Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 14

‫أ‪ .

‬آسيا شكيرب‬ ‫التعـددية الدينيــة واألخـالق العالميــة قـراءة في أطروحات الالىوت المسيحي المعاصر‪-‬‬

‫التعـددية الدينيــة واألخـالق العالميــة‬


‫قـراءة في أطروحات الالىوت المسيحي المعاصر‬
‫أ‪ .‬آسيا شكيرب‬

‫‪Le présent article assume une double tâche. Il essaye de présenter deux‬‬
‫‪lectures, et deux modes de pensée au sein de la théologie chrétienne moderne,‬‬
‫‪qui ont trait au rapport mutuel entre les différentes fois religieuses.‬‬
‫‪La première lecture reflète l’attitude du théologien John Hick vis-à-vis de la‬‬
‫‪pluralité religieuse.‬‬
‫‪La deuxième lecture explique le projet de Hans Küng intitulé « Pour une‬‬
‫‪éthique planétaire » - Weltethik- qui cherche à développer la coopération entre‬‬
‫‪les religions au-delà d'une vague reconnaissance des valeurs communes.‬‬
‫ملخص‪:‬‬
‫تتناوؿ ىذه ادلقالة بالدراسة جانبا من طروحات الفكر البلىويت ادلسيحي ادلعاصر؛ من خبلؿ عرضها‬
‫جلانبُت متاازجُت متكاملُت فياا بينهاا ‪ :‬التعددية الدينية من جهة‪ ،‬واألخبلؽ العادلية من جهة أخرى؛ حيث‬
‫اخًتت البحث يف اجلانب األوؿ من خبلؿ كتابات جوف ىك ‪ John Hick‬واجلانب اآلخر من خبلؿ‬
‫أعااؿ ىانس كينج ‪ Hans Küng‬الذي جاء مبشروع عادلي لؤلخبلؽ؛ ػلاوؿ من خبللو أف يبعث القيم‬
‫الدينية ادلشًتكة؛ فيكوف مصَت األدياف أف تتعاوف فياا بينها يف ما فيو خَت اإلنسانية رتعاء؛ بدال من‬
‫أطروحات الصداـ وضلوىا من ادلآالت‪.‬‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫أضحى عادلنا ادلعاصر قرية صغَتة فرضت نوعا من االنفتاح على اآلخر‪ ،‬رغم اختبلؼ الثقافات‬
‫والديانات واللغات واذلويات واحلضارات‪ ،‬وقد أسهم كل من االقتصاد والتطور التقٍت يف خلق ىذه الرؤية‬
‫اجلديدة على مستوى العامل بأسره‪.‬‬
‫اذلوة بُت‬
‫لقد فرضت العودلة تقبل اآلخر وتبٍت فكر احلوار‪ ،‬كاحاولة إلغلاد صيغ جامعة تقلص ّ‬
‫الديانات واإليديولوجيات ادلختلفة‪ ،‬وتضع أرضية مشًتكة لقيم إنسانية جامعة‪ .‬وقد شهد القرف العشرين‬
‫زلاوالت دائبة لتفعيل منهج احلوار‪ ،‬خاصة من اجلانبُت ادلسيحي واإلسبلمي‪ ،‬وقد عرؼ البلىوت ادلسيحي‬
‫ادلعاصر أطروحتُت جديدتُت‪ ،‬ختتلف اختبلفا جذريا عن االطروحات البلىوتية الكبلسيكية ويتجلى ذلك يف‬
‫مستويُت؛ األوؿ يتاثل يف اإلعًتاؼ باآلخر وقبوؿ التعددية الدينية‪ ،‬والثاين يف زلاولة إغلاد وترسيخ قيم أخبلقية‬
‫عادلية‪.‬‬
‫فإىل أي مدى ؽلكن إغلاد منهج يساعد على االنفتاح وقبوؿ اآلخر يف البلىوت ادلسيحي ادلعاصر‬
‫اآلخر دوف التضحية باخلصوصية الدينية ؟ وىل من ادلاكن إغلاد حد أدىن من القيم األخبلقية ادلشًتكة بُت‬
‫األدياف حتال طابع العادلية ؟‬
‫لقد حاولنا فك ىذه اإلشكاالت من خبلؿ البحث والتقصي‪ ،‬مبنهج القراءة التحليلية إذ نعاد من‬
‫خبلذلا لقراءة فكر اآلخر‪ ،‬و تفكيك عناصره‪ ،‬مث إعاد تركيبها وفق منطق ؼلدـ النهج العاـ للاوضوع‪.‬‬
‫وقد قسات العال إىل مطلبُت‪ ،‬األوؿ يتناوؿ التعددية الدينية يف البلىوت ادلعاصر‪ ،‬والثاين يتناوؿ‬
‫األخبلؽ العادلية‪ ،‬وقد اخًتت ظلوذجُت من داخل ادلنظومة البلىوتية‪ ،‬وعلا‪ :‬جون ىيك وىانس كينغ‪.‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬التعددية الدينية وقبول اآلخرلدى جون ىيك‪.‬‬
‫إف أىم مسات إنساف غروب القرف العشرين‪ ،‬وفجر القرف الواحد والعشرين ىو الشك يف كل القيم‬
‫هبزة عنيفة تدرجت يف عنفها منذ بداية النهضة‪ ،‬وكاف من أىم أسباب ىذا الشك أف تاريخ التجربة الدينية يف‬
‫كل األدياف مأساوي يف كثَت من نواحيو‪ ،‬وىو مصدر من مصادر النزاع والعداء‪ ،‬أضف إىل ذلك أف األدياف‬
‫توزعت على مذاىب وملل سلتلفة‪ ،‬وىذا أمر طبيعي أما الغَت طبيعي أف يصاحب اإلؽلاف باألدياف العنف‬
‫‪1‬‬
‫والكراىية والصراع‪.‬‬

‫لقد رآى بعض ادلفكرين ادلسيحيُت ادلعاصرين ضرورة اخلروج من ىذه األزمة اليت أسهات العودلة يف‬
‫تفاقاها‪ ،‬فاجتهوا إىل القوؿ بالتعددية الدينية كحل أمثل‪ ،‬ولذلك رأوا عدـ االحتفاظ بادلقًتحات البلىوتية‬
‫القدؽلة ألف األمر يستدعي مراجعة الكثَت من البناءات العقدية داخل كل دين‪.‬‬

‫فالتعددية الدينية والفكرية واإلثنية تعد الساة ادلايزة للاجتاعات الغربية يف العصر الراىن‪ ،‬فبعد‬
‫‪2‬‬
‫احلرب الباردة وسقوط الشيوعية‪ ،‬أصبح أحد معايَت احلضارة والتقدـ واحًتاـ حقوؽ اإلنساف‪.‬‬

