Professional Documents
Culture Documents
الأخلاق العالمية
الأخلاق العالمية
آسيا شكيرب التعـددية الدينيــة واألخـالق العالميــة قـراءة في أطروحات الالىوت المسيحي المعاصر-
Le présent article assume une double tâche. Il essaye de présenter deux
lectures, et deux modes de pensée au sein de la théologie chrétienne moderne,
qui ont trait au rapport mutuel entre les différentes fois religieuses.
La première lecture reflète l’attitude du théologien John Hick vis-à-vis de la
pluralité religieuse.
La deuxième lecture explique le projet de Hans Küng intitulé « Pour une
éthique planétaire » - Weltethik- qui cherche à développer la coopération entre
les religions au-delà d'une vague reconnaissance des valeurs communes.
ملخص:
تتناوؿ ىذه ادلقالة بالدراسة جانبا من طروحات الفكر البلىويت ادلسيحي ادلعاصر؛ من خبلؿ عرضها
جلانبُت متاازجُت متكاملُت فياا بينهاا :التعددية الدينية من جهة ،واألخبلؽ العادلية من جهة أخرى؛ حيث
اخًتت البحث يف اجلانب األوؿ من خبلؿ كتابات جوف ىك John Hickواجلانب اآلخر من خبلؿ
أعااؿ ىانس كينج Hans Küngالذي جاء مبشروع عادلي لؤلخبلؽ؛ ػلاوؿ من خبللو أف يبعث القيم
الدينية ادلشًتكة؛ فيكوف مصَت األدياف أف تتعاوف فياا بينها يف ما فيو خَت اإلنسانية رتعاء؛ بدال من
أطروحات الصداـ وضلوىا من ادلآالت.
مقدمة :
أضحى عادلنا ادلعاصر قرية صغَتة فرضت نوعا من االنفتاح على اآلخر ،رغم اختبلؼ الثقافات
والديانات واللغات واذلويات واحلضارات ،وقد أسهم كل من االقتصاد والتطور التقٍت يف خلق ىذه الرؤية
اجلديدة على مستوى العامل بأسره.
اذلوة بُت
لقد فرضت العودلة تقبل اآلخر وتبٍت فكر احلوار ،كاحاولة إلغلاد صيغ جامعة تقلص ّ
الديانات واإليديولوجيات ادلختلفة ،وتضع أرضية مشًتكة لقيم إنسانية جامعة .وقد شهد القرف العشرين
زلاوالت دائبة لتفعيل منهج احلوار ،خاصة من اجلانبُت ادلسيحي واإلسبلمي ،وقد عرؼ البلىوت ادلسيحي
ادلعاصر أطروحتُت جديدتُت ،ختتلف اختبلفا جذريا عن االطروحات البلىوتية الكبلسيكية ويتجلى ذلك يف
مستويُت؛ األوؿ يتاثل يف اإلعًتاؼ باآلخر وقبوؿ التعددية الدينية ،والثاين يف زلاولة إغلاد وترسيخ قيم أخبلقية
عادلية.
فإىل أي مدى ؽلكن إغلاد منهج يساعد على االنفتاح وقبوؿ اآلخر يف البلىوت ادلسيحي ادلعاصر
اآلخر دوف التضحية باخلصوصية الدينية ؟ وىل من ادلاكن إغلاد حد أدىن من القيم األخبلقية ادلشًتكة بُت
األدياف حتال طابع العادلية ؟
لقد حاولنا فك ىذه اإلشكاالت من خبلؿ البحث والتقصي ،مبنهج القراءة التحليلية إذ نعاد من
خبلذلا لقراءة فكر اآلخر ،و تفكيك عناصره ،مث إعاد تركيبها وفق منطق ؼلدـ النهج العاـ للاوضوع.
وقد قسات العال إىل مطلبُت ،األوؿ يتناوؿ التعددية الدينية يف البلىوت ادلعاصر ،والثاين يتناوؿ
األخبلؽ العادلية ،وقد اخًتت ظلوذجُت من داخل ادلنظومة البلىوتية ،وعلا :جون ىيك وىانس كينغ.
المطلب األول :التعددية الدينية وقبول اآلخرلدى جون ىيك.
إف أىم مسات إنساف غروب القرف العشرين ،وفجر القرف الواحد والعشرين ىو الشك يف كل القيم
هبزة عنيفة تدرجت يف عنفها منذ بداية النهضة ،وكاف من أىم أسباب ىذا الشك أف تاريخ التجربة الدينية يف
كل األدياف مأساوي يف كثَت من نواحيو ،وىو مصدر من مصادر النزاع والعداء ،أضف إىل ذلك أف األدياف
توزعت على مذاىب وملل سلتلفة ،وىذا أمر طبيعي أما الغَت طبيعي أف يصاحب اإلؽلاف باألدياف العنف
1
والكراىية والصراع.
لقد رآى بعض ادلفكرين ادلسيحيُت ادلعاصرين ضرورة اخلروج من ىذه األزمة اليت أسهات العودلة يف
تفاقاها ،فاجتهوا إىل القوؿ بالتعددية الدينية كحل أمثل ،ولذلك رأوا عدـ االحتفاظ بادلقًتحات البلىوتية
القدؽلة ألف األمر يستدعي مراجعة الكثَت من البناءات العقدية داخل كل دين.
