Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 398

‫ﺳﻠﺴﻠﺔ اﻟﻤﺆﻟﻔﺎت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ )‪(١٦‬‬

‫إﺻﺪاراﺗﻨﺎ اﻟﺮﻗﻤﻴﺔ )‪(١١٤‬‬

‫روﺿﺎت ﮳‬
‫اﻟﺤﻨﺎن‬
‫…‪;;Èz‬‬
‫‪‡]â÷’\;fÁÉ‚h‬‬

‫لألستاذ الدكتور‬
‫صالح محمد أبو الحاج‬
‫عميد كلية الفقه الحنفي‬
‫بجامعة العلوم اإلسالمية العاملية‬
‫عامن ‪ -‬األردن‬

‫ﻣﺮﻛﺰ أﻧﻮار اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻟﻠﺪراﺳﺎت‬


‫روضات اجلنان‪.......‬‬
‫‪.....‬يف هتذيب اللسان‬
‫روضات اجلنان‬
‫يف هتذيب اللسان‬

‫لألستاذ الدكتور صالح حممد أبو احلاج‬


‫عميد كلية الفقه احلنفي‬
‫بجامعة العلوم اإلسالمية العاملية‬
‫األردن‪ ،‬عامن‬

‫مركز أنوار العلامء للدراسات‬



‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪7‬‬

‫ﱁﱂﱃﱄ‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل سيد املرسلني‪ ،‬وعىل آله‬
‫وصحبه أمجعني‪ ،‬ومن سار عىل درهبم واهتدى هبدهيم إىل يوم الدين‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫يرس اهلل تعاىل فتح ختصص«اإلصالح والوفاق األرسي» يف كلية‬
‫فبعد أن َّ‬
‫ختصص فريدٌ ‪ ،‬ال مثيل له يف كلية ُأخرى؛ ألنه‬
‫ٌ‬ ‫الفقه احلنفية املباركة‪ ،‬وهو‬
‫َيسعى إىل إخراج علم التزكية والتصوف بحلة عرصية ودراسة أكاديمية‪،‬‬
‫السبيل األكرب ِّ‬
‫حلل اإلشكاليات الزوجية‪ ،‬وختريج‬ ‫بحيث يكون هو َّ‬
‫ُمصلحني رشعيني ضابطني لعلم الرتبية والعلوم الشعية‪ ،‬قادريني عىل‬
‫تقديم استشارات ُأرسية لألزواج واآلباء واألوالد واألفراد‪.‬‬
‫فعام ُة املشاكل راجعة إىل عيوب النفس‪ ،‬فمتى استطعنا أن ُنعالج مشاكل‬
‫حل أي مشكلة زوجية أو اجتامعية أو‬ ‫أنفسنا‪ ،‬فإننا نصبح قادرون عىل ِّ‬
‫اقتصادية أو سياسة أو تعليمية أو شخصية‪ ،‬فكل املشاكل عائدة للنفوس يف‬
‫أساسها‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪8‬‬
‫ولذلك ُعنينا بدراسة ما يتعلق بالنَّفس البشية بعدة مساقات جامعية‪،‬‬
‫حتى َيتمكن الدارس من اإلحاطة هبا‪ ،‬وإدراك عيوهبا‪ ،‬و َيقدر عىل التعامل‬
‫معها‪.‬‬
‫ويف هذا املساق نتكلم عن اللسان وما يتع َّلق به من أحكام‪ ،‬حيث‬
‫اعتمدت يف عرضه عىل كبار علامء التزكية والرتبية‪ :‬كحجة اإلسالم ال َغزا ِّل‬
‫ت إىل‬‫يف كتاب «إحياء علوم الدين» و«بداية اهلداية» ورسائله‪ ،‬ف َع َمد ُ‬
‫واخترصت ما َو َر َد فيه فيام يتعلق بموضوعنا‪ ،‬ثم رصفت مهتي إىل‬
‫ُ‬ ‫«اإلحياء»‬
‫كتاب «الطريقة املحمدية» للربكيل‪ ،‬و«الربيقة املحمودية» للخادمي فانتخبت‬
‫منهام ما َيلزمنا‪ ،‬و َأضفت إليهام إضافات كبرية من «قوت القلوب» أليب‬
‫طالب املكي و«روضة العقالء» للتميمي و«حسن السمت» للسيوطي‬
‫و«التزكية عىل منهاج النبوة» للدكتور معاذ حوى و«الرسول املعلم» أليب‬
‫غدة وغريها من املصنفات الرتبوية النَّافعة‪.‬‬
‫مت الكتاب عىل متهيد و َفصلني‪:‬‬
‫وقس ُ‬
‫نت فيه أنه أنجع الطرق ملعاجلة َمشاكل‬
‫الصمت‪ ،‬ب َّي ُ‬
‫ال َّتمهيد‪ :‬يف فضل َّ‬
‫وبالصمت يتدارك‬
‫َّ‬ ‫ال ِّلسان؛ لكثرة ما له من آفات‪ ،‬ويصعب ال َّتخلص منها‪،‬‬
‫عام َة عيوب اللسان‪.‬‬
‫والفصل األول‪ :‬يف آفات اللسان‪ ،‬وفيه ثالثة مباحث‪:‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪9‬‬
‫املبحث األول‪ :‬يف آفات اللسان املحظورة أصالة‪ ،‬وهي ما تكون يف‬
‫واإلعراض عنها‪ ،‬واحتوى عىل ستني آفة‬
‫ُ‬ ‫نفسها ممنوعة‪ ،‬فينبغي تر ُكها‬
‫للسان‪ ،‬مقسم ًة عىل ثالث َة عش َة َمطلب ًا‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬يف ألفاظ الكفر‪.‬‬
‫واملطلب الثاين‪ :‬يف الكذب‪.‬‬
‫واملطلب الثالث‪ :‬يف االستهزاء‪.‬‬
‫واملطلب الرابع‪ :‬يف بذاءة اللسان‪.‬‬
‫واملطلب اخلامس‪ :‬يف الغناء وأمثاله‪.‬‬
‫واملطلب السادس‪ :‬يف املراء وأمثاله‪.‬‬
‫واملطلب السابع‪:‬يف السؤال الفاسد‪.‬‬
‫واملطلب الثامن‪ :‬يف اخلطأ يف الكالم‪.‬‬
‫واملطلب التاسع‪ :‬يف خمالفة األدب‪.‬‬
‫واملطلب العارش‪ :‬يف الكالم وقت الذكر‪.‬‬
‫واملطلب احلادي عش‪ :‬يف احللف املحظور‪.‬‬
‫واملطلب الثاين عش‪ :‬يف الغيبة والنَّميمة‪.‬‬
‫واملطلب الثالث عش‪ :‬متفرقات مل تذكر فيام سبقه‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪10‬‬
‫واملبحث الثاين‪ :‬يف آفات اللسان املحظورة تبع ًا‪ ،‬وهي ما تكون يف نفسها‬
‫مباح ًة‪ ،‬ولكن طرأ عليها املحظور لسبب ما كاملزاح يف نفسه ٌ‬
‫مباح‪ ،‬لكن‬
‫املبالغة به أو إحلاق األذى فيه بغريه جيعله حمظور ًا‪ ،‬وهو يشمل ثامن آفات‪.‬‬
‫واملبحث الثالث‪ :‬آفات اللسان املحظورة سكوت ًا‪ ،‬وهي ما يكون‬
‫املحظور السكوت ال النطق‪ ،‬مثل‪ :‬السكوت عن األمر باملعروف والنهي عن‬
‫ُ‬
‫املنكر‪ ،‬وفيه مخس عشة آفة‪.‬‬
‫املجموع ثالث ًا وثامنون آفة‪ ،‬وليس هذا حرص ًا هلا‪ ،‬فهي يف نفسها‬
‫ُ‬ ‫فكان‬
‫غري حمصورة‪ ،‬ولكنها تنبي ٌه عىل فكرهتا وكيفيتها وحكمها وطريق عالجها‪.‬‬
‫توسع يف ذكرها هو الربكوي يف «الطريقة املحمدية»‪ ،‬فأوصلها‬
‫وأكثر َمن َّ‬
‫فاقتفيت أثره يف ذلك‪ ،‬لكن أمكن دمج بعضها يف بعض‬ ‫ُ‬ ‫إىل تسع وثامنني‪،‬‬
‫وإضافة ُأخرى إليها‪ ،‬فوصل العدد إىل َس َبق‪ ،‬يف حني نجد َّ‬
‫أن ال َغزا َّل ذكر‬
‫منها يف «اإلحياء» و«رسائله» عشين آفة فقط‪ ،‬لكنها ُت َعد اآلفات األَهم‬
‫واألبرز التي ينبغي االعتناء هبا‪.‬‬
‫والفصل الثاين‪ :‬يف وظائف اللسان‪ ،‬ويشتمل عىل مبحثني‪:‬‬
‫وأجدرها بعد العزلة‬
‫ُ‬ ‫أبرز الطرق‬
‫املبحث األول‪ :‬فيام يتعلق بالذكر‪ ،‬فهو ُ‬
‫والصمت يف معاجلة آفات اللسان وال َّتحكم به‪ ،‬ويشتمل عىل ثالثة مطالب‪:‬‬
‫َّ‬
‫املطلب األول‪ :‬قراءة القرآن‪.‬‬
‫واملطلب الثاين‪ :‬األذكار‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪11‬‬
‫واملطلب الثالث‪ :‬الدعاء‪.‬‬
‫وعرضت فيه صور ًا خمتلفة ملحاسن‬
‫ُ‬ ‫واملبحث الثاين‪ :‬فيام يتعلق بالكالم‪،‬‬
‫الكالم‪ ،‬فكان مشتم ً‬
‫ال عىل مخسة مطالب‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪.‬‬
‫واملطلب الثاين‪ :‬يف الصدق‪.‬‬
‫واملطلب الثالث‪ :‬يف احلياء‪.‬‬
‫واملطلب الرابع‪ :‬يف الكالم املستحسن‪ ،‬ومنه‪ :‬التحبب لآلخرين‪ ،‬وإفشاء‬
‫السالم‪ ،‬والكالم الطيب‪ ،‬والدعاء للمسلمني‪ ،‬والسرت عىل املسلم‪،‬‬
‫ومواسات املسلم‪ ،‬وتشميت العاطس‪ ،‬والنصيحة للمسلمني‪ ،‬والكالم‬
‫املباح‪.‬‬
‫ذكرت فيه َأساليب النبي ‪ ‬يف‬
‫ُ‬ ‫واملطلب اخلامس‪ :‬يف التعلم والتعليم‪،‬‬
‫التعليم‪ ،‬ووصل عددها إىل أربعني ُأسلوب ًا‪ ،‬و ُ‬
‫بينت فيه أفضل وسائل التعلم‪،‬‬
‫ووصلت إىل سبع وثالثني وسيلة‪.‬‬
‫ويف اخلتام أرجو من اهلل تعاىل أن أكون قدمت لبن ًة طيب ًة يف هذا املوضوع‪،‬‬
‫ُيمكن أن يبنى عليها ويستفاد منها‪ ،‬وهي أول دراسة مفردة يف ال ِّلسان يف‬
‫استوعبت الفكرة فيها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫حدود علمي شامل ٌة لقبائح ال ِّلسان وحماسنُه‪ ،‬بحيث‬
‫وإن كانت حتتاج إىل زيادة حتقيق وحترير ملباحثه وإضافة لفوائده‪ ،‬فال ينحرص‬
‫وقفت عىل‬
‫ُ‬ ‫العلم بكتاب وال عامل‪ ،‬وهذه سن ُة اهلل تعاىل يف كونه‪ ،‬إال أنني‬
‫دراسة خاصة بآفات ال ِّلسان للمشوخي‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪12‬‬
‫وبسبب شمول الكتاب ملا يتع َّلق باللسان‪ ،‬فقد َح َوى الدَّ اء والدَّ واء‪،‬‬
‫وذكر حلوالً ألمراض اللسان عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫أنفع الطرق‪ ،‬وأوالها‬
‫‪ .1‬العزلة فيام ال حاجة فيه لالختالط‪ ،‬وهي ُ‬
‫باالهتامم‪ ،‬وينصح للدارسني فيه البدء بتطبيقها يف أثناء دراسة املساق؛ ليكون‬
‫عادة عندهم فيام بعد‪.‬‬
‫‪.‬الصمت فيام ال حاجة فيه للكالم‪ ،‬وهو أوىل الطرق بعد بعد العزلة؛‬
‫ُ‬ ‫‪2‬‬
‫لكثرة حماذير اللسان‪ ،‬وصعوبة النَّجاة من الوقوع فيها‪.‬‬
‫‪.3‬تعلم اآلفات ومعرفتها‪ ،‬فال ُيمكن العمل بدون علم‪ ،‬ومعرفتها‬
‫أساس كبرية للحذر منها وجتنبها واالبتعاد عنها‪.‬‬
‫‪.4‬الوقوف عىل دالئل قبحها سواء يف القرآن أو السنة أو أقوال السلف‬
‫واخللف من الصاحلني‪ ،‬فإن هلا األثر األكرب يف التنفري منها‪ ،‬وإجياد قدوة‬
‫صادقة تبني حاهلا وحتذر منها‪.‬‬
‫‪.5‬معرفة أسباهبا وبواعثها وطرق عالجها من كالم أئمة ال َف ِّن كال َغزا ِّل‪،‬‬
‫فيكون نافع ًا ملن أراد التخلص منها‪.‬‬
‫لكل آفة‪ ،‬وهذا مما انفردت به هذه الدراسة عن‬ ‫‪.6‬بيان احلكم الفقهي ِّ‬
‫غريها‪ ،‬بحيث يعرف هل الكراهة فيه تنزهيي ًة أو حتريمي ًة بإثم أو إساءة‬
‫كل آفة منزلتها من القبح‪ ،‬فال ُيعامل املكروه‬ ‫فحسب أو حرام ًا‪ ،‬فتنزل َّ‬
‫التنزهيي‪ ،‬وهو خالف األوىل معاملة احلرام‪ ،‬وال ُيعامل املكروه التَّحريمي‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪13‬‬
‫بإساءة كاملكروه التحريمي بإثم‪ ،‬فيتجاوز يف األقل من التنزيه واإلساءة ما ال‬
‫يتجاوز يف اإلثم واحلرام‪.‬‬

‫وتعنيت االهتامم به كثري ًا؛ ملا‬


‫ُ‬ ‫خمتلط جد ًا يف كتب التَّصوف‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫املبحث‬ ‫وهذا‬
‫فيه من الفائدة الكبرية جد ًا يف تقدير حال ِّ‬
‫كل آفة‪ ،‬وبيان خطرها وأثرها؛ َّ‬
‫ألن‬
‫مبني عىل ذلك‪.‬‬
‫احلكم ٌّ‬
‫َ‬
‫‪.7‬تفصيل الكالم يف قراءة القرآن والذكر‪ ،‬وهي أقوى الوسائل اللسانية‬
‫يف معاجلة اآلفات‪ ،‬فكل ًام أكثر من فعلها وأدائها كان أقدر التحكم بفسه‬
‫والسيطرة عىل لسانه؛ العتامده عىل ربه سبحانه‪ ،‬فينبغي للطالب عند دراسة‬
‫املساق أن يك َثر من قراءة القرآن يف ِّ‬
‫كل يوم‪.‬‬
‫الذكر بعدة آالف ِّ‬
‫لكل يوم‪ ،‬حتى تصبح معتادة يف حياته‪ ،‬فال‬ ‫و ُيكثر من ِّ‬
‫يغفل لسانه فيام بعد عن ذكر اهلل تعاىل يف مجيع َأحواله كام كان حال النبي ‪،‬‬
‫فعن عائشة ريض اهلل عنها‪« :‬كان النبي ‪ ‬يذكر اهلل عىل كل أحيانه»(‪.)1‬‬

‫وحيافظ عىل األدعية الواردة يف القرآن والسنة والسلف يف أوقاهتا‬


‫يتعود عىل االلتجاء هلل تعاىل يف ِّ‬
‫كل صغرية وكبرية‪،‬‬ ‫وأحواهلا املذكورة‪ ،‬حتى َّ‬
‫وال يعتمدَ عىل نفسه‪ ،‬ويتكل عليها‪ ،‬فهي مصيب ُة املصائب‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح مسلم‪.282 :1‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪14‬‬
‫الصادق واملباح واملستحسن‬ ‫‪ .8‬معرفة وظائف اللسان من الكالم َّ‬
‫واألمر باملعروف والنهي عن املنكر والتعلم والتعليم‪ ،‬بام ُيغني عن غريه من‬
‫نفسه حت َّققت له الكفاية به‪ ،‬واستغنى عام ال‬
‫فمن َع َّود َ‬
‫الكالم املستقبح‪َ ،‬‬
‫حاجة له به بام يلحقه املؤاخذة الدنيوية واألخروية‪.‬‬
‫‪ .9‬العلم بأن صالح اللسان تابع لصالح القلب‪ ،‬فينبغي أخذ التدابري‬
‫املناسبة إلصالح قلبه‪ ،‬وهذا سيكون يف مساق درايس آخر‪.‬‬
‫عميل ال نظري‪ ،‬كام هو احلال يف علم‬
‫ٌّ‬ ‫أمر‬
‫‪.10‬املعرفة بأن هتذيب اللسان ٌ‬
‫الصاحلني‬
‫الرياضة املستمرة والعمل الدوؤب ورفقة َّ‬
‫التجويد‪ ،‬فيحتاج عىل ِّ‬
‫والصرب الكبري عىل جماهدة‬
‫الصادقني ومصاحبة شيخ َيلتزم معه بام له وعليه‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫النفس‪ ،‬فهذا املاد ُة النظري ُة معين ٌة ومساعدةٌ‪ ،‬وبدون تطبيق وعمل وصحبة ال‬
‫تؤيت ثامرها‪ ،‬وال يتحقق الغرض واملقصد يف استقامة اللسان‪.‬‬
‫وموضوع اللسان ال غنى لكل مسلم عنه‪ ،‬وينبغي أن هيتم به غاية‬
‫االهتامم؛ ألن عامة مشاكل النفس ترجع للقلب واللسان‪ ،‬فيكون الكالم‬
‫عن اللسان كالم ًا يف ِّ‬
‫شق هام من حياة اإلنسان‪.‬‬
‫لغو ال عربة‬ ‫وقد ن َّبه اهلل تعاىل عىل أن عام َة ما َيصدر من ال ِّلسان من أقوال ٌ‬
‫ال ال قرص ًا للتذكري باإلعراض عن‬ ‫هبا‪ ،‬وحرصه سبحانه يف أنواع حمددة متثي ً‬
‫أكثر الكالم‪ ،‬فقال تعاىل‪َ { :‬ال َخ َري يف كَثري من نَج َو ُاهم إ َّال َمن َأ َم َر ب َصدَ َقة َأو‬
‫َمع ُروف َأو إص َالح َب َ‬
‫ني النَّاس َو َمن َيف َعل َذل َك ابت َغا َء َمر َضاة اهللَّ َف َسو َ‬
‫ف‬
‫ُنؤتيه َأج ًرا َعظ ًيام}[النساء‪.]114 :‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪15‬‬
‫َ‬
‫العاقل من يكون حافظ ًا‬ ‫وهذا ما أشار إليه نبينا الكريم ‪ ،‬ف َب َّني أن‬
‫للسانه ال تارك ًا له يقول ما يشاء‪ ،‬فال يتك َّلم إال فيام يعنيه بقدره؛ ألن الكال َم‬
‫حماسب عليه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫جز ٌء من العمل‪ ،‬وهو‬

‫فعن أيب ذر ‪ ،‬قال ‪« :‬كان يف صحف إبراهيم‪ :‬وعىل العاقل ما مل‬


‫يكن مغلوب ًا عىل عقله أن تكون له ساعات‪ :‬ساعة ُيناجي فيها ربه‪ ،‬وساعة‬
‫حياسب فيها نفسه‪ ،‬وساعة يتفكر فيها يف صنع اهلل‪ ،‬وساعة خيلو فيها حلاجته‬
‫من املطعم واملشب‪ ،‬وعىل العاقل أن ال يكون ظاعنا إال لثالث‪ :‬تزود ملعاد‪،‬‬
‫أو مرمة ملعاش‪ ،‬أو لذة يف غري حمرم‪ ،‬وعىل العاقل أن يكون بصري ًا بزمانه‪،‬‬
‫ال عىل شأنه‪ ،‬حافظ ًا للسانه‪ ،‬ومن حسب كالمه من عمله‪ ،‬قل كالمه إال‬
‫مقب ً‬
‫فيام يعنيه»(‪.)1‬‬

‫فمن ح َّققها نجا‪ ،‬و َمن أمهلها هلك‬


‫ومدار الكتاب عىل هذه املعاين‪َ ،‬‬
‫ُ‬
‫وخرس‪.‬‬

‫يت هذا املجموع‪:‬‬


‫وقد سم ُ‬

‫روضات اجلنان‬
‫يف هتذيب اللسان‬

‫(‪ )1‬يف صحيح ابن حبان‪.76 :2‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪16‬‬
‫وأسأل اهلل تعاىل أن جيعل هذا العمل خالص ًا لوجه الكريم‪ ،‬وينفع به‬
‫البالد والعباد‪ ،‬ويرزقنا اإلخالص يف القول والعمل‪ ،‬وصىل اهلل عىل سيدنا‬
‫حممد‪ ،‬وعىل آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫وكتبه‬
‫األستاذ الدكتور صالح أبو احلاج‬
‫عميد كلية الفقه احلنفي‬
‫بجامعة العلوم اإلسالمية العاملية‬
‫صويلح‪ ،‬عامن‪ ،‬األردن‬
‫‪ 13‬ـ ‪ 2‬ـ ‪2021‬م‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪17‬‬

‫متهيد‪ :‬يف فضل الصمت‪:‬‬


‫إن من ينظر يف اآلفات الناجتة من اللسان وصعوبة التخلص منها؛‬
‫المتزاج حماسنه بمساوئه‪ ،‬فال تفرتق إال بجهد جهيد من تعلم وجماهدة‪ ،‬فال‬
‫سبيل للنجاة منها حتى ال تردي صاحبها يف املهالك إال بالعزلة أو الصمت‪،‬‬
‫قال حكيم‪« :‬احلكمة عشة أجزاء‪ :‬تسعة منها يف الصمت‪ ،‬والعارش‪ :‬عزلة‬
‫الناس»(‪.)1‬‬
‫والعزلة الكاملة غري ممكنة؛ ملا حتتويه من اآلفات‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫‪.1‬التعليم والتعلم اللذان مها من أعظم العبادات ال يتحصالن إال‬


‫باخللطة‪ ،‬والعزلة قبل تعلم الفروض عصيان‪.‬‬
‫‪.2‬النفع واالنتفاع‪ ،‬فإن اخللطة لالكتساب ألجل التصدق أفضل من‬
‫العزلة؛ ألجل النوافل‪.‬‬
‫‪.3‬التأديب والتأدب بكرس النفس وقهر الشهوات بتحمل أذى الناس‪،‬‬
‫وهو أفضل من العزلة ملن يتهذب ‪.‬‬
‫‪.4‬االستئناس واإليناس ‪ ،‬وذلك قد يكون حرام ًا كمجالس الغيبة‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬حسن السمت ص‪ 73‬ـ ‪.119‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪18‬‬
‫واللهو‪ ،‬ومباح ًا كاألنس باملشايخ‪ ،‬ومستحب ًا كرتويح القلوب‪ ،‬فإن القلوب‬
‫إذا كرهت عميت‪ ،‬ومهام كان يف الوحدة وحشة‪ ،‬ويف املجالس ترويح فهي‬
‫يف بعض األوقات ربام تكون أفضل يف حق بعض الناس‪.‬‬
‫‪.5‬نيل ثواب كحضور اجلنائز وعيادة املرىض‪.‬‬
‫‪.6‬التواضع الذي هو أفضل املقامات‪ ،‬وال يوجد يف الوحدة‪.‬‬
‫‪.7‬التجارب؛ إذ جمرد العقل غري كاف يف مصالح الدين والدنيا(‪.)1‬‬
‫فيمكن االستدراك بالعزلة الناقصة‪ ،‬فال خيتلط بالناس إال حلاجة من‬
‫معيشة أو عبادة أو دعوة‪ ،‬قال الربكوي(‪« :)2‬وال خملص عن مجيعها يف هذا‬
‫الزمان‪ ،‬إال بالعزلة وعدم اختالط الناس إال يف اجلمعة واجلامعات‬
‫ورضورات املعاش واملعاد»‪.‬‬

‫وهذه العزلة تعني عىل تقليل مساوئ اللسان وال تزيلها‪ ،‬فكانت‬
‫احلاجة إىل عالج آخر هلذه األمراض اللسانية‪ ،‬وهو الصمت‪ ،‬فإنه أفضل‬
‫دواء هلذا الداء‪ ،‬قال عمرو بن العاص ‪« :‬الكالم كالدواء إن أقللت منه‬
‫نفع‪ ،‬وإن أكثرت منه قتل»(‪.)3‬‬
‫َّ‬
‫وحث عليه ومدحه‪ ،‬فقال ‪َ « :‬من َص َمت‬ ‫وهذا ما أمر به خري الرب ‪‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية ‪.47 :4‬‬


‫(‪ )2‬يف طريقة حممدية‪.46 :4‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬حسن السمت ص‪ 73‬ـ ‪.119‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪19‬‬
‫عظيم وال ن ََجا َة من خطره إال‬
‫ٌ‬ ‫إن َخ َط َر ال ِّلسان‬
‫نجا»(‪ ،)1‬قال ال َغزال(‪َّ « :)2‬‬
‫بالصمت»‪ ،‬وقال وهب بن منبه‪« :‬اجتمعت األطباء عىل أن رأس الطب‬ ‫َّ‬
‫احلمية‪ ،‬واجتمعت احلكامء أن رأس احلكمة الصمت»(‪.)3‬‬
‫وكان أبرز طرق النجاة بالعزلة والصمت‪ ،‬فعن عقبة بن عامر ‪ ‬قلت‬
‫يا رسول اهلل ما النجاة؟ قال‪« :‬أمسك عليك لسانك‪ ،‬وليسعك بيتك‪ ،‬وابك‬
‫عىل خطيئتك»(‪.)4‬‬
‫وكان املكافأة باجلنة ملن حيفظ لسانه‪ ،‬فعن سهل بن سعد الساعدي ‪‬‬
‫قال ‪َ « :‬من يتكفل ل بام بني حلييه ورجليه أتكفل له باجلنة»(‪.)5‬‬
‫واملعاقبة بالنار ملن هيمل لسانه‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ُ ‬سئل رسول اهلل ‪‬‬
‫عن أكثر ما َيدخل الناس اجلنة‪ ،‬فقال‪ :‬تقوى اهلل وحسن اخللق‪ ،‬وسئل عن‬
‫أكثر ما يدخل النار‪ ،‬فقال‪« :‬األجوفان‪ :‬الفم والفرج»(‪.)6‬‬
‫بل أكثر األعضاء للولوج يف النار إن ترك وظيفته وانشغل بمعايص اهلل‬
‫تعاىل؛ إذ «اللسان ُخلق لتكثر به ذكر اهلل تعاىل‪ ،‬وتالوة كتابه‪ ،‬وترشدن به‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي من حديث عبد اهلل بن عمرو بسند فيه ضعف‪ ،‬وقال‪ :‬غريب‪ ،‬وهو عند‬
‫الطرباين بسند جيد‪ ،‬كام يف املغني‪.108 :3‬‬
‫(‪ )2‬يف إحياء علوم الدين‪.108 :3‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬حسن السمت ص‪ 73‬ـ ‪.119‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الرتمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حسن‪ ،‬كام يف املغني‪.109 :3‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كام يف املغني‪.109 :3‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه الرتمذي وصححه وابن ماجه‪ ،‬كام يف املغني‪.109 :3‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪20‬‬
‫َخل َق اهلل تعاىل إىل طريقه‪ ،‬و ُتظهر به ما يف ضمريك من حاجات دينك‬
‫ودنياك‪.‬‬
‫فإذا استعملته يف غري ما ُخل َق له‪ ،‬فقد كفرت نعمة اهلل تعاىل فيه‪ ،‬وهو‬
‫أغلب أعضائك عليك وعىل سائر اخللق‪ ،‬وال يكب النَّاس يف النَّار عىل‬ ‫ُ‬
‫مناخرهم إال حصائد ألسنتهم»(‪ ،)1‬فعن معاذ بن جبل ‪ ‬قال ‪« :‬أال أخربك‬
‫بمالك ذلك كله؟ قلت‪ :‬بىل يا نبي اهلل‪ ،‬فأخذ بلسانه‪ ،‬قال‪ :‬كف عليك هذا‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬يا نبي اهلل‪ ،‬وإنا ملؤاخذون بام نتكلم به؟ فقال‪ :‬ثكلتك أمك يا معاذ‪،‬‬
‫وهل يكب النَّاس يف النَّار عىل وجوههم أو عىل مناخرهم إال حصائد‬
‫ألسنتهم»(‪.)2‬‬
‫وكان حفظ اللسان سبب ًا لتحصيل سرت تعاىل‪ ،‬فعن ابن عمر ‪ ‬قال ‪:‬‬
‫رت اهللَُّ َعو َر َت ُه»(‪.)3‬‬
‫َف ل َسا َن ُه َس َ َ‬
‫« َمن ك َّ‬
‫وكان ضبطه الطريق األوىف للنجاة من مهالك الدنيا والقرب من اهلل‬
‫تعاىل‪ ،‬فعن معاذ ‪ ‬قال يا رسول اهلل أوصني قال ‪« :‬اعبد اهلل كأنك تراه‪،‬‬
‫وعد نفسك يف املوتى‪ ،‬وإن شئت أنبأتك بام هو أملك لك من هذا كله‪،‬‬
‫وأشار بيده إىل لسانه»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.109 :3‬‬


‫)‪ (2‬يف سنن الرتمذي‪ ،12 :5‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪ ،‬وسنن النسائي الكربى‪ ،214 :10‬وسنن ابن‬
‫ماجة‪.1314 :2‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أيب الدنيا يف الصمت بسند حسن‪ ،‬كام يف املغني‪.108 :3‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه ابن أيب الدنيا يف الصمت والطرباين ورجاله ثقات‪ ،‬وفيه انقطاع‪ ، ،‬كام يف املغني‪:3‬‬
‫‪.108‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪21‬‬
‫وكان سكوته عن املعايص عبادة وقربة هلل تعاىل‪ ،‬فعن صفوان بن سليم‬
‫‪ ‬قال ‪« :‬أال أخربكم بأيرس العبادة وأهوهنا عىل البدن الصمت‪ ،‬وحسن‬
‫اخللق»(‪.)1‬‬

‫وكان حفظه عالمة ظاهرة عىل قوة اإليامن‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪َ « :‬من‬
‫كان ُيؤم ُن باهللَّ واليوم اآلخر َفل َي ُقل خري ًا أو ليسكت»(‪.)2‬‬

‫وكان كف اللسان أيرس األعامل‪ ،‬فيقدر كل أحد من غري مال وجه ملن‬
‫أراد دخول اجلنة‪ ،‬فعن الرباء بن عازب ‪ ‬قال‪« :‬جاء أعرايب إ َىل َر ُسول اهللَّ‬
‫‪ ‬فقال‪ :‬دلني عىل عمل يدخلني اجلنة‪ ،‬قال‪ :‬أطعم اجلائع واسق الظمآن‬
‫وأمر باملعروف‪ ،‬وانه عن املنكر‪ ،‬فإن مل تطق‪ ،‬فكف لسانك إال من خري»(‪،)3‬‬
‫لكن رغم عدم وجود الكلفة املالية هبذا العبادة‪ ،‬فهي أصعب يف نفسها عىل‬
‫الناس من بذل املال إال ملن جاهد نفسه‪ ،‬قال حممد بن واسع‪« :‬حفظ اللسان‬
‫أشد عىل الناس من حفظ الدينار والدرهم»‪.‬‬

‫وكان إمساك اللسان أبرز وسيلة للتغلب عىل الشيطان‪ ،‬فعن أيب سعيد‬
‫‪ ،‬قال ‪« :‬اخ ُزن ل َسان َ‬
‫َك إال من خري‪ ،‬فإنك بذلك تغلب الشيطان»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن أيب الدنيا هكذا مرس ً‬


‫ال ورجاله ثقات‪ ، ،‬كام يف املغني‪.108 :3‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ ، ،‬كام يف املغني‪.108 :3‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أيب الدنيا بإسناد جيد‪ ، ،‬كام يف املغني‪.108 :3‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الطرباين يف الصغري واملعجم الكبري وابن حبان يف صحيحه‪ ، ،‬كام يف املغني‪.108 :3‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪22‬‬
‫وكان اإلكثار من الكالم سبب لكثرة الذنوب‪ ،‬فعن عمر ‪َ « :‬من كثر‬
‫كالمه كثر سقطه ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه‪ ،‬ومن كثرت ذنوبه كانت النار‬
‫أوىل به»(‪.)1‬‬
‫وقد سلك السلف مسالك متعددة‪ ،‬ملنع أنفسهم من الكالم بغري حق‪،‬‬
‫فكان أبو بكر الصديق ‪ ‬يضع حصاة يف فيه يمنع هبا نفسه عن الكالم‪،‬‬
‫وكان يشري إىل لسانه‪ ،‬ويقول‪ :‬هذا الذي أوردين املوارد‪.‬‬
‫وبالتال كان اللسان مستحق ًا للحبس والسجن‪ ،‬حتى ال هيلك صاحبه‪،‬‬
‫قال ابن مسعود ‪« :‬واهلل الذي ال إله إال هو ما يشء أحوج إىل طول سجن‬
‫من لسان»؛ ألنه كالسبع مل حتبسه أكلك بإهالكه لك‪ ،‬قال طاوس‪« :‬لساين‬
‫سبع إن أرسلته أكلني»‪.‬‬
‫حق عىل‬
‫وهب ب ُن ُمنبه‪ٌّ « :‬‬
‫ُ‬ ‫فكان حفظ اللسان من صفات العاقل‪ ،‬قال‬
‫ال عىل شأنه»‪.‬‬‫العاقل أن يكون عارف ًا بزمانه‪ ،‬حافظ ًا للسانه‪ ،‬مقب ً‬
‫وكان فهم السليم للدين بضبط اللسان‪ ،‬وقال احلسن‪« :‬ما عقل دينه‬
‫من مل حيفظ لسانه»(‪.)2‬‬
‫وكان نصيب َمن تفكر بأن حماسب عىل قوله أن يقل كالمه‪ ،‬فعن عمر‬
‫ابن عبد العزيز‪« :‬من أكثر ذكر املوت ريض من الدنيا باليسري‪ ،‬ومن َعد‬
‫كالمه من عمله قل كالمه إال فيام يعنيه»‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه أبو حاتم بن حبان يف روضة العقالء والبيهقي يف الشعب‪ ، ،‬كام يف املغني‪.108 :3‬‬
‫(‪ )2‬اآلثار واألقوال السابقة مستفادة من إحياء علوم الدين‪ 108 :3‬وما بعدها‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪23‬‬
‫وكان حال من حيفظ لسانه صالح عمله وأمره‪ ،‬قال يونس بن عبيد‪:‬‬
‫«ما من الناس أحدٌ يكون منه لسانه عىل بال إال رأيت صالح ذلك يف سائر‬
‫عمله»‪.‬‬
‫وسبب هذا الفضل الكبري للصمت كثرة آفات اللسان‪ ،‬فال تثقل عليه‪،‬‬
‫الشيطان‪ ،‬واخلائض‬ ‫ٌ‬
‫بواعث من الطبع ومن َّ‬ ‫وهلا حالوة يف القلب‪ ،‬وعليها‬
‫فيها ق َّلام يقدر أن يمسك اللسان‪ ،‬فيطلقه بام حيب ويكفه عام ال حيب‪ ،‬ففي‬
‫اخلوض خطر‪ ،‬ويف الصمت سالمة‪ ،‬فلذلك عظمت فضيلة هذا مع ما فيه‬
‫من مجع اهلم ودوام الوقار والفراغ للفكر والذكر والعبادة والسالمة من‬
‫تبعات القول يف الدنيا‪ ،‬ومن حسابه يف اآلخرة‪ ،‬فقد قال تعاىل‪َ { :‬ما َيلف ُظ من‬
‫َقول إالَّ َلدَ يه َرق ٌ‬
‫يب َعتيد}[ق‪.]18:‬‬

‫ويدل عىل فضل لزوم الصمت أن الكال َم أربع ُة أقسام‪ٌ ،‬‬


‫قسم هو رضر‬
‫وقسم ليس فيه رضر‬
‫ٌ‬ ‫وقسم هو نفع حمض‪ ،‬وقسم فيه رضر ومنفعة‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫حمض‪،‬‬
‫وال منفعة‪.‬‬
‫أما الذي هو رضر حمض‪ ،‬فال ُبد من السكوت عنه‪ ،‬وكذلك ما فيه‬
‫رضر ومنفعة ال تفي بالرضر‪ ،‬وأما ما ال منفعة فيه وال رضر‪ ،‬فهو فضول‪،‬‬
‫واالشتغال به تضييع زمان‪ ،‬وهو عني اخلرسان‪ ،‬فال يبقى إال القسم الرابع‪،‬‬
‫خطر؛ إذ يمتزج بام‬
‫الربع فيه ٌ‬
‫ُ‬ ‫ربع‪ ،‬وهذا‬
‫فقد سقط ثالثة أرباع الكالم‪ ،‬وبقي ٌ‬
‫الرياء وال َّتصنع والغيبة وتزكية النفس وفضول الكالم‬
‫إثم من دقائق ِّ‬
‫فيه ٌ‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪24‬‬
‫امتزاج ًا خيفى دركه‪ ،‬فيكون اإلنسان به خماطر ًا(‪.)1‬‬
‫الصمت يلقح العقل ويعلم الورع وجيلب التقوى‪،‬‬ ‫وقال املكي(‪َّ « :)2‬‬
‫وجيعل اهلل تعاىل به للعبد بالتأويل الصحيح والعلم الرجيح خمرج ًا‪ ،‬ويوفقه‬
‫بإيثار الصمت للقول السديد والعمل الرشيد‪.‬‬
‫يقلق واحليا ُء ُيسكت‪.‬‬
‫اخلوف ُ‬
‫ُ‬ ‫وقال ذو النون املرصي‪:‬‬
‫وقال بعض العارفني‪ :‬قد ُجزئ العلم عىل قسمني‪ :‬نص ُفه سكوت‪،‬‬
‫ونصفه أن تدري أين تضعه‪.‬‬
‫وقال الضحاك بن مزاحم‪ :‬أدركتهم وما يتعلمون إال الصمت‬
‫والورع‪ ،‬وهم اليوم يتعلمون الكالم‪.‬‬
‫مت زين العامل وسرت اجلاهل‪.‬‬
‫الص ُ‬
‫بعض السلف‪َّ :‬‬
‫قال ُ‬
‫بعض السلف‪ :‬تعلم الصمت كام تتعلم الكالم‪ ،‬فإن يكن الكالم‬
‫وقال ُ‬
‫الصمت يقيك‪ ،‬ولك يف الصمت خصلتان تدفع به جهل َمن هو‬
‫هيديك‪ ،‬فإن َّ‬
‫أجهل منك‪ ،‬وتعلم به علم من هو أعلم منك‪.‬‬
‫الصمت نوم العقل‪ ،‬والنطق يقظته‪ ،‬وكل يقظة‬‫وقال بعض العلامء‪َّ :‬‬
‫حتتاج إىل نوم‪ ،‬وما صمت عاقل قط إال اجتمع عقله وحرض لبه‪.‬‬
‫وعن مجاعة السلف‪ :‬إن تسعة أعشار السالمة يف الصمت‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.111 :3‬‬


‫(‪ )2‬يف قوت القلوب‪ 171 :1‬ـ ‪.173‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪25‬‬
‫وقال احلسن‪ :‬لسان املؤمن وراء قلبه إذا أراد أن يتكلم تفكر‪ ،‬فإن كان‬
‫له تكلم‪ ،‬وإن كان عليه أمسك‪ ،‬وقلب املنافق عىل طرف لسانه أي كل يشء‬
‫خطر بقلبه تكلم به‪ ،‬وال يتوقف وال ينثني»(‪.)1‬‬
‫وقال الشافعي‪:‬‬
‫ربحا فلست بخارس‬
‫متجرا فلزمته ‪ ...‬إذا مل أجد ً‬
‫ً‬ ‫وجدت سكويت‬
‫وما الصمت إال يف الرجال متاجر ‪ ...‬وتاجره يعلو عىل كل تاجر‬
‫وقال أيض ًا‪:‬‬
‫احفظ لسانك أهيا اإلنسان ‪ ...‬ال يلدغنك إنه ثعبان‬
‫كم يف املقابر من قتيل لسانه ‪ ...‬كانت هتاب لقاءه األقران‬
‫(‪)2‬‬

‫وكان الصمت وصية الصحابة ‪ ‬ملن جاء بعده‪ ،‬فعن عقيل بن مدرك‬
‫أن رج ً‬
‫ال قال أليب سعيد اخلدري ‪ :‬أوصني‪ ،‬قال‪ :‬عليك بالصمت إال يف‬
‫احلق فإنك به تغلب الشيطان‪ ،‬وعن ميمون بن مهران‪ ،‬قال‪ :‬جاء رجل إىل‬
‫سلامن‪ ،‬فقال‪ :‬أوصني‪ ،‬قال‪ :‬ال تتكلم‪ ،‬قال ال يستطيع َمن عاش يف الناس أن‬
‫ال يتكلم‪ ،‬قال‪ :‬فإن تكلمت فتكلم بحق أو اسكت‪.‬‬
‫خريا‬
‫وكانت السالمة بالسكوت‪ ،‬قال ابن مسعود ‪ :‬يا لسان قل ً‬
‫تغنم‪ ،‬واصمت تسلم من قبل أن تندم‪.‬‬

‫(‪ )1‬اخترصت هذه األقوال من قوت القلوب‪ 171 :1‬ـ ‪.173‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬مقدمة حسن السمت ص‪.27‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪26‬‬
‫وكان حفظ اللسان سبي ً‬
‫ال للمحبة بني الناس‪ ،‬قال عيل ‪ :‬الصمت‬
‫داعية إىل املحبة‪.‬‬
‫وكان الصمت طريق ًا لتحصيل احلكمة‪ ،‬قال عمر بن عبد العزيز‪ :‬إذا‬
‫رأيتم الرجل يطيل الصمت وهيرب من الناس فاقرتبوا منه فإنه يلقي‬
‫احلكمة‪.‬‬
‫وكان السكوت عبادة لراحة القلب وكثرة الفكر‪ ،‬قال سفيان‪« :‬طول‬
‫الصمت مفتاح العبادة»‪ ،‬بل قدم عىل سائر العبادات‪ ،‬قال الفضيل بن‬
‫عياض‪« :‬ال حج وال جهاد وال رباط أفضل من حفظ اللسان»؛ ألن طريقه‬
‫شاقة وحتصيله حيتاج جلهد كبري‪ ،‬قال عبد اهلل بن أيب زكريا‪« :‬تعلمت‬
‫الصمت عام ال يعنيني عشين سنة‪ ،‬فام بلغت منه ما أردت»‪.‬‬
‫وكان الصمت أفضل آداب النفس‪ ،‬قال عبد اهلل بن املبارك‪:‬‬
‫أ َّدب ُت نفيس فام وجدت هلا ‪ ...‬من بعد تقوى اإلله من أدب‬
‫يف كل حاالهتا وإن قرصت ‪ ...‬أفضل من صمتها عن الكذب»(‪.)1‬‬
‫وباجلملة إن حفظ اللسان من أهم املهامت وأعظم القربات؛ إذ هو‬
‫ترمجان القلب الذي هو منظر الرب‪ ،‬فال ينبغي للرتمجان أن يتكلم إال بقدر‬
‫احلاجة وإال فيستحق املعاتبة(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬هذه النقول استخلصتها من حسن السمت ص‪ 73‬ـ ‪.119‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية‪.159 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪27‬‬

‫الفصل األول‬
‫آفات اللسان‬

‫ويشتمل عىل ثالثة مباحث‪:‬‬


‫املبحث األول‪ :‬آفات اللسان املحظورة أصالة‪.‬‬
‫واملبحث الثاين‪ :‬آفات اللسان املحظورة تبع ًا‪.‬‬
‫واملبحث الثالث‪ :‬آفات اللسان املحظورة سكوت ًا‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪28‬‬

‫متهيد‪:‬‬
‫ملا كانت معاجلة آفات اللسان من َأصعب ما ُيبتىل به اإلنسان‪ ،‬قال‬
‫الغزال(‪« :)1‬وأعىص األعضاء عىل اإلنسان اللسان‪ ،‬فإنه ال تعب يف إطالقه‬
‫وال مؤنة يف حتريكه‪ ،‬وإنه أعظم آلة الشيطان يف استغواء اإلنسان»‪.‬‬
‫احلكيم تدرج بطرق تقويمه من عزلة ثم صمت ثم هتذيب ثم‬
‫َ‬ ‫الش َع‬
‫فإن َّ‬
‫ومرت العزلة والصمت يف التمهيد‪ ،‬وسيكون عرض التَّهذيب يف‬
‫حتسني‪َّ ،‬‬
‫الفصل األول يف آفات اللسان‪ ،‬فتذكر كل واحدة؛ ليتم هتذيبها والتَّخلص‬
‫منها‪ ،‬ويذكر يف الفصل الثاين وظائف ال ِّلسان‪ ،‬حيث ُيبني فيه ما َينبغي أن‬
‫َينطق به اللسان‪ ،‬ويكون وسيل ًة ف َّعالة يف معاجلة مساوئ اللسان‪ ،‬وهبذا‬
‫الشع فيام يتع َّلق بال ِّلسان‪.‬‬
‫يتح َّقق قصد َّ‬
‫ويقارن هذا املراحل األربعة اشتغال عىل القلب بالتصفية والسالمة؛ ألنه‬
‫مرد أفعال اجلوارح له‪ ،‬وهو امللك عليها‪ ،‬وللجوارح تأثري بالغ يف القلب‬
‫كذلك‪ ،‬ال سيام اللسان‪ ،‬حتى قالوا‪« :‬ال يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه»‪،‬‬
‫قال اخلادمي(‪« :)2‬ال تعلم استقامة قلبه إال باستقامة لسانه عىل طريق‬

‫(‪ )1‬يف إحياء علوم الدين‪.108 :3‬‬


‫(‪ )2‬يف بريقة حممودية‪.158 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪29‬‬
‫االستدالل من األثر إىل املؤثر‪ ،‬فعدم استقامة اللسان يدل عىل عدم استقامة‬
‫القلب‪ ،‬وإال فالقلب أمري وسائر األعضاء مأمور يعمل عىل هنج أمره‪ ،‬فال‬
‫تؤثر استقامة اللسان يف استقامة القلب‪ ،‬بل األمر عىل عكس‪ ،‬إال أن يقال‪:‬‬
‫إن ما َر َس َخ يف ال ِّلسان قد يعود إىل القلب‪ ،‬كام قالوا يف الذكر‪ ،‬فقد ينقاد‬
‫القلب ملا يتعود عليه اللسان»‪.‬‬
‫وإن اللسان من نعم اهلل العظيمة ولطائف صنعه الغريبه‪ ،‬فإنه صغري‬
‫جرمه‪ ،‬عظيم طاعته وجرمه؛ إذ ال يستبني الكفر واإليامن إال بشهادة اللسان‪،‬‬
‫ومها غاية الطاعة والعصيان‪.‬‬
‫عرب عنه اللسان إما بحق أو باطل‪ ،‬وال يشء‬ ‫وإن َّ‬
‫كل ما يتناوله العلم ُي َ‬
‫إال والعلم متناول له‪ ،‬وهذه خاصية ال توجد يف سائر األعضاء‪.‬‬
‫فمن أطلق عذبة اللسان وأمهله مرخى‬ ‫واللسان له امليدان رحب‪َ ،‬‬
‫كل ميدان‪ ،‬وساقه إىل شفا جرف هار إىل أن‬ ‫الشيطان يف ِّ‬
‫العنان‪ ،‬سلك به َّ‬
‫َّاس يف النَّار عىل َمنَاخرهم إ َّال حصائد‬
‫يضطره إىل البوار‪ ،‬وال َي ُكب الن َ‬
‫ألسنتهم‪ ،‬وال ينجو من رش اللسان إال من قيده بلجام الشع‪ ،‬فال يطلقه إال‬
‫كل ما خيشى غائلته يف عاجله‬ ‫فيام ينفعه يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬ويكفه عن ِّ‬
‫وآجله(‪.)1‬‬
‫ولذلك سيكون عرض هذا الفصل يف ثالثة مباحث‪:‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم‪.108 :3‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪30‬‬
‫املبحث األول‪ :‬آفات اللسان املحظورة أصالة‪.‬‬
‫واملبحث الثاين‪ :‬آفات اللسان املحظورة تبع ًا‪.‬‬
‫واملبحث الثالث‪ :‬آفات اللسان املحظورة سكوت ًا‪.‬‬

