Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 5

‫د‪ .

‬نزار عمران‬ ‫‪28-662‬‬

‫ب� ت‬
‫ال�اث والحداثة‬ ‫عالمية اإلسالم ي ن‬

‫عاملية اإلسالم ضرورة من ضرورات هذا الدين‪ ،‬ودليل يؤكد على أنه الدين القومي الصاحل لكل زمان‬
‫ومكان‪ ،‬وإدراك هذا يفرض على املسلمني اخلروج من قواقعهم اليت حبسوا أنفسهم هبا وأن يعوا ويفهموا‬
‫معىن عاملية اإلسالم وأن يسعوا لتبصري الناس هبا‪ ،‬وضمن مسعى إظهار وتبصري الناس بعاملية اإلسالم‬
‫لتتغري الصورة املشوهة اليت رمسها املغرضون واجلهالء عن اإلسالم وأظهروه كدين ال يصلح ّإل جملموعة من‬
‫أهل البادية فقط‪ ،‬ودين يعادي احلضارة والتقدم وجيايف الرقي واالزدهار‪.‬‬
‫مل تكن الرسالة اخلامتة لتكون لقوم دون قوم أو أمة دون أمة بل للناس مجيعاً‪ ،‬ومادة هذه الرسالة هي‬
‫القرآن الكرمي‪ ،‬الوحي الذي أنزل على رسولنا الكرمي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وهو رسالة هللا للناس أمجعني‬
‫يف مشارق األرض ومغارهبا‪ ،‬وعلى املسلمني أن يدركوا هذا ويتعاملوا مع الرسالة احملمدية على هذا‬
‫األساس ما يرتب عليهم مسؤوليات يف تعاملهم مع اآلخرين وطريقة تقدمي اإلسالم‪.‬‬
‫إن عاملية اإلسالم أمر ال خيتلف عليه املسلمون فقد ورد يف الذكر احلكيم مرات عديدة وإبنشاء‬
‫بالغي جزل واضح والقرآن خياطب الناس مجيعاً فاألايت اليت ختاطب بلفظ «اي أيها الناس» بلغت ‪20‬‬
‫َّاس إِ َّن َخلَ ْقنَا ُك ْم ِم ْن ذَ َك ٍر‬
‫{ي أَيـَُّها الن ُ‬
‫آية ومجيعها تؤكد عاملية اإلسالم وأنه جلميع البشر‪ ،‬قال تعاىل‪َ :‬‬
‫اللَ َعل ٌيم َخبِريٌ} ‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫ِ‬ ‫وأُنـثى وجع ْلنا ُكم شعوب وقـبائِل لِتـعارفُوا إِ َّن أَ ْكرم ُكم ِعْن َد َِّ‬
‫الل أَتـَْقا ُك ْم إِ َّن َّ‬ ‫ََ ْ‬ ‫َ َْ َ َ َ َ ْ ُ ُ ً َ ََ َ ََ َ‬
‫ث‬‫وخلَ َق ِمنـَْها َزْو َج َها وبَ َّ‬ ‫وقال تعاىل‪{ :‬ي أَيـُّها النَّاس اتـَُّقوا ربَّ ُكم الَّ ِذي خلَ َق ُكم ِمن نـ ْف ٍ ِ ٍ‬
‫س‪ ،‬واح َدة‪َ ،‬‬ ‫َ ْ ْ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫اللَ َكا َن َعلَْي ُك ْم َرقِيبًا}‪ ،2‬وقال تعاىل‪:‬‬ ‫َّ‬
‫ن‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫ام‬ ‫ح‬ ‫َر‬
‫َ َ َُ َ ْ ْ َ َ َّ‬ ‫ال‬‫و‬ ‫ِ‬
‫ه‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫ن‬‫و‬ ‫ل‬ ‫اء‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫ذ‬ ‫َّ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫الل‬ ‫ا‬‫و‬ ‫ق‬‫ـ‬ ‫ت‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫اء‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫منـْ ُه َما ِر َج ًال َكث ًريا ون َس ً َُّ ََّ‬
‫ِ ِِ‬ ‫َّاس قَ ْد َجاءَتْ ُك ْم َم ْو ِعظَةٌ ِم ْن َربِّ ُك ْم َو ِش َفاءٌ لِ َما ِف ُّ‬
‫ني}‪{ ،3‬قُ ْل َي‬ ‫الص ُدوِر َوُه ًدى َوَر ْحَةٌ ل ْل ُم ْؤمن َ‬ ‫{اي أَيـَُّها الن ُ‬
‫ض َّل فَِإَّنَا ي ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أَيـُّها النَّاس قَ ْد جاء ُكم ْ ِ‬
‫ض ُّل َعلَيـَْها َوَما‬ ‫َ‬ ‫الَ ُّق من َّربِّ ُك ْم فَ َم ِن ْاهتَ َد ٰى فَِإَّنَا يـَْهتَدي لنـَْفسه َوَمن َ‬ ‫ُ ََ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ ٍ ‪4‬‬
‫أ ََن َعلَْي ُكم ب َوكيل} ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫سورة الحج رات‪ ،‬اآلية ‪.13‬‬ ‫ ‬
‫‪2‬‬
‫سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.1‬‬ ‫ ‬
‫‪3‬‬
‫سورة يونس‪ ،‬اآلية ‪.57‬‬ ‫ ‬
‫‪4‬‬
‫سورة يونس‪ ،‬اآلية ‪.108‬‬ ‫ ‬
‫نارمع رازن ‪.‬د‬

