -في طيّات الكتابات األخرى التي قد ال تكون الفلسفة موضوعها نجدها –أي ً
.. ()179
األساسي
ولذلك نجد في أعوام ( 1890 -1880عهد نضال الماركسيين) ضد
الشعبيين ..كانت البروليتاريا في روسيا أقلية ضئيلة بالنسبة إلى جماهير
الفالحين الفرديين الذين كانوا يؤلفون أكثرية السكان الكبرى ،لكن البروليتاريا
كانت تتطور من حيث هي طبقة ،بينما كانت جماهير الفالحين من حيث هي
طبقة في انحالل ،ونظرً ا ألن البروليتاريا كانت تتطور من حيث هي طبقة،
أسس الماركسيون عملهم عليها ،وهم لم يخطئوا في ذلك ،ألنه من المعلوم أن
البروليتاريا التي لم تكن سوى قوة قليلة األهمية أصبحت – فيما بعد – قوة
تاريخية وسياسية من الدرجة األولى(.)180
إذن ما هو النضال الطبقي؟
إنه نضال قسم من الشعب ضد قسم آخر نضال جماهير المحرومين من
الحقوق والمظلومين من الشغيلة ضد أصحاب االمتيازات والظالمين والطفيليين،
نضال العمال األجراء أو البروليتاريا ضد المالكين أو البرجوازية.
إن هذا (النضال الكبير) كان موجو ًدا دائمًا وما يزال موجو ًدا في
األرياف الروسية ،فمنذ زمن بعيد كان الفالحون يناضلون ضد ظالميهم ،ضد
طبقة المّالكين العقاريين ،الذين تحميهم حكومة القيصر ،وتدافع عنهم ورغم ذلك
كانوا (يناضلون)(.)181
1145
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
ومن المعروف أن االشتراكية الماركسية هي االشتراكية العلمية-
واإلنسانية الماركسية هي اإلنسانية العلمية النضالية ،وهكذا ال غنى للجانب
اإلنساني للفلسفة الماركسية عن جانبها العلمي وال عن (النضال اإلنساني) .
()182
1148
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
تكنيس القديم وخلق الجديد ثم أن تثقف هذه القوى وتنظمها للنضال ،حيث
تتحرر من أوهام المجتمع البرجوازي وتتعلم كيف تقدر نجاحها.
(ويمكن الرجوع ،في ذلك ،إلى مسودة قرار عن الثقافة البروليتارية،
وعالقتها بالنضال البروليتاري حتى في عهد ديكتاتوريتها).
1149
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
1150
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
تقدميًا إال في مرحلته المبكرة .وأن من شأن هذا النظام أن يتحول إلى الرجعية
بمجرد أن تتحدد معالمه وتكتمل.
-1إن أول هذه الجوانب هو (الالأخالقية) فقد ولدت الرأسمالية مذاهبها األخالقية
الخاصة في مذهب المنفعة utilitarianismوالبرجماتية Pragmatismفي
الواليات المتحدة ..وأن كال المذهبين األخالقيين إنما كانا تعبيرً ا عن الطابع
العملي لعصر التصنيع.
-2كانت هناك نقطة ضعف كبرى للنظام الرأسمالي هي ارتباطه الوثيق
بالحرب والرأسمالية بما تثيره من حروب ال تنقطع ،تهدد بالقضاء على ما
أنجزته هي ذاتها ،وكذلك الحضارات السابقة من تقدم مما أدى إلى انتشار
(اليأس والتشاؤم).
-3إذا كانت الحروب انحرا ًفا شامالً في السلوك على المستوى الدولي ،فإن
المرحلة الرأسمالية قد شهدت أنواعً ا أخرى من االنحرافات على المستويات
المحلية أهمها (اإلجرام).
وفي المجتمع الرأسمالي( )199نرى كيف هبط مستوى األخالق إلى
مستوى الحيوانية ،بعد أن صارت القيم األخالقية قيمًا تجارية ،فكل ما يحقق
الربح أصبح مشرو ًعا ومقبوالً وعلى المستوى االجتماعي انتشرت اآلفات
االجتماعية كانتشار المخدرات والعنف والدعارة بتشجيع رأس المال ..أما
المجال الثقافي ،فقد تحولت القيم الثقافية إلى قيم تجارية وهبوط مستوى الفن إلى
أسوأ مستوياته.
ولذلك فإن سيطرة الرأسمالية( )200واستغالل اإلنسان تعتبر الحاجة
كخسيسة تعتبرها عالية مشتركة وحاجات اإلنسان األولية معتبرة كشيء منحط،
حيواني والملكية الخاصة ال تعرف أن تصنع من الحاجة األولية حاجة إنسانية
إلى "كل حاجة واقعية أو مفترضة هي ضعف سيوقع الضحية في فخه .أي فخ
الملكية الخاصة".
وهذا – بالطبع -يفسح المجال الستغالل عام للطبيعة البشرية في
مجملها :إنهم يستخدمون حاجات اإلنسان الستعباده.
وفي العالم ال يوجد توازن( )201في المبدأ نفسه ليس من زاوية األساس
الشرعي (القانوني) وال النتائج الحقيقية .وهذا ما نالحظه في الحركة االقتصادية
1151
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
مثل القوى االجتماعية .وهذا يؤدي بدوره إلى استمرار التغير والثورة إنها
األسباب المادية للسلوك بل والمادية العميقة.
والسؤال اآلن ما هو موقع القيم في النظام الرأسمالي؟
()202
( )1قيم المساواة والعدالة
لقد وصف ماركس ظلم الرأسمالية بقوله (إن العامل ال يملك لحياته شيًئ ا
وكوخ مظلم) وظ َّل يجمع قصص ظلم ٍ (سوى لُقيْما ٍ
ت جافة ومالبس بالية
الرأسمالية في كتابه (الرأسمال) ،ووصف أحد المفكرين االشتراكيين هذا الجزء
من عمل ماركس بقوله (إن أفضل أجزاء كتاب "الرأسمال" هي تلك التي تناقش
الوقائع االقتصادية ،التي كان ماركس يعرفها معرفة موسوعية".
()203
( )2قيم السعادة
في النظام الرأسمالي تغيب السعادة وتحل محلها األمراض والمعاناة ills
،and Sufferingوذلك من خالل تحليل ماركس القتصاد الرأسماليين ،وبالتالي
يوضع الفقر في مقابل الغنى ،أو بمعنى آخر الدول الفقيرة والدول الغنية ..
وخاصة فيما يتعلق باالقتصاد السياسي والعلمي ..
ولكن من المؤكد أن الوعي الجماهيري( ،)204الواقف عند سطح
الظواهر ،امتص وتمثل فكرة أن االستغالل وعدم المساواة وعدم العدالة في
العالقات بين األفراد والطبقات مستحيلة ،وخاصة في ظل قوانين التبادل
المتكافئ تبعً ا لقواعد السوق.
ومن هنا كانت الماركسية( )205منذ نشأتها ،وفي كل معاركها حاولت أن
تكون أعلى درجة من الوعي الممكن للطبقة العاملة على النطاق العالمي ،وتلك
الطبقة توجد في تناحر مع الرأسمالية وتطرح قضية الوصول بتناقضات النظام
الرأسمالي إلى منتهاها وبالتالي إلى نظام جديد.
ومن هنا كان تحليل ماركس( ،)206لتطور الرأسمالي كله ،صحيحً ا،
ولكن داخل حدود المرحلة التاريخية الواحدة ،وداخل أشكال الصراع الطبقي،
وذلك من خالل تصورين هما:
تأييد المتحول (المتغير) .Transformative maintenance -1
إزاحة الصراع الطبقي .Displacement of class struggle -2
ومما ال شك فيه أن كل جملة تقال في تطور الرأسمالية( )207وعمل
صراع الطبقات تعطي األساس في أشكالها الخاصة والجزئية من خالل الوعي
1152
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
االجتماعي ،وفي تحققها األيديولوجي أنه يضع إيضاحً ا (صورة توضيحية)
illustratismللديالكتيك االجتماعي ،وهي الحقيقة التي قدمتها مبكرً ا الرأسمالية
حينما جاء دور التقدم للبرجوازية التي عالجت الفلسفات من منظور مادي في
إطار (األيديولوجيا والصراع الطبقي تحت اإلمبريالية) Ideology and The
.class struggle under imperialism
نظرة ماركسية حول نهاية الرأسمالية
يرى بوليتزيد :أن االعتقاد الخاطئ بأن نهاية الرأسمالية هي نهاية
التناقض ينتج عن خلط بين التطاحن Antagonismوالتناقض contradiction
فالتطاحن ليس سوى حالة خاصة أو لحظة من لحظات التناقض ،فكل تطاحن
هو تناقض ،ولكن ليس كل تناقض تطاح ًنا(.)208
ولكن الحقيقة أن ماركس يؤيد موت الرأسمالية ..إن أول ما تنتجه
البرجوازية هو (حفارو قبرها) وهذا ما جاء به ماركس في (األيديولوجية
األلمانية)(.)209
والسؤال هل زوال الرأسمالية يؤكد المهام الثورية وعلم أخالق؟
إن هذه النظرية تقود إلى تأكيد مهام ثورية وعلم حقيقي لألخالق ،أو
أنها تفترض بالعكس سياسة الترقي في تأكد تطور ضروري دماريّ ونافع في
آن واحد(.)210
-في الحقيقة – وكما يرى ماركس – أن زوال االستغالل الرأسمالي
زوال االسترقاق السياسي ،زوال الوهم األيديولوجي ،والبؤس الديني(.)211
ب -قيم األخالق في المجتمع االشتراكي
كيف تكون االشتراكية نزعة إنسانية؟
يؤكد د .فؤاد زكريا( )212أن االشتراكية نزعة إنسانية ويبدو ذلك من
القضاء على النظام الرأسمالي الذي يجعل اإلنسان ً
عبدا لنفس القوى التي خلقها
بيديه ،فاالشتراكية تدعو اإلنسان إلى السيطرة – مرة أخرى – على القوى التي
أصبحت مسيطرة عليه ،خارجة عن إرادته ،وهي تطالب بإعادة هذه القوى مرة
أخرى إلى اإلنسان بدالً من تبديدها.
1153
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
وعلى هذا األساس تكون االشتراكية نزعة إنسانية ،وهدفها أن تستعيد
اإلنسان المتكامل الذي يجمع كل ما فرقته الرأسمالية من شتات ،ويعيد صحتها
إلى ذاته.
ومع تطور المجتمع االشتراكي( )213ينتقل اإلنسان من مملكة الضرورة
إلى مملكة الحرية ،ومن مملكة الحيوانية إلى مملكة اإلنسان الحقيقي ،إن إمكانية
تزويد كل فرد من أفراد المجتمع ،بفضل اإلنتاج المشترك بوجود ليس هو ممتلًئ ا
ماديًا فحسب ،وصائرً ا أكثر امتال ًء يومًا بعد يوم ،بل بوجود يضمن للجميع
التطور الحر والممارسة الطليقة إلمكانيّاتهم الذهنية.
وهنا البد من االهتمام باالشتراكي( )214وعالقة بالحركة النسائية
Feminismوسياسة االختالف politics of differenceولالشتراكية دو ٌر في
الحركة النسائية ،وخاصة بعد الحرب في تدعيم المرأة والحقوق المدنية civil
rightsمما ينعكس على اإلصالح السياسي وإطار العدالة االجتماعية.
()215
إذن ما هي االشتراكية األخالقية؟
هي النقطة األفضل للحياة السعيدة والرفاهية الشاملة .وليس االشتراكية
من مواليد هذا العصر ،االشتراكية وجدت مع وجود اإلنسان ،حيث كان البشر
يتعايشون ويتقاسمون موارد األرض .وعندما أخذت الموارد في االزدياد بدأ
التقاسم يتحول إلى نظام (الالتساوي) تب ًعا لزيادة الموارد ونقصانها في أرض
ثابتة وتبعًا أيضً ا لغريزة حب البقاء في اإلنسان.
إن انقالب أسس المجتمع الرأسمالي إلى بديله االشتراكي( )216يقتضي
نضاالً ،لذلك فإنه البد من التحلّي بحد أعلى من المبدئية والتنظيم والتعاون
والصمود .وصفات خلقية عالية من الشجاعة واإليثار واألخالص للوطن
والجماهير والحب للعدالة والشرف.
إن قضية بناء االشتراكية ليست قضية أفراد معينين وإنما قضية
الماليين من الجماهير ،التي يلعب (العامل الخلقي) في نضالها دورً ا هامًا ،وأن
النضال من أجل انتصار االشتراكية يولد (نهضة خلقية) ويربي الجماهير
الواسعة على أخالق ال تعرف الظلم واألنانية والميوعة واالنغالقات المذهبية.
وليست االشتراكية( )217مدينة تقنية ،تتلهف للقيام بأعمال مادية رائعة
دون أن تعبأ باإلنسان ،كما يدعي المفكرون البرجوازيون ،ذلك ألن اإلنسان ،في
تمام تفتحه ،هو مركز االشتراكية ،وليس لجمع األعمال المادية من هدف سوى
1154
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
سد حاجاته على أفضل وجه :كحاجته إلى المعرفة والثقافة وحاجاته إلى العيش
الكريمة أي بوجود العناصر المختلفة لحياة سعيدة ،فاالشتراكية هي تحقيق
النزعة اإلنسانية.
إن األهداف اإلنسانية النبيلة( )218من إلغاء الستغالل اإلنسان لإلنسان
والقضاء على االغتراب وتحقيق أرقى أسباب الحرية والمعرفة والوفرة للفرد
والمجتمع .إن هذه األهداف التي يحملها (المشروع االشتراكي) هي أهداف
مفتقدة في المشروع الليبرالي ،بل أهداف مقموعة في ظل المشروع.
ومن هنا يمكن القول أن النيات الطيبة( )219ال تثمر في عالم ينوء
باألنانية والطمع وحب المال ،والبد أن تحكم المجتمع حدود وتنظيمات تكفل
الحق للجميع ،فكانت (االشتراكية العلمية) تقني ًنا لعمليتي اإلنتاج والتوزيع
لتحقيق رفاهية البشر .فقد كان ماركس وانجلز من المبشرين بهما ويقومان
بدورهما في تطوير االشتراكية ولكنهما – كما يقول بول سويزي – قد اعتليا
مسرح التاريخ في الوقت المناسب .وكان الجدل بين الناس يفضل االشتراكيين
الخياليين.
ً
جديدا ،ولم يكن فجأة ولعله كان وأن هذا التفكير الخيالي( )220لم يكن
مرحلة أساسية البد للفكر أن يجتازها قبل أن تنشأ االشتراكية العلمية على يد
َّ
تختط االشتراكية الفابية وحركة حزب العمال ماركس وانجلز ،وقبل أن
البريطاني منهاجً ا واضحً ا لالشتراكية البريطانية وأما أنها ليست جديدة فقد
سبقتها أحالم (توماس مور )1516في اليوتوبيا وحركة العراقيين بزعامة
جيرارد وينستانلي) في إنجلترا وآراء (يابيوف) التي انتهت به إلى المقصلة في
الثورة الفرنسية.
إذن فاألمر يعود ،برمته ،إلى اإليمان بكرامة اإلنسان وبعالم تسوده
الحرية والمساواة فالحافز الذي يحرك هؤالء هو خير اإلنسان بقدر ما أتيحت
لهم رؤيته كان في زمنه.
