Professional Documents
Culture Documents
زيت الأركان
زيت الأركان
مراد بابعا
العاشر من مايو/أيار من كل سنة ،سيصبح ابتداء من 2021يوما عالميا لشجرة األركان (األرغ##ان) ،بع##د أن اعتم##دت الجمعي##ة
العامة لألمم المتحدة بنيويورك القرار باإلجماع ،بمبادرة من المغرب البلد الذي تستوطن فيه ه##ذه الش##جرة الن##ادرة ،وه##و ت##اريخ
.مستوحى من دورة نضج ثمار هذه الشجرة
ولعبت المملكة المغربية دورا كبيرا في حماي#ة ه#ذه الش#جرة من االنق#راض ،خصوص#ا بع#د الع#ام 1998حين ص#نفت "محمي#ة
.حيوية" وضمن "اإلرث اإلنساني العالمي" من قبل اليونسكو
وترتقي قيم##ة ش##جرة األرك##ان وزيت حباته##ا الثمين إلى ت##راث اقتص##ادي وثق##افي في المغ##رب ،وتش##كل مص##در عيش كث##ير من
العائالت ،خصوصا في منطقة سوس بين مدينتي الصويرة وأغادير وسط غرب المملك##ة المغربي#ة ،حيث تس#تحوذ ه#ذه الش#جرة
.على الغطاء الحرجي ،بما يتجاوز 830ألف هكتار
ويوصف زيت األركان بالذهب السائل ،خصوصا بعدما ذاع صيته بين مختبرات التجميل العالمية لفوائ##ده العدي##دة #على البش##رة،
.وًأصبح الطلب عليه كبيرا ،حتى أصبح ثمن اللتر الواحد منه يتراوح بين 100و 300دوالر
ويكشف فيلم "زيت األركان ..رمز ومصدر عيش" الذي بثته الجزيرة الوثائقية ،جانبا من نشاط النساء القرويات ال##تي يعملن في
.استخالص الزيت من ثمار شجرة األركان ،وكيف غير هذا النشاط حياتهن ،وساهم في تطوير مستواهن المعيشي
في هذا التقرير سنسلط الضوء على مميزات هذه الشجرة النادرة ،وكيف يجري استخراج الزيت الذي أص##بح م##ع م#رور ال#وقت
من بين األكثر طلبا في الع##الم؟ وم##ا هي فوائ##د اس##تعماله خصوص##ا في مج##ال التجمي##ل والعناي##ة بالبش##رة؟ ولم##اذا تته##افت علي##ه
شركات مستحضرات التجميل العالمية؟ وأبرز التحديات البيئية #والمناخية التي تواجه شجرة األركان وسبل الحفاظ عليها؟
ويعتبر زيت األركان أو "الذهب المغربي السائل" من أفضل أنواع الزيوت في العالم ،وله عدة اس##تخدامات تتج##اوز االس##تهالك
العادي في الطعام ،إلى تجميل الوجه والبشرة والعناية بالشعر ،بفض##ل ت##وفره على مض##ادات األكس##دة وفيتامين##ات كث##يرة أهمه##ا
.باإلضافة إلى األحماض الدهنية األساسية مثل األوميغا 6واألوميغا E، 9فيتامين
وقبل دخوله إلى المختبر والتأكد من هذه الخاصيات ،اكتشفت النساء في المنطقة منذ القدم فوائد زيت األرك##ان بالص##دفة ،عن##دما
كن يدهن أيديهن وأوجههن ببقايا الزيت المستخرج ،واكتشفن م##ع م##رور ال##وقت دوره الفع##ال في ت##رطيب البش##رة وحمايته##ا من
.التجاعيد #،باإلضافة إلى تقوية فروة الرأس وخصالت الشعر
وظل هذا االستعمال محليا فقط لسنوات ،وكان يصل إلى المناطق األخرى تدريجيا عن طريق تجار منطقة سوس المنتش#رين في
جل الم##دن المغربي##ة ،على رأس##ها العاص##مة االقتص#ادية ال##دار البيض##اء .ولم يكن ه##ؤالء التج#ار وح##تى نس##اء المنطق##ة الل##واتي
يستخرجن الزيت بالطرق التقليدية #يعرفون أن مستقبال زاهرا ينتظر هذه الشجرة وزيتها ،وأن استعماله لن يقتص##ر على الج##انب