‫َّاس إِِّن َر ُس ُ‬
‫ول‬ ‫وتتكرر اآلايت اليت تؤكد عاملية دعوة اإلسالم كما يف اآلية الكرمية‪{ :‬قُ ْل َي أَيـَُّها الن ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫السمو ِ‬ ‫الل إِلَي ُكم َِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫َّب‬
‫يت فَآمنُوا ب َّلل َوَر ُسوله الن ِّ‬‫ض َل إِلَهَ إَِّل ُه َو ُْييِي َوُي ُ‬
‫ات َو ْال َْر ِ‬ ‫ك َّ َ َ‬ ‫ج ًيعا الَّذي لَهُ ُم ْل ُ‬ ‫َّ ْ ْ‬
‫لل َوَكلِ َماتِِه َواتَّبِعُوهُ لَ َعلَّ ُك ْم تـَْهتَ ُدو َن}‪.1‬‬
‫ْال ُِم ِي الَّ ِذي يـؤِمن ِب َِّ‬
‫ُْ ُ‬ ‫ّّ‬
‫الدعوة لإلسالم وإظهار الدين اإلسالمي بوجهه احلقيقي يصطدم يف أحناء العامل ابلصورة النمطية اليت‬
‫حياول املغرضون أن يرمسوها عن اإلسالم واملسلمني‪ ،‬وهذه الصورة غالباً ما تكون سلبية يقصد منها تنفري‬
‫الناس وإبعادهم عن اإلسالم‪ ،‬ومما ال شك فيه أن جهل بعض املسلمني يساهم هبذا النفور ورسم هذه‬
‫الصورة النمطية املشوهة عن اإلسالم‪.‬‬
‫األمر األخر الذي يشارك يف رسم صورة سلبية عن اإلسالم هو جزء من الرتاث املوروث الذي‬
‫تتمسك به العديد من املؤسسات الدينية التقليدية ابلرغم من عدم صالحيته‪ ،‬وقد ظهرت حركات‬
‫إصالحية يف اجملتمعات اإلسالمية يف بقاع خمتلفة يف العامل خالل القرنني املاضيني لتصحيح بعض املفاهيم‬
‫واملورواثت اليت تؤثر سلباً وعائقاً يف انتشار هذا الدين احلنيف‪ ،‬إال أهنا وجهت برفض وإنكار من‬
‫التيارات اإلسالمية الرتاثية‪ ،‬وهي التيارات األوسع واملتحكمة ابملؤسسات اإلسالمية التقليدية اليت متتلك‬
‫السلطة والتأثري على اجملتمع والدولة‪ ،‬فكان أتثري هذه احلركات اإلصالحية حمدوداً ابلرغم من أمهيتها يف‬
‫إخراج الفكر اإلسالمي من احمللية الضيقة وإعادته للعاملية الواسعة‪.‬‬
‫وابلرغم من أنه ال خيتلف اثنان من العلماء أو الفقهاء املسلمني أن رسالة هللا سبحانه وتعاىل اليت‬
‫اليت جاء هبا رسوله الكرمي حممد صلى هللا عليه وسلم هي رسالة للبشر أمجعني وهي خامتة الرساالت‬
‫وهي صاحلة لكل زمان ومكان‪ ،‬ولكن لألسف فإن الغالبية العظمى تتعامل معها على أهنا رسالة حملية‬
‫ضيقة املفاهيم حمدودة مبجتمع وبيئة حمددة‪ ،‬وهذا كان سبباً عائقاً يف العصور املتأخرة يف انتشار رسالة‬
‫اإلسالم‪ ،‬حيث أن مفهوم اإلسالم واملسلمني نفسه مفهوم ضيق عند الكثري من املسلمني‪ ،‬ويضيق هذا‬
‫املفهوم أكثر يف اجملتمعات املغلقة اليت حتاول اإلرتداد إىل العصور اإلسالمية األوىل‪.‬‬
‫وهنا ال بد من التعريج على مفهوم اإلسالم حسب النص القرآين لفهم بعد آخر من عاملية اإلسالم‪،‬‬
‫فقد تبادر لذهن العديد من املفسرين أن كلمة اإلسالم واملسلمني يقصد هبا أتباع النيب الكرمي حممد عليه‬
‫الس َلم وما اختـلَ َّ ِ‬ ‫ند َِّ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين أُوتُوا‬
‫ف الذ َ‬‫الل ِْ ْ ُ َ َ ْ َ َ‬ ‫ين ِع َ‬
‫الصالة والسالم فقط‪ ،‬كما ورد يف اآلية الكرمية‪{ :‬إ َّن ال ّد َ‬
‫الِس ِ‬ ‫ت َِّ‬
‫الل فَِإ َّن َّ‬ ‫الْ ِكتاب إَِّل ِمن بـع ِد ما جاءهم الْعِْلم بـ ْغيا بـيـنـهم ومن ي ْك ُفر ِبي ِ‬
‫اب}‪ ،2‬ولكن‬ ‫يع ْ َ‬‫اللَ َس ِر ُ‬ ‫َْ َ َ َ ُ ُ ُ َ ً َ ْ َُ ْ َ َ َ ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫لو تتبعنا مفهوم الكلمة كما وردت يف القرآن الكرمي سيتضح أن املعىن أعم من ذلك ويقصد هبا أن كل‬