فقد كان ومازال االشتراكيون( )221يرفضون األساس الذي يقيم عليه
الرأسماليون نظامهم وهو تأسيس النشاط على حافز واحد هو حافز الربح
الشخصي ،ويريد االشتراكيون أن يؤسسوا النشاط اإلنساني على حوافز اخرى
مختلفة تمامًا يرونها أكثر غيرية ،ألنها تنظر إلى مصلحة األمة كلها دون
ً
تخطيطا علميًا. تفضيل طبقة على طبقة أخرى وتخطط لذلك
1155
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
وقد تناول األدب هذا المفهوم الجاد لالشتراكية ..رأى جوركي( )222أن
بناء مجتمع اشتراكي ،ال يمكن أن يتحقق إال عن طريق شاعرية العمل المتحرر
واالبتكار الجماعي كثقافة جديدة ،ففي االتحاد السوفيتي توحدت إرادة الجموع
العاملة لتكافح قوى الطبيعة األولى وفطرة الناس الموروثة ،التي ليست في
حقيقتها سوى فوضوية الفرد الغريزية ،ومصدر الجمال في فلسفة جوركي
الجمالية ،ليست الطبيعة وليس هللا والعالم اآلخر لكنه اإلنسان ونشاطه الخالق
الذي غير العالم وف ًقا لقوانين الجمال ،كما أن تحرير العمل ونشاط الجماهير
العاملة هي عند جوركي العنصران األساسيان الالزمان الزدهار الثقافة والفن
واإلبداع.
()223
نوعا من التربية الشيوعية؟
والسؤال هي يتطلب ذلك ً
إن التربية الشيوعية من أهم جوانب تشكيل المجتمع خالل تحوله من
الرأسمالية إلى الشيوعية ،فال يمكن بناء االشتراكية والشيوعية دون تحول في
وعي الناس ومواقفهم الفعلية وأخالقياتهم .إن شق طريق جديد للحياة والمشاركة
في البناء االشتراكي والشيوعي عنصران جوهريان في التربية الشيوعية،
وتكفل الممارسة الفعلية للبناء الشيوعي أفضل مدرسة للتربية الشيوعية..
وليست التربية الشيوعية مجرد عملية ذاتية تخضع للعوامل الموضوعية
وحدها ،إنما هي تتطلب تدريبًا بالحياة اليومية من أجل خير المجتمع .والجانب
الرئيسي في التربية الشيوعية هو خلق موقف شيوعي تجاه العمل إذ يصبح
العمل بالنسبة إلنسان تمرس بروح الشيوعية ضرورة أولية للحياة ،وتصبح
الفضائل األخالقية العليا مالمح دائمة لشخصه وسلوكه ،وأحد األهداف العامة
للتربية الشيوعية تشكيل نظرة علمية عامة للعالم.
وتتضمن التربية الشيوعية نضاالً منظمًا ضد بقايا الرأسمالية في وعي
اإلنسان وخلق إحساس مرهف بالجمال.
والشيوعيون( )224يعرفون –أيضً ا -أن الضمير مرتبط بمعرفة الطريقة
الكلية لحياة إنسان ما .فالجمهوري له ضمير مختلف عن الملكي ،والمفكر له
ضمير مختلف عمن ال فكر له ،ووفق ما يراه ماركس وانجلز فإن ما ينطبق
على الضمير ينطبق على كل األفكار والتصورات اإلنسانية (البيان الشيوعي –
المؤلفات المختارة – المجلد األول)
1156
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
()225
Moral Stimulito ومن هنا تأتي قيمة حوافز العمل األخالقي
labourوعالقته بالشيوعية فالنفس الداخلية العميقة ،التي تحفز اإلنسان على أن
يعمل ،والتي تنشأ من إحساسه بالمعتقدات األخالقية األيديولوجية والسياسية
والعلمية هي الحافز غير األناني لدى اإلنسان على أن يعمل من أجل فكرة ما
ً
ارتباطا وثي ًقا بالمصلحة المادية في العمل التي وحوافر العمل األخالقية ترتبط
تلعب دورً ا كبيرً ا في المرحلة األولى للشيوعية.
القيم األساسية في االشتراكية
إن العدل والظلم مفهومان أخالقيان يعبران عن مناقب أخالقية متعددة
للظواهر االجتماعية ،وتربط الماركسية بين مفهوم العدل وفكرة تحرير المجتمع
من االستغالل واالشتراكية( ،وحدها) ،هي التي تخلق عالقات عادلة أصيلة من
المساواة والصداقة األخوية والتعاون بين الناس ،ويبلغ العدل االجتماعي ذروته
في (المجتمع الشيوعي) الذي تختفي فيه كل آثار الفرد من االجتماعية
واالقتصادية(.)226
وقد ذكر ماركس في كتابه (رأس المال)( )227قصة الفتاة التي تدعى
(ماري آن واكلي) التي تعمل في مصنع للمالبس النسائية ،والتي استغلتها
صاحبة المصنع (إيليزيه) وكانت هذه الفتاة تعمل ستة وعشرين ساعة ونصف
متواصلة ،وفي أجواء غير صحية حتى أصيبت بالمرض .وقال الطبيب عنها
أنها ماتت من جراء العمل الزائد في حجرة مكتظة بالناس.
وكان الغرض من عرض هذه الوقائع المروعة أن يثير ماركس
الكراهية في نفوس أتباعه ضد الرأسمالية ،وأن يعدهم لخوض أكثر الحروب
المروعة في التاريخ وهي (الحرب الطبقية).
وهناك قيمة أخرى هامة في نظر الشيوعية( )228وهي أن األخالق ،في
نظر الشيوعية ،تتمثل -كلّها -في نظام التضامن System of Solidarity
المتسق ونضال الجماهير نضاالً داعيًا ضد المستغلين ،ونحن ال نؤمن باألخالق
السرمدية ،ونفضح القصص الكاذبة الملفقة في موضوع األخالق ،ونرى أن
األخالق تصلح للرقي بالمجتمع اإلنساني إلى أعلى والنهوض به للتحرر من
استغالل العمل.
وفي النهاية يمكن القول ،وكما جاء على لسان (سيدني هوك)(.)229
1157
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
(ليست الشيوعية معدة بطبيعة األمور ،ألن تتحقق إال أنه إذا كان البد
للمجتمع من االستمرار فالشيوعية تقدم الطريق الوحيد للخروج من المأزق الذي
سببه قصور الرأسمالية من تزويد إجرائها بوجود اجتماعي الئق ،وما يؤكده
ماركس في الواقع هو :إما هذه الشيوعية ،وإما تلك البربرية).
-4مستويات الماركسية بين الحرية والنسبية
مستوى الحرية
إن الحرية المطلقة( )230ال توجد إال في عالم الحيوانات البرية غير
األليفة .الحيوان البري يتمتع بمطلق الحريات يأكل ويشرب حتى أنه يشرب دم
رفيقه ،يفترس دون أن يخشى لومًا حرية مطلقة إلى أبعد الحدود ..واإلنسان
ضا -كان يتمتع بحرية مطلقة ال وازع وال رادع ،ألن اإلنسان االبتدائي –أي ً
البدائي لم يكن يتعرف إلى المجتمع كمجتمع لم يتقيد بواجبات ،إنه كان أقرب
إلى الحيوانية منه إلى اإلنسانية.
غير أن مفهوم الحرية تطور مع تطور اإلنسان والمجتمع وأصبح
يشمل الحقوق والواجبات التي تفرضها عليه ،لكي تكون الحرية قيمًا حتى يسمو
عن الفصائل الحيوانية واإلنسانية البدائية .ولو كانت الحرية ال تخضع لشرط أو
قيد لما قامت الحكومات ووضعت األنظمة.
وقد أنكر هيجل( )231أن يكون اإلنسان حرً ا بطبعه وأنكر أن تكون الدولة
هي التي تحد من حريته وأنكر –كذلك -قدرة اإلنسان على تجاوز حدود واقعه
وقدرته على تصور ما يتعلق بمستقبله .وقال :إن الفيلسوف ال ينبغي له وال هو
يستطيع أن يتجاوز في الفكر واقعه الذي هو أقصى ما يمكن أن يدركه.
أما فيورباخ فيقول(( :)232إن من واجب العصور الحديثة هو تحقيق
وتجسيد هللا وقلب علم هللا إلى علم اإلنسان).
"أما هدف الفالسفة الكالسيكيين المحافظة على حرية هللا المطلقة مع
االعتراف بوعي الحرية عند اإلنسان".
أما اسبينوزا ففي كتابه (أفكار ميتافيزيقية) يقول "اما فيما يتعلق باإلرادة
اإلنسانية التي قلت أنها حرة فتلك الحرية ال تستمر في الكون إال بعون هللا وال
يوجد بشر يريد أن يفعل إال ما قدره هللا منذ األزل".
1158
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
أما ماركس( )233فيكتب عن األخالقية وحرية اإلرادة المطلقة غير
المقيدة .إن الحرية تميز اإلنسان والسيد الممكن على بيئة الممكن على بيئة عن
الحيوان العبد بالضرورة .وهكذا يرفض ماركس – باختصار – في المالحظات
البدائية لرسالته في الدكتوراه تناول بلوتارخ للخوف.
"في الخوف ،الخوف الذي ال تمايز فيه ،يعامل اإلنسان كحيوان ،ثم في
الحيوان ال يهم –إطال ًقا -كيف يظل مقي ًدا" فإذا لم يجعل الفيلسوف العار األكبر
النظر إلى اإلنسان على أنه حيوان ،إذن فلن يقدر له أن يفهم شيًئ ا على اإلطالق.
إذن عند ماركس الحرية( )234هي ماهية اإلنسان بشكل تام حتى أن
خصومها يجعلونها واقعية حتى وهم يكافحون ضدها فال يوجد إنسان يقاتل ضد
الحرية ،على األقصى أنه يقاتل ضد حرية اآلخرين (في مناقشة لحرية
ً
مختلطا بالفلسفة الهيجلية والجو الصحافة) ،وإذا كان إيمان ماركس بالحرية
الثقافي ،فإن هذا اإليمان يتقوى ،بشكل كبير ،من طبيعته الممتازة اهتمامه
النيتشوي بالكرامة التي يراها في االستقالل وال َّتسيُّد على األشياء.
وينفجر هذا الجهد وسط المثالية العليا لمقالته "تأمالت شاب في اختياره
رسالة حياته".
ومن هنا كان هدف ماركس( )235متمثال في االنعتاق الروحي لإلنسان
وتحريره من قيود الحتمية االقتصادية إلعادة بنائه في كليته اإلنسانية ولتمكينه
من إيجاد الوحدة والتوافق مع البشر والطبيعة ..وأن أغلب الناس محكومة بعامل
الرغبة في الكشف المادي ،كما أنهم وصلوا إلى درجة االمتثال الذي استطاع
امتصاص فرديتهم إنهم ،حسب مصطلح ماركس( ،بشر سلعيون) عاجزون
وواقعون تحت سيطرة آالت مكتملة الرجولة.
ومن هنا فإن الفكر البشري مدين للماركسية ( )236بمثال جديد مثال
الحرية المجسدة الواقعية .وقد سلم أعداء الماركسية أنفسهم بعظمة هذا المثال،
وهم مفكرون فقط ،إمكانية تحققه فالماركسية تعتبر نفسها من الوجهة الفلسفية
أكمل تحرير تبينه الفكر البشري والحياة االجتماعية ،فهو أكثر عم ًقا من التحرر
الذي حققه الفالسفة الفرنسيون في القرن ( )18وأكثر جذرية من التحرر الذي
حققه الفالسفة األلمان (كانط وهيجل).
1159
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
ولذلك ر ّكز الفالسفة الماركسيون( )237انتقادهم على جميع الظاهرات
التي تفرض – على الحياة اإلنسانية كالدين – األخالق – األفكار الشرعية
والسياسية.
ً
تجسيدا كما يرى الماركسيون باستحالة تحقق العدل والحرية تحق ًقا
واقعيًا بمحض فاعلية فكرتي :العدل ،والحرية ،ولم يكن أمام أعدائها إال انتقاد
تماديها في طريق الحرية وتطرفها في فهمها.
()238
exploitation, كما يربط ماركس بين االستغالل والحرية والقوة
Freedom, and Forceفيتحدث عن العبيد وتحكم رأس المال والرأسمالية
فيهم على اعتبار أنهم القوة العاملة المسخرة لهم ويتحدث عن أصل االستغالل
الرأسمالي (االستغالل االقتصادي) .ومن هنا يأتي تأثير عمل( )239اإلنسان
وعالقته باإلرادة اإلنسانية والنمو االجتماعي ويبدو ذلك في معرفة الناس
الصحيحة لضرورات اإلنتاج الموضوعية ولقانون الترابط الضرروي وخاصة
في العالقة بين مقياس العمل( )240والوقت وعالقته بالحرية حيث يرى البعض
أن الوقت المبذول يمكن أال يكون مقياسً ا للعمل.
ومن هنا يأتي المقصد الحقيقي من الحرية( )241أي اإلرادي واالختياري
،Voluntaryالذي ينتج لإلنسان كل رغباته وما يأمل فيه ويختاره وعندما يكون
في سن مسئول responsible ageوفي حالة تملكه لمشاعره ويستطيع أن يميز
بين امتالك القوة أو ما هو ضد إرادة اآلخر ..إذن هنا – فقط – تكون اإلجابة
عند الماركسية إنها تؤمن بحرية اإلرادة.
ويؤكد فوربونون في كتابه (في الثقافة)( )242أن الفهم الماركسي اللينيني
للحرية يناقض الموقف الفردي والبرجوازي الصغير .إن اإلنسان الفردي يفصح
عن رغبته في تحطيم العالقات االجتماعية ،واالرتقاء فوق الصراع االجتماعي
ليتأمل هذا الصراع (بحرية) .إن هذا الفهم للحرية يتناقض تناقضًا مباشرً ا مع
األيديولوجيا البروليتارية(*)(*).
ورغم ذلك فقد توصل البعض إلى أن الماركسية( )243عدوة الحريات بعد
مقارنة بين النازية والشيوعية تأدى منها إلى القول بأن جوار الشيوعية
والنازيين أقرب جوار.
ومن الطبيعي وجود خالف جوهري بين المذهبين – كما يرى المؤلف.
وما هي النازية؟ أليست هي مؤامرة الرأسمالية واإلقطاعية ضد طبقات الشعب
1160
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
األلماني – بوجه عام – وضد الطبقة العاملة – بوجه خاص – أليست النازية
هي الدفاع عن الرأسمالية االستعمارية ضد طبقات الشعب الصاعدة ،أليست هي
األقلية الطاغية تستبد باألغلبية أبشع أنواع االستبداد.
ولذلك فإن المحاولة التي تخلط بين فكرة الزعيم( )244في المذهب النازي
وفكرة الدولة في الشيوعية هي مغالطة مبتذلة ،ألن الزعيم النازي لم يكن سوى
الصنم الذي نصبه رأسماليون ألمانيا العسكرية االستعماريون وزودوه بأموالهم
ومن هنا جاء قول هتلر "إن العقيدة التي تتيح للشخصية اإلنسانية الحق في
حريتها وكرامتها لم تؤت إال أعظم الدمار .إنها لن تصبح شيئا يذكر في اليوم
الذي تنتظم فيه الدولة األلمانية).