‫‪‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪31‬‬

‫املبحث األول‬
‫آفات اللسان املحظورة أصالة‬
‫وهذا املبحث أوسع مباحث الكتاب وأمهها‪ ،‬فهو يشمل عىل عامة‬
‫اآلفات‪ ،‬ففيه ستون آفة‪ ،‬هي أهم آفات اللسان‪ ،‬واألصل فيها احلظر من املنع‬
‫واحلرمة‪ ،‬وهي عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬التلفظ بالكفر‪:‬‬
‫* اآلفة األوىل‪ :‬كلمة الكفر اتفاق ًا ـ والعياذ باهلل تعاىل ـ‪:‬‬
‫سب الذات اإلهلية‬ ‫ٍ‬
‫بإنكار يشء معلوم يف الدين بالَّضورة أو ُّ‬
‫ُ‬ ‫وهي التلفظ‬
‫سب النبي ‪.‬‬
‫أو ُّ‬
‫ومعنى الرضورة قال الكَشمريي(‪« :)1‬ما علم كونه من دين حممد ‪‬‬
‫بالرضورة‪ ،‬بأن تواتر عنه واستفاض‪ ،‬وعلمته العامة‪ :‬كالوحدانية‪،‬‬
‫والنبوة‪ ،...‬والبعث واجلزاء‪ ،‬ووجوب الصالة والزكاة‪ ،‬وحرمة اخلمر‬
‫أن هذا األمر مث ً‬
‫ال من دين النبي‬ ‫ألن كل أحد يعلم َّ‬
‫ونحوها‪ ،‬سمي رضوري ًا؛ َّ‬
‫‪ ‬وال ُبد‪ ،‬فكوهنا من الدين رضوري‪ ،‬وتدخل يف اإليامن‪.»...‬‬

‫(‪ )1‬يف إكفار امللحدين ص‪.3-2‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫‪32‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وحكمه‪:‬‬
‫إن كان طوع ًا من غري سبق لسان إحباط العمل ك ِّله‪.‬‬
‫وأما يف حالة اإلكراه‪ ،‬فإن بامللجئ أعني تلف النفس أو العضو‪ ،‬ففيه‬
‫رخصة للعذر والعزيمة عدمه‪ ،‬فإن قتل كان من أفضل الشهداء وإن كان‬
‫بغريه مثل الرضب الشديد واحلبس املديد وتلف املال‪ ،‬فال جيوز أص ً‬
‫ال حتى‬
‫لو تكلم يف تلك احلالة صار كافر ًا ديانة وقضاء‪.‬‬
‫ثم ال يعود عمله بعد التوبة‪ ،‬فال فرق بني من أسلم ابتدا ًء وبني من صدر‬
‫منه الكفر ثم تاب يف عدم اخلري بل أشد منه؛ ألنه بسبب اإلسالم ختلص عن‬
‫مجيع اآلثار‪ ،‬بخالف من صدر منه الكفر‪ ،‬فإن معاصيه ال تذهب بكفره حتى‬
‫جيب عليه بعد التوبة قضاء ما فات يف إسالمه من الفرائض والواجبات‪،‬‬
‫فيجب عليه احلج بعد التوبة ثاني ًا إن كان غني ًا ولو حج أوالً‪.‬‬
‫وال جيب قضاء ما صىل وصام وزكى قبل الردة يف حال إسالمه بعد‬
‫التوبة؛ للحرج واملشقة‪ ،‬ولعدم تقرره يف ذمته وعدم بقاء سبب وجوبه بعد‬
‫التوبة‪ ،‬وهو الوقت والشهود والنصاب‪ ،‬وجيب قضاء ما فات منها يف حال‬
‫إسالمه بعد التوبة؛ ألن املعصي َة ال تذهب بالكفر‪ ،‬فيجب قضاء مجيع فوائته‬
‫املفروضة والواجبة‪.‬‬
‫وينفسخ النكاح بال طالق عند أيب حنيفة وأيب يوسف ‪ ،‬فال يلزم احلل‬
‫بعد الثالث خالف ًا ملحمد ‪ ‬ممن تلفظ بالكفر رج ً‬
‫ال أو امرأة إال أهنا جترب عىل‬
‫النكاح بزوجها األول خالف ًا ملشايخ بلخ كأيب جعفر وأيب القاسم الصفار‪،‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪33‬‬
‫فال تؤثر ردة املرأة يف فساد النكاح‪ ،‬وال يؤمر بتجديد النكاح حس ًام هلذا الباب‬
‫عليهن‪.‬‬
‫فلو صدرت كلمة الكفر من املرأة جترب عىل جتديد النكاح بعد التوبة مع‬
‫تتخري املرأة إن تاب‪.‬‬
‫زوجها‪ ،‬وإن صدرت من الرجل َّ‬
‫وحيرم ذبيحته‪.‬‬
‫وحيل قتله‪ ،‬فدمه هدر ال تلزم الدية عىل قاتله‪ ،‬لكن األوىل أن ال يقتل‬
‫قبل العرض واإلباء‪ ،‬فعن ابن عباس ‪ ،‬قال ‪َ « :‬من بدل دينه فاقتلوه»(‪.)1‬‬
‫وجيرب عىل التوبة بنحو الرضب والوجيع واحلبس املديد‪ ،‬وتكون التوبة‬
‫بالرجوع عام قاله ال جمرد الشهادتني‪ ،‬فلو كان كفره من إنكار فرضية الصالة‪،‬‬
‫يقول‪ :‬رجعت من إنكاري ذلك(‪.)2‬‬
‫* اآلفة الثانية‪ :‬ما فيه خوف الكفر‪:‬‬
‫وهو التلفظ بام مل جيزم الفقهاء بإجيابه كفر ًا‪ ،‬بل قالوا فيه خوف الكفر أو‬
‫خيف فيه الكفر أو خطأ عظيم‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫أن يؤمر بالتوبة وجتديد النكاح احتياط؛ الحتامل كونه كفر ًا(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري‪.61 :4‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية وطريقة حممدية‪.167 :3‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية وطريقة حممدية‪.168 :3‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪34‬‬
‫* اآلفة الثالثة‪ :‬ما فيه الكفر خطأ‪:‬‬
‫وهو التلفظ بام يوهم الكفر‪.‬‬
‫ً‬
‫خطأ نتيجة اجلهل مثالً‪ :‬كأن يقول‪ :‬علم اهلل تعاىل يف‬ ‫فيكون تكلمه به‬
‫ِّ‬
‫كل مكان إلهيامه كونه تعاىل يف املكان(‪ ،)1‬واليمني بغري اهلل تعاىل عىل الصحيح‬
‫مثل أن يقول‪ :‬ورأس ابني أو جدي أو السلطان أو نحو ذلك‪.‬‬

‫وحكمه‪:‬‬
‫أن يؤمر بالتوبة واالستغفار فقط بدون جتديد النكاح(‪.)2‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬الكذب‪:‬‬


‫* اآلفة الرابعة‪ :‬الكذب بالقول‪:‬‬
‫وهو اإلخبار عن اليشء عىل غري ما هو عليه يف الواقع‪ ،‬وهو من قبائح‬
‫الذنوب وفواحش العيوب(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬يف الفصل يف امللل والنحل‪« :103 :2‬إن قول القائل متى علم اهلل زيد ًا ميت ًا سؤال فاسد‬
‫بالرضورة؛ ألن متى سؤال عن زمان وعلم اهلل تعاىل ليس يف زمان أصالً؛ ألنه ليس هو غري‬
‫اهلل تعاىل‪ ،‬وقد مىض الربهان عىل أن اهلل تعاىل ليس يف زمان وال يف مكان‪ ،‬وإنام الزمان واملكان‬
‫للمعلوم فقط»‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية وطريقة حممدية‪.168 :3‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬طريقة حممدية‪.169 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪35‬‬
‫الكذب من ُأ َّمهات الكبائر‪ ،‬ثم إنَّك إذا ُعرفت بذلك‬
‫ُ‬ ‫قال ال َغزال(‪« :)1‬‬
‫سقطت عدال ُتك والثق ُة بقولك‪ ،‬وتزدريك األعني وحتتقرك‪ ،‬وإذا أردت أن‬
‫تعرف قبح الكذب من نفسك‪ ،‬فانظر إىل كذب غريك‪ ،‬وعىل نفرة نفسك‬
‫عنه‪ ،‬واستحقارك لصاحبه واستقباحك له‪.‬‬

‫وكذلك فافعل يف مجيع عيوب نفسك‪ ،‬فإنك ال ترى قبح عيوبك من‬
‫غريك منك ال حمالة‪،‬‬
‫يستقبحه ُ‬
‫ُ‬ ‫نفسك‪ ،‬بل من غريك‪ ،‬فام استقبحته من غريك‬
‫فال ترض لنفسك ذلك»‪.‬‬

‫ومن دالئل قبحه‪:‬‬


‫كان موقع ًا صاحبه يف نار جهنم‪ ،‬قال أبو بكر الصديق ‪« :‬قام فينا‬
‫والكذب فإنه مع‬
‫َ‬ ‫رسول اهلل ‪ ‬مقامي هذا عام أول‪ ،‬ثم بكى‪ ،‬وقال‪ :‬إ َّيا ُكم‬
‫ال ُف ُجور ومها يف النار»(‪.)2‬‬
‫وكان حمروم ًا من نظر اهلل تعاىل‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪ « :‬ثالثة ال‬
‫يكلمهم اهلل‪ ،‬وال ينظر إليهم‪ ،‬وال يزكيهم‪ ،‬وهلم عذاب أليم‪ ،‬شيخ زان‪،‬‬
‫واإلمام الكذاب‪ ،‬وعائل مستكرب»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬يف جمموع رسائله ص‪.389‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه ابن ماجه والنسائي يف اليوم والليلة‪ ،‬وإسناده حسن‪ ،‬كام يف املغني‪.133 :3‬‬

‫(‪ )3‬أخرجه مسلم ي صحيحه‪ ،‬كام يف املغني‪.133 :3‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪36‬‬
‫وكان نوع ًا من أنوا ع اخليانة‪ ،‬فعن سفيان بن أسيد ‪ :‬قال ‪« :‬ك ُ َ‬
‫َربت‬
‫ث َأ َخ َ‬
‫اك حديث ًا هو لك به مصدق‪ ،‬وأنت له به كاذب»(‪.)1‬‬ ‫خ َيا َن ًة َأن ُحتَدِّ َ‬

‫وكان وصف ًا قبيح ًا مذموم ًا عند اهلل تعاىل‪ ،‬فعن ابن مسعود ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫«ال يزال العبد يكذب حتى يكتب عند اهلل كذاب ًا»(‪.)2‬‬
‫وكان واقع ًا حتت التهديد بالعقاب الشديد‪ ،‬فعن هبز بن حكيم عن أبيه‬
‫عن جده ‪ ،‬قال ‪« :‬ويل للذي حيدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له‬
‫ويل له»(‪.)3‬‬
‫وكان معذب ًا يف قربه بشدق فمه بكلوب من حديد‪ ،‬فسمرة بن جندب‬
‫‪ ،‬قال ‪« :‬رأيت كأن رج ً‬
‫ال جاءين‪ ،‬فقال ل‪ :‬قم فقمت معه‪ ،‬فإذا أنا‬
‫جالس بيد القائم كلوب من حديد يلقمه يف‬
‫ٌ‬ ‫واآلخر‬
‫ُ‬ ‫قائم‪،‬‬
‫برجلني أحدمها ٌ‬
‫شدق اجلالس‪ ،‬فيجذبه حتى يبلغ كاهله‪ ،‬ثم جيذبه فيلقمه اجلانب اآلخر‪،‬‬
‫فيمده‪ ،‬فإذا مدَّ ه رجع اآلخر‪ ،‬كام كان فقلت للذي أقامني ما هذا فقال‪ :‬هذا‬
‫رجل كذاب يعذب يف قربه إىل يوم القيامة»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري يف كتاب األدب املفرد‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬وضعفه ابن عدي‪ ،‬ورواه أمحد‬
‫والطرباين من حديث النواس بن سمعان بإسناد جيد‪ ،‬كام يف املغني‪.133 :3‬‬

‫(‪ )2‬أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.133 :3‬‬

‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود والرتمذي وحسنه والنسائي يف الكربى‪ ،‬كام يف املغني‪.133 :3‬‬

‫(‪ )4‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كام يف املغني‪.133 :3‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪37‬‬
‫وهو من الصفات التي تربأ النبي ‪ ‬منها‪ ،‬فعن جبري بن مطعم ‪ ،‬قال‬
‫‪« :‬لو أفاء اهلل عيل نع ًام عدد هذا احلىص َل َق َسم ُت َها بينكم‪ ،‬ثم ال َجتدُ وين‬
‫َبخ ًيال وال كذاب ًا وال جبان ًا»(‪.)1‬‬
‫وكان سبب ًا لتباعد املالئكة‪ ،‬فعن ابن عمر ‪ ،‬قال ‪« :‬إن العبد‬
‫ليكذب الكذبة ليتباعد ا َمل َلك عنه مسرية ميل من نتن ما جاء به»(‪.)2‬‬
‫وهو من أعظم اخلطايا‪ ،‬قال عيل ‪« :‬أعظم اخلطايا عند اهلل‪ ،‬اللسان‬
‫الكذوب‪ ،‬ورش الندامة ندامة يوم القيامة»‪.‬‬
‫وكان تركه طريق الصاحلني‪ ،‬قال عمر بن عبد العزيز ‪« :‬ما كذبت‬
‫كذبة منذ شددت عيل إزاري»‪.‬‬
‫وكان تركه سبي ً‬
‫ال لنيل املحبة‪ ،‬قال عمر ‪« :‬أحبكم إلينا ما مل نركم‬
‫أحسنكم اس ًام‪ ،‬فإذا رأيناكم فأحبكم إلينا أحسنكم خلق ًا‪ ،‬فإذا اختربناكم‬
‫فأحبكم إلينا أصدقكم حديث ًا‪ ،‬وأعظمكم أمانة»‪.‬‬
‫وكان طريق حتصيله شدة اإليامن باهلل تعاىل‪ ،‬قال ميمون بن أيب شبيب‪:‬‬
‫«جلست أكتب كتاب ًا‪ ،‬فأتيت عىل حرف إن أنا كتبته زينت الكتاب‪ ،‬وكنت قد‬
‫كذبت‪ ،‬فعزمت عىل تركه فنوديت من جانب البيت يثبت اهلل الذين آمنوا‬
‫بالقول الثابت يف احلياة الدنيا ويف اآلخرة»‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كام يف املغني‪.133 :3‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حسن غريب‪ ،‬كام يف املغني‪.133 :3‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪38‬‬
‫وينال فاعله أشد العذاب يف النار‪ ،‬قال الشعبي‪« :‬ما أدري أهيام أبعد‬
‫غور ًا يف النار الكذاب أو البخيل»(‪.)1‬‬
‫ومن صور الكذب‪:‬‬
‫‪.1‬االدعاء إىل غري أبيه باالنتساب‪ :‬كادعاء أنه من أوالده ‪ ،‬وهو ليس‬
‫كذلك‪.‬‬
‫‪.2‬خلف الوعد إذا كان يف نيته اخللف‪ ،‬وأما إذا كان يف نيته الوفاء ومل‬
‫يقدر عىل إنجازه‪ ،‬فليس بكذب‪.‬‬
‫‪.3‬حتديث كل ما سمع بال نسبة إىل قائله؛ ألنه يسمع عادة الصدق‬
‫والكذب‪ ،‬فإذا حدث بكل ما سمع ال حمالة يكذب وإن مل يتعمد‪ ،‬لكن‬
‫التعمد رشط اإلثم(‪.)2‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫قطعي‪ ،‬إال يف مواضع قليلة‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫إن كان عن عمد فحرا ٌم‬
‫وإن مل يكن عن عمد فريجى عفوه بدليل يمني اللغو؛ لقوله تعاىل‪{ :‬الَّ‬
‫ُي َؤاخ ُذ ُك ُم اهللُ بال َّلغو َيف َأي َامن ُكم}[البقرة‪ ،]225 :‬وهي حلفه كاذب ًا يظنه‬
‫صادق ًا‪ ،‬كام إذا حلف أن يف هذا الكوز ماء بناء عىل رؤيته وقد أريق ومل‬
‫يعرف‪.‬‬

‫(‪ )1‬هذا اآلثار واألقوال مستفادة من إحياء علوم الدين‪ 133 :3‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية وطريقة حممدية‪ ،178 :3‬كام يف املغني‪.139 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪39‬‬
‫وحاالت التخيص بالكذب‪:‬‬
‫الرضر عىل املخا َطب أو عىل‬
‫إن الكذب ليس حرام ًا لعينه‪ ،‬بل ملا فيه من َّ َ‬
‫غريه‪ ،‬فإن أقل درجاته أن يعتقد املخرب اليشء عىل خالف ما هو عليه‪ ،‬فيكون‬
‫ورب جهل فيه منفعة ومصلحة‪ ،‬فالكذب‬ ‫رضر غريه‪ُ ،‬‬
‫ُ‬ ‫جاهالً‪ ،‬وقد يتعلق به‬
‫وربام كان واجب ًا‪ ،‬قال ميمون بن‬
‫حمصل لذلك اجلهل‪ ،‬فيكون مأذون ًا فيه‪ُ ،‬‬
‫ال سعى‬ ‫الصدق أرأيت لو أن رج ً‬
‫خري من ِّ‬ ‫مهران‪ :‬الكذب يف بعض املواطن ٌ‬
‫بالسيف؛ ليقتله فدخل دار ًا‪ ،‬فانتهى إليك‪ ،‬فقال‪ :‬أرأيت فالن ًا‬
‫خلف إنسان َّ‬
‫واجب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫الكذب‬
‫ُ‬ ‫ما كنت قائالً‪ ،‬ألست تقول‪ :‬مل أره‪ ،‬وما تصدق به‪ ،‬وهذا‬
‫فنقول الكالم وسيل ٌة إىل املقاصد‪ ،‬فكل مقصود حممود ُيمكن التوصل‬
‫فالكذب فيه حرا ٌم‪ ،‬وإن أمكن التَّوصل إليه‬
‫ُ‬ ‫إليه بالصدق والكذب مجيع ًا‪،‬‬
‫ُ‬
‫حتصيل ذلك القصد مباح ًا‪،‬‬ ‫مباح إن كان‬
‫بالكذب دون الصدق‪ ،‬فالكذب فيه ٌ‬
‫وواجب إن كان املقصو ُد واجب ًا‪ ،‬كام أن عصم َة دم املسلم واجب ٌة‪ ،‬فمهام كان‬
‫ٌ‬
‫يف الصدق سفك دم أمرىء مسلم قد اختفى من ظامل‪ ،‬فالكذب فيه واجب‪.‬‬
‫ومهام كان ال َيتم َمق ُصو ُد احلرب أو إص َال ُح ذات البني إال باستاملة‬
‫قلب املجني عليه إال بكذب‪ ،‬فالكذب مباح‪ ،‬إال أنه ينبغي أن حيرتز منه ما‬
‫أمكن؛ ألنه إذا فتح باب الكذب عىل نفسه‪ ،‬فيخشى أن يتداعى إىل ما‬
‫يستغنى عنه‪ ،‬وإىل ما ال يقترص عىل حدِّ الرضورة‪ ،‬فيكون الكذب حرام ًا يف‬
‫األصل إال لرضورة‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪40‬‬
‫والذي يدل عىل االستثناء ما روي عن أم كلثوم قالت‪« :‬ما سمعت‬
‫رسول اهلل ‪ ‬يرخص يف يشء من الكذب إال يف ثالث‪ :‬الرجل يقول القول‬
‫ث امرأته‬ ‫ُ‬
‫والرجل حيدِّ ُ‬ ‫يريد به اإلصالح‪ ،‬والرجل يقول القول يف احلرب‪،‬‬
‫واملرأة حتدِّ ُ‬
‫ث زوجها»(‪.)1‬‬
‫وعن أم كلثوم ريض اهلل عنها‪ ،‬قال ‪« :‬ليس بك ََّذاب َمن َأص َل َح بني‬
‫اثنَني فقال‪ :‬خري ًا أو نمى خري ًا»(‪.)2‬‬
‫وعن أسامء بنت يزيد ريض اهلل عنها‪ ،‬قال ‪« :‬كل الكذب يكتب عىل‬
‫ابن آدم إال رجل كذب بني رجلني يصلح بينهام»(‪.)3‬‬
‫وروي أن ابن أيب عذرة الدؤل‪ ،‬وكان يف خالفة عمر ‪ ‬كان خيلع‬
‫النساء الاليت يتزوج هبن‪ ،‬فطارت له يف الناس من ذلك أحدوثة يكرهها‪ ،‬فلام‬
‫علم بذلك أخذ بيد عبد اهلل بن األرقم حتى أتى به إىل منزله‪ ،‬ثم قال المرأته‪:‬‬
‫أنشدك باهلل هل تبغضيني‪ ،‬قالت‪ :‬ال تنشدين‪ ،‬قال‪ :‬فإين أنشدك اهلل‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫نعم فقال البن األرقم‪ :‬أتسمع ثم انطلقا حتى أتيا عمر ‪ ،‬فقال‪ :‬إنكم‬
‫لتحدثون إين أظلم النساء وأخلعهن‪ ،‬فأسأل ابن األرقم‪ ،‬فسأله فأخربه‬
‫فأرسل إىل امرأة ابن أيب عذرة‪ ،‬فجاءت هي وعمتها‪ ،‬فقال‪ ،‬أنت التي حتدثني‬
‫لزوجك أنك تبغضينه‪ ،‬فقالت‪ :‬إين أول َمن تاب وراجع أمر اهلل تعاىل إنه‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كام يف املغني‪.139 :3‬‬

‫(‪ )2‬أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.139 :3‬‬

‫(‪ )3‬أخرجه أمحد بزيادة فيه‪ ،‬وهو عند الرتمذي خمترص ًا وحسنه‪ ،‬كام يف املغني‪.139 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪41‬‬
‫ناشدين‪ ،‬فتحرجت أن أكذب‪ ،‬أفأكذب يا أمري املؤمنني‪ ،‬قال‪ :‬نعم فاكذيب‪،‬‬
‫فإن كانت إحداكن ال حتب أحدُ نا فال حتدثه بذلك‪ ،‬فإن أقل البيوت الذي‬
‫يبنى عىل احلب‪ ،‬ولكن الناس يتعارشون باإلسالم واألحساب‪.‬‬
‫الكذب ُكل ُه إث ٌم إ َّال ما َن َف َع به مسل ًام أو دفع عنه رضر ًا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وقال ثوبان ‪:‬‬
‫فهذه الثالث ورد فيها رصيح االستثناء‪ ،‬ويف معناها ما عداها إذا ارتبط‬
‫به مقصود صحيح له أو لغريه‪.‬‬
‫أما ماله؛ فمثل أن يأخذه ظامل ويسأله عن ماله‪ ،‬فله أن ينكره أو يأخذه‬
‫سلطان‪ ،‬فيسأله عن فاحشة بينه وبني اهلل تعاىل ارتكبها‪ ،‬فله أن ينكر ذلك‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬ما زنيت‪ ،‬وما رسقت‪ ،‬فعن عمر ‪ ،‬قال ‪« :‬اجتنبوا هذه‬
‫القاذورات‪ ،‬فمن أمل بيشء منها‪ ،‬فليسترت بسرت اهلل»(‪ ،)1‬وذلك أن إظهار‬
‫الفاحشة فاحشة ُأخرى‪ ،‬فللرجل أن حيفظ دمه وماله الذي يؤخذ ظل ًام‪،‬‬
‫وعرضه بلسانه‪ ،‬وإن كان كاذب ًا‪.‬‬
‫رس أخيه‪ ،‬فله أن ُينكره‪ ،‬وأن ُيصلح‬
‫وأما عرض غريه‪ ،‬فبأن يسأله عن ِّ‬
‫بني اثنني‪ ،‬وأن ُيصلح بني الرضات من نسائه بأن يظهر ِّ‬
‫لكل واحدة أهنا أحب‬
‫إليه‪ ،‬وإن كانت امرأته ال تطاوعه إال بوعد ال َيقدر عليه‪ ،‬فيعدها يف احلال‬
‫تطييب ًا لقلبها‪ ،‬أو يعتذر إىل إنسان وكان ال يطيب قلبه إال بإنكار ذنب وزيادة‬
‫تودد فال بأس به‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه احلاكم‪ ،‬وإسناده حسن‪ ،‬كام يف املغني‪.139 :3‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪42‬‬
‫حمذور‪ ،‬ولو صدق يف هذه املواضع تولد منه‬
‫ٌ‬ ‫ولكن احلد فيه أن الكذب‬
‫حمذور‪ ،‬فينبغي أن يقابل أحدمها باآلخر‪ ،‬ويزن بامليزان القسط‪ ،‬فإذا علم أن‬
‫الشع من الكذب‪ ،‬فله الكذب‪،‬‬ ‫املحذور الذي حيصل بالصدق أشد وقع ًا يف َّ‬
‫وإن كان ذلك املقصود أهون من مقصود الصدق‪ ،‬فيجب الصدق‪ ،‬وقد‬
‫يتقابل األمران بحيث يرتدد فيهام‪ ،‬وعند ذلك امليل إىل الصدق أوىل؛ ألن‬
‫الكذب ُيباح لرضورة أو حاجة مهمة‪ ،‬فإن َشك يف كون احلاجة مهمة‪،‬‬
‫فاألصل التحريم‪ ،‬فريجع إليه‪.‬‬
‫وألجل غموض إدراك مراتب املقاصد ينبغي أن حيرتز اإلنسان من‬
‫الكذب ما أمكنه‪.‬‬
‫وكذلك مهام كانت احلاجة له‪ ،‬فيستحب له أن يرتك أغراضه وهيجر‬
‫الكذب‪ ،‬فأما إذا تعلق بغرض غريه‪ ،‬فال جتوز املساحمة حلق الغري واإلرضار‬
‫به‪.‬‬
‫وأكثر كذب الناس إنام هو حلظوظ أنفسهم‪ ،‬ثم هو لزيادات املال‬
‫واجلاه وألمور ليس فواهتا حمذور ًا‪ ،‬حتى إن املرأة لتحكي عن زوجها ما‬
‫تفخر به‪ ،‬وتكذب ألجل مراغمة الرضات‪ ،‬وذلك حرام‪ ،‬فعن أسامء بنت أيب‬
‫بكر ريض اهلل عنها‪« :‬سمعت امرأة سألت رسول اهلل ‪ ‬قالت‪ :‬إن ل رضة‬
‫وإين أتكثر من زوجي بام مل يفعل أضارها بذلك‪ ،‬فهل عىل يشء فيه؟ فقال ‪‬‬
‫املتشبع بام مل يعط كالبس ثويب زور»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.139 :3‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪43‬‬
‫وكذلك الصبي إذا كان ال يرغب يف بالكتابة إال بوعد أو ختويف‬
‫كاذب‪ ،‬كان ذلك مباح ًا نعم‪ ،‬وما روي أن ذلك يكتب كذب ًا‪ ،‬ولكن الكذب‬
‫املباح أيض ًا قد يكتب وحياسب عليه ويطالب بتصحيح قصده فيه‪ ،‬ثم يعفى‬
‫كبري‪ ،‬فإنه قد يكون‬
‫غرور ٌ‬‫ٌ‬ ‫عنه؛ ألنه إنام أبيح بقصد اإلصالح‪ ،‬ويتطرق إليه‬
‫وغرضه الذي هو مستغن عنه‪ ،‬وإنام يتعلل ظاهر ًا‬ ‫ُ‬ ‫الباعث له حظه‬
‫باإلصالح‪ ،‬فلهذا ُيكتب وكل َمن أيت بكذبة فقد وقع يف خطر االجتهاد؛‬
‫ليعلم أن املقصود الذي كذب ألجله هل هو أهم يف الشع من الصدق أم‬
‫غامض جد ًا‪ ،‬واحلزم تركه إال أن يصري واجب ًا بحيث ال جيوز‬
‫ٌ‬ ‫ال‪ ،‬وذلك‬
‫تركه‪ ،‬كام لو أدى إىل سفك دم أو ارتكاب معصية‪.‬‬
‫كيف كان وقد َظ َّن ظانون أنه جيوز وضع األحاديث يف فضائل‬
‫صحيح‪ ،‬وهو خطأ‬
‫ٌ‬ ‫األعامل‪ ،‬ويف التشديد يف املعايص وزعموا أن القصدَ منه‬
‫حمض؛ فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪َ « :‬من كذب عيل متعمد ًا فليتبوأ مقعده من‬
‫النار»(‪.)1‬‬
‫وهذا ال يرتكب إال لرضورة‪ ،‬وال رضورة إذ يف الصدق مندوح ٌة عن‬
‫الكذب‪ ،‬ففيام ورد من اآليات واألخبار كفاي ٌة عن غريها(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.139 :3‬‬


‫(‪ )2‬ما قرره الغزال يف إحياء علوم الدين‪ ،139 :3‬وهو أفضل من حقق هذه املسألة‪ ،‬قال‬
‫النووي يف األذكار ص‪« :589‬وأحس ُن ما رأيت ُه يف ضبطه‪ ،‬ما ذكر ُه اإلما ُم أو حامد الغزال يف‬
‫اإلحياء»‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪44‬‬
‫وبالتال ال يكون الكذب خاص ًا بالثالثة املذكورة يف احلديث؛ ألهنا‬
‫صحيح يف درء مفسدة أو جلب‬
‫ٌ‬ ‫غرض‬
‫تشتمل عىل علة‪ ،‬وهي ما دعا إليه ٌ‬
‫منفعة معتد هبا‪ ،‬فمتى ُوجدت هذه العلة جاز الكذب فيه‪ ،‬ومما أحلقوا هبذه‬
‫الثالثة‪:‬‬
‫‪.1‬دفع ظلم الظامل‪ :‬كمن أخفى مسل ًام عن ظامل يريد ظلمه أو أخفى ماله‪،‬‬
‫وسئل عنه وجب الكذب بإخفائه‪ ،‬وكذا نظائره‪.‬‬
‫‪.2‬إحياء احلق‪ ،‬كام يف خيار البلوغ للصغرية التي زوجها غري أبيها‬
‫وجدها تقول لزوجها يف النهار‪ :‬بلغت اآلن وفسخت النكاح مع أهنا بلغت‬
‫بالليل‪ ،‬فأبيح إلحياء حقها‪.‬‬
‫‪.3‬الوعد والوعيد الكاذبان للصبي إذ مل يرغب يف الكتب وأعرض‪،‬‬
‫فيجوز ملصلحة تعلمه‪.‬‬
‫‪.4‬اإلنكار لرس الغري؛ لئال يفيش رسه الذي أودع عنده؛ ألن صدور‬
‫األحرار قبور األرسار‪.‬‬
‫‪.5‬معصية نفسه؛ وذلك ألن إظهار املعصية معصية أخرى‪.‬‬
‫‪.6‬إنكار جنايته عىل غريه لتطييب قلب املجني عليه‪.‬‬
‫‪.7‬إخفاء ماله ومال أخيه عن الظامل‪.‬‬
‫‪.8‬إنكاره حمبة بعض نسائه أكثر من األخرى‪.‬‬
‫‪.9‬تزيني كالمه ألخيه عند اعتذاره إليه‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪45‬‬
‫واحلاصل أن الكالم وسيلة إىل املقاصد‪ ،‬فكل مقصود حممود ُيمكن‬
‫حتصيله بغري الكذب‪ ،‬وإال جاز الكذب‪ ،‬ثم إن كان املقصود مباح ًا‪ ،‬فالكذب‬
‫مباح‪ ،‬وإن واجب ًا فواجب‪.‬‬
‫ٌ‬
‫وكل حممود يمكن إيصاله بالصدق والكذب مجيع ًا‪ ،‬فالكذب فيه حرام؛‬
‫ألن إباحة الكذب إنام هي للرضورة‪ ،‬فإذن ليس فيه رضورة‪ ،‬والرضورات‬
‫تبيح املحظورات‪ ،‬وما أبيح للرضورة يتقدر بقدرها‪.‬‬
‫واألسلم أن ال يفتح هذا الباب إال بقدر الرضورة؛ لئال تتعود النفس‬
‫بذلك‪ ،‬وأيضا فيه غرور كثري؛ إذ قد يكون الباعث حظه وغرضه‪ ،‬فليعلم هل‬
‫املقصود أهم يف الشع من الصدق أو ال‪ ،‬فيزن أحدمها باآلخر‪ ،‬فأهيام أشد‬
‫فريجحه‪ ،‬وإن تساويا فيميل إىل جانب الصدق؛ إذ إباحة الكذب لرضورة أو‬
‫ملهمة(‪.)1‬‬
‫* اآلفة اخلامسة‪ :‬الكذب باحللف‪:‬‬
‫احللف عىل ماض كذب ًا عمد ًا؛ فـإذا حلـف‬
‫ُ‬ ‫وهو اليمني الغموس‪ ،‬وهو‬
‫عىل أمر قد مىض وهو كاذب فيه‪ ،‬ومتعمد للكذب كـ‪ :‬واهلل ما فعلـت كـذا‪،‬‬
‫عامل ًا بفعله(‪.)2‬‬
‫ألهنا تغمس صاحبها يف الذنب‪ُ ،‬ث َّ‬
‫ـم يف النـار‪ ،‬وقـد‬ ‫وسميت َغموس ًا؛ َّ‬‫ِّ‬
‫ورد النهي عنها يف أحاديث كثرية‪ ،‬منها‪ :‬قـال ‪« :‬الكبـائر‪ :‬اإلرشاك بـاهلل‪،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية وطريقة حممدية‪179 :3‬ـ ‪.180‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬درر احلكام ‪.38 :2‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪46‬‬
‫وعقوق الوالدين‪ ،‬وقتل النفس‪ ،‬واليمـني ال َغمـوس»(‪ ،)1‬وعـن عبـد اهلل بـن‬
‫عمرو ‪ ،‬قال‪« :‬جاء أعرايب إىل النبي ‪ ‬فقال‪ :‬يا رسـول اهلل‪ ،‬مـا الكبـائر؟‬
‫ـم مـاذا؟‬‫قال‪ :‬اإلرشاك باهلل‪ ،‬قال‪ُ :‬ث َّم ماذا؟ قال‪ُ :‬ث َّم عقوق الوالدين‪ ،‬قال‪ُ :‬ث َّ‬
‫قال‪ُ :‬ث َّم عقوق الوالدين‪ ،‬قال‪ُ :‬ث َّم ماذا؟ قال اليمـني ال َغمـوس‪ ،‬قلـت‪ :‬ومـا‬
‫اليمني ال َغموس؟ قال‪ :‬الذي َيقتطع مال امـرئ مسـلم هـو فيهـا كـاذب»(‪،)2‬‬
‫وقال ‪« :‬من حلف عىل يمني وهو فيها فاجر؛ ليقتطع هبا مال امرئ مسلم‪،‬‬
‫لقي اهلل وهو عليه غضبان»(‪.)3‬‬
‫وحكمها‪:‬‬
‫استحقاق اإلثم لفاعلها‪ ،‬وال جتب فيها الكفارة‪ ،‬إال التوبة واالستغفار‪،‬‬
‫قال ‪َ { : ‬و َلـكن ُي َؤاخ ُذ ُكم ب َام َع َّقدت ُم األَي َام َن َف َك َّف َار ُت ُه} املائدة‪ ،89 :‬حيث‬
‫ُرتِّبت الكفارة عىل املعقودة‪ ،‬وال َغموس غري معقـودة(‪ ،)4‬فالعقـد يكـون عـىل‬
‫املستقبل وال َغموس يف املايض‪ ،‬وقال ‪« :‬مخس لـيس هلـن كفـارة‪ :‬اإلرشاك‬
‫باهلل‪ ،‬وقتل النفس بغري حق‪ ،‬وهبت املؤمن‪ ،‬والفرار من الزحف‪ ،‬ويمني‬
‫صرب يقطع هبا مال امرئ مسلم»(‪ ،)5‬وقال ابن مسعود ‪« :‬كنا نعد اليمني‬

‫)‪ (1‬يف صحيح البخاري ‪ ،2457 :6‬وغريه‪.‬‬


‫)‪ (2‬يف صحيح البخاري ‪ 2535 :6‬وغريه‪.‬‬
‫)‪ (3‬يف جامع الرتمذي ‪ ،569 :3‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫)‪ (4‬ينظر‪ :‬فتح باب العناية ‪ 249 :2‬وغريه‪.‬‬
‫)‪ (5‬يف مسند أمحد ‪ ،361 :2‬ومسند الشاميني ‪ ،200 ،187 :2‬ومسند الفردوس ‪،197 :2‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪47‬‬
‫الغموس من األيامن التي ال كفارة فيها»(‪.)1‬‬
‫أما اليمني اللغو‪ :‬وهو احللف عىل ماض كذب ًا ظن ًا؛ بـأن حيلـف عـىل‬
‫أمر يف املايض أو احلال‪ ،‬وهو يظن أنَّه كذلك‪ ،‬وليس كذلك‪ ،‬بـأن قـال‪ :‬واهلل‬
‫فعلت كذلك‪ ،‬وما فعل‪ ،‬وهو يظن أنَّه فعل‪ ،‬أو رأى شخص ًا من بعيد فقـال‪:‬‬
‫واهلل إنَّه لزيد‪ ،‬يظنه زيد ًا‪ ،‬وهو ليس كذلك(‪ ،)2‬فكل هذا لغو؛ ألنَّـه ال اعتبـار‬
‫به‪.‬‬

‫وحكمها‪:‬‬
‫ـذ ُك ُم اهللُ بـال َّلغو َيف َأي َامن ُكـم َو َلكـن‬
‫أنه ال إثم فيها؛ قال ‪{ :‬الَّ ُي َؤاخ ُ‬
‫ُي َؤاخ ُذ ُكم ب َام ك ََس َبت ُق ُلو ُب ُكم} البقرة‪.225 :‬‬

‫ومن دالئل قبحه‪:‬‬


‫كان من عالمات فساد الزمان‪ ،‬فعن عمر ‪ ،‬قال ‪« :‬أحسنوا إىل‬
‫أصحايب‪ ،‬ثم الذين يلوهنم‪ ،‬ثم يفشو الكذب‪ ،‬حتى حيلف الرجل عىل اليمني‬
‫ومل يستحلف ويشهد ومل يستشهد»(‪.)3‬‬

‫وقال القاري يف فتح باب العناية ‪ :249 :2‬إسناده جيد‪.‬‬


‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬فتح باب العناية ‪ ،249 :2‬وغريه‪.‬‬
‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬حاشية التبيني ‪ 107 :3‬وغريه‪.‬‬

‫وصححه والنسائي يف الكربى‪ ،‬كام يف املغني‪.139 :3‬‬


‫َّ‬ ‫(‪ )3‬أخرجه الرتمذي‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪48‬‬
‫وكان له األثر اليسء عىل القلب‪ ،‬فعن عبد اهلل بن ُأنيس‪ ،‬قال ‪« :‬ما‬
‫حالف باهلل‪ ،‬فأدخل فيها مثل جناح بعوضة إال كانت نكت ًة يف قلبه إىل‬
‫ٌ‬ ‫حلف‬
‫يوم القيامة»(‪.)1‬‬
‫وكان سبي ً‬
‫ال للفجور‪ ،‬فعن عبد الرمحن بن شبل‪ ،‬قال ‪« :‬إن التجار‬
‫هم الفجار‪ ،‬فقيل‪ :‬يا رسول اهلل أليس قد أحل اهلل البيع؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬ولكنهم‬
‫حيلفون فيأثمون‪ ،‬وحيدثون فيكذبون»(‪.)2‬‬
‫وكان سبب ًا للحرمان تكليم اهلل تعاىل يف اآلخرة‪ ،‬فعن أيب ذر ‪ ،‬قال‬
‫‪ « :‬ثالثة نفر ال ُي َك ِّل ُم ُه ُم اهللَُّ يوم الق َيا َمة وال َين ُظ ُر إليهم َاملن ُ‬
‫َّان ب َعط َّيته‬
‫احللف ال َفاجر واملسبل إزاره»(‪.)3‬‬
‫واملنف ُق سل َع َت ُه ب َ‬
‫وكان طريق ًا لنيل غضب اهلل تعاىل‪ ،‬فعن ابن مسعود ‪ ،‬قال ‪َ « :‬من‬
‫مال امرئ ُمسلم بغري َحق َلق َي اهللََّ تعاىل وهو‬
‫ف عىل َيمني بإثم ل َيقتَط َع هبا َ‬
‫َح َل َ‬
‫عليه غضبان»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي واحلاكم وصحح إسناده‪ ،‬وفيه‪« :‬وثالثة يشنؤهم اهلل التاجر أو البائع‬
‫احلالف» أخرجه أمحد‪ ،‬واللفظ له‪ ،‬وفيه ابن األمحس وال يعرف حاله‪ ،‬ورواه هو والنسائي‬
‫بلفظ آخر بإسناد جيد‪ ،‬وللنسائي من حديث أيب هريرة ‪« :‬أربعة يبغضهم اهلل البياع‬
‫احلالف» احلديث وإسناده جي‪ ،‬كام يف املغني‪.139 :3‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أمحد والبيهقي واحلاكم وقال‪ :‬صحيح اإلسناد‪ ،‬كام يف املغني‪.139 :3‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.139 :3‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.139 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪49‬‬
‫* اآلفة السادسة‪ :‬البهتان‪:‬‬
‫وهو قوله عىل غريه ما مل يفعل حتى حريه يف أمره وأدهشه‪.‬‬

‫وهو أشد الكذب البهتان‪ ،‬وأشد البهتان شهادة الزور‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫{ َواجتَن ُبوا َقو َل الزور}[احلج‪.)1( ]30 :‬‬

‫فعن أيب بكرة ‪ ،‬قال ‪ ‬وكان متكئ ًا‪« :‬أال أنبئكم بأكرب الكبائر‪:‬‬
‫اإلرشاك باهلل وعقوق الوالدين‪ ،‬ثم قعد‪ ،‬وقال‪ :‬أال وقول الزور»(‪.)2‬‬

‫ومن صوره‪ :‬االفرتاء عىل اهلل تعاىل وعىل رسوله؛ ألنه يؤدي إىل هدم‬
‫قواعد اإلسالم وإفساد الشيعة واألحكام‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬و َمن َأظ َل ُم ممَّن‬
‫ون َع َىل اهلل‬ ‫رتى َع َىل اهللَّ كَذ ًبا} [األنعام‪ ،]21 :‬وقال تعاىل‪ { :‬إ َّن ا َّلذي َن َيف َ ُ‬
‫رت َ‬ ‫اف َ َ‬
‫الكَذ َب الَ ُيفل ُحون}[يونس‪ ،]69 :‬وعن سمرة بن جندب ‪ ،‬قال ‪َ « :‬من‬
‫حدَّ ث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبني»(‪.)3‬‬

‫ومن االفرتاء عىل اهلل تعاىل اإلفتاء بغري علم‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬والَ َت ُقو ُلوا َملا‬
‫ـذا َح َرا ٌم ِّلتَف َ ُ‬
‫رتوا َع َىل اهلل الكَذ َب}‬ ‫ف َألسنَ ُت ُك ُم الكَذ َب َه َ‬
‫ـذا َحال ٌَل َو َه َ‬ ‫تَص ُ‬
‫[النحل‪.]116 :‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية وطريقة حممدية‪.171 :3‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.139 :3‬‬

‫(‪ )3‬أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كام يف املغني‪.139 :3‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪50‬‬
‫أما َمن ُأفتي بغري علم‪ ،‬فإن إثمه عىل من أفتاه إن كان املفتي معروف ًا‬
‫بالفقه والثقة‪ ،‬ومل يكن خطأ يف االجتهاد‪ ،‬وإن مل يكن معروف ًا فاإلثم عليهام‪،‬‬
‫أو كان معروف ًا وكان خطأ يف االجتهاد فال إثم‪ ،‬بل األجر الزم‪.‬‬
‫ورشط توبة البهتان‪:‬‬
‫‪.1‬عزمه عىل تركه‪.‬‬
‫‪.2‬استحالله إن أمكن بكونه حي ًا حارض ًا‪ ،‬وال يؤدي إىل فتنة‪ ،‬وإال‬
‫فالدعاء واالستغفار له‪ ،‬والترضع إىل اهلل تعاىل رجاء أن يغفر اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪.3‬تكذيب نفسه عند السامعني لبهتانه(‪.)1‬‬
‫* اآلفة السابعة‪ :‬التعريض‪:‬‬
‫وهو إرادة غري الظاهر املتبادر من الكالم كالتورية(‪.)2‬‬