‫‪1‬‬
‫سورة األع راف‪ ،‬اآلية ‪.158‬‬ ‫ ‬
‫‪2‬‬
‫سورة آل عم ران‪ ،‬اآلية ‪.19‬‬ ‫ ‬

‫‪318‬‬ ‫‪ISLAMSKA MISAO • 2022 • BROJ 13‬‬


‫او ثارتلا نيب مالسإلا ةيملاع‬

‫من آمن ابهلل واليوم اآلخر فهو مسلم مهما كانت شريعته‪ ،‬حيث أن أنبياء هللا ورسله مجيعاً جاؤوا بدعوة‬
‫اإلسالم فهو الدين عند هللا‪ ،‬فلنتتبع بعض اآلايت اليت وردت يف القرآن وتذكر املسلمني‪ ،‬فقد قال تعاىل‪:‬‬
‫َسلَ َم َم ْن ِف‬ ‫ل أ ََّن إِ َٰل ُكم إِٰلَه ٰو ِح ٌد فـهل أَنتم ُّمسلِمو َن}‪{ ،1‬أَفـغَيـر ِدي ِن َِّ‬ ‫{قُل إَِّنَا ي ِ‬
‫الل يـَبـْغُو َن َولَهُ أ ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫وحى إ ََّ َ ُ ْ ٌ َ ََ ْ ُ ْ ُ‬ ‫ْ َُ‬
‫ض طَْو ًعا َوَك ْرًها َوإِلَْي ِه يـُْر َجعُو َن}‪ ،2‬يف هذه اآلية الكرمية نرى أن اإلسالم ال يقتصر على‬ ‫ات َواأل َْر ِ‬ ‫السماو ِ‬
‫َّ َ َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫أهل األرض فقط بل هي عامة يف الكون‪ ،‬وقال تعاىل يف دعوة نوح لقومه‪{ :‬فَإن تـََوليـْتُ ْم فَ َما َسأَلْتُ ُكم ّم ْن‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫أَج ٍر إِ ْن أَج ِرى إَِّل علَى َِّ ِ‬
‫ني}‪ 3‬يونس ‪ ،72‬وعن قوم لوط‪{ :‬فَ َما َو َج ْد َن‬ ‫ت أَ ْن أَ ُكو َن م َن ٱلْ ُم ْسلم َ‬ ‫ٱلل َوأُم ْر ُ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫صَرانيًّا َولَكن َكا َن َحني ًفا‬ ‫{ما َكا َن إبـَْراه ُيم يـَُهود ًّي َوَل نَ ْ‬
‫ني} ‪ ،‬وعن إبراهيم‪َ :‬‬ ‫ف َيها َغيـَْر بـَْيت ّم َن الْ ُم ْسلم َ‬
‫‪4‬‬