‫‪1‬األنبا يوحنا قتلة‪ :‬المسيحية واأللف الثالثة‪ ( ،‬القاىرة‪ :‬دار مصر احملروسة‪ ،)2002 ،‬ص‪167،171‬‬
‫السااؾ ‪ :‬مق ّدمة في الحوار اإلسالمي المسيحي‪ ،‬ط‪ ( ،1‬بَتوت ‪ :‬دار النفائس‪2001 ،‬ـ)‪ ،‬ص ‪68‬‬
‫زلاد ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪2‬‬
‫أما التعددية الدينية‪ 1‬فهي من صايم االىتاامات البلىوتية يف القرف العشرين‪ ،‬إبتداء من بوؿ تيليش‬
‫وكارؿ بارت و مرورا بكارؿ رانر وىانس كينغ ‪ ،2‬وانتهاء مبقرات اجملاع الفاتيكاين الثاين عاـ ‪1965‬ـ‪ .‬ويرى‬
‫يوحنا قتلة أف الدرب الوحيد للناو والتقدـ ىواحلرية والعدؿ وادلساواة ىذه القيم اليت تسعى اإلنسانية إىل‬
‫حتقيقها منذ قروف ىي القضية الرئيسية للقرف الواحد والعشرين‪ ،‬فقبوؿ اآلخر أو قبوؿ التعددية ىو بداية فهم‬
‫‪3‬‬
‫احلرية والعدؿ وادلساواة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬التعددية الدينية لدى جون ىيك ‪. 4 John Harwood Hick‬‬

‫يرى جون ىيك البلىويت والفيلسوؼ ادلعاصر أف موقف البلىوت ادلسيحي جتاه األدياف ّ‬
‫مر بثبلث‬
‫مراحل تارؼلية ىي‪:‬‬

‫‪ ‬المرحلة األولى‪ :‬ويتجلى فيها ادلوقف التقليدي القدًن الرافض لباقي األدياف واحلكم على غَت‬
‫ادلسيحيُت باحلرماف من احلياة األبدية‪.‬‬

‫ظهرت أطروحات سلتلفة عن التعددية الدينية نلخصها يف أربعة اجتاىات‪ ،‬أولها اإلنسانية العلمانية‪ ،‬وؽلثل ىذا االجتػاه كثَت‬ ‫‪1‬‬

‫من الزعااء السياسيُت أمثاؿ بنيامُت فرانكلُت‪ ،‬والعلااء البلىوتيُت أمثاؿ ىاريف كوكس‪ ،‬وثانيها الالىوت العولمي‪،‬ويتاثل‬
‫ىذا االجتاه يف أطروحة ولفريد ؾ‪ .‬مسيث عن إعادة النظر يف مصطلح الدين وأطروحة جوف ىيك عن ضرورة تغيَت االجتاه من‬
‫زلورية الدين إىل زلورية اإللو‪ ،‬وثالثها التوفيقية أو االنتقائية‪ ،‬وؽلثل ىذا االجتاه‪ :‬اجملتاع اإلذلي واجملتاع (الثيو صويف الذي‬
‫تأسس عاـ ‪ 1875‬يف نيويورؾ‪ ،‬الواليات ادلتحدة‪ ،‬وانتقل مركزه إىل أديار ‪ -‬ناحية من نواحي مدراس‪ -‬عاـ ‪،)1882‬‬
‫وراماكرشنا‪ ،‬وسوامي ويويكانندا‪ ،‬وادلاىادتا غاندي‪ ،‬واحلكاة اخلالدة‪ ( .‬عبد الرزتاف احلاج ‪ :‬التعددية الدينية بوصفها حال‬
‫للصراع الطائفي وأداة لو‪ ( ،‬جريدة الغد الؤلردنية‪ ،‬األحد ‪15‬تشرين الثاين ‪2009‬ـ)‬
‫‪ 2‬سيأيت التعريف بو الحقا‬
‫‪ 3‬المسيحية واأللف الثالث‪ ،‬ص‪.175‬‬
‫‪ 4‬ىوأستاذ والىويت وفيلسوؼ يف الدين‪ ،‬ولد يف اصلليًتا سنة ‪ 1922‬وتويف يف فرباير ‪2012‬ـ‪ ،‬واىتم بالفلسفة والدين منذ‬
‫صغره درس للحصوؿ على درجة حقوؽ يف جامعة ىل وحتوؿ إىل ادلسيحية اإلصليلية مث التحق جبامعة إدنربة يف ‪1941‬ـ‪.‬‬
‫استدعي ليقاتل بسبب احلرب العادلية الثانية‪ ،‬لكنو رفض القتاؿ ألسباب أخبلقية‪ .‬قدـ مساعلات يف الثيولوجيا الدينية عن‬
‫الكريستولوجيا واإلسكاتولوجيا‪ ،‬وقد قدـ يف فلسفة الدين مساعلات يف إبستاولوجيا الدين والتعددية الدينية‪.‬‬
‫‪Gérard Reynal : Dictionnaire des théologiens et de la théologie chrétienne,‬‬
‫‪(Centurion : Bayard Editions, 1998 ), p 221‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ ‬المرحلة الثانية‪ :‬وتعرب عن اجلاع بُت حصرية اخلبلص داخل الكنيسة وبُت إمكاف اخلبلص خارج‬
‫الكنيسة‪ ،‬فاهلل احملب ال ؽلكن أف ػلرـ أكثرية الناس من اخلبلص‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬وىي مرحلة الوعي بواقع التعددية الدينية‪ ،‬واليت حتال يف ذاهتا مقومات استقامة‬ ‫‪‬‬