إذن الحرية الفردية ،في نظر الماركسية ،ال يضحى بها من أجل الدولة،
بل إن الدولة أداة لضمان هذه الحرية وتدعيم أسسها الملموسة.
كذلك يؤكد (كامنكا)( )245أن ماركس كان جبريًا ..لقد أدرك أنه ال يمكن
أن يوجد موضع للتفرقة بين عالم الحرية بمعنى الالتحددية Inderminate
وعالم السببية الفيزيائية ،فالسلوك اإلنساني واألحداث االجتماعية محددة
بالطريقة نفسها شأن كل األحداث األخرى ،وعلى هذا األساس أصالً رفض
تصور أن الفلسفة األخالقية معنية باإلرشاد والسلوك لهذا يرفض ماركس أن
األخالقيات معنية باإللزام الشخصي ،وال موضع هناك إللزامية بالسلوك وفق
هذا المنحنى ،ألنه سوف يسير فيه على أية حال.
()246
والسؤال هنا ماذا يمكن أن يفعل الجبري بالحرية؟
إن ماركس الشاب ،وهو يسير على خط اسبينوزا وهيجل ،يتناول
الحرية على أنها جبر ذاتي أن تكون حرً ا يعني أن تتحدد بطبيعتك ،وأال يكون
حرً ا يعني أن تتحدد من الخارج .وهنا يربط ماركس بين التناغم والتنافر
بالتعاون والصراع .والصعوبة هنا تسدد إلى قلب موقف ماركس.
أما إذا قِيل إن مجرد تقرب سارتر( )247من الماركسية أكبر دليل على
تنكره لمذهبه السابق في (الحرية) خصوصًا وأن الماركسية تنادي (بحتمية
التاريخ) وتقول أن البشر مجبرون حضاريًا واقتصاديًا ببعض الظروف،
وبالتالي فإنها ال تكاد تدع مجاالً للحرية الفردية ،كان ردنا ،على ذلك ،أن الجهد
الذي قام به سارتر في كتابه (نقد العقل الجدلي) قد انحصر في العمل على
1161
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
إفساح المجال داخل اإلطار الماركسي للفرد الحر ،وأن سارتر لم يرد –قط-
للوجودية أن تستحيل (فلسفة جبرية) تنادي بحتمية التاريخ.
واآلن تأتي المعالجة الموضوعية لمسألة الحرية الماركسية من زاويتي
االشتراكية والرأسمالية.
أ -في المجتمع االشتراكي
ألول مرة ،وبشكل واقعي مع تطور المجتمع االشتراكي ،ينتقل اإلنسان
من مملكة الضرورة إلى مملكة الحرية ،ومن مملكة الحيوانية إلى مملكة اإلنسان
الحقيقي .إن إمكانية تزويد كل فرد من أفراد المجتمع بفضل اإلنتاج المشترك
بوجود ليس هو ممتلًئ ا ماديًا فحسب ،وصائرً ا أكثر امتال ًء يوما بعد يوم ،بل
بوجود يضمن للجميع التطور الحر والممارسة الطبقية إلمكانياتهم الحكيمة
والذهنية(.)248
ومن هنا جاء دور الثوري – كما يرى سارتر – فالثوري ال يثور
للثورة بل يتجاوزها ويريد تنظيم المجتمع تنظيمًا عقليًا بنزعة اإلنسانية جديدة ..
إن حريته حرية تتخذ (الحرية هد ًفا) لها واالشتراكية هي وسيلة تحقيق عالم
الحرية(.)249
وهكذا نجد أن هدف االشتراكية(– )250دائمًا -هو انعتاق اإلنسان.
االنعتاق الذي هو نفسه ،عملية تحقق ذات اإلنسان ،في سياق تفرده وتواصله
المنتج مع اإلنسان والطبيعة ..إن هدف االشتراكية ،هو تطوير الشخصية
الفردية ..إن مجمل مفهوم ماركس للتحقق الذاتي لإلنسان يمكن فهمه بشموله
فقط بالعالقة مع مفهوم العمل..
إذن العمل ،ورأس المال ليسا مقولتين اقتصاديتين فقط ،بل أنهما
مقولتان انثربولوجيتانِ ،بحُكم القيمة األساسية في موقف ماركس اإلنساني.
وقد اختصر (موريس توريز)( )251تعاليم الجدلية الماركسية حول هذه
المسألة في عام 1934في المؤتمر القومي للحزب الشيوعي الفرنسي في
الكلمات التالية:
"يناضل الشيوعيون ضد جميع صور الدكتاتورية البرجوازية حتى ولو
ارتدت هذه الدكتاتورية صورة الديمقراطية البرجوازية ..كما يكشف
الشيوعيون القناع عن عملية انحطاط الديمقراطية البرجوازية الرجعي ،ممهدة
الطريق أمام الفاشية".
1162
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
ومن هنا كان حديث ماركس( )252الدائم حول االقتصاد والثورة السياسية
وتطور المجتمع الدراماتيكي الذي تحققه الشيوعية واالشتراكية والديمقراطية
االجتماعية التي تتحقق بالحرية اإلنسانية كلها.
وذلك من منطلق أن األساس في الشخصية االجتماعية( )253هو الحقوق
المتساوية equal rightsوالنشاط السياسي الحر يبدو أنه الهدف الحقيقي لرضا
الذات االجتماعية وهذا ما يقصد به األيجو egoولكي نفهم ذلك دعنا نختبر
اإليجو أي الخبرة المعاصرة وممارسة الغطاء النفسي هذا الغطاء المكون
للفردانية individualismوتستطيع الماركسية أن تساعدنا في فهم ذلك من خالل
المكونات البيئية.
ب -في المجتمع الرأسمالي
البد أن تدرك أن مصدر الحرية ،التي نادت بها الرأسمالية وطبيعة هذه
الحرية ،هي حرية التجارة واألعمال بالنسبة للرأسمالي ،وحرية العمل عند
الرأسمالي بالنسبة للبروليتاري ..ولهذا يضطر البروليتاري ،كي ال يموت من
الجوع ،إلى العمل طيلة الوقت المحدد كي ينال أجره.
أما البروليتاريا العصرية فهي كالعبد ال يملك شيًئ ا سوى حريته إال
قدرته على بيع قوته على العمل .وكان العبد ينال غذاءه من سيده .أما الرأسمالي
فهو يعطي البروليتاري في صورة أجر ،الضروري مما يحتاجه في غذائه
فالرأسمالية إذن هي (العبودية المأجورة)(.)254
إننا نصل إلى هذه النتيجة ،وهي أن اإلنسان (العامل) ال يعود يشعر
بنفسه أنه يفعل بحرية إال في وظائفه الحيوانية األكل – الشرب – التناسل –
سكنه – زينته ،وال يعود يشعر بنفسه إال كحيوان في وظائفه البشرية ،فالحيواني
يصبح البشري ،والبشري يصبح الحيواني.
وبدون شك إن األكل والشرب والتناسل هي –أيضًا -وظائف بشرية
بشكل صحيح ،ولكن في التجريد الذي يفصلها عن باقي النشاط اإلنساني.
وحتى الحاجة إلى الهواء الطلق تبطل أن تكون حاجة لدى العامل ،إن
تجريد الحاجة ،ذلك لم يعد بالتلطف ،بل هو إضعاف الحاجات األكثر طبيعية
ووضع مكانها حاجة مشددة في حدتها لكن مجردة ،طالما هي ال تجد ما
يرضيها.
1163
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
لقد أصبحت الحاجة شبحً ا :شبح الدراهم المفتش عنها بنهم (شبح
البؤس)(.)255
ومن هنا كانت نظرية ماركس لها مفاهيمها األخالقية وخاصة فيما
يتعلق بالليبرالية المعاصرة وديمقراطية أمريكا (إن صحت) واهتمامه بجذور
التصور الديمقراطي ونقده الداخلي من خالل الجدل ومناقشة النظرية
الديمقراطية من ناحية الوعود الفاشلة في إقامة مجتمع أفضل كما يدعي البعض
وعالقة ذلك بالعالمية .)256(internationalism
وأخيرً ا ،فقد حاولت الماركسية ،بعد ماركس وبواسطة أنجلز ،أن تنقلب
إلى فلسفة ،كما يرى البعض – وأن تبرر الحرية أمام الضرورة من دون أن
تستوعب التبديل األساسي في الحضارة ،ولذلك نجد انجلز يظن أن الدعوات
الهيجلية تكرار .ال يستقيم – َكتب أنجلز "لقد كان هيجل سبا ًقا إلى تقرير العالقة
بين الحرية والضرورة حق قدرها ..وأن الضرورة ال تكون عمياء إال بقدر ما
ال تكون مفهومة"(.)257
كما انتقد (إدجار موران)( .)258الحرية الماركسية ،ويرى أنه كان من
المفروض أن يجد اإلنسان ،عند ماركس ،خالصة بإزالة االغتراب بمعنى أنه
يتخلص بالتحرر من كل ما هو غريب وبالسيطرة على الطبيعة إال أن فكرة
اإلنسان ،غير المغترب ،فكرة غير عقالنية ،ألن االستقالل والتبعية ينفصالن،
فنحن نخضع لكل ما يغذينا وينمينا ما نمتلكه يمتلكنا – الحياة – الجنس – الثقافة
أما فكرة التمرد المطلق ،والسيطرة على الطبيعة والخالص على األرض إنما
هي فكرة نحتها الجنون المجرد.
تعقيب :إن ماركس لم يلغ الجزء الضروري في حياة اإلنسان وفي
تشكيله ولكن يؤكد على الوجود المعنوي الحر في الفكر والتصرف واإلبداع في
اإلنسانية كما ينبغي أن تكون فليس – عكس ما يدعي المؤلف – من الجنون
المجرد أو غير المجرد أن يحقق اإلنسان ذاته على األرض وأن يتحرر من
العبودية وأن يكون ً
سيدا على األرض كما أراده هللا أن يكون.
وهذا ما يجعلنا نناقش هنا مسألة الحرية بين المطلق والنسبي.
مستوى النسبية واإلطالق
ال شك أنه يوجد اختالف كبير من أنصار المدرسة التجريبية أو المادية
منها ،فبينما يذهب البعض مثل الوضعية المنطقية ،والسوفسطائية وآخرين إلى
1164
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
النسبية المطلقة وإلى اعتبار األخالق كلها أوامر وتعبيرات عن رغبات إنها
عبارات ال تحمل صد ًقا وال كذبًا وبالتالي يرون عدم إمكان قيام أخالق على
اإلطالق ..فذهبت (المادية الديالكتيكية) إلى أن المطلق ينشأ من خالل النسبي،
إن المطلق ال يتحقق كامالً ولكنه في عملية نمو واتساع أفقي وعمودي باستمرار
إن النسبية –عندهم -ليست مطلقة(.)259
يقول كامنكا( :)260إن رؤية ماركس كانت إدرا ًكا غير مصطنع للفروق
من األخالقية الوضعية ولالختالف بين التعاون التلقائي للخيرات والتحالفات
المؤقتة الخارجية والمفروضة الممكنة للشرور والتوتر ،بين أخالق الحرية
والمشروع عند المنتج ،واهتمام العمل بالغايات وأشكال األمن واألرباح وينقد
ماركس ،حيث يكمن ضعف ماركس الرئيسي في فشله في استخراج الفرق بين
الحرية في اإلطار الوصفي وفي إطار طبيعة العمليات والحركات المتضمنة.
ويشارك انجلز ماركس( )261في أن جميع األحكام الخلقية نسبية ،وأن
األخالقيات ،في الواقع ،تقدمت ،أنه يفرض جميع القيم الخلقية المطلقة ،ومع
ذلك يتنبأ بظهور (أخالقيات إنسانية حقة) ..وتحت تأثير نفوذه تذبذب
الماركسيون القطعيون حول االعتقاد بأن الماركسية هي علم (حر القيمة).
وقد حاول هيلفردنغ Hilferdingأن يح َّل التناقض ،بشكل صارم
.1920
"إن نظرة الماركسية ،كذلك تطبيقها بعيدان عن أحكام القيمة ،ولهذا يكون
من الزيف أن نتصور ،كما هو الحادث على نطاق كبير من داخل األخالق
وخارجها ،أن الماركسية واالشتراكية متطابقان على هذا النحو ثم جاء قول
شيسخين A.E. shishkinعميد الفلسفة السوفيتية المعاصرين (إن فلسفة األخالق
الماركسية ال تفرض المعايير ،إنها تستخلصها من الكيان االجتماعي لإلنسان).
وفي (الماركسية والتحليل النفسي) يرى أسبورن( :)262أن العجز عن
تفهم المتطلبات األخالقية الماركسية هو المسئول عن هذه الشروح الخاصة
للموقف الماركسي .ونجد مثاال على ذلك في انتقاد األستاذ ك.ر بوبر للماركسية
عندما يصف الماركسية بأنها تتسم بنسبية أخالقية والمبدأ األخالقي الذي تعتمد
عليه الماركسية ،يمكن تلخيصه في الشعار (تب ّنوا أخالق المستقبل)..
ويتصور بوبر أن ماركس يقول "إنني ارى أن البرجوازية مصيرها
الفناء ،وأن البروليتاريا ،ومعها أخالق جديدة ،ستنتصر عليها ،أرى أن هذا
التصور ال يمكن تجنبه ،ومن الجنون أن نقاومه ،تمامًا كالجنون الذي يمكن أن
1165
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
نصاب به إذا ما ذهبنا إلى عكس قانون الجاذبية األرضية ،لذا فإن ضرورة
األساس يكون في صالح البروليتاريا وأخالقها .وهذا القرار يرتكز على تنبؤ
علمي وتاريخي".
إذن سيبقى السؤال الدائم للماركسية هو()263؟
Is any thing taken as an absolute in Marxist ethics, or is
.everthing relative
أي هل يوجد مطلق في األخالق الماركسية أو ما يرتبط بها؟؟
إذن في النهاية ،يأتي نقد مطلقية األخالق من إلغاء نظرية الضمير
ويمكن إجمال ذلك في(:)264
من الواضح أن ا ّدعاء المدارس المثالية بوجود ضمير نظري في كل -1
إنسان ،ضمير غير مكتسب (الحاسة السادسة) التي هي كحاسة البصر
والسمع ووظيفتها تميز الخير والشر بالفطرة ،هو ادعاء تبطله الحقيقة.
قيم األخالق كالعدل والصداقة والمساواة ليست أزلية بل نشأت تدريجيًا. -2
وقد بدا اإلنسان من مستوى الحيوانات العليا ،ولكن عن طريق التعاون
والعمل واللغة ،وأن لكل مجتمع قيمه.
في تطور اإلنسان وتطور قيمة وتشريعاته كان يشخص أيضً ا آلهته، -3
وينسب لهم تطوراته ومستواه وبالتدريج عمل على خلق عالم منفصل عن
األفكار والقيم المطلقة.