‫ت‬‫ُّمسلِما وما َكا َن ِمن الْم ْش ِركِني}‪ ،5‬وعن السحرة الذين أسلموا ملوسى‪{ :‬وما تَ ِنقم ِمنَّا إَِّل أَ ْن آمنَّا ِبي ِ‬
‫َ َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ْ ً ََ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني} ‪ ،‬وكذلك احلواريون الذين اتبعوا النيب عيسى عليه‬ ‫َربِّنَا لَ َّما َجاءَتـْنَا َربـَّنَا أَفْ ِر ْغ َعلَيـْنَا َ‬
‫صبـًْرا َوتـََوفـَّنَا ُم ْسلم َ‬
‫‪6‬‬

‫الوا ِريُّو َن َنن أَنصار َِّ‬


‫الل َآمنَّا‬ ‫ال من أَنصا ِري إِ َل َِّ‬ ‫س ِع ِ‬
‫ُْ َ ُ‬ ‫ال ََْ‬ ‫الل قَ َ‬ ‫يس ٰى منـْ ُه ُم الْ ُك ْفَر قَ َ َ ْ َ‬ ‫َح َّ َ‬ ‫السالم‪{ :‬فـَلَ َّما أ َ‬
‫لل َوا ْش َه ْد ِب ََّن ُم ْسلِ ُمو َن} ‪ ،‬ومن هذه األايت الكرمية وغريها ندرك أن تسمية اإلسالم مل يقصد هبا‬ ‫‪7‬‬ ‫ِب َِّ‬
‫أتباع النيب الكرمي حممد فقط بل كل من اتبع الرسل وآمن ابهلل وحده واليوم اآلخر‪ ،‬وهؤالء من أسلموا‬
‫طوعاً‪ ،‬أما اجلمادات واملخلوقات اليت مل ختتار فقد أسلمت كرهاً وهي تعم الكون كله‪ .‬أما أتباع رسالة‬
‫النيب الكرمي حممد عليه الصالة والسالم الذين اتبعوا شريعته فباإلضافة لكوهنم مسلمني فقد ذكروا يف‬
‫مواضع عديدة يف القرآن الكرمي بلفظ املؤمنني‪.‬‬
‫إن الدارس املتدبر للقرآن الكرمي والكتب السماوية األخرى يدرك أن عامل الزمن هو عامل خمتلف‬
‫التأثري ابلنسبة للكتب السماوية‪ ،‬فكلما تقدم الزمن وتطورت احلضارة اإلنسانية وازدادت مدارك اإلنسان‬
‫ومفاهيمه ومعارفه كلما ازداد فهماً واقرتاابً من القرآن الكرمي‪ ،‬فعندما تطورت القاعدة املعرفية اإلنسانية‬
‫كان فهم آايت القرآن الكرمي يتطور بشكل أدق وأيسر وتصححت العديد من املعاين وترسخت أكثر يف‬
‫إدراك الناس وفهمهم‪ ،‬بينما هذا ال ينطبق على الكتب السماوية األخرى‪ .‬وهذا هو أحد وجوه جتسيد‬
‫مفهوم أن القرآن يصلح لكل زمان‪ ،‬أما املفهوم أبن القرآن يصلح لكل مكان فهو أمر واضح ّبي فإن‬
‫القاريء املتدبر ملعاين القرآن الكرمي يف أي بقعة يف األرض أو من أي شعب كان إذا تيسر له فهم أايت‬
‫القرآن وتدبر معانيها سيجد ضالته‪ ،‬فهي متعلقة ابلفطرة اإلنسانية كما وردت يف قول تعاىل‪ { :‬فَأَقِ ْم‬
‫‪1‬‬
‫سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.108‬‬ ‫ ‬
‫‪2‬‬
‫سورة أل عم ران‪ ،‬اآلية ‪.83‬‬ ‫ ‬
‫‪3‬‬
‫سورة يونس‪ ،‬اآلية ‪.72‬‬ ‫ ‬
‫‪4‬‬
‫سورة الذاريات‪ ،‬اآلية ‪.36‬‬ ‫ ‬
‫‪5‬‬
‫سورة آل عم ران‪ ،‬اآلية ‪.67‬‬ ‫ ‬
‫‪6‬‬
‫سورة األع راف‪ ،‬اآلية ‪.126‬‬ ‫ ‬
‫‪7‬‬
‫سورة أل عم ران‪ ،‬اآلية ‪.52‬‬ ‫ ‬