‫وتربية تَػ َق ِويَّة تضع اإلنساف على سكة اخلبلص‪ ،‬وتظهر األدياف يف وضعيتها اجلااعية وادلنظومية وليس‬
‫فقط يف دتظهرىا الفردي‪ ،‬ورغم ذلك احتفظت الكنيسة بادلقابل بتفوؽ ادلسيحية وفرادهتا‪ ،‬وقد كاف‬
‫كارل رانر من رواد تلك ادلرحلة حيث قدـ يف عاـ ‪1961‬ـ‪ ،‬مقالتو حوؿ االنتااء اجملهوؿ‬
‫للاسيحية ( ‪ ( Unanimous Christianity‬اليت تعٍت أف ادلسيحية تعترب غَت ادلسيحيُت‬
‫ضان دائرة النعاة اإلالىية‪ ،‬ألهنم مسيحيوف ضانيوف‪ ،‬مث جاءت أطروحة ىانس كينج اجلريئة اليت‬
‫قدمها يف عاـ ‪ 1964‬يف مؤدتر " الوحي المسيحي واألديان غير المسيحية" يف بومباي‪ ،‬واعترب‬
‫فيها أف األدياف غَت الكاثوليكية ىي طرؽ عادية للخبلص‪ )Ordinary ( ،‬للخبلص يف حُت دتثل‬
‫الكنيسة الكاثوليكية طريقا فوؽ عادية (‪ ) Extraordinary‬خلبلص البشر‪ ،‬وبذلك ؽلكن ألي‬
‫إنساف أف ػلصل خبلصو عن طريق الدين ادلتوفر لديو داخل البيئة الثقافية والظرؼ التارؼلي ادلتواجد‬
‫فيها‪ 1 .‬أما شاليرماخر‪ 2‬فيذىب إىل القوؿ بػ "الدين العادلى"‪ ،‬ووضع نظرية لو ىف كتابو "أحاديث‬
‫عن الدين " ودافع عنها ىف ىذا الكتاب‪ ،‬الذى يضم كل أنواع ادلعتقدات والعبادات وأصبح من‬
‫ادلستطاع انطواء رتيع "كفار" العصور الغابرة حتت لواء ىذا ادلثل الديٌت األعلى‪ .‬وذكر شاليرماخر‬
‫أف سائر االختبلفات الدورتاطيقية تبدو غَت ذات موضوع ىف نظر أى مشاعر دينية حقة‪ .‬فالدين‬
‫زلبة‪ ،‬ولكن ىذه احملبة ال تتجو إىل ىذا أو ذاؾ أو إىل موضوع متناه أو خاص‪ ،‬أهنا تتجو إىل العامل‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫إىل البلتناىى ‪.‬‬

‫‪ 1‬وجيو قانصو‪ :‬التعددية الدينية في فلسفة جون ىك‪ -‬المرتكزات المعرفية والالىوتية‪ ،-‬ط‪ ( ،1‬بَتوت‪ :‬الدار العربية‬
‫للعلوـ ناشروف‪ ،)2007 ،‬ص ‪54-53‬‬
‫‪ 2‬الىويت بروتستانيت وفيلسوؼ أدلاين‪ ،‬ولد يف ‪ Breslan‬بربلُت يف ‪ 21‬نوفارب ‪1768‬ـ‪ ،‬وتوىف سنة ‪1834‬ـ‪ ،‬درس يف‬
‫جامعة ‪ Halle‬البلىوت والتفسَت‪ ،‬من أىم أفكاره أف العقيدة ليست حقيقة من اهلل‪ .‬يعترب ادلؤسس احلقيقي للهرمونوطيقا‬
‫ادلعاصرة ‪L’herméneutique moderne‬‬
‫) ‪François Bonifas : La doctrine de la rédemption dans Schleiermacher, (Ch. Meyrueis,‬‬
‫) ‪1865 ), p 7-8‬‬
‫‪ 3‬أرنست كاسَتر ‪ :‬الدولة واألسطورة ‪ ،‬تررتة ‪ :‬أزتد زتدى زلاود ‪ ( ،‬مصر ‪ :‬اذليئة ادلصرية العامة للكتاب‪1975 ،‬ـ) ‪،‬‬
‫ص ‪. 248 ، 247‬‬

‫‪4‬‬
‫ثانيا ‪ :‬فلسفة التعددية لدى جون ىيك‪.‬‬
‫إف التعددية الدينية لدى ىيك تبلورت انطبلقا من قناعتو أف رتيع األدياف حتوي على أشياء جيدة‬
‫مثلاا يوجد يف الكتاب ادلقدس‪ .‬كاا أهنا وسيلة للتوفيق بُت حب اإللو وبُت حقيقة التنوع احلضاري والديٍت‪،‬‬
‫وقد أعلن ىيك بأف الكائن اإلذلي ىو ما يدعوه فوق التصنيف‪ ،‬فالبشر يتعاملوف مع اإللو بواسطة األصناؼ‪،‬‬
‫لكن اإللو نفسو يصدىم بطبيعتو‪.1‬‬
‫يعتقد ىيك متأثرا بكانت بأف االعتقادات الدينية ادلختلفة صيغت حلد كبَت باألصناؼ اليت قدمتها‬
‫الطبيعة‪ .‬و يقدـ ىيك العديد من األدلة ضد احلصرية ادلسيحية‪ ،‬اليت تتاحور حوؿ الذات وترى بأف األدياف‬
‫األخرى قد حتوي بعض احلقيقة واخلَت‪ .‬أما النجاة فهي غَت شلكنة إال بشخص ادلسيح‪ ،‬وأف احلقيقة كاملة‬
‫‪2‬‬
‫موجودة فقط يف ادلسيحية‪.‬‬
‫و يرجع جوف ىيك اختبلؼ ادلعتقدات بدرجة كبَتة إىل مكاف الوالدة‪ ،‬وال ؽلكن زلاسبة الناس‬
‫بسبب ذلك‪ ،‬فقد يولد ش خص يف اذلند ألسرة ىندوسية شلا غلعلو على األرجح ىندوسيا ‪ ،‬ومن يولد يف‬
‫السعودية يصبح مؤمنا بدين اإلسبلـ‪ .‬فالدين يعتاد على مكاف والدة الشخص يف الغالب‪ ،‬وىذا أكرب دليل‬
‫‪3‬‬
‫يهدـ فكرة ادلسيحية احلصرية‪.‬‬
‫يرى رائد التعددية الدينية جون ىك أنو ىناؾ شيء واحد غلاع األدياف كلها وؽلثل مقاصدىا‬
‫وغاياهتا‪ ،‬فرغم اختبلؼ اللغة والقواعد واألعااؿ والعبادة والنظم األخبلقية بُت األدياف‪ ،‬إال أف شيئا واحدا‬
‫ػلصل فيها رتيعا‪ ،‬وىو أف البشر يتبلقوف ضان إطار ديٍت لفتح قلوهبم على اهلل ولغرض احقاؽ العدؿ وحب‬
‫‪4‬‬
‫الفضيلة واخلَت والعيش بتواضع‪ ،‬ففي كل األدياف ىناؾ خَت إنساين عاـ يعكس العبلقة القوؽلة مع اهلل‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪: Encyclopédie du protestantisme, ( Paris : Cerf, 1995), p‬‬ ‫‪Pierre Gisel, Lucie Kaennel‬‬
‫‪667‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Marc Boss, Doris Lax, Jean Richard : Mutations religieuses de la modernité‬‬
‫‪tardive: actes du XIVe Colloque International Paul Tillich, Marseille, 2001, p 232‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid, op cit, p233‬‬
‫‪ 4‬وجيو قانصو‪ :‬التعددية الدينية في فلسفة جون ىك‪ ،‬ص‪.50‬‬