فالتعددية الدينية والفكرية واإلثنية تعد الساة ادلايزة للاجتاعات الغربية يف العصر الراىن ،فبعد
2
احلرب الباردة وسقوط الشيوعية ،أصبح أحد معايَت احلضارة والتقدـ واحًتاـ حقوؽ اإلنساف.
1األنبا يوحنا قتلة :المسيحية واأللف الثالثة ( ،القاىرة :دار مصر احملروسة ،)2002 ،ص167،171
السااؾ :مق ّدمة في الحوار اإلسالمي المسيحي ،ط ( ،1بَتوت :دار النفائس2001 ،ـ) ،ص 68
زلاد ّ
2
2
أما التعددية الدينية 1فهي من صايم االىتاامات البلىوتية يف القرف العشرين ،إبتداء من بوؿ تيليش
وكارؿ بارت و مرورا بكارؿ رانر وىانس كينغ ،2وانتهاء مبقرات اجملاع الفاتيكاين الثاين عاـ 1965ـ .ويرى
يوحنا قتلة أف الدرب الوحيد للناو والتقدـ ىواحلرية والعدؿ وادلساواة ىذه القيم اليت تسعى اإلنسانية إىل
حتقيقها منذ قروف ىي القضية الرئيسية للقرف الواحد والعشرين ،فقبوؿ اآلخر أو قبوؿ التعددية ىو بداية فهم
3
احلرية والعدؿ وادلساواة.
يرى جون ىيك البلىويت والفيلسوؼ ادلعاصر أف موقف البلىوت ادلسيحي جتاه األدياف ّ
مر بثبلث
مراحل تارؼلية ىي:
المرحلة األولى :ويتجلى فيها ادلوقف التقليدي القدًن الرافض لباقي األدياف واحلكم على غَت
ادلسيحيُت باحلرماف من احلياة األبدية.
ظهرت أطروحات سلتلفة عن التعددية الدينية نلخصها يف أربعة اجتاىات ،أولها اإلنسانية العلمانية ،وؽلثل ىذا االجتػاه كثَت 1
من الزعااء السياسيُت أمثاؿ بنيامُت فرانكلُت ،والعلااء البلىوتيُت أمثاؿ ىاريف كوكس ،وثانيها الالىوت العولمي،ويتاثل
ىذا االجتاه يف أطروحة ولفريد ؾ .مسيث عن إعادة النظر يف مصطلح الدين وأطروحة جوف ىيك عن ضرورة تغيَت االجتاه من
زلورية الدين إىل زلورية اإللو ،وثالثها التوفيقية أو االنتقائية ،وؽلثل ىذا االجتاه :اجملتاع اإلذلي واجملتاع (الثيو صويف الذي
تأسس عاـ 1875يف نيويورؾ ،الواليات ادلتحدة ،وانتقل مركزه إىل أديار -ناحية من نواحي مدراس -عاـ ،)1882
وراماكرشنا ،وسوامي ويويكانندا ،وادلاىادتا غاندي ،واحلكاة اخلالدة ( .عبد الرزتاف احلاج :التعددية الدينية بوصفها حال
للصراع الطائفي وأداة لو ( ،جريدة الغد الؤلردنية ،األحد 15تشرين الثاين 2009ـ)
2سيأيت التعريف بو الحقا
3المسيحية واأللف الثالث ،ص.175
4ىوأستاذ والىويت وفيلسوؼ يف الدين ،ولد يف اصلليًتا سنة 1922وتويف يف فرباير 2012ـ ،واىتم بالفلسفة والدين منذ
صغره درس للحصوؿ على درجة حقوؽ يف جامعة ىل وحتوؿ إىل ادلسيحية اإلصليلية مث التحق جبامعة إدنربة يف 1941ـ.
استدعي ليقاتل بسبب احلرب العادلية الثانية ،لكنو رفض القتاؿ ألسباب أخبلقية .قدـ مساعلات يف الثيولوجيا الدينية عن
الكريستولوجيا واإلسكاتولوجيا ،وقد قدـ يف فلسفة الدين مساعلات يف إبستاولوجيا الدين والتعددية الدينية.
Gérard Reynal : Dictionnaire des théologiens et de la théologie chrétienne,
(Centurion : Bayard Editions, 1998 ), p 221
3
المرحلة الثانية :وتعرب عن اجلاع بُت حصرية اخلبلص داخل الكنيسة وبُت إمكاف اخلبلص خارج
الكنيسة ،فاهلل احملب ال ؽلكن أف ػلرـ أكثرية الناس من اخلبلص.