-5الماركسية والمثالية األخالقية
بين االستحالة واإلمكانية
يشرح بيكاردا لدانتي ،نظام الجنة( ،)265هي وصف لمجتمع متعدد
األشكال ،ولكن يوجد بين قلوب أعضائه التفاني التام في تحقيق هدف مشترك،
وتب ًعا لهذا الهدف يحدد مكان كل فرد ويقيم نشاطه ،وسيجد األفراد مكانتهم من
مكانهم في هذا النظام ،وهم مندمجون مع بعض اندماجً ا تامًا بفضل وحدة القصد
التي تربطهم حتى أنهم نسوا أنفسهم وهم لذلك مسرورون.
الفرد للفرد كالبنيان يشد بعضه بعضًا هنا ال ضغينة وال حسد
خيرات المجتمع في تناول كل فرد هنا ال أنانية وال نزاع
وهنا العمل المتواصل لمصلحة المجتمع هنا الصدق وال شيء غيره
1166
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
الفرد للكل والكل للفـرد
أيها اإلنسان إن السعادة ليست في جمع المال ،وإنما في راحة البال فكن
خيرً ا لتحظى بالهناء.
وهنا يبدو معيار القيم األخالقية في العالقات بين الطبقات ،وقبل كل
شيء يضع النشاط االقتصادي نفسه في مكانه المناسب كخادم للمجتمع ال سيده.
فما هو موقف الماركسية من هذه المثالية؟
كانت الماركسية( )266تدعو إلى عمليات ثقافية متعددة إماطة اللثام عن
(المثالية) ومبحث االبستمولوجيا يعيد النظر في تقنيات المعرفة اإلنسانية نظرية
جديدة عن الحرية يتيح اإلفالت من اسر النزعة اللفظية في المقاالت المثالية
المنمقة من أجل (كرامة اإلنسان).
وعندما يمضي ماركس في وصف الدولة الشيوعية( )267تصبح لغته
خيالية إلى حد يشبه لغة االشتراكيين الفرنسيين الذين لم يتمكن من أن يحرر
نفسه من تأثيرهم ،ولذلك يقول عندما يزول التناقض بين العمل العقلي
والجسماني وعندما يصبح العمل ليس وسيلة للعيش ،هنا يستطيع المجتمع أن
ينقش على علمه عبارة (من كل فرد حسب مقدرته ،وإلى كل فرد بحسب
احتياجاته).
وكما فعل ماركس( )268الذي كان أول شخص وصل لنتيجة أكيدة من
دراسته لنظرية القيمة لكن رودبرتوس فتح أمامه الباب الذي يقوده بها للطوباوية
. utopia
وقد ظهرت الطوباوية في كتاب جون جراي John Gray 1831
وجربت هذه الطوباوية وبشر بها في إنجلترا 1830وظهرت في ألمانيا على يد
رودبرتوس ودعاها الحقيقة األخيرة وأظهرها برودون في فرنسا .1846
والماركسية هي جزء ال يتجزأ من ميراث حداثة النهضة والتنوير(،)269
فقد كان هدفها الوصول إلى المجتمع الالطبقي ،ولم تكن تمجيد البروليتاريا
سوى محطة للوصول إلى نفي جميع الطبقات بما فيها البروليتاريا ،ولم يكن
التركيز على الجانب االقتصادي سوى وسيلة للتحرر اإلنساني الشامل ،ولكن
تكلس الحلم الماركسي وتوقف تطبيق الماركسية عند حد ديكتاتورية البروليتاريا
ومركزية السلطة خاصة (في العصر االستاليني) وبذلك تحولت األفكار الساعية
إلى حلم التحرر الشامل إلى إيديولوجية تدافع عن مصالح محدودة وطبقية ،وهنا
1167
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
يمكننا القول أن تاريخ الفلسفة هو تاريخ الصراع بين الفلسفة واإليديولوجيا أو
بين التسامح والتعصب وبين الحرية والقمع.
إن المجتمع المثالي في النظرية الماركسية( )270هو الذي يحل فيه
التعاون محل الصراع بين الطبقات – كما يبدو من فكرة ماركس أن كل ما هو
طيب بالنسبة لإلنسان يتحقق في مجتمع دون طبقات مؤسس على مستوى مرتفع
لإلنتاج .وهذه الفكرة مختلفة عن المثل األعلى السياسي ألرسطو الذي وضعه
األستاذ (تيلور) كما لو كان المثل األعلى الرستقراطية قليلة العدد ،ولكنها تمتلك
أوقات فراغ ،ومستوى عاليًا من الثقافة .هذه االرستقراطية التي ال تمتلك ثروة
هائلة ،وال تتميز بطريقة ملحوظة بغنى مادي ،وقد تحررت من روح المغامرة
تعمل بهدوء على ارتقاء العلوم والفنون على حين تقوم طبقة من العمال على
توفير حاجاتها المادية ،هذه الطبقة ال تتمتع بالحقوق المادية تعامل بلطف ولكنها
ً
شديدا ويعده أعظم فالسفة دون مستقل ،رغم أن ماركس يكن ألرسطو إعجابًا
الحضارة القديمة .إال أن فكرة أرسطو ال يجب أن ينظر إليها من زاوية
الظروف التاريخية.
وقد كان ماركس ال يشغل باله بتعريف ما هو خير بقدر انشغاله بكيفية
تحقيق السعادة في المجتمع ،أي تحقيق الظروف المواتية التي تمكن اإلنسان من
الوصول إلى السعادة أكثر من اهتمامه بالخصائص المجردة لحالة السعادة.
ومن هنا كان ماركس على وعي بالمثل واليوتوبيات القديمة( )271التي
تحققت في إطار األنساق التأملية ، speculative systemsكما تحدثت عنها
ضا من خالل مخطوطات ماركس وبعد وفاته. إنجلترا أي ً
ويلفت ماركس نظرنا إلى سؤال هو( )272هل يجب أن نظل مكتوفي
األيدي ونحن نتأمل معنى التاريخ وننتظر جنة عدن المقبلة أو يجب أن نشتغل
لتحقيق مثل أعلى يستحق جميع مجهوداتنا وكل طاقتنا؟
"إنّ الجماهير تملي على التاريخ مهمته وفعله"!!
وإذا كان اإلنسان الحي ،الواقع وحده الذي يعمل شيًئ ا فذلك أن ماركس
يتحدث عن (تاريخ مثالي) وبالمقابل عن اإلنسان الخائض في الحياة االقتصادية
ضمن القوى المنتجة.
ولذلك فإن ما يميز النظرة الماركسية لالشتراكية( )273عن النظرات
الخيالية (اليوتوبية) هو أنها تجعل مطلب الجماهير الذاتي منذ آالف السنين يتفق
1168
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
ومتطلبات القانون االقتصادي األساس لنوع من اإلنتاج قد حدد بصورة علمية
وهذا ما يفسر نجاح بناء االشتراكية في االتحاد السوفيتي بقيادة الحزب
الشيوعي وليس بسبب اختيار حر أو حظ سعيد بل ألنه كان ملمًا بعلم
المجتمعات ،كما يرى البعض.
ومن هنا لم تأتي مثالية ماركس( )274إال بعد الدراسة الحقيقية للواقع
الراهن ،حيث وضع ماركس وانجلز الخطوط األساسية في مبدأهما في وقت
مبكر بعد أغسطس 1844حين التقيا في باريس واستطاعا الحكم على العديد
من النظريات التاريخية والفلسفية واليوتوبية واالقتصادية والسياسية وفن التعبئة
العسكرية Tacticalوالحكم أي ً
ضا على النظريات الزائفة للواقع.
ومن هنا ظهرت اليوتوبيا عند اليساريين وهي يوتوبيا اشتراكية
تستوحي ألفاظها من قاموس اشتراكي مثل (الجوع – الشعب –الكفاح –
العمال)(.)275
وقد ارتبطت الشيوعية باليوتوبيا؛ ألنها ،بتفكير بسيط ،هي القريبة إلى
اليوتوبيا ،وتاريخ الشيوعية القديم(.)276
وهنا يجد ماركس أن الرأسمالية وقد أخذت بالتعفن أكثر فأكثر ،لم يكن
لها بد من أن تخلق (حفاري قبرها) ولكن هوية هؤالء تبقى –وحدها -غير
محددة.
على أن ماركس ،على كونه (متفائالً) ،إال أن المهمة التي يقترحها أمر
ً
مشروطا –تاريخيًا -في تحديداته ولكنها من مهمات مطلق مع أن هذا األمر
ماركسية لمن ينتسب كليًا للمادية التاريخية .
()277
وهنا يجدر بنا توضيح تلك العالقة بين الماركسية والهيجلية في المسألة
المثالية.
يقول ماركس ،ر ًدا على هيجل( ،)278إن المثالي ليس إال العالم المادي
منعك ًسا بواسطة الذهن اإلنساني ،وذلك لتمييز المادية عن المثالية إال أنه يبرز
هنا سؤال:
أيلزم من ذلك في اللغة المادية الجدلية أن يصبح مصطلح مثالي
معادالً للوجود في الوعي فقط كما هو شائع؟
1169
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
يقول أساتذة الماركسية :إن مثالية هيجل أقرب ،كثيرً ا ،إلى الحقيقة من
المادية (الغبية) السطحية المبتذلة.
والسؤال ما هي كنه العالقة بين المثالية واألخالقية الماركسية؟
يجب أن نعرف ،في البداية ،أن التجريد يالزم المثالية( )279في أحكامها
(عامة) فلكل كيان قائم مثل أعلى مجرد وهو بمثابة الروح للجسد ،فالمجتمع ال
يتألف من مجموع أفراده وكيان المجتمع المادي الزائل ال يساوي بالنسبة
للمقومات الروحية التي هي الجوهر الخالد أكثر مما تساوي الواسطة بالنسبة
للغاية .وبهذا االعتبار ال تقوم المثالية بتقدير ما يقدمه الناس من تضحيات
بمعيار المنافع المادية التي يحققونها ألن التضحية للمثل ال تكون حقة ،إال إذا
كانت مجردة عن استهداف النفع المادي.
ولذلك يرى ادوار موروسير( :)280أن محرك االشتراكية عند البعض
هو لغة الطوباوية األخالقية والماركسية من حيث اعتبارها حركة مهدية ،غير
أننا نشعر –أحيا ًنا -بانطباع أن التناقض األساسي ،الذي ينبغي حله ،هو تناقض
المسيحية والماركسية ،وأن الح َّل يبدو من خالل تفسير التعالي على أنه (مبدأ
الحرية) .وتأتي المصالحة داخل مذهب تعدد سياسي وأخالقي ،وعلى أساس
مبدأ اإلخصاب المتبادل.
()281
كما تبدو المثالية ،في الجانب السياسي ،وخاصة (الحرب والسالم)
حيث يكتب اليساريون في مقوالتهم :أنه خالل الربيع والصيف القادمين يجب أن
يبدأ انهيار المنظومة اإلمبريالية.
وقد يرى البعض أن الصياغة –هنا -غير دقيقة ،وجاءت على نحو أكثر
صبيانية على الرغم من التظاهر بالعلمية.
ولكن على الرغم مما تقدم من فكر مثالي يتالحم مع الفكر الماركسي إال
أن المثالية –هنا -لم تخلو من نقد لها..
يقول إنجلز ،وهو يمتدح ماركس( :)282لقد كشف ماركس عن حقيقة
بسيطة ظلت دفينة إلى يومه تحت ركام من أضاليل المثالية – حقيقة بسيطة
هي :أن الضرورة األولى واألساسية والشغل الشاغل لبني اإلنسان هو الطعام
والشراب والملبس والمأوى التي ال يستطيع -بدونها -أن يشغل باله بالسياسة
والعلم والفن والدين.
1170
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
كذلك نجد لينين( )283يتحدث عن المعالجة الماركسية لتطور المؤسسات
االجتماعية فيقول "ليس هناك أثر ألي محاولة من جانب ماركس لتأمل أو تفكير
في إقامة يوتوبيا ،أو صياغة افتراضات بلهاء ساذجة عمّا ال يمكن معرفته،
فماركس يتناول موضوع الشيوعية بنفس الطريقة التي يمكن أن يعالج بها عالم
الطبيعة موضوع تطور نوع بيولوجي جديد".
ويأتي نقد آخر في (أفكار جديدة لعالم جديد) ( :)284إن األفكار الكلية
المتمثلة بالماركسية اللينينية حققت تقريبًا – وفي كل المجاالت عكس ما كانت
تسعى إليه من غايات على مدى طويل :وهو ربط وسائل اإلنتاج والتبادل
بالدولة ً
ربطا كامالً..
أما األفكار الكلية المتمثلة بالقومية االشتراكية (النازية) فحققت اإلفناء ،الذي
ارتبط اسمه بها ،لكنها لم تستطع أن تحقق (المجتمع المستقبلي المثالي) الذي كانت
بطلته والقومية االشتراكية تقوم على فكرة سلبية يسيطر عليها وهم االنحطاط
والموت إلى جانب فشل ايديولوجيا الكمال ،وانتظار الوصول إلى جنة أرضية ،إنما
يمر من خالل اإلشارة إلى كبش محرقة يفترض به أن يشكل أصل كل بالء.
إذن المشكلة ليست في تصور مجتمع مثالي( ،)285كما أن تلخيصها في
ثورة المقهورين على القاهرين أو المظلومين على الظالمين هو تبسيط مخل،
فتاريخ الفكر مليء بمجتمعات مثالية كثيرة ،ولم يحاول أحد الوصول إليها ،أو
باءت كل محاوالت الوصول إليها بالفشل.
كما أن تاريخ المجتمعات مليء بالثورات التي قام بها المقهورون،
والثورات التي استخدم فيها المقهورون والمظلومون التي منيت بالهزيمة ،أو
تمخضت عن طبقات جديدة تمارس قهرً ا أو ظلمًا من نوع جديد .وبالعلم نستطيع
أن نتبين كيف تتطور المجتمعات البشرية ،ومن ّث َّم يمكن أن تجعل هذا التطور
مجاالً للنشاط الواعي.
-6الماركسية في ميزان النقد
(انتقادات – تحيزات)
تعرضت الماركسية – شأنها شأن الفلسفات األخرى -للنقد والتحليل
والهجوم والشروح والتحيز ..وكان البد لفلسفة ثرية ،ذات أبعاد سياسية
واقتصادية واجتماعية ،أن تنال كل هذا االهتمام من اآلخرين ،فهي فلسفة
استطاعت أن يكون لها تأثيرها الواضح على اإلنسان والمجتمعات لما تحمله من
قضايا هامة كانت والزالت ،موضعًا للنقاش بل أن هناك قضايا ماركسية تفرض
نفسها على الواقع المعاصر بحكم حيويتها وفاعليتها المستمرة..
1171
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
أ -االنتقادات الموجهة إلى الماركسية
-1من الزاوية الفلسفية
يقول سارتر في (المذهب المادي والثوري) إنه ال يحاسب الماركسية
على ما يعتقدونه ،بل على ما يفعلونه .وهذا ما يفسر بأنه ال يكتفي بأن يكون
مجرد ماركسي ،ولهذا فإنه في اللحظة التي يصرح فيها بأنه يتبنى الماركسية
كمنهج موجه ،يوجه –أيضً ا -عد ًدا من االنتقادات األساسية إلى الماركسية،
ويمكن تلخيص كافة االنتقادات ،إذا ما حددت أنها موجهة إلى (كسل
الماركسيين) وهذا الكسل يتجلَّى في إيمان الماركسيين بأن الماركسية قد تكونت
واكتملت ،ولم يعد هناك من جديد يكتشف ،وأن جميع األسئلة قد تم الرد عليها،
لكن سارتر يعتقد أن الماركسية مازالت فتية ،وأنها بعيدة عن أن تكون قد
اكتملت ألنها كاإلنسان ال تتكون –نهائيًا -إال في لحظة الموت(.)286
تعقيب خطأ النقد السارتري هنا يقوم –أساسً ا -على إغفال جوهر الفلسفة
الماركسية التي تقوم –أصالً -على مبدأ الحركية والجدل وحركة التاريخ
والتطور وهو اإليمان الباقي دائمًا عند الماركسيين .فكيف يوجه سارتر نقده إلى
إلى (كسل الماركسيين) وهم من آمنوا بالتطور واالستمرارية ولم تكن حركيتهم
كسل وال علميتهم خمول وبطالة.