‫‪5‬‬
‫ويعتقد ىيك أف العقيدة التقليدية للاسيحية‪ ،‬واليت تشتال على التجسد و الطبيعة البلىوتية‬
‫والناسوتية للاسيح‪ ،‬والتثليث‪ ،‬واخلبلص‪ ،‬وعصاة النصوص ىي ضحايا التفكَت اإلنساين‪ ،‬وذلذا السبب يقوؿ‪:‬‬
‫" ؽلكنكم اإلؽلاف هبذه العقائد‪ ،‬لكن ال تفرضوا مثل ىذه التضحية على طلبتكم "‬
‫‪1‬‬

‫ال شك أف للكنسية التقليدية موقفها من آراء كينغ‪ ،‬فهي ترفض أي حتوؿ يف ادلعتقدات ادلسيحية ويف‬
‫‪2‬‬
‫ادلفاىيم األساسية‪ ،‬ويف النهج العاـ يف التعامل مع اآلخر‪.‬‬

‫يقوؿ دونالد كاغصوف ‪ " : Donald Carson‬إف ادلسيح الذي يقًتحو ىيك سلتلف دتاما عن‬
‫‪3‬‬
‫مسيح العهد احلديد "‬

‫ونستخلص شلا سبق ظهور أطروحات جديدة يف البلىوت ادلسيحي ادلعاصر‪ ،‬يأيت على رأسها الدعوة‬
‫لقبوؿ التعددية الدينية‪ ،‬اليت تتيح من خبلؿ توسيع دائرة اخلبلص االنفتاح على اآلخر وقبولو‪ ،‬وتقليص احتكار‬
‫احلقيقة ‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬األخالق العالمية حسب ىانس كينغ ‪.4 Hans Küng‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Seung-goo LEE : Pluralisme religieux et christianisme- Avec une référence spéciale à‬‬
‫‪l’interprétation du pluralisme religieux de John Hick- , La Revue réformée - revue de‬‬
‫‪théologie‬‬ ‫‪de‬‬ ‫‪la‬‬ ‫‪Faculté‬‬ ‫‪Jean‬‬ ‫‪Calvin‬‬ ‫–‬
‫) ‪(http://larevuereformee.net/articlerr/n249/pluralisme-religieux-et-christianisme‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid, op cit.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid, op cit.‬‬
‫‪ 4‬ولد ب ‪ Luzern‬يف سويسرا عاـ ‪1928‬ـ‪ ،‬تعلم يف جامعات روما الكاثوليكية‪ .‬درس علوـ الفلسفة والبلىوت يف‬
‫جامعة اجلرغلوريانا التابعة لآلباء اليسوعيوف‪ ،‬كاا درس يف جامعة السوربوف ادلعهد الكاثوليكي يف باريس‪ ،‬حصل على دكتوراه‬
‫رسم أستاذا لعلوـ البلىوت والعقيدة سنة ‪1960‬ـ يف اجلامعة الكاثوليكية ‪Eberhard‬‬
‫يف البلىوت سنة ‪1957‬ـ وقد ّ‬
‫‪Karl‬يف توبنجُت ‪ ،Tübingen‬كاا قاـ بإدارة معهد األحباث الدينية ودعي للتدريس بصفة أستاذ ضيف يف عدة‬
‫جامعات أمَتكية وسويسرية‪.‬‬
‫‪Jean-Pierre Castel : Le déni de la violence monothéiste, ( Editions L'Harmattan, 2010),‬‬
‫‪p 34 et André Mandouze : Un chrétien dans son siècle, ( Karthala Editions, 1 déc. 2007‬‬
‫‪), p 281‬‬

‫‪6‬‬
‫يعترب ىانس كينغ البلىويت الكاثوليكي السويسري ادلعاصر‪ ،‬صاحب مشروع " األخبلؽ العادلية "‬
‫ظاىرة تستدعي الوقوؼ عندىا‪ ،‬فحياتو كانت فصوال من الثورة الفردية على قوالب اجملامع الكاثوليكية‪ ،‬فقد‬
‫اختاره البابا يوحنا الثالث والعشرين ‪ Ioannes XIII‬لو كواحد من أىم مستشاريو‪ .‬وىذا البابا ىو‬
‫الذي دعا إىل انعقاد ما عرؼ الحقا باجملاع ادلسكوين الفاتيكاين الثاين‪ .1‬وقد كاف ىذا اجملاع مبثابة نقلة فكرية‬
‫غَت مسبوقة يف تاريخ الكنيسة الكاثوليكية وبداية انطبلقو ذلا يف العامل ضلو احلوار مع اآلخر وىو التيار الذي‬
‫دعاو كينغ وال يزاؿ بكل قوة‪ ،‬ال سياا فياا ؼلتص باحلوار بُت األدياف‪ ،‬ويف ديسارب ‪ 1979‬وبعد عدة‬
‫جداالت مع روما وخاصة مع رلاع عقائد اإلؽلاف ‪la congrégation pour la doctrine de la‬‬
‫‪ foi‬سحبت من ىانس كينج ادلسيو كاثوليكا ‪ - missio canonica‬وىي االعًتاؼ الرمسي للكنيسة‬
‫الكاثوليكية بأىلية تدريس البلىوت الكاثوليكي ‪ ،2 -‬ويعود السبب الرئيس للخبلؼ بينو وبُت الفاتيكاف‬
‫نشره لكتاب " معصوما من اخلطأ "‪ .3‬وقد حاوؿ فيو رفض مذىب ادلعصومية البابوية‪ ،‬باعتبارىا وظيفة من‬
‫ابتكار البشر‪ ،‬ليست مؤسسة من قبل اهلل‪ ،‬وذلذا ؽلكن إلغاؤىا‪ 4 .‬وبعد ىذا الصراع مع الفاتيكاف وضع كينج‬
‫مشروع األخبلؽ العادلية الذي كاف لو اآلثر الفاعل يف ترسيخ منهج احلوار ادلسيحي اإلسبلمي يف عادلنا‬
‫ادلعاصر‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬مفهوم األخالق العالمية وتطوره‬

‫ىو مجمع كنسي كاثوليكي يعتبر المجمع المسكوني الحادي والعشرون ‪ .‬انعقد ىذا المجمع بدعوة من البابا‬ ‫‪1‬‬