المرحلة الثالثة :وىي مرحلة الوعي بواقع التعددية الدينية ،واليت حتال يف ذاهتا مقومات استقامة
وتربية تَػ َق ِويَّة تضع اإلنساف على سكة اخلبلص ،وتظهر األدياف يف وضعيتها اجلااعية وادلنظومية وليس
فقط يف دتظهرىا الفردي ،ورغم ذلك احتفظت الكنيسة بادلقابل بتفوؽ ادلسيحية وفرادهتا ،وقد كاف
كارل رانر من رواد تلك ادلرحلة حيث قدـ يف عاـ 1961ـ ،مقالتو حوؿ االنتااء اجملهوؿ
للاسيحية ( ( Unanimous Christianityاليت تعٍت أف ادلسيحية تعترب غَت ادلسيحيُت
ضان دائرة النعاة اإلالىية ،ألهنم مسيحيوف ضانيوف ،مث جاءت أطروحة ىانس كينج اجلريئة اليت
قدمها يف عاـ 1964يف مؤدتر " الوحي المسيحي واألديان غير المسيحية" يف بومباي ،واعترب
فيها أف األدياف غَت الكاثوليكية ىي طرؽ عادية للخبلص )Ordinary ( ،للخبلص يف حُت دتثل
الكنيسة الكاثوليكية طريقا فوؽ عادية ( ) Extraordinaryخلبلص البشر ،وبذلك ؽلكن ألي
إنساف أف ػلصل خبلصو عن طريق الدين ادلتوفر لديو داخل البيئة الثقافية والظرؼ التارؼلي ادلتواجد
فيها 1 .أما شاليرماخر 2فيذىب إىل القوؿ بػ "الدين العادلى" ،ووضع نظرية لو ىف كتابو "أحاديث
عن الدين " ودافع عنها ىف ىذا الكتاب ،الذى يضم كل أنواع ادلعتقدات والعبادات وأصبح من
ادلستطاع انطواء رتيع "كفار" العصور الغابرة حتت لواء ىذا ادلثل الديٌت األعلى .وذكر شاليرماخر
أف سائر االختبلفات الدورتاطيقية تبدو غَت ذات موضوع ىف نظر أى مشاعر دينية حقة .فالدين
زلبة ،ولكن ىذه احملبة ال تتجو إىل ىذا أو ذاؾ أو إىل موضوع متناه أو خاص ،أهنا تتجو إىل العامل،
3
إىل البلتناىى .
1وجيو قانصو :التعددية الدينية في فلسفة جون ىك -المرتكزات المعرفية والالىوتية ،-ط ( ،1بَتوت :الدار العربية
للعلوـ ناشروف ،)2007 ،ص 54-53
2الىويت بروتستانيت وفيلسوؼ أدلاين ،ولد يف Breslanبربلُت يف 21نوفارب 1768ـ ،وتوىف سنة 1834ـ ،درس يف
جامعة Halleالبلىوت والتفسَت ،من أىم أفكاره أف العقيدة ليست حقيقة من اهلل .يعترب ادلؤسس احلقيقي للهرمونوطيقا
ادلعاصرة L’herméneutique moderne
) François Bonifas : La doctrine de la rédemption dans Schleiermacher, (Ch. Meyrueis,
) 1865 ), p 7-8
3أرنست كاسَتر :الدولة واألسطورة ،تررتة :أزتد زتدى زلاود ( ،مصر :اذليئة ادلصرية العامة للكتاب1975 ،ـ) ،
ص . 248 ، 247
4
ثانيا :فلسفة التعددية لدى جون ىيك.
إف التعددية الدينية لدى ىيك تبلورت انطبلقا من قناعتو أف رتيع األدياف حتوي على أشياء جيدة
مثلاا يوجد يف الكتاب ادلقدس .كاا أهنا وسيلة للتوفيق بُت حب اإللو وبُت حقيقة التنوع احلضاري والديٍت،
وقد أعلن ىيك بأف الكائن اإلذلي ىو ما يدعوه فوق التصنيف ،فالبشر يتعاملوف مع اإللو بواسطة األصناؼ،
لكن اإللو نفسو يصدىم بطبيعتو.1
يعتقد ىيك متأثرا بكانت بأف االعتقادات الدينية ادلختلفة صيغت حلد كبَت باألصناؼ اليت قدمتها
الطبيعة .و يقدـ ىيك العديد من األدلة ضد احلصرية ادلسيحية ،اليت تتاحور حوؿ الذات وترى بأف األدياف
األخرى قد حتوي بعض احلقيقة واخلَت .أما النجاة فهي غَت شلكنة إال بشخص ادلسيح ،وأف احلقيقة كاملة
2
موجودة فقط يف ادلسيحية.
و يرجع جوف ىيك اختبلؼ ادلعتقدات بدرجة كبَتة إىل مكاف الوالدة ،وال ؽلكن زلاسبة الناس
بسبب ذلك ،فقد يولد ش خص يف اذلند ألسرة ىندوسية شلا غلعلو على األرجح ىندوسيا ،ومن يولد يف
السعودية يصبح مؤمنا بدين اإلسبلـ .فالدين يعتاد على مكاف والدة الشخص يف الغالب ،وىذا أكرب دليل
3
يهدـ فكرة ادلسيحية احلصرية.
يرى رائد التعددية الدينية جون ىك أنو ىناؾ شيء واحد غلاع األدياف كلها وؽلثل مقاصدىا
وغاياهتا ،فرغم اختبلؼ اللغة والقواعد واألعااؿ والعبادة والنظم األخبلقية بُت األدياف ،إال أف شيئا واحدا
ػلصل فيها رتيعا ،وىو أف البشر يتبلقوف ضان إطار ديٍت لفتح قلوهبم على اهلل ولغرض احقاؽ العدؿ وحب
4
الفضيلة واخلَت والعيش بتواضع ،ففي كل األدياف ىناؾ خَت إنساين عاـ يعكس العبلقة القوؽلة مع اهلل.