إن الماركسية( )287بفرض أنها نظرية لها قيمتها ،نتاج التفكير الغربي.
والتهمة الرئيسية التي يمكن توجيهها إلى ماركس بوصفه ثوريًا دوليًا ،هي أنه
فكر في الثورة في حدود قصرها على األحوال السائدة في الغرب .وسار
الروس على هديها إال أنه كان يعوزهم –دائمًا -الشعور بالنسبية ،فاعتنقوا
المذهب في يقين صلب ال يلين ،حتى أحالوه إلى قانون متحجر جامد يظنون
أنهم ،وحدهم ،القادرون على تفسيره تفسيرً ا صحيحً ا..
ومن هنا يأتي نقاد الماركسية فيما يتعلق بالمادية التاريخية( )288فهم نقاد
الماركسية البرجوازية الذين أثبتوا أن ما يعلنه الفالسفة الماركسيون من صلة
بين المادية والتاريخية ،وبين مصالح الطبقة العاملة وأفكار الشيوعية ما هو إال
دليل على الضيق الطبقي لدى العلم االجتماعي الماركسي اللينيني.
كما قام البعض بنقد المنهج الجدلي( ..)289إن المنهج الجدلي الذي
اصطنعه ماركس له تأثير .على المؤرخين المتأخرين فنجد (وليم هنري
تشمبدلن) نقد هذا المنهج فيقول (لقد عجزت الطريقة) المادية التاريخية التي
1172
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
أسسها ماركس عن تعليل ما نراه من فروق واضحة بين الشعوب التي في
مستوى واحد من حيث الرقي االقتصادي ،فلم تدخل في حسابها العوامل الحيوية
كالجنس والدين والقومية.
ويعد أنثوني جيدنسن( Anthony Giddens )290من الناقدين المعاصرين
للمادية التاريخية حيث قام بالنقد الجذري واألصلي للماركسية Marxism and
some radical criticsوقدم رؤيته في (النظرية البنائية) فالحياة االجتماعية ال
تدرس من خالل اإلنتاجية واالستغالل بل من خالل القوة والسيطرة ولذلك
رفض المزاعم المتعلقة بالمادية التاريخية لسببين:
األول :نموذج اإلنتاج ليس هو المفتاح دائمًا لخطة البناء االقتصادي.
الثاني :التغيرات التاريخية في بعض األحيان تعبر عن القوة وعالقات اإلنتاج.
ولذلك يرى البعض أن الظواهر الفوضوية( )291الكمية موجودة في
االقتصاد ،وهكذا فإن االقتصاد الحر يبقى صحيحً ا على الرغم من وجود
األزمات االقتصادية ،كما يقول البعض أن الرأسمالية حيث تسود الظواهر
الفوضوية في أوربا والواليات المتحدة قد أغنت اإلنسانية باالكتشافات والمعرفة
..إن الحياة والرياح هي ظواهر فوضوية إن الفوضوية تسود معدل هطول
المطر وحركة الرياح فوضوية أيضًا فالظواهر الفوضوية لها تطبيقاتها.
والسؤال من أين يأتي خطأ الماركسية عند السوفيت؟
إن التراتيل السوفيتية عن تحويل ملكية وسائل اإلنتاج إلى الدولة قد
جعلت الكثيرين الذين لم يهتموا بأن يقرأوا أي شيء لماركس يتوهمون أن
الماركسية هي وصفة جاهزة أو ملكية الدولة لوسائل اإلنتاج .وقد ثبت في
التطبيق خطأ (النظرية) (.)292
ولذلك نجد في مؤلفات لينين ( )1918 – 1914اقتباسات واستشهادات
من كاوتسكي الماركسي ولكن لينين كان يتميز عند كاوتسكي بأنه لم يكن أسير
نص النظرية الحرفي ،فقد كان على اقتناع بأنه ال يمكن االحتفاظ بالروح
الثورية الحقة إال في حالة امتالك القدرة على رؤية العالم بنظرة جديدة دون
تحيز أو أحكام مسبقة أو استسالم الذهن لمجموعة من الصيغ والمعادالت
الجاهزة(.)293
-2من الزاوية اإلنسانية واألخالقية
1173
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
يقال أن ماركس كان ينكر أهمية الفرد ككائن لدرجة أنه لم يقدر ،ولم
يفهم الحاجات الروحية لإلنسان ،حيث يظن أن مثاله هو اإلنسان الحسن التغذية
والكساء و(المعدوم الروح)(.)294
وهنا تغدو اإليديولوجيا محض أيديولوجيا رغم تحفظات إنجلز
الصريحة .وقد استتبع ذلك بالفعل تهوين من (مضمار الذاتية) بأكمله وهو
تهوين لم يطل فقط الذات من حيث إنها Egocogitoأي الذات العقلية بل –
كذلك -الداخلية واالنفعاالت والمخيلة ،فذاتية الفرد ووعيه وال شعوره تنزع إلى
الذوبان في الوعي الطبقي ،ومهما مهد السبيل أمام هذا التطور تأويل الذاتية
على أنها مفهوم (برجوازي) ،وهذا أمر مشكوك فيه تاريخيًا(.)295
ويأتي رأي آخر ضد النزعة الذاتية في الماركسية من حيث إن الحرية
الفردية في التعبير والنقد مرتبطة بالسيادة ولكنها ال تتحقق إال بسيادة الفرد على
نفسه ،وليست بسيادة الدولة التي تتجسم في الواقع في النظام الماركسي ،في
عصابة معينة محددة وفي زعيم يتزعم هذه العصابة بكل أساليب اإلرهاب،
وليس بأسلوب االستقامة في التفكير والتصرف ،والتوجيه ،وهو أسلوب اإلنسان
المهذب وسبيل اإلرادة القوية ليس إذالل (الدولة) للفرد ،وليس استقالل جماعة
الحزب الشيوعي في النظام الماركسي للفرد(.)296
ومن هنا يأتي الهجوم على األخالق الماركسية .هذا الهجوم على
المعالجة الموضوعية للمشاكل األخالقية على الرد (المادي) لأليديولوجيات إلى
األسس المادية للمجتمع وإلى الموقف المادي لطبقة ما أو إلى (المصالح) المادية
وهي موجودة في بعض صفحات البيان الشيوعي(.)297
ومهما كان الظلم الذي وقع على عمال المصانع في أوربا الغربية من
جانب أصحاب رؤوس األموال ،فإن ذلك ال يبرر ،على اإلطالق ،أن يكون
النداء باسم الفلسفة والتفكير اإلنساني الذي يوجه العمال هو (الثورة الدموية أو
االنقالب والتخريب)(.)298
ويرى كامنكا( :)299نتيجة فشل ماركس في تناول المسائل األخالقية
بشكل إيجابي ،وفشله في الرفع من شأن طرق الحياة والتنظيم فوق الغايات
والسياسة ،فإن الفروق األخالقية لم تلعب دورً ا رئيسيًا في الثقافات التي صدعت
الماركسية.
1174
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
ولم تكن المسألة الحقيقية ،التي تواجه الماركسية هي فلسفة األخالق ،بل
النتائج المترتبة على إهمالهم لفلسفة األخالق ،لقد كان ماركس على خطأ في
تبين االنهيار الباطني للرأسمالية واإلفقار المتزايد للعامل .ومن المالحظ أن
اإلهمال الماركسي لفلسفة األخالق قد حال بين الماركسيين وبين الهجوم على
النزعة اإلصالحية إلعالئها من شأن الجوائز واألمن.
فقد حاول المشروع الماركسي( )300تطوير شكل متطرف من المساواة
االجتماعية ،على حساب الحرب ،وذلك بإزالة الالمساواة الطبيعية واالستعاضة
عنها بمكافأة الحاجات وليس الكفاءات وبمحاولة القضاء على تقسيم العمل .فكل
محاولة مستقبلية تجعل المساواة االجتماعية تتقدم إلى ما وراء (مجتمع الطبقة
الوسطى) ينبغي أن تقاس بفشل المشروع الماركسي ،ومن أجل التوصل إلى
إلغاء الفوارق (الضرورية والثابتة).
وكان البد أن تنتهي هذه المجتمعات الشيوعية إلى قبول درجة أساسية
من الالمساواة االجتماعية يسميها ميلو فان جيالس Milovan Djilasالطبقة
الجديدة من رسمي الحزب ،وقد ذكر ذلك في كتابه الهام The new class:
.Analysis of the communist system
إذن من المؤكد أن الضعف األساسي في تفكير ماركس( )301يكمن في
فشله باستخالص نظرية عن الطبقات والتنظيمات والحرية في إطار إيجابي ،في
إطار طبيعة العمليات وفي صراع االتجاهات تصاغ األهداف وتنشأ التكيفات
وقد آمن ماركس بمجتمع ال طبقي تختفي فيه صراع االتجاهات وطرق
المعيشة.
وهكذا يصبح االنتقال إلى االشتراكية شيًئا ال يقدر ببساطة على بحثه بجدية
كان يجب أن نخرج من الحسبان (الطبقة الدقيقة لديكتاتورية البروليتاريا) وقيم
ووسائل الحياة ،كما يمثلها الناس الذين تقع في أيديهم مقاليد األمور .إن القضاء على
الملكية الخاصة سيقضي على األساس الذي تقوم عليه المصالح المتنافسة.
إن رؤية االشتراكي للمجتمع كما تقول (روزا) عن لينين (هي رؤية
الرأسمالي لمصنع يديره رئيس عمال)
إن لينين – كما يرى كامو )302(-لم يرحم ضرب كل األشكال العاطفية
من العمل الثوري ،وكان يريد تطهير العمل الثوري من كل اخالقية يمكن أن
تعوقه ،ألنه كان يعتقد –بحق -أن السلطة الثورية ال يمكن أن تقوم لها قائمة
1175
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
مادامت تحترم الوصايا العشر ..إنه يأخذ زمام السلطة بال قلق وال يبالي بأية
اخالقيات ً
باحثا عن أحسن الطرق لتشغيل الدولة.
إذن لسنا في حاجة إلى ماركس وانجلز( )303ليقول لنا إن معايير السلوك
تتقارب من عصر إلى عصر ،ومن جيل إلى جيل ،وأن على كل جيل أن يحل
مشاكله الخلقية الخاصة به ،وليس هناك أخالق عامة ،بل ليست أكثر من تعبير
عن مصالح الطبقة ،مع أن كل مؤلف أدبي عظيم يعكس األحوال االجتماعية
التي تسود عصره ،كما أن هناك مبادئ خلقية مطلقة وثابتة ال تتغير حظيت
بالموافقة العامة عبر العصور مثل الصفة العامة التي تقود الناس إلى الموافقة
على أن (سقراط) كان رجالً صالحً ا وأن (نيرون) كان رجالً شريرً ا .وأن
والحنث.
َ الصدق واإلحسان خير من الكذب
ولذلك يقال( :)304إن التجربة قد كشفت أن الماركسية (نظرية ناقصة)
وأن الزمن والتجربة قد أبرزا الكثير من نقائص الفكرة الماركسية ،لقد أثبتت
تجربة الزمن أن تحليل ماركس ألحوال زمانه كان خاطًئ ا ،فأسلوب العمل ،الذي
اقترحه ماركس ،أصبح بال جدوى ،والحل الذي اقترحه لعالج مشكالت البشر
هو أبشع أنواع (الظلم) .وهكذا رفضت تجربة التاريخ كل تلك األسس التي
اعتمدها ماركس لبناء (مبادئ فلسفة المستقبل) وهو عنوان كتاب لماركس نشره
..1842إن هذه التجربة التاريخية هي حكم التاريخ على الماركسية ،ولكن
أتباع ماركس رفضوا قبول هذا الحكم ..ويقال إن الحقائق الجديدة التي يقدمها
أتباع ماركس ،هي أدلة على أخطائه ليس إال.
وفي المجال االقتصادي نجد مدلول ريكاردو( )305بأن اإلنتاج
االجتماعي الكلي يخص العمال ألنه من نتاجهم ،وأن هذا القول يقود إلى
الشيوعية ،لكن كما يشير ماركس فيما يتعلق بالقول السابق بأنه خطأ من الناحية
االقتصادية ،ألن هذا القول يؤدي إلى (تطبيق األخالق) في (حقل االقتصاد)
وحينما نقول (هذا ليس عدالً) ويجب أال يكون هكذا فإنما يصبح هذا القول متعل ًقا
باألخالق ال باالقتصاد وهذه الحقيقة االقتصادية (تناقض الشعور األخالقي).
والحقيقة أن أعداء االشتراكية( )306وهي البرجوازية الرأسمالية يقولون
إن نجاح االشتراكية ال يمكن أن يتحقق إالباستبعاد الفرد ،فيزعمون أن
االشتراكية تقضي على الطاقة الشخصية واألفراد ومواهبها وحقوقها
وحريتها ..والحقيقة عكس ذلك – كما يرى المؤلف – أي أن الرأسمالية هي
التي تفعل ذلك.
1176
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
ولذلك نجد موق ًفا واضحً ا من الميتافيزيقية( )307تجاه الماركسية وهم
غيظا عليها ويعيبون عليها (ثوريتها) ألنهم محافظون ودعاة استقرار ً حانقون
وبدون هذا االستقرار هم ال يرتاحون وال يطمئنون على فلسفتهم وعلى األنظمة
السياسية واالقتصادية واالجتماعية المرهونة به ..الميتافيزيقيون هائمون
باالستقرار وذلك يعود – كما يرى المؤلف – إلى تخوفهم على األوضاع القائمة
في عالمهم وحرمان أسياد العالم من مغانم يضمنها لهم هذا االستقرار .إن
االستقراريين يرون في كل حركة تحررية في بلد ،خطرً ا عليه وعلى السالم
العالمي.
()308
إذن على المستوى السياسي نجد أن الماركسيين المتزمتين
المتمسكين بالرؤية كان عليهم أن يجدوا بديالً للبروليتاريا ،ولقد وجد لينين الذي
يعني بالشعبية الروسية البديل في الطبقة المثقفة الثورية والحزب المركزي
الهرمي البناء للثوريين المحترمين الذين يعملون كطليعة للطبقة العاملة ..ثم
ظهر االستبداد من قبل الحزب الشيوعي وأن هذا االستبداد اليشير إلى عدم
جدارة رؤية ماركس ،بل باألحرى إلى أنه كان معها بنصف قلبه.