‫يوحنا الثالث والعشرون بين عامي‪ 1962‬م – ‪5691‬م ‪ ،‬وقد صدر عن المجمع الفاتيكاني الثاني العديد من‬
‫المقررات والدساتير والمراسيم‪ .‬ويمكن القول أنو كان مكمالً لما عجز المجمع الفاتيكاني األول عن إتمامو‪،‬‬
‫وىذا بسبب سقوط روما‪ 1870‬م‪ ،‬مما أدى لوقف أعمالو آنذاك تمخض عن المجمع إصالحات مختلفة في جسم‬
‫الكنيسة كان أبرزىا التخلي عن استعمال الالتينية في الصالة وإبدالها باللغات المحلية‪ ،‬واالقرار بالحركة المسكونية‬
‫وغيرىا ‪(E. Louchez IV. Inventaire Des Fonds J. Dupont Et B. Olivier: Concile Vatican II Et‬‬
‫) ‪Eglise Contemporaine,( Peeters Publishers, 1 janv. 1995 ), p 8-9‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Jean-Pierre Castel : Le déni de la violence monothéiste, ( Editions L'Harmattan, 2010‬‬
‫‪) , p34‬‬
‫‪ 3‬راجع كتاب ‪Hans Kung : Infillible ? une interpellation, ( Descellée de Brouwer, 1971) :‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Andre Naud : Les dogmes et le respect de l'intelligence: plaidoyer inspiré par Simone‬‬
‫‪Weil, ( Les Editions Fides, 2002), p 142‬‬

‫‪7‬‬
‫‪ -5‬مفهوم األخالق العالمية ‪ :‬ىناؾ فرؽ بُت " األخالق العالمية " " ‪Éthique‬‬
‫‪ " mondiale‬واألخالق الكلية " ‪ ، " Éthique universelle‬فاألخبلؽ الكلية يقصد هبا‬
‫توىل ادلفكروف والفبلسفة وضع أصوذلا وترتيب قواعدىا على أساس أهنا أخبلؽ عقلية‬ ‫" األخبلؽ اليت ّ‬
‫وموضوعية‪ ،‬حبيث يتعُت على كل فرد إنساين األخذ هبا مىت أراد االستقامة يف سلوكو أو طلب السعادة يف‬
‫حياتو‪ ،‬وانضرب عليهاا مثالُت علا ‪ :‬أخالق الواجب اليت أنشأىا الفيلسوؼ األدلاين إؽلانويل كانط‬
‫‪ ، Immanauel Kant‬وأخبلؽ ادلنفعة اليت وضع أركاهنا الفيلسوؼ والقانوين االصلليزي جَتؽلي بنتهاـ‬
‫‪ Jeremy Bentham‬ووسعها خلفو الفيلسوؼ اإلصلليزي جوف استوارت مل ‪John Stuart Mill‬‬
‫‪1‬‬
‫"‬
‫أما األخبلؽ الكلية فتتصف بصفات ثبلث أساسية‪ ،‬فهي أخبلؽ نظرية يف طبيعتها‪ ،‬يتم استنباطها‬
‫اجملرد من مبادئ مسلّم هبا‪ ،‬كاا أهنا أخبلؽ أحادية يف مصدرىا‪ ،‬يستقل هبا الفيلسوؼ‪ ،‬وال‬
‫بالنظر العقلي ّ‬
‫تيقيد يف وضعها حبصوؿ االتفاؽ عليها مع غَته‪ .‬كم أهنا أخبلؽ َعلاانية يف توجهها‪ ،‬إذ إ ّف واضعها يتجنب‬
‫‪2‬‬
‫أف يبٍت أحكامو ونتائجو على مسلاات ذات مصدر ديٍت‪ ،‬أخذا مباشرا أو ظاىرا‪.‬‬
‫أما األخبلؽ العادلية‪ ،‬فليست هبذه األوصاؼ قط‪ ،‬بل ىي تتصف بأضدادىا‪ ،‬فهي أخبلؽ ذات‬
‫طبيعة علاية‪ ،‬إذ ت ستقرأ من التجربة األخبلقية احلية لئلنساف‪ ،‬كاا أهنا ذات مصادر متعددة‪ ،‬حيث تشًتؾ‬
‫أطراؼ عديدة يف حتديد قواعدىا وأحكامها‪ ،‬ومن أىم صفاهتا كوهنا ذات توجو ديٍت‪ ،‬فهي تستقي قياتها‬
‫‪3‬‬
‫ومبادئها من األدياف ادلختلفة‪.‬‬
‫‪ -2‬تطور مفهوم األخالق العالمية ‪ :‬ظهرت بوادر التفكَت يف أخبلؽ جتاع أمم العامل يف إطار النشاط‬
‫احلواري الذي مارستو سلتلف التيارات الدينية منذ ادلؤدتر العادلي األوؿ لؤلدياف يف شيكاغو سنة ‪1893‬ـ‪،‬‬
‫والذي عرؼ فياا بعد بربدلاف أدياف العامل‪ ،‬وىذا من أجل االحتفاؿ بالتقدـ العلاي والتكنولوجي الذي حققتو‬
‫احلداثة واليت اعتربت األخوة الدينية أىم ذتاره‪ 4.‬وأما ادلؤدتر الثاين ؿ " بردلاف أدياف العامل " فقد عقد بعد مضي‬

‫‪ 1‬طو عبد الرزتن ‪ :‬األخالق العالمية مداىا وحدودىا‪ ( ،‬أبو ظيب‪ :‬مؤسسة طابا‪ ،‬عدد ‪ ،1‬يونيو ‪2008‬ـ )‪ ،‬ص‪. 9‬‬
‫‪ 2‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫‪ 3‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫‪ 4‬وقد جتلت مظاىر ىذا النشاط يف إقامة حوارات دينية متعددة ادلواضيع وادلستويات واألىداؼ‪ ،‬يف شىت أضلاء العامل‪ ،‬وقد‬
‫أفضت إىل تأسيس العديد من ادلؤسسات وادلنظاات‪ ،‬ومنها مؤسسة اجملاع العامي للكنائس‪ ،‬ومنظاة " ادلؤدتر العادلي للدين‬
‫والسبلـ " ( ادلرجع نفسو‪ ،‬ص ‪)10‬‬

‫‪8‬‬
‫قرف من الزمن على تاريخ انعقاده األوؿ‪ ،‬سنة ‪1993‬ـ‪ ،‬ومل دتض سنوات ست أي سنة ‪1999‬ـ‪ ،‬حىت انعقد‬
‫ادلؤدتر الثالث مبدينة كاب تاوف جبنوب إفريقيا‪ ،‬وانعقد ادلؤدتر الرابع يف مدينة برشالونا يف اسبانيا سنة ‪2004‬ـ‪.‬‬

‫تفرد ادلؤدتر الثاين ؿ " بردلاف أدياف العامل " بإصدار بياف متايز حتت اسم " إعالن من أجل‬
‫وقد ّ‬
‫أخالق عالمية " وكاف منظاوا ىذا ادلؤدتر الثاين قد عهدوا إىل العامل البلىويت ىانس كينج‪ ،‬أف يضع مسودة‬
‫ىذا اإلعبلف‪ ،‬لكونو اشتغل بذات ادلوضوع ونشره‪ ،‬قبل انعقاد ادلؤدتر بسنتُت‪ ،‬يف كتابو " مشروع األخبلؽ‬
‫العادلية "‪.‬‬