1
: Encyclopédie du protestantisme, ( Paris : Cerf, 1995), p Pierre Gisel, Lucie Kaennel
667
2
Marc Boss, Doris Lax, Jean Richard : Mutations religieuses de la modernité
tardive: actes du XIVe Colloque International Paul Tillich, Marseille, 2001, p 232
3
Ibid, op cit, p233
4وجيو قانصو :التعددية الدينية في فلسفة جون ىك ،ص.50
5
ويعتقد ىيك أف العقيدة التقليدية للاسيحية ،واليت تشتال على التجسد و الطبيعة البلىوتية
والناسوتية للاسيح ،والتثليث ،واخلبلص ،وعصاة النصوص ىي ضحايا التفكَت اإلنساين ،وذلذا السبب يقوؿ:
" ؽلكنكم اإلؽلاف هبذه العقائد ،لكن ال تفرضوا مثل ىذه التضحية على طلبتكم "
1
ال شك أف للكنسية التقليدية موقفها من آراء كينغ ،فهي ترفض أي حتوؿ يف ادلعتقدات ادلسيحية ويف
2
ادلفاىيم األساسية ،ويف النهج العاـ يف التعامل مع اآلخر.
يقوؿ دونالد كاغصوف " : Donald Carsonإف ادلسيح الذي يقًتحو ىيك سلتلف دتاما عن
3
مسيح العهد احلديد "
ونستخلص شلا سبق ظهور أطروحات جديدة يف البلىوت ادلسيحي ادلعاصر ،يأيت على رأسها الدعوة
لقبوؿ التعددية الدينية ،اليت تتيح من خبلؿ توسيع دائرة اخلبلص االنفتاح على اآلخر وقبولو ،وتقليص احتكار
احلقيقة .
المطلب الثاني :األخالق العالمية حسب ىانس كينغ .4 Hans Küng
1
Seung-goo LEE : Pluralisme religieux et christianisme- Avec une référence spéciale à
l’interprétation du pluralisme religieux de John Hick- , La Revue réformée - revue de
théologie de la Faculté Jean Calvin –
) (http://larevuereformee.net/articlerr/n249/pluralisme-religieux-et-christianisme
2
Ibid, op cit.
3
Ibid, op cit.
4ولد ب Luzernيف سويسرا عاـ 1928ـ ،تعلم يف جامعات روما الكاثوليكية .درس علوـ الفلسفة والبلىوت يف
جامعة اجلرغلوريانا التابعة لآلباء اليسوعيوف ،كاا درس يف جامعة السوربوف ادلعهد الكاثوليكي يف باريس ،حصل على دكتوراه
رسم أستاذا لعلوـ البلىوت والعقيدة سنة 1960ـ يف اجلامعة الكاثوليكية Eberhard
يف البلىوت سنة 1957ـ وقد ّ
Karlيف توبنجُت ،Tübingenكاا قاـ بإدارة معهد األحباث الدينية ودعي للتدريس بصفة أستاذ ضيف يف عدة
جامعات أمَتكية وسويسرية.
Jean-Pierre Castel : Le déni de la violence monothéiste, ( Editions L'Harmattan, 2010),
p 34 et André Mandouze : Un chrétien dans son siècle, ( Karthala Editions, 1 déc. 2007
), p 281
6
يعترب ىانس كينغ البلىويت الكاثوليكي السويسري ادلعاصر ،صاحب مشروع " األخبلؽ العادلية "
ظاىرة تستدعي الوقوؼ عندىا ،فحياتو كانت فصوال من الثورة الفردية على قوالب اجملامع الكاثوليكية ،فقد
اختاره البابا يوحنا الثالث والعشرين Ioannes XIIIلو كواحد من أىم مستشاريو .وىذا البابا ىو
الذي دعا إىل انعقاد ما عرؼ الحقا باجملاع ادلسكوين الفاتيكاين الثاين .1وقد كاف ىذا اجملاع مبثابة نقلة فكرية
غَت مسبوقة يف تاريخ الكنيسة الكاثوليكية وبداية انطبلقو ذلا يف العامل ضلو احلوار مع اآلخر وىو التيار الذي
دعاو كينغ وال يزاؿ بكل قوة ،ال سياا فياا ؼلتص باحلوار بُت األدياف ،ويف ديسارب 1979وبعد عدة
جداالت مع روما وخاصة مع رلاع عقائد اإلؽلاف la congrégation pour la doctrine de la
foiسحبت من ىانس كينج ادلسيو كاثوليكا - missio canonicaوىي االعًتاؼ الرمسي للكنيسة
الكاثوليكية بأىلية تدريس البلىوت الكاثوليكي ،2 -ويعود السبب الرئيس للخبلؼ بينو وبُت الفاتيكاف
نشره لكتاب " معصوما من اخلطأ " .3وقد حاوؿ فيو رفض مذىب ادلعصومية البابوية ،باعتبارىا وظيفة من
ابتكار البشر ،ليست مؤسسة من قبل اهلل ،وذلذا ؽلكن إلغاؤىا 4 .وبعد ىذا الصراع مع الفاتيكاف وضع كينج
مشروع األخبلؽ العادلية الذي كاف لو اآلثر الفاعل يف ترسيخ منهج احلوار ادلسيحي اإلسبلمي يف عادلنا
ادلعاصر.