ولذلك يمكن اعتبار أن التقدمية( ،)309التي ينادي بها اليساريون
الماركسيون (من أتباع لينين) اليوم هي شعار االستبداد بالحكم في مجتمعاتهم أو
هي أوحى عماله ألولئك الذين يساندوهم في البقاء في كراسي الحكم في هذه
المجتمعات ،الذين سبقوهم إلى تطبيق فكر ماركس في العشرينات من القرن (
)20وما يزالون يرونه صالحً ا للبقاء منذ الحرب العالمية الثانية.
ومن ضمن االعتراضات الموجهة إلى منظومة األخالق الماركسية ما
جاء به سوريل(.)310
إذن يجب االهتمام باألسس الميتافيزيقية لفكر ماركس ،وما يدعم ذلك
أن ماركس لم يخشّ شيًئ ا قدر خشيته تناول أفكاره على نحو ثابت نهائي ،ومن
ثم فإن تحديد نظرية ماركس بصورة قاطعة بدا متعارضً ا ،عند سوريل مع
طبيعة فكر ماركس بالدرجة األولى.
وقد بدت الصعوبة ،عند سوريل ،في اقترابه من ماركس من خالل
(االهتمامات األخالقية عند برودون) خصوصًا وأن ماركس انتقد نظرية العدالة
عند برودون باعتبارها مجرد توازن بين القوى ال تقدم حالً للتناقضات الكامنة
في النظام البرجوازي ..
1177
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
إن المشكلة عند ماركس أكثر تعقي ًدا ،وهي تتطلب ،لحلِّها ،تذويب
الفروق بين الطبقات ،وتصفية الشقاء اإلنساني الذي تولد بنظام تقسيم العمل.
والحقيقة ،كما يرى (بيرتون)( ،)311أن نيتشه وماركس من محطمي القيم
واألصنام يعني ممن أرادوا تحطيم عدد كبير من القيم في عالم القرن ()19
حتى يتحقق لإلنسان وجود أخصب وأكمل.
الموجه إلى الماركسية في المثالية؟
ّ واآلن ما هو النقد
يرى كروتشه( )312أن البحث الماركسي ،في أساسه ،لم يكن واقعيًا ،فقد
تصور ماركس ،في دراسته ،مجتمعًا مثاليًا نموذج ًّيا تناول فيه المجتمع األوربي
الحديث والدول الغربية وأمريكا ،ولذلك فالبحث الماركسي في هذا المجال لم
يكن إال قضايا ال صلة لها بالواقع ،مما أدى إلى اعتقاد كروتشه أن كتاب (رأس
المال) هو بحث تجريدي ،األمر الذي يشكل اختال ًفا بين ما يسمى بالمجتمع
التاريخي من جهة ،والمجتمع االفتراضي التصوري من جهة أخرى.
ومن هنا ،يرى كروتشه أن صورة المجتمع األخير هو الذي كان مجرد
بحوث ماركس ونشاطه ،ولذلك بقيت أطروحاته مجرد فرضيات لم تتحقق في
التاريخ.
تعقيب سؤالنا لماذا ال تتحول الفرضيات إلى وقائع ملموسة وتطبيقات فلسفية
..فقد كان يجب على كروتشه أن يحاول إيجاد البدائل أو الظروف المالئمة
للتطبيق الماركسي بدالً من لهجة اإلحباط لكل النشاطات الماركسية.
ولذلك يرى البعض أن فلسفة ماركس( )313لن تكون فرعً ا من الفردوس
ً
تجسيدا لمستقبل ذهبي يزول فيه كل قهر واغتراب ،كما يحدد (إله) التاريخ أو
و(نبيُّه األمين) كارل ماركس.
والسؤال اآلن ما هي أزمة الماركسية ،وعالقتها باستمرارها أو
زوالها؟ إنه سؤال هام تبدو مسألة الممارسة ،عند الماركسية ،من أكثر
االنتقادات واألزمات التي واجهتها الماركسية.
ولذلك يقول جارودي( )314يستطيع الماركسيون ،كحل لقضية الممارسة،
أن يرددوا الكلمات ممارسة – عمل – فعل – إنتاج -شغل – صيرورة –
تحول ،وأن يضعوا عالمات التشديد ،هذا ال يحل المسألة ،ال يحل أية مسألة.
1178
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
فقد أعجب هابرماس( )315بالنظرية الماركسية ،وقد قرأ كتاب لوكاش
(التاريخ والوعي الطبقي) History and class sciousnessبحماسة ،وقد
خلص في النهاية إلى أنه من المستحيل تضييق ماركس أو لوكاش مباشرة على
مرحلة ما بعد الحرب الكبرى ،وكانت هذه الثنائية هي التي جذبته إلى هور
كهايمر وكتاب أدورنو وجدليات التنوير .Dialectic of Enlightenment
ويشترك هابرماس مع التقليد الماركسي في االهتمام بتطور الرأسمالية
وتناقضاتها مع الحياة االجتماعية والشخصية ،إال أنه ،هو نفسه ،يرفض
المسلمات األساسية لماركس ونادى ،بدالً من ذلك ،بضرورة إعادة بناء المادية
التاريخية في كتابه عن (النظرية والممارسة) فعلى الرغم من أن االتحاد
السوفيتي –نفسه -لم يلغ –تمامًا -المبادئ النظرية الخالصة للماركسية ،فالظاهر
أن هايرماس كان يشك في هذه المبادئ الوثيقة الصلة بإحداث نوع من احتكار
بيروقراطي يهدف إلى تقصير االنتقال من االقتصاد الزراعي إلى الصناعي
المتقدم.
إذن ما هي أزمة الماركسية الحقيقية؟
توجد نظريتان( )316ترى األولى أن األزمة هي أزمة نمو ،بينما ترى
األخرى أنها أزمة زوال واحتضار ،ولكن البد لدعاة النظرية الثانية ،كي يكونوا
محقين في زعمهم ،أن يثبتوا أن الماركسية تتغافل عن قضاياها وتناقضاتها
الداخلية ،وإال فال داللة الدعائهم ،إال أن الماركسية تعاني تبدالً وتحوالً أما
النظرية األولى نظرية (أزمة النمو) فال تثبت بمجرد االدعاء ،بل تقتضي بتبيان
التجدد الذي تصير إليه هذه األزمة.
وقد حملت الماركسية( )317في باطنها ،خصوصً ا في صورتها الستالينية،
جذور انهيارها ،التي تمثلت في البيروقراطية والفساد.
ولذلك لم َتب َْق الماركسية( )318كثيرً ا بل فقط إلى عام -1970كما يرى
البعض – وقد حلت محلها ما بعد البنيوية Structuralismوما بعد الحداثة
.Modernism
1179
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
1180
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
والسؤال كيف يمكن للفلسفة الماركسية أن تتطور ،وهل هي
منهج أم مذهب:
كيف يمكن لفلسفة ما أن تتطور والمفروض فيها أنها وسعت كل شيء
من اإلنسان إلى الطبيعة ،إلى ما وراء الطبيعة موضحة كل األساسيات
والعموميات والمناهج والمعايير ،والتي ليس على الناس إال أن يتبعوها للوصول
إلى الفرعيات والخصوصيات ببساطة علينا أن نتخلص من هذا الفهم للفلسفة.
لكن ما البديل إذا أردنا للفلسفة أال تتحول إلى مطبعة مالحظات هنا وهناك ال
يجمعها نسق واحد نظري.
قد يرى البعض البديل في أن تتخلى الفلسفة عن (المذهب) وتكتفي
بالمنهج فمن الممكن أال يتعارض ثبات المنهج مع تغير النظريات التي تصل
إليها على أساسه ،ألم تتغير الفيزياء من النظرية الكالسيكية إلى نظرية الكم مع
عدم تغير المنهج العلمي ..
أما البديل الحقيقي – الذي يطرحه المؤلف – هو أال تتخلى الفلسفة عن
المذهب(..)325
كما يقال أن الماركسية باقية فقد ظهر مقال لينين (الماركسية
والتحريفية) ( )326أن نمو الماركسية ونشرها وترسيخ أفكارها بين الطبقة العاملة
يؤدي إلى تزايد حدة حمالت البرجوازية ضد الماركسية ،التي تصبح أكثر قوة
وصالبة وقدرة على الحياة ،بعد كل مرة يعلن فيها العلم الرسمي (القضاء
عليها).
فقد ظلت الماركسية ،طوال نصف القرن األول من وجودها ،منذ
األربعينات من القرن التاسع عشر تناطح النظريات التي ناصبتها العداء ،ثم
ص َّفى ماركس وانجلز حسابهما مع الراديكاليين من أنصار هيجل الجدد..
ضا -أن الماركسية( )327قد ماتت عند البعض من خالل أسوأ ويقال –أي ً
صفاتها ومالمحها The worst Featuresفي نظريتها األصلية .وكان نجاحها
–فقط -في الثورية ،بينما أوربا وأمريكا كانوا من االشتراكيين المتزمتين ،على
حين أن العالم الثالث أخذ بالماركسية اللينينية ،التي أصبحت برنامجً ا هامًا
للقوميين ،ولكن ،في النهاية ،لم تعد القوة والسلطة باقية كقانون للطبقات ومن
هنا جاءت اهمية الماركسية الغربية ،western Marxismالتي تمثل دورً ا هامًا
في الوعي والشعور .The role of consciousness
إذن على الماركسية وجوب إعادة إنتاجها وفي النهاية وكما يقول
توماس ليمكي( .)328من المؤكد أن ماركس سيعود إلى الظهور يوما ما .ما أتمناه
ليس بالضبط عملية رفع الزيف عن ماركس الحقيقي .أو إعادة وضعه في
موقعه ،بل تخفف األثقال عن ماركس وتحريره من دوغمائية الحزب الذي أقفل،
1181
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
ولذلك يقول إتيان باليبار Etienne Balibarإن موقف فوكو تحول ،خالل
تطوره النظري ،متنقالً من قطيعة مع ماركس كنظرية إلى (حلف تكنيكي) ي َّتسم
باستخدام بعض مفاهيم الماركسية أو بعض المناهج المتوائمة مع الماركسية.
نتائج البحث
-1تساؤالت حول الماركسية والمادية
وإجابات ذات أبعاد واقعية
هل هناك فلسفة تعيش على الفكر المحض دون أن تتنفس الحياة ،ودون أن ا-
تشعر بالوجود الحي الديناميكي؟
هل هناك فلسفة تحرك الجسد ،وال يكون للروح أي دور في انبعاث ب-
الجسد وتحريكه؟
هل توجد فلسفة – ومهما حاولت أن تدعي – أنها تنظر إلى مقومات ج-
الحياة دون أن تلتفت إلى من يعيشها ويسكن فيها؟
هل يمكن العيش بدون قيم ،واإلنسان هو الممثل األول للقيم اإلنسانية التي د-
أخذت صفاتها من صفاته ،واستمدت وجودها من وجوده الثري وفكره
العميق؟ وحتى إذا انقلبت منظومة القيم وتغيرت ،فال شك أنها ،في
األصل ،موجودة وبالتغيير معدلة وبالتطور محولة .أليس كذلك؟
وإنسان اليوم ليس كإنسان األمس فقد تغيرت منظومة الحياة فأصبحنا
بين الثابت والمتحول في حالة من التشتت التي تقترب من الفوضى المعرفية.
وسؤالي دائمًا هو سؤال الفلسفة السيال ..هل غابت القيم اإلنسانية في
الفلسفات المادية ومنها الماركسية.
اإلجابة ال :ألنه مهما حاولت هذه الفلسفات أن تغلِّب العقل ،والمادة
على الروح والوجدان ،فهي –بالروح -تعيش ،وبالقلب تنبض ،وباإلحساس
يكون الحبور والفرح أو الشقاء واأللم.
هذا هو سؤالي الذي صهرني في بوتقته كثيرً ا وجعلني أرفض (عن علم
خاص بي) أن تكون المادية ضد الروحانية ،أو أن يعيش اإلنسان أحادي الجانب
عقل ومادة بال روح.
ومن هنا كان هذا البحث المتواضع عن قيم األخالق في الفلسفة المادية
وتصوري أن الماركسية أوضح ما يمثل هذا الفكر.
1182
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
لقد ه ّزت الماركسية العالم كلَّه بتوجهاتها السياسية والدينية واألخالقية
والفنية ..إنها ذات طابع فريد ،تعتمد على حماس إنساني شعبي فاستقطبت ،بذلك
عددا كبيرً ا من الناس ،وكأنها كانت المتنفس اإلنساني له كتعبير صادق الفكرً ،
تتوق به نفوسهم من قيم العدل والمساواة والحرية والفردانية الموقرة ..ُ عما
اإلنسان في الماركسية :يعشق التغيير والنسبية ،يفكر -خارج
ً
منحازا لإلنسانية كلها الصندوق -متفتحً ا وليس منغل ًقا ،كاش ًفا وليس مكشو ًفا عنه،
إنسان الماركسية يوجه جملته إلى البروليتاريا
َ وطبقة البروليتاريا .وكأنّ
المقهورة "انتظروني فقد جئت اليوم إلنقاذكم من براثن الرأسمالية المتوحشة".
-2األخالق الماركسية رؤية على الجانب اآلخر
(األخالق الموازية)
الفلسفة الماركسية بانطالقتها العنيدة والصادقة وتحدياتها المثمرة قد ا-
استطاعت أن تخلق أخال ًقا موازية لألخالق التقليدية ،رافضة -بشدة – ك َّل
ما هو تقليدي بليد راديكالي غير متحرر ،عاكسة للمفاهيم االقتصادية
واالجتماعية والعقلية في الحياة اإلنسانية بمنظومة قيمية.
إذا لم يكن للفلسفة الماركسية رصيد أكثر من االهتمام بالكينونة اإلنسانية، ب-
واالنحياز المطلق لإلنسان ،إلى جانب العدالة االجتماعية والتحرر
الثوري والبعد االشتراكي العميق فهذا يكفيها.
ولذلك وجدناها – عمليًا – تسعى النعتاق اإلنسان من أسر اإلنسان،
تقضي على العبودية ودونية اإلنسان وعبودية المال لإلنسان فهي فلسفة
إنسانية من الطراز األول.
إذا كانت األخالق الماركسية مستوحاة من قيم عصرية تطورية ،ترفع من ج-
شأن اإلنسان بامتالك أدواته اإلنتاجية والمعرفية والقيمية فهي فلسفة
جديرة باالحترام ويكفيها فخرً ا أن يكون نداؤها الدائم هو الحرية الفردية
واالشتراكية ،وحسن توزيع الثروة واالنحياز المطلق للبروليتاريا وحقها
في الحياة والكرامة اإلنسانية والتقدم ..
يقول ميرلوبونتي في (فينومينولوجيا اإلدراك) جملة هامة هي "أن الفكر د-
الذي يعيش لذاته ،بدون الكالم ال يعيش حتى لذاته".
ونحن نضيف أن الفكر ،الذي يعيش لذاته ،بدون كلماته وبدون تطبيقاته
الحيوية ،فيصبح الفكر المنطوق والمطبق .إنما هو ال يعيش لذاته وال لكلماته ..
إنه فاقد للوجود والحياة .وفي حالة الماركسية نجد العدالة – المساواة –
1183
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
المشاركة – النضال – البحث عن األفضل ،إذن فليست الفلسفة األخالقية
الماركسية مجرد تنظير فلسفي ألحوال المجتمع األلماني أو الرأسمالي أو
االشتراكي ،ولكنها فلسفة العمل والممارسة فهي ال تقوم –فقط -بنقد الظلم بل
تعمل على إلغائه بتحرير المقهورين من البروليتاريا ..فهي فلسفة ال تبحث فيما
هو كائن بل فيما ينبغي أن يكون.