‫الس َلف إ َّن يف املعاريض َمندُ َ‬


‫وح ًة عن الكذب‪ ،‬قال عمر ‪:‬‬ ‫و ُنق َل عن َّ‬
‫أما يف املعاريض ما يكفي الرجل عن الكذب‪ ،‬وإنام أرادوا بذلك إذا اض َط َّر‬
‫يض وال‬ ‫ور ٌة فال جيوز التَّعر ُ‬ ‫اإلنسان إىل الكذب فأما إذا مل تكن حاج ٌة َ ُ‬
‫ورض َ‬
‫يض َأه َو ُن(‪.)3‬‬
‫يح مجيع ًا‪ ،‬ولكن التَّعر َ‬
‫التَّرص ُ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية وطريقة حممدية‪.175 :2‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬طريقة حممدية‪.180 :3‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.139 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪51‬‬
‫ومن صور التعريض‪:‬‬
‫‪.1‬تقييد الكالم بلعل وعسى‪.‬‬
‫‪.2‬ذكر عدد أصغر داخل يف أكرب‪ ،‬مثاله‪ :‬اشرتيت هذا بخمسة مثالً‪ ،‬وقد‬
‫اشرتيته بستة؛ ألن القليل موجود يف الكثري‪ ،‬فال يكون كذب ًا‪ ،‬بخالف‬
‫العكس؛ ألن الكثري ليس بموجود يف القليل‪.‬‬
‫‪.3‬ذكر العدد كناية عن الكثرة‪ ،‬فال يراد به خصوص العدد‪ ،‬بل يراد‬
‫املبالغة‪ ،‬مثاله‪ :‬دعوتك سبعني مرة أو مائة أو ألف ًا‪ ،‬فال يكون كذب ًا إذا مل يبلغ‬
‫عدد دعوتك إىل أحد هذه‪ ،‬ولكن عدت تلك الدعوة بني الناس كثرية(‪.)1‬‬
‫دخل عىل‬ ‫‪.4‬التعريض بلفظ حيتمل معنيي‪ ،‬مثاله‪ :‬ما روي َأ َّن مطرفا َ‬
‫فارقت األمري إ َّال ما‬
‫ُ‬ ‫زياد فاستب َط َأ ُه فتع َّل َل ب َم َرض‪ ،‬وقال‪ :‬ما َر َفع ُت َجنبي ُمذ‬
‫َر َف َعني اهلل‪.‬‬
‫‪.5‬استعامل حرف «ما» وإرادة النفي للقائل‪ ،‬والسامع يفهم اإلهبام‪،‬‬
‫مثاله‪ :‬قال إبراهيم‪ :‬إذا بلغ الرجل عنك يشء فكرهت أن تكذب‪ ،‬فقل‪ :‬إن‬
‫اهلل تعاىل ليعلم ما قلت من ذلك من يشء‪ ،‬فيكون قوله‪ :‬ما حرف نفي عند‬
‫املستمع وعنده اإلهبام‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية‪180 :3‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪52‬‬
‫‪.6‬عدم اإلجابة املبارشة عن السؤال لكن يفهم السامع أنه جواب ًا عن‬
‫سؤاله‪ ،‬مثال‪ :‬وكان إبراهيم إذا طل َب ُه َمن َيكره أن َخي ُر َج إليه وهو يف الدَّ ار قال‬
‫للجارية قول له‪ :‬أطلبه يف املسجد‪ ،‬وال تقول له ليس ههنا‪ ،‬كيال يكون كذب ًا‪.‬‬
‫‪ .7‬النفي ملا أشري إليه‪ ،‬مثاله‪ :‬كان الشعبي إذا طلب يف املنزل هو‬
‫يكرهه‪ ،‬خط دائرة‪ ،‬وقال للجارية‪ :‬ضعي األصبع فيها‪ ،‬وقول ليس ههنا‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫ُيكره بغري حاجة‪ ،‬وجائز ٌة عند احلاجة‪ ،‬عىل أن ال ُيكثر منها‪ ،‬فتسقط‬
‫مروءته‪ ،‬وتفقد الثقة بكالمه؛ ألهنا أفضل السبل للخروج من الكذب‬
‫الرصيح ا ُمل َّ‬
‫حرم‪.‬‬ ‫َّ‬
‫قال ال َغزال(‪« :)1‬وهذا كله يف موضع احلاجة‪ ،‬فأما يف غري موضع احلاجة‬
‫فال؛ ألن هذا تفهيم للكذب‪ ،‬وإن مل يكن اللفظ كذب ًا‪ ،‬فهو مكروه عىل‬
‫اجلملة‪ ،‬نعم املعاريض ُتباح لغرض خفيف كتطييب َقلب الغري باملزاح‪.‬‬
‫وأما الكذب الرصيح كام يعتاده الناس من مالعبة احلمقى بتغريرهم‬
‫بأن امرأة قد رغبت يف تزوجيك‪ ،‬فإن كان فيه رضر يؤدي إىل إيذاء قلب‪ ،‬فهو‬
‫حرام‪ ،‬وإن مل يكن إال ملطايبته‪ ،‬فال يوصف صاحبها بالفسق‪ ،‬ولكن تركه‬
‫أوىل‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف إحياء علوم الدين‪.140 :3‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪53‬‬
‫وقد كان أهل الورع حيرتزون عن التسامح بمثل هذا الكذب‪ ،‬قال الليث‬
‫بن سعد‪ :‬كانت عينا سعد بن املسيب ترمص حتى يبلغ الرمص خارج عينيه‪،‬‬
‫فيقال له لو مسحت عينيك فيقول‪ :‬وأين قول الطبيب ال متس عينيك‪،‬‬
‫فأقول‪ :‬ال أفعل‪ ،‬وهذه مراقبة أهل الورع‪ ،‬و َمن تركه انسل لسانه يف الكذب‬
‫عند حد اختياره‪ ،‬فيكذب وال يشعر»‪.‬‬

‫* اآلفة الثامنة‪ :‬الكذب يف الوعد‪:‬‬


‫وهو وعد باللسان بأمر ال يتم الوفاء به‪.‬‬

‫وحكمه‪:‬‬
‫يكره حتري ًام كراهة إثم أن يعد مع قصده ومعرفته بعدم الوفاء‪.‬‬

‫ويكره حتري ًام كراهة تنزيه أن يعد مع شكه يف الوفاء به‪.‬‬

‫ويكره تنزهي ًا الوعد إن كان ظان ًا الوفاء‪ ،‬ومل يكن جازم ًا بذلك‪.‬‬
‫قال الغزال(‪« :)1‬إن اللسان َس َّب ٌ‬
‫اق إىل الوعد ثم النفس ربام ال تسمح‬
‫بالوفاء‪ ،‬فيصري الوعد ُخل ًفا‪ ،‬وذلك من أمارات النِّفاق‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬يا َأ َهيا‬
‫ا َّلذي َن آ َمنُوا َأو ُفوا بال ُع ُقود}[املائدة‪.]1:‬‬

‫وكان ابن مسعود ‪ ‬ال َيعدُ َوعدً ا إال ويقول‪ :‬إن شاء اهلل‪ ،‬وهو األوىل‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف إحياء علوم الدين‪.132 :3‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪54‬‬
‫وإذا فهم مع ذلك اجلرم يف الوعد‪ ،‬فال ُبدَّ من الوفاء إال َأن ُي َت َع َّذ َر‪ ،‬فإن‬
‫كان عند الوعد عاز ًما عىل أن ال يفي‪ ،‬فهذا هو النِّفاق‪ ،‬فعن ابن عمرو ‪:‬‬
‫أربع َمن كن فيه كان منافق ًا خالص ًا‪ ،‬و َمن كانت فيه خلة منهن‬
‫قال ‪ٌ « :‬‬
‫ث ك ََذ َب‪ ،‬وإذا عاهدَ َ‬
‫غدر‪ ،‬وإذا‬ ‫كانت فيه خل ٌة من نفاق حتى يدعها‪ :‬إذا َحدَّ َ‬
‫ُوعد َأخلف‪ ،‬وإذا خاصم فجر»(‪.)1‬‬
‫ف أو ت ََر َك الوفاء من غري عذر‪ ،‬فأما َمن َع َز َم‬
‫وهذا ينزل عىل َع َز َم اخلُل َ‬
‫عذر َمنَ َع ُه من الوفاء مل يكن منافق ًا‪ ،‬وإن َج َرى عليه ما هو‬
‫عىل الوفاء‪ ،‬ف َع َّن له ٌ‬
‫ُصور ُة النِّفاق‪ ،‬ولكن ينبغي َأن حيرتز من صورة النفاق أيض ًا كام َّ‬
‫يتحر ُز من‬
‫حقيقته‪ ،‬وال ينبغي أن َجي َع َل نَف َس ُه معذور ًا من غري رضورة حاجزة»‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬االستهزاء‪:‬‬
‫السخرية‪:‬‬
‫* اآلفة التاسعة‪ُّ :‬‬
‫وهي االستِ َها َن ُة والت ْح ِق ُري والتنْبِي ُه عىل ال ُع ُي ِ‬
‫وب والنقائص عىل وجه‬
‫ُي ْض َح ُك منه(‪.)2‬‬

‫وهي تتضمن االستصغار واالستخفاف(‪.)3‬‬

‫)‪ (1‬يف صحيح مسلم‪ ،87 :1‬وصحيح البخاري‪.131 :3‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.131 :3‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬طريقة حممدية‪.193 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪55‬‬
‫وقد تكون ذلك باملحاكاة يف الفعل والقول‪ ،‬وقد يكون باإلشارة‬
‫واإليامء‪ ،‬وإذا كان بحرضة املستهزأ به مل يسم ذلك غيبة‪ ،‬وفيه معنى الغيبة‪،‬‬
‫فعن عائشة ريض اهلل عنها‪« :‬حاكيت إنسان ًا فقال ل النبي ‪ :‬واهلل ما أحب‬
‫أين حاكيت إنسان ًا ول كذا وكذا»(‪.)1‬‬
‫وتار ًة تكون ب َأن يض َح َك عىل كالمه إذا َ َ‬
‫خت َّب َط فيه ومل ينتظم أو عىل‬
‫أفعاله إذا كنت مشوشة كالضحك عىل خطه‪ ،‬وعىل صنعته‪ ،‬أو عىل صورته‬
‫الضح ُك من مجيع ذلك‬‫وخلقته إذا كان قصري ًا أو ناقص ًا لعيب من العيوب‪َ ،‬ف َّ‬
‫داخل يف السخرية املنهي عنها(‪ ،)2‬فعن عبد اهلل بن زمعة ‪« :‬وعظهم ‪ ‬يف‬
‫الضحك من الرضطة فقال‪ :‬عالم يضحك أحدكم مما يفعل»(‪.)3‬‬
‫ومن دالئل قبحها‪:‬‬
‫قال تعاىل‪َ { :‬يا َأ َهيا ا َّلذي َن آ َمنُوا الَ َيس َخر َقو ٌم ِّمن َقوم َع َسى َأن َي ُكو ُنوا‬
‫َخ ًريا ِّمن ُهم َوالَ ن َساء ِّمن ن َِّساء َع َسى َأن َي ُك َّن َخ ًريا ِّمن ُه َّن}[احلجرات‪.]11:‬‬
‫فمناط اخلريية يف الفريقني ليس ما يظهر للناس من الصور واألشكال‬
‫وال األوضاع واألطوار التي عليها يدور أمر السخرية غالب ًا‪ ،‬بل إنام هو‬
‫األمور الكامنة يف القلوب‪ ،‬فال جيرتئ أحدٌ عىل استحقار أحد‪ ،‬فلعله أمجع‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود والرتمذي وصححه‪ ،‬كام يف املغني‪.131 :3‬‬

‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.131 :3‬‬


‫(‪ )3‬أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.131 :3‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪56‬‬
‫منه ملا نيط به اخلريية عند اهلل تعاىل‪ ،‬فيظلم نفسه بتحقري من وقره اهلل تعاىل‬
‫واالستهانة بمن عظمه اهلل تعاىل(‪.)1‬‬
‫وقال ابن عباس يف قوله تعاىل‪َ { :‬يا َوي َل َتنَا َمال َه َذا الكتَاب الَ ُي َغاد ُر‬
‫َصغ َري ًة َوالَ كَب َري ًة}[الكهف‪ :]49 :‬إن الصغرية التبسم باالستهزاء باملؤمن‬
‫الضحك عىل النَّاس من مجلة‬ ‫والكبرية القهقهة بذلك‪ ،‬وهذا إشار ٌة إىل أن َّ‬
‫الذنوب والكبائر‪.‬‬
‫وكل هذا يرجع إىل استحقار الغري‪ ،‬والضحك عليه استهانة به‬
‫واستصغار ًا له‪ ،‬وعليه َن َّب َه قوله تعاىل‪َ { :‬ع َسى َأن َي ُكو ُنوا َخ ًريا ِّمن ُهم}‬
‫استصغارا‪ ،‬فلع َّل ُه َخ ٌري منك‪ ،‬فعن أيب‬
‫ً‬ ‫[احلجرات‪ :]11:‬أي ال تستحقر ُه‬
‫هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬كونوا عباد اهلل إخوانا املسلم أخو املسلم‪ ،‬ال يظلمه وال‬
‫خيذله‪ ،‬وال حيقره التقوى هاهنا ـ ويشري إىل صدره ثالث مرات ـ بحسب‬
‫امرئ من الش أن حيقر أخاه املسلم‪ ،‬كل املسلم عىل املسلم حرام‪ ،‬دمه‪،‬‬
‫وماله‪ ،‬وعرضه»(‪.)2‬‬
‫وال يعرف مقام ِّ‬
‫كل واحد منا عند اهلل تعاىل إال اهلل تعاىل‪ ،‬فكيف يمكن‬
‫حتقريه أحد وقد يعلوك بدرجات عند اهلل تعاىل‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫«رب أشعث‪ ،‬مدفوع باألبواب لو أقسم عىل اهلل ألبره»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬تفسري أيب السعود‪.121 :8‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح مسلم‪.1986 :4‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح مسلم‪.24 :20‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪57‬‬
‫فسبب التحقري واالستهزاء بالغري هو الكرب الذي ابتيل به صاحبه‪ ،‬وهو‬
‫يردي صاحبه يف املهالك‪ ،‬فعن حارثة بن وهب اخلزاعي ‪ ،‬قال ‪« :‬أال‬
‫أخربكم بأهل اجلنة؟ كل ضعيف متضعف‪ ،‬لو أقسم عىل اهلل ألبره‪ ،‬أال‬
‫أخربكم بأهل النار‪ :‬كل عتل‪ ،‬جواظ مستكرب»(‪ ،)1‬فعن ابن مسعود ‪ ،‬قال‬
‫‪« :‬ال يدخل اجلنة من كان يف قلبه مثقال ذرة من كرب»(‪.)2‬‬
‫وربام‬ ‫نفسه مسخرة ُ‬ ‫حق َمن يتأذى به‪ ،‬وأما َمن جعل َ‬ ‫وحكمها‪ :‬حير ُم يف ِّ‬
‫فرح بأن ُيسخر منه صناعة ولعب ًا كانت السخرية من مجلة املزاح‪ ،‬وإنام ا ُمل َّ‬
‫حر ُم‬
‫استصغار يتأ َّذى منه املستهزأ به؛ ملا فيه من التَّحقري والتهاون(‪.)3‬‬
‫* اآلفة العارشة‪ :‬الطعن يف األنساب‪:‬‬
‫وهي التكلم يف نسبه وإن كان ثابت ًا‪ ،‬أو االنتقاص منه بسبب عدم رشفه‪.‬‬
‫حكمه‪:‬‬
‫يكره حتري ًام؛ ملا فيه من اإليذاء للمسلمني‪ ،‬وألن التفاضل بني املسلمني‬
‫َّاس إنَّا َخ َلقنَا ُكم ِّمن َذكَر َو ُأن َثى َو َج َعلنَا ُكم‬
‫بالتقوى‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬يا َأ َهيا الن ُ‬
‫ُش ُعو ًبا َو َق َبائ َل ل َت َع َار ُفوا إ َّن َأك َر َم ُكم عندَ اهللَّ َأت َقا ُكم إ َّن اهللََّ َعل ٌ‬
‫يم‬
‫َخبري}[احلجرات‪.]13:‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري‪ ،159 :6‬وصحيح مسلم‪.2190 :4‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح مسلم‪.93 :1‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪ ،131 :3‬وبريقة حممودية‪.193 :3‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪58‬‬
‫وعدَّ اب ُن حجر اهليتمي(‪ )1‬ال َّطعن يف األنساب الثابتة يف ظاهر الشع من‬
‫الكبائر‪.‬‬
‫واستدل النووي(‪ )2‬للمنع منه بقوله تعاىل‪َ { :‬والَ تَق ُ‬
‫ف َما َلي َس َل َك به عل ٌم‬
‫َان َعن ُه َمس ُؤوالً}[اإلرساء‪]36:‬؛ إذ‬ ‫رص َوال ُف َؤا َد ُكل ُأولـئ َك ك َ‬ ‫إ َّن َّ‬
‫السم َع َوال َب َ َ‬
‫أنه تكلم بغري علم‪.‬‬
‫وهي من آثار الكفر واالبتعاد عن الشيعة والتحاكم لغريها‪ ،‬فعن أيب‬
‫هريرة ‪ :‬قال ‪« :‬اثنتان يف الناس مها هبم كفر‪ :‬الطعن يف النسب‪،‬‬
‫والنياحة عىل امليت»‪.‬‬
‫* اآلفة احلادية عرشة‪ :‬التعيري‪:‬‬
‫وهي االنتقاص من اآلخرين بنسب أو مكان أو بلد أو مهنة أو فقر أو‬
‫غريها من األمور التي يتاميز هبا البرش‪.‬‬
‫والتعيري لغة‪ :‬التوبيخ‪ ،‬والعامة تقول‪ :‬عريه بكذا‪ ،‬والعار السبة‬
‫والعيب(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬يف الزواجر عن اقرتاف الكبائر‪.100 :2‬‬


‫(‪ )2‬يف األذكارص‪.554‬‬

‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬خمتار الصحاح ص‪.195‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪59‬‬
‫ومن دالئل قبحه‪:‬‬
‫ما كان من اعتباره َملز ًا وطعن ًا يف النفس‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬والَ تَلم ُزوا‬
‫َأن ُف َس ُكم} [احلجرات‪ :]11 :‬أي ال يعب بعضكم بعض ًا‪ ،‬فإن املؤمنني كنفس‬
‫واحدة أو ال تفعلوا ما تلمزون به‪ ،‬فإن من فعل ما استحق به اللمز فقد ملز‬
‫نفسه(‪.)1‬وكان التعيري لآلخرين سبب ًا يف فضيحة قائله‪ ،‬فعن ابن عمر ‪ ،‬قال‬
‫‪« :‬يا معش من أسلم بلسانه ومل يفض اإليامن إىل قلبه‪ ،‬ال تؤذوا املسلمني‬
‫وال تعريوهم»(‪.)2‬‬

‫ويبتىل قائله بمثل ما عري به غريه واستهزأ به منه‪ ،‬فعن معاذ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫«من عري أخاه بذنب مل يمت حتى يعمله»(‪.)3‬‬

‫وحكمه‪:‬‬
‫يكره حتري ًام؛ ملا يشتمل عليه من اإلذاء للمسلمني‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬وا َّلذي َن‬
‫ني َوا ُملؤمنَات ب َغري َما اكت ََس ُبوا َف َقد احت ََم ُلوا ُهبتانًا َوإث ًام ُمبينًا}‬
‫ون ا ُملؤمن َ‬
‫ُيؤ ُذ َ‬
‫[األحزاب‪.]58 :‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية‪.203 :3‬‬


‫(‪ )2‬يف سنن الرتمذي‪ ،378 :4‬وقال؛ حسن غريب‪ ،‬وصحيح ابن حبان‪.75 :13‬‬

‫(‪ )3‬يف سنن الرتمذي‪ ،661 :4‬وقال‪ :‬حسن غريب‪.‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪60‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬بذاءة اللسان‪:‬‬
‫* اآلفة الثانية عرشة‪ :‬الل ْع ُن‪:‬‬
‫وهو الطر ُد واإلبعا ُد من رمحة اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وهو مذمو ٌم حليوان َأو مجاد َأو إنسان(‪ ،)1‬فعن َسمرة بن ُجندب ‪ ،‬قال‬
‫‪« :‬ال تَالعنوا بلعنة اهلل وال بغضبه وال بجهنم»(‪.)2‬‬
‫وشدَّ د النبي ‪ ‬يف املنع من لعن احليوان‪ ،‬حتى أمر صاحبه بإبعاده‬
‫عقاب ًا لصاحبه عىل لعنه له؛ ألننا نحيا برمحة اهلل‪ ،‬فإن ختلينا عنها اللعن‬
‫استحقينا العقوبة واجلزاء‪ ،‬فعن عمران بن حصني ‪« :‬بينام رسول اهلل ‪ ‬يف‬
‫بعض أسفاره إذا امرأة من األنصار عىل ناقة هلا‪ ،‬فضجرت منها فلعنتها‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬خذوا ما عليها وأعروها‪ ،‬فإهنا ملعونة»(‪ ،)3‬وعن أنس ‪« :‬كان‬
‫رجل مع َر ُسول اهللَّ ‪ ‬عىل بعري فلعن بعريه فقال يا عبد اهلل ال ترس معنا عىل‬
‫بعري ملعون»(‪.)4‬‬

‫و َيق ُر ُب من ال َّلعن الد َعا ُء عىل اإلنسان ب َّ ِّ‬


‫الش حتى الدعاء عىل الظامل‪:‬‬
‫كقول اإلنسان مثالً‪ :‬ال صحح اهلل جسمه‪ ،‬وال سلمه اهلل‪ ،‬وما جيري جمراه‪،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬األحياء‪.123 :3‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي وأبو داود‪ ،‬قال الرتمذي حسن صحيح‪ ،‬كام يف املغني‪.126 :3‬‬

‫(‪ )3‬أخرجه مسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.126 :3‬‬

‫(‪ )4‬أخرجه ابن أيب الدنيا بإسناد جيد‪ ،‬كام يف املغني‪.126 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪61‬‬
‫فإن ذلك َمذ ُمو ٌم(‪ ،)1‬فعن عائشة ريض اهلل عنها‪ :،‬قال ‪َ « :‬من دعا عىل َمن‬
‫ظلمه فقد انترص»(‪.)2‬‬
‫َ‬
‫ومن دالئل قبحه‪:‬‬
‫ما كان من احلرمان من أن يكون الالعن شفعي ًا وشاهد ًا يوم القيامة‪،‬‬
‫عن أيب الدرداء ‪ ،‬قال ‪« :‬إن اللعانني ال يكونون شفعاء وال شهداء يوم‬
‫القيامة»(‪.)3‬‬
‫وكان اللعن مستحق ًا عىل قائله‪ ،‬فعن الدرداء ‪ ،‬قال ‪« :‬إن العبد إذا‬
‫لعن شيئ ًا صعدت اللعنة إىل السامء فتغلق أبواب السامء دوهنا‪ ،‬ثم هتبط إىل‬
‫األرض فتغلق أبواهبا دوهنا‪ ،‬ثم تأخذ يمين ًا وشامالً‪ ،‬فإذا مل جتد مساغ ًا رجعت‬
‫إىل الذي لعن‪ ،‬فإن كان لذلك أهالً‪ ،‬وإال رجعت إىل قائلها»(‪ ،)4‬قال‬
‫اخلادمي(‪« :)5‬وحاصله أن دعاء أحد عىل أحد بيشء من املكاره كالطرد من‬
‫رمحة اهلل تعاىل‪ ،‬فإن استحق املدعو عليه أصابه‪ ،‬فيستجاب يف ح ِّقه وإال‬
‫حق الدَّ اعي‪ ،‬فيصيبه فيلزمه أن َمن ال يستحق الدعاء رشع ًا ال‬ ‫فيستجاب يف ِّ‬
‫يرضه ألبتة‪ ،‬بل يرض الداعي»‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.126 :3‬‬


‫)‪ (2‬يف سنن الرتمذي‪ ،554 :5‬وقال‪ :‬حديث غريب‪ ،‬ومسند القضاعي‪ ،242 :1‬ومصنف‬
‫ابن أيب شيبة‪.292 :15‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.123 :3‬‬
‫(‪ )4‬يف سنن أيب داود‪ ،277 :4‬ومسند البزار‪.24 :10‬‬
‫(‪ )5‬يف بريقة حممودية‪.199 :3‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪62‬‬
‫وكل ما حولنا هي نعم َم َّن اهلل تعاىل هبا علينا‪ ،‬وبرمحته تعاىل ننتفع هبا‪،‬‬
‫فال جيوز أن نذ َّم شيئ ًا مما َخ َل َق اهللُ تعاىل‪ ،‬كام سلوك النبي ‪ ،‬فعن أيب هريرة‬
‫‪« :‬ما عاب رسول اهلل ‪ ‬طعام ًا قط‪ ،‬كان إذا اشتهى شيئ ًا أكله‪ ،‬وإن كرهه‬
‫تركه»(‪ ،)1‬فكيف يصل بنا احلد إىل لعنه‪.‬‬
‫وكان تشبيه اللعن للمسلم بقلته‪ ،‬فعن ثابت بن الضحاك ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫«و َمن لعن مؤمن ًا فهو كقتله‪ ،‬ومن قذف مؤمن ًا بكفر فهو كقتله»(‪.)2‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫ُ‬
‫ُيكره كراهة إثم ملن ال َيستحقه‪.‬‬
‫وكذلك لعن من مات‪ ،‬إال عىل من مات عىل الكفر‪ ،‬فعن عائشة ريض‬
‫اهلل عنها‪ ،‬قال ‪« :‬ال تذكروا موتاكم إال بخري»(‪ ،)3‬وعن ثابت بن الضحاك‬
‫‪ ،‬قال ‪«: ‬لعن املؤمن كقتله»(‪ ،)4‬فاالشتغال بذكر اهلل أوىل‪ ،‬فإن مل يكن‪،‬‬
‫ففي السكوت سالمة‪.‬‬
‫و ُيكره كراهة تنزيه َملن استح َّقه‪ ،‬فيكون لعنه خالف األوىل‪ ،‬كلعن‬
‫شخص معني وإن كان كان غري مسلم؛ ألن لعن األعيان فيه خطر؛ ألن‬

‫)‪ (1‬يف صحيح مسلم‪.1632 :3‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح البخاري‪.15 :8‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه النسائي وإسناده جيد‪ ،‬كام يف املغني‪.123 :3‬‬

‫(‪ )4‬أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.123 :3‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪63‬‬
‫األعيان تتقلب يف األحوال إال من أعلم به رسول اهلل ‪ ،‬فإنه جيوز أن َيعلم‬
‫َمن يموت عىل الكفر‪.‬‬
‫وكذلك لعن الفرق املبتدعة كالقدرية واخلوارج والروافض؛ ألن يف‬
‫خطر؛ ألن معرف َة البدعة غامض ٌة‪ ،‬ومل يرد فيه ٌ‬
‫لفظ‬ ‫ٌ‬ ‫لعن أوصاف املبتدعة‬
‫مأثور‪ ،‬فينبغي أن ُيمنع منه العوام؛ ألن ذلك يستدعي املعارضة بمثله ويثري‬
‫ٌ‬
‫نزاع ًا بني الناس وفساد ًا‪.‬‬
‫وكذلك َمن بان لنا موته عىل الكفر‪ ،‬جاز ذمه إن مل يكن فيه أذى عىل‬
‫مسلم‪ ،‬فإن كان مل جيز‪ ،‬فعن عيل بن ربيعة‪ ،‬قال‪ :‬ملا افتتح رسول اهلل ‪ ‬مكة‬
‫توجه من فوره إىل الطائف‪ ،‬ومعه أبو بكر ومعه ابنا سعيد بن العاص‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أبو بكر‪ :‬ملن هذا القرب؟ قالوا‪ :‬قرب سعيد بن العاص‪ ،‬فقال‪ :‬أبو بكر‪ :‬لعن اهلل‬
‫صاحب هذا القرب؛ فإنه كان حياد اهلل ورسوله‪ ،‬فقال‪ :‬ابنا سعيد‪ :‬لعن اهلل أبا‬
‫قحافة فإنه كان ال يقري الضيف‪ ،‬وال يمنع الضيم‪ ،‬قال رسول اهلل ‪ :‬إن‬
‫سب األموات يغضب األحياء‪ ،‬فإذا سببتم املشكني فسبوهم مجيع ًا»(‪.)1‬‬
‫أن َّ‬
‫كل شخص ثبتت لعن ُته رشع ًا‪،‬‬ ‫قال ال َغزال(‪« :)2‬والتفصيل فيه‪َّ :‬‬
‫فتجوز لعنته كقولك‪ :‬فرعون لعنه اهلل‪ ،‬وأبو جهل لعنه اهلل تعاىل‪ ،‬فعن ابن‬
‫مسعود ‪ ،‬قال ‪« :‬اللهم عليك بأيب جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة»(‪)3‬؛‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود يف مراسيله ص‪.345‬‬


‫(‪ )2‬يف إحياء علوم الدين‪ 123 :3‬بترصف يسري‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.125 :3‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪64‬‬
‫ألنه قد ثبت أن هؤالء ماتوا عىل الكفر‪ ،‬وعرف ذلك رشع ًا‪.‬‬
‫هيودي‬
‫ٌّ‬ ‫شخص بعينه يف زماننا كقولك‪ :‬زيدٌ لعنه اهلل تعاىل‪ ،‬وهو‬
‫ٌ‬ ‫وأما‬
‫مقرب ًا عند اهلل‪ ،‬فكيف حيكم‬
‫مثالً‪ ،‬فهذا فيه خطر‪ ،‬فإنه ُر َّبام ُيسلم فيموت َّ‬
‫بكونه ملعون ًا‪...‬‬
‫ودعا النبي ‪ ‬عىل مجاعة من الكفار‪ ،‬فلام مل يعلم عاقبتهم‪ ،‬توقف عن‬
‫الدعاء‪ ،‬فعن أنس ‪« :‬دعا رسول اهلل ‪ ‬عىل الذين قتلوا يف أصحاب بئر‬
‫معونة ثالثني صباح ًا»(‪ ،)1‬ثم بلغنا أنه ترك ذلك ملا أنزل اهلل تعاىل‪َ { :‬لي َس َل َك‬
‫م َن األَمر َيش ٌء}[آل عمران‪ ،)2(]128:‬يعني أهنم ربام ُيسلمون‪ ،‬فمن أين تعلم‬
‫أهنم ملعونون»‪.‬‬
‫ف بصفة ُتبعدُ ُه من اهللَّ تعاىل‪ ،‬وهو الكفر والظلم‬ ‫و ُيباح َملن ات ََّص َ‬
‫والفسقة بأن نقول‪ :‬لعنة اهلل عىل الظاملني ولعنة عىل الكافرين ولعنة اهلل عىل‬
‫الشع‪ ،‬فإن يف اللعنة خطر ًا؛ ألنه حكم‬‫آكيل الربا‪ ،‬وينبغي أن يتبع فيه لفظ َّ‬
‫غيب ال يطلع عليه غري اهلل تعاىل‪،‬‬
‫عىل اهلل تعاىل بأنه قد أبعد امللعون‪ ،‬وذلك ٌ‬
‫ويطلع عليه رسول اهلل ‪ ‬إذا أطلعه اهلل عليه‪.‬‬
‫الصفات املقتضية للعن‪:‬‬
‫الكفر والبدعة والظلم والفسق‪ ،‬وللعن يف ِّ‬
‫كل واحدة ثالث مراتب‪:‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.125 :3‬‬

‫(‪ )2‬أخرجه مسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.125 :3‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪65‬‬
‫‪.1‬اللعن بالوصف األعم‪ ،‬كقولك‪ :‬لعنة اهلل الكافرين واملبتدعني‬
‫والفسقة‪.‬‬
‫‪.2‬اللع ُن بأوصاف أخص منه‪ ،‬كقولك‪ :‬لعنة اهلل عىل اليهود والنصارى‬
‫واملجوس‪.‬‬
‫‪.3‬اللعن للشخص املعني‪ ،‬وهذا فيه خطر كقولك‪ :‬زيد لعنه اهلل‪ ،‬وهو‬
‫كافر أو فاسق أو مبتدع‪.‬‬
‫وعىل اجلملة‪ ،‬ففي لعن األشخاص خطر فليجتنب‪ ،‬وال خطر يف‬
‫ال عن غريه‪ ،‬ولذلك ال يلعن يزيد‪ ،‬أو أن‬ ‫ال فض ً‬
‫السكوت عن لعن إبليس مث ً‬
‫يقال‪ :‬إنه قتله أو أمر به ما مل يثبت فض ً‬
‫ال عن اللعنة؛ ألنه ال جتوز نسبة مسلم‬
‫إىل كبرية من غري حتقيق‪ ،‬وجيوز أن يقال‪ :‬قتل ابن ملجم علي ًا ‪ ‬وقتل أبو‬
‫مسلم بفسق أو‬
‫ٌ‬ ‫لؤلؤة عمر ‪ ،‬فإن ذلك ثبت متواتر ًا‪ ،‬فال جيوز أن يرمى‬
‫كفر من غري حتقيق(‪ ،)1‬فعن أيب ذر ‪ ،‬قال ‪« :‬ال يرمى رجل رج ً‬
‫ال بالكفر‪،‬‬
‫وال يرميه بالفسق‪ ،‬إال ارتدت عليه إن مل يكن صاحبه كذلك»(‪.)2‬‬
‫* اآلفة الثالثة عرشة‪ :‬الفحش‪:‬‬
‫حي ِة‪.‬‬ ‫ور ا ُْمل ْس َت ْق َب َح ِة بالعبارات ِ‬
‫الَّص َ‬ ‫عن األُ ُم ِ‬
‫وهو الت ْعبِ ُري ِ‬
‫وتكون يف كل ما ُخيفى و ُيستَح َيا منه‪ ،‬فال ينبغي َأن يذكر ألفا ُظ ُه‬
‫الرصحية‪ ،‬فإنه فحش‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.125 :3‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.123 :3‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪66‬‬
‫ومن صورها‪:‬‬
‫‪.1‬ألفاظ الوقاع من نحو الذكر والفرج وما يتع َّل ُق به‪ ،‬وأكثر الفحش‬
‫حي ًة فاحش ًة يستعملوهنا فيه‪ ،‬وأهل‬
‫جيري فيها‪ ،‬فإن ألهل الفساد عبارات رص َ‬
‫َ‬
‫يتحاشون عنها‪ ،‬بل يكنون عنها‪ ،‬ويدلون عليها بالرموز‪ ،‬فيذكرون‬ ‫الص َالح‬
‫َّ‬
‫كريم يعفو و َيكنُو‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ما يقرهبا‪ ،‬ويتعلق هبا‪ ،‬قال ابن ع َّباس ‪« :‬إن اهلل حي‬
‫َكنَّى بال َّلمس عن اجلامع»‪.‬‬

‫‪.2‬التعبري عن قضاء احلاجة من البول والغائط ‪ ،‬فال يستعمل لفظ‬


‫التغوط واخلراء وغريمها‪ ،‬فينبغي الكناية عنها بقضاء احلاجة‪.‬‬
‫‪.3‬التعبري عن النساء‪ ،‬ف ُيستحسن يف العادة الكناية عن النِّساء‪ ،‬فال ُيقال‬
‫قالت زوجتك‪ :‬كذا بل يقال قيل يف احلجرة أو من وراء السرت أو قالت أم‬
‫َّرصيح فيها يفيض إىل‬
‫ُ‬ ‫َّلطف يف هذه األلفاظ حممو ٌد‪ ،‬والت‬
‫األوالد‪ ،‬فالت ُ‬
‫الفحش‪.‬‬
‫عرب عنها برصيح‬
‫‪.4‬التعبري عن عيوب يستحيا منها‪ ،‬فال ينبغي أن ُي َّ‬
‫لفظها كالربص والقرع والبواسري‪ ،‬بل يقال‪ :‬العارض الذي يشكوه وما‬
‫جيري جمراه‪ ،‬فالترصيح بذلك داخل يف الفحش‪ ،‬ومجيع ذلك من آفات‬
‫اللسان (‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬اإلحياء يف علوم الدين‪.122 :3‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪67‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫ُتكره حتري ًام كراهة إثم أو إساءة أو كراهة تنزهية بسبب تفات ألفاظها يف‬
‫الدَّ اللة عىل القبح‪ ،‬قال ال َغزال(‪« :)1‬وهذه العبارات متفاوتة يف الفحش‪،‬‬
‫وبعضها أفحش من بعض وربام اختلف ذلك بعادة البالد‪ ،‬وأوائلها مكروهة‬
‫وأواخرها حمظورة‪ ،‬وبينهام درجات يرتدد فيها»‪.‬‬
‫والباعث عليها‪:‬‬
‫إما قصد اإليذاء‪ ،‬وإما االعتياد احلاصل من خمالطة أهل الفساد‪،‬‬
‫واألدب أن يذكر بالكناية‪ ،‬وهو دأب الصاحلني‪ ،‬بل دأب رب العاملني(‪.)2‬‬
‫ومن دالئل قبحه‪:‬‬
‫غري حمبوب له تعاىل‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬ال‬
‫ما كان من هني اهلل تعاىل عنها‪ ،‬وأنه ُ‬
‫ُحيب اهللَُّ اجلَه َر بالسوء م َن ال َقول إال َمن ُظل َم َوك َ‬
‫َان اهللَُّ َسمي ًعا َعل ًيام‪ .‬إن ُتبدُ وا‬
‫َان َع ُف ًّوا َقد ًيرا}[النساء‪148 :‬ـ‬ ‫َخ ًريا َأو ُخت ُفو ُه َأو تَع ُفوا َعن ُسوء َفإ َّن اهللََّ ك َ‬
‫‪ ،]149‬وعن عبد اهلل بن عمرو ‪ ،‬قال ‪« :‬إ َّيا ُكم وال ُفح َش فإن اهللَّ تعاىل‬
‫ال ُحيب ال ُفح َش وال ال َّت َفح َش»(‪ ،)3‬وعن أسامة بن زيد ‪ ،‬قال ‪« :‬إن اهلل ال‬

‫(‪ )1‬يف اإلحياء‪.122 :3‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬اإلحياء يف علوم الدين‪.122 :3‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه النسائي يف الكربى يف التفسري واحلاكم وصححه‪ ،‬ورواه ابن حبان من حديث‬
‫أيب هريرة ‪ ،‬كام يف املغني‪.122 :3‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪68‬‬
‫حيب الفاحش املتفحش»(‪.)1‬‬
‫وليس الفحش من صفات املؤمنني؛ ألنه قبح‪ ،‬واملؤمن يتزين باحلُسن‪،‬‬
‫فعن ابن مسعود ‪ ،‬قال ‪« :‬ليس املؤم ُن بال َّط َّعان وال ال َّل َّعان وال الفاحش‬
‫وال البذيء»(‪.)2‬‬
‫وكانت البذاءة من النفاق‪ ،‬فعن أيب أمامة ‪ ،‬قال ‪« :‬البذاء والبيان‬
‫شعبتان من النفاق»(‪.)3‬‬
‫وكات الفحش خارجة عن أخالق اإلسالم‪ ،‬فعن جابر بن سمرة ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬إن الفحش والتفاحش ليسا من اإلسالم يف يشء‪ ،‬وإن أحسن الناس‬
‫إسالم ًا أحاسنهم أخالق ًا»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الطرباين‪ ،‬وإسناده جيد‪ ،‬كام يف املغني‪.122 :3‬‬

‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي بإسناد صحيح‪ ،‬وقال‪ :‬حسن غريب وصححه‪ ،‬وروي موقوف ًا قال‬
‫الدارقطني يف «العلل»‪ :‬واملوقوف أصح‪ ،‬كام يف املغني‪.122 :3‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الرتمذي وحسنه احلاكم‪ ،‬وصححه عىل رشطهام‪ .‬حيتمل أن يراد بالبيان كشف ما‬
‫ال جيوز كشفه‪ ،‬وحيتمل أيض ًا املبالغة يف اإليضاح حتى ينتهي إىل حدِّ التكلف‪ ،‬وحيتمل البيان‬
‫يف أمور الدين ويف صفات اهلل تعاىل‪ ،‬فإن إلقاء ذلك جممالً إىل أسامع العوام أوىل من املبالغة يف‬
‫بيانه؛ إذ قد يثور من غاية البيان فيه شكوك ووساوس‪ ،‬فإذا أمجلت بادرت القلوب إىل القبول‬
‫ومل تضطرب‪ ،‬ولكن ذكره مقرون ًا بالبذاء ُيشبه أن يكون املراد به املجاهرة بام َيستحي اإلنسان‬
‫من بيانه‪ ،‬فإن األوىل يف مثله اإلغامض والتغافل دون الكشف والبيان‪ ،‬أفاده الغزال‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه امحد وابن أيب الدنيا بإسناد صحيح‪ ،‬كام يف املغني‪.122 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪69‬‬
‫وكان الفاحش من رش الناس‪ ،‬فعن عائشة ريض اهلل عنها‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫«ائذنوا له‪ ،‬فبئس ابن العشرية ـ أو بئس أخو العشرية ـ‪ ،‬فلام دخل أالن له‬
‫الكالم‪ ،‬فقلت له‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬قلت ما قلت‪ ،‬ثم ألنت له يف القول؟ فقال‪:‬‬
‫أي عائشة‪ ،‬إن رش النَّاس منزلة عند اهلل من تركه ـ أو ودعه الناس ـ اتقاء‬
‫فحشه»(‪.)1‬‬
‫وكان البذاء ُة أشد قبائح اللسان‪ ،‬قال األحنف بن قيس‪« :‬أال أخربكم‬
‫بأدوإ الداء اللسان البذي واخللق الدين‪ ،‬فهذه مذمة الفحش»‪.‬‬
‫ب والشتم‪:‬‬
‫* اآلفة الرابعة عرشة‪ :‬الس ُّ‬
‫وهي وصف غريك بام ال يليق وال يستحسن‪.‬‬
‫ومن دالئل قبحه‪:‬‬
‫ما كان من هني اهلل تعاىل عن سب آلة غري املسلمني‪ ،‬حتى ال يتذرعوا به‬
‫ون من ُدون اهلل َف َي ُسبوا‬ ‫إىل سب اهلل تعاىل‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬والَ ت َُسبوا ا َّلذي َن َيد ُع َ‬
‫اهللَ َعد ًوا ب َغري علم ك ََذل َك َز َّينَّا ل ُك ِّل ُأ َّمة َع َم َل ُهم ُث َّم إ َىل َر ِّهبم َّمرج ُع ُهم َف ُينَ ِّب ُئ ُهم‬
‫ب َام كَا ُنوا َيع َم ُلون}[األنعام‪]108:‬‬
‫وكان منع النبي ‪ ‬من سب غري املسلمني؛ لعدم الفائدة منه‪ ،‬وألثره‬
‫اليسء املسلم برتسيخ خلق اللؤم عنده‪ ،‬فعن حممد بن عيل الباقر‪« :‬هنى‬
‫ب َقت َىل بدر من املشكني فقال‪ :‬ال ت َُسبوا هؤالء‪ ،‬فإنه‬
‫رسول اهلل ‪ ‬عن أن ُت َس َّ‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري‪.31 :8‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪70‬‬
‫ون األحياء أال َّ‬
‫إن البذاء لؤم»(‪.)1‬‬ ‫ال َخي ُل ُ‬
‫ص إليهم يشء مما تقولون و ُتؤ ُذ َ‬
‫وكان اعتبار السباب فسق‪ ،‬فعن ابن مسعود ‪ ،‬قال ‪ ،‬قال‪« :‬سباب‬
‫املسلم فسوق‪ ،‬وقتاله كفر»(‪.)2‬‬
‫وكان من وصية النبي ‪ ‬ألصحابه ترك السب‪ ،‬فعن أيب جرير‬
‫اهلجيمي‪ :‬قال أعرايب لرسول اهلل ‪َ ‬أوصني‪ ،‬فقال‪ :‬عليك بتقوى اهللَّ وإن‬
‫عريه بيشء فيه يكن و َبا ُل ُه عليه و َأجره لك‬‫ام ُر ٌؤ َع َّريك بيشء يعلمه فيك‪ ،‬فال ُت ِّ‬
‫وال ت َُس َّب َّن شيئ ًا‪ ،‬قال‪ :‬فام َس َبب ُت شيئ ًا بعده»(‪.)3‬‬

‫وكان خارج ًا عن رمحة اهلل َمن كان سبب ًا يف لعن والديه بأن َي ُس َّ‬
‫ب‬
‫ب َوالدَ يه»(‪.)4‬‬ ‫والدي غريه‪ ،‬فعن ابن عباس ‪ ،‬قال ‪َ « :‬مل ُع ٌ‬
‫ون َمن َس َّ‬
‫وكان من الكبائر التسبب بسب الديه‪ ،‬فعن عبد اهلل بن عمرو ‪ ،‬قال‬
‫‪« :‬من أكرب الكبائر َأن َّ‬
‫يسب الرجل َوالدَ يه قالوا‪ :‬يا رسول اهللَّ كيف َي ُسب‬
‫الر ُج ُل َوالدَ يه؟ قال‪َ :‬ي ُسب َأبا َّ‬
‫الر ُجل َف َي ُسب اآلخر أباه»(‪.)5‬‬ ‫َّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن أيب الدنيا مرس ً‬


‫ال ورجاله ثقات وللنسائي من حديث ابن عباس ‪ ‬بإسناد‬
‫صحيح‪« :‬إن رجال وقع يف أب للعباس كان يف اجلاهلية فلطمه» احلديث‪ ،‬وفيه‪« :‬ال تسبوا‬
‫أمواتنا فتؤذوا أحياءنا»‪ ،‬كام يف املغني‪.122 :3‬‬
‫(‪ )2‬يف صحيح البخاري‪ ،19 :1‬وصحيح مسلم‪.81 :1‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أمحد والطرباين بإسناد جيد‪ ،‬كام يف املغني‪.122 :3‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أمحد وأبو يعىل والطرباين بإسناد جيد‪ ،‬كام يف املغني‪.122 :3‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.122 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪71‬‬
‫وكان اعتبار النبي ‪ ‬السباب من أمر اجلاهلية‪ ،‬فعن أيب ذر ‪« :‬كان‬
‫بيني وبني رجل كالم‪ ،‬وكانت أمه أعجمية‪ ،‬فنلت منها‪ ،‬فذكرين إىل النبي ‪،‬‬
‫فقال ل‪ :‬أساببت فالن ًا‪ ،‬قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬أفنلت من أمه‪ ،‬قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫إنك امرؤ فيك جاهلية»(‪.)1‬‬
‫والباعث عليه‪:‬‬
‫إما قصدُ اإليذاء وإ َّما االعتياد احلاصل من خمالطة ال ُف َّساق‪ ،‬وأهل‬
‫اخلبث واللؤم ومن عادهتم السب(‪.)2‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫ُيكره بقدر ما يتسبب به من األذى‪ ،‬حتى يكون به اإلثم‪ ،‬واألوىل‬
‫الصفح والتجاوز ملن وقع عليه السب‪ ،‬فعن أنس ‪ ،‬قال ‪« :‬أفضل‬
‫الفضائل أن تصل من قطعك‪ ،‬وتعطي من منعك‪ ،‬وتصفح عمن شتمك»(‪)3‬؛‬
‫ألنه شتمه لك وبال ورضره عليه‪ ،‬فعن جابر بن سليم ‪ ،‬قال ‪« :‬وإن‬
‫امرؤ شتمك وعريك بام يعلم فيك‪ ،‬فال تعريه بام تعلم فيه‪ ،‬فإنام وبال ذلك‬
‫عليه»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري‪.16 :8‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬اإلحياء‪.122 :3‬‬
‫(‪ )3‬يف مسند أمحد‪ ،383 :24‬واملعجم الكبري‪.188 :20‬‬
‫(‪ )4‬يف سنن أيب داود‪ ،56 :4‬ومسند أمحد‪.234 :34‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪72‬‬
‫السباب كان رد ًا لالعتداء والظلم‪ ،‬فعن أيب‬
‫وإن َرد عليه تل َّف َظ به من ِّ‬
‫هريرة ‪ ،‬قال ‪ُ « :‬املس َت َّبان ما قاال‪ ،‬فعىل ال َبادئ منهام حتى يعتدي‬
‫املظلوم»(‪.)1‬‬
‫قال الربكوي واخلادمي(‪« :)2‬لو قال له يا خبيث األحسن أن يكف عنه‪،‬‬
‫ولو أجاب فقال له‪ :‬ال بل أنت ال بأس‪ ،‬ويف «املنح» إن قال لغريه يا خبيث‬
‫فجازاه بمثله جاز؛ ألنه انتصار بعد الظلم‪ ،‬وذلك مأذون فيه قال تعاىل‪:‬‬
‫َرص َبعدَ ُظلمه َف ُأو َلئ َك َما َع َليهم ِّمن َسبيل}[الشورى‪ ،]41:‬والعفو‬ ‫{ َو َملن انت َ َ‬
‫أفضل‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬ف َمن َع َفا َو َأص َل َح َف َأج ُر ُه َع َىل اهللَّ}[الشورى‪.]40 :‬‬
‫وأما إذا كانت الكلمة موجبة للحدِّ ال ينبغي أن جييبه بمثلها حترز ًا عن‬
‫إجياب احلدِّ عىل نفسه‪.‬‬
‫ولو قال يا شارب اخلمر‪ ،‬فقال‪ :‬بل أنت فتكافآ ال ُيعزران‪.‬‬
‫وهذا اإلثم عىل البادئ فقط ما مل يعتد املظلوم يف نحو‪ :‬يا جاهل ويا أمحق‬
‫مما جيوز فيه املقابلة‪.‬‬
‫وأما يف نحو يا زان ويا لوطي مما ال جيوز فيه املقابلة مما يوجب احلد‪،‬‬
‫فكالمها آثم‪ ،‬وإن كان إثم املبتدئ أكثر؛ للتَّسبب واملبارشة‪ ،‬ويف «الفتاوى»‪:‬‬
‫إن قال آلخر‪ :‬يا زان‪ ،‬فقال‪ :‬ال بل أنت حيدان‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.276 :2‬‬