ىو مجمع كنسي كاثوليكي يعتبر المجمع المسكوني الحادي والعشرون .انعقد ىذا المجمع بدعوة من البابا 1
يوحنا الثالث والعشرون بين عامي 1962م – 5691م ،وقد صدر عن المجمع الفاتيكاني الثاني العديد من
المقررات والدساتير والمراسيم .ويمكن القول أنو كان مكمالً لما عجز المجمع الفاتيكاني األول عن إتمامو،
وىذا بسبب سقوط روما 1870م ،مما أدى لوقف أعمالو آنذاك تمخض عن المجمع إصالحات مختلفة في جسم
الكنيسة كان أبرزىا التخلي عن استعمال الالتينية في الصالة وإبدالها باللغات المحلية ،واالقرار بالحركة المسكونية
وغيرىا (E. Louchez IV. Inventaire Des Fonds J. Dupont Et B. Olivier: Concile Vatican II Et
) Eglise Contemporaine,( Peeters Publishers, 1 janv. 1995 ), p 8-9
2
Jean-Pierre Castel : Le déni de la violence monothéiste, ( Editions L'Harmattan, 2010
) , p34
3راجع كتاب Hans Kung : Infillible ? une interpellation, ( Descellée de Brouwer, 1971) :
4
Andre Naud : Les dogmes et le respect de l'intelligence: plaidoyer inspiré par Simone
Weil, ( Les Editions Fides, 2002), p 142
7
-5مفهوم األخالق العالمية :ىناؾ فرؽ بُت " األخالق العالمية " " Éthique
" mondialeواألخالق الكلية " ، " Éthique universelleفاألخبلؽ الكلية يقصد هبا
توىل ادلفكروف والفبلسفة وضع أصوذلا وترتيب قواعدىا على أساس أهنا أخبلؽ عقلية " األخبلؽ اليت ّ
وموضوعية ،حبيث يتعُت على كل فرد إنساين األخذ هبا مىت أراد االستقامة يف سلوكو أو طلب السعادة يف
حياتو ،وانضرب عليهاا مثالُت علا :أخالق الواجب اليت أنشأىا الفيلسوؼ األدلاين إؽلانويل كانط
، Immanauel Kantوأخبلؽ ادلنفعة اليت وضع أركاهنا الفيلسوؼ والقانوين االصلليزي جَتؽلي بنتهاـ
Jeremy Benthamووسعها خلفو الفيلسوؼ اإلصلليزي جوف استوارت مل John Stuart Mill
1
"
أما األخبلؽ الكلية فتتصف بصفات ثبلث أساسية ،فهي أخبلؽ نظرية يف طبيعتها ،يتم استنباطها
اجملرد من مبادئ مسلّم هبا ،كاا أهنا أخبلؽ أحادية يف مصدرىا ،يستقل هبا الفيلسوؼ ،وال
بالنظر العقلي ّ
تيقيد يف وضعها حبصوؿ االتفاؽ عليها مع غَته .كم أهنا أخبلؽ َعلاانية يف توجهها ،إذ إ ّف واضعها يتجنب
2
أف يبٍت أحكامو ونتائجو على مسلاات ذات مصدر ديٍت ،أخذا مباشرا أو ظاىرا.
أما األخبلؽ العادلية ،فليست هبذه األوصاؼ قط ،بل ىي تتصف بأضدادىا ،فهي أخبلؽ ذات
طبيعة علاية ،إذ ت ستقرأ من التجربة األخبلقية احلية لئلنساف ،كاا أهنا ذات مصادر متعددة ،حيث تشًتؾ
أطراؼ عديدة يف حتديد قواعدىا وأحكامها ،ومن أىم صفاهتا كوهنا ذات توجو ديٍت ،فهي تستقي قياتها
3
ومبادئها من األدياف ادلختلفة.
-2تطور مفهوم األخالق العالمية :ظهرت بوادر التفكَت يف أخبلؽ جتاع أمم العامل يف إطار النشاط
احلواري الذي مارستو سلتلف التيارات الدينية منذ ادلؤدتر العادلي األوؿ لؤلدياف يف شيكاغو سنة 1893ـ،
والذي عرؼ فياا بعد بربدلاف أدياف العامل ،وىذا من أجل االحتفاؿ بالتقدـ العلاي والتكنولوجي الذي حققتو
احلداثة واليت اعتربت األخوة الدينية أىم ذتاره 4.وأما ادلؤدتر الثاين ؿ " بردلاف أدياف العامل " فقد عقد بعد مضي
1طو عبد الرزتن :األخالق العالمية مداىا وحدودىا ( ،أبو ظيب :مؤسسة طابا ،عدد ،1يونيو 2008ـ ) ،ص. 9
2ادلرجع نفسو ،ص.9
3ادلرجع نفسو ،ص.9
4وقد جتلت مظاىر ىذا النشاط يف إقامة حوارات دينية متعددة ادلواضيع وادلستويات واألىداؼ ،يف شىت أضلاء العامل ،وقد
أفضت إىل تأسيس العديد من ادلؤسسات وادلنظاات ،ومنها مؤسسة اجملاع العامي للكنائس ،ومنظاة " ادلؤدتر العادلي للدين
والسبلـ " ( ادلرجع نفسو ،ص )10
8
قرف من الزمن على تاريخ انعقاده األوؿ ،سنة 1993ـ ،ومل دتض سنوات ست أي سنة 1999ـ ،حىت انعقد
ادلؤدتر الثالث مبدينة كاب تاوف جبنوب إفريقيا ،وانعقد ادلؤدتر الرابع يف مدينة برشالونا يف اسبانيا سنة 2004ـ.