‫‪ISLAMSKA MISAO • 2022 • BROJ 13‬‬ ‫‪319‬‬


‫نارمع رازن ‪.‬د‬

‫ين الْ َقيِّ ُم َوٰلَ ِك َّن أَ ْكثـََر‬ ‫الل َٰذلِ ِ‬


‫الل الَِّت فَطَر النَّاس علَيـها َل تـب ِد ِ ِ‬
‫وجهك لِل ِّدي ِن حنِي ًفا فِطْرت َِّ‬
‫يل لَْل ِق َّ َ‬
‫ك ال ّد ُ‬ ‫َ َ َ َْ َْ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ َ‬
‫َّاس َل يـَْعلَ ُمو َن} ‪ ،‬ابإلضافة إىل ذلك فإن القرآن جييب على األسئلة الفلسفية الكربى اليت شغلت‬ ‫‪1‬‬ ‫الن ِ‬
‫وتشغل الناس حىت اآلن‪ .‬وابإلضافة إىل أن القرآن يدعو إىل هللا عز وجل‪ ،‬فأن أي عادل منصف يقرأ‬
‫آايت القرآن بتدبر سيدرك أيضاً القيم العليا اليت يدعو إليها كتاب هللا تتوافق مع الفطرة اإلنسانية وأهنا‬
‫خلري البشرية عموماً يف أي بقعة من األرض وليست لقوم خمصصني‪ ،‬وهذه املعاين هي جتسيد للقول أبن‬
‫القرآن الكرمي صاحل لكل مكان‪.‬‬
‫لألسف تتناقض هذه احلقيقة البينة مع واقع تعامل املسلمني مع الرسالة اإلهلية‪ ،‬فنجد عند العديد‬
‫من املسلمني أن الزمن توقف يف القرون األوىل من التاريخ اإلسالمي‪ ،‬واحنصر ابلرقعة اجلغرافية واألقوام‬
‫اليت استقبلت الرسالة اإلهلية يف القرون األوىل للرسالة وتعلق الدين بعاداهتم وأعرافهم وسلوكهم‪ ،‬وال خيفى‬
‫األمر على أي فطن أن تقليد املسلمني األوائل يف أساليب حياهتم لن حيقق ملسلمي اليوم أي جناح‪،‬‬
‫ويغيب عن البعض أن أسلوب وأعراف احلياة اليت سائدة يف ذلك العصر ال عالقة هلا ابلدعوة اخلالدة‬
‫للقرآن الكرمي وابإلسالم احلق‪.‬‬
‫الرسول الكرمي صلى هللا عليه وسلم صحح العديد من املفاهيم والعادات ورسخ القيم الفاضلة يف‬
‫اجملتمع ونبذ السيء منها‪ ،‬ولكن عادات الناس وأعرافهم وأساليب حياهتم وملبسهم وطعامهم وحلهم‬
‫وترحاهلم كان يشرتك به املؤمنون واملشركون سوايً‪ ،‬فأبو جهل وأبو هلب وغريهم من املشركني كانوا‬
‫يتشاهبون مع املسلمني يف أعرافهم والقبائل اليت أسلمت أو اليت ظلت مشركة تشاهبت يف أعرافها يفرق‬
‫بني الناس الثراء والطبقة اإلجتماعية‪ ،‬أما النجاح والثورة اليت أحدثتها الرسالة اإلسالمية اليت غريت وجه‬
‫العامل فتعود لقوة وأمهية الرسالة اإلهلية اليت جاء هبا رسولنا الكرمي للناس وهي رسالة رمحة وحمبة تبدأ دائماً‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم‪ ،‬وتدعو للهدى وتنري للناس الطريق وحتمل القيم اليت تناسب اإلنسانية حسب‬
‫ك َوُه ْم َل‬‫وه ْم إِ َل ا ْلَُد ٰى َل يَ ْس َمعُوا َوتـََر ُاه ْم يَنظُُرو َن إِلَْي َ‬
‫{وإِن تَ ْدعُ ُ‬
‫أعراف كل زمان ومكان‪ ،‬قال تعاىل‪َ :‬‬
‫ف وأَع ِرض ع ِن ْ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني} ‪.‬‬ ‫الَاهل َ‬ ‫يـُْبصُرو َن‪ُ ،‬خذ الْ َع ْف َو َوأْ ُم ْر ِبلْعُْر َ ْ ْ َ‬
‫‪2‬‬