‫(‪ )2‬يف الربيقة والطريقة‪.200 :3‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪73‬‬
‫واألفضل للمعتدى عليه الصرب مع العفو‪ ،‬إال أن يؤدي إىل زيادة فساد‬
‫املعتدي‪ ،‬أو الدعوة إىل القايض‪ ،‬فيدعي موجبه وجيزيه تأديب ًا وتشفي ًا‪ ،‬أو‬
‫املقابلة بنحو يا جاهل من جنس ما جيوز فيه املقابلة‪ ،‬فحينئذ يستويف‬
‫ظالمته»‪.‬‬

‫حق األَموات؛ ألنه‬


‫فمن باب أوىل يف ِّ‬
‫ممنوع‪َ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫وإن كان السب لألحياء‬
‫ليس من صفات املؤمنني‪ ،‬فعن عائشة ريض اهلل عنها‪ ،‬قال ‪« :‬ال تسبوا‬
‫األموات‪ ،‬فإهنم قد أفضوا إىل ما قدموا»(‪.)1‬‬

‫وحكمه من جهة التعزير من القايض‪ :‬فكل لفظ أحلق الشني باآلخرين‬


‫عز ُر قائله بالرضب احلبس أو غريها عىل يراه القايض‪ ،‬كام لو قال‪ :‬يا فاجر‬
‫ُي َّ‬
‫أو يا هيودي أو يا نرصاين أو يا جمويس أو يا كافر أو يا خمنَّث أو يا ابن الفاسق‬
‫أو يا ابن الفاجر أو يا ابن القحبة أو يا ابن الفاسقة أو يا ابن اخلبيثة أو يا لص‬
‫أو يا سارق‪ ،‬فإنَّه يعزر يف مجيع ذلك‪.‬‬
‫وإن قال‪ :‬يا فاسق أو يا لص أو يا سارق‪ ،‬وهو كذلك مل يعزر‪.‬‬

‫يعزر‪،‬‬
‫وإن قال‪ :‬يا آكل الربا أو يا شارب اخلمر‪ ،‬وكان يفعل ذلك مل َّ‬
‫وإن مل يفعله ُع ِّزر(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري‪.104 :2‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬اجلوهرة‪.161 :2‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪74‬‬
‫وإن قال‪ :‬يا محار‪ ،‬يا خنزير‪ ،‬فيعزر إن كان املسبوب من األرشاف‬
‫كالفقهاء والعلوية؛ ألنَّه يلحقهم الوحشة بذلك‪ ،‬وإن كان من العامة ال‬
‫العرب قد تتسمى هبذه‬
‫َ‬ ‫عزر؛ ألنَّه ما أحلق الشني به للتيقن بنفيه؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫ُي َّ‬
‫األسامء‪ ،‬يقال‪ :‬سفيان الثوري ودحية الكلبي(‪.)1‬‬
‫* اآلفة اخلامسة عرشة‪ :‬إطالق األلقاب واستعامهلا‪:‬‬
‫ابتداء عىل مسلم واستعامله‪.‬‬ ‫لقب ٍ‬
‫يسء‬ ‫إطالق ٍ‬
‫ُ‬ ‫هو‬
‫ً‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫ُ‬
‫إطالق لقب غري مناسب عىل مسلم ابتدا ًء أو مناداته به ولو وضعه‬ ‫ُيكره‬
‫غريك‪ ،‬وتتفاوت الكراهة بقدر التأذي الواقع عىل ا ُمللقب من تنزهيية إىل‬
‫حتريمية بإساءة أو إثم‪.‬‬
‫وأما إن أصبحت حاجة له للتعريف فال يكره‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬والَ َتنَا َب ُزوا‬
‫باألَل َقاب}[احلجرات‪ :]11 :‬أي ال يدعوا بعضكم بعضا بلقب السوء‪ ،‬فإن‬
‫النبز خمتص بلقب السوء عرف ًا‪ ،‬و{بئ َس االس ُم ال ُف ُس ُ‬
‫وق َبعدَ اإل َيامن}‬
‫[احلجرات‪ ]11 :‬ففي اآلية داللة عىل أن التنابز فسق‪ ،‬واجلمع بينه وبني‬
‫اإليامن مستقبح‪.‬‬
‫وأما إطالق اللقب احلسن الذي يرس به امللقب به فمباح(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬اهلداية‪ ،347 :5‬واجلوهرة‪.161 :2‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الربيقة والطريقة‪.273 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪75‬‬

‫املطلب اخلامس‪ :‬الغناء وأمثاله‪:‬‬


‫* اآلفة السادسة عرشة‪ :‬النياحة‪:‬‬
‫وهي رفع الصوت بالندب بتعديد شامئل امليت ولو من غري بكاء(‪.)1‬‬
‫فيكون باجتامع النساء للبكاء عىل امليت متقابالت‪ ،‬وتعداد حماسن امليت‬
‫بلفظ النداء‪ ،‬إال أنه يكون بلفظ الواو‪ ،‬وربام زيد فيه األلف واهلاء مثل قوهلم‪:‬‬
‫وا رجاله وا جباله وا انقطاع ظهراه‪ ،‬ونحوه(‪.)2‬‬
‫ومن دالئل قبحها‪:‬‬
‫النبي ‪ ‬من النَّهي عنها‪ ،‬وأخذ البيعة من النِّساء عىل عدم‬
‫ما كان من ِّ‬
‫فعلها‪ ،‬فعن أم عطية ريض اهلل عنها‪ ،‬قالت‪« :‬أخذ علينا النبي ‪ ‬عند البيعة‬
‫أن ال ننوح‪.)3(»...‬‬
‫عذاب شديد‪ ،‬فيكون لباسها‬
‫ٌ‬ ‫وكانت من آثار اجلاهلية‪ ،‬ويقع عىل فاعلتها‬
‫القطران واجلرب‪ ،‬فعن أيب مالك األشعري ‪ ،‬قال ‪ :‬أربع يف أمتي من‬
‫أمر اجلاهلية‪ ،‬ال يرتكوهنن‪ :‬الفخر يف األحساب‪ ،‬والطعن يف األنساب‪،‬‬
‫واالستسقاء بالنجوم‪ ،‬والنياحة‪ ،‬وقال ‪« :‬النائحة إذا مل تتب قبل موهتا‪،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية‪.204 :3‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬تسلية أهل املصائب ص‪.47‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح البخاري‪.84 :2‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪76‬‬
‫تقام يوم القيامة وعليها رسبال من قطران‪ ،‬ودرع من جرب»(‪ ،)1‬يعني يسلط‬
‫عىل أعضائها اجلرب واحلكة بحيث يغطي بدهنا تغطية الدرع‪ ،‬وهو‬
‫القميص(‪.)2‬‬
‫وكانت من أفعال غري املسلمني؛ ملخالفتها العتقاد وآداب اإلسالم‪،‬‬
‫فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬ثالث من الكفر باهلل‪ :‬شق اجليب‪ ،‬والنياحة‪،‬‬
‫والطعن يف النسب»(‪.)3‬‬
‫وكان العذاب عىل امليت إن فعلت النياحة له بأمره‪ ،‬أو بتقصريه يف تربية‬
‫أوالده بحيث فعلوها؛ لبعدهم عن الدين؛ لعدم قيامه بواجبه اجتاههم‪ ،‬فعن‬
‫ابن عمر ‪ ،‬قال ‪« :‬إن امليت يعذب يف قربه بالنياحة عليه»(‪ ،)4‬أما إن فعلوا‬
‫من أنفسهم بال تقصري منهم‪ ،‬فال يعذب امليت عىل ذلك؛ لقوله تعاىل‪َ { :‬والَ‬
‫تَز ُر َواز َر ٌة وز َر ُأخ َرى}[األنعام‪.]164:‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫احلرمة ملا فيها من‪:‬‬
‫أ‪ .‬سخط لقضاء اهلل تعاىل‪ ،‬وتأسف عىل ما ال تدارك له‪ ،‬قال النَّووي(‪:)5‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح مسلم‪.644 :2‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬تعليقات عبد الباقي‪.644 :2‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح ابن حبان‪.326 :4‬‬
‫(‪ )4‬يف سنن النسائي الكربى‪.293 :2‬‬
‫(‪ )5‬يف األذكار ص‪.266‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪77‬‬
‫«أمجعت األمة عىل حتريم النياحة‪ ،‬والدعاء بدعوى اجلاهلية‪ ،‬والدعاء‬
‫بالويل والثبور عند املصيبة»‪ ،‬فعن ابن مسعود ‪ ، ‬قال ‪« :‬ليس منا من‬
‫لطم اخلدود‪ ،‬وشق اجليوب‪ ،‬ودعا بدعوى اجلاهلية»(‪.)1‬‬
‫ب‪.‬نغامهتا وتأثريها يف هتييج احلزن والبكاء ومالزمة الكآبة واحلزن‪.‬‬
‫ال تَأ َسوا َع َىل َما َفا َت ُكم}‬
‫ج‪.‬احلزن عىل ما فات‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬لكَي َ‬
‫[احلديد‪.]23:‬‬
‫ولو كان حزن اإلنسان عىل تقصريه يف أمر دينه‪ ،‬وبكاؤه عىل خطاياه‬
‫والبكاء والتباكي لكان ممدوح ًا(‪.)2‬‬
‫* اآلفة السابعة عرشة‪ :‬الشعر املذموم‪:‬‬
‫وهو شعر الغزل والبطالة‪ ،‬وهو ما فيه وصف النساء وحال املحب مع‬
‫املحبوب أو مع عذاله من الوصل واهلجر واللوعة والغرام ونحو ذلك (‪.)3‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫الكراهة إن كان فيه ما ال حيل من وصف للذكور واملرأة املعينـة احليـة‪،‬‬
‫ووصف اخلمر املهيج إليها‪ ،‬واحلانات واهلجاء ملسلم أو ذمي إذا أراد املتكلم‬
‫هجاءه‪ ،‬ال إذا أراد إنشاد الشعر لالستشهاد به أو ليعلم فصاحته وبالغته‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري‪.81 :2‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬اإلحياء‪.276 :2‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬رد املحتار ‪ 45 :1‬عن الرحيانة للشهاب اخلفاجي‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪78‬‬
‫و ُيكره ما حيل من الشعر إن ما داوم عليه وجعله صناعة له حتى غلـب‬
‫عليه‪ ،‬وأشغله عن ذكر اهلل تعاىل وعن العلوم الشـعية؛ فعـن سـعد ابـن أيب‬
‫الرجل قيح ًا خري من أن يمتلئ شعر ًا»(‪،)1‬‬
‫وقاص‪ ،‬قال ‪« :‬ألن يمتلئ جوف َّ‬
‫فاليسري من ذلك ال بأس به إذا قصد به إظهار النكات واللطافات والتشـابيه‬
‫الفائقة واملعاين الرائقة‪ ،‬وإن كـان يف وصـف اخلـدود والقـدود‪َّ ،‬‬
‫فـإن علـامء‬
‫البديع قد استشهدوا مـن ذلـك باألشـعار هلـذا القصـد(‪ ،)2‬قـال الغـزال(‪:)3‬‬
‫قبيح إال أن التجر َد له َمذ ُمو ٌم»‪.‬‬
‫وقبيحه ٌ‬
‫ُ‬ ‫عر فحسنُه حس ٌن‬ ‫« َّ‬
‫والش ُ‬
‫وعن مرسوق أنه سئل عن بيت من الشعر‪ ،‬فكرهه فقيل له يف ذلك‬
‫فقال‪ :‬أنا أكره أن يوجد يف صحيفتي شعر‪.‬‬
‫الشعر‪ ،‬فقال‪ :‬اجعل مكان هذا ذكر ًا‪ ،‬فإن‬
‫بعضهم عن يشء من ِّ‬
‫وسئل ُ‬
‫خري من ِّ‬
‫الشعر(‪.)4‬‬ ‫ذكر اهلل تعاىل ٌ‬
‫َ‬
‫و ُيباح إنشاد شـعر ال سـخف فيـه‪ ،‬و هـو مـا ال رقـة وال خفـة وال‬
‫استخفاف بأحد من املسلمني فيه‪ ،‬كذكر عوراته‪ ،‬واألخذ يف عرضه(‪.)5‬‬

‫)‪ (1‬يف صحيح مسلم ‪،1769 :4‬وصحيح البخاري‪،2279 :5‬وصحيح ابن حبان ‪.93 :19‬‬
‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬رد املحتار ‪ ،47 :1‬وغريه‪.‬‬
‫(‪ )3‬يف اإلحياء‪.126 :3‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.126 :3‬‬
‫)‪ (5‬ينظر‪ :‬األشباه والنظائر ‪ ،126 :4‬و الدر املختار ‪ ،48-45 :1‬وغريمها‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪79‬‬
‫والرياء وهجو ما ال جيوز هجوه‪ ،‬بل جيب‬
‫و ُيباح إذا خال عن الكذب ِّ‬
‫تعظيمه واحرتامه‪ ،‬وعن ذكر الفسق ومدحه والتغني وآفات املدح‪،‬‬
‫واالستكثار منه والتجرد له حتى يشغله عن بعض الواجبات والسنن(‪.)1‬‬
‫وقلام خيلو عن هذه اآلفـات‪ ،‬قـال تعـاىل يف ذم الشـعراء‪َ { :‬والشـ َع َراء‬
‫َـر َأ َّهنُـم يف ُك ِّـل َواد‬
‫اوون}[الشعراء‪ ]224 :‬إىل آخر السورة { َأ َمل ت َ‬
‫َيتَّب ُع ُه ُم ال َغ ُ‬
‫يمـون}[الشـعراء‪]225 :‬‬‫يمون}[الشـعراء‪ ]225 :‬أي وادي الكـالم { َهي ُ‬ ‫َهي ُ‬
‫يذهبون { َو َأ َّهنُم َي ُقو ُل َ‬
‫ون َما الَ َيف َع ُلون}[الشعراء‪.)2(]226 :‬‬
‫و ُيباح أن يكون فيه صفة امرأة مرسلة أو معينة وهي ميتة‪ ،‬بخـالف مـا‬
‫إذا كانت بعينها حية(‪)3‬؛ بدليل‪ :‬قول كعب بن زهري ‪ ‬بحرضة النبي ‪:‬‬
‫غضــيض الطــرف‬
‫ُ‬ ‫وما سعا ُد غدا َة البني إذ رحلـوا إال أغ ـ َّن‬
‫ـالراح معلـ ٌ‬
‫ـول‬ ‫عــوارض ذي ظلــم إذا كأنــه َمن َهـ ٌـل بـ َّ‬
‫مكحـــــــــــــــــــــول‬ ‫َ‬ ‫جتلــو‬
‫ما تقول يف هذا؟‬ ‫(‪)4‬‬
‫ابتســـــــــــــــــــــــمت‪،‬‬
‫وعن العجاج أنَّه سأل أبا هريرة‬
‫خيال سلمى وخيـال تكـتام‬ ‫طاف اخلياالن فهاجا سـق ًام‬
‫(‪)6‬‬
‫ساق ًا َب َخنداة(‪َ )5‬وكَعب ًا أدرما‬ ‫قامـــت تريـــك رهبـــ ًة أن‬
‫تَرصــــــــــــــــــــــما‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الطريقة املحمدية‪.26 :4‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية‪.27 :4‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬التبيني ‪ ،14 :6‬وفتح القدير ‪ ،409 :9 :7‬ورد املحتار ‪ ،48-47 :1‬وغريمها‪.‬‬
‫(‪ )4‬يف املستدرك‪ ،671 :3‬وسنن البيهقي الكبري‪ ،243 :10‬وغريمها‪.‬‬
‫)‪ (5‬البخنداة‪ :‬من النساء التامة‪ .‬ينظر‪ :‬فتح القدير ‪ ،439 :2‬وغريه‪.‬‬
‫) ‪ (6‬الدرم‪ :‬يف الكعب أن يواريه اللحم فال يكون له نتوء ظاهر‪ .‬ينظر‪ :‬فتح القدير ‪.439 :2‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪80‬‬
‫فقال أبو هريرة ‪« :‬كنا ننشد هذا عىل عهد رسول اهلل ‪ ‬فال يعيبه»(‪.)1‬‬
‫ومثل ذلك كثري عن الصحابة ‪‬؛ َّ‬
‫ألن املرأة فيهام ليست معينة‪ ،‬فلـوال‬
‫أن إنشاد ما فيه وصف امرأة كذلك جائز مل تقله الصحابة ‪.)2(‬‬
‫رب أو فق ٌه ال يكره))‪.‬‬
‫كم أو ع ٌ‬ ‫الزيلعي(‪(( :)3‬ولو كان يف ِّ‬
‫الشعر ح ٌ‬ ‫قال َّ‬
‫وقال ال َغزال(‪« :)4‬وعىل اجلملة‪ ،‬فإنشاد الشعر ونظمه ليس بحـرام إذا مل‬
‫يكن فيه كالم مستكره»‪ ،‬فعـن أيب بـن كعـب ‪ ،‬قـال ‪« :‬إن مـن الشـعر‬
‫حكمة»(‪.)5‬‬
‫ويندرج حتت هذا النوع‪ :‬األناشـيد الوطنيـة‪ ،‬والتعليميـة‪ ،‬والرتبويـة‪،‬‬
‫واملرققة للقلوب بذكر اهلل تعاىل وذكر النبي ‪ ،‬وأمثال ذلك مما فيه نفع‪.‬‬
‫* اآلفة الثامنة عرشة‪ :‬الغناء‪:‬‬
‫التغني بألفاظ حمظورة رشع ًا للرجال‪ ،‬وبمطلق األلفاظ للنساء أمام‬
‫الرجال األجانب‪.‬‬

‫)‪ (1‬يف الكامل ‪ ،179 :3‬وضعفاء العقييل ‪ ،64 :2‬وتاريخ بغداد ‪ ،266 :12‬وغريها‪ ،‬قال‬
‫اهليثمي يف جممع الزوائد ‪ :128 :8‬رواه الطرباين عن شيخه رفيع بن سلمة ومل أعرفه وبقية‬
‫رجاله ثقات‪.‬‬
‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬فتح القدير ‪ ،409 :7‬وغريه‪.‬‬
‫)‪ (3‬يف التبيني ‪.14 :6‬‬
‫(‪ )4‬يف اإلحياء‪.126 :3‬‬
‫(‪ )5‬يف صحيح البخاري‪.34 :8‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪81‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫حيرم الغناء مطلق ًا يف حق النساء إن كان َسمعه أجنبي‪ ،‬وإن مل يكن عىل‬
‫مال أو جلمع الناس؛ لرفع صوهتن؛ ألنه فتنة‪ ،‬قال اب ُن اهلامم(‪(( :)1‬نعم هـو مـن‬
‫املرأة أفحش؛ لرفع صوهتا‪ ،‬وهو حرام))‪ :‬أي رفعها لصوهتا‪ ،‬فعـن أيب مالـك‬
‫األشعري ‪ ،‬قال ‪« :‬يشب ناس من أمتي اخلمر‪ ،‬يسموهنا بغري اسـمها‪،‬‬
‫يرضب عىل رؤوسهم باملعازف والقينات‪ ،‬خيسـف اهلل هبـم األرض وجيعـل‬
‫منهم القردة واخلنازير»(‪.)2‬‬
‫وحيرم الغناء املحظور للرجال سواء للهو أو جلمـع املـال؛ ألنَّـه جيمـع‬
‫الناس عىل ارتكاب كبرية قال ابن اهلـامم(‪(( :)3‬نصـوا عـىل َّ‬
‫أن التغنـي للهـو أو‬
‫جلمع املال حرام بال خالف))‪ ،‬فإن مل تكن ألفاظه حمظورة كـان مباحـ ًا‪ ،‬فعـن‬
‫أنس بن مالك ‪ ،‬قال‪« :‬كان الرباء بـن مالـك ‪ ‬رجـل حسـن الصـوت‪،‬‬
‫فكان يرجز لرسول اهلل ‪ ‬يف بعض أسفاره‪ ،‬فبينام هو يرجز إذ قارب النساء‪،‬‬
‫فقال له رسول اهلل ‪ :‬إياك والقوارير‪ ،‬قال‪ :‬فأمسك»(‪.)4‬‬

‫)‪ (1‬يف فتح القدير ‪.409 :7‬‬


‫)‪ (2‬يف صحيح ابن حبان ‪ ،160 :15‬وموارد الظمآن ‪ ،336 :1‬ومصنف ابن أيب شيبة ‪:5‬‬
‫‪ ،68‬واملعجم الكبري ‪ ،283 :3‬والتاريخ الكبري ‪ ،304 :1‬وغريها‪.‬‬
‫)‪ (3‬يف فتح القدير ‪.409 :7‬‬
‫) ‪ (4‬يف املستدرك ‪ ،300 :3‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح اإلسناد ومل خيرجاه‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪82‬‬
‫فإن تغنى الرجل بحيث ال يسمع غريه بل نفسه؛ ليدفع عنه الوحشة ال‬
‫ُيكره؛ فعن أنس بن مالك ‪« :‬أنَّه دخل عىل أخيـه الـرباء ‪ ‬وهـو مسـتلق‬
‫واضع ًا إحدى رجليه عىل األخرى يتغنى فنهاه‪ ،‬فقال‪ :‬أترهب أن أموت عىل‬
‫فرايش وقد تفردت بقتل مئة من الكفار سوى من رشكني فيه الناس»(‪.)1‬‬
‫ورشائط إباحة الغناء لنفسه‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪.1‬أن ال يكون للهو املجرد‪ ،‬بل لغرض ُمعتد بـه‪ :‬كـدفع الوحشـة عـن‬
‫نفسه‪ ،‬أو حلداء اإلبل‪ ،‬أو حلمل ثقيـل‪ ،‬أو لسـهولة قطـع السـفر‪ ،‬أو لتنـويم‬
‫الصبي وأمثاله‪.‬‬
‫غناء فاحش ًا‪ ،‬بتمطيط وتكسري يشابه املغنيني‪.‬‬
‫‪.2‬أن ال يكون ً‬
‫‪.3‬أن ال يكون يف الكالم ما يكره أو حيـرم مـن الغيبـة واالسـتهزاء‪ ،‬أو‬
‫وصف امرأة معروفة حية‪.‬‬
‫‪.4‬أن يكون ذلـك أحيانـ ًا مـن دون أن يفىلـ إىل تـرك واجـب أو إىل‬
‫معصية أخرى(‪.)2‬‬
‫وسئل القاسم بن حممد عن سامع الغناء‪ ،‬قال‪ :‬إذا ميز اهلل بني احلق‬
‫والباطل يوم القيامة أين يقع الغناء‪ ،‬قيل‪ :‬يف حوز الباطل‪ ،‬قال‪ :‬فأفت‬
‫نفسك(‪.)3‬‬

‫) ‪ (1‬يف املستدرك ‪ ،330 :3‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح عىل رشط الشيخني ومل خيرجاه‪.‬‬
‫) ‪ (2‬ينظر‪ :‬كشف العناء عن وصف الغناء ‪.235 :3‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬رسالة املسرتشدين ص‪.121‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪83‬‬
‫وقال النخعي‪ :‬الغناء ينبت النفاق يف القلب‪.‬‬

‫وعن جماهد‪َ { :‬وم َن النَّاس َمن َيش َرتي َهل َو َ‬


‫احلديث}[لقامن‪ ،]6 :‬قال‪:‬‬
‫الغناء(‪.)1‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬املراء وأمثاله‪:‬‬
‫* اآلفة التاسعة عرشة‪ :‬املِراء‪:‬‬
‫وهو طعن يف كالم الغري واعتاض عليه بإظهار خلل فيه‪ ،‬إِما يف اللفظ‬
‫من جهة العربية رصف ًا أو نحو ًا أو بالغ ًة‪ ،‬أو يف املعنى‪ ،‬أو يف املتكلم بأن يقول‬
‫حق ولكن ليس قصدك منه احلق‪ ،‬وإنام أنت فيه صاحب غرض‪،‬‬
‫هذا الكالم ُّ‬
‫وما جيري جمراه‪ :‬كقولك ملن أمر بمعروف‪ :‬ليس مرادك حق ًا‪ ،‬بل مرادك رياء‬
‫أو سمعة(‪.)2‬‬
‫ٌ‬
‫وجتهيل له‪ ،‬وطع ٌن فيه‪ ،‬وفيه ثنا ٌء عىل النَّفس‬ ‫ويف املراء إيذا ٌء للمخاطب‬
‫ٌ‬
‫مشوش للعيش‪ ،‬فإنَّك ال متاري‬ ‫وتزكي ٌة هلا بمزيد الفطنة والعلم‪ ،‬ثم هو‬
‫سفيه ًا إال ويؤذيك‪ ،‬وال متاري حلي ًام إال ويقليك وحيقد عليك‪ ،‬فعن أنس ‪‬‬
‫باطل‪َ ،‬بنَي له يف ربض اجلنة‪ ،‬و َمن َ‬
‫ترك‬ ‫قال ‪َ « :‬من ترك الكذب‪ ،‬وهو ٌ‬
‫املراء‪ ،‬وهو حمق‪َ ،‬بنَي له يف وسطها‪ ،‬و َمن َح ُس َن ُخ ُلقه بني له يف أعالها»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬قوت القلوب‪.101 :2‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الربيقة والطريقة‪.206 :3‬‬
‫)‪ (3‬يف سنن الرتمذي‪ ،358 :4‬وحسنه‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪84‬‬
‫وال تَن َفك ُامل َام َرا ُة عن هتييج ال َغ َضب ومحل املعرتض عليه عىل أن يعو َد‬
‫رص كال َمه بام ُيمكنُ ُه من َحق أو باطل‪ ،‬و َيقدَ َح يف قائله ب ُك ِّل ما ُيت ََص َّو ُر له‪،‬‬
‫ف َين ُ َ‬
‫فيثور الشجار بني املتامريني(‪.)1‬‬
‫ومن دالئل قبحه‪:‬‬
‫ما كان من هني النبي ‪ ‬ملا له من اآلثار السيئة‪ ،‬فعن ابن عباس ‪ ،‬قال‬
‫‪« :‬ال ُمتَار َأ َخ َ‬
‫اك وال ُمتَازح ُه وال تَعد ُه موعد ًا فتخلفه»(‪.)2‬‬
‫وكان من كامل اإليامن ترك املراء وإن كان عىل حق؛ ملا فيه من‬
‫املوبقات‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬ال يؤمن العبد اإليامن كله حتى يرتك‬
‫الكذب يف املزاح‪ ،‬واملراء وإن كان صادق ًا»(‪.)3‬‬
‫ال جلهل العامل وطريق ًا للشيطان عليه‪ ،‬وقال مسلم بن يسار‪:‬‬
‫وكان سبي ً‬
‫«إياكم واملراء‪ ،‬فإنه ساعة جهل العامل‪ ،‬وعندها يبتغي الشيطان زلته»‪.‬‬
‫وكان سبب ًا لقسوة القلب‪ ،‬قال مالك‪« :‬املراء يقيس القلوب‪ ،‬ويورث‬
‫الضغائن»‪.‬‬
‫ال خلسارة الصديق‪ ،‬قال اب ُن أيب ليىل‪« :‬ال ُأ َماري صاحبي‬
‫وكان موص ً‬
‫فإما أن أكذبه وإما أن أغضبه»‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬اإلحياء‪.117 :3‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي‪ ،‬كام يف املغني‪.117 :3‬‬

‫(‪ )3‬يف مسند أمحد‪ ،371 :14‬واملعجم األوسط‪.208 :5‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪85‬‬
‫وكان طريق ًا لتحصيل اآلثام‪ ،‬قال أبو الدرداء ‪« :‬كفى بك إث ًام أن ال‬
‫تزال مماري ًا»‪.‬‬
‫وكان من حمظورات تعلم العلم‪ ،‬قال عمر ‪« :‬ال تتعلم العلم لثالث‬
‫وال ترتكه لثالث‪ ،‬ال تتعلمه لتامري به وال لتباهي به وال لرتائي به‪ ،‬وال ترتكه‬
‫حياء من طلبه وال زهادة فيه‪ ،‬وال رضا باجلهل منه»‪.‬‬
‫وعالجه‪:‬‬
‫والس ُبعية الباعث له‬
‫فهو بأن يكرس الكرب الباعث له عىل إظهار فضله َّ‬
‫عىل تنقيص غريه‪ ،‬فإن عالج كل علة بإماطة سببها‪.‬‬
‫واملواظبة عىل املراء جتعله عادة وطبع ًا‪ ،‬حتى يتمكن من النفس ويعرس‬
‫الصرب عنه‪ ،‬وروي أن أبا حنيفة قال لداود الطائي‪ :‬مل آثرت اإلنزواء قال‪:‬‬
‫ألجاهد نفيس برتك اجلدال‪ ،‬فقال‪ :‬احرض املجالس واستمع ما ُيقال‪ ،‬وال‬
‫عيل منها‪ ،‬وهو كام قال‪ ،‬ألن‬
‫تتكلم‪ ،‬قال‪ :‬ففعلت ذلك فام رأيت جماهد ًة أشد َّ‬
‫َمن سمع اخلطأ من غريه‪ ،‬وهو قادر عىل كشفه َيعرس عليه الصرب عند ذلك‬
‫جد ًا(‪.)1‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫حيرم إن كان لتحقري الغري‪ ،‬وإظهار مزية الكياسة‪ ،‬وكامل الذكاء لنفسه‪،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬اإلحياء‪.117 :3‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪86‬‬
‫بخالف لو كان إلظهار الصواب والداللة ما هو احلق يف الواقع‪ ،‬فليس من‬
‫اآلفات‪ ،‬بل من املناظرة‪.‬‬
‫وينبغي للمؤمن إذا سمع كالم ًا إن كان حق ًا أن يصدقه‪ ،‬وإن كان باط ً‬
‫ال‬
‫ومل يكن متعلق ًا بأمور الدين أن يسكت عنه‪.‬‬
‫وإن كان متعلق ًا بأمور الدين جيب إظهار البطالن يف ذلك الكالم‬
‫للمتكلم أو للناس‪ ،‬واإلنكار إن رجا القبول من املتكلم أو من الغري؛ ألنه‬
‫وت َأو الس َؤ ُال يف َمعرض‬
‫هني عن املنكر(‪ ،)1‬قال ال َغزال(‪« :)2‬الواجب الس ُك ُ‬
‫ف يف التَّعريف ال يف َمعرض‬ ‫االست َفا َدة ال عىل وجه العناد والنكارة أو ال َّت َلط ُ‬
‫الطعن»‪.‬‬
‫* اآلفة العرشون‪ :‬اجلدال‪:‬‬
‫وهو ما يتعل ُق بإظهار املذاهب وتقريرها(‪ ،)3‬أو عبارة عن قصد إِ ْف َحا ِم‬
‫الغري وتعجيزه وتنقيصه بالقدح يف كالمه‪ ،‬ونسبته إىل القصور واجلهل فيه(‪.)4‬‬
‫وعلم اجلدل‪ :‬هو علم باحث عن الطريق التي يقتدر هبا عىل إبرام أي‬
‫وضع أريد وعىل هدم أي وضع كان‪ ،‬وهو من العلوم العقلية‪ ،‬لكنه من فروع‬
‫علم األصول(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الربيقة والطريقة‪.206 :3‬‬


‫(‪ )2‬يف اإلحياء‪.117 :3‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬طريقة حممدية‪.208 :3‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬اإلحياء‪.117 :3‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية‪.208 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪87‬‬
‫والباعث عليه‪:‬‬
‫الرتف ُع بإظهار العلم والفضل والت ََّهجم عىل الغري بإظهار نقصه‪ ،‬ومها‬
‫َّ َ‬
‫شهوتان باطنتان للنفس‪ ،‬قويتان هلا‪.‬‬
‫وإظهار الفضل فهو من قبل تزكية النفس‪ ،‬وهي من مقتىض ما يف العبد‬
‫من طغيان دعوى العلو والكربياء‪ ،‬وهي من صفات الربوبية‪.‬‬
‫الس ُبعية‪ ،‬فإنه يقتيض أن يمزق‬
‫وتنقيض اآلخر فهو من مقتىض طبع َّ‬
‫غريه ويقصمه ويصدمه ويؤذيه‪ ،‬وهاتان صفتان مذمومتان مهلكتان‪.‬‬
‫وإنام قوهتام املراء واجلدال‪ ،‬فاملواظب عىل املراء واجلدال مقو هلذه‬
‫الصفات املهلكة‪ ،‬وهذا جماوز حدَّ الكراهة‪ ،‬بل هو معصي ٌة مهام حصل فيه‬
‫إيذاء الغري(‪.)1‬‬
‫ومن دالئل قبحه‪:‬‬
‫ما كان منه يف اإليصال لطريق الضالل بعد اهلداية‪ ،‬فعن أيب أمامة ‪،‬‬
‫قال ‪َ « :‬ما َض َّل َقو ٌم َبعدَ َأن َهدَ ُاه ُم اهللَُّ تعاىل إال أوتوا اجلدل بعد هدى‬
‫كانوا عليه»(‪.)2‬‬
‫وكان طريق ًا للتنقل من مذهب إىل مذهب‪ ،‬فخيش عليه الفتنة يف دينه‪،‬‬
‫وقال عمر بن عبد العزيز ‪« :‬من جعل دينه عرضة للخصومات أكثر‬
‫التنقل»‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.117 :3‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي من حديث أيب أمامة وصححه‪ ،‬كام يف املغني‪.117 :3‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪88‬‬
‫وكان سبب ًا ملقتك العلامء للمجادل‪ ،‬قال‪« :‬يا بني ال جتادل العلامء‪،‬‬
‫فيمقتوك»‪.‬‬
‫وكان بال فائدة وخري لإلسالم وللمسلمني به‪ ،‬قال مالك‪« :‬ليس هذا‬
‫اجلدال من الدين يف يشء»‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫حيرم إن قصد باجلدل ختجيل اخلصم وإظهار فضله نفسه‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬ما‬
‫جياد ُل يف آ َيات اهللَّ إالَّ ا َّلذي َن َك َف ُروا}[غافر‪.]4 :‬‬
‫َُ‬
‫وإن قصد إظهار احلق‪ ،‬وهو نادر فجائز‪ ،‬بل مندوب إليه أو واجب‪،‬‬
‫فالتفاوت عىل تفاوت األغراض والوقائع(‪ ،)1‬قال تعاىل‪َ { :‬و َجادهلُم با َّلتي‬
‫ه َي َأح َس ُن}[النحل‪ ،]125 :‬وقال تعاىل‪َ { :‬والَ ُ َجتاد ُلوا َأه َل الكتَاب إالَّ‬
‫با َّلتي ه َي َأح َس ُن}[العنكبوت‪.]46 :‬‬
‫يكف‬
‫وأكثر ما يغلب اجلدال يف املذاهب والعقائد‪ ،‬وينبغي لإلنسان أن َّ‬
‫لسانه عن أهل القبلة وإذا رأى مبتدع ًا تلطف يف نصحه يف خلوة ال بطريق‬
‫اجلدال‪ ،‬فإذا عرف أن النصح ال ينفع اشتغل بنفسه وتركه(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ينطر‪ :‬طريقة حممدية‪.208 :3‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬اإلحياء‪.117 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪89‬‬
‫* اآلفة احلادية والعرشون‪ :‬اخلصومة‪:‬‬
‫وهي جلاج وعناد يف الكالم ليستوىف به مال أو حق مقصود‪ ،‬وذلك تارة‬
‫يكون ابتداء وتارة يكون اعرتاض ًا‪ ،‬بخالف املراء فإنه طعن يف كالم الغري‬
‫بإظهار خلل فيه من غري أن يرتبط به غرض سوى حتقري الغري‪ ،‬وإظهار مزية‬
‫الكياسة‪ ،‬فاملراء ال يكون إال باعرتاض عىل كالم سبق‪ ،‬وبخالف اجلدال فإنه‬
‫عبارة عن أمر يتعلق بإظهار املذاهب وتقريرها(‪.)1‬‬
‫ومن دالئل قبحه‪:‬‬
‫ما كان من اعتبار املخاصم بباطل أبعض الناس هلل تعاىل‪ ،‬فعن عائشة‬
‫ريض اهلل عنها قال ‪« :‬إن أبغض الرجال إىل اهلل األلد اخلصم»(‪ ،)2‬وقال‬
‫تعاىل‪َ { :‬وم َن النَّاس َمن ُيعج ُب َك َقو ُل ُه يف َ‬
‫احل َياة الدن َيا َو ُيشهدُ اهللََّ َع َ ٰىل َما يف‬
‫ث‬ ‫َقلبه َو ُه َو َأ َلد اخل َصام‪َ .‬وإ َذا ت ََو َّ ٰىل َس َع ٰى يف األَرض ل ُيفسدَ ف َيها َو ُهيل َك َ‬
‫احلر َ‬
‫َوالنَّس َل‪َ .‬واهللَُّ َال ُحيب ال َف َسا َد‪َ .‬وإ َذا ق َيل َل ُه اتَّق اهللََّ َأ َخ َذت ُه الع َّز ُة باإلثم‪.‬‬
‫َف َحس ُب ُه َج َهن َُّم‪َ .‬و َلبئ َس امل َها ُد}[البقرة‪204 :‬ـ ‪.]206‬‬
‫وكان ما ورد من الثواب يف طيب الكالم‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬و ُقو ُلوا للنَّاس‬
‫ُحسن ًا}[البقرة‪]83:‬؛ إذ أقل درجات طيب الكالم إظهار املوافقة‪ ،‬وال‬
‫خشونة يف الكالم أعظم من الطعن واالعرتاض الذي حاصله إما جتهيل وإما‬
‫جهله أو َّ‬
‫كذبه‪ ،‬فيفوت‬ ‫تكذيب‪ ،‬فإن من جادل غريه أو ماراه أو خاصمه فقد َّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.118 :3‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كام يف املغني‪.118 :3‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪90‬‬
‫به طيب الكالم‪ ،‬فعن هاينء أيب رشيح ‪ ،‬قال ‪« :‬يوجب اجلنة طيب‬
‫الكالم وإطعام الطعام»(‪.)1‬‬
‫وكان حرمان ًا من صدقة الكلمة الطيبة‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫«الكلمة الطيبة صدقة»(‪ ،)2‬وعن عدي بن حاتم ‪ ،‬قال ‪« :‬ا َّت ُقوا الن ََّار ولو‬
‫بش ِّق َمت َرة فإن مل جتدوا فبكلمة طيبة»(‪.)3‬‬
‫طليق وكال ٌم‬
‫ني وج ٌه ٌ‬
‫رب‪ ،‬قال عمر ‪« :‬الرب يش ٌء َه ِّ ٌ‬
‫وكان فيه تضييع لل ِّ‬
‫َل ِّ ٌ‬
‫ني»‪.‬‬
‫بعض احلكامء‪« :‬الكالم ال َّل ِّ ُ‬
‫ني يغسل‬ ‫ال للتحاقد‪ ،‬قال ُ‬‫وكان سبي ً‬
‫الضغائ َن املستَكنَّ َة يف اجلوارح»‪.‬‬
‫َّ‬
‫وكان فيه التودد واإلحسان لآلخرين بام يريض اهلل تعاىل‪ ،‬قال بعض‬
‫احلكامء‪ُ « :‬كل كالم ال ُيسخ ُط َر َّب َك إال أنك ُتريض به َجل َ‬
‫يس َك‪ ،‬فال تكن به‬
‫ثواب ا ُملحسنني»‪.‬‬
‫عو ُضك منه َ‬ ‫عليه بخيالً‪ ،‬فإنه لعله ُي ِّ‬
‫وهذا كله يف فضل الكالم الطيب‪ ،‬و ُتضا ُده اخلصومة واملراء واجلدال‬
‫واللجاج‪ ،‬فإنه الكالم املستكره املوحش املؤذي للقلب املنغص للعيش‬
‫للصدر(‪.)4‬‬
‫املهيج للغضب املوغر َّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه الطرباين بإسناد جيد ‪ ،‬كام يف املغني‪.118 :3‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.118 :3‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ ،‬كام يف املغني‪.118 :3‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.118 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪91‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫حيرم إن كان مبطالً‪ ،‬أو خاصم بغري علم أنه حمق أو ال‪ ،‬أو مزج‬
‫احلق‪ ،‬أو‬
‫باخلصومة كلامت مؤذية ال حيتاج إليها يف نرصة احلجة وإظهار ِّ‬
‫كانت اخلصومة لقهر اخلصم وكرسه فقط ال ألخذ احلق‪.‬‬
‫فجائز؛ الستيفاء ح ِّقه‪ ،‬والرجل‬
‫ٌ‬ ‫نادر‬
‫وإن خال عن هذه األمور‪ ،‬وهو ٌ‬
‫مأمور بعدم إضاعة حقه(‪.)1‬‬
‫الشع من غري َلدَ د‬ ‫رص ُح َّج َت ُه بطريق َّ‬
‫قال الغزال ‪« :‬املظلوم الذي َين ُ ُ‬
‫(‪)2‬‬

‫يذاء َففع ُل ُه‬


‫اجة‪ ،‬ومن غري َقصد عنَاد وإ َ‬ ‫احل َ‬
‫جلاج عىل قدر َ‬‫رساف وزيادة َ َ‬
‫َوإ َ‬
‫ليس ب َح َرام‪ ،‬ولكن األوىل تَر ُك ُه ما َو َجدَ إليه سبيالً‪َ ،‬فإ َّن َضب َط ال ِّل َسان يف‬
‫ب‬ ‫اخلصومة عىل حد االعتدال ُم َت َع ِّذ ٌر‪ ،‬واخلُ ُصو َم ُة ُتوغ ُر َّ‬
‫الصد َر َو ُ َهت ِّي ُج ال َغ َض َ‬
‫يس املتنازع فيه‪ ،‬وبقي احلقد بني ُاملت َ‬
‫َخاص َمني حتى َيف َر َح‬ ‫وإذا هاج الغضب ُن َ‬
‫ان يف عرضه‪ ،‬فمن َبدَ َأ‬
‫رسته‪ ،‬ويطلق ال ِّل َس َ‬
‫ُكل َواحد ب َمسا َءة صاحبه َو َحي َز َن ب َم َ َّ‬
‫يش خاطره حتى إنه‬ ‫ُ‬
‫املحذورات وأقل ما فيه تَشو ُ‬ ‫باخلُ ُصو َمة فقد َت َع َّر َض هلذه‬
‫يف صالته َيشتَغ ُل بمحاجة خصمه‪ ،‬فال يبقى األمر عىل َحدِّ الواجب‪.‬‬
‫فاخلصومة مبد ُأ ُك ِّل َرش وكذا املراء واجلداء‪ ،‬فينبغي أن ال َيفت ََح بابه إ َّال‬
‫ب عن تَب َعات‬ ‫ورة‪ ،‬وعند الرضورة ينبغي أن َحي َف َظ ال ِّل َس َ‬
‫ان َوال َقل َ‬ ‫رض َ‬
‫لَ ُ‬
‫اخلُ ُصو َمة‪ ،‬وذلك ُم َت َع ِّذ ٌر جد ًا َ‬
‫فمن اقترص عىل الواجب يف خصومته سلم من‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬طريقة حممدية‪.209 :3‬‬