تفرد ادلؤدتر الثاين ؿ " بردلاف أدياف العامل " بإصدار بياف متايز حتت اسم " إعالن من أجل
وقد ّ
أخالق عالمية " وكاف منظاوا ىذا ادلؤدتر الثاين قد عهدوا إىل العامل البلىويت ىانس كينج ،أف يضع مسودة
ىذا اإلعبلف ،لكونو اشتغل بذات ادلوضوع ونشره ،قبل انعقاد ادلؤدتر بسنتُت ،يف كتابو " مشروع األخبلؽ
العادلية ".
وقد ضاعف ىانس كينج رلهوده بعد أف تبٌت ادلؤدتر مشروعو ،فتوالت زلاضراتو ومقاالتو وكتبو،
موضحة معامل ادلشروع وأىدافو وآفاقو
1
وقد كاف لئلعبلف الذي توىل كينغ حتريره أثره البالغ يف تشجيع التوجو إىل تأسيس أخبلقيات عادلية
2
حبيث توىل صدور تقريرات ونداءات تدخل يف ىذا ادلضاار.
وقد حاوؿ كينج من خبلؿ مؤلفاتو العديدة ،التأكيد على ضرورة احلوار لًتسيخ السبلـ بُت األدياف،
كاا أ ّكد على أف رتيع األدياف وادلعتقدات حتتوي على رلاوعة من القيم األخبلقية ادلشًتكة ،وىذه القيم
قادرة على بناء أرضية احلوار اإلغلايب والفعاؿ بُت البشر على اختبلؼ أصنافهم وألواهنم .والقدرة على احلوار
1ومن بينها كتبو التالية ،واليت ألف بعضها باالشًتاؾ مع غَته ،بياف من أجل األخبلؽ العادلية 1993ـ ،ونػَ َعم لؤلخبلؽ
العادلية 1995ـ ،األخبلؽ العادلية للسياسة واالقتصاد العادليُت 1997ـ ،والعلم واألخبلؽ العادلية1998ـ ،ومل األخبلؽ
العادلية؟ الدين واألخبلؽ يف زمن العودلة 2002ـ .
2ادلرجع نفسو ،ص 11 – 10
9
ىي فضيلة االستعداد للسبلـ ،فهي فضيلة إنسانية يف العاق ،ففي كل مرة يتوقف احلوار ،تستعر احلرب،
فاحلوار يُقصي البندقية.
ؼال سالم بين األمم من دون سالم بين الديانات ،وال سالم بين الديانات من دون حوار بين
الديانات ،وال حوار بين الديانات من دون بحث الىوتي أساسي 1 .واحلل ال يكوف " يف خلق ديانة
موحدة أو عادلية كاا سعى إىل ذلك قبل تُونيب ،الفيلسوؼ األمريكي ويليم إىوكينغ ،وكاا سعى إىل ذلك عبثا
يف اذلند سوامي فيفيكانندا يف بردلاف الديانات يف شيكاغو عاـ 1893ـ ،وبعده سرفيبايل رادىا كريشناف ،بل
علينا أف نسهم يف إحبلؿ السبلـ بُت الديانات ،وخصوصا بُت الديانات النبوية ادلتخاصاة منذ زمن طويل،
أي اليهودية وادلسيحية واإلسبلـ" 2 .بل يكوف بإغلاد حد أدىن من األخبلؽ اجلامعة ،تساعد على إغلاد معايَت
للحياة ،واألخبلؽ موجودة يف كل التقاليد اإلنسانية على اختبلفها ،فلسنا يف حاجة إلعادة اخًتاعها
وإغلادىا ،لكن ؽلكننا شلارسة القراءة العايقة لتقاليدنا اإلنسانية القدؽلة 3يقوؿ كينغ " :أليس من ادلاكن ،إذا
انطلقنا رتيعا من اإلنسانية ادلشًتكة بُت كل البشر ،أف نصوغ مقياسا أخبلقيا عادليا أساسيّا ،مقياسا مسكونيّا
يرتكز على اإلنساف ،اإلنساف احلقيقي ،أي على كرامة اإلنساف والقيم األساسية الناجتة عنها؟ فالسؤاؿ
اجلوىري يف حبثنا يف ادلقاييس األخبلقية ،يصاغ على النحو التايل :ما ىو األمر اجليد لئلنساف؟ على ىذا
4
كل ما يساعده على أف يكوف حقا إنسانا ،وىذا ليس أمرا بديهيا"
السؤاؿ ُصليبّ :
ويرى كينج أف االختبلفات اجلوىرية بُت األدياف ىي يف احلقيقة تشَت إىل معايَت أخبلقية واحدة ،ولتأكيد
فكرتو اخلاصة باألخبلؽ العودلية ،يرى كينج أنو بالرغم من االختبلفات العايقة اليت صلدىا يف األدياف ،إال أنو
ىناؾ معايَت أخبلقية واحدة بشكل أساسي ،فاا صلده يف الكتاب ادلقدس اليهودي "الوصايا العشر" ،ىو
1ىانس كينغ :مشروع أخالقي عالمي ،دور الديانات في السالم العالمي ،عربو عن األدلانية :جوزيف معلوؼ ،ط،1
(لبناف :ادلكتبة البولسية – دار صادر1998 ، -ـ) ،ص . 213 – 213
2ادلصدر نفسو ،ص .254
3
Denis Müller : La théologie et l'éthique dans l'espace public, (LIT Verlag Münster,
2012 ), p72
4ىانس كينغ :ادلصدر السابق ،ص.190
01
نفسو ما صلده يف القرآف ،وما صلده من وصايا شلاثلة يف الًتاثُت :اذلندي والصيٍت ،ويرى أف األخبلؽ العودلية
1
ىي عودلية تارؼلا -أيضا ، -شلا يعٍت أننا لسنا يف حاجة ألف نعيد اخًتاع تلك األخبلؽ.