.الغذائي كما كان سائدا في السابق ،بل سيتحول إلى زيت عالجي وتجميلي من الطراز العالي
تبدأ العملية أوال بقطف الثمار ،ثم تجفيفها تحت أشعة الشمس ،وتقش##يرها ي##دويا بواس#طة حج#رين أملس##ين ،وبع##د ذل##ك تس##تخرج
.النواة وتحمص فوق النار ،ثم تطحن على الرحى التقليدية للحصول على عجين متجانس يجري دلكه لساعات إلخراج الزيت
ويتطلب الحصول على لتر واحد من زيت األركان المخصص لألك##ل ح##والي 40كيلوغرام##ا من محص##ول ثم##ار األرك##ان ،أم##ا
الحصول على الزيت المخصص للتجميل فهو يتطلب أكثر من تلك الكمية من الثمار ،ألن الن##واة في ه##ذه الحال##ة ال تحمص ف#وق
النار بل تطحن مباشرة ،مما ينعكس على كمية الزيت المستخرجة في نهاية العملية ،أما بقايا هذه الثمار فتستعمل كعلف للماشية،
.أو في إشعال النار عوضا عن الفحم والحطب
وبدأت التعاونيات في الفترة األخيرة تتجه نحو إنتاج زيت األركان المخص#ص للتجمي##ل ال##ذي ك##ثر علي##ه الطلب لفوائ##ده الكث##يرة
على البشرة ،رغم أن استخراجه يتطلب مجهودا أكبر ،وأدى ذلك إلى ارتفاع سعره بسرعة كبيرة ،حتى قف##ز ف##وق ح##اجز المائ##ة
.دوالر للتر الواحد ،في حين أن الزيت الموجه لألكل يتراوح سعره بين 30و 50دوالرا للتر
ألهميته وسمعته عالميا ،أصبح إنتاج زيت األركان مصنعيا أكثر إنتاجا منه بالطرق التقليدية
فمن المتوقع أن ينتقل حجم " (Grand View Research)،وبحسب توقعات مركز األبحاث األمريكي "غراند فيو ريسيرتش
س#وق زيت األرك#ان الع#المي ،من 223.9ملي#ون دوالر أم#ريكي في 2019إلى 507.2ملي#ون دوالر بحل#ول ع#ام ،2027أي
.بمعدل نمو سنوي يقدر بـ ،%10خالل الفترة 2027-2020
وتتنافس حاليا الشركات العالمية الكبرى في مجال التجمي#ل والعناي#ة بالبش#رة ،من أج#ل الحص#ول على ه#ذا ال#زيت الثمين ال#ذي
دخل في تحضير عدد كبير من الم#راهم والمستحض#رات ،بفض#ل خاص##ياته التجميلي##ة والعالجي#ة المم##يزة ،وتتوق##ع التق#ارير أن
تتزايد شعبية المنتج خالل السنوات المقبلة ،مع ظهور فاعلين ج##دد في ه##ذا الس##وق ،خصوص##ا في بريطاني##ا والوالي##ات المتح##دة
.األمريكية
وسرعان ما وص##ل إش##عاع المنتوج##ات ال##تي تبيعه##ا التعاوني##ات والجمعي##ات إلى ش#ركات عالمي##ة في فرنس#ا وفي دول أوروبي##ة
.أخرى ،وقد ربطت االتصال بهذه التعاونيات من أجل تزويدها بهذا الزيت الذي تأكدت منافعه التجميلية والعالجية
تعاونية مرجانة مكان تقليدي الستخراج زيت األركان تعمل فيه النساء فقط
هكذا بدأت الجمعيات والتعاونيات في توقيع عقود تجارية مع هذه الشركات األجنبية التي منعته##ا الحكوم##ة المغربي##ة في المقاب##ل
.من استيراد المادة الخام ،من خالل قانون صدر في سنة ،2008يمنع تصدير ثمار األركان دون معالجة إلى الخارج
ولم تستطع التعاونيات في البداية بوسائلها البسيطة والمتواضعة ،االستجابة للشروط التي تفرضها الشركات األوروبي##ة ،قب##ل أن
تطور من قدراتها تدريجيا ،كما ظهرت شركات عص##رية تس##تعمل تقني##ات حديث##ة في اس##تخراج ال##زيت ،بكمي##ات أك##بر وبج##ودة