‫وقد ضاعف ىانس كينج رلهوده بعد أف تبٌت ادلؤدتر مشروعو‪ ،‬فتوالت زلاضراتو ومقاالتو وكتبو‪،‬‬
‫موضحة معامل ادلشروع وأىدافو وآفاقو‬
‫‪1‬‬

‫وقد كاف لئلعبلف الذي توىل كينغ حتريره أثره البالغ يف تشجيع التوجو إىل تأسيس أخبلقيات عادلية‬
‫‪2‬‬
‫حبيث توىل صدور تقريرات ونداءات تدخل يف ىذا ادلضاار‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬مشروع األخالق العالمية‬


‫أسهم ىانس كينج يف وضع أسس مشروع أمساه "األخالق العالمية" وىو زلاولة منو لشرح ما ؽلكن أف‬
‫جتتاع عليو األدياف‪ ،‬بدال شلا قد يفرقها‪ ،‬وحاوؿ يف ىذا ادلشروع صياغة احلد األدىن من القوانُت السلوكية اليت‬
‫ؽلكن أف تتقبلها رتيع األدياف‪ ،‬وقد أُدمج مشروعو ىذا يف احلوار بُت احلضارات التابع لؤلمم ادلتحدة كاا سبق‬
‫وذكرنا‪.‬‬

‫وقد حاوؿ كينج من خبلؿ مؤلفاتو العديدة‪ ،‬التأكيد على ضرورة احلوار لًتسيخ السبلـ بُت األدياف‪،‬‬
‫كاا أ ّكد على أف رتيع األدياف وادلعتقدات حتتوي على رلاوعة من القيم األخبلقية ادلشًتكة‪ ،‬وىذه القيم‬
‫قادرة على بناء أرضية احلوار اإلغلايب والفعاؿ بُت البشر على اختبلؼ أصنافهم وألواهنم‪ .‬والقدرة على احلوار‬

‫‪ 1‬ومن بينها كتبو التالية‪ ،‬واليت ألف بعضها باالشًتاؾ مع غَته‪ ،‬بياف من أجل األخبلؽ العادلية ‪1993‬ـ‪ ،‬ونػَ َعم لؤلخبلؽ‬
‫العادلية ‪1995‬ـ‪ ،‬األخبلؽ العادلية للسياسة واالقتصاد العادليُت ‪1997‬ـ‪ ،‬والعلم واألخبلؽ العادلية‪1998‬ـ‪ ،‬ومل األخبلؽ‬
‫العادلية؟ الدين واألخبلؽ يف زمن العودلة ‪2002‬ـ ‪.‬‬
‫‪ 2‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص ‪11 – 10‬‬

‫‪9‬‬
‫ىي فضيلة االستعداد للسبلـ‪ ،‬فهي فضيلة إنسانية يف العاق‪ ،‬ففي كل مرة يتوقف احلوار‪ ،‬تستعر احلرب‪،‬‬
‫فاحلوار يُقصي البندقية‪.‬‬

‫ؼال سالم بين األمم من دون سالم بين الديانات‪ ،‬وال سالم بين الديانات من دون حوار بين‬
‫الديانات‪ ،‬وال حوار بين الديانات من دون بحث الىوتي أساسي‪ 1 .‬واحلل ال يكوف " يف خلق ديانة‬
‫موحدة أو عادلية كاا سعى إىل ذلك قبل تُونيب‪ ،‬الفيلسوؼ األمريكي ويليم إىوكينغ‪ ،‬وكاا سعى إىل ذلك عبثا‬
‫يف اذلند سوامي فيفيكانندا يف بردلاف الديانات يف شيكاغو عاـ ‪1893‬ـ‪ ،‬وبعده سرفيبايل رادىا كريشناف‪ ،‬بل‬
‫علينا أف نسهم يف إحبلؿ السبلـ بُت الديانات‪ ،‬وخصوصا بُت الديانات النبوية ادلتخاصاة منذ زمن طويل‪،‬‬
‫أي اليهودية وادلسيحية واإلسبلـ"‪ 2 .‬بل يكوف بإغلاد حد أدىن من األخبلؽ اجلامعة‪ ،‬تساعد على إغلاد معايَت‬
‫للحياة‪ ،‬واألخبلؽ موجودة يف كل التقاليد اإلنسانية على اختبلفها‪ ،‬فلسنا يف حاجة إلعادة اخًتاعها‬
‫وإغلادىا‪ ،‬لكن ؽلكننا شلارسة القراءة العايقة لتقاليدنا اإلنسانية القدؽلة‪ 3‬يقوؿ كينغ‪ " :‬أليس من ادلاكن‪ ،‬إذا‬
‫انطلقنا رتيعا من اإلنسانية ادلشًتكة بُت كل البشر‪ ،‬أف نصوغ مقياسا أخبلقيا عادليا أساسيّا‪ ،‬مقياسا مسكونيّا‬
‫يرتكز على اإلنساف‪ ،‬اإلنساف احلقيقي‪ ،‬أي على كرامة اإلنساف والقيم األساسية الناجتة عنها؟ فالسؤاؿ‬
‫اجلوىري يف حبثنا يف ادلقاييس األخبلقية‪ ،‬يصاغ على النحو التايل‪ :‬ما ىو األمر اجليد لئلنساف؟ على ىذا‬
‫‪4‬‬
‫كل ما يساعده على أف يكوف حقا إنسانا‪ ،‬وىذا ليس أمرا بديهيا"‬
‫السؤاؿ ُصليب‪ّ :‬‬

‫ويرى كينج أف االختبلفات اجلوىرية بُت األدياف ىي يف احلقيقة تشَت إىل معايَت أخبلقية واحدة‪ ،‬ولتأكيد‬
‫فكرتو اخلاصة باألخبلؽ العودلية‪ ،‬يرى كينج أنو بالرغم من االختبلفات العايقة اليت صلدىا يف األدياف‪ ،‬إال أنو‬
‫ىناؾ معايَت أخبلقية واحدة بشكل أساسي‪ ،‬فاا صلده يف الكتاب ادلقدس اليهودي "الوصايا العشر"‪ ،‬ىو‬

‫‪ 1‬ىانس كينغ‪ :‬مشروع أخالقي عالمي‪ ،‬دور الديانات في السالم العالمي‪ ،‬عربو عن األدلانية‪ :‬جوزيف معلوؼ‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(لبناف‪ :‬ادلكتبة البولسية – دار صادر‪1998 ، -‬ـ) ‪ ،‬ص ‪. 213 – 213‬‬
‫‪ 2‬ادلصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.254‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Denis Müller : La théologie et l'éthique dans l'espace public, (LIT Verlag Münster,‬‬
‫‪2012 ), p72‬‬
‫‪ 4‬ىانس كينغ‪ :‬ادلصدر السابق‪ ،‬ص‪.190‬‬