‫(‪ )2‬يف اإلحياء‪.119 :3‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪92‬‬
‫اإلثم‪ ،‬وال تذم خصومته إال أنه إن كان مستغني ًا عن اخلصومة فيام خاصم‬
‫فيه؛ ألن عنده ما يكفيه‪ ،‬فيكون تارك ًا لألوىل‪ ،‬وال يكون آث ًام‪ ،‬نعم أقل ما‬
‫يفوته يف اخلصومة واملراء واجلدال طيب الكالم»‪.‬‬
‫والرفق يف أداء‬
‫وباجلملة فعليه عند اخلصومة الرضورية طيب الكالم ِّ‬
‫املرام بال تغليظ وال تشديد وال خشونة وال عبوسة كام قال تعاىل‪َ { :‬و ُقو ُلوا‬
‫للنَّاس ُحسن ًا} [البقرة‪.)1(]83 :‬‬
‫املطلب السابع‪ :‬السؤال الفاسد‪:‬‬
‫* اآلفة الثانية والعرشون‪ :‬السؤال للامل بغري حق‪:‬‬
‫وهي سؤال املال واملنفعة الدنيوية من غري حق له فيها‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫حيرم إال عند الرضورة‪ :‬كالفقر وقوة احلاجة وغريه؛ ألنَّه يفرتض عىل كل‬
‫مؤمن أن يدفع اهلالك عن نفسه ما أمكنه ولو كان بالسؤال‪ ،‬وقال بعض‬
‫الناس‪ :‬ب َّ‬
‫أن السؤال رخصة لو تركه ال يأثم؛ ألنَّه بالسؤال يلحقه الذل‪،‬‬
‫وإذالل نفسه حرام كإهالكها‪ ،‬فقد ابتيل بني رشين فيختار أهوهنام‪ ،‬وهو‬
‫السؤال(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية‪.210 :3‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح ابن ملك عىل التحفة ق‪/123‬ب‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪93‬‬
‫والرضورة التي تبيح السؤال أن ال يقدر عىل الكسب للمرض أو‬
‫الضعف من نحو اهلرم والكرب‪ ،‬وال يكون عنده قوت يوم؛ ألنه آخر‬
‫الكسب؛ ألنَّه يذل نفسه بغري رضورة(‪.)1‬‬
‫وأما َمن كان له قوت يوم‪ ،‬بل قوت أيام كثرية وتصدق له اآلخر بال‬
‫سؤال‪ُ ،‬يباح له األخذ والقبول ما مل يملك نصاب األضحية(‪.)2‬‬
‫ومن دالئل قبحه‪:‬‬
‫ما كان من اعتبار السؤال ذل‪ ،‬وهو بالء ال تطيقه النفس‪ ،‬فعن حذيفة ‪‬‬
‫قال رسول اهلل ‪« :‬ال ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه‪ ،‬قالوا‪ :‬وكيف يذل‬
‫نفسه؟ قال‪ :‬يتعرض من البالء ملا ال يطيق»(‪.)3‬‬
‫ال مهان ًا‪ ،‬فعن عمر ‪ ،‬قال ‪« :‬ال تزال‬
‫وكان السائل يوم القيامة ذلي ً‬
‫املسألة بأحدكم حتى يلقى اهلل‪ ،‬وليس يف وجهه ُمزعة حلم»(‪ :)4‬أي قطعة‪:‬‬
‫معناه يأيت يوم القيامة ذليال ال وجه له عند اهلل تعاىل(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬املنحة السلوك ‪309 :3‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬اهلدية ص‪.258‬‬
‫(‪ )3‬يف سنن الرتمذي ‪ ،522 :4‬وحسنه‪ ،‬وسنن ابن ماجة ‪ ،1332 :2‬ومسند أمحد ‪.405 :5‬‬
‫(‪ )4‬يف صحيح مسلم‪.720 :2‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬تعليق حممد عبد الباقي‪.720 :2‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪94‬‬
‫وكانت املسألة سبب ًا يف كدح وجه الرجل وجرحه حتى ال يبقى له وجه‪،‬‬
‫فمن‬
‫فعن سمرة ‪ ،‬قال النبي ‪« :‬املسائل كدوح يكدح هبا الرجل وجهه‪َ ،‬‬
‫شاء أبقى عىل وجهه‪ ،‬و َمن شاء ترك‪ ،‬إال أن يسأل الرجل ذا سلطان‪ ،‬أو يف‬
‫أمر ال جيد منه بدا»(‪ :)1‬أي أن مجيع املسائل سبب لكدوح الوجه وجروحه يوم‬
‫القيامة‪ ،‬إال مسألة الذي هو مرصف بيت املال حقه منه‪ ،‬ومسألة رجل يف حق‬
‫أمر ال بد منه الضطراره(‪.)2‬‬
‫وكان السؤال يستكثر به من حجارة جهنم املحامة عليه‪ ،‬فن عيل ‪ ،‬قال‬
‫‪َ « :‬من سأل مسألة عن ظهر غنى استكثر هبا من رضف جهنم قالوا‪ :‬ما‬
‫ظهر غنى؟ قال‪ :‬عشاء ليلة»(‪.)3‬‬
‫وكان السؤال داالً عدم املروءة إن مل يكن أه ً‬
‫ال له ‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪،‬‬
‫قال ‪« :‬إن الصدقة ال حتل لغني وال لذي مرة سوي»(‪.)4‬‬
‫* اآلفة الثالثة والعرشون‪ :‬سؤال العوام عن دقائق العقائد‪:‬‬
‫وهو سؤال العوام عن كنه ذات اهلل تعاىل وصفاته وكالمه‪ ،‬وعن احلروف‬
‫أهي قديمة أم حمدثة‪ ،‬وعن قضاء اهلل وقدره‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف سنن أيب داود‪ ،119 :2‬وسنن النسائي الكربى‪ ،80 :3‬وصحيح ابن حبان‪.100 :5‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية‪.225 :3‬‬
‫(‪ )3‬يف مسند أمحد‪ ،408 :2‬واملعجم األوسط‪ ،132 :7‬وقال املقديس يف األحاديث‬
‫املختارة‪ :147 :2‬إسناده حسن‪.‬‬
‫(‪ )4‬يف صحيح ابن حبان‪ ،84 :8‬ومسند أمحد‪.483 :14‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪95‬‬
‫واجلواب عىل العوام االشتغال بالعمل بام يف القرآن إال أن ذلك ثقيل‬
‫عىل النفوس‪ ،‬والفضول خفيف عىل القلب‪ ،‬والعامي َيف َر ُح باخلوض يف‬
‫ب‬ ‫خي ِّي ُل إليه أنك من العلامء وأهل الفضل‪ ،‬وال يزال ُ َ‬
‫حي ِّب ُ‬ ‫الشي َط ُ‬
‫ان ُ َ‬ ‫العلم؛ إذ َّ‬
‫إليه ذلك حتى يتكلم يف العلم بام هو كفر‪ ،‬وهو ال يدري‪ ،‬وكل كبرية يرتك ُبها‬
‫العامي فهي أسلم له من أن يتكلم يف العلم ال سيام فيام يتعلق باهلل وصفاته‪.‬‬
‫وإنام شأن العوام االشتغال بالعبادات‪ ،‬واإليامن بام ورد به القرآن‬
‫والتسليم ملا جاء به الرسل من غري بحث وسؤاهلم عن غري ما يتعلق‬
‫بالعبادات‪ ،‬وسوء أدب منهم يستحقون به املقت من اهلل تعاىل‪ ،‬ويتعرضون‬
‫خلطر الكفر‪.‬‬
‫موجب للعقوبة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وهو كسؤال ساسة الدواب عن أرسار امللوك‪ ،‬وهو‬
‫و ُكل َمن َس َأ َل عن علم غامض ومل يبلغ َفه ُم ُه تلك الدَّ َر َج َة فهو َمذ ُمو ٌم‪ ،‬فإنه‬
‫باإلضافة إليه عامي‪.‬‬
‫وخوض العوام يف حروف القرآن ُيضاهي حال من كتب امللك إليه كتاب ًا‬
‫ورسم له فيه أمور ًا‪ ،‬فلم يشتغل بيشء منها‪ ،‬وضيع زمانه يف أن قرطاس‬
‫الكتاب عتيق أم حديث‪ ،‬فاستحق بذلك العقوبة ال حمالة‪ ،‬فكذلك تضييع‬
‫العامي حدود القرآن واشتغاله بحروفه أهي قديمة أم حديثة‪ ،‬وكذلك سائر‬
‫صفات اهلل سبحانه(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.108 :3‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪96‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫يكره فيام نفع فيه للسائل وال حاجة له به أو خيالف األدب أو يلحق‬
‫مرضة بالسائل وفتنة أو يكون للتسلية‪.‬‬
‫ومن دالئل قبحه‪:‬‬
‫ما كان كونه سبب ًا هلالك األمم وضياعها‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫«ذروين ما تركتكم‪ ،‬فإنام هلك من كان قبلكم بكثرة سؤاهلم واختالفهم عىل‬
‫أنبيائهم ما هنيتكم عنه‪ ،‬فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم»(‪.)1‬‬
‫وكان النَّبي ‪ ‬يغضب من كثرة السؤال‪ ،‬والسؤال فيام ال نفع فيه‪ ،‬فعن‬
‫أيب موسى ‪ ،‬قال‪« :‬سئل النبي ‪ ‬عن أشياء كرهها‪ ،‬فلام أكثر عليه غضب‪،‬‬
‫ثم قال للناس‪ :‬سلوين عام شئتم قال رجل‪ :‬من أيب؟ قال‪ :‬أبوك حذافة‪ ،‬فقام‬
‫آخر‪ ،‬فقال‪ :‬من أيب يا رسول اهلل؟ فقال‪ :‬أبوك سامل موىل شيبة‪ ،‬فلام رأى عمر‬
‫‪ ‬ما يف وجهه قال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إنا نتوب إىل اهلل تعاىل»(‪.)2‬‬
‫وكانت كثرة السؤال من املنهيات الشعية؛ ملا فيه من البالء والفتنة‪،‬‬
‫فعن املغرية ‪ ،‬قال ‪« :‬هنى رسول اهلل ‪ ‬عن القيل َوال َقال َوإ َضا َعة َاملال‬
‫وكثرة السؤال»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.108 :3‬‬

‫(‪ )2‬يف صحيح البخاري‪.30 :1‬‬


‫(‪ )3‬أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.108 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪97‬‬
‫ويف قصة موسى ‪ ‬تَنبي ٌه عىل َاملنع من الس َؤال قبل َأ َوان استح َقاقه؛ إذ‬
‫ال تَس َألني َعن َيشء َحتَّى ُأحد َ‬
‫ث َل َك من ُه‬ ‫قال تعاىل‪َ { :‬ق َال َفإن ا َّت َبعتَني َف َ‬
‫السفينَة َأنك ََر عليه حتى اعتذر‪ ،‬وقال‪:‬‬‫ذك ًرا}[الكهف‪َ ،]70:‬ف َل َّام َس َأ َل عن َّ‬
‫رسا}[الكهف‪،]73:‬‬ ‫يت َوالَ ُترهقني من َأمري ُع ً‬ ‫{ َق َال الَ ُت َؤاخذين ب َام نَس ُ‬
‫فلم َيصرب َحتَّى َس َأ َل َث َال ًثا‪ ،‬قال‪َ {:‬ه َذا ف َر ُاق َبيني َو َبين َك}[الكهف‪]78:‬‬
‫وفار َق ُه‪َ ،‬ف ُس َؤ ُال ال َع َوا ِّم عن َغ َوامض الدِّ ين من أعظم اآلفات‪ ،‬وهو من‬
‫املثريات للفتن‪ ،‬فيجب قم ُعهم ومنعهم من ذلك(‪.)1‬‬
‫* اآلفة الرابعة والعرشون‪ :‬السؤال عن الدقائق للمغالطة‪:‬‬
‫وهو السؤال للتغليط والتخجيل وإظهار الفضل‪.‬‬
‫وهذا كالسؤال عن املشكالت الظاهرة عام أشكل يف األصول االعتقادية‬
‫أو الدقيقة اخلفية يف العلوم مطلق ًا‪ ،‬ومواضع الغلط بغري غرض صحيح‪ ،‬بل‬
‫للتغليظ والتخجيل وإظهار الفضل ‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫يكره السؤال للمغالطة والتجهيل وإظهار الفضل‪.‬‬
‫ويستحب السؤال للتعلم أو للتعليم أو اختبار أذهاهنم كامتحان األستاذ‬
‫أفهام التالمذة أو تشحيذها بتحصيل احلدة فيها‪ ،‬أو حثهم وإغرائهم عىل‬
‫التأمل‪ ،‬والسعي يف اكتساب العلوم ؛ ملا فيه من اإلعانة عىل فهم العلم(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.108 :3‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬طريقة حممدية وبريقة حممودية‪.231 :3‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫‪98‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ومن دالئل قبحه‪:‬‬


‫ما كان من هني النبي ‪ ‬عنه‪ ،‬فعن معاوية ‪« :‬هنى رسول اهلل ‪ ‬عن‬
‫األغاليط»(‪ :)1‬أي مجع اغلوطة كاعجوبة‪ :‬أي ما يغالط به العامل من املسائل‬
‫املشكلة ليستزل؛ ملا فيه من ايذاء املسؤل وإظهار فضل السائل مع عدم نفعها‬
‫يف الدين(‪.)2‬‬
‫قال األوزاعي‪ :‬إذا أراد اهلل أن حيرم عبده بركة العلم ألقى عىل لسانه‬
‫املغاليط‪ ،‬وكان أفاضل الصحابة إذا سئلوا عن يشء قالوا‪ :‬أوقع‪ ،‬فإن قيل‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬أفتوا‪ ،‬وإال قالوا‪ :‬دع حتى يقع(‪.)3‬‬
‫* اآلفة اخلامسة والعرشون‪ :‬السؤال والتفتيش عن عيوب‬
‫الناس‪:‬‬
‫وهو التجسس وتتبع عورات املسلمني وقبائحهم‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫َّجسس عىل عورات املسلمني واإلطالع عليها؛ ملا فيها من هتك‬
‫ُ‬ ‫حير ُم الت‬
‫السرت‪ ،‬بخالف إذا كان لغرض ديني من شيوع الفاحشة‪ ،‬حتى جاز اهلجوم‬
‫ِّ‬

‫(‪ )1‬يف املعجم الكبري‪ ،389 :19‬ومسند الشاميني‪ ،211 :3‬وقال املناوي يف التيسري‪:465 :2‬‬
‫إسناده حسن‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬التيسري رشح اجلامع الصغري‪.465 :2‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية‪.231 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪99‬‬
‫عىل املفسدين والدخول يف بيوهتم من غري إذن إذا ُسمع فيه صوت فساد‬
‫لآلمر باملعروف والناهي عن املنكر(‪.)1‬‬
‫ومن دالئل قبائحه‪:‬‬
‫ما كان هني اهلل تعاىل عن التجسس ملا فيه املضار‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬والَ‬
‫َ َجت َّس ُسوا}[احلجرات‪ :]12 :‬أي ال تبحثوا عن عورات املسلمني أي إذا مل‬
‫يكن هلا عالمة ظاهرة أو َظن غالب أو علم لتجاهره هبا حقيقة أو حك ًام‪.‬‬
‫وكان جزاء تتبع العورات أن يفضح فاعليه عىل األشهاد‪ ،‬فعن ابن عمر‬
‫‪ ،‬قال ‪« :‬ال تتبعوا عوراهتم‪ ،‬فإنه من تتبع عورة أخيه املسلم تتبع اهلل‬
‫عورته‪ ،‬ومن تتبع اهلل عورته يفضحه ولو يف جوف رحله»(‪.)2‬‬
‫وكان من آثار التتبع للعورات إفساد الناس‪ ،‬فعن معاوية ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫«إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدهتم‪ ،‬أو كدت أن تفسدهم»(‪.)3‬‬
‫* اآلفة السادسة والعرشون‪ :‬سؤال تولية املناصب‪:‬‬
‫وهو سؤال اإلمارة والقضاء وأمر الفتوى وتولية األوقاف والوصاية‬
‫وغريها‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية‪.255 :3‬‬


‫(‪ )2‬يف سنن الرتمذي‪ ،378 :4‬وقال؛ حسن غريب‪ ،‬وصحيح ابن حبان‪.75 :13‬‬
‫(‪ )3‬يف سنن أيب داود‪ ،256 :3‬وصحيح ابن حبان‪.72 :13‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪100‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫حيرم أن يسعى يف طلب القضاء وغريه وهو جاهل ليس له أهلية القضاء‬
‫وغريه‪ ،‬أو يسعى فيه وهو من أهل العلم لكنه متلبس بام يوجب فسقه‪ ،‬أو‬
‫كان قصده بالوالية االنتقام من أعدائه‪ ،‬أو قبول الرشوة من اخلصوم وما‬
‫أشبه ذلك من املقاصد‪ ،‬فهذا حيرم عليه السعي يف القضاء‪.‬‬
‫و ُيكره حتري ًام كراهة إثم أن يكون سعيه يف طلب القضاء وغريه؛ لتحصيل‬
‫اجلاه واالستعالء عىل الناس؛ لقوله ‪{ :‬تل َك الدَّ ُار اآلخ َر ُة نَج َع ُل َها ل َّلذي َن‬
‫ون ُع ُل ًّوا يف األَرض َوالَ َف َسا ًدا َوال َعاق َب ُة لل ُمتَّقني}[القصص‪.]83:‬‬
‫الَ ُيريدُ َ‬
‫و ُيكره حتري ًام كراهة إساءة إن كان غني ًا عن أخذ الرزق عىل القضاء‪،‬‬
‫وكان مشهور ًا ال حيتاج أن يشهر نفسه وعلمه بالقضاء(‪.)1‬‬
‫وجيب أن يطلب القضاء وغريه إذا كان من أهال لذلك أو من أهل العلم‬
‫والعدالة‪ ،‬وال يكون هناك غريه‪ ،‬أو يكون ولكن ال حتل واليته‪ ،‬أو ليس يف‬
‫البلد من يصلح لألمر غريه‪ ،‬أو لكونه إن مل يل األمر وليه َمن ال َحتل والي ُته‪،‬‬
‫وكذلك إن كان القضاء وغريه بيد َمن ال حيل بقاؤه عليه وال سبيل إىل عزله‬
‫إال بتصدي هذا إىل الوالية‪ ،‬فيتعني عليه التصدي لذلك والسعي فيه إذا‬
‫قصد بطلبه حفظ احلقوق وجريان األحكام عىل وفق الشع; ألن يف حتصيله‬
‫القيام بفرض الكفاية‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬االختيار‪.99 :2‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪101‬‬
‫ويستحب إذا كان هناك عامل خفي علمه عن الناس فأراد اإلمام أن‬
‫يشهره بوالية القضاء وغريه ليعلم اجلاهل ويفتي املسرتشد‪ ،‬أو كان هو‬ ‫َ‬
‫خامل الذكر ال يعرفه اإلما ُم وال الناس‪ ،‬فأراد السعي يف القضاء وغريه؛‬
‫ليعرف موضع علمه‪ ،‬فيستحب له حتصيل ذلك والدخول فيه هبذه النية‪.‬‬
‫ويباح أن يطلب القضاء وغريه إن كان فقري ًا وله عيال‪ ،‬فيجوز له السعي‬
‫يف حتصيله ليسد خلته‪ ،‬وكذلك إن كان يقصد به دفع رضر عن نفسه‪ ،‬فيباح‬
‫له أيض ًا(‪.)1‬‬
‫ومن دالئل قبح طلب من ليس أهالً‪:‬‬
‫ما كان من توكيل القضاء إىل نفسه إن طلبه ومل يعنه اهلل تعاىل عليه‪ ،‬فعن‬
‫أنس ‪ ‬قال ‪َ « :‬من سأل القضاء ُوك َِّل إىل نفسه‪ ،‬و َمن ُأج َ‬
‫رب عليه ينزل إليه‬
‫َم َلك يسدِّ ده»(‪ ،)2‬وهذا إشار ٌة إىل أن الطالب ال يوفق إلصابة احلق‪ ،‬واملجرب‬
‫عليه يوفق(‪.)3‬‬
‫احلرص عىل اإلمارة سبب ًا ألن تكون ندامة لطالبها‪ ،‬فعن أيب هريرة‬
‫ُ‬ ‫وكان‬
‫‪ ،‬قال ‪« :‬إنكم ستحرصون عىل اإلمارة وستكون ندامة يوم القيامة»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬معني احلكام ص‪.8‬‬


‫(‪)2‬يف سنن الرتمذي‪ ،613 :3‬وسنن أيب داود‪ ،299 :3‬واملستدرك‪ ،101 :4‬وصححه‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬البدائع‪.2 :7‬‬
‫(‪ )4‬يف صحيح البخاري ‪.2613 :6‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪102‬‬
‫فمن طلب القضاء وأراده وحرص عليه وكل إليه وخيف عليه فيه‬
‫اهلالك‪ ،‬ومن مل يسأله وامتحن به وهو كاره له خائف عىل نفسه فيه أعانه اهلل‬
‫عليه‪.‬‬
‫وهذا النهي عن سؤال تول القضاء وغريه ليس عىل إطالقه‪ ،‬بـل مقيـد‬
‫بأن ال يتعني للقضاء‪ ،‬أما إن تعني بأن مل يكن أحد غريه يصلح للقضاء وجب‬
‫عليه الطلب صيانة حلقوق املسلمني ودفع ًا لظلم الظاملني(‪.)1‬‬
‫* اآلفة السابعة والعرشون‪ :‬الدعاء باملوت عىل نفسه‪:‬‬
‫وهو أن يدعو باملوت عىل نفسه ضجر ًا من الدنيا‪ ،‬سواء بسبب ولد أو‬
‫فقر أو سلطان‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫يكره حتري ًام الدعاء نفسه باملوت ضجر ًا واعرتاض ًا عىل قدر اهلل تعاىل‬
‫بدون تعليقه بأمر اهلل تعاىل‪ ،‬اللهم أحيني ما دامت احلياة خري ًا ل وأمتني ما‬
‫دام املوت خري ًا؛ ألنه به يوكل أمره هلل تعاىل‪ ،‬ويرىض بحكمه‪ ،‬ويدعو اهلل‬
‫تعاىل أن خيتار له األفضل‪ ،‬فعن أنس ‪ ‬قال ‪« :‬أال ال يتمنى أحدكم املوت‬
‫لرض نزل به‪ ،‬فإن كان ال ُبد متمني ًا املوت فليقل‪ :‬اللهم أحيني ما كانت احلياة‬
‫خري ًا ل‪ ،‬وتوفني ما كانت الوفاة خري ًا ل»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬البحر الرائق ‪.298 :6‬‬


‫(‪ )2‬يف املجتبى ‪ ،3 :4‬وسنن ابن ماجة ‪ ،1425 :2‬ومسند أمحد ‪ ،101 :3‬وصحيح ابن حبان‬
‫‪. 232 :7‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪103‬‬
‫وعن سعد بن عبيد ‪ ‬قال ‪« :‬ال يتمنى أحدكم املوت إما حمسن ًا فلعله‬
‫يزداد‪ ،‬وإما مسيئ ًا فلعله يستعتب» (‪.)1‬‬
‫ويباح أن يدعو باملوت إذا كان لتغري أهل الزمان‪ ،‬وخوف من املعايص؛‬
‫َّ‬
‫ألن املؤمن املتقي يف الزمان الذي ظهر فيه الفساد واشتهرت فيه املعايص‬
‫حريان يف أمر دينه وكيف حيفظه‪ ،‬وكيف ينجو من رشهم‪ ،‬ففي هذا الزمان‬
‫جيوز أن يتمنى املوت(‪ ،)2‬فعن أيب هريرة ‪ ‬قال ‪« :‬لتنتقن كام تنتقى التمر‬
‫من اجلفنة فليذهبن خياركم وليبقني رشاركم فموتوا إن استطعتم»(‪.)3‬‬
‫* اآلفة الثامنة والعرشون‪ :‬السؤال عن احلل واحلرمة والطهارة‬
‫بال أمارة‪:‬‬
‫وهو السؤال عن حل يشء وحرمته وطهارته ونجاسته لصاحبه ومالكه‬
‫تورع ًا إلظهار ورع بال ريبة مقتضية‪ ،‬فلو مع ريبة من األمارات والقرائن‬
‫اخلارجية‪ ،‬فالظاهر أنه ليس من اآلفات‪.‬‬
‫ومن صوره‪:‬‬
‫َمن يريد أن يشرتي شيئ ًا فيسأل مالكه أهذا اليشء ملك لك أو غصبت‬
‫أو رسقت‪ ،‬وهو مستور احلال‪ ،‬وأما َمن هو متهم باخليانة‪ ،‬فال بأس حينئذ‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري ‪.2644 :6‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬التحفة واملنحة ‪.241 :3‬‬
‫(‪ )3‬يف املستدرك ‪ ،351 :4‬وصححه‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪104‬‬
‫و َمن يدعوه إىل ضيافة‪ ،‬فيسأل عن حل الطعام‪.‬‬
‫و َمن يأتيه بسجادة ليصيل وليس فيه عالمة نجاسة‪ ،‬فيسأل عن طهارته(‪.)1‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫ُ‬
‫يكره حتري ًام إثم أو إسادة عىل حسب ما يترصر اآلخر‪.‬‬
‫قال الربكوي(‪« :)2‬فهذا أذى له وسوء ظن أو رياء أو عجب أو جهل‬
‫وجتسس وبدعة قبيحة ال يليق ارتكابه للمسلم‪ ،‬فعليك االعتامد عىل الظاهر‪،‬‬
‫وال تتعمق‪ ،‬كام اعتمد عليه الصحابة والتابعون ‪.»‬‬
‫املطلب الثامن‪ :‬اخلطأ يف الكالم‪:‬‬
‫* اآلفة التاسعة والعرشون‪ :‬الغفلة عن دقائق اخلطأ يف فحوى‬
‫الكالم‪:‬‬
‫وهو التعبري بألفاظ خمالفة ملفاهيم الرشيعة العقدية والتبوية‪.‬‬
‫يقدر عىل تقويم‬
‫ال سيام فيام يتعلق باهلل وصفاته ويرتبط بأمور الدين‪ ،‬فال ُ‬
‫فمن قرص يف علم أو فصاحة مل‬
‫اللفظ يف أمور الدين إال العلامء الفصحاء‪َ ،‬‬
‫الزلل‪ ،‬لكن اهلل تعاىل يعفو عنه جلهله‪.‬‬
‫خيل كالمه عن َّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الطريقة املحمدية‪.5 :4‬‬


‫(‪ )2‬يف الطريقة املحمدية‪.5 :4‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪105‬‬
‫ومن دالئل قبحه‪:‬‬
‫ما كان من هني النبي ‪ ‬عن تعظيم أمر اخلمر‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال‬
‫‪« :‬ال تسموا العنب الكرم‪ ،‬فإن الكرم الرجل املسلم»(‪.)1‬‬
‫وسبب النهي أهنم كانوا يسمون العنب يف شجرته كرم ًا؛ ألن اخلمر‬
‫املتخذ منه حيمل شاربه عىل الكرم‪ ،‬فكره ‪ ‬هذه التسمية لئال يتذكروا به‬
‫اخلمر ويدعوهم حسن االسم إىل رشبه‪ ،‬فنبه أن الكرم املؤمن أي قلب‬
‫املؤمنح ألنه هو املقتيض للنهي‪ ،‬واملانع من إطالق هذا اللفظ عليه وتقريره‬
‫أنه لو سمي بالكرم يشء باعتبار كونه سبب ًا ومبدأ له‪ ،‬لكن املستحق هلذا‬
‫االسم هو قلب املؤمن احلامل عىل قضية العقل والدين القويمني ال اخلمر‬
‫املؤدي إىل اختالل العقل وفساد الرأي‪ ،‬وإتالف املال ورصفه ال عىل وجه‬
‫الصواب(‪.)2‬‬
‫وكان من النهي عن حتقري الناس وتعظيم النفس‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪،‬‬
‫قال ‪« :‬إذا قال الرجل‪ :‬هلك الناس فهو أهلكهم»(‪.)3‬‬
‫فمن قاهلا إعجاب ًا بنفسه واعتناء بعلمه أو عمله واستصغار ًا لشأن الناس‬
‫َ‬
‫وازدراء ملا هم عليه‪ ،‬ال تفجع ًا وإشفاق ًا عليهم‪ ،‬فهو أهلكهم؛ لكونه قنطهم‬
‫من رمحة اهلل‪ ،‬ويأسهم من غفرانه‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح مسلم‪.1763 :4‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية‪.232 :3‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح مسلم‪.2024 :4‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪106‬‬
‫قال ال َغزال‪ :‬إنام قاله ألن القول يدل عىل أنه مزدر خللق اهلل تعاىل‪ ،‬آمن‬
‫من َمكره‪ ،‬غري خائف من َسطوته و َقهره‪ ،‬حيث رأى الناس هالكني ورأى‬
‫نفسه ناجي ًا‪ ،‬وهو اهلالك حتقيق ًا‪ ،‬ويكفيه رش ًا احتقار الغري‪ ،‬فاخللق يدركون‬
‫النجاة بتعظيمهم إياه تعاىل‪ ،‬فهم متقربون إىل اهلل بالدنو منه‪ ،‬وهو محق إىل اهلل‬
‫بالتنزه والتباعد عنهم‪ ،‬كأنه يرتفع عن جمالستهم فام أجدره باهلالك(‪.)1‬‬
‫قال مالك‪ :‬إذا قال ذلك حتزن ًا ملا يرى يف الناس‪ ،‬يعني يف أمر دينهم‪ ،‬فال‬
‫أرى به بأسا‪ ،‬وإذا قال ذلك عجب ًا بنفسه وتصاغر ًا للناس فهو املكروه الذي‬
‫هني عنه(‪.)2‬‬
‫وكان النهي عن االعتقاد الفاسد‪ ،‬فعن حذيفة ‪ ،‬قال ‪« :‬ال تقولوا ما‬
‫شاء اهلل وشاء فالن‪ ،‬ولكن قولوا‪ :‬ما شاء اهلل ثم شاء فالن»(‪ ،)3‬فإن كلمة‬
‫الواو للجمع املطلق‪ ،‬فتوهم الشكة والتسوية بني مشيئة اهلل وعبده‪ ،‬بخالف‬
‫كلمة‪« :‬ثم»؛ ألهنا للرتتيب مع الرتاخي‪.‬‬
‫وعن ابن عباس ‪« :‬جاء رجل إىل رسول اهلل ‪ ‬يكلمه يف بعض‬
‫األمر فقال‪ :‬ما شاء اهلل وشئت‪ ،‬فقال ‪ :‬أجعلتني هلل عديالً‪ ،‬بل ما شاء اهلل‬
‫وحده»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية‪.232 :3‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬سنن أيب داود‪.296 :4‬‬
‫(‪ )3‬يف سنن أيب داود‪ ،295 :4‬وسنن النسائي الكربى‪ ،361 :9‬ومسند أمحد‪.78 :38‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه النسائي يف الكربى بإسناد حسن وابن ماجه‪ ،‬كام يف املغني‪.168 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪107‬‬
‫وعن عدي بن حاتم ‪« :‬خطب رجل عند رسول اهلل ‪ ،‬فقال‪ :‬من‬
‫يطع اهلل ورسوله فقد رشد ومن يعصهام فقد غوى‪ ،‬فقال ‪ :‬قل‪ :‬و َمن‬
‫يعص اهلل ورسوله فقد غوى»(‪ ،)1‬فكره رسول اهلل ‪ ‬قوله‪ :‬ومن يعصهام؛‬
‫ألنه تسوية ومجع‪.‬‬
‫وعن النخعي‪ :‬أنه كان يكره أن يقول الرجل‪ :‬أعوذ باهلل وبك‪ ،‬وجيوز أن‬
‫يقول أعوذ باهلل ثم بك‪ ،‬قالوا‪ :‬أو يقول‪ :‬لوال اهلل ثم فالن لفعلت كذا‪ ،‬وال‬
‫يقول لوال اهلل وفالن(‪.)2‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫ُيكره عدم مراعاة مواقع األلفاظ والتساهل فيها إن كانت خمالفة عقدية‬
‫أو تربوية يف خلط مفاهيم الدين‪ ،‬فتكون سبب ًا يف الكفر أو احلرمة أو‬
‫الكراهة‪ ،‬ومن أمثلته‪:‬‬
‫العز من‬
‫وبحق ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ويكره أن يقول‪ :‬أسألك بمعقد العز من عرشك‪،‬‬
‫عرشك(‪ ،)3‬قال ال َعيني(‪« :)4‬تعاىل اهلل عن ذلك علو ًا كبري ًا‪ ،‬وال شك يف كراهية‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.168 :3‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬سنن أيب داود‪.296 :4‬‬
‫(‪ )3‬قال العيني يف املنحة ‪« :222 :3‬تعاىل اهلل عن ذلك علو ًا كبري ًا‪ ،‬وال شك يف كراهية‬
‫الثانية؛ الستحالة معناها عىل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وكذا األوىل؛ ألنَّه يوهم َّ‬
‫أن عزه متعلق‬
‫بالعرش‪ ،‬والعرش حادث‪ ،‬وما يتعلق به يكون حادث ًا‪ ،‬واهلل تعاىل متعال عن تعلق عزه‬
‫باحلادث‪ ،‬بل عزه قديم كذاته»‪ ،‬ومثله يف اهلداية‪.64 :10‬‬
‫(‪ )4‬يف املنحة ‪ ،222 :3‬وينظر‪ :‬اهلداية‪.64 :10‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪108‬‬
‫الثانية؛ الستحالة معناها عىل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وكذا األوىل؛ ألنَّه يوهم َّ‬
‫أن‬
‫عزه متعلق بالعرش‪ ،‬والعرش حادث‪ ،‬وما يتعلق به يكون حادث ًا‪ ،‬واهلل تعاىل‬
‫متعال عن تعلق عزه باحلادث‪ ،‬بل عزه قديم كذاته»‪.‬‬
‫وبحق النبي ‪‬؛ أل َّنه ال حق للخلق عىل اهلل‬
‫ِّ‬ ‫حق فالن‪،‬‬
‫ويكره أن يقول‪ِّ :‬‬
‫تعاىل‪ ،‬وإنَّام خيص برمحته من يشاء من غري وجوب عليه(‪.)1‬‬
‫بعضهم أن ُيقال‪ :‬اللهم َأعتقنا من النار‪ ،‬وكان يقول العتق يكون‬
‫وكَره ُ‬
‫بعد الورود‪ ،‬وكانوا يستجريون من النار ويتعوذون من النار‪ ،‬وقال رجل‪:‬‬
‫اللهم اجعلني ممن تصيبه شفاعة حممد ‪ ،‬فقال حذيفة‪ :‬إن اهلل يغني املؤمنني‬
‫عن شفاعة حممد وتكون شفاعته للمذنبني من املسلمني‪.‬‬
‫وقال اب ُن َع َّباس ‪ :‬إ َّن َأ َحدَ ُكم َل ُيش ُك حتى ُيش َك بكَلبه فيقول‪ :‬لواله‬
‫لرسقنا الليلة‪.‬‬
‫وعن أيب بريدة ‪ ،‬قال ‪« :‬ال تقولوا للفاسق َس ِّيدَ نَا‪ ،‬فإنه إن َي ُكن‬
‫َس ِّيدَ ُكم فقد َأس َخط ُتم ربكم»(‪.)2‬‬
‫فهذا وأمثاله مما يدخل يف الكالم وال يمكن حرصه‪ ،‬و َمن تأمل ما سبق‬
‫ذكر من آفات اللسان َعلم أنه إذا أطلق لسانه مل يسلم؛ ألن هذه اآلفات كلها‬
‫مهالك ومعاطب‪ ،‬وهي عىل طريق املتكلم‪ ،‬فإن سكت َسلم من ِّ‬
‫الكل‪ ،‬وإن‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬منحة السلوك ‪.222 :3‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود من حديث بريدة بسند صحيح‪ ،‬كام يف املغني‪.168 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪109‬‬
‫نطق وتك َّلم خاطر بنفسه‪ ،‬إال أن يوافقه لسان فصيح‪ ،‬وعلم غزير‪ ،‬وورع‬
‫حافظ‪ ،‬ومراقبة الزمة‪ ،‬و ُيقلل من الكالم فعساه َيسلم عند ذلك‪ ،‬وهو مع‬
‫تقدر عىل أن تكون ممن تك َّلم‬
‫مجيع ذلك ال ينفك عن اخلطر‪ ،‬فإن كنت ال ُ‬
‫فسلم‪ ،‬فالسالمة إحدى الغنيمتني(‪.)1‬‬
‫فغنم‪ ،‬فكن ممن َسكَت َ‬
‫* اآلفة الثالثون‪ :‬الدعاء للكافر والظامل بالبقاء‪:‬‬
‫وهو الدعاء لغري املسلمني وللظملة باستمرار احلياة‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫ويكره الدعاء لغري املسلني والظاملني بالبقاء؛ ألنه رضا باملعصية التي‬
‫صدرت منه؛ ألن الدعاء ببقاء الظامل دعاء ببقاء ظلمه‪ ،‬بل يقترص يف الدعاء‬
‫للظامل عىل التوبة والصالح ورفع الظلم(‪.)2‬‬
‫َ‬
‫إطالة‬ ‫قال الرازي(‪« :)3‬ولو قال لذمي‪ :‬أطال اهلل بقا َءك مل جيز‪ ،‬إال إذا نوى‬
‫بقائه إلسالمه أو ملنفعة اجلزية»‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.168 :3‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الربيقة والطريقة‪.268 :2‬‬
‫(‪ )3‬يف حتفة امللوك ص‪.352‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪110‬‬
‫املطلب التاسع‪ :‬خمالفة األدب‪:‬‬
‫* اآلفة الواحدة والثالثون‪ :‬ترك التأدب بالكالم مع األفضل‪:‬‬
‫وهو عدم مراعاة األدب مع األفضل حاالً‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫يكره ترك التأدب مع الفضالء من األساتذة والزهاد والعلامء واآلباء‬
‫والكبار يف السن‪.‬‬
‫حق املعلم‬
‫وقال اخلادمي(‪« :)1‬ومن أسباب انقراض العلم عدم مراعاة ِّ‬
‫قيل‪َ :‬من تأذى منه أستاذه حير ُم بركة العلم وال ينتفع به إال قلي ً‬
‫ال»‪.‬‬
‫ومن صوره‪:‬‬
‫‪.1‬افتتاح اجلاهل الكالم عند العامل‪ ،‬والتلميذ عند األستاذ‪ ،‬أو األعلم أو‬
‫األفضل منه بيشء غري العلم كالزهد والورع والصالح وكرب السن‪.‬‬
‫‪.2‬ترك رد كالم األستاذ ولو فاسد ًا‪ ،‬قيل َمن قال ألستاذه‪ :‬مل حني رآه يف‬
‫أمر غري مشوع ال يفلح أبد ًا‪ ،‬وإن احتيج إىل الرد ال حمالة‪ ،‬فبالتعريض ال‬
‫بالترصيح(‪ ،)2‬قال الغزال(‪« :)3‬وال ييسء الظ َّن به يف أفعال ظاهرها منكرة‬
‫عنده‪ ،‬فهو أعلم بأرساره‪ ،‬وليذكر عند ذلك قول موسى ‪ ‬للخرض ‪:‬‬

‫(‪)1‬يف بريقة حممودية(‪.)257 :3‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬بريقة وطريقة‪.256 :3‬‬
‫(‪ )3‬يف بداية اهلداية ص‪.109‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪111‬‬
‫{ َأ َخ َرقت ََها ل ُتغر َق َأه َل َها َل َقد جئ َت َشي ًئا إم ًرا}[الكهف‪ ،]71 :‬وكونه خمطئ ًا يف‬
‫إنكاره اعتامد ًا عىل ظاهره»‪.‬‬
‫قال الزرنوجي(‪« :)1‬ومن توقري املعلم‪ ...‬أن ال يبتدئ الكال َم عنده إال‬
‫بإذنه‪ ،‬وال ُيكثر الكالم ولو ُمباح ًا عنده؛ ألنه ُيفيض للخروج عن األدب»‪.‬‬
‫يقول الرجل َملن َفو َقه‬
‫َ‬ ‫رصحوا يف الفتاوى بكراهة أن‬
‫وقال اخلادمي ‪« :‬وقد َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫يف العلم والفضل الديني‪ :‬حان ـ أي حرض ـ وقت الصالة ‪ ،‬أو قوموا نصل‪،‬‬
‫أو نحومها مما فيه ُ‬
‫ترك األدب‪َّ ،‬‬
‫لعل ذلك عند علمه وقتها مثالً‪ ،‬وأما عند عدم‬
‫علمه فيحظر إن مل يغلب رضاه؛ ألنه ُ‬
‫ترك أدب وتوقري»‪.‬‬
‫* اآلفة الثانية والثالثون‪ :‬الكالم أثناء قضاء احلاجة‪:‬‬
‫وهو الكالم مطلق ًا دنيوي ًا أو أخروي ًا عند قضاء احلاجة‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫يكره الكالم كراهة(‪ )3‬إساءة بصوره املختلفة أثناء قضاء احلاجة؛ ملخالفة‬
‫األدب واملروءة‪.‬‬
‫قال قايض خان‪ :‬رجل سلم عىل من كان يف اخلالء يتغوط أو يبول ال‬
‫ينبغي أن يسلم يف هذه احلالة‪ ،‬فإن سلم عليه‪ ،‬قال أبو حنيفة‪ :‬يرد عليه‬

‫(‪ )1‬يف تعليم املتعلم ص‪.40‬‬


‫(‪ )2‬يف بريقة حممودية‪.256 :3‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬طريقة حممدية‪.266 :3‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪112‬‬
‫السالم بقلبه ال بلسانه‪ ،‬بعد وبعد الفراغ‪ :‬يرد بلسانه؛ لزوال املانع فإنه إذا‬
‫ال ولو بقلبه‪ ،‬وال بعد‬‫زال املانع عاد املمنوع‪ ،‬وقال أبو يوسف‪ :‬ال يرد أص ً‬
‫الفراغ‪ ،‬وهو القياس؛ ألنه ال ينبغي اإلجابة يف املكروه‪ ،‬وأن السقوط ال‬
‫يعود(‪.)1‬‬
‫وقال النووي(‪« :)2‬يكره الذكر والكالم يف حال قضاء احلاجة‪ ،‬سواء كان‬
‫يف الصحراء أو يف البنيان‪ ،‬وسواء يف ذلك مجيع األذكار والكالم‪ ،‬إال كالم‬
‫يشمت‬
‫الرضورة حتى قال بعض أصحابنا‪ :‬إذا عطس ال حيمد اهلل تعاىل‪ ،‬وال ِّ‬
‫عاطس ًا‪ ،‬وال يرد السالم‪ ،‬وال جييب املؤذن‪ ،‬ويكون املسلم مقرص ًا ال يستحق‬
‫جوابا»‪.‬‬
‫فعن ابن عمر ‪« :‬مر رجل بالنبي ‪ ‬وهو يبول فسلم عليه فلم يرد‬
‫عليه»(‪.)3‬‬
‫* اآلفة الثالثة والثالثون‪ :‬الكالم عند اجلامع‪:‬‬
‫وهو أن يتكلم أثناء اجلامع‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫ُيكره تنزهي ًا‪ ،‬فهو خالف األوىل؛ ملخالفته األدب‪ ،‬فيام يتعلق بغري أمور‬
‫اجلامع؛ قال ابن عابدين(‪« :)4‬ألنه مبني عىل السرت‪ ،‬وكان يأمر ‪ ‬فيه باألدب»‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية وطريقة حممدية‪.266 :3‬‬


‫(‪ )2‬يف األذكار ص‪.111‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح مسلم‪.5 :1‬‬
‫(‪ )4‬يف رد املحتار‪.418 :6‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪113‬‬
‫* اآلفة الرابعة والثالثون‪ :‬عدم قبول عذر أخيه‪:‬‬
‫وهو رفض عذر مسلم أخطأ يف حقه وظهرت عالمة صدقه‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫يكره حتري ًام قبول العذر من أخيكم املسلم رغم ظهور عالمات الصدق‬
‫عليه يف االعذار منك؛ ملا فيه من اإلساءة له وسوء الظن به‪ ،‬فعن ابن جودان‪،‬‬
‫قال ‪« :‬من اعتذر إىل أخيه املسلم‪ ،‬فلم يقبل منه كان عليه ما عىل صاحب‬
‫مكس»(‪ :)1‬أي يأخذ الرضائب املحرمة‪.‬‬
‫وأما إن تيقن كذبه يف عذره فيستحب له أن يعفو وال جيب‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫{ َو َأن تَع ُفوا َأق َر ُب للتَّق َوى}[البقرة‪.]237 :‬‬
‫وإن من صفاته تعاىل قبول االعتذار‪ ،‬والعفو عن الزالت‪ ،‬فمن أبى‬
‫عرض نفسه لغضب اهلل تعاىل ومقته‪.‬‬
‫واستكرب عن ذلك فقد َّ‬
‫قال الراغب‪ :‬ومجيع املعاذير ال تنفك عن ثالثة أوجه‪ :‬إما أن يقول مل‬
‫أفعل‪ ،‬أو فعلت ألجل كذا‪ ،‬فيبني ما خيرجه عن كونه ذنب ًا‪ ،‬أو يقول فعلت‬
‫وال أعود‪ ،‬فمن أنكر وأنبأ عن كذب ما نسب إليه‪ ،‬فقد برئت منه ساحته‪،‬‬
‫وإن فعل وجحد فقد أبعد التغايب عنه كرم ًا‪ ،‬ومن أقر فقد استوجب العفو‬
‫بحسن ظنه بك‪ ،‬وإن قال‪ :‬فعلت وال أعود‪ ،‬فهو التوبة‪ ،‬وحق اإلنسان أن‬
‫يقتدي باهلل تعاىل يف قبوهلا‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف مراسيل أيب داود ص‪.351‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪114‬‬
‫وقال ال َغزال‪ :‬مهام رأيت إنسان ًا ييسء الظن بالناس طالب ًا للعيوب‪،‬‬
‫فاعلم أنه خبيث يف الباطن‪ ،‬وأن ما يرى يف غريه هو ما يف نفسه‪ ،‬واملؤمن‬
‫حق‬
‫يطلب املعاذير‪ ،‬واملنافق يطلب العيوب‪ ،‬واملؤمن سليم الصدر يف ِّ‬
‫الكافة(‪.)1‬‬
‫* اآلفة اخلامسة والثالثون‪ :‬املقاطعة لكالم غريه بغري حاجة‪:‬‬
‫وهو قطع كالم الغري وحديثه بكالمه من غري رضورة‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫يكره كراهة إساءة مقاطعة كالم أهل الفضل واخلري يف تدريسهم وأمثاله‬
‫بغري رضروة؛ ملنافاته األدب‪ ،‬وإلساءته للمتكلم‪.‬‬
‫ويكره تنزهي ًا مقاطعة كاله غريه من أمثاله بغري حاجة وإن مل يؤذهيم؛‬
‫ملخالفته أدب الكالم‪.‬‬
‫قال الربكوي(‪« :)2‬ال يقطع كالم َمن يقرأ أو يدعو أو يفرس القرآن أو‬
‫حيدث بكالمه ‪ ‬أو خيطب يعظ للناس‪ ،‬فيلتفت يف أثنائه إىل شخص‪ ،‬فيأمره‬
‫ببعض حوائج بيته أو يتكلم يف جملس عظة أو تدريس أو من فوقه حني‬
‫يتكلم ذلك الفاضل مع من عن يمينه أو شامله ولو مع اإلخفاء‪ ،‬وكذا جمرد‬
‫التفاته يمين ًا أو شامالً يف ذلك املجلس‪ ،‬وحتركه بال رضورة داعية‪ ،‬وكل هذا‬
‫سوء أدب وخفة وعجلة وسفه»‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية‪.292 :3‬‬


‫(‪ )2‬يف الطريقة املحمدية‪.300 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪115‬‬
‫* اآلفة السادسة والثالثون‪ :‬املناجاة بني اثنني مع وجود ثالث‪:‬‬
‫وهي تناجي املكاملة بالرس بني اثنني عند ثالث‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫تكره املناجاة بني اثنني مع وجود الثالث‪ ،‬ولو كان الثالث ساكت ًا؛ ألنه فيه‬
‫أذى له‪.‬‬
‫ومن دالئل قبحه‪:‬‬
‫ما كان من أمر اهلل تعاىل أن ال تكون املناجات باإلثم‪ ،‬واملناجات بني‬
‫اثنني دون الثالث من مناجات اإلثم‪ ،‬فتكون منهية‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬يا َأ َهيا ا َّلذي َن‬
‫َاجوا‬
‫الر ُسول َو َتن َ‬
‫َاجوا باإلثم َوال ُعد َوان َو َمعص َيت َّ‬ ‫َاجي ُتم َف َ‬
‫ال َت َتن َ‬ ‫آ َمنُوا إ َذا َتن َ‬
‫رب َوالتَّق َوى}[املجادلة‪.]9:‬‬
‫بال ِّ‬
‫وكان النهي رصحي ًا من النبي ‪ ‬عن املناجاة بني االثنني مع وجود‬
‫الثالث‪ ،‬فعن ابن مسعود ‪ ،‬قال‪« :‬إذا كانوا ثالثة‪ ،‬فال يتناجى اثنان دون‬
‫الثالث»(‪.)1‬‬
‫وكان اعتبار مناجاة أذن ًا للمؤمن‪ ،‬فعن ابن عباس ‪ ،‬قال ‪« :‬ال‬
‫يتناجى اثنان دون واحد‪ ،‬فإن ذلك يؤذي املؤمن‪ ،‬واهلل عز وجل يكره أذى‬
‫املؤمن»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري‪.64 :8‬‬


‫(‪ )2‬يف سنن الرتمذي‪ ،128 :5‬واملعجم األوسط‪.174 :5‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪116‬‬
‫* اآلفة السابعة والثالثون‪ :‬ترك الطاعة ألهل الطاعة‪:‬‬
‫وهو أن يرتك الطاعة بقوله وفعله َمن وجب عليه طاعته من اإلمام‬
‫واألب واألم والزوج واألستاذ وغريهم‪.‬‬
‫قال الربكوي(‪« :)1‬ال جيوز رد التابع كالم متبوعه ومقابلته وخمالفته وعدم‬
‫قبول قوله وإطاعته يف أمر مشوع عتو ًا وعناد ًا كالرعية لألمري»‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬

‫يكره حتري ًام ترك طاعة َمن استحق عليك طاعته من َّ‬
‫الرعية من السلطان‬
‫والزوجة لزوجها‪ ،‬واالبن ألبيه وأمه‪ ،‬والطالب ألستاذه‪ ،‬فعن أنس ‪ ،‬قال‬
‫َّ‬
‫‪« :‬اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل حبيش كأن رأسه زبيبة»(‪ ،)2‬وعن ابن‬
‫عباس ‪ ،‬قال ‪« :‬أال أخربك بخري ما يكنز املرء؟ املرأة الصاحلة‪ ،‬إذا نظر‬
‫إليها رسته‪ ،‬وإذا أمرها أطاعته‪ ،‬وإذا غاب عنها حفظته»(‪.)3‬‬
‫قال ال َغزال يف الوالدين‪« :‬أكثر العلامء أن طاعتهام واجبة يف الشبهات‬
‫دون احلرام املحض؛ ألن ترك الشبهة ورع ورضا الوالدين واجب‪ ،‬وحق‬
‫الوالدة أعظم من حق الوالد فربها أوجب‪ ،‬قيل‪ :‬ألن شفقة األم أكثر‪ ،‬فإن‬
‫تأذى أحدمها بمراعاة اآلخر‪ ،‬فاألب يقدم يف حق التعظيم‪ ،‬واألم فيام يرجع‬