ويؤكد كينج أف ىناؾ أربعة توجيهات موجودة يف التقاليد ادلختلفة ،األوؿ ىو التوجيو القدًن بعدـ القتل:
تش ،أو تفسد، أحدا جبروح ،والثاين :ال تسرؽ أو تستغل أو تر ِ ال للقتل العادي ،ال تعذب ،ال تصب ً
أخَتا:
ىاما بشكل خاص للسياسيُت ،أال نكذب ،أال طلدع ،أال نزيف ،أال نتبلعب ،و ًأمرا ً
والثالث :وىو يعد ً
2
أال تستغل جنسيًا ،ال تغش ،ال تذؿ ،ال هتن ،بصورة أخرى "أف ػلًتـ وػلب كل منا اآلخر".
وبإمكاف الديانات أف تقدـ للبشر قاعدة أخالقية سامية تشكل مبدأ أساسيا ،ؽلكن أف نسايها
القاعدة الذىبية " " Golden Regelوىي ليست قاعدة افًتاضية أو شرطية ،بل قاعدة مطلقة وغَت
3
مشروطة ،قابلة للتطبيق يف احلاالت ادلعقدة جدا ،حبيث بنبغي على األفراد واجلااعات أف يتعاطوىا.
1
Causse Jean-Daniel, Muller Denis : Introduction à l'éthique- Penser, croire, agir
(Genève : Labor et Fides, 2009) , p 60-61
2ىانس كينغ :مشروع أخبلقي عادلي ،دور الديانات يف السبلـ العادلي ،ص 501
ىانس كينغ :مشروع أخالقي عالمي ،دور الديانات في السالم العالمي ،ص.111 3
00
وي ؤكد كينج على أف القواعد األخبلقية والقيم واألحكاـ وادلفاىيم الكربى الواقعية يف الديانات الكربى
ىي ناتج سَتورة ديناميكية اجتااعية جد معقدة ،حسب ما تبينو األحباث التارؼلية ،وقد فرضت نفسها من
خبلؿ ضرورات احلياة واحلاجات اإلنسانية ،وىذا يعٍت أنو ينبغي للبشر أف ؼلوضوا القواعد واحللوؿ األخبلقية
للتجربة من خبلؿ ادلخططات والنااذج " ،وينبغي أف نبحث عن حلوؿ متاايزة للاسائل والصراعات يف
الواقع اليومي وأف نضعها يف حيز التنفيذ .فسواء أكاف البشر يهودا أـ مسيحيُت أـ مسلاُت ،أـ أتباعا لديانة
1
ىندية أـ صينية أـ يابانبة ،فهم مسؤولوف عن تطبيق قياهم األخبلقية يف الواقع".
ويعتقد كينج أف عداء شديدا يسود اجملتاع الدويل ،وغلب علينا بناء جسور احملبة ونبذ الكراىية
واالنتقاـ ،وىذا عن طريق ترسيخ احلوار ،ورغم االختبلفات ادلوجودة بُت األدياف الثبلثة الكربى ، ،فإف ىناؾ
2
ثوابت أخبلقية تسهل منهج احلوار .
ويؤكد على أنو لن تكوف ىناؾ استارارية لئلنسانية بدوف حتالف بُت ادلؤمنُت وغَت ادلؤمنُت ( ،ادلؤمنوف
بإلو واحد ،وادللحدوف والبلأدريوف) ،من أجل ضرورة أخبلؽ عادلية مشًتكة .فخطر فقداف ادلعٌت والقيم
والقواعد األخبلقية يهدد ادلؤمنُت وغَت ادلؤمنُت على السواء ،كاا أف الدؽلوقراطية ال ؽلكنها أف تربر وجودىا من
دوف توافق أخبلقي مسبق ،خصوصا يف بعض القيم األخبلقية وادلواقف اجلوىرية ،فبل وجود حلياة مشًتكة
جديرة باإلنساف من دوف توافق أخبلقي جوىري .ويلح ىانس كينج على ضرورة السبلـ الداخلي حلل
الص راعات االجتااعية من دوف اللجوء إىل العنف ،وال نظاـ اقتصادي وتشريعي من دوف إرادة مشًتكة حتًتـ
3
األنظاة والقوانُت ،وال وجود للاؤسسات من دوف اتفاؽ مواطنيها.