‫هذه الدعوة ليست لرفض الرتاث اإلسالمي أو إنكاره بل دعوة لفهم الدين اإلسالمي احلنيف‬
‫وإظهاره بشكله الصحيح‪ ،‬فخامتة الرساالت السماوية ليست لقوم القرن السابع أو الثامن امليالدي‬
‫فقط بل هي رسالة من هللا للناس حية دائماً إىل يوم الدين‪ ،‬وعلى الناس أن تقرأها يف كل زمان حسب‬
‫القاعدة املعرفية واإلدراك والوعي اإلنساين لكل زمن‪ ،‬وجيب أن تكون للناس يف كل بقاع األرض مهما‬
‫اختلفت تقاليدهم وعاداهتم وأشكاهلم وألواهنم‪ ،‬وهبذا تتحقق مقولة أن الدين اإلسالمي صاحل لكل زمان‬
‫‪1‬‬
‫سورة الروم‪ ،‬اآلية ‪.30‬‬ ‫ ‬
‫‪2‬‬
‫سورة األع راف‪ ،‬اآلية ‪.199 ،198‬‬ ‫ ‬

‫‪320‬‬ ‫‪ISLAMSKA MISAO • 2022 • BROJ 13‬‬


‫او ثارتلا نيب مالسإلا ةيملاع‬

‫ومكان‪.‬‬
‫لقد الحظ بعض العلماء قدمياً وحديثاً هذا األمر والحظوا صالحية النص القرآين لكل زمان وأنه‬
‫ينسجم مع األدوات والنظم املعرفية املتطورة دائماً‪ .‬وهذا يدعوان للتوقف قليالً عند هذا األمر‪ ،‬فالزمن‬
‫احلايل وابلرغم من اهلجمات الشرسة على اإلسالم وحماوالت تشويهه هو أفضل األزمان اليت مرت حىت‬
‫اآلن لوصول رسالة هللا للناس عامة‪ ،‬وذلك ألسباب وحقائق عديدة أمهها طبيعة هذه الرسالة اخلالدة‪،‬‬
‫والسبب اآلخر هو التقدم التقين الذي سهل التواصل بني الناس وسهل نقل األخبار واملعارف بني أبناء‬
‫اجلنس البشري عموماً‪ ،‬وذلك عرب وسائل اإلتصال احلديثة وعرب وسائل اإلعالم املختلفة املسموعة‬
‫واملرئية‪ ،‬والتقدم العلمي واإلكتشافات واإلخرتاعات اليت تتسارع وتريهتا‪.‬‬
‫ونالحظ هنا الدور الرايدي الفكري الذي تؤديه بعض املؤسسات اإلسالمية املتنورة واليت تدرك‬
‫هذه اخلصائص يف الرسالة اإلسالمية فتتشارك مع اآلخرين التطوير الفكري واملعريف وقبول ما هو جديد‬
‫وينفع الناس ويتناسب مع الرسالة اإلهلية ومفاهيمها اخلالدة‪ ،‬وجند هذا واضحاً يف بالد عديدة وخصوصاً‬
‫البالد اليت تسمح حبرية الفكر والتعبري وقد أدرك العديد من العلماء يف هذه املؤسسات اإلسالمية أن‬
‫دائما وتساهم يف فهمها‬ ‫اإلكتشافات والرباهني العلمية احلديثة ال تتعارض مع الرسالة اإلهلية بل تؤكدها ً‬
‫وهذا جانب آخر مييز القرآن الكرمي عن الكتب السماوية األخرى‪ .‬وهنا ال بد من ذكر دور املشيخة‬
‫اإلسالمية يف صربيا وهي املؤسسة الدينية يف اقليم السنجق اليت متثل املسلمني يف صربيا ودول الشتات‬
‫أبهنا مؤسسة رائدة يف انفتاحها وتقبلها للعلوم واألفكار والنظرايت احلديثة وهتتم بنظرايت املعرفة وأفكار‬
‫احلداثة وتتابع األحباث الفكرية اليت تتوافق مع اإلسالم الصحيح‪ .‬وهناك العديد من املؤسسات اإلسالمية‬
‫يف دول العامل بدأت تلعب دوراً فكرايً مهماً يف تطوير فهم اإلسالم وأبساليبها احلديثة تؤكد على عاملية‬
‫اإلسالم وصالحيته لكل زمان ومكان‪.‬‬

‫‪ISLAMSKA MISAO • 2022 • BROJ 13‬‬ ‫‪321‬‬

You might also like