‫(‪ )1‬يف الطريقة املحمدية‪310 :3‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح البخاري‪.140 :1‬‬
‫(‪ )3‬يف سنن أيب داود‪ ،126 :2‬وسنن ابن ماجة‪ ،596 :1‬واملستدرك‪ ،567 :1‬وصححه‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪117‬‬
‫إىل اخلدمة واإلحسان‪ ،‬فلو دخال عليه يقوم لألب‪ ،‬ولو سأال يبدأ يف اإلعطاء‬
‫باألم‪ ،‬وينظر إليهام بالود والرمحة والرأفة»(‪ ،)1‬فعن معاوية بن جامهة السلمي‪:‬‬
‫«أن جامهة جاء إىل النبي ‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أردت أن أغزو وقد جئت‬
‫أستشريك‪ ،‬فقال‪ :‬هل لك من أم؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فالزمها‪ ،‬فإن اجلنة حتت‬
‫رجليها»(‪.)2‬‬
‫املطلب العارش‪ :‬الكالم وقت الذكر‪:‬‬
‫* اآلفة الثامنة والثالثون‪ :‬التكلم بكالم الدنيا أثناء اآلذان‬
‫واإلقامة‪:‬‬
‫وهو التكلم بغري اإلجابة من كالم الدنيا أثناء األذان واإلقامة‪.‬‬
‫واإلجابة تكون بأن يقول مثل ما قال املؤذن إال عند احليعلتني فيقول‪ :‬ال‬
‫حول وال قوة إال باهلل؛ َّ‬
‫ألن إعادة ذلك ُتشبه املحاكاة واالستهزاء‪ ،‬فعن أيب‬
‫سعيد ‪ ‬قال ‪« :‬إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول املؤذن»(‪ ،)3‬وكذا إذا‬
‫قال املؤذن‪ :‬الصالة خري من النوم؛ ال يعيده السامع‪ ،‬ولكنَّه يقول‪ :‬صدقت‬
‫وبررت‪ ،‬أو ما يؤجر عليه(‪ ،)4‬فعن عمر ‪ ،‬قال ‪« :‬إذا قال املؤذن‪ :‬اهلل أكرب‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية‪.3 :4‬‬


‫(‪ )2‬يف سنن النسائي الكربى‪.11 :6‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح البخاري ‪.221 :1‬‬

‫(‪ )4‬ذكر العجلوين يف كشف اخلفاء ‪« :579 :2‬الراجح استحباب قوله‪ :‬صدقت وبررت‬
‫فقط‪ ،‬وقال القاري‪ :‬صدق رسول اهلل؛ ليس له أصل‪ ،‬وكذا قوهلم عند قول املؤذن‪ :‬الصالة‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪118‬‬
‫اهلل أكرب‪ ،‬فقال أحدكم‪ :‬اهلل أكرب اهلل أكرب‪ ،‬ثم قال‪ :‬أشهد أن ال إله إال اهلل‪،‬‬
‫أن حممد ًا رسول اهلل‪ ،‬قال‪ :‬أشهد‬
‫أن ال إله إال اهلل‪ ،‬ثم قال‪ :‬أشهد َّ‬
‫قال‪ :‬أشهد َّ‬
‫أن حممد ًا رسول اهلل‪ ،‬ثم قال‪ :‬حي عىل الصالة‪ ،‬قال‪ :‬ال حول وال قوة إال‬
‫َّ‬
‫باهلل‪ ،‬ثم قال‪ :‬حي عىل الفالح‪ ،‬قال‪ :‬ال حول وال قوة إال باهلل‪ ،‬ثم قال‪ :‬اهلل‬
‫أكرب اهلل أكرب‪ ،‬قال‪ :‬اهلل أكرب اهلل أكرب‪ ،‬ثم قال‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬قال‪ :‬ال إله إال‬
‫اهلل من قلبه دخل اجلنة»(‪.)1‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫اختلف يف اإلجابة‪:‬‬
‫األول‪ :‬الوجوب‪ ،‬وهو ظاهر ما يف «اخلانية» و«اخلالصة» و«التحفة»‬
‫و«الدر» وإليه مال الكامل‪ ،‬ورصح يف «العيون» بأن اإلمساك عن التالوة‬
‫واالستامع إنام هو أفضل‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬االستحباب‪ ،‬ورصح مجاعة بنفي وجوهبا باللسان‪ ،‬وأهنا‬
‫مستحبة حتى قالوا‪ :‬إن فعل نال الثواب وإال فال أثم‪ ،‬وال كراهة‪ ،‬وحكى يف‬
‫«التجنيس» اإلمجاع عىل عدم كراهة الكالم عند سامع األذان‪ :‬أي حتري ًام‪ ،‬ويف‬
‫«جممع األهنر»‪ :‬عن «اجلواهر»‪ :‬إجابة املؤذن سنة‪ ،‬ويف «الدرة املنيفة»‪ :‬أهنا‬

‫خري من النوم‪ :‬صدقت وبررت وباحلق نطقت؛ استحبه الشافعية قال الدمريي‪ :‬وادعى ابن‬
‫أن خرب ًا ورد فيه ال يعرف قائله‪ ،‬انتهى‪ .‬وقال ابن امللقن يف ختريج أحاديث الرافعي‪ :‬مل‬
‫الرفعة َّ‬
‫أقف عليه يف كتب احلديث‪ .‬وقال احلافظ ابن حجر ‪ :‬ال أصل له‪ .‬انتهى»‪.‬‬
‫(‪ )1‬يف صحيح مسلم ‪.289 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪119‬‬
‫مستحبة عىل األظهر‪ ،‬قال الطحطاوي(‪ :)1‬واحلاصل أنه اختلف التصحيح يف‬
‫وجوب اإلجابة باللسان‪ ،‬واألظهر عدمه‪.‬‬
‫وذكرت االختالف فيها عىل خالف املعتاد يف هذا الكتاب للتنبيه عىل‬
‫أمهية اإلجابة‪ ،‬وعدم التشدد فيها؛ لوجود االختالف‪ ،‬ورجحان قول‬
‫االستحباب‪.‬‬
‫* اآلفة التاسعة والثالثون‪ :‬الكالم يف الصالة‪:‬‬
‫وهو أن يتكلم بكالم الناس يف الصالة سواء عمد ًا أو سهو ًا أو جه ً‬
‫ال أو‬
‫خطأ أو نسيان ًا(‪.)2‬‬
‫ومن صوره‪ :‬الدعاء بكالم الناس‪ ،‬فال يسأل بام يطلبه الناس بعضهم من‬
‫بعض مما يتخاطبون به‪ ،‬وإن خاطب اهلل تعاىل به عىل صيغة الدعاء كقوله‪:‬‬
‫رب أعطني مئة دينار‪ ،‬أو زوجني امرأة‪ ،‬بخالف دعاء اهلل تعاىل فإنَّه طلب ما‬
‫ال يمكن طلبه من الناس‪ :‬كطلب املغفرة‪ ،‬والنجاة يف اآلخرة‪ ،‬فإنَّه ال يفسد‬
‫إن هذه الصالة ال يصلح فيها‬ ‫مطلق ًا(‪ ،)3‬فعن معاوية بن احلكم ‪ ‬قال ‪َّ « :‬‬
‫يشء من كالم الناس‪ ،‬إنَّام هو التسبيح والتكبري وقراءة القرآن»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬يف حاشيته عىل املراقي ‪.283 :1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬طريقة حممدية‪.258 :3‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬اجلوهر الكيل ق‪/28‬ب‪/29-‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬يف صحيح مسلم ‪ ،381 :1‬وصحيح ابن خزيمة ‪ ،35 :2‬وغريها‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫‪120‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وحكمه‪:‬‬
‫تبطل الصالة بكالم الناس مطلق ًا‪ ،‬لكن يأثم إن كان عمد ًا‪ ،‬وال يأثم إن‬
‫سهو ًا‪ ،‬فعن زيد بن أرقم ‪ ‬قال‪« :‬كنا نتكلم يف الصالة يكلم الرجل صاحبه‬
‫وهو إىل جنبه يف الصالة حتى نزلت‪َ { :‬و ُقو ُموا هلل َقانتني}[البقرة‪،]238 :‬‬
‫فأمرنا بالسكوت وهنينا عن الكالم»(‪.)1‬‬
‫* اآلفة األربعون‪ :‬الكالم يف اخلطبة مطلقاً‪:‬‬
‫وهو الكالم يف حال اخلطبة‪ ،‬ولو تسبيح ًا أو تصلي ًة أو أمر ًا باملعروف أو‬
‫نحوها كقراءة القرآن(‪.)2‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫ُيكره حتري ًام الكالم مطلق ًا أثناء اخلطبة؛ للنصوص الواردة يف فرضية‬
‫االستامع‪ ،‬والكالم خيل باالستامع‪ ،‬فال يعارضها خرب الواحد‪.‬‬
‫ومن دالئل قبحه‪:‬‬
‫ما كان من مغفرة الذبوب ملن ينصت وال يتكلم يف اخلطبة‪ ،‬فعن عطاء‬
‫اخلراساين ‪ ‬قال‪ :‬كان نبيشة اهلذل ‪ ‬حيدث عن رسول اهلل ‪َّ « :‬‬
‫إن‬
‫املسلم إذا اغتسل يوم اجلمعة‪ ،‬ثم َأقبل إىل املسجد ال يؤذي أحد ًا‪ ،‬فإن مل جيد‬
‫َ‬
‫صىل ما بدا له‪ ،‬وإن َو َجدَ اإلمام قد َخ َر َج جلس فاستمع‬
‫اإلمام َخ َر َج َّ‬

‫(‪ )1‬يف صحيح مسلم ‪ ،383 :1‬وغريه‪.‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬طريقة حممدية‪.260 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪121‬‬
‫وأنصت حتى يقىض اإلمام مجعته وكالمه‪ ،‬إن مل يغفر له يف مجعته تلك ذنوبه‬
‫كلها أن تكون كفارة للجمعة التي قبلها»(‪.)1‬‬
‫وكان منع األمر باملعروف وهو فرض أثناء اخلطبة؛ لفرضية اإلنصات‪،‬‬
‫فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬إذا قلت لصاحبك أنصت يوم اجلمعة واإلمام‬
‫خيطب فقد لغوت»(‪. )2‬‬
‫وكان النهي الرصيح من النبي ‪ ‬للكالم يف اخلطبة‪ ،‬فعن ابن عمر ‪‬‬
‫قال ‪« :‬إذا دخل أحدكم املسجد‪ ،‬واإلمام عىل املنرب فال صالة وال كالم‪،‬‬
‫حتى يفرغ اإلمام»(‪.)3‬‬
‫* اآلفة الواحدة واألربعون‪ :‬الكالم الدنيوي بعد الطلوع‪:‬‬
‫وهو أن يتكلم بغري القرآن أو الذكر أو العلم أو اخلري بعد طلوع الفجر‬
‫الصادق إىل طلوع الشمس‪.‬‬
‫حكمه‪:‬‬
‫يكره تنزهي ًا؛ ملا فيه من تفويت األجر اجلزيل بالذكر يف هذا الوقت‪ ،‬فهو‬
‫وقت رشيف ال يليق للمؤمن االشتغال فيه بام يتعلق بالدنيا الدنية بل الالئق‬
‫له االشتغال باألعامل األخروية‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف مسند أمحد ‪ ،75 :5‬قال اهليثمي يف جممع الزوائد ‪ :171 :2‬ورجاله رجال الصحيح‬
‫خال شيخ أمحد‪ ،‬وهو ثقة‪.‬‬
‫(‪ )2‬يف صحيح مسلم ‪.583 :2‬‬
‫(‪ )3‬يف املعجم الكبري ‪ ،3280‬وحسنه يف إعالء السنن ‪.68 :2‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪122‬‬
‫وأما يف اخلري‪ :‬كمذاكرة العلم‪ ،‬وحكايات الصاحلني‪ ،‬واحلديث مع‬
‫الضيف‪ ،‬ومع طالب حاجة‪ ،‬فمستحب كام لو حتدث ألمر عارض‬
‫ورضورة(‪.)1‬‬
‫ومن دالئل قبحه‪:‬‬
‫ما كان من احلرمان من أجرة احلجة والعمرة ملن يذكر اهلل تعاىل يف هذا‬
‫الوقت‪ ،‬فعن أنس ‪ ،‬قال ‪َ « :‬من صىل الغداة يف مجاعة‪ ،‬ثم قعد يذكر اهلل‬
‫حتى تطلع الشمس‪ ،‬ثم صىل ركعتني كانت له كأجر حجة وعمرة تامة‬
‫تامة»(‪.)2‬‬
‫وكان فيه تفويت دعاء املالئكة للذاكر‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫«املالئك ُة ُت ِّ‬
‫صيل عىل أحدكم ما دام يف مصاله الذي َص َّىل فيه تقول‪ :‬اللهم‬
‫اغفر له‪ ،‬اللهم ارمحه ما مل حيدث»(‪.)3‬‬
‫وكان الذكر فيه خري من إعتاق الرقاب لوجه اهلل تعاىل‪ ،‬فعن أيب أمامة‬
‫‪ ،‬قال ‪« :‬ألن اقعد أذكر اهلل وأكربه وأمحده وأسبحه وأهلله حتى تطلع‬
‫الشمس أحب إل من أن أعتق رقبتني أو أكثر من ولد إسامعيل‪ ،‬ومن بعد‬
‫العرص حتى تغرب الشمس أحب إىل من أن أعتق أربع رقاب من ولد‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية‪.266 :3‬‬


‫(‪ )2‬يف سنن الرتمذي ‪ ،481 :2‬وقال‪ :‬حسن غريب‪.‬‬
‫(‪ )3‬يف السنن الصغرى ‪.98 :2‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪123‬‬
‫إسامعيل»(‪ ،)1‬وعن العباس ‪ ،‬قال ‪« :‬ألن أجلس من صالة الغداة إىل أن‬
‫تطلع الشمس َأحب إ َّل من أن ُأعتق أربع رقاب من ولد إسامعيل»(‪.)2‬‬
‫* اآلفة الثانية واألربعون‪ :‬الكالم أثناء قراءة القرآن‪:‬‬
‫وهو الكالم عند قراءة القرآن‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫واجب‬
‫ٌ‬ ‫ُيكره يف ظاهر املذهب‪ ،‬فإن استامع القرآن واإلنصات عند قراءته‬
‫الصالة أو خارجها سواء فهم املعنى أو ال‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬وإ َذا ُقرى َء‬
‫مطلق ًا يف َّ‬
‫آن َفاستَم ُعوا َل ُه} [األعراف‪.]204 :‬‬
‫ال ُقر ُ‬
‫فاإلثم عىل‬
‫ُ‬ ‫لكن قالوا‪ :‬من قرأ عند اشتغال الناس بأعامهلم كاحلامم‪،‬‬
‫القارئ فقط‪.‬‬
‫و َمن ابتدأ العمل بعد القراءة‪ ،‬فلم يتيرس له االستامع واإلنصات‪ ،‬فاإلثم‬
‫ُ‬
‫العمل رضوري ًا أو ال‪ ،‬وسواء‬ ‫عىل العامل؛ لسبق القراءة ظاهرة سواء كان‬
‫املوضع موضع عمل أو ال(‪.)3‬‬
‫ُ‬ ‫كان‬
‫وكل هذا فيام لو كانت القراءة حقيقة‪ ،‬أما إن كانت تسجي ً‬
‫ال وتسمع من‬
‫خمتلف؛ ألهنا صدى وليست بقراءة‪ ،‬فال جيب‬
‫ٌ‬ ‫الوسائل املختلفة‪ ،‬فحكمها‬

‫(‪ )1‬يف مسند أمحد ‪ ،255 :5‬وقال األرنؤوط‪ :‬حسن لغريه‪ ،‬واملعجم الكبري ‪.260 :8‬‬
‫(‪ )2‬يف مسند البزار‪ ،118 :4‬ومسند أمحد‪.474 :3‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬طريقة حممدة وبريقة حممودية‪.268 :3‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪124‬‬
‫فيها سجود التالوة‪ ،‬كام أفتى املطيعي‪ ،‬وال جيب اإلنصات هلا كذلك‪ ،‬وملا يف‬
‫ذلك من عموم بلوى لسامع القرآن يف املوصالت وغريها‪ ،‬فيلزم احلرج‬
‫الشديد بالوجوب‪ ،‬وإن كان األوىل اإلنصات لالنتفاع واألجرة والعربة‪.‬‬
‫* اآلفة الثالثة واألربعون‪ :‬كالم الدنيا يف املساجد‪:‬‬
‫وهو التكلم بكالم الدنيا يف املساجد قصد ًا‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫ُ‬
‫ألن املسجد ُأعد إلقامة‬
‫ُيكره حتري ًام إن قصدت املساجد للكالم الدنيوي؛ َّ‬
‫القربات والطاعات ال للمعامالت(‪ ،)1‬فيكره اخلياط ُة يف املسجد‪ ،‬وكل عمل‬
‫معلم فإن كان حسب ًة ال بأس به‪ ،‬وإن كان‬
‫ٌ‬ ‫جلس فيه‬
‫َ‬ ‫من أعامل الدنيا‪ ،‬ولو‬
‫َبأجر ُيكره بغري رضورة وحاجة(‪ ،)2‬فعن ابن مسعود ‪ ،‬قال ‪« :‬سيكون يف‬
‫آخر الزمان قوم يكون حديثهم يف مساجدهم ليس هلل فيهم حاجة»(‪.)3‬‬
‫و ُيكره تنزهي ًا الكالم الدنيوي يف املساجد بعد أن كان الدخول فيها‬
‫للعبادة‪ ،‬ففي «صالة اجلاليب»‪ :‬الكالم املباح من حديث الدنيا جيوز يف‬
‫املساجد وإن كان األوىل أن يشتغل بذكر اهلل تعاىل‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح ابن ملك ق‪/117‬أ‪.‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬حتفة امللوك ورشح ابن ملك ق‪/117‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح ابن حبان‪.162 :15‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪125‬‬
‫قال يف «املصفى»‪ :‬اجللوس يف املسجد للحديث مأذون رشع ًا؛ ألن أهل‬
‫الصفة كانوا يالزمون املسجد وكانوا ينامون‪ ،‬ويتحدثون‪ ،‬وهلذا ال حيل ألحد‬
‫منعه‪ ،‬كذا يف «اجلامع الربهاين»(‪.)1‬‬
‫قال ابن عابدين(‪« :)2‬يؤخذ من هذا أن األمر املمنوع منه إذا وجد بعد‬
‫الدخول بقصد العبادة ال يتناوله»‪ :‬أي النهي عن الكالم‪.‬‬

‫املطلب احلادي عرش‪ :‬احللف املحظور‪:‬‬


‫* اآلفة الرابعة واألربعون‪ :‬احللف باملخلوقات‪:‬‬
‫وهي احللف بغري اهلل تعاىل ال وجه الوثيقة سواء كان نبي ًا أو ملك ًا أو‬
‫مصحف ًا أو سلطان ًا أو ولد ًا أو والد ًا أو صوم ًا أو صالة أو سائر الشائع‪ ،‬أو‬
‫حل َرم‪ ،‬أو زمزم ًا‪ ،‬ونحو ذلك(‪.)3‬‬
‫الكعبة‪ ،‬أو ا َ‬
‫ومن صورته‪ :‬قوهلم‪ :‬وأبيك وحياتك ولعمري(‪ )4‬وغريها‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫يكره حتري ًام؛ للنهي الرصيح عن احللف باآلباء؛ ملا فيه من مشاركة‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رد املحتار‪.662 :1‬‬


‫(‪ )2‬يف رد املحتار‪.662 :1‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬بدائع الصنائع ‪ ،21 :3‬والفتاوى اهلندية ‪ ،51 :2‬وغريها‪.‬‬
‫)‪ (4‬أي‪ :‬بقاؤك وحياتك‪ ،‬بخالف لعمر اهلل فإنَّه قسم‪ ،‬ينظر‪ :‬رد املحتار ‪ ،705 :3‬وغريه‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪126‬‬
‫ا ُملقسم به هلل تعاىل يف التعظيم‪ ،‬وال يلـزم باحلنـث فيـه يش ٌء‪ ،‬فـال حيصـل بـه‬
‫الوثيقة‪.‬‬
‫ومن دالئل قبحه‪:‬‬
‫ما كان من أمر النبي ‪ ‬أن يكون احللف باهلل ال غري‪ ،‬فعن ابن مسـعود‬
‫‪ ،‬قال ‪َ « :‬من كان حالف ًا فليحلف باهلل تعاىل»(‪ ،)1‬وعن ابـن مسـعود ‪،‬‬
‫إن اهلل ينهاكم أن حتلفوا بآبائكم‪ ،‬من كان حالفـ ًا فليحلـف بـاهلل أو‬
‫قال‪« :‬أال َّ‬
‫ليصمت»(‪.)2‬‬
‫الرصيح من احلرضة النبوية للحلف باآلباء‪ ،‬فعن ابن عمر‬ ‫وكان النهي َّ‬
‫‪ ،‬قال ‪َّ « :‬‬
‫إن اهلل ‪ ‬ينهاكم أن حتلفوا بآبائكم»(‪.)3‬‬
‫وأما إقسامه ‪ ‬بغريه‪ :‬كالضحى‪ ،‬والنجم‪ ،‬والليل‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنَّه خمـتص‬
‫باهلل تعاىل؛ إذ له أن يعظم ما شاء‪ ،‬وليس لنا ذلك بعد هنينا(‪.)4‬‬

‫)‪ (1‬يف صحيح مسلم ‪ ،1276 :3‬وصحيح البخاري ‪ ،951 :2‬وغريمها‪.‬‬


‫)‪ (2‬يف صحيح البخاري ‪ 2449 :6‬وغريه‪.‬‬
‫)‪ (3‬يف صحيح مسلم ‪ ،1275 :3‬وغريه‪.‬‬
‫)‪ (4‬ينظر‪ :‬تفصيل حكم احللف بغري اهلل يف‪ :‬منحة اخلالق ‪ ،301 :4‬ورد املحتار ‪،705 :3‬‬
‫والتبيني ‪.107 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪127‬‬
‫* اآلفة اخلامسة واألربعون‪ :‬اليمني بغري اهلل تعليق ًا‪:‬‬
‫وهي احللف بغري اهلل عىل وجه الوثيقة بالتعليق بطالق أو لزوم قربة‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫يكره حتري ًام إن كان التعليق بطالق زوجته؛ ملا فيـه مـن اإلرضار الـذي‬
‫يقع عىل الزوجة بالطالق إن حتقق الشط‪ ،‬وكثرة العبث الواقع من الرجـال‬
‫يف ذلك‪ ،‬فينهون عنها أشد النهي‪.‬‬
‫وصورته‪ :‬كإن فعلت كذا فزوجتي‪ ،‬فهـو تعليـق بغـري قربـة‪ ،‬وهـي يف‬
‫نفسها مشوعة؛ ألنَّه ليس فيه تعظيم‪ ،‬بل فيـه احلمـل أو املنـع مـع حصـول‬
‫الوثيقة بصدق القائل خشية عتق عبده‪ ،‬فيثق اخلصم بصـدق احلـالف؛ لقلـة‬
‫املباالة باحلنث ولزوم الكفارة‪.‬‬

‫ويكره حتري ًام يف نفسه إن التعليق بقربة من صوم‪ ،‬أو صالة‪ ،‬أو حجة‪ ،‬أو‬
‫عمرة‪ ،‬أو بدنة‪ ،‬أو هدي‪ ،‬أو عتق رقبة‪ ،‬أو صدقة‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬وهذا هو‬
‫عيل كذا‪.‬‬
‫النذر املعلق ‪ ،‬وصورته‪ :‬كإن شفى اهللُ مرييض فلله َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫ومن دالئل قبحه‪:‬‬


‫ما كان من إخبار النبي ‪ ‬أنه يستخرج به من البخيل‪ ،‬فال يقدم شيئ ًا‬
‫وال يؤخره وال يغري القدر‪ ،‬فعن ابن عمر ‪ ،‬قال ‪« :‬النذر ال ُيقدِّ م شيئ ًا‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬الفتاوى اهلندية ‪ ،51 :2‬وغريه‪.‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪128‬‬
‫وال يؤخره‪ ،‬وإنَّام يستخرج به من البخيل»(‪ ،)1‬وعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫النذر ال ُيغني من القدر شيئ ًا‪ ،‬وإنَّام يستخرج به من‬
‫َ‬ ‫«ال تنذروا‪َّ ،‬‬
‫فإن‬
‫البخيل»(‪.)2‬‬
‫وكان من هذا التعليق أنه مل خيلص من شائبة العوض‪ ،‬حيث جعل‬
‫نفسه هبا بدون املعلق عليه‪ ،‬مع ما‬ ‫الشفا وأمثاله‪ ،‬ومل تسمح ُ‬ ‫القرب َة يف مقابلة ِّ‬
‫فيه من إهيام اعتقاد التأثري للنذر يف حصول الشفاء وأمثاله‪ ،‬فعن أيب هريرة‬
‫‪ ،‬قال ‪« :‬ال يأيت ابن آدم النذر بيشء مل يكن ُقدِّ َر له‪ ،‬ولكن ُيلقيه النذر إىل‬
‫ال َقدَ ر قد ُقدِّ ر له‪ ،‬فيستخرج اهلل به من البخيل‪ ،‬فيؤيت عليه ما مل يكن يؤيت‬
‫عليه من قبل»(‪.)3‬‬
‫وهذا النهي يشمل قسمي املعلق‪ ،‬ومها‪:‬‬
‫عيل صوم كذا‪ ،‬ونحوه‪ ،‬فإنَّه‬
‫ما ال يريد كونه‪ :‬كإن دخلت دار فالن فلله َّ‬
‫مل يقصد به ال ُقربة‪.‬‬
‫عيل كذا‪ ،‬فإنَّه مل‬
‫وما يريد كونه‪ :‬كإن شفى اهلل مرييض أو رد غائبي فلله َّ‬
‫خيلص من شائبة العوض من أجل الشفاء ونحوه‪ ،‬مع مـا فيـه مـن إهيـام َّ‬
‫أن‬
‫الشفاء حصل بسببه(‪.)4‬‬

‫)‪ (1‬يف صحيح مسلم ‪ ،1261 :3‬وصحيح البخاري ‪ ،2437 :6‬واملستدرك ‪.338 :4‬‬
‫)‪ (2‬يف صحيح مسلم ‪ ،1261 :3‬وصحيح ابن حبان ‪ ،220 :10‬وجامع الرتمذي ‪.112 :4‬‬
‫)‪ (3‬يف صحيح البخاري ‪ ،2437 :6‬وغريه‪.‬‬
‫)‪ (4‬منحة اخلالق ‪ ،62 :2‬وغريه‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪129‬‬
‫َّ‬
‫وكأن الناذر ُيطمع اهلل‬ ‫قال العثامين(‪(( :)1‬النذر املعلق صورته صورة إطامع‪،‬‬
‫سبحانه وتعاىل يف عبادته إن أنجز له ما يريده‪ ،‬واهلل سبحانه وتعاىل غني عن‬
‫ذلك‪ ،‬فاملسنون املأثور للعبد إذا عرضته حاجة‪ :‬أن يدعو اهلل سبحانه‪ ،‬ويعبده‬
‫فإن مجيع ذلك مفيد يف دفع الباليا‪ ،‬وأما أن يع ِّلق عبادته‬
‫ويتصدق لوجهه‪َّ ،‬‬
‫بحصول ما يريد‪ ،‬فإنَّه بظاهره ينايف إخالص العبادة‪ ،‬واهلل سبحانه أعلم))‪.‬‬
‫* اآلفة السادسة واألربعون‪ :‬تعليق احللف بالكفر‪:‬‬
‫وهو احللف باخلروج من اإلسالم إن مل يفعل أو مل يكن صادق ًا‪.‬‬
‫ألن حرمة ال ُكفر كحرمة هتك اسم‬ ‫وصورته‪ :‬إن فعلت كذا فأنا كافر؛ َّ‬
‫اهلل ‪ ،‬فإذا جعل فعله عل ًام عىل الكفر‪ ،‬فقد اعتقده واجب االمتناع‪ ،‬وقد‬
‫أمكن القول بوجوب االمتناع بجعله يمين ًا كام يقول يف حتريم احلالل (‪ ،)2‬فقد‬
‫الرجل يقول‪« :‬هو هيودي أو نرصاين أو بريء من‬ ‫سئل رسول اهلل ‪ ‬عن َّ‬
‫اإلسالم يف اليمني حيلف عليه فيحنث‪ ،‬قال‪ :‬كفارة يمني»(‪ ،)3‬وقال ابن عباس‬
‫الرجل يقول‪(( :‬هو هيودي أو نرصاين أو جمويس أو بريء من اإلسالم‪،‬‬ ‫‪ ‬يف َّ‬
‫قال‪ :‬يمني مغلظة))(‪.)4‬‬

‫)‪ (1‬يف تكملة فتح امللهم ‪.154 :2‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬البحر الرائق ‪ ،309 :4‬وغريه‪.‬‬
‫)‪ (3‬يف سنن البيهقي الكبري ‪ 30 :10‬وضعفه‪ .‬وينظر‪ :‬التحقيق يف أحاديث اخلالف ‪،378 :2‬‬
‫وإعالء السنن ‪ 383 :11‬وغريمها‪ ،‬وفيهام َّ‬
‫أن مذهب احلنابلة َّأهنا يمني‪.‬‬
‫)‪ (4‬يف مصنف عبد الرزاق‪ 480 :8‬وغريه‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫‪130‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وحكمه‪:‬‬
‫يكره حتري ًام كراهة إساءة إن كان عامل ًا أنه يمني‪ ،‬وحيرم إن كان جاهالً؛‬
‫ألنه عرض نفسه للكفر‪ ،‬فهو إن كان عامل ًا أنَّه يمني ال َيكفر يف املايض‬
‫ال أو عنده أنَّه َيكفر باحللف يف ال َغموس أو بمبارشة‬
‫واملستقبل‪ ،‬وإن كان جاه ً‬
‫الشط يف املستقبل‪َ ،‬يكفر فيهام(‪)1‬؛ ألنَّه ملا أقدم عليه وعنده أنَّه َيكفر‪ ،‬فقد‬
‫ريض بالكفر(‪ ،)2‬وعىل هذا حيمل حديث رسول اهلل ‪« :‬من حلف بملة غري‬
‫اإلسالم كاذب ًا فهو كام قال»(‪ ،)3‬ويف رواية‪« :‬كاذب ًا متعمد ًا»(‪.)4‬‬
‫* اآلفة السابعة واألربعون‪ :‬كثرة احللف باهلل تعاىل‪:‬‬
‫وهو أن يكثر احللف باهلل تعاىل بال مباالة بالرب واحلنث‪.‬‬

‫وحكمه‪:‬‬
‫يكره حتري ًام كراهة إثم إن مل يكن يراعي اليمني يف الرب واحلنث؛ الستهانته‬
‫باهلل تعاىل وانتهاك حرمة القسم واعتياد لسانه عىل ذلك‪.‬‬

‫)‪ (1‬وقال الشافعي ‪ :‬إذا قال‪ :‬إن فعلت كذا فأنا هيودي أو بريء من اهلل‪ ،‬مل جتب عليه‬
‫الك َّفارة؛ ألنَّه حلف بمحظور أثبته لنفسه‪ .‬ينظر‪ :‬النكت ‪ ،175 :3‬وغريه‪.‬‬
‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬الدر املختار ورد املحتار ‪ ،719-718 :3‬وغريمها‪.‬‬
‫)‪ (3‬يف جامع الرتمذي ‪ ،115 :4‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫)‪ (4‬يف مسند أيب عوانة ‪ ،43 :4‬وغريه‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪131‬‬
‫الزي َلعي (‪« :)1‬واليمني‬
‫ويكره تنزهي ًا إن كان يراعي اليمني بر ًا وحنث ًا‪ ،‬قال َّ‬
‫الرسخيس (‪((« :)2‬ال بأس‬
‫باهلل تعاىل ال يكره‪ ،‬وتقليله أوىل من تكثريه»‪ ،‬وقال َّ َ‬
‫لإلنسان أن حيلف خمتار ًا»‪.‬‬
‫وقد حلف رسول اهلل ‪ ‬غري مرة من غري رضورة كانـت لـه يف ذلـك‪،‬‬
‫َّ‬
‫وألن احللـف بـاهلل تعظــيم لـه‪ ،‬وربـام ضــم إىل يمينـه وصـف اهلل تعــاىل‬
‫وألن النبي ‪ ‬كان حيلـف كثـري ًا‪،‬‬
‫َّ‬ ‫بتعظيمه وتوحيده‪ ،‬فيكون مثاب ًا عىل ذلك‪،‬‬
‫وقد كان حيلف يف احلديث الواحد أيامن ًا كثرية‪ ،‬وربـام كـرر اليمـني الواحـدة‬
‫ثالث ًا‪ ،‬ولو كان هذا مكروه ًا‪ ،‬لكان النبي ‪ ‬أبعد الناس عنه(‪.)3‬‬
‫فقال ‪ ‬يف خطبة الكسوف‪« :‬واهلل يا أمة حممد‪ ،‬ما أحد َأغري من اهلل أن‬
‫يزين عبده‪ ،‬أو تزين َأ َمته‪ ،‬يا ُأمة حممد‪ ،‬واهلل لو تعلمون مـا أعلـم‪ ،‬لضـحكتم‬
‫ال ولبكيتم كثري ًا»(‪ ،)4‬وعن أنس بن مالك ‪« :‬جاءت امرأة من األنصـار‬
‫قلي ً‬
‫إىل رسول اهلل ‪ ‬قال فخال هبا رسول اهلل ‪ ‬وقال‪ :‬والذي نفيس بيـده إنَّكـم‬
‫ألحب الناس إ َّل ثالث مرات»(‪ ،)5‬وعن ابن عباس ‪ ،‬قال‪ :‬قال رسـول اهلل‬

‫)‪ (1‬يف تبيني احلقائق ‪.107 :3‬‬


‫)‪ (2‬يف املبسوط ‪.149 :8‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬املغني ‪ 387 :9‬وغريه‪.‬‬
‫)‪ (4‬يف صحيح البخاري ‪ ،354 :1‬وغريه‪.‬‬
‫)‪ (5‬يف صحيح مسلم ‪ ،1948 :4‬وغريه‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪132‬‬
‫‪« :‬واهلل ألغزون قريش ًا‪ ،‬واهلل ألغزون قريشـ ًا‪ ،‬واهلل ألغـزون قريشـ ًا‪ُ ،‬ث َّ‬
‫ـم‬
‫سكت فقال‪ :‬إن شاء اهلل»(‪.)1‬‬

‫وتأويل قوله ‪َ { :‬والَ َجت َع ُلوا اهللَ ُعر َضـ ًة ِّألَي َامن ُكـم َأن ت َ‬
‫َـربوا َو َت َّت ُقـوا‬
‫ني النَّاس}[البقرة‪.]224 :‬‬
‫َو ُتصل ُحوا َب َ‬
‫ليس املراد منها املنع من اليمني مطلق ًا‪ ،‬وإنَّام املنع من أن تكون اليمني‬
‫مانعة من أعامل الرب والتقوى والصالح بني الناس‪ ،‬فإذا ُطلب منه ذلك قال‪:‬‬
‫قد حلفت؛ فيجعل اليمني معرتضة بينه وبني ما هو مندوب إليه أو هو مأمور‬
‫به من الرب والتقوى واإلصالح‪ ،‬فإن حلف حالف أن ال يفعل ذلك فليفعل‬
‫رضب من اجلرأة عىل اهلل‬
‫ٌ‬ ‫َول َيدَ ع يمينه‪ ،‬أو أن يريد به كثرة احللف‪ ،‬وهو‬
‫تعاىل‪ ،‬وابتذال السمه ‪ ‬يف كل حق وباطل؛ َّ‬
‫ألن ت ََربوا يف احللف هبا وتتقوا‬
‫الرسخيس(‪(( :)3‬وتأويل تلك اآلية‪ :‬أنَّه جيازف يف احللف‬
‫املأثم فيها… ‪ ،‬قال َّ َ‬
‫(‪)2‬‬

‫من غري مراعاة الرب واحلنث))‪.‬‬

‫)‪ (1‬يف صحيح ابن حبان ‪ ،185 :10‬وسنن البيهقي الكبري ‪ ،47 :10‬وسنن أيب داود ‪:3‬‬
‫‪ ،231‬وغريها‪.‬‬
‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬أحكام القرآن للجصاص ‪.483-482 :1‬‬
‫)‪ (3‬يف املبسوط ‪.149 :8‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪133‬‬
‫املطلب الثاين عرش‪ :‬الغيبة والنميمة وأمثاهلا‪:‬‬
‫* اآلفة الثامنة واألربعون‪ِ :‬‬
‫الغيبة(‪:)1‬‬
‫وهي ذكر مساوئ املسلم املعني املعلوم عند املخاطب‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫حيرم ذكرك أخاك بام يكرهه لو بلغه‪ ،‬سواء ذكرته بنقص يف بدنه‪ ،‬أو‬
‫نسبه ‪ ،‬أو يف خلقه‪ ،‬أو يف فعله‪ ،‬أو يف قوله‪ ،‬أو يف دينه‪ ،‬أو يف دنياه‪ ،‬حتى يف‬
‫ثوبه‪ ،‬وداره‪ ،‬ودابته‪.‬‬
‫والتعريض كالترصيح‪ ،‬والفعل كالقول‪ ،‬بل مها أشد أنواعها؛ ألهنام‬
‫أعظم يف التصوير والتفهيم(‪.)2‬‬
‫مغتاب عاص لر ِّبه وآكل حلم‬
‫ٌ‬ ‫وكل هذا وإن كان صادق ًا فيه‪ ،‬فهو به‬
‫َأخيه(‪ ،)3‬فعن أيب هريرة ‪ ‬قال ‪« :‬أتدرون ما الغيبة؟ قالوا‪ :‬اهلل ورسوله‬
‫أعلم‪ ،‬قال‪ :‬ذكرك أخاك بام يكره‪ .‬قيل‪ :‬فرأيت إن كان يف أخي ما أقول‪ .‬قال‪:‬‬
‫إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته‪ ،‬وإن مل يكن فيه فقد هبته»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬كنت فيام سبق اخترصت الغيبة من اإلحياء مع إضافة فوائد ولطائف‪ ،‬وأخرجتها يف‬
‫كتاب سميته ضوابط الغيبة‪ ،‬وقد أدرجته يف هذا التأليف‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الربيقة والطريقة‪.183 :3‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.143 :3‬‬
‫)‪ (4‬يف صحيح مسلم ‪ ،2001 :4‬وصحيح ابن حبان ‪ ،71 :13‬وجامع الرتمذي ‪،329 :4‬‬
‫وسنن الدارمي ‪ ،387 :2‬وغريها‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪134‬‬
‫ومن صور الغيبة وعمومها وسامها‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬صور الغيبة‪:‬‬
‫‪ .1‬أن تكون يف البدن‪:‬‬
‫كذكرك‪ :‬العمش‪ ،‬واحلول‪ ،‬والقرع‪ ،‬والقرص‪ ،‬والطول‪ ،‬والسواد‪،‬‬
‫والصفرة ومجيع ما يتصور أن يوصف به ممَّا يكرهه كيفام كان(‪ ،)1‬فعن عائشة‬
‫ريض اهلل عنها‪« ،‬إهنا ذكرت امرأة وقالت‪ :...‬امرأة‪ :‬إهنا قصرية‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫اغتبتها ما أحب إين حكيت أحد ًا وإن ل كذا وكذا»(‪ ،)2‬ويف لفظ‪« :‬يا رسول‬
‫اهلل إن صفيه امرأة‪ ،‬وقالت‪ :‬بيدها هكذا كأهنا تعني قصرية‪ .‬فقال‪ :‬لقد‬
‫مزجت بكلمة لو مزجت هبا ماء البحر ملزج»(‪ ،)3‬ويف لفظ‪« :‬جاءت امرأة‬
‫قصرية إىل رسول اهلل ‪ ‬وأنا جالسة عنده فقلت بإهبامي هكذا‪ ،‬فأرشت هبا‬
‫إىل النبي ‪ ‬أي أهنا مثل اإلهبام‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪ :‬لقد اغتبتيها»(‪.)4‬‬
‫‪ .2‬أن تكون يف النسب‪:‬‬
‫بأن تقول‪ :‬أبوه نبطي‪ ،‬أو هندي‪ ،‬أو فاسق‪ ،‬أو خسيس‪ ،‬أو اسكاف‪ ،‬أو‬
‫زبال‪ ،‬أو يشء مما يكرهه كيفام كان‪.‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.143 :3‬‬


‫)‪ (2‬يف مسند أمحد ‪.206 :6‬‬
‫)‪ (3‬يف جامع الرتمذي ‪ ،660 :4‬ومسند أمحد ‪ ،189 :6‬وغريها‪.‬‬
‫)‪ (4‬يف مسند إسحاق بن راهويه ‪ ،921 :3‬واللفظ له‪ ،‬وشعب اإليامن ‪ ،313 :5‬وغريها‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪135‬‬
‫‪ .3‬أن تكون يف اخللق‪:‬‬
‫بأن تقول‪ :‬هو سيئ اخللق‪ ،‬بخيل‪ ،‬متكرب‪ ،‬مراء‪ ،‬شديد الغضب‪،‬‬
‫عاجز‪ ،‬ضعيف القلب‪ ،‬متهور‪ ،‬وما جيري جمراه(‪ ،)1‬فعن معاذ بن جبل ‪‬‬
‫قال‪« :‬كنت عند النبي ‪ ‬فذكروا رج ً‬
‫ال عنده‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما أعجزه‪ .‬فقال النبي‬
‫‪ :‬اغتبتم أخاكم‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل قلنا ما فيه‪ ،‬قال‪ :‬إن قلتم ما ليس فيه‬
‫فقد هبتموه»(‪.)2‬‬
‫‪ .4‬أن تكون يف األفعال املتعلقة بالدِّ ين‪:‬‬
‫بأن تقول‪ :‬سارق‪ ،‬أو كذاب‪ ،‬أو شارب مخر‪ ،‬أو خائن‪ ،‬أو ظامل‪ ،‬أو‬
‫متهاون بالصالة‪ ،‬أو الزكاة‪ ،‬أو ال حيسن الركوع‪ ،‬أو السجود‪ ،‬أو ال حيرتز من‬
‫النَّجاسات‪ ،‬أو ليس بار ًا بوالديه‪ ،‬أو ال يضع الزكاة موضعها‪ ،‬أو ال حيسن‬
‫قسمها‪ ،‬أو ال حيرس صومه عن الرفث والغيبة‪ ،‬والتعرض ألعراض النَّاس‪.‬‬
‫‪ .5‬أن تكون يف األفعال املتعلقة بالدنيا‪:‬‬
‫بأن تقول‪ :‬إنه قليل األدب‪ ،‬متهاون بالناس‪ ،‬أو ال يرى ألحد عىل نفسه‬
‫حق ًا‪ ،‬أو يرى لنفسه احلق عىل الناس‪ ،‬أو أنه كثري الكالم‪ ،‬كثري األكل‪َ ،‬ينام يف‬
‫غري وقت النوم‪ ،‬وجيلس يف غري موضعه‪.‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.143 :3‬‬


‫)‪ (2‬يف املعجم الكبري ‪ ،39 :20‬وشعب اإليامن ‪ ،304 :5‬وقال العراقي يف املغني ‪،153 :3‬‬
‫واهليثمي يف جممع الزوائد ‪ :94 :8‬إسناده ضعيف‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪136‬‬
‫‪ .6‬أن تكون يف الثوب‪:‬‬
‫بأن تقول‪ :‬إنه واسع الكم‪ ،‬طويل الذيل‪ ،‬وسخ الثياب(‪ ،)1‬فعن عائشة‬
‫ريض اهلل عنها‪ ،‬قالت‪« :‬قلت المرأة مرة وأنا عند النبي ‪ ‬إن هذه لطويلة‬
‫الذيل‪ ،‬فقال‪ :‬أسهرت(‪ )2‬أسهرت‪ ،‬فلفظت بضعة(‪ )3‬من حلم)(‪.)4‬‬
‫ثاني ًا ‪ :‬شمول الغيبة لغري اللسان‪:‬‬
‫كر باللسان إنام َح ُر َم؛ ألن فيه تفهيم الغري نقصان أخيك وتعريفه بام‬ ‫ِّ‬
‫الذ ُ‬
‫َيكرهه‪ ،‬فالتعريض به كالترصيح‪ ،‬والفعل فيه كالقول‪ ،‬لذلك كانت الغيبة‬
‫تشمل كل ما يفهم املقصود فيكون داخ ً‬
‫ال يف الغيبة‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪.1‬اإلشارة‪.‬‬
‫‪.2‬اإليامء‪.‬‬
‫‪.3‬الغمز‪.‬‬
‫‪.4‬اهلمز‪.‬‬
‫‪.5‬احلركة‪.‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.143 :3‬‬


‫)‪ (2‬أسهرت‪ :‬معناه ارمي ما يف فمك‪ .‬ينظر‪ :‬الرتغيب ‪ ،327 :3‬وغريه‪.‬‬
‫)‪ (3‬البضعة‪ :‬القطعة‪ .‬ينظر‪ :‬الرتغيب ‪ ،327 :3‬وغريه‪،‬‬
‫)‪ (4‬رواه ابن أيب الدنيا وابن مردويه يف التفسري‪ ،‬وسكت عنه املنذري يف الرتغيب ‪،327 :3‬‬
‫وقال العراقي يف املغني ‪ :154 :3‬يف إسناده امرأة ال أعرفها‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪137‬‬
‫‪.6‬املحاكاة يمشى متعارج ًا‪ ،‬أو كام يميش فهو غيبة‪ ،‬بل هو أشد من‬
‫الغيبة؛ ألنه أعظم يف التصوير والتفهيم‪.‬‬
‫‪.7‬الكتابة؛ ألن القلم أحد اللسانني ‪ ،‬وذكر املصنف شخص ًا معين ًا‬
‫وهتجني كالمه يف الكتاب غيبة‪ ،‬إال أن يقرتن به يشء من األعذار املحوجة‬
‫إىل ذكره(‪.)1‬‬
‫‪.7‬اإلفهام بتعيني شخص‪ ،‬كمن يقول‪ :‬بعض من مر بنا اليوم أو بعض‬
‫َمن رأيناه إذا كان املخاطب يفهم شيخ ًا معين ًا؛ ألن املحذور تفهيمه دون ما به‬
‫التفهيم‪ ،‬وأما إذا مل يفهم عينه جاز(‪.)2‬‬
‫وأما عدم التعيني ليس بغيبة‪ ،‬فإذا مل يفهم عينه جاز؛ ألن رسول اهلل ‪‬‬
‫إذا كره من إنسان شيئ ًا قال‪ :‬ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا‪ ،‬فكان ال يعني‪،‬‬
‫فأما إن كان معه قرينة تفهم عني الشخص فهي غيبة(‪ ،)3‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪.1‬قوله ‪« :‬ما بال أقوام قالوا‪ :‬كذا وكذا‪ ،‬لكني أصيل وأنام وأصوم‬
‫وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني»(‪.)4‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.144 :3‬‬