األخالق والنضال
إن فكرة النضال البروليتاري هي ،في نظرنا ،أسمى القدرات األخالقية
وكأنها درجات األخالق .درجات النضال = درجات األخالق.
وذلك نرى أن عدمية األخالق الماركسية (كما يرى البعض) هو
اعتراف صريح باألخالق الماركسية عن طريق الحذف واالستبدال ،أي استبدال
األخالق التقليدية بأخالق نضال إنساني.
إن أخالق النضال هي أخالق البطولة والفداء إنها أخالق تعلو فوق
البساطة والسطحية (الخير – الشر – الفضيلة – الرذيلة) أنها األخالق
النضالية ،أخالق الصمود والتحدي أخالق تكافح من أجل األفضل إنسانيًا
وسياسيًا واقتصاديًا وإبداعيًا.
إنها تطرح –جانبًا -مقوالت األخالق الجامدة لتستبدلها بما هو أرقى
وأشبع لحاجات اإلنسان سيكولوجيا واقتصاديًا ،فهي تطعم اإلنسان ثم تملُؤ ه
داخليًا بروح التفاؤل واالندماج وليس التشاؤم واالغتراب ..إن الماركسية
تتركز على أمراضنا االجتماعية وصورتنا االنعزالية وتحاول أن تجد الصورة
المثلى للقضاء عليها.
وحين يمتلك اإلنسان وسائل إنتاجه فقد امتلك ذاته وقوته وأصبح شري ًكا
فعاالً في العملية االقتصادية يأخذ ويعطي فال يخرج من مجتمعه بكوب فارغ
تملؤها دموع االحتياج والمعاناة فيفقد إنسانيته أمام توحش من ال إنسانية لهم ..
وكيف نطالب من ال يمتلك شيًئ ا ،إنه ساخط ينظر إلى المستقبل بعين الترقب
والحزن وليس بعين األمل والفرح .فهل يمكن أن نعلم هذا اإلنسان كيف يفرح
بوجوده في هذه الحياة التي ينقصها شيء واحد ،فقط ،هو الحياة نفسها ..إذن ال
مفر من النضال لتحقيق اآلمال في مجتمع مثالي وكأن الماركسية هي دعوة
للنضال Strifeوبالتالي للتضامن .Soldierity
1184
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
يقول الشاعر الفرنسي بوالو" :إن ما تتمثله جي ًدا ،تأتي صياغته
واضحة والكلمات التي تقولها تظهر فينا طائعة".
وهذا القول – عندنا – تنطق به الماركسية بجالء .فقد تمثلت أفكارها
وصاغتها وأطاعتها أفكارها في التطبيق.
1185
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
1186
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
..رجال لم يدركوا قيمة الحياة إال حياتهم اإلنسانية ..إنها اإلنسانية المطموسة
في عالم سيطرت فيه أخالقيات الغاب فغاب معها الضمير وقست القلوب.
1187
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
1188
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
1192
المجلة العلمية بكلية اآلداب – العدد الرابع والثالثون – يناير 2019
د /سنـاء عبد الحميد خضــر
الهـوامش
1193
)( 1طرابيشي ،جورج :معجم الفالسفة – دار الطليعة للطباعة والنشر – ط – 1بيروت – – 1987ص ص.576 :571
وأي ً
ضا:
- Manuel, Frank. E: Arequiem for karl Marx- printed in the united states of America – second
printing – 1997 p.p. viii: xi – 4, 5.
فقد كانت أفكار وانجلز متطابقة إلى حد بعيد وفي عالقة دائمة مع نظرياته في الصراع الطبقي واالستراتيجية الثورية واليوتوبيا.
وكان ال يعتمد كثيرً ا على أبنية العقالنية وقد اشتهر ماركس وإنجلز بالتهكم والسخرية .irony
- Somer ville, John: The philosophy of Marxism – An Exposition – Random house – first
printing – New york – 1967. P. prefance.
ويتحدث المؤلف عن صعوبة أن نفهم العالم في القرن [ ]20دون فهم ماركس وأعماله مثل فرويد أو داروين لكي نفهم أن وقتنا هذا
مختلف عن أزمنة أخرى ويتناول هذا الكتاب المبدأ الشائع للماركسية ومصطلحات الفلسفة النظامية Systematic philosophy
الجتياح سوء الفهم الذي تعلق بالطالب والقراء لألعمال الماركسية.
- Carver, Terrell: Marx- Cambridge university press. 1991. P.p. 1: 14.
:كاتب المقال - Reading Marx: life and works (Terrell carver).
-إبراهيم ،عبدالفتاح :االجتماع والماركسية – دار الطليعة للطباعة والنشر – بيروت – دت.
ص ص.183 :180
)( 2فروم ،إريك :مفهوم اإلنسان عند ماركس – ترجمة محمد سيد رصاص – دار الحصاد للنشر والتوزيع – ط – 1سوريا
– 1998ص ص.102 ،101
)( 3المصدر السابق :ص ص.104 :102
)( 4فتحي ،إبراهيم :الماركسية وأزمة المنهج – دار النهر للنشر والتوزيع – ط – 2القاهرة – – 1994ص.7
(*) (*) إنجلز ،فردريك Engels, Frederick 1820-1895زعيم البروليتاريا وكون مع ماركس المذهب الماركسي أي نظرية
الشيوعية العلمية ،ونظرية المادية الجدلية والتاريخية ومنذ شبابه سعى إلى المساهمة في الكفاح من أجل تبديل العالقات االجتماعية
القائمة.
روزنتال & يودين :الموسوعة الفلسفية – ترجمة سمير كرم – دار الطليعة – ط – 4بيروت – – 1981ص ص.58 :56
ومن أهم مؤلفاته لودفيج فيورباخ – الرد على دوهرنج – جدل الطبيعة وقد نقد انجلز في الكتب الثالثة النزعات المثالية وأقام
مذهبه المادي الجديد معدال لجدل هيجل واشترك مع ماركس في صياغة البيان الشيوعي المشهور الذي يبدأ بعبارة (يا عمال العالم
اتحدو).
-ماركس ،كارل :األدب والفن واالشتراكية – ترجمة عبدالمنعم الحقي – مكتبة مدبولي – ط – 2القاهرة – – 1977ص.7
-إبراهيم ،عبدالفتاح – االجتماع والماركسية – مصدر سابق ص ص.183 :180
(*) (*) في هذا القول منتهى التواضع من ماركس مما يكشف عن إيمانه المطلق باإلنسانية أكثر من اهتمامه برد األفكار إلى جذرها
الحقيقي وهو (ماركس).
)( 5فتحي ،إبراهيم :الماركسية وأزمة المنهج – مصدر سابق – ص.17
)( 6حنا ،جورج :ضجة في صف الفلسفة – دار العلم للماليين – ط – 2بيروت – – 1952ص.17
)( 7ستيبانوفا :كارل ماركس – سيرة حياة – ترجمة إسكندر ياسين – دار التقدم – موسكو – – 1979ص ص.349 ،348
)( 8النشار ،مصطفى :فالسفة أيقظوا العالم – روابط للنشر وتقنية المعلومات – ط – 7القاهرة – – 2016ص.348
9
)( Carver, Terrell: Marx – op. cit p.p. 108-124: 125.
)( 10بليخانوف :القضايا األساسية في الماركسية – ترجمة حنا عبود – دار دمشق للطباعة والنشر – دمشق – د.ت – ص ص:8
.11
11
– )( Marx & Engels: Manifesto of the communist party – foreign languages press peking
third printing – 1977- p.p. 31: 62.
)( 12الكروا ،جان :نظرة شاملة على الفلسفة الفرنسية المعاصرة – ترجمة يحيى هويدي – دار المعرفة – القاهرة – د.ت – ص
.132
)( 13ماركس ،كارل :بؤس الفلسفة – ترجمة حليم اليازجي – بيروت – د.ت – ص ص.62 ،61 ،31 ،25
)( 14ستيبانوف :كارل ماركس – مسيرة حياة – مصدر سابق – ص ص.57 :54
(*) (*) وهنا يجب الرجوع إلى الدفاتر الفلسفية philosophical Notebooksالتي دون عليها لينين فقرات مطولة نسخها لينين
1916-1914من مؤلفات فلسفية وتحتوي الدفاتر على تلخيصات للكتب التالية – العائلة المقدسة لماركس وانجلز – محاضرات
في جوهر الدين -فيورباخ – علم المنطق – محاضرات في فلسفة التاريخ لهيجل – فلسفة هيرقليطس لالسال – الميتافيزيقا
ألرسطو.
انظر:
روزنتال & يودين :الموسوعة الفلسفية – مصدر سابق – ص.195
)( 15هيكل ،مصطفى :خالصة رأس المال لكارل ماركس – مطبعة التوكل – مصر – – 1947ص ص.48 :38
)( 16غوربونون ،ف.ف :في الثقافة – ترجمة يوسف خالن – دار الفارابي – ط – 1بيروت – ص.34
وكان يسمى كتاب رأس المال capitalعمل حياة ماركس حتى وفاته ونشر المجلد األول 1867والمجلدان اآلخران بعد وفاته.
وقد مكنه البحث العلمي من أن يتبين كيف أن فائض القيمة هي حجر الزاوية في االقتصاد السياسي.
انظر :روزنتال & يودين :الموسوعة الفلسفية – مصدر سابق – ص.223
وهو كتاب مذهبي – كما قال البرت اشفيتسر – يعتمد على التعريفات والجداول لكنه ال يتعمق في مسائل الحياة وأثره الكبير يرجع
إلى دعوته إلى اإليمان بالتقدم الكائن في باطن األحداث ويتفاعل معها.
انظر :اشفيتسر ،البرت :فلسفة الحضارة – ترجمة عبدالرحمن بدوي – دار األندلس للطباعة والنشر والتوزيع – ط– 1983 – 3
ص.284
)( 17طاطاو ،الشريف – نقد سلطة رأس المال (روجيه غارودي نموذجً ا) – سلطة الثقافة – الجمعية الفلسفية المصرية – مركز
الكتاب للنشر – ط – 1القاهرة – -2013ص.281
)( 18روزنتال & يودين :الموسوعة الفلسفية – مصدر سابق – ص.224
)( 19فتحي ،إبراهيم :الماركسية وأزمة المنهج – مصدر سابق – ص.21
)( 20كامنكا ،أوجين :األسس األخالقية للماركسية – ترجمة مجاهد عبدالمنعم مجاهد منشورات – دار اآلداب – ط– 1971 – 1
ص.44
)( 21المصدر السابق :نفس الصفحة.
)( 22سارتر ،جان بول :المادية والثورة – منشورات دار مكتبة الحياة – بيروت – 1980 -ص.16
(*) (*) والسؤال ما هي الثورة بوجه عام؟
-1في الطبيعة كل بركان يتفجر وكل زلزال يقلب وجه األرض من حال إلى حال هو ثورة.
-2في العلم كل اكتشاف أو اختراع يقلب القواعد المعروفة رأ ًسا على عقب هو ثورة – اكتشاف كوبرنيقوس لدوران األرض
واكتشاف باستور للطفيلية الجرثومية هي ثورة.
-3في السياسة واالجتماع كل حركة راديكالية إلزالة ظلم الحكام ورفع الطغيان وتغيير األسس هو ثورة .انظر:
حنا ،جورج :ضجة في صف الفلسفة – مصدر سابق – ص.28
)( 23لينين :فتنة البرجوازية الصغيرة – دار الثقافة الجديدة – القاهرة – – 1987ص ص.7-6
)( 24فروم ،إريك :مفهوم اإلنسان عند ماركس – مصدر سابق – ص.39
25
– () kithching, Gavin: karl Marx and the philosophy of praxis – Routedge – London
Newyork- p.p. 120-121.
26
– () Roger: Marxism – 1844 – 1990 – origins, betrayal, rebirth – Routledge – New york
London – 1992 – p. ix.
انظر أيضً ا:
- Carver, terell: Marx. Op. cit. p.p. 55: 105.
)( 27ياسبرز ،كارل :عظمة الفلسفة – ترجمة عادل العوا – منشورات دار عويدات – بيروت .1988
)( 28طرابيشي ،جورج :معجم الفالسفة – مصدر سابق ص.775
)( 29بدوي ،عبدالرحمن :الموسوعة الفلسفية – جـ – 2المؤسسة العربية للدراسات والنشر – ط – 1بيروت – – 1984ص.418
- Hawkes, David: Ideology – Routlege – First published – London and New york – 1996 – p.
88.
- Makdisi, Saree (Editied by) – Marxism beyond Marxism – Routledge – New york – London
– 1996 – p. 1.
ويأتي هنا ذكر العديد من المقاالت المختارة في البحث عن كنه الماركسية مع دراسة لألشعار والقصائد المكتوبة في مقدمة الثورة
.الصناعية منذ القرن التاسع عشر
)( 30بليخانوف :القضايا األساسية في الماركسية – مصدر سابق – ص.3
ضا:وأي ً
- Morris, pan; Realism – Routledge – First published – London New york – 2003. P. 167.
31
– () Northrop: The meating of East and west, an inquiry concerning world understanding
New york – 1946 – p. 221.
)( 32لينين :الدفاتر الفلسفية – جـ – 1ترجمة إلياس مرقص – دار الحقيقة – ط – 2بيروت – – 1983ص.103
)( 33المصدر السابق :ص.27
)( 34المصدر السابق :ص.83
)( 35المصدر السابق :ص.41
36
() Rogar: Marxism – 1844 – 1990 – op. cit. p.p. 110-111.
)( 37هنت ،كاريو :الشيوعية نظريًا وعمليًا – دار الكتاب المصري – د.ت – .ص.42
وأي ً
ضا:
- Mcbride, William: The philosophy of Marx – Hutchinson of London – p. 21.
)( 38فروم ،إريك :مفهوم اإلنسان عند ماركس – مصدر سابق – ص.6
39
() Afanasy, v: Marxist philoso[hy – progress publishers – Mosco – 1968 – p.p. 13: 18.
)( 40طرابيشي ،جورج :سارتر والماركسية – منشورات دار الطليعة – ط – 1بيروت – -1964ص.34
)( 41لوفيفر ،هنري :أزمة الماركسية الراهنة – تعريب ألبير منصور – دار الطليعة للطباعة والنشر – ط – 1بيروت – – 1961
ص.233
)( 42الحريري ،علي عبدالمجيد :فلسفة الفوضوية – دار نينوي للدراسات والنشر والتوزيع – ط – 2002 – 1ص.13
)( 43عبدالكريم ،محمد الغريب :السيسيولوجيا الراديكالية – دراسة نقدية تحليلية في النظرية الماركسية – المكتب الجامعي الحديث
– اإلسكندرية – – 1988ص.14
وأيضًا:
- Hawkes, David: Ideology – op.cit. p. 91.
- Elster, John: An introduction to karl Marx – Cambridge university press – New york – 1990
– p. 194.
– - Stace. W.t.: the philosophy of Hegel –Asystematic Exposition – Dover publication – Inc.
First published – 1955 – p.I: 31.