.تراعي المعايير األوروبية ،واستطاع عدد منها الحصول على شهادات مطابقة مسلمة من طرف الوكاالت الدولية المتخصصة
ودخلت شركات عالمية لمستحضرات التجميل على خط الطلب العالمي ،ونج##د من بينه##ا "لولاير" و"ش##انيل" الفرنس##يتين ،على
اعتب##ار أن فرنس##ا هي أول مس##تورد له##ذا ال##زيت بح##والي ،%64بينم##ا يس##تحوذ االتح##اد األوروبي على %86من مجم##وع
الصادرات المغربية ،وغالبا ما تبيع هذه الشركات الكبرى مستحضراتها بأثمنة باهظة ،مس##تفيدة من الس##معة الجي##دة ال##تي يحظى
.بها الزيت األصلي
ارتفاع الطلب على زيت األركان لمواد التجميل اضطر بعض التعاونيات إلى تسريع العمل وزيادة اإلنتاج
ونجد أن التعاونيات والشركات المغربية ال تستفيد كثيرا من تصدير الزيت الخام ،وهو ما دفعها في السنوات األخيرة لالس##تثمار
في عشرات المنتجات المتعددة المستخرجة من األركان ،وتجري تعبئتها وتهيئها بطرق عصرية ،كما أنها حاصلة على عالمات
.المنشأ والجودة التي تمنحها الدولة المغربية ،مما مكنها من ولوج األسواق والمعارض العالمية
وال يقتصر الطلب على زيت التجميل فقط ،فحتى الزيت المخصص لالستهالك الغذائي قد شهد نم##وا مط##ردا في الس##وق المحلي
والعالمي ،وأصبح يدخل في أنظمة الحمية ومحاربة السمنة ،كما يساعد على تقوي##ة عض##لة القلب والوقاي##ة من األورام ،وأص##بح
.الزيت األكثر طلبا في العالجات التقليدية ،خصوصا في دول آسيا والصين المعروفة بممارستها للطب البديل
وهكذا بقي المغرب محتكرا إلنتاج هذه الشجرة التي كثر عليها الطلب عالمي#ا ،وازداد الض#غط على المس#احات المزروع#ة منه#ا
التي تتضاءل سنويا ،بسبب الظروف المناخية الصعبة والرعي الجائر وجمع حطب التدفئ##ة #،رغم ع##دة مب##ادرات لتوس##يع نط##اق
.زرعها وحمايتها من االستغالل المفرط
الحيوانات تمثل خطرا طبيعيا على شجر األركان
فمع وجود 2.5مليون نسمة ،و 1.5ملي##ون رأس من الماش##ية في من##اطق األرك##ان ،ت##زداد مهم##ة حماي##ة ه##ذه الش##جرة ص##عوبة،
خصوصا مع توالي سنوات الجفاف التي زادت من نسبة جدب األراضي ،وازدياد عمق الفرشة المائي##ة بـ 3إلى 5أمت##ار س##نويا
منذ ،2010فضال عن شيخوخة األشجار وتراجع كثافتها ،وتقدر مساحة األركان ال##تي تختفي س##نويا بـ 600هكت##ار بس##بب ه##ذه
.العوامل مجتمعة
ومن أجل تركيز جهود إنقاذ هذا اإلرث الوطني ،أحدث المغرب منذ حوالي 10سنوات الوكالة الوطنية لتنمي##ة من##اطق الواح##ات
وشجر األركان ،وقد ق#امت بإنش#اء برن#امج وط##ني من أج#ل زرع 200أل#ف هكت##ار من أش#جار األرك#ان ،و 5آالف هكت##ار من
.األركان المسقي في أفق سنة ،2020وذلك بهدف الوصول إلى قدرة إنتاجية من الزيت تقدر بـ 10آالف طن سنويا
ويبقى رفع الوعي الجماعي بأهمية الحفاظ على هذا الموروث الط##بيعي ،الس##بيل الوحي##د لحمايت##ه من االس##تغالل المف##رط وغ##ير
المقنن ،فالمستقبل واعد والطلب العالمي سيرتفع ،وهذا يتطلب خلق صناعة محلية تنافسية لزيت األرك##ان ،وقط##ع الطري##ق أم##ام
.الوسطاء والشركات األجنبية التي تبقى اليوم المستفيد األكبر من هذا الذهب المغربي السائل