‫(‪ )2‬ينظر التنوير والدر املختار‪.410 :6‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.145 :3‬‬
‫)‪ (4‬يف صحيح مسلم ‪ ،1020 :2‬وغريه‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪138‬‬
‫‪.2‬قوله ‪« :‬ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إىل السامء يف صالهتم‪،‬‬
‫فاشتد قوله يف ذلك حتى قال‪ :‬لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم»(‪.)1‬‬
‫‪.3‬عن عائشة ريض اهلل عنها‪ ،‬قالت‪« :‬كان النبي ‪ ‬إذا بلغه عن الرجل‬
‫اليشء مل يقل ما بال فالن يقول ‪ ،‬ولكن يقول ‪ :‬ما بال أقوام يقولون‬
‫كذا وكذا»(‪.)2‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬سامع الغيبة‪:‬‬
‫اإلصغاء إىل الغيبة عىل سبيل التعجب يزيد نشاط املغتاب يف الغيبة‪،‬‬
‫فيندفع فيها‪ ،‬وكأنه بتعجبه يستخرج الغيبة منه‪ ،‬فيقول‪ :‬ما علمت أنه كذلك!‬
‫ما عرفته إىل اآلن إال باخلري! وكنت أحسب فيه غري هذا! عافانا اهلل من بالئه!‬
‫فإن كل ذلك تصديق للمغتاب والتصديق بالغيبة غيبة‪ ،‬بل الساكت رشيك‬
‫املغتاب(‪ ،)3‬بدليل‪:‬‬
‫‪.1‬عن ابن عمر ‪« :‬أنه ‪ ‬هنى عن الغيبة وعن االستامع إىل الغيبة»(‪.)4‬‬

‫)‪ (1‬يف صحيح البخاري ‪ ،261 :1‬وغريه‪.‬‬


‫)‪ (2‬يف سنن أيب داود ‪ ،250 :4‬وقال العراقي يف املغني ‪ :154 :3‬رجاله رجال الصحيح‪.‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.145 :3‬‬
‫)‪ (4‬رواه الطرباين يف معجمه الكبري واألوسط‪ ،‬قال اهليثمي يف املجمع ‪ :91 :8‬فيه فرات بن‬
‫السائب وهو مرتوك‪ ،‬وقال العراقي يف املغني ‪ :155 :3‬ضعيف‪ .‬وينظر‪ :‬كشف اخلفاء ‪:2‬‬
‫‪ ،280‬وغريه‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪139‬‬
‫‪.2‬عن سهل بن حنيف ‪ ‬قال ‪« :‬من أذل عنده مؤمن ومل ينرصه‬
‫وهو يقدر عىل أن ينرصه أذله اهلل عىل رؤوس األشهاد يوم القيامة»(‪.)1‬‬
‫‪.3‬عن أسامء بنت يزيد ريض اهلل عنها‪ ،‬قال ‪َ « :‬من ذب عن عرض‬
‫أخيه بالغيبة كان حق ًا عىل اهلل أن يعتقه من النار»(‪.)2‬‬
‫‪.4‬عن أيب الدرداء ‪ ‬قال ‪َ « :‬من رد عن عرض أخيه‪ ،‬رد اهلل عن‬
‫وجهه النار يوم القيامة»(‪.)3‬‬
‫ومن األسباب الباعثة عىل الغيبة‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬أن يشفي الغيظ‪:‬‬
‫وذلك إذا جرى سبب غضب به عليه‪ ،‬فإنه إذا هاج غضبه يشتفي‬
‫بذكر مساويه‪ ،‬فيسبق اللسان إليه بالطبع إن مل يكن ثم دين وازع‪ ،‬وقد يمتنع‬
‫تشفي الغيظ عند الغضب‪ ،‬فيحتقن الغضب يف الباطن فيصري حقد ًا ثابت ًا‪،‬‬
‫فيكون سبب ًا دائ ًام لذكر املساوي‪ ،‬فاحلقد والغضب من البواعث العظيمة عىل‬
‫الغيبة‪.‬‬

‫)‪ (1‬يف مسند أمحد ‪ ،487 :3‬واملعجم الكبري ‪ ،73 :6‬قال اهليثمي يف املجمع ‪ :267 :4‬فيه ابن‬
‫هليعة وهو حسن احلديث‪ ،‬وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات‪.‬‬
‫)‪ (2‬يف مسند إسحاق بن راهويه ‪ ،184 :1‬واملعجم الكبري ‪ ،176 :24‬قال اهلثيمي يف املجمع‬
‫‪ :95 :8‬رواه أمحد بإسناد حسن‪.‬‬
‫)‪ (3‬يف جامع الرتمذي ‪ ،327 :4‬وحسنه‪ ،‬وسنن البيهقي الكبري‪ ،168 :8‬ومسند أمحد ‪:6‬‬
‫‪ ،449‬ومسند احلارث ‪ ،836 :2‬ومسند عبد بن محيد ‪ ،100 :1‬وشعب اإليامن ‪.111 :6‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪140‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬موافقة األقران وجماملة الرفقاء ومساعدهتم عىل الكالم‪:‬‬
‫فإهنم إذا كانوا يتفكهون بذكر األعراض فريى أنه لو أنكر عليهم أو‬
‫قطع املجلس استثقلوه ونفروا عنه‪ ،‬فيساعدهم ويرى ذلك من حسن‬
‫املعارشة‪ ،‬ويظن أنه جماملة يف الصحبة‪ ،‬وقد يغضب رفقاؤه‪ ،‬فيحتاج إىل أن‬
‫يغضب لغضبهم إظهار ًا للمسامهة يف الرساء والرضاء‪ ،‬فيخوض معهم يف‬
‫ذكر العيوب واملساوي‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬أن يستشعر من إنسان أنه سيقصده بالسوء‪:‬‬
‫بأن يطول لسانه عليه أو يقبح حاله عند حمتشم أو يشهد عليه بشهادة؛‬
‫فيبادره إىل تقبيح حاله‪ ،‬ويطعن فيه؛ ليسقط أثر شهادته‬
‫رابع ًا‪ :‬أن ينسب إىل يشء‪ ،‬فرييد أن يتربأ منه‪:‬‬
‫فيذكر الذي فعله‪ ،‬وكان من حقه أن يربئ نفسه وال يذكر الذي فعل‪،‬‬
‫فال ينسب غريه إليه أو يذكر غريه بأنه كان مشارك ًا له يف الفعل؛ ليمهد بذلك‬
‫عذر نفسه يف فعله‪.‬‬
‫خامس ًا‪ :‬إرادة التصنع واملباهاة‪:‬‬
‫وهو أن يرفع نفسه بتنقيص غريه‪ ،‬فيقول‪ :‬فالن جاهل وفهمه ركيك‪،‬‬
‫وكالمه ضعيف‪ ،‬وغرضه أن يثبت يف ضمن ذلك فضل نفسه‪ ،‬ويرهيم أنه‬
‫أعلم منه‪ ،‬أو حيذر أن يعظم مثل تعظيمه‪ ،‬فيقدح فيه لذلك‪.‬‬
‫سادس ًا‪ :‬احلسد‪:‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪141‬‬
‫وهو أنه ربام حيسد َمن يثني الناس عليه‪ ،‬وحيبونه‪ ،‬ويكرمونه‪ ،‬فرييد‬
‫زوال تلك النعمة عنه‪ ،‬فال جيد سبي ً‬
‫ال إليه إال بالقدح فيه‪ ،‬فرييد أن يسقط ماء‬
‫وجهه عند الناس حتى يكفوا عن كرامته والثناء عليه؛ ألنه يثقل عليه أن‬
‫يسمع كالم الناس وثناءهم عليه وإكرامهم له‪.‬‬
‫والفرق بني احلسد والغضب واحلقد‪:‬‬
‫‪.1‬إن الغضب واحلقد يستدعي جناية من املغضوب عليه‪.‬‬
‫‪.2‬إن احلسد قد يكون مع الصديق املحسن والرفيق املوافق‪.‬‬
‫سابع ًا‪ :‬اللعب واهلزل واملطايبة وتزجية الوقت بالضحك‪:‬‬
‫فيذكر عيوب غريه بام يضحك الناس عىل سبيل املحاكاة‪ ،‬ومنشؤه‬
‫التكرب والعجب‪.‬‬
‫ثامن ًا‪ :‬السخرية واالستهزاء استحقار ًا له‪:‬‬
‫فإن ذلك قد جيري يف احلضور‪ ،‬وجيري أيض ًا يف الغيبة‪ ،‬ومنشؤه التكرب‬
‫واستصغار املستهزأ به‪.‬‬
‫فعن عامر بن واثلة ‪ ‬إن رج ً‬
‫ال مر عىل قوم فردوا عليه السالم‪ ،‬فلام‬
‫جاوزهم قال رجل منهم‪ :‬واهلل إين ألبغض هذا يف اهلل‪ .‬فقال أهل املجلس‪:‬‬
‫بئس واهلل ما قلت‪ ،‬أما واهلل لتنبئنه قم يا فالن رج ً‬
‫ال منهم فأخربه‪ ،‬قال‬
‫فأدركه رسوهلم أفأخربه بام قال‪ ،‬فانرصف الرجل وأخرب رسول اهلل ‪،‬‬
‫فدعاه ‪ ‬فسأله عام أخربه الرجل فاعرتف بذلك‪ ،‬وقال‪ :‬أنا جاره وأنا به‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪142‬‬
‫خابر‪ ،‬واهلل ما رأيته يصيل صالة قط إال هذه الصالة املكتوبة التي يصليها الرب‬
‫والفاجر‪ ،‬قال الرجل‪ :‬سله يا رسول اهلل هل رآين قط أخرهتا عن وقتها‪ ،‬أو‬
‫أسأت الوضوء هلا أو أسأت الركوع والسجود فيها‪ ،‬فسأله رسول اهلل ‪ ‬عن‬
‫ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬ال‪ ...‬فقال له رسول اهلل ‪ :‬قم إن أدرى لعله خري منك)(‪.)1‬‬
‫تاسع ًا‪ :‬التعجب يف إنكار املنكر تدين ًا‪ ،‬واخلطأ يف الدين‪:‬‬
‫فيقول‪ :‬ما أعجب ما رأيت من فالن‪ ،‬فإنه قد يكون به صادق ًا‪ ،‬ويكون‬
‫تعجبه من املنكر‪ ،‬ولكن كان حقه أن يتعجب‪ ،‬وال يذكر اسمه‪ ،‬فيسهل‬
‫الشيطان عليه ذكر اسمه يف إظهار تعجبه‪ ،‬فصار به مغتاب ًا وآث ًام من حيث ال‬
‫يدري‪ ،‬ومن ذلك قول الرجل‪ :‬تعجبت من فالن كيف حيب زوجته‪ ،‬وهي‬
‫قبيحة‪ ،‬وكيف جيلس بني يدي فالن‪ ،‬وهو جاهل‪.‬‬
‫عارش ًا‪ :‬الرمحة‪:‬‬
‫وهو أن يغتم بسبب ما ُيبتىل به‪ ،‬فيقول‪ :‬مسكني فالن قد غمني أمره‪،‬‬
‫وما ابتيل به‪ ،‬فيكون صادق ًا يف دعوى االغتامم‪ ،‬ويلهيه الغم عن احلذر من‬
‫ذكر اسمه‪ ،‬فيذكره فيصري به مغتاب ًا‪ ،‬فيكون غمه ورمحته خري ًا‪ ،‬وكذا تعجبه‪،‬‬
‫ولكن ساقه الشيطان إىل رش من حيث ال يدري‪.‬‬
‫والرتحم واالغتامم ممكن دون ذكر اسمه فيهيجه الشيطان عىل ذكر‬
‫اسمه ليبطل به ثواب اغتاممه وترمحه‪.‬‬

‫)‪ (1‬يف مسند أمحد ‪ ،455 :5‬وقال العراقي يف املغني ‪ :157 :3‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪143‬‬
‫احلادي عش‪ :‬الغضب هلل تعاىل‪:‬‬
‫فإنه قد يغضب عىل منكر قارفه إنسان إذا رآه‪ ،‬أو سمعه‪ ،‬فيظهر غضبه‪،‬‬
‫ويذكر اسمه‪ ،‬وكان الواجب أن يظهر غضبه عليه باألمر باملعروف والنهي‬
‫عن املنكر‪ ،‬وال يظهره عىل غريه‪ ،‬أو يسرت اسمه‪ ،‬وال يذكره بالسوء(‪.)1‬‬
‫ومن طرق عالج اللسان عن الغيبة‪:‬‬
‫اعلم أن مساويء األخالق كلها إنام تعالج بمعجون العلم والعمل‪،‬‬
‫وإنام عالج كل علة بمضادة سببها‪ ،‬فلنفحص عن سببها‪.‬‬
‫والعالج عىل وجهني‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬العالج العام‪:‬‬
‫عالج كف اللسان عن الغيبة أن يعلم تعرضه لسخط اهلل تعاىل بغيبته‬
‫هبذه اآلثار الواردة فيه‪ ،‬وأن يعلم أهنا حمبطة حلسناته يوم القيامة‪ ،‬فإهنا تنقل‬
‫حسناته يوم القيامة إىل َمن اغتابه بدالً عام استباحه من عرضه‪ ،‬فإن مل تكن له‬
‫حسنات نقل إليه من سيئات خصمه‪.‬‬

‫وهو مع ذلك متعرض ملقت اهلل ‪ ‬ومشبه عنده بآكل امليتة‪ ،‬بل العبد‬
‫يدخل النار بأن ترتجح كفة سيئاته عىل كفة حسناته‪ ،‬وربام تنقل إليه سيئة‬
‫واحدة ممن اغتابه‪ ،‬فيحصل هبا الرجحان ويدخل هبا النار‪ ،‬وإنام أقل‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إحياء العلوم الدين‪ 153 :3‬وما قبلها‪.‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪144‬‬
‫الدرجات أن تنقص من ثواب أعامله‪ ،‬وذلك بعد املخاصمة واملطالبة‬
‫والسؤال واجلواب واحلساب‪.‬‬
‫وروي أن رج ً‬
‫ال قال للحسن ‪« :‬بلغني أنك تغتابني‪ ،‬فقال‪ :‬ما بلغ‬
‫من قدرك عندي أين أحكمك يف حسنايت»‪.‬‬
‫فإن آمن العبد بام ورد من اآلثار يف الغيبة مل يطلق لسانه هبا خوف ًا من‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وينفعه أيض ًا أن يتدبر يف نفسه‪ ،‬فإن َو َجدَ فيها عيب ًا اشتغل بعيب نفسه‪،‬‬
‫فعن أنس ‪ ،‬قال‪« :‬خطبنا رسول اهلل ‪ ‬عىل ناقته العضباء‪ ،‬فقال‪ :‬يا أهيا‬
‫الناس كأن املوت فيها عىل غرينا كتب‪ ،‬وكأن احلق فيها عىل غرينا وجب‪،‬‬
‫وكأنام نشيع من املوتى سفر عام قليل إلينا راجعون‪ ،‬نبوئهم أجداثهم‪ ،‬ونأكل‬
‫تراثهم كأنكم خملدون بعدهم‪ ،‬قد نسيتم كل واعظة وأمنتم كل جائحة‪،‬‬
‫طوبى ملن شغله عيبه عن عيوب الناس‪ ،‬وتواضع هلل يف غري منقصة‪ ،‬وأنفق‬
‫من مال مجعه يف غري معصية‪ ،‬وخالط أهل الفقه وجانب أهل الشك‬
‫والبدعة‪ ،‬وصلحت عالنيته وعزل الناس من رشه»(‪.)1‬‬
‫ومهام وجد عيب ًا‪ ،‬فينبغي أن يستحي من أن يرتك ذم نفسه‪ ،‬ويذم غريه‪،‬‬
‫بل ينبغي أن يتح َّقق أن عجز غريه عن نفسه يف التنزه عن ذلك العيب‬
‫كعجزه‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف مسند البزار‪ ،348 :12‬ومسند الشهاب‪ ،358 :1‬وشعب اإليامن‪ ،142 :13‬وحلية‬
‫األولياء‪ ،203 :3‬وسنده ضعيف‪ ،‬كام يف املغني‪.148 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪145‬‬
‫وهذا إن كان ذلك عيب ًا يتعلق بفعله واختياره‪ ،‬وإن كان أمر ًا خلقي ًا‪،‬‬
‫فالذم له ذم للخالق‪ ،‬فإن من ذم صنعة فقد ذم صانعها‪ ،‬قال رجل حلكيم‪ :‬يا‬
‫قبيح الوجه‪ ،‬قال‪ :‬ما كان خلق وجهي إل فأحسنه‪ ،‬وإذا مل جيد العبد عيب ًا يف‬
‫نفسه‪ ،‬فليشكر اهلل تعاىل‪ ،‬وال يلوثن نفسه بأعظم العيوب‪ ،‬فإن ثلب الناس‪،‬‬
‫وأكل حلم امليتة من أعظم العيوب‪ ،‬بل لو أنصف لعلم أن ظنَّه بنفسه أنه‬
‫بريء من كل عيب جهل بنفسه‪ ،‬وهو من أعظم العيوب‪.‬‬
‫وينفعه أن يعلم أن تأمل غريه بغيبته كتأمله بغيبة غريه له‪ ،‬فإذا كان ال‬
‫يرىض لنفسه أن يغتاب‪ ،‬فينبغي أن ال يرىض لغريه ما ال يرضاه لنفسه‪ ،‬فهذه‬
‫معاجلات للغيبة مجلة‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬العالج اخلاص‪:‬‬
‫السبب الباعث له عىل الغيبة‪ ،‬فإن عالج‬
‫وأما التفصيل‪ :‬فهو أن ينظر يف َّ‬
‫العلة بقطع سببها‪ ،‬وهي عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫‪.1‬الغضب‪:‬‬
‫فيعاجله بأن يقول‪ :‬إين إذا أمضيت غضبي عليه‪ ،‬فلعل اهلل تعاىل يميض‬
‫غضبه عيل بسبب الغيبة؛ إذ هناين عنها‪ ،‬فاجرتأت عىل هنيه‪ ،‬واستخففت‬
‫بزجره‪ ،‬فعن أنس ‪ ،‬قال ‪َ « :‬من كظم غيظ ًا‪ ،‬وهو يقدر عىل أن ُينفذه دعاه‬
‫اهلل عىل رءوس اخلالئق يوم القيامة حتى خيريه يف أي احلور شاء»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬يف سنن الرتمذي‪ ،656 :4‬وحسنه‪ ،‬واملعجم الكبري‪.188 :20‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪146‬‬
‫‪.2‬تنزيه النفس بنسبة الغري إىل اخليانة‪:‬‬
‫فتعاجله بأن تعرف أن التعرض ملقت اخلالق أشد من التَّعرض ملقت‬
‫متعرض لسخط اهلل يقين ًا‪ ،‬وال تدري أنك تتخلص‬
‫ٌ‬ ‫املخلوقني‪ ،‬وأنت بالغيبة‬
‫من سخط الناس أم ال‪ ،‬فتخلص نفسك يف الدنيا بالتوهم‪ ،‬وهتلك يف‬
‫اآلخرة‪ ،‬وخترس حسناتك باحلقيقة‪ ،‬وحيصل لك ذ ٌّم اهلل تعاىل نقد ًا‪ ،‬وتنتظر‬
‫دفع ذم اخللق نسيئة‪ ،‬وهذا غاية اجلهل واخلذالن‪.‬‬
‫وأما عذرك كقولك‪ :‬إن أكلت احلرام ففالن يأكله‪ ،‬وإن قبلت مال‬
‫بمن ال جيوز‬
‫السلطان ففالن يقبله‪ ،‬فهذا جهل؛ ألنك تعتذر باالقتداء َ‬
‫االقتداء به‪ ،‬فإن َمن خالف أمر اهلل تعاىل ال يقتدي به كائن ًا من كان ولو دخل‬
‫غريك النار وأنت تقدر عىل أن ال تدخلها مل توافقه‪ ،‬ولو وافقته لسفه عقلك‪،‬‬
‫ففيام ذكرته غيبة وزيادة معصية أضفتها إىل ما اعتذرت عنه‪ ،‬وسجلت مع‬
‫اجلمع بني املعصيتني عىل جهلك وغباوتك‪ ،‬وكنت كالشاة تنظر إىل املعزى‬
‫تردي نفسها من تلة اجلبل فهي أيض ًا تردي نفسها‪.‬‬
‫‪.3‬قصدك املباهاة وتزكية النفس بزيادة الفضل بأن تقدح يف غريك‪:‬‬
‫فيعالج بمعرفتك أنك إذا ذكرته بام يكرهه أبطلت فضلك عند اهلل‪،‬‬
‫وأنت من اعتقاد الناس فضلك عىل خطر‪ ،‬وربام نقص اعتقادهم فيك إذا‬
‫عرفوك بثلب الناس‪ ،‬فتكون قد بعت ما عند اخلالق يقين ًا بام عند املخلوقني‪،‬‬
‫ومها ولو حصل لك من املخلوقني اعتقاد الفضل‪ ،‬لكانوا‪ :‬ال يغنون عنك‬
‫من اهلل شيئ ًا‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪147‬‬
‫‪.4‬احلسد‪:‬‬
‫فيعالج بأن تعلم أنه مجع بني عذابني؛ ألنك حسدته عىل نعمة الدنيا‪،‬‬
‫وكنت يف الدنيا معذب ًا باحلسد‪ ،‬فام قنعت بذلك حتى أضفت إليه عذاب‬
‫اآلخرة‪ ،‬فكنت خارس ًا نفسك يف الدنيا‪ ،‬فرصت أيض ًا خارس ًا يف اآلخرة‬
‫لتجمع بني النكالني‪ ،‬فقد قصدت حمسودك‪ ،‬فأصبت نفسك وأهديت إليه‬
‫حسناتك‪ ،‬فإذا أنت صديقه وعدو نفسك؛ إذ ال ترضه غيبتك وترضك‪،‬‬
‫وتنفعه إذ تنقل إليه حسناتك أو تنقل إليك سيئاته‪ ،‬وال تنفعك‪.‬‬
‫وقد مجعت إىل خبث احلسد جهل احلامقة‪ ،‬وربام يكون حسدك‬
‫وقدحك سبب انتشار فضل حمسودك‪ ،‬كام قيل‪ :‬وإذا أراد اهلل نش فضيله‬
‫طويت أتاح هلا لسان حسود‪.‬‬
‫‪.5‬االستهزاء‪:‬‬
‫فيعالج أن تعلم أن مقصودك منه إخزاء غريك عند الناس بإخزاء‬
‫نفسك عند اهلل تعاىل وعند املالئكة والنبيني عليهم الصالة والسالم‪ ،‬فلو‬
‫تفكرت يف حرستك وجنايتك وخجلتك وخزيك يوم القيامة‪ ،‬يوم حتمل‬
‫سيئات َمن استهزأت به‪ ،‬و ُتساق إىل النار ألدهشك ذلك عن إخزاء‬
‫صاحبك‪.‬‬
‫ولو عرفت حالك لكنت أوىل أن تضحك منك‪ ،‬فإنك سخرت به عند‬
‫نفر قليل‪ ،‬وعرضت نفسك ألن يأخذ يوم القيامة بيدك عىل مأل من الناس‪،‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪148‬‬
‫ويسوقك حتت سيئاته كام يساق احلامر إىل النار‪ ،‬مستهزئ ًا بك وفرحا بخزيك‪،‬‬
‫ومرسورا بنرصة اهلل تعاىل إياه عليك‪ ،‬وتسلطه عىل االنتقام منك‪.‬‬
‫‪.6‬الرمحة له عىل إثمه‪ ،‬فهو حس ٌن‪:‬‬
‫فيعالج بأن تعلم بأن حسدك إبليس فأضلك‪ ،‬واستنطقك بام ينقل من‬
‫حسناتك إليه ما هو أكثر من رمحتك‪ ،‬فيكون جرب ًا إلثم املرحوم‪ ،‬فيخرج عن‬
‫كونه مرحوم ًا‪ ،‬وتنقلب أنت مستحق ًا ألن تكون مرجوم ًا؛ إذ حبط أجرك‪،‬‬
‫ونقصت من حسناتك‪.‬‬
‫‪.7‬الغضب هلل تعاىل‪:‬‬
‫فيعالج بأن تعلم أنه ال يوجب الغيبة‪ ،‬وإنام الشيطان حبب إليك الغيبة؛‬
‫ليحبط أجر غضبك وتصري معرض ًا ملقت اهلل ‪ ‬بالغيبة‪.‬‬
‫‪.8‬التعجب‪:‬‬
‫فيعاجل بأن تعجب من نفسك أنت كيف أهلكت نفسك ودينك بدين‬
‫غريك أو بدنياه‪ ،‬وأنت مع ذلك ال تأمن عقوبة الدنيا‪ ،‬وهو أن هيتك اهلل‬
‫سرتك‪ ،‬كام هتكت بالتعجب سرت أخيك‪ ،‬فإذن عالج مجيع ذلك املعرفة فقط‪.‬‬
‫فمن قوى إيامنه‬
‫والتحقق هبذه األمور التي هي من أبواب اإليامن‪َ ،‬‬
‫بجميع ذلك أنكف لسانه عن الغيبة ال حمالة(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪145 :3‬ـ ‪.150‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪149‬‬
‫حتريم الغيبة بالقلب‪:‬‬
‫ث‬ ‫اعلم أن سوء ال َظ ِّن حرا ٌم مثل سوء القول‪ ،‬فكام حير ُم عليك أن ُحتدِّ َ‬
‫ث نفسك‪ ،‬و ُتيسء ال َّظ َّن‬ ‫غريك بلسانك بمساوئ الغري‪ ،‬فليس لك أن ُحتَدِّ َ‬
‫بأخيك‪ ،‬ولست َأعني به إال عقد القلب‪ ،‬وحكمه عىل غريه بالسوء‪ ،‬فأما‬
‫الشك أيض ًا معفو عنه‪ ،‬ولكن‬
‫اخلواطر وحديث النفس‪ ،‬فهو معفو عنه‪ ،‬بل َّ‬
‫املنهي عنه أن َيظ َّن‪ ،‬والظن عبار ٌة عام ترك ُن إليه النفس‪ ،‬ويميل إليه القلب‬
‫فقد قال اهلل تعاىل‪َ { :‬يا َأ َهيا ا َّلذي َن آ َمنُوا اجتَن ُبوا كَث ًريا ِّم َن ال َّظ ِّن إ َّن َبع َض ال َّظ ِّن‬
‫إث ٌم}[احلجرات‪.]12:‬‬
‫أرسار القلوب ال يعلمها إال عالم الغيوب‪ ،‬فليس‬
‫َ‬ ‫وسبب حتريمه‪ :‬أن‬
‫لك أن تعتقد يف غريك سوء ًا‪ ،‬إال إذا انكشف لك بعيان ال يقبل التأويل‪ ،‬فعند‬
‫ذلك ال ُيمكنك إال أن تعتقد ما علمته وشاهدته وما مل تشاهده بعينك ومل‬
‫تسمعه بأذنك‪ ،‬ثم وقع يف قلبك‪ ،‬فإنام الشيطان ُيلقيه إليك‪.‬‬
‫فينبغي أن تكذبه فإنه أفسق ال ُف َّساق‪ ،‬وقد قال اهلل تعاىل‪َ { :‬يا َأ َهيا ا َّلذي َن‬
‫آ َمنُوا إن َجاء ُكم َفاس ٌق بنَ َبأ َف َت َب َّينُوا َأن ُتصي ُبوا َقو ًما ب َج َها َلة َف ُتصب ُحوا َع َىل َما‬
‫َف َعل ُتم نَادمني}[احلجرات‪.]6:‬‬
‫فال جيوز تصديق إبليس‪ ،‬وإن كان ثم خميلة تدل عىل فساد‪ ،‬واحتمل‬
‫تص َّو ُر أن يصدق يف خريه‪ ،‬ولكن ال‬
‫الفاسق ُي َ‬
‫َ‬ ‫خالفه مل جيز أن تصدِّ َق به؛ ألن‬
‫جيوز لك أن تصدق به‪ ،‬حتى إن َمن استنكه‪ ،‬فوجد منه رائحة اخلمر ال جيوز‬
‫أن ُحيد؛ إذ ُيقال‪ :‬يمكن أن يكون قد متضمض باخلمر وجمها وما رشهبا‪ ،‬أو‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪150‬‬
‫محل عليه قهر ًا‪ ،‬فكل ذلك ال حمالة داللة حمتملة‪ ،‬فال جيوز تصديقها بالقلب‪،‬‬
‫وإساءة الظن باملسلم هبا‪.‬‬
‫فعن ابن عباس ‪ ،‬قال ‪« :‬مرحب ًا بك من بيت ما أعظمك وأعظم‬
‫حرمتك‪ ،‬وللمؤمن أعظم حرمة عند اهلل منك‪ ،‬إن اهلل حرم منك واحدة‬
‫وحرم من املؤمن ثالث ًا‪ :‬دمه‪ ،‬وماله‪ ،‬وأن يظن به ظن السوء»(‪.)1‬‬
‫فال يستباح ظن السوء إال بام يستباح به املال‪ ،‬وهو نفس مشاهدته أو‬
‫بينة عادلة‪ ،‬فإذا مل يكن كذلك‪ ،‬وخطر لك وسواس سوء الظ ِّن‪ ،‬فينبغي أن‬
‫تدفعه عن نفسك‪.‬‬
‫وتقرر عليها أن حاله عندك مستور‪ ،‬كام كان‪ ،‬وأن ما رأيته منه حيتمل‬
‫اخلري والش‪ ،‬فإن قلت‪ :‬فبامذا يعرف عقد الظ ِّن‪ ،‬والشكوك ختتلج والنفس‬
‫يتغري القلب معه عام كان‪ ،‬ف َينفر عنه‬
‫َ‬ ‫ُحتَدِّ ُ‬
‫ث فنقول‪ :‬أمارة عقد سوء الظ ِّن أن‬
‫نفور ًا ما‪ ،‬ويستثقله ويفرت عن مراعاته‪ ،‬وتفقده وإكرامه واالغتامم بسببه‪،‬‬
‫فهذه أمارات عقد الظن وحتقيقه‪.‬‬
‫أما يف القلب فبتغريه إىل النفرة والكراهة‪.‬‬
‫وأما يف اجلوارح فبالعمل بموجبه‪ ،‬والشيطان قد يقرر عىل القلب‬
‫بأدنى خميلة مساءة الناس‪ ،‬ويلقى إليه أن هذا من فطنتك ورسعة فهمك‬

‫(‪ )1‬يف شعب اإليامن‪ ،75 :9‬وحلية األولياء‪ ،291 :9‬ويف املغني‪ :151 3‬سند ضعيف‪،‬‬
‫والبن ماجه نحوه من حديث ابن عمر ‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪151‬‬
‫ناظر بغرور‬
‫وذكائك‪ ،‬وأن املؤمن ينظر بنور اهلل تعاىل وهو عىل التحقيق ٌ‬
‫الشيطان وظلمته‪.‬‬
‫وأما إذا أخربك به عدل‪ ،‬فامل ظنك إىل تصديقه كنت معذور ًا؛ ألنك لو‬
‫كذبته لكنت جاني ًا عىل هذا العدل؛ إذ ظننت به الكذب‪ ،‬وذلك أيض ًا من‬
‫سوء الظ ِّن‪ ،‬فال ينبغي أن حتسن الظن بواحد وتيسء باآلخر‪ ،‬نعم ينبغي أن‬
‫تبحث هل بينهام عداوة وحماسدة وتعنت‪ ،‬فتتطرق التهمة بسببه‪ ،‬فقد رد‬
‫الشع شهادة األب العدل للولد للتهمة‪ ،‬ورد شهادة العدو حديث رد‬
‫الشع شهادة الوالد العدل وشهادة العدو‪ ،‬فعن عمرو بن شعيب‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن جده ‪« ،‬أن رسول اهلل ‪ ‬رد شهادة اخلائن‪ ،‬واخلائنة وذي الغمر عىل‬
‫أخيه‪ ،‬ورد شهادة القانع ألهل البيت‪ ،‬وأجازها لغريهم»‪ ،‬قال أبو داود‪:‬‬
‫الغمر‪ :‬احلنة‪ ،‬والشحناء‪ ،‬والقانع‪ :‬األجري التابع مثل األجري اخلاص»(‪.)1‬‬
‫فلك عند ذلك أن تتوقف وإن كان عدالً‪ ،‬فال تصدقه وال تكذبه‪،‬‬
‫ولكن تقول يف نفسك املذكور حاله‪ :‬كان عندي يف سرت اهلل تعاىل‪ ،‬وكان أمره‬
‫حمجوب ًا عني‪ ،‬وقد بقي كام كان مل ينكشف ل يشء من أمره‪ ،‬وقد يكون‬
‫الرجل ظاهره العدالة‪ ،‬وال حماسدة بينه وبني املذكور‪ ،‬ولكن قد يكون من‬
‫عادته التَّعرض للناس‪ ،‬وذكر مساوهيم‪ ،‬فهذا قد ُي َظن أنه عدل وليس بعدل‪،‬‬
‫فإن املغتاب فاسق‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف سنن أيب داود‪ ،306 :3‬ومسند أمحد‪ ،671 :11‬وإسناده جيد‪ ،‬كام يف املغني‪.151 :3‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪152‬‬
‫وإن كان ذلك من عادته ُر َّدت شهادته إال أن الناس لكثرة االعتياد‬
‫تساهلوا يف أمر الغيبة‪ ،‬ومل يكرتثوا بتناول أعراض اخللق‪ ،‬ومهام َخ َط َر لك‬
‫خاطر بسوء عىل مسلم‪ ،‬فينبغي أن تزيد يف مراعاته وتدعو له باخلري‪ ،‬فإن‬
‫ذلك يغيظ الشيطان ويدفعه عنك‪ ،‬فال يلقى إليك اخلاطر السوء خيفة من‬
‫اشتغالك بالدعاء واملراعاة‪.‬‬
‫الرس‪ ،‬وال خيدعنك‬‫ومهام عرفت هفوة مسلم بحجة فانصحه يف ِّ‬
‫مرسور‬
‫ٌ‬ ‫الشيطان‪ ،‬فيدعوك إىل اغتيابه‪ ،‬وإذا وعظته‪ ،‬فال تعظه وأنت‬
‫باطالعك عىل نقصه‪ ،‬لينظر إليك بعني التَّعظيم‪ ،‬وتنظر إليه بعني االستحقار‪،‬‬
‫وترتفع عليه بإيذاء الوعظ‪ ،‬وليكن قصدُ ك ختليصه من اإلثم‪ ،‬وأنت حزي ٌن‪،‬‬
‫ال نقصان يف دينك‪.‬‬ ‫كام حتزن عىل نفسك إذا دخل علي ً‬
‫وينبغي أن يكون تركه لذلك من غري نصحك أحب إليك من تركه‬
‫بالنصيحة‪ ،‬فإذا أنت فعلت ذلك كنت قد مجعت بني أجر الوعظ‪ ،‬وأجر الغم‬
‫بمصيبته‪ ،‬وأجر اإلعانة له عىل دينة‪.‬‬
‫ومن ثمرات سوء الظن التَّجسس‪ ،‬فإن القلب ال يقنع بال َّظ ِّن‪ ،‬ويطلب‬
‫التَّحقيق‪ ،‬ف َيشتغل بالتجسس‪ ،‬وهو أيضا منهي عنه‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ { :‬والَ‬
‫َ َجت َّس ُسوا}[احلجرات‪ ،]12:‬فالغيب ُة وسو ُء الظ ِّن والتَّجسس منهي عنه يف آية‬
‫واحدة‪.‬‬
‫ومعنى التَّجسس أن ال يرتك عباد اهلل حتت سرت اهلل‪ ،‬فيتوصل إىل‬
‫اإلطالع وهتك السرت‪ ،‬حتى ينكشف له ما لو كان مستور ًا عنه(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪150 :3‬ـ ‪.153‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪153‬‬
‫ومن األعذار املرخصة يف الغيبة‪:‬‬
‫الشع ال‬
‫اعلم أن املرخص يف ذكر مساوئ الغري هو غرض صحيح يف َّ‬
‫ُيمكن التوصل إليه إال به‪ ،‬فيدفع ذلك إثم الغيبة‪ ،‬ونظم ابن عابدين ما تباح‬
‫فيه الغيبة(‪ ،)1‬فقال‪:‬‬
‫شة َح َّلت َأتَت تل َو َواحد‬ ‫بـمـَا يك َـر ُه اإلن َس ُ‬
‫ـــان َحي ُر ُم ســ َوى َع َ‬
‫َواج َرح َو َب ِّني بفسق َو َجم ُهوال َوغ ًّشا ل َقاصد‬ ‫َتذ َظك َّلم ُ‬
‫ــر ُه َورش‬
‫اك اهتَمم َح ِّذر ُف ُج َ‬
‫ور ُم َعاند‬ ‫ف ك ََذا استَفت استَعن عندَ ك ََذ َ‬ ‫اهر ًرا‬
‫َ ُوجم َ َع ِّ‬
‫َزاجر ومن هذه األعذار‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬التظ ُّلم‪:‬‬
‫الرشوة كان مغتاب ًا عاصي ًا إن‬
‫فإن َمن َذك ََر قاضي ًا بالظلم واخليانة وأخذ َّ‬
‫مل يكن مظلوم ًا‪ ،‬أما املظلو ُم من جهة القايض‪ ،‬فله أن يتظ َّلم إىل السلطان‪،‬‬
‫وينسبه إىل الظلم؛ إذ ال يمكنه استيفاء حقه إال به‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ :‬أن‬
‫رجال أتى النبي ‪ ‬يتقاضاه‪ ،‬فأغلظ فهم به أصحابه‪ ،‬فقال ‪« :‬دعوه‪ ،‬فإن‬
‫لصاحب احلق مقاال»(‪.)2‬‬
‫وعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬مطل الغني ظلم»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬يف رد املحتار ‪.409 :8‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح البخاري‪ ،99 :3‬وصحيح مسلم‪.1225 :3‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح البخاري‪ ،94 :3‬وصحيح مسلم‪.1197 :3‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪154‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬االستعانة‪:‬‬
‫بأن يسعى إىل تغيري املنكر ورد العايص إىل منهج الصالح‪ ،‬كام روي أن‬
‫عمر ‪ ‬مر عىل عثامن ‪ ،‬وقيل‪ :‬عىل طلحة ‪ ،‬فسلم عليه فلم يرد‬
‫السالم‪ ،‬فذهب إىل أيب بكر ‪ ‬فذكر له ذلك‪ ،‬فجاء أبو بكر ‪ ‬إليه ليصلح‬
‫لك‪ ،‬ومل يكن ذلك غيبة عندهم‪.‬‬
‫وهذا إذا كان قصده أن ينكر عليه ذلك‪ ،‬فينفعه نصحه ما ال ينفعه‬
‫نصح غريه‪ ،‬وإنام إباحة هذا بالقصد الصحيح‪ ،‬فإن مل يكن ذلك هو املقصود‬
‫كان حرام ًا‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬االستفتاء‪:‬‬
‫كام يقول للمفتي‪ :‬ظلمني أيب أو زوجتي أو أخي‪ ،‬فكيف طريقي يف‬
‫اخلالص‪ ،‬واألسلم التعريض بأن يقول ما قولك‪ :‬يف رجل ظلمه أبوه أو‬
‫أخوه أو زوجته‪ ،‬ولكن التعيني مباح هبذا القدر؛ ملا روي عن عائشة ريض اهلل‬
‫عنها‪ :‬قالت هند أم معاوية لرسول اهلل ‪ :‬إن أبا سفيان رجل شحيح‪ ،‬فهل‬
‫عيل جناح أن آخذ من ماله رسا؟ قال‪« :‬خذي أنت وبنوك ما يكفيك‬
‫باملعروف»(‪.)1‬‬
‫فذكرت الشح والظلم هلا ولولدها ومل يزجرها ‪‬؛ إذ كان قصدها‬
‫االستفتاء‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري‪ ،79 :3‬وصحيح مسلم‪.1338 :3‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪155‬‬
‫قال ابن عابدين(‪« :)1‬الترصيح مباح هبذا القدر؛ َّ‬
‫ألن املفتي قد يدرك مع‬
‫تعيينه ما ال يدرك مع إهبامه»‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬حتذير املسلم من الرش‪:‬‬
‫فإذا رأيت فقيه ًا يرت َّد ُد إىل مبتدع أو فاسق‪ ،‬وخفت أن تتعدَّ ى إليه‬
‫بدعته وفسقه‪ ،‬فلك أن تكشف له بدعته وفسقه مهام كان الباعث لك اخلوف‬
‫عليه من رساية البدعة والفسق ال غريه‪.‬‬
‫وذلك موضع الغرور؛ إذ قد يكون احلسد هو الباعث‪ ،‬ويلبس‬
‫الشيطان ذلك بإظهار الشفقة عىل اخللق‪.‬‬
‫الشاهد‪ ،‬فله ال َّطعن فيه إن علم مطعن ًا‪.‬‬
‫وكذلك املزكي إذا سئل عن َّ‬
‫جرح املجروحني من الرواة والشهود وا ُملصنفني‪،‬‬
‫قال ابن عابدين(‪ُ « :)2‬‬
‫جائز‪ ،‬بل واجب؛ صون ًا َّ‬
‫للشيعة»‪.‬‬ ‫فهو ٌ‬
‫اإلنسان معروف ًا بلقب ُيعرب عن عيبه‪:‬‬
‫ُ‬ ‫خامس ًا‪ :‬أن يكون‬
‫كاألعرج واألعمش‪ ،‬فال إثم عىل َمن يقول‪ :‬روى أبو الزناد عن‬
‫األعرج‪ ،‬وسلامن عن األعمش‪ ،‬وما جيري جمراه‪ ،‬فقد فعل العلامء ذلك؛‬
‫لرضورة التعريف‪ ،‬وألن ذلك قد صار بحيث ال َيكرهه صاحبه لو علمه بعد‬
‫أن قد صار مشهور ًا به‪ ،‬نعم إن وجد عنه معدالً‪ ،‬وأمكنه التعريف بعبارة‬

‫(‪ )1‬يف رد املحتار ‪.409 :6‬‬


‫(‪ )2‬يف رد املحتار ‪.409 :2‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪156‬‬
‫أخرى فهو أوىل‪ ،‬ولذلك يقال لألعمى‪ :‬البصري عدوالً عن اسم النقص‪.‬‬
‫سادس ًا‪ :‬أن يكون جماهر ًا بالفسق‪:‬‬
‫كاملخنث واملجاهر بشب اخلمر ومصادرة الناس‪ ،‬وكان ممن يتظاهر به‬
‫بحيث ال يستنكف من أن يذكر له‪ ،‬وال َيكره أن يذكر به‪ ،‬فإذا ذكرت فيه ما‬
‫َيتظاهر به‪ ،‬فال إثم عليك‪.‬‬
‫قال ابن عابدين(‪« :)1‬املجاهر بالفسق‪ :‬وهو الذي ال يسترت عنه وال يؤثر‬
‫عنده إذا قيل عنه إ َّنه يفعل كذا‪ ،‬فيجوز ذكره بام جياهر به ال غريه‪ ،‬وأما إذا‬
‫كان مسترت ًا فال جتوز غيبته»‪ ،‬فعن أنس ‪ ،‬قال ‪« :‬من ألقى جلباب احلياء‬
‫عن وجهه‪ ،‬فال غيبة له»(‪.)2‬‬
‫وقال عمر ‪« :‬ليس لفاجر حرمة»‪ ،‬وأراد به املجاهر بفسقه دون‬
‫املسترت؛ إذ املسترت ال بد من مراعاة حرمته‪.‬‬
‫وقال الصلت بن طريف قلت للحسن ‪ :‬الرجل الفاسق املعلن‬
‫بفجوره ذكري له بام فيه غيبة له‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬وال كرامة‪.‬‬
‫وقال احلسن ‪ :‬ثالثة ال غيبة هلم صاحب اهلوى والفاسق املعلن‬
‫بفسقه واإلمام اجلائر‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف رد املحتار ‪.408 :6‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه ابن عدي وأبو الشيخ يف كتاب ثواب األعامل بسند ضعيف‪ ،‬كام يف املغني‪:3‬‬
‫‪.153‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪157‬‬
‫فهؤالء ال َّثالث ُة جيمعهم أهنم يتظاهرون به‪ُ ،‬‬
‫ور َّبام يتفاخرون به‪ ،‬فكيف‬
‫يكرهون ذلك‪ ،‬وهم يقصدون إظهاره‪ ،‬نعم لو ذكره بغري ما َيتظاهر به أثم‪،‬‬
‫قال عوف‪ :‬دخلت عىل ابن سريين‪ ،‬فتناولت عنده احلجاج‪ ،‬فقال‪ :‬إن اهللَ‬
‫حكم ٌ‬
‫عدل ينتقم للحجاج ممن اغتابه‪ ،‬كام ينتقم من احلجاج ملن ظلمه‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫تعاىل‬
‫وإنك إذا لقيت اهلل تعاىل غد ًا كان أصغر ذنب أصبته‪ ،‬أشد عليك من أعظم‬
‫ذنب أصابه احلجاج(‪.)1‬‬
‫سابع ًا‪ :‬املجهول‪:‬‬
‫فال غيبة إال ملعلوم فاغتياب أهل قرية ليس بغيبة؛ ألنه يريد به مجيع‬
‫أهل القرية‪ ،‬وكان املراد هو البعض‪ ،‬وهو جمهول فصار كالقذف(‪.)2‬‬
‫قال احلصكفي(‪« :)3‬تباح غيبة جمهول»‪.‬‬
‫ثامن ًا‪ :‬االهتامم‪:‬‬
‫فلو رجل يذكر مساوئ أخيه املسلم عىل وجه االهتامم ال يكون غيبة‪،‬‬
‫إنام الغيبة أن تذكر عىل وجه الغضب يريد السب(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪ ،153 :3‬وما قبلها‪.‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬جممع األهنر ‪.553 :2‬‬
‫(‪ )3‬يف الدر املختار ‪.408 :6‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬جممع األهنر ‪.553 :2‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪158‬‬
‫تاسع ًا‪ :‬الغش لقاصده‪:‬‬
‫أي بيان العيب ملن أراد أن يشرتي شيئ ًا فيذكره للمشرتي‪ ،‬وكذا لو‬
‫رأى املشرتي يعطي البائع دراهم مغشوشة فيقول‪ :‬احرتز منه بكذا(‪.)1‬‬
‫فمن اشرتى سيارة وقد عرفت أن يف السيارة عيب ًا‪ ،‬فلك أن تذكر ذلك‪،‬‬
‫َ‬
‫فإن سكوتك رضر للمشرتي‪ ،‬واملشرتي أوىل بمراعاة جانبه(‪.)2‬‬
‫عارش ًا‪ :‬املشورة يف التزويج وإيداع األمانة‪:‬‬
‫فله أن يذكر ما َيعرفه عىل قصد النصح للمستشري ال عىل قصد الوقيعة‪،‬‬
‫فإن علم أنه يرتك التزويج بمجرد قوله‪ :‬ال تصلح لك‪ ،‬فهو الواجب‪ ،‬وفيه‬
‫رصح به‪ ،‬عن هبز‬
‫الكفاية‪ ،‬وإن علم أنه ال ينزجر إال بالترصيح بعيبه‪ ،‬فله أن ُي ِّ‬
‫بن حكيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬قال ‪« :‬أترعوون عن ذكر الفاجر؟ اذكروه‬
‫بام فيه كي يعرفه الناس وحيذره الناس»(‪.)3‬‬
‫قال ابن عابدين(‪« :)4‬املشورة يف نكاح وسفر ورشكة وجماورة وإيداع‬
‫أمانة ونحوها‪ ،‬فله أن يذكر ما يعرفه عىل قصد النصح»‪.‬‬