- Kitching, Gavin: karl Marx and the philosophy of praxis – op. cit. p.p. 7: 9.
- (Marx - Hegel, Feuerbach, and the philosophy of praxis).
-فتحي ،إبراهيم :الماركسية وأزمة المنهج – مصدر سابق – ص ص.20 ،19
)( 44لينين ،فالديمير :مصادر الماركسية الثالثة – دار التقدم – موسكو – – 1975ص ص.14 :6
- Morris, pan: Realism. Op. cit. p.p. 5: 13.
-عبدالمعطي ،علي :الفكر السياسي الغربي – دار المعرفة الجامعية للطبع والنشر والتوزيع – اإلسكندرية ،1992 ،ص-401
.402
)( 45عبدالكريم ،محمد الغريب – السسيولوجيا الراديكالية – دراسة نقدية تحليلية في النظرية الماركسية – مصدر سابق – ص.59
وسوف نقوم بعرض هذه العناصر الثالثة فيما بعد.
)( 46هنت ،كاريو :الشيوعية نظريًا وعمليًا – مصدر سابق – ص.24
)( 47عبدالكريم ،محمد الغريب – السسيولوجيا الراديكالية – دراسة نقدية تحليلية في النظرية الماركسية – مصدر سابق ص.10
)( 48حماد ،حسن :آفاق األمل – دار الثقافة للنشر والتوزيع – القاهرة – – 1999ص.67
49
)( kitching, Gavin: karl Marx and the philosophy of praxis .. op. cit. p.151: 155.
* األيديولوجية Ideologyهي مجموعة أفكار ونظريات اجتماعية تشكل نظامًا متكامالً تعبر عن المصالح الحيوية لطبقة أو طبقات
معينة فاأليديولوجية ليست ثمرة للنشاط الروحي لهذه الطبقة أو تلك ولكنها إحدى الوسائل التي تلعب دورً ا في تشكيل الوعي لدى
الناس الذين ينتمون إلى هذه الطبقة التي تنطق باسمها هذه األيديولوجية.
وقد أصبحت (الماركسية) االيديولوجية الوحيدة للطبقة العاملة ألنها األيديولوجية المعبرة عن مستقبل التقدم البشري عامة وهي
األيديولوجية القائمة على أسس موضوعية علمية دقيقة واأليديولوجية تقوم على أسس سياسية فالسياسة في المجتمع الطبقي تقتحم
القانون واألخالق والعلم والفن والفلسفة والدين.
انظر:
ريابوف ،ف :الفن واأليديولوجية – ترجمة خلف الجراد – دار الحوار للنشر والتوزيع – ط – 1سوريا – – 1984ص ص،3
.4
وأيضًا:
- Hawkes, David: ideology – op. cit. pp. 1-2.
)( 50زكريا :فؤاد :آفاق الفلسفة – دار التنوير للطباعة والنشر –ط – 1بيروت – – 1988ص ص.335 ،274 ،273
)( 51هنت ،كاريو :الشيوعية نظريًا وعمليًا – مصدر سابق – ص ص.25 ،24
)( 52عبدالكريم ،محمد الغريب – السسيولوجيا الراديكالية – دراسة نقدية تحليلية في النظرية الماركسية – مصدر سابق – ص.70
وأي ً
ضا:
Hawkes, David: ideology – op. cit. p. 73.
53
)( Northrop: The meating Of East and west – op. cit. pp. 228-229.
أيضًا:
حنا ،جورج :ضجة في صف الفلسفة – مصدر سابق – ص ص.16 :14
)( 54وهبة ،مراد :المعجم الفلسفي – دار الثقافة الجديدة – ط – 3القاهرة – – 1979ص ص.466 :464
ضا:وأي ً
- Morris, pan: Realism – op. cit. p.p. 1:6 – 131.
-حيث يأتي الحديث عن ما هي الواقعية والواقعية وأزمة المعرفة what is Realism? Realism and the crisis of
.knowledge
-كلينجندر ،ف.د :الماركسية والفن الحديث (مدخل إلى الواقعية االشتراكية) ترجمة إبراهيم فتحي – النجاح الجديدة – الدار
البيضاء – – 1989ص ص.90 ،89-97 :60
-حيث يتحدث عن الواقعية في الفن واستخدامها من خالل أشعار تنسون الذي يقول:
أيها الك ّت اب – يا صانعي المقاالت ،يا مالحدة يا روائيون ،واقعيون ،يا نظامون يا مختلقي القوافي ،قوموا بأدواركم.
أفصحوا عن عار الطبيعة الذي يحمل الموت على جبينه بألوان الفن وظالله الحية.
مزقوا الستار عن آثار األشقاء انزعوا الثياب عن أهوائكم الوضعية.
-الكتمان والاحترام ،ليسقطا م ًع ا – سيروا إلى األمام عرايا – دعوا اآلخرين يحملقون في عريكم إلى األمام ،إلى األمام ،وإلى
ضا في أعماق الهوة.الوراء ،إلى أسفل أي ً
كما ظهرت الواقعية االجتماعية في األدب Socialist Realsim in Literatureوهي تخلق الوحدة بين النظرية
والممارسة وهي تسير في اتجاه تطور العلم السوفيتي Soviet Scienceوكتاب االتحاد السوفيتي وعلى رأسهم جوركي
Gorkyانظر:
- Guest, David: lectures on Marxist philosophy – London. Lawrence & wishart. L.T.D. p.p.
74: 83.
)( 55حلو ،شارل (تقديم) :موسوعة أعالم الفلسفة جـ – 2مراجعة جورج نخل – دار الكتب العلمية – ط – 1بيروت – 1992ص
ص.211 :207
هو فيلسوف وعالم اجتماع ألماني من أب اشتهر كأستاذ للقانون درس الالهوت في هان لبرغ وتتلمذ على يد هيجل وانضم إلى جماعة
اليسار الهيجلي الثائر على الدولة والكنيسة ،ومن مؤلفاته أفكار عن الموت والخلود – 1830تاريخ الفلسفة الجديدة – 1836
– 1841نقد الفلسفة الهيجلية 1839ثم ابتعد عن فلسفة هيجل ألنها لم تستطيع حل مشكلة االختالف بين اإلنسان وتجاربه وأنها
بقيت بعيدة عن عالم الواقع وأكد أن الحواس التي احتقرها الفالسفة هي التي تؤدي إلى بلوغ الحقائق الفلسفية.
أما النقد الديني :فقد كان حول فكرة محورية هي فكرة التغريب Alienationوهي فكرة التعالي Transcendanceدون غيره
كما أن االحتقار واإليمان بالعناية اإللهية يدفع إلى احتقار التقدم المادي .كما يعتقد فيورباخ أن الدين أساء إلى الحب فالدين يشكل
عقم للتقدم المادي واألخالقي في العصر الحديث.
56
() Northrop: the meating of East and West – op. cit. p. 225.
)( 57ستالين ،يوسف :المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية – دار دمشق للطباعة والنشر – دار ابن سينا – بيروت – د.ت – ص
.18
ضا: وأي ً
- Somerville, John: The philosophy of Marxism – op. cit. p.p. 3: 80.
-ويعالج فيه المادية الديالكتيكية والمنطق والديالكتيك.
1- The nature of reality: Dialecitcal Materialism.
2- The nature of thought: logic and Dialectics.
- Hawkes, David: Ideology – op. cit. p. 88.
)( 58النساج ،سيد حامد :حول الفكر االشتراكي – دار النهضة الحديثة – القاهرة – د.ت – ص.175
وأيضًا:
- Elster, John: An intreoduction to karl Marx – op.cit. p.p. 34: 36.
)( 59كالفيز ،جان إيف :كارل ماركس – جـ – 2ترجمة سهيل إدريس – المكتبة الكاثوليكية – بيروت – – 1956ص.42
60
() Guest, David: lectures on Marxist philosophy op. cit. p.p. 29: 30.
)( 61إبراهيم ،عبدالفتاح :االجتماع والماركسية – مصدر سابق – ص.187
ضا:وأي ً
- Guest, David: Lectures On Marxist philosophy – op. cit. p.p. 27-82.
حيث يأتي الحديث عن المادية المبكرة التي بدأت بسؤال هو :ما هي المادة األولية للكون؟
?What is the primary stuff of the universe
وهو سؤال يرجع إلى بواكير الفالسفة اليونان وخاصة الماديون والطبيعيون األوائل فقد اعتقد طاليس Thalesأن الجوهر األولي
praimary substanceهو الماء نرى انكسمندر Anaximanderتحدث عن مجموعة من العناصر مكون للكون .والمالحظ
في النهاية في حالة انكسمندر كيف يمكن لنا أن نكتشف قوة مادية العالم وخاصة للتأمل العلمي Scientific speculationمما أدى
إلى وجود نظرية تطور جديدة إلى جانب المفكرين الماديين الكبار فظهر لوقيبوس وديمقريطس والمأصّلون للتصور الذري atomic
conceptionثم ظهر بعدها أرسطو الذي يبحث عن المضمون المادي األساسي لألشياء.
)( 62لينين :الدفاتر الفلسفية – جـ – 2ترجمة إلياس – مرقص – دار الحقيقة – ط – 2بيروت – – 1982ص.71
(*) (*) توجد معالجة موضوعية للعالقة بين المنطق والديالكتيك والتناقض .Logic- dialectic-contradiction
انظر:
- Carver, terell: Marx: op. cit pp. 275.
-وأيضً ا:
- Guest, David: lectures on Marxist philosophy – op. cit. p.p. 82: 84.
63
() A Fanasy, v. Marxist philosophy progress publisher- Moscow – 1968 p.p. 15:18.
ضا: وأي ً
- Northrop: The meating of East and west – op. cit. p. 247.
)( 64ستالين ،يوسف ،المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية – مصدر سابق – ص.41
65
() Afanasy, v: Marxist philosophy- op. cit. p.p. 93: 128.
)( 66فروم ،أريك :مفهوم اإلنسان عند ماركس :مصدر سابق – ص.17
)( 67روزنتال & يودين :الموسوعة الفلسفية – مصدر سابق – ص.428
وأيضًا:
- Kitching, Gavin: karl Marx and the philosophy of praxis op. cit. p.p. 61: 64-90: 93.
حيث نجد معالجة للمادية االقتصادية الماركسية ونقدها من قبل البعض.
68
() Guest, David: lectures on Marxist philosophy – op. cit. p. 28.
69
() Ibid. p. 27.
)( 70يوسف ،أبو سيف :حول الفلسفة الماركسية – دار القرن العشرين – القاهرة – د.ت – .ص.9 :7
ضا: وأي ً
- Afansy, v.: Marxist philosophy – op. cit. p.p. 21: 24-31: 35.
71
)( kitching, Gavin: karl Marx and the philosophy of Praxis – op. cit. p. 61: 64.
)( 72النساج ،سيد حامد :حول الفكر االشتراكي – مصدر سابق – ص ص.177 :169
ضا: وأي ً
-Guest, David: lectures on Marxist philosophy. P.p. 47: 49.
)( 73النشار ،مصطفى :فالسفة أيقظوا العالم – مصدر سابق – ص.350
74
() Rogar: Marxism – 1844 – 1990 – orgins, betrayal, rebirth – p.p. 40-41.
)( 75فروم ،إريك :مفهوم اإلنسان عند ماركس – مصدر سابق – ص.48
)( 76المصدر السابق :ص.43
(*) (*) إذا أردنا موازنة ماركس وفرويد من الزاوية القيمية على الرغم من تعارضهما أمكننا القول أنهما يتفقان على اعتبار أن مصدر
القيم هو األنا الدنيا أي الـ (هو) أو الليبيدو ،في نظر فرويد والبنية التحتية في نظر ماركس وهذا الينبوع القيمي يلقى رقابة كبت
فيحول بالتصعيد إلى إسقاط في قيم مثلى هي قيم األنا العليا عند فرويد ويتحول عند ماركس بالثورة والصراع الطبقي إلى قيمة
وحيدة عليا هي (المطلب الشيوعي) للقضاء على االغتراب وتحرر العامل.
انظر:
العوا ،عادل :العمدة في فلسفة القيم – دار طالسي للدراسات والترجمة والنشر – ط 1دمشق – 1986ص.638
)( 77فروم ،إريك :مفهوم اإلنسان عند ماركس – مصدر سابق – ص.52
)( 78خرطبيل ،سامي :الوجود والقيمة – دار الطليعة للطباعة والنشر – ط -1بيروت – – 1980ص.115
)( 79كالفيز ،جان ايف :كارل ماركس – مصدر سابق – ص ص.67 ،66
)( 80ﻘﭭلجملي ،حكمت :الجدل أو الديالكتيك ماديًا – ترجمة عن التركية فاضل حتكر – مكتبة المادية التاريخية – ط– 1975 – 1
ص ص.9 :6
ضا:وأي ً
اشفيتسر ،البرت :فلسفة الحضارة – مصدر سابق – ص د .ز.
)( 81كامنكا ،أوجين :األسس األخالقية للماركسية – مصدر سابق – ص.27
)( 82لينين :مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية – دار التقدم – موسكو – .1967
)( 83خرطبيل ،سامي :الوجود والقيمة – مصدر سابق – ص.170
84
() Makdisi, Sareec (Edited by): Marxism beyond Marxism – op. cit. p.p. 150-151.
85
() Elgar, Edward: Marx and Non Equilibrium Economics – op. cit p.p. 1-29-77.
)( 86توني ،ر .هـ :المجتمع المستغل – ترجمة محمد أمين إبراهيم – المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر
– – 1962ص.35
)( 87طاطاو ،الشريف :نقد سلطة رأس المال (روجيه جارودي نموذجا – سلطة الثقافة – مصدر سابق ص.282
)( 88المصدر السابق :ص.293
ض ا :بورر ،جون & جولدينجر ،ملتون :الفلسفة وقضايا العصر – جـ – 1ترجمة أحمد حمدي محمود – الهيئة المصرية العامة وأي ً
للكتاب – القاهرة – – 1990ص.201
حيث نجد أن بيتر سنجر الذي يعمل بتدريس الفلسفة في استراليا يتحدث عن العالقة بين الجوع – الوفرة – األخالق.
)( 89األلوسي ،حسام محي الدين :التطور والنسبية في األخالق – دار الطليعة – ط -1بيروت – 1989 -مصدر سابق -ص.34
)( 90ماركس ،كارل :األدب والفن واالشتراكية – مصدر سابق – ص.66
)( 91بوتومو :الطبقات في المجتمع الحديث – ترجمة محمود الجوهري – دار الكتاب للتوزيع – ط – 2القاهرة – - 1987ص
.58
)( 92المصدر السابق :ص.37
)( 93األلوسي ،حسام محي الدين :التطور والنسبية – مصدر سابق -ص.17
)( 94أوسبورن ،و :الماركسية والتحليل النفسي – ترجمة سعاد الشرقاوي – مراجعة مصطفى زيور – دار المعارف – ط– 2
القاهرة – د.ت – ص ص.90 ،89
Carver, Terrell: Marx. Op. cit. p.p. 143: 145.
95
() Stace, w.t: The philosophy of Hegel Asystematic Exposition – op. cit. p. 404.
)( 96كامنكا ،أوجين :األسس األخالقية للماركسية – مصدر سابق – ص.14
(*) (*)