‫‪01‬‬
‫نفسو ما صلده يف القرآف‪ ،‬وما صلده من وصايا شلاثلة يف الًتاثُت‪ :‬اذلندي والصيٍت‪ ،‬ويرى أف األخبلؽ العودلية‬
‫‪1‬‬
‫ىي عودلية تارؼلا ‪-‬أيضا‪ ، -‬شلا يعٍت أننا لسنا يف حاجة ألف نعيد اخًتاع تلك األخبلؽ‪.‬‬

‫ويؤكد كينج أف ىناؾ أربعة توجيهات موجودة يف التقاليد ادلختلفة‪ ،‬األوؿ ىو التوجيو القدًن بعدـ القتل‪:‬‬
‫تش‪ ،‬أو تفسد‪،‬‬ ‫أحدا جبروح‪ ،‬والثاين‪ :‬ال تسرؽ أو تستغل أو تر ِ‬ ‫ال للقتل العادي‪ ،‬ال تعذب‪ ،‬ال تصب ً‬
‫أخَتا‪:‬‬
‫ىاما بشكل خاص للسياسيُت‪ ،‬أال نكذب‪ ،‬أال طلدع‪ ،‬أال نزيف‪ ،‬أال نتبلعب‪ ،‬و ً‬‫أمرا ً‬
‫والثالث‪ :‬وىو يعد ً‬
‫‪2‬‬
‫أال تستغل جنسيًا‪ ،‬ال تغش‪ ،‬ال تذؿ‪ ،‬ال هتن‪ ،‬بصورة أخرى "أف ػلًتـ وػلب كل منا اآلخر"‪.‬‬

‫وبإمكاف الديانات أف تقدـ للبشر قاعدة أخالقية سامية تشكل مبدأ أساسيا‪ ،‬ؽلكن أف نسايها‬
‫القاعدة الذىبية " ‪ " Golden Regel‬وىي ليست قاعدة افًتاضية أو شرطية‪ ،‬بل قاعدة مطلقة وغَت‬
‫‪3‬‬
‫مشروطة‪ ،‬قابلة للتطبيق يف احلاالت ادلعقدة جدا‪ ،‬حبيث بنبغي على األفراد واجلااعات أف يتعاطوىا‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬األخالق العالمية ضرورة معاصرة‬


‫يرى كينج ضرورة وجود أخبلؽ عودلية‪ ،‬فكاا ضلن حباجة إىل عودلة االقتصاد والتكنولوجيا واالتصاالت‪،‬‬
‫فنحن يف أمس احلاجة إىل عودلة األخبلؽ‪ .‬فينبغي لؤلخبلؽ اليت كانت ذلا يف عصر احلداثة شأنا خاصا‪ ،‬أف‬
‫‪4‬‬
‫تضحي من جديد يف عصر ما بعد احلداثة مطلبا مشًتكا ورئيسيا من أجل سعادة البشر واستارارية اإلنسانية‪.‬‬
‫فدوؿ العامل الثالث ذلا أ نظاتها االقتصادية والتشريعية‪ ،‬إال أهنا ال تسَت أبدا من دوف توافق أخبلقي‪،‬‬
‫ومن دوف أخبلقية مواطنيها‪ ،‬فتلك األخبلؽ ىي اليت تعطي احلق حلياة الدولة الدؽلوقراطية‪ ،‬حىت اجملتاع الدويل‬
‫‪5‬‬
‫العادلي دتكن من إغلاد بٌت تشريعية تتخطى حدوده القومية والثقافيّة والدينية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Causse Jean-Daniel, Muller Denis : Introduction à l'éthique- Penser, croire, agir‬‬
‫‪(Genève : Labor et Fides, 2009) , p 60-61‬‬
‫‪ 2‬ىانس كينغ‪ :‬مشروع أخبلقي عادلي‪ ،‬دور الديانات يف السبلـ العادلي ‪ ،‬ص ‪501‬‬
‫ىانس كينغ‪ :‬مشروع أخالقي عالمي‪ ،‬دور الديانات في السالم العالمي‪ ،‬ص‪.111‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 4‬ادلصدر نفسو‪ ،‬ص‪70‬‬


‫‪ 5‬ادلصدر نفسو ‪ ،‬ص ‪73‬‬

‫‪00‬‬
‫وي ؤكد كينج على أف القواعد األخبلقية والقيم واألحكاـ وادلفاىيم الكربى الواقعية يف الديانات الكربى‬
‫ىي ناتج سَتورة ديناميكية اجتااعية جد معقدة‪ ،‬حسب ما تبينو األحباث التارؼلية‪ ،‬وقد فرضت نفسها من‬
‫خبلؿ ضرورات احلياة واحلاجات اإلنسانية‪ ،‬وىذا يعٍت أنو ينبغي للبشر أف ؼلوضوا القواعد واحللوؿ األخبلقية‬
‫للتجربة من خبلؿ ادلخططات والنااذج‪ " ،‬وينبغي أف نبحث عن حلوؿ متاايزة للاسائل والصراعات يف‬
‫الواقع اليومي وأف نضعها يف حيز التنفيذ‪ .‬فسواء أكاف البشر يهودا أـ مسيحيُت أـ مسلاُت‪ ،‬أـ أتباعا لديانة‬
‫‪1‬‬
‫ىندية أـ صينية أـ يابانبة‪ ،‬فهم مسؤولوف عن تطبيق قياهم األخبلقية يف الواقع‪".‬‬

‫ويعتقد كينج أف عداء شديدا يسود اجملتاع الدويل‪ ،‬وغلب علينا بناء جسور احملبة ونبذ الكراىية‬
‫واالنتقاـ‪ ،‬وىذا عن طريق ترسيخ احلوار‪ ،‬ورغم االختبلفات ادلوجودة بُت األدياف الثبلثة الكربى‪ ، ،‬فإف ىناؾ‬
‫‪2‬‬
‫ثوابت أخبلقية تسهل منهج احلوار ‪.‬‬