‫(‪)1‬ينظر‪ :‬رد املحتار ‪.409 :6‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.152 :3‬‬
‫(‪ )3‬يف سنن البيهقي الكبري‪.354 :10‬‬
‫(‪ )4‬يف رد املحتار‪.409 :6‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪159‬‬
‫كفارة الغيبة‪:‬‬
‫ويتأسف عىل ما فعله؛‬
‫َ‬ ‫ويتوب‬
‫َ‬ ‫الواجب عىل املغتاب أن يند َم‬
‫َ‬ ‫اعلم أن‬
‫ليخرج به من حق اهلل سبحانه‪ ،‬ثم يستحل املغتاب ليحله‪ ،‬فيخرج من‬
‫مظلمته‪.‬‬
‫متأسف ناد ٌم عىل فعله؛ إذ املرائي قد‬
‫ٌ‬ ‫وينبغي أن يستح َّله‪ ،‬وهو حزي ٌن‬
‫يستحل ليظهر من نفسه الورع‪ ،‬ويف الباطن ال يكون نادم ًا‪ ،‬فيكون قد قارف‬
‫معصية ُأخرى‪.‬‬
‫وقال احلسن ‪ :‬يكفيه االستغفار دون االستحالل‪ ،‬فعن أنس ‪ ‬قال‬
‫‪« :‬كفارة من اغتبته أن تستغفر له»(‪.)1‬‬
‫وقال جماهد ‪ :‬كفارة أكلك حلم أخيك أن ُتثني عليه‪ ،‬وتدعو له‬
‫بخري‪.‬‬
‫وسئل عطاء بن أيب رباح عن التوبة من الغيبة‪ ،‬قال‪ :‬أن متيش إىل‬
‫صاحبك‪ ،‬فتقول له‪ :‬كذبت فيام قلت‪ ،‬وظلمتك وأسأت‪ ،‬فإن شئت أخذت‬
‫بحقك‪ ،‬وإن شئت عفوت‪ ،‬وهذا هو األصح‪ ،‬وقول القائل العرض ال‬
‫عوض له فال جيب االستحالل منه‪ ،‬بخالف املال كالم ضعيف إذ قد وجب‬
‫يف العرض حد القذف وتثبت املطالبة به‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬من‬
‫كانت عنده مظلمة ألخيه فليتحلله منها‪ ،‬فإنه ليس ثم دينار وال درهم‪ ،‬من‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن أيب الدنيا يف الصمت واحلارث بن أيب أسامة يف مسنده بسند ضعيف‪ ،‬كام يف‬
‫املغني‪.153 :3‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪160‬‬
‫قبل أن يؤخذ ألخيه من حسناته‪ ،‬فإن مل يكن له حسنات أخذ من سيئات‬
‫أخيه فطرحت عليه»(‪.)1‬‬
‫وقالت عائشة ريض اهلل عنها عند النبي ‪ ‬المرأة قالت‪« :‬إهنا طويلة‬
‫الذيل‪ ،‬فقال ‪ :‬الفظي»(‪.)2‬‬
‫فإذن ال ُبد من االستحالل إن قدر عليه‪ ،‬فإن كان غائب ًا أو ميت ًا‪ ،‬فينبغي‬
‫أن يكثر له االستغفار والدعاء ويكثر من احلسنات‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬فالتَّحليل هل جيب؟ فأقول‪ :‬ال؛ ألنه تربع‪ ،‬والتربع ٌ‬
‫فضل‪،‬‬
‫وليس بواجب‪ ،‬ولكنه مستحس ٌن‪ ،‬وسبيل املعتذر أن يبالغ يف ال َّثناء عليه‪،‬‬
‫والتودد إليه‪ ،‬ويالزم ذلك حتى يطيب قلبه‪ ،‬فإن مل يطب قلبه كان اعتذاره‬
‫وتودده حسنة حمسوبة له يقابل هبا سيئة الغيبة يف القيامة‪.‬‬
‫السلف ال ُحي ِّلل‪ ،‬قال سعيد بن املسيب ‪« :‬ال أحلل من‬ ‫بعض َّ‬
‫وكان ُ‬
‫ظلمني»‪ ،‬وقال ابن سريين ‪« :‬إين مل أحرمها عليه‪ ،‬فأحللها له‪ ،‬إن اهلل حرم‬
‫الغيبة عليه‪ ،‬وما كنت ألحلل ما حرم اهلل أبد ًا»‪.‬‬
‫وعىل اجلملة فالعفو أفضل‪ ،‬قال احلسن ‪« :‬إذا جثت األمم بني يدي‬
‫اهلل ‪ ‬يوم القيامة نودوا ليقم َمن كان له أجر عىل اهلل‪ ،‬فال يقوم إال العافون‬
‫عن الناس يف الدنيا‪ ،‬وقد قال اهلل تعاىل‪ُ { :‬خذ ال َعف َو َوأ ُمر بال ُعرف َو َأعرض‬
‫اجلاهلني}[األعراف‪]199:‬‬ ‫َعن َ‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري‪.111 :8‬‬


‫(‪ )2‬يف الصمت البن أيب الدنيا‪ ،154 :3‬وذم الغيبة والنميمة البن أيب الدنيا ص‪،24‬‬
‫ومساوئ األخالق للخرائطي ‪.100 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪161‬‬
‫ال قال له‪« :‬إن فالن ًا قد اغتابك‪ ،‬فعبث إليه رطب ًا‬
‫وعن احلسن ‪ ‬أن رج ً‬
‫عىل طبق‪ ،‬وقال قد بلغني أنك أهديت إل من حسناتك‪ ،‬فأردت أن أكافئك‬
‫عليها فاعذرين‪ ،‬فإين ال أقدر أن أكافئك»(‪.)1‬‬
‫* اآلفة التاسعة واألربعون‪ :‬النميمة‪:‬‬
‫إفشاء الرس وهتك الست عام ُيكره كشفه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وهي‬
‫كشف ما ُيكره كش ُفه وإفشاء رس الغري سواء كرهه املنقول‬
‫ُ‬ ‫فيكون فيها‬
‫عنه أو املنقول إليه أو كرهه ثالث‪ ،‬وسواء كان ذلك بالقول أو الكتب أو‬
‫الرمز أو اإليامء‪ ،‬وسواء كان املنقول من األقوال أو األعامل وسواء كان عيب ًا‬
‫أو نقصان ًا عىل املنقول عنه أو مل يكن‪.‬‬
‫واسم النميمة إنام يطلق يف األكثر عىل َمن ينم قول الغري إىل املقول فيه‪،‬‬
‫كام تقول فالن كان يتكلم فيك بكذا وكذا(‪.)2‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫ُ‬
‫اإلنسان من أحوال‬ ‫كل ما َيراه‬ ‫حتر ُم النميمة‪ ،‬وجيب أن يسكت عن ِّ‬
‫الناس‪ ،‬إال ما يف حكايته فائدة ملسلم أو دفع ملعصية‪ ،‬فإن كان ما ينم به‬
‫نقصان ًا أو عيب ًا يف حمكي عنه‪ ،‬فهو غيبة ونميمة مع ًا‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪ 154 :3‬وما قبلها‪.‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬اإلحياء‪ ،156 :3‬والربيقة والطريقة‪.192 :3‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫‪162‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫والباعث عىل النميمة‪:‬‬


‫إما إرادة السوء باملحكي عنه‪ ،‬أو إظهار احلب للمحكي له‪ ،‬أو التفرج‬
‫باحلديث‪ ،‬واخلوض يف الفضول‪.‬‬
‫ومن دالئل قبحها‪:‬‬
‫مهاز َّم َّشاء‬‫ما كان من تشبيه فعل النامم بحاله ولد الزنا‪ ،‬قال تعاىل‪َّ َ { :‬‬
‫بنَميم}[القلم‪ ]11:‬ثم قال { ُع ُتل َبعدَ َذل َك َزنيم}[القلم‪ ،]13:‬قال عبد اهلل‬
‫كل َمن مل‬ ‫بن املبارك‪ :‬الزنيم ولد الزنا الذي ال يكتم احلديث‪ ،‬وأشار به إىل أن َّ‬
‫دل عىل أنَّه ولد زنا استنباط ًا من قوله تعيل‪:‬‬ ‫يكتم احلديث ومشى بالنميمة َّ‬
‫{ ُع ُتل َبعدَ َذل َك َزنيم}[القلم‪ِّ ،]13:‬‬
‫والزنيم هو الدَّ عي‪.‬‬
‫وكان التهديد الشديد من اهلل تعاىل ملن يقوم هبذا الفعل‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫مه َزة َمل َزة}[اهلمزة‪ ،]1:‬قيل‪ :‬اهلمزة النامم‪.‬‬
‫{ َوي ٌل ِّل ُك ِّل ُ َ‬
‫محا َل َة َ‬
‫احل َطب}‬ ‫وكان من تفسري محال احلطب‪ :‬النميمة‪ ،‬قال تعاىل‪َّ َ { :‬‬
‫محا َل ًة للحديث‪.‬‬
‫[املسد‪ ]4:‬قيل‪ :‬إهنا كانت ن ََّام َم ًة َ َّ‬
‫َامها َف َلم ُيغن َيا َعن ُه َام‬
‫وكان من تفسري اخليانة‪ :‬النميمة‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬ف َخا َنت ُ َ‬
‫بالضيفان‪ ،‬وامرأة‬ ‫م َن اهللَّ َشي ًئا}[التحريم‪ ،]10:‬قيل‪ :‬كانت امرأة لوط خترب َّ‬
‫نوح خترب أنه جمنون‪.‬‬
‫وكان النيمية سبب ًا للحرمان من اجلنة‪ ،‬فعن حذيفة ‪ ،‬قال ‪« :‬ال‬
‫يدخل اجلنة نامم»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪163‬‬
‫وكان النامم من رشار الناس إلفساده‪ ،‬فعن أسامء بنت يزيد ريض اهلل‬
‫عنها‪ ،‬قال ‪« :‬أال أخربكم بخياركم‪ ،‬قالوا‪ :‬بىل يا رسول اهلل قال‪ :‬الذين إذا‬
‫رؤوا‪ ،‬ذكر اهلل تعاىل‪ ،‬ثم قال‪ :‬أال أخربكم بشاركم؟ املشاءون بالنميمة‪،‬‬
‫املفسدون بني األحبة‪ ،‬الباغون للربآء العنت»(‪.)1‬‬

‫وكان اعتبار النبي ‪ ‬من الفحش الغليط‪ ،‬فعن ابن مسعود ‪ ،‬قال‬
‫‪« :‬أال أنبئكم ما العضه؟ هي النميمة القالة بني الناس»(‪ ،)2‬ومعناه‪ :‬أال‬
‫أنبئكم ما العضة الفاحش الغليظ التحريم(‪.)3‬‬

‫وكان النميمة سبب ًا لعذاب القرب‪ ،‬فعن أيب برزة ‪ ،‬قال ‪« :‬أال إن‬
‫الكذب يسود الوجه‪ ،‬والنميمة من عذاب القرب»(‪.)4‬‬

‫وجوه رد النميمة‪:‬‬
‫و ُكل َمن محلت إليه النميمة‪ ،‬وقيل له‪ :‬إن فالن ًا قال فيك‪ :‬كذا وكذا أو‬
‫فعل يف ح ِّقك كذا أو هو ُيدَ ِّبر يف إفساد أمرك‪ ،‬أو يف مماألة عدوك‪ ،‬أو تقبيح‬
‫حالك‪ ،‬أو ما جيري جمراه‪ ،‬فعليه ستة أمور‪:‬‬

‫(‪ )1‬يف مسند أمحد‪.575 :45‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح مسلم‪.2012 :4‬‬
‫(‪ )3‬تعليق حممد عبد الباقي‪.2012 :4‬‬
‫(‪ )4‬يف صحيح ابن حبان‪.44 :13‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪164‬‬
‫فاسق‪ ،‬وهو مردو ُد الشهادة‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪ .1‬أن ال ُيصدقه؛ ألن النَّام َم‬
‫{ َيا َأ َهيا ا َّلذي َن آ َمنُوا إن َجاء ُكم َفاس ٌق بنَ َبأ َف َت َب َّينُوا َأن ُتصي ُبوا َقو ًما ب َج َها َلة}‬
‫[احلجرات‪.]6:‬‬
‫‪.2‬أن ينهاه عن ذلك‪ ،‬وينصح له‪ ،‬ويقبح عليه فعله‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬وأ ُمر‬
‫املع ُروف َوان َه َعن ُاملنكَر }[لقامن‪ ،]17:‬فعن ابن مسعود ‪ ،‬قال ‪« :‬ال‬
‫ب َ‬
‫يبلغني أحد عن أحد من أصحايب شيئا؛ فإين أحب أن أخرج إليهم وأنا سليم‬
‫الصدر»(‪.)1‬‬

‫وجيب بغض من‬


‫ُ‬ ‫بغيض عند اهلل تعاىل‪،‬‬
‫يبغضه يف اهلل تعاىل‪ ،‬فإنه ٌ‬
‫‪ .3‬أن َ‬
‫ُيبغضه اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪.4‬أن ال تظن بأخيك الغائب السوء؛ لقول تعاىل‪{ :‬اجتَن ُبوا كَث ًريا ِّم َن‬
‫ال َّظ ِّن إ َّن َبع َض ال َّظ ِّن إث ٌم }[احلجرات‪.]12:‬‬
‫‪ .5‬أن ال حيملك ما حكى لك عىل التجسس والبحث لتحقق اتباع ًا؛‬
‫لقول تعاىل‪َ { :‬والَ َ َجت َّس ُسوا}[احلجرات‪.]12:‬‬

‫‪.6‬أن ال ترىض لنفسك ما هنيت النامم عنه‪ ،‬وال حتكي نميمته‪ ،‬فتقول‬
‫فالن قد حكى ل كذا وكذا‪ ،‬فتكون به نامم ًا ومغتاب ًا‪ ،‬وقد تكون قد أتيت ما‬
‫ٌ‬
‫عنه َهنيت‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف سنن الرتمذي‪ ،709 :5‬ومسند أمحد‪.301 :6‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪165‬‬
‫وقد روي عن عمر بن عبد العزيز ‪ ‬أنه دخل عليه رجل فذكر له عن‬
‫رجل شيئ ًا‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬إن شئت نظرنا يف أمرك‪ ،‬فإن كنت كاذب ًا‪ ،‬فأنت من‬
‫أهل هذه اآلية‪{ :‬إن َجاء ُكم َفاس ٌق بنَ َبأ َف َت َب َّينُوا}[احلجرات‪ ،]6:‬وإن كنت‬
‫مهاز َّم َّشاء بنَميم}[القلم‪ ،]11:‬وإن شئت‬ ‫صادق ًا فأنت من أهل هذه اآلية‪َّ َ { :‬‬
‫عفونا عنك‪ ،‬فقال‪ :‬العفو يا أمري املؤمنني‪ ،‬ال أعود إليه أبد ًا‪.‬‬
‫و ُذكر أن حكي ًام من احلكامء زاره بعض إخوانه‪ ،‬فأخربه بخرب عن بعض‬
‫أصدقائه‪ ،‬فقال له احلكيم‪ :‬قد أبطأت يف الزيارة‪ ،‬وأتيت بثالث جنايات‪:‬‬
‫بغضت أخي إل‪ ،‬وشغلت قلبي الفارغ‪ ،‬واهتمت نفسك األمينة‪.‬‬
‫وروي أن سليامن بن عبد امللك كان جالس ًا‪ ،‬وعنده الزهري‪ ،‬فجاءه‬
‫ُ‬
‫رجل‪ ،‬فقال له سليامن‪ :‬بلغني أنك وقعت يف وقلت كذا وكذا‪ ،‬فقال الرجل‪:‬‬
‫ما فعلت وال قلت‪ ،‬فقال سليامن‪ :‬إن الذي أخربين صادق‪ ،‬فقال له الزهري‪:‬‬
‫ال يكون النامم صادق ًا‪ ،‬فقال سليامن‪ :‬صدقت‪ ،‬ثم قال للرجل‪ :‬اذهب بسالم‪.‬‬
‫وقال احلسن‪َ :‬من ن ََّم إليك ن ََّم عليك‪.‬‬
‫وهذا إ َش َار ٌة إ َىل َأ َّن الن ََّّام َم ينبغي َأن ُيب َغ َض وال ُيو َث َق بقوله‪ ،‬وال ب َصدَ ا َقته‬
‫وكيف ال ُيبغض وهو ال ينفك عن الكذب والغيبة والغدر واخليانة والغل‬
‫واحلسد والنفاق واإلفساد بني الناس واخلديعة‪ ،‬وهو ممن يسعون يف َقطع ما‬
‫ون يف األَرض‪ ،‬وقال تعاىل‪{ :‬إن ََّام َّ‬
‫السب ُيل َع َىل‬ ‫َأ َم َر اهللَُّ به َأن ُي َ‬
‫وص َل‪َ ،‬و ُيفسدُ َ‬
‫ون يف األَرض ب َغري احلَ ِّق}‪ ،‬والن ََّّام ُم منهم‪.‬‬
‫َّاس َو َيب ُغ َ‬ ‫ا َّلذي َن َيظل ُم َ‬
‫ون الن َ‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪166‬‬
‫فعن عائشة ريض اهلل عنها‪ ،‬قال ‪« :‬إ َّن من َ‬
‫رشار النَّاس من اتقاه‬
‫لشه»(‪ ،)1‬والنامم منهم‪.‬‬
‫الناس ِّ‬
‫وعن جبري بن مطعم ‪ ،‬قال ‪« :‬ال يدخل اجلنة قاطع‪ ،‬قيل‪ :‬وما‬
‫القاطع‪ ،‬قال‪ :‬قاطع بني الناس»(‪ ،)2‬وهو النامم‪.‬‬
‫ال سعى إليه برجل‪ ،‬فقال له‪ :‬يا هذا نحن نسأل‬‫وعن عيل ‪ :‬أن رج ً‬
‫عام قلت‪ ،‬فإن كنت صادق ًا مقتناك‪ ،‬وإن كنت كاذب ًا عاقبناك‪ ،‬وإن شئت أن‬
‫نقيلك أقلناك‪ ،‬فقال أقلني يا أمري املؤمنني‪.‬‬
‫وقيل ملحمد بن كَعب ال ُق َرظ ِّي‪َ :‬أي خ َصال ُاملؤمن َأو َض ُعله‪ ،‬فقال‪ :‬كَث َر ُة‬
‫الكالم وإفشاء الرس‪ ،‬وقبول قول كل أحد ‪.‬‬
‫وقال رجل لعبد اهلل ابن عامر‪ ،‬وكان أمري ًا بلغني أن فالن ًا أعلم األمري‬
‫أين ذكرته بسوء‪ ،‬قال‪ :‬قد كان ذلك‪ ،‬قال فأخربين بام قال لك حتى أظهر كذبه‬
‫عندك‪ ،‬قال‪ :‬ما أحب أن أشتم نفيس بلساين‪ ،‬وحسبي أين مل أصدقه فيام قال‪،‬‬
‫وال أقطع عنك الوصال‪.‬‬
‫رش من السعاية؛‬
‫وقال مصعب بن الزبري‪ :‬نحن نرى أن قبول السعاية ٌّ‬
‫كمن‬
‫دل عىل يشء فأخرب به‪َ ،‬‬‫ألن السعاية داللة‪ ،‬والقبول إجازة‪ ،‬وليس َمن َّ‬
‫قبله وأجازه‪ ،‬فاتقوا الساعي‪ ،‬فلو كان صادق ًا يف قوله لكان لئي ًام يف صدقه‪،‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.258 :3‬‬

‫(‪ )2‬أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.258 :3‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪167‬‬
‫حيث مل حيفظ احلرمة‪ ،‬ومل يسرت العورة‪ ،‬والسعاية هي النميمة إال أهنا إذا‬
‫كانت إىل َمن خياف جانبه سميت سعاية‪.‬‬
‫وقال رجل لعمرو بن عبيد‪ :‬إن األسواري ما ُيزال يذكرك يف قصصه‬
‫بش‪ ،‬فقال له عمرو‪ :‬يا هذا ما َرعيت حق جمالسة الرجل حيث نقلت إلينا‬
‫حديثه‪ ،‬وال أديت ح ِّقي حني أعلمتني عن أخي ما أكره‪ ،‬ولكن أعلمه أن‬
‫خري‬
‫املوت يعمنا‪ ،‬والقرب يضمنا‪ ،‬والقيامة جتمعنا‪ ،‬واهلل تعاىل حيكم بيننا وهو ُ‬
‫احلاكمني‪.‬‬
‫وقال لقامن البنه‪ :‬يا بني أوصيك بخالل إن متسكت هبن مل تزل سيد ًا‪،‬‬
‫ابسط خلقك للقريب والبعيد‪ ،‬وأمسك جهلك عن الكريم واللئيم‪ ،‬واحفظ‬
‫إخوانك وصل أقاربك وآمنهم من قبول قول ساع أو سامع باغ يريد فسادك‪،‬‬
‫ويروم خداعك‪ ،‬وليكن إخوانك من إذا فارقتهم وفارقوك مل تعبهم ومل‬
‫يعيبوك‪.‬‬
‫عظيم‪ ،‬ينبغي أن يتوقى‪ ،‬قال محاد بن سلمة‪ :‬باع‬
‫ٌ‬ ‫وعىل اجلملة فش النامم‬
‫رجل عبد ًا‪ ،‬وقال للمشرتي ما فيه عيب إال النميمة‪ ،‬قال رضيت‪ :‬فاشرتاه‬
‫فمكث الغالم أيام ًا ثم قال لزوجة مواله إن سيدي ال حيبك‪ ،‬وهو يريد أن‬
‫يترسى عليك‪ ،‬فخذي املوسى واحلقي من شعر قفاه عند نومه شعرات‪،‬‬
‫حتى أسحره عليها‪ ،‬فيحبك ثم قال للزوج‪ :‬إن امرأتك اختذت خليالً‪ ،‬وتريد‬
‫أن تقتلك فتناوم هلا‪ ،‬حتى تعرف ذلك‪ ،‬فتناوم هلا‪ ،‬فجاءت املرأة باملوسى‪،‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪168‬‬
‫فظن أهنا تريد قتله فقام إليها فقتلها‪ ،‬فجاء أهل املرأة‪ ،‬فقتلوا الزوج‪ ،‬ووقع‬
‫القتال بني القبيلتني(‪.)1‬‬
‫* اآلفة اخلمسون‪ :‬كالم ذي الل َسان ْ ِ‬
‫َني‪:‬‬
‫وهو الذي ي َتدد بني امل َتع ِ‬
‫اد َي ْ ِ‬
‫ني‪ ،‬و ُيكَل ُم كل واحد منهام بكالم يوافقه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫حيرم عىل املسلمني أن يكون بوجهني‪ ،‬بحيث يغري كالمه من واحد إىل‬
‫واحد‪ ،‬بام يثري الفتن بني الناس‪.‬‬
‫ومن دالئل قبائحه‪:‬‬
‫ما كان من استبدال كل وجه له بلسان من النار يوم القيامة‪ ،‬فعن عامر‬
‫بن يارس ‪ ،‬قال ‪َ « :‬من كان له وجهان يف الدنيا كان له لسانان من نار يوم‬
‫القيامة»(‪.)2‬‬
‫وكان اعتبار صاحب الوجهني من رش الناس يوم القيامة‪ ،‬فعن أيب‬
‫رش عباد اهلل يوم القيامة ذا الوجهني الذي‬
‫هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬جتدون من ِّ‬
‫يأيت هؤالء بحديث وهؤالء بحديث»(‪ .)3‬ويف لفظ آخر‪« :‬الذي يأيت هؤالء‬
‫بوجه وهؤالء بوجه»‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪256 :3‬ـ ‪.258‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري يف كتاب األدب املفرد وأبو داود بسند حسن‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.159 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪169‬‬
‫وكان اعتبار ذي اللسانني فاقد ًا لألمانة‪ ،‬قال أبو هريرة ‪« :‬ال ينبغي‬
‫لذي الوجهني أن يكون أمين ًا عند اهلل تعاىل»‪.‬‬
‫وكان وصفه بأنه إمعة ال شخصية له‪ ،‬قال اب ُن مسعود ‪« :‬ال يكونن‬
‫أحدكم إمعة‪ ،‬قالوا‪ :‬وما اإلمعة؟ قال الذي جيري مع ِّ‬
‫كل ريح»‪.‬‬
‫عالمات كثريةٌ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫واتفقوا عىل أن مالقا َة االثنني بوجهني ٌ‬
‫نفاق‪ ،‬وللنفاق‬
‫وهذه من مجلتها‪ ،‬وقلام خيلو عنه َمن يشاهد متعاديني‪ ،‬وذلك عني النفاق‪.‬‬
‫وجا َم َل ُك َّل واحد‬
‫ويصري الرجل ذا لسانني‪ :‬إذا َد َخ َل عىل ُم َت َعاد َيني َ‬
‫منهام‪ ،‬وكان صادق ًا فيه مل يكن منافق ًا‪ ،‬وال ذا لسانني‪ ،‬فإن الواحد قد يصادق‬
‫متعاديني‪ ،‬ولكن صداقة ضعيفة ال تنتهي إىل حدِّ األخوة؛ إذ لو حتققت‬
‫الصداقة القتضت معادة األعداء‪.‬‬
‫أما لو نقل ك ََال َم ُك ِّل واحد منهام إىل اآلخر فهو ذو لسانني‪ ،‬وهو رش من‬
‫النميمة؛ إذ يصري نامم ًا بأن ينقل من أحد اجلانبني فقط‪ ،‬فإذا نقل من اجلانبني‬
‫رش من النامم‪.‬‬
‫فهو ٌّ‬
‫ومن صوره‪:‬‬
‫حي َّس َن لكل واحد من املتعاديني ما هو عليه من املعاداة مع صاحبه‪،‬‬
‫أن َ‬
‫فهذا ذو لسانني‪.‬‬
‫وإذا وعدَ َّ‬
‫كل واحد من املتعاديني بأن ينرصه‪.‬‬
‫وإذا أثنى عىل واحد من املتعاديني يف معاداته‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪170‬‬
‫وإذا أثنى عىل أحد املتعاديني‪ ،‬وكان إذا خرج من عنده يذمه‪ ،‬فهو ذو‬
‫لسانني‪ ،‬بل ينبغي أن يسكت أو يثني عىل املحق من املتعاديني‪ ،‬ويثني عليه يف‬
‫غيبته‪ ،‬ويف حضوره وبني يدي عدوه‪.‬‬
‫وإذا دخل عىل األمراء يقول عندهم غري ما يقول عند غريهم‪ ،‬فهو‬
‫نفاق مهام كان مستغني ًا عن الدخول عىل األمري‪ ،‬وعن الثناء عليه‪ ،‬فأما إذا‬
‫جائز‪.‬‬
‫الش ٌ‬‫ور‪َ ،‬فإ َّن ا ِّت َقا َء َّ ِّ‬
‫ابتىل به لرضورة وخاف إن مل يثن فهو َمع ُذ ٌ‬
‫َش يف وجوه أقوام وإن ُق ُلو َبنا َلتَل َعنُ ُهم»‪.‬‬
‫قال أبو الدرداء ‪« :‬إنَّا َلنُك ِّ ُ‬
‫رجل عىل رسول اهلل ‪ ،‬فقال‬ ‫وعن عائشة ريض اهلل عنها‪ « :‬استَأ َذ َن ٌ‬
‫ائ َذ ُنوا له َفبئ َس َر ُج ُل العشرية هو‪ ،‬ثم ََّملا َد َخ َل َأ َال َن له ال َقو َل‪ ،‬فلام َخ َر َج‪،‬‬
‫قلت ثم َأ َلن َت له ال َقو َل‪ ،‬فقال‪ :‬يا عائشة‪ ،‬إ َّن‬ ‫قلت‪ :‬يا رسول اهللَّ‪ ،‬قلت فيه ما َ‬ ‫ُ‬
‫رش النَّاس الذي ُيك َر ُم ا ِّت َقا َء َ ِّ‬
‫رشه»(‪.)1‬‬ ‫َ َّ‬
‫ولكن هذا ورد يف اإلقبال ويف الكش والتبسم‪ ،‬فأما الثناء‪ ،‬فهو كذب‬
‫وز ال َّثنَا ُء‬
‫جي ُ‬
‫رصاح وال جيوز إال لرضورة أو إكراه ُيباح الكذب بمثله‪ ،‬بل ال َ ُ‬
‫الرأس يف معرض التَّقرير عىل ُك ِّل كالم باطل‪ ،‬فإن‬ ‫وال التَّصد ُيق وال َحتر ُ‬
‫يك َّ‬
‫فعل ذلك فهو ُمنَاف ٌق بل ينبغي أن ُينك َر فإن مل يقدر فيسكت بلسانه‪ ،‬وينكر‬
‫بقلبه(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.159 :3‬‬

‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪158 :3‬ـ ‪.159‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪171‬‬
‫* اآلفة الواحدة واخلمسون‪ :‬النفاق القويل‪:‬‬
‫وهو خمالفة القول الباطن يف الثناء وإظهار احلب‪ ،‬فيكون لسانه يمدح‬
‫وقلبه يقدح(‪.)1‬‬
‫ومن دالئل قبحه‪:‬‬
‫ما كان من اعتباره نفاق ًا يف عهد النبي ‪ ،‬فعن أيب الشعثاء قال‪ :‬قلت‬
‫لعبد اهلل بن عمر‪ :‬إنا ندخل عىل أمرائنا‪ ،‬فنقول‪ :‬قوالً فإذا خرجنا من عندهم‬
‫قلنا غريه قال‪« :‬كنا نعد ذلك نفاق ًا عىل عهد رسول اهلل ‪ ،)2(»‬وهذا عند‬
‫سالمته من املوانع والعوارض الرضورية‪ :‬كاإلكراه واخلوف عىل نفسه وعىل‬
‫غريه أو دفع مظلمته التي لذلك القول املالئم لطبعه مدخل يف نفوذ رجائه(‪.)3‬‬
‫النبي ‪ ‬من فاعله وحرمانه من ورود‬ ‫ِّ‬ ‫وكان هذا النفاق سبب ًا لتربي‬
‫احلوض‪ ،‬فعن جابر بن عبد اهلل ‪« :‬أن النبي ‪ ‬قال لكعب بن عجرة‪:‬‬
‫أعاذك اهلل يا كعب من إمارة السفهاء‪ ،‬قال‪ :‬وما إمارة السفهاء يا رسول اهلل؟‬
‫فمن‬
‫قال‪ :‬أمراء يكونون بعدي‪ ،‬ال هيدون هبديي‪ ،‬وال يستنون بسنتي‪َ ،‬‬
‫صدقهم بكذهبم‪ ،‬وأعاهنم عىل ظلمهم‪ ،‬فأولئك ليسوا مني‪ ،‬ولست منهم‪،‬‬
‫وال يردون عىل حويض‪ ،‬و َمن مل يصدقهم بكذهبم ومل يعنهم عىل ظلمهم‪،‬‬
‫فأولئك مني وأنا منهم‪ ،‬وسريدون عيل حويض»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬طريقة حممدية‪.236 :3‬‬


‫(‪ )2‬يف سنن النسائي الكربى‪ ،84 :8‬واملعجم الكبري‪.420 :12‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية‪.237 :3‬‬
‫(‪ )4‬يف املستدرك‪ ،468 :4‬وصححه‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫‪172‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وحكمه‪:‬‬
‫حيرم هذا النفاق إن كان فيه إضاعة حلقوق الناس وإفساد املجتمع‬
‫وإبطال العبادات وقيام من ليس بأهل هبا وغريها من املضار الظاهرة‪ ،‬وتكره‬
‫إن قل الرضر فيها‪.‬‬
‫ومن صوره‪:‬‬
‫‪.1‬تصديق الكاذب يف مكاذبته ولو بالرأس‪.‬‬
‫‪.2‬الشفاعة لإلمامة يف الصالة ملن ليس أه ً‬
‫ال هلا‪ ،‬إما بسوء االعتقاد كأهل‬
‫اهلوى أو لعدم االهتامم بأمر الطهارة بأن ال ُيبال بالنجاسة املانعة للصالة يف‬
‫البدن أو الثوب أو املكان‪ ،‬أو لعدم وصول ماء الطهارة لألعضاء الواجب‬
‫تطهريها‪ ،‬أو لعدم قراءة ما يتوقف عليه صحة الصالة‪ ،‬فإذا فقدت هذه‬
‫الثالثة بطلت الصالة‪ ،‬أو وجد من هو أوىل هبا منه فيشفع ملن كانت إمامته‬
‫مكروهة مثل الفاسق واألعرايب وولد الزنا والعبد واألعمى‪.‬‬
‫ال له بأن مل يكن عامل ًا بأوقات الصالة‪ ،‬أو‬
‫‪.3‬الشفاعة لألذان ملن مل يكن أه ً‬
‫يلحن يف األذان‪ ،‬فإذا كان عامل ًا هبا‪ ،‬أو مل يكن ذا حلن وتغن حتققت األهلية‪.‬‬
‫‪.4‬الشفاعة لتعليم القرآن وإن مل يكن له أجرة ملن مل يكن أه ً‬
‫ال له بأن مل‬
‫يعلم التجويد‪ ،‬أو مل يكن متدين ًا يف حق أوالد الناس‪.‬‬
‫‪.5‬الشفاعة للتدريس بأن مل يكن أهال له‪ ،‬أو وجد األوىل منه بأن كان‬
‫جاه ً‬
‫ال أو غري مداوم عىل الدرس‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪173‬‬
‫وال عربة يف هذه األشياء بالفقر‪ ،‬بل العربة باألهلية‪ ،‬ولو كان قادر ًا عىل‬
‫ألف ألف دينار‪ ،‬فال يغرنك الغرور بأن هذا فقري حمتاج‪ ،‬وذلك ليس كذا‬
‫فعليك اإلعانة للمحتاج‪.‬‬
‫وسبب هذه الشفاعة‪:‬‬
‫أ‪.‬اجلهل بعاقبتها من احلرمة والكراهة‪ ،‬والطمع فيها حيصل من املشفوع‪،‬‬
‫وحب األقرباء واألحباء‪ ،‬فيحمله ذلك عىل الشفاعة هلم فيام خيالف الشع‪.‬‬
‫ب‪.‬احلياء من الناس إن مل يشفع يعريونه أو ينسبونه إىل ما ال يرىض‪،‬‬
‫واحلياء من اخلالق املنعم الضار النافع أقدم؛ ألن النعمة واخللق والنفع‬
‫والرض من أسباب احلياء‪ ،‬واهلل املعطي املانع‪.‬‬
‫ج‪.‬اخلوف من عداوة املشفوع له إن مل يشفع له أو اخلوف من ذهاب‬
‫املنصب والرزق الدار‪ ،‬واهلل تعاىل أحق باخلوف‪.‬‬
‫وضدها الشفاعة احلسنة‪ ،‬وهي الشفاعة يف األُمور املباحة يف الشع‪:‬‬
‫كالشفاعة إلحقاق حق مسلم ودفع رض عنه أو جلب نفع له ودفع رض عنه‪،‬‬
‫قال تعاىل‪َّ { :‬من َيش َفع َش َفا َع ًة َح َسنَ ًة َي ُكن َّل ُه نَص ٌ‬
‫يب ِّمن َها}[النساء‪.)1(]85 :‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية‪.241 :3‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪174‬‬
‫* اآلفة الثانية واخلمسون‪ :‬إفشاء الرس‪:‬‬
‫التكلم بام قيل أو فعل يف جملس مما خيالف املروءة والرشع‪ ،‬كالكالم بام‬
‫يقع بني الزوجني من الوقاع‪.‬‬
‫ومن دالئل قبحه‪:‬‬
‫اتباع للشيطان‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬وإ َذا َج ُ‬
‫اءهم‬ ‫ما كان من اعتبار القرآن له أنه ٌ‬
‫الر ُسول َوإ َىل ُأول األَمر من ُهم‬ ‫َأم ٌر ِّم َن األَمن َأو َ‬
‫اخلوف َأ َذا ُعوا به َو َلو َردو ُه إ َىل َّ‬
‫مح ُت ُه الَ َّت َبع ُت ُم‬
‫َل َعل َم ُه ا َّلذي َن َيستَنب ُطو َن ُه من ُهم َو َلوالَ َفض ُل اهلل َع َلي ُكم َو َر َ‬
‫ال}[النساء‪.]83 :‬‬ ‫ان إالَّ َقلي ً‬
‫الشي َط َ‬‫َّ‬
‫وكان من أرش الناس َمن يتكلم من الزوجني بام جيري بينهام‪ ،‬فعن أيب‬
‫سعيد اخلدري ‪ :،‬قال ‪« :‬إن من أرش الناس عند اهلل منزلة يوم القيامة‪،‬‬
‫الرجل يفيض إىل امرأته‪ ،‬وتفيض إليه‪ ،‬ثم ينش رسها»(‪.)1‬‬
‫بحق املعارف واألَصد َقاء‪ ،‬فعن أيب بكر بن‬
‫اون ِّ‬
‫وكان فيه اإليذاء والت ََّه ُ‬
‫ابن حزم‪ :،‬قال ‪« :‬إنام يتجالس املتجالسان باألمانة فال حيل ألحدمها أن‬
‫يفيش عىل صاحبه ما يكره»(‪.)2‬‬
‫وكان خيانة لألمانة اإلفضاء بالرس‪ ،‬قال احلسن‪« :‬إن من اخليانة أن‬
‫حتدِّ ث برس أخيك»‪ ،‬فعن أيب الدرداء ‪ ،‬قال ‪« :‬من سمع من رجل‬

‫(‪ )1‬يف صحيح مسلم‪.1060 :2‬‬


‫(‪ )2‬يف شعب اإليامن‪ ،500 :13‬وقال البيهقي ‪ :‬مرسل جيد‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪175‬‬
‫حديثا‪ ،‬ال يشتهي أن يذكر عنه‪ ،‬فهو أمانة‪ ،‬وإن مل يستكتمه»(‪ ،)1‬وعن جابر بن‬
‫عبد اهلل ‪ ،‬قال ‪« :‬إذا حدث الرجل احلديث ثم التفت فهي أمانة»(‪.)2‬‬
‫وكان اإلفشاء وقوع يف املذلة واملهانة‪ ،‬فعن معاوية ‪ ‬أرس إىل الوليد‬
‫بن عتبة حديثه‪ ،‬فقال ألبيه‪ :‬يا أبت إن أمري املؤمنني أرس إل حديث ًا‪ ،‬وما أراه‬
‫رسه كان‬
‫يطوى عنك ما بسطه إىل غريك‪ ،‬قال‪ :‬فال حتدثني به‪ ،‬فإن َمن كتم َّ‬
‫اخليار إليه‪ ،‬و َمن أفشاه كان اخليار عليه‪ ،‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬يا أبت وإن هذا ليدخل‬
‫بني الرجل وبني ابنه‪ ،‬فقال‪ :‬ال واهلل يا بني‪ ،‬ولكن أحب أن ال تذ ِّل َل لسانك‬
‫الرس‪ ،‬قال‪ :‬فأتيت معاوية فأخربته‪ ،‬فقال يا وليد َأعتقك أبوك من‬ ‫بأحاديث ِّ ِّ‬
‫ِّ‬
‫رق اخلطأ(‪.)3‬‬
‫وله مفاسدٌ كثري ٌة كاحلقد والبغض والعداوة والنميمة وإيقاظ الفتنة(‪.)4‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫إرضار؛ ألنه خيانة(‪ ،)5‬ويكره إن مل يكن فيه‬
‫ٌ‬ ‫الرس إن كان فيه‬
‫حيرم إفشا ُء ِّ ِّ‬
‫إرضار؛ لعدم خلوة عن خمالفة املروءة واألمانة والثقة‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف مسند أمحد‪ ،502 :45‬وحلية االولياء‪.359 :3‬‬


‫(‪ )2‬يف سنن الرتمذي‪ ،341 :4‬وقال‪ :‬حديث حسن‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬اإلحياء‪.132 :3‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية‪.221 :3‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬اإلحياء‪.132 :3‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪176‬‬
‫املطلب الثالث عرش‪ :‬متفرقات‪:‬‬
‫* اآلفة الثالثة واخلمسون‪ :‬اخلوض يف الباطل‪:‬‬
‫وهو الكالم فيام يفسد القلب أو الفكر من غري غرض صحيح‪.‬‬

‫وهذا كالكالم يف املعايص كحكاية أحوال النساء وأحوال الوقاع‪،‬‬


‫وجمالس اخلمور‪ ،‬ومقامات الفساق‪ ،‬وتنعم األغنياء‪ ،‬وجترب امللوك‬
‫ومراسمهم املذمومة‪ ،‬وأحواهلم املكروهة‪ ،‬وحكايات البدع واملذاهب‬
‫الفاسدة إال لرد أو إنكار‪ ،‬وحكاية ما جرى بني الصحابة ‪ ‬عىل وجه‬
‫االستنقاص ببعضهم(‪.)1‬‬

‫وحكمه‪:‬‬
‫ُيكره حتري ًام بقدر ما فيه من الباطل من إضاعة والعقل وإفسادة القلب‬
‫والعقل واستيالء الفكر الفاسد وإظهار معصية نفسه أو غريه من غري حاجة‬
‫دينية إىل إظهارها‪.‬‬

‫ويكره تنزهي ًا الكال ُم فيام ال يعني أو أكثر مما يعني‪ ،‬إال َمن يكثر الكالم‬
‫فيام ال يعني ال يؤمن عليه اخلوض يف الباطل وأكثر النَّاس َيت ََجا َل ُس َ‬
‫ون لل َّت َفرج‬
‫باحلديث‪ ،‬وال َيعدُ و ك ََال ُم ُه ُم ال َّت َفك َه بأعراض النَّاس أو اخلوض يف الباطل‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬روضة الطالبني‪ ،137 :1‬واإلحياء‪.115 :3‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪177‬‬
‫ومن دالئل قبحه‪:‬‬
‫ما كان كثرة أنواع الباطل فال يمكن حرصها لكثرهتا و َت َفنن َها‪ ،‬فلذلك‬
‫ص منها إ َّال باالقتصار عىل ما يعني من ُمه َّامت الدِّ ين والدنيا‪ ،‬ويف هذا‬ ‫ال َخم َل َ‬
‫اجلنس تقع كلامت هيلك هبا صاحبها‪ ،‬وهو يستحقرها(‪ ،)1‬فعن بالل بن‬
‫الرجل َل َي َت َك َّل ُم بالكلمة من رضوان اهلل ما يظن أن‬ ‫احلارث ‪ ،‬قال ‪« :‬إ َّن َّ‬
‫تبلغ ما بلغت فيكتب اهللَُّ هبا رضوانه إىل يوم القيامة وإ َّن الرجل َل َي َت َك َّل ُم‬
‫بالكلمة من َس َخط اهللَّ ما يظن أن تبلغ به ما بلغت فيكتب اهلل عليه هبا َس َخ َط ُه‬
‫إىل يوم القيامة»(‪.)2‬‬
‫قوتك حتى ال َيكبك يف َقعر جهنم‪ ،‬فعن‬ ‫وكان عليك أن تستظهر بغاية َّ‬
‫الرجل ليتك َّلم بالكلمة ال َي َرى هبا بأس ًا هيوي هبا‬ ‫أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪َّ « :‬‬
‫إن َّ‬
‫سبعني خريف ًا يف النَّار»(‪ ،)3‬وبلفظ‪« :‬إن الرجل ليتكلم الكلمة يضحك هبا‬
‫جلساءه هيوى هبا أبعد من الثريا»(‪ .)4‬وكان اخلوض من أعظم اخلطاي ًا‪ ،‬فعن‬
‫قتادة ‪ ،‬قال ‪َ :‬أع َظ ُم النَّاس خطاي ًا يوم القيامة َأك َث ُر ُهم َخو ًضا يف‬
‫الباطل»)‪.(5‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬األحياء‪.115 :3‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه ابن ماجه والرتمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪ ،‬وكان علقمة يقول‪ :‬كم من كالم‬
‫منعنيه حديث بالل‪ ،‬كام يف املغني‪.121 :3‬‬
‫)‪ (3‬يف سنن الرتمذي‪ ،557 :4‬وحسنه‪ ،‬وسنن ابن ماجة‪.1313 :2‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه ابن أيب الدنيا بسند حسن‪ ،‬كام يف املغني‪.121 :3‬‬
‫ال ورجاله ثقات‪ ،‬ورواه هو والطرباين موقوف ًا عىل ابن‬ ‫(‪ )5‬أخرجه ابن أيب الدنيا مرس ً‬
‫مسعود‪ ‬بسند صحيح‪ ،‬كام يف املغني‪.121 :3‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪178‬‬
‫* اآلفة الرابعة واخلمسون‪ :‬التقعر يف الكالم‪:‬‬
‫ُ‬
‫التشدق وتكلف السجع والفصاحة والتصنع فيه بالتشبيبات‬ ‫وهو‬
‫واملقدمات وما جرى به عادة املتفاصحني املدعني للخطابة‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫تصنع مذمو ٌم‪ ،‬ومن التَّكلف املمقوت‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ُيكره التَّقعر يف الكالم؛ ألنه‬
‫فعن أيب ثعلبة ‪ ،‬قال ‪« :‬إن أبغضكم إل وأبعدكم مني جملس ًا الثرثارون‬
‫املتفيهقون املتشدقون يف الكالم»(‪.)1‬‬
‫ويدخل فيه كل سجع متكلف‪ ،‬وكذلك التفاصح اخلارج عن حد‬
‫العادة‪ ،‬وكذلك التكلف بالسجع يف املحاورات‪ ،‬فعن املغرية ‪ :‬قىض‬
‫رسول اهلل ‪ ‬بغرة يف اجلنني فقال بعض قوم اجلاين‪ :‬كيف ندي من ال رشب‬
‫وال أكل وال صاح وال استهل‪ ،‬ومثل ذلك يطل‪ ،‬فقال ‪« :‬أسجع كسجع‬
‫األعراب»(‪ ،)2‬وأنكر ذلك؛ ألن أثر التكلف والتصنع بني عليه‪.‬‬

‫َرص يف ُك ِّل يشء عىل َمق ُصوده‪ ،‬و َمق ُصو ُد الك ََالم التَّفه ُ‬
‫يم‬ ‫بل ينبغي أن َيقت َ‬
‫حتسني ألفاظ‬
‫ُ‬ ‫للغرض‪ ،‬وما ورا َء ذلك تصنع مذموم‪ ،‬وال يدخل يف هذه‬
‫ُ‬
‫حتريك القلوب‬ ‫اخلطابة والتذكري من غري إفراط وإغراب‪ ،‬فإن املقصود منها‬
‫الئق به‪.‬‬
‫تأثري فيه‪ ،‬فهو ٌ‬
‫وتشويقها وقبضها وبسطها‪ ،‬فلرشاقة اللفظ ٌ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد‪ ،‬وهو عند الرتمذي من حديث جابر ‪ ،‬وحسنه بلفظ‪« :‬إن أبغضكم إل»‪،‬‬
‫كام يف املغني‪.121 :3‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.121 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪179‬‬
‫فأما املحاورات التي جتري لقضاء احلاجات‪ ،‬فال يليق هبا السجع‬
‫والتشدق واالشتغال به من التكلف املذموم‪ ،‬وال باعث عليه إال الرياء‬
‫يكرهه الشع و َيزجر‬
‫ُ‬ ‫وإظهار الفصاحة والتميز بالرباعة‪ ،‬وكل ذلك مذمو ٌم‬
‫عنه(‪.)1‬‬
‫* اآلفة اخلامسة واخلمسون‪ :‬تفسري القرآن برأيه‪:‬‬
‫وهو يفرس كالم اهلل تعاىل بال علم وال معرفة‪ ،‬فال يلتزم قواعد علامء‬
‫التفسري‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫حيرم تفسري كالم اهلل باهلوى وبال علم‪ ،‬فيكون من التهجم عىل تبيني مراد‬
‫اهلل من كالمه عىل جهالة بقوانني اللغة أو الشيعة أو محل كالم اهلل ‪ ‬عىل‬
‫املذاهب الفاسدة أو اخلوض فيام استأثر اهلل بعلمه أو القطع بأن مراد اهلل كذا‬
‫من غري دليل أو السري مع اهلوى(‪.)2‬‬
‫ومن دالئل قبحه‪:‬‬
‫ما كان من اعتبار تفسري بال علم‪ ،‬وأنه تقول عىل اهلل تعاىل‪ ،‬قال‪َ { :‬والَ‬
‫ف َما َلي َس َل َك به عل ٌم} [اإلرساء‪ ،]36 :‬وقال‪َ { :‬و َأن َت ُقو ُلوا َع َىل اهلل َما الَ‬