ومن خبلؿ ما تقدـ صلد أف ىانس كينج يؤكد على ضرورة السبلـ بُت احلضارات الذي لن يكوف
بدوف سبلـ بُت األدي اف ،كاا أف السبلـ بُت األدياف لن يكوف بدوف حوار بُت األدياف ،وال ؽلكن أف يكوف
ىناؾ نظاـ عادلي جديد بدوف أخبلؽ عادلية مشًتكة ،تتسع برحابتها لكل الثقافات واألدياف ،وتوحد البشر
رتيعا حتت مظلة اإلنسانية ،فبل ؽلكن للاجتاع اإلنساين أف يستار بدوف األخبلؽ العادلية.
2
Denis Müller : La théologie et l'éthique dans l'espace public, (LIT Verlag Münster,
2012), p72
3ىانس كينغ :مشروع أخالقي عالمي ،دور الديانات في السالم العالمي ،ص 80
02
لقد تعرض مشروع ىانس كينج للكثَت من النقد ،استنادا إىل كوف احلوار عاجز على حل الصراعات
الداخلية داخل الدين الواحد ،فالصراع الكاثوليكي الربوتستانيت ما فتئ يتأجج يف وقتنا ادلعاصر ىذا يف اجلانب
ادلسيحي ،أما اجلانب اإلسبلمي فاخلبلفات العقدية وحىت السياسية بُت السنة والشيعة ال شك فيها ،فبل ؽلكن
أف يكوف ىناؾ حوار خارجي ما مل يتحقق داخليا يف كل منظومة دينية .واحلقيقة أف ىذا الكبلـ يبلمس
احلقيقة ،لكن مشروع ىانس كينج حاوؿ أف غلاع األدياف حتت مظلة أخبلؽ عادلية ،وعادلنا ادلعاصر يف أمس
احلاجة لقيم جامعة ،جتعل اإلنسانية جواز مرور يف العامل بأسره .تضان كرامة اإلنساف ،وتصوف حقو يف
احلياة.
خاتمة :
وؽلكن القوؿ أف األطروحات ادلعاصرة يف البلىوت ادلسيحي أحدثت نوعا من االنفتاح على اآلخر،
وأسهات يف ترسيخ منهج احلوار وتفعيلو .فلم يعد اخلبلص مقتصرا على االعًتاؼ بادلسيح سللصا ،حسب
جوف ىيك ،فكل ديانة تضان اخلبلص دلعتنقيها ،إ ّف تقبل اآلخر واالعًتاؼ بالتعددية الدينية ،قد أحدث ثورة
على ادلبادئ التقليدية الكبلسيكية للكنيسة ،وأخرجها من أسوار اخلصوصية الكونية عن طريق اخلبلص
ادلسيحاين ،إىل االنفتاح وتقبل األدياف األخرى.
وقد كاف ذلانس كينغ دورا فاعبل يف يف وضع أسس مشروعو ادلوسوـ ب"األخالق العالمية" وقد حاوؿ من
خبللو شرح األسس اليت ؽلكن أف جتتاع عليها األدياف ،وقد صاغ يف ىذا ادلشروع حدا األدىن من القوانُت
السلوكية اليت ؽلكن أف تتقبلها رتيع األدياف.
وؽلكن القوؿ أف البلىوت ادلسيحي ادلعاصر ،تبٌت أطرحات سلتلفة عن النظرة الكبلسيكية ادلغلقة على
الذات ادلسيحية ،احملتكرة للحقيقة ،واليت جسدت أعنف صور االحتكار يف القروف الوسطى ،مبا فرضتو على
من قيود على العقل باستعااؿ وسائل ال إنسانية .وقد أصبح البلىوت ادلسيحي ادلعاصر يف بعض أطروحاتو
ينشد أنسنة اإلنساف ،كاا أصبح يدرؾ أف ىذا ادلسعى يف عصرنا ىذا ىو مؤتَلف حضارة الشرؽ والغرب،
والبوتقة الوحيدة اليت ينصهر فيها مسعى البشر يف حل أزماهتم ادلعيشية ورلاهباهتم االجتااعية ،وصراعاهتم
الفكرية ،ولوأف لكل حضارة منها من اخلصوصية يف نشداف سعادة البشر.
03
ويبقى أف ضلاوؿ كاسلاُت أف نتعرؼ على األطروحات اجلديدة يف البلىوت ادلسيحي ادلعاصر،
وضلاوؿ أف ندرسها مبا يتواءـ مع قيانا وأصولنا الدينية ،فنركز على ادلفاىيم اجلامعة ،لننطلق منها كانفذ لفتح
باب احلوار اإلنساين الفاعل ،والذي ال يفقدنا خصوصيتنا ،وال غلعلنا طرفا افًتاضيا يف حوار األقوى.
04