‫ويؤكد على أنو لن تكوف ىناؾ استارارية لئلنسانية بدوف حتالف بُت ادلؤمنُت وغَت ادلؤمنُت‪ ( ،‬ادلؤمنوف‬
‫بإلو واحد‪ ،‬وادللحدوف والبلأدريوف)‪ ،‬من أجل ضرورة أخبلؽ عادلية مشًتكة‪ .‬فخطر فقداف ادلعٌت والقيم‬
‫والقواعد األخبلقية يهدد ادلؤمنُت وغَت ادلؤمنُت على السواء‪ ،‬كاا أف الدؽلوقراطية ال ؽلكنها أف تربر وجودىا من‬
‫دوف توافق أخبلقي مسبق‪ ،‬خصوصا يف بعض القيم األخبلقية وادلواقف اجلوىرية‪ ،‬فبل وجود حلياة مشًتكة‬
‫جديرة باإلنساف من دوف توافق أخبلقي جوىري‪ .‬ويلح ىانس كينج على ضرورة السبلـ الداخلي حلل‬
‫الص راعات االجتااعية من دوف اللجوء إىل العنف‪ ،‬وال نظاـ اقتصادي وتشريعي من دوف إرادة مشًتكة حتًتـ‬
‫‪3‬‬
‫األنظاة والقوانُت‪ ،‬وال وجود للاؤسسات من دوف اتفاؽ مواطنيها‪.‬‬

‫ومن خبلؿ ما تقدـ صلد أف ىانس كينج يؤكد على ضرورة السبلـ بُت احلضارات الذي لن يكوف‬
‫بدوف سبلـ بُت األدي اف‪ ،‬كاا أف السبلـ بُت األدياف لن يكوف بدوف حوار بُت األدياف‪ ،‬وال ؽلكن أف يكوف‬
‫ىناؾ نظاـ عادلي جديد بدوف أخبلؽ عادلية مشًتكة‪ ،‬تتسع برحابتها لكل الثقافات واألدياف‪ ،‬وتوحد البشر‬
‫رتيعا حتت مظلة اإلنسانية‪ ،‬فبل ؽلكن للاجتاع اإلنساين أف يستار بدوف األخبلؽ العادلية‪.‬‬

‫ادلصدر نفسو‪ ،‬ص ‪95-94‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪Denis Müller : La théologie et l'éthique dans l'espace public, (LIT Verlag Münster,‬‬
‫‪2012), p72‬‬
‫‪ 3‬ىانس كينغ‪ :‬مشروع أخالقي عالمي‪ ،‬دور الديانات في السالم العالمي‪ ،‬ص ‪80‬‬

‫‪02‬‬
‫لقد تعرض مشروع ىانس كينج للكثَت من النقد‪ ،‬استنادا إىل كوف احلوار عاجز على حل الصراعات‬
‫الداخلية داخل الدين الواحد‪ ،‬فالصراع الكاثوليكي الربوتستانيت ما فتئ يتأجج يف وقتنا ادلعاصر ىذا يف اجلانب‬
‫ادلسيحي‪ ،‬أما اجلانب اإلسبلمي فاخلبلفات العقدية وحىت السياسية بُت السنة والشيعة ال شك فيها‪ ،‬فبل ؽلكن‬
‫أف يكوف ىناؾ حوار خارجي ما مل يتحقق داخليا يف كل منظومة دينية‪ .‬واحلقيقة أف ىذا الكبلـ يبلمس‬
‫احلقيقة‪ ،‬لكن مشروع ىانس كينج حاوؿ أف غلاع األدياف حتت مظلة أخبلؽ عادلية‪ ،‬وعادلنا ادلعاصر يف أمس‬
‫احلاجة لقيم جامعة‪ ،‬جتعل اإلنسانية جواز مرور يف العامل بأسره‪ .‬تضان كرامة اإلنساف‪ ،‬وتصوف حقو يف‬
‫احلياة‪.‬‬

‫خاتمة ‪:‬‬

‫وؽلكن القوؿ أف األطروحات ادلعاصرة يف البلىوت ادلسيحي أحدثت نوعا من االنفتاح على اآلخر‪،‬‬
‫وأسهات يف ترسيخ منهج احلوار وتفعيلو‪ .‬فلم يعد اخلبلص مقتصرا على االعًتاؼ بادلسيح سللصا‪ ،‬حسب‬
‫جوف ىيك‪ ،‬فكل ديانة تضان اخلبلص دلعتنقيها‪ ،‬إ ّف تقبل اآلخر واالعًتاؼ بالتعددية الدينية‪ ،‬قد أحدث ثورة‬
‫على ادلبادئ التقليدية الكبلسيكية للكنيسة‪ ،‬وأخرجها من أسوار اخلصوصية الكونية عن طريق اخلبلص‬
‫ادلسيحاين‪ ،‬إىل االنفتاح وتقبل األدياف األخرى‪.‬‬

‫وقد كاف ذلانس كينغ دورا فاعبل يف يف وضع أسس مشروعو ادلوسوـ ب"األخالق العالمية" وقد حاوؿ من‬
‫خبللو شرح األسس اليت ؽلكن أف جتتاع عليها األدياف‪ ،‬وقد صاغ يف ىذا ادلشروع حدا األدىن من القوانُت‬
‫السلوكية اليت ؽلكن أف تتقبلها رتيع األدياف‪.‬‬

‫وؽلكن القوؿ أف البلىوت ادلسيحي ادلعاصر‪ ،‬تبٌت أطرحات سلتلفة عن النظرة الكبلسيكية ادلغلقة على‬
‫الذات ادلسيحية‪ ،‬احملتكرة للحقيقة‪ ،‬واليت جسدت أعنف صور االحتكار يف القروف الوسطى‪ ،‬مبا فرضتو على‬
‫من قيود على العقل باستعااؿ وسائل ال إنسانية‪ .‬وقد أصبح البلىوت ادلسيحي ادلعاصر يف بعض أطروحاتو‬
‫ينشد أنسنة اإلنساف‪ ،‬كاا أصبح يدرؾ أف ىذا ادلسعى يف عصرنا ىذا ىو مؤتَلف حضارة الشرؽ والغرب‪،‬‬
‫والبوتقة الوحيدة اليت ينصهر فيها مسعى البشر يف حل أزماهتم ادلعيشية ورلاهباهتم االجتااعية‪ ،‬وصراعاهتم‬
‫الفكرية‪ ،‬ولوأف لكل حضارة منها من اخلصوصية يف نشداف سعادة البشر‪.‬‬

‫‪03‬‬
‫ويبقى أف ضلاوؿ كاسلاُت أف نتعرؼ على األطروحات اجلديدة يف البلىوت ادلسيحي ادلعاصر‪،‬‬
‫وضلاوؿ أف ندرسها مبا يتواءـ مع قيانا وأصولنا الدينية‪ ،‬فنركز على ادلفاىيم اجلامعة‪ ،‬لننطلق منها كانفذ لفتح‬
‫باب احلوار اإلنساين الفاعل‪ ،‬والذي ال يفقدنا خصوصيتنا‪ ،‬وال غلعلنا طرفا افًتاضيا يف حوار األقوى‪.‬‬

‫‪04‬‬

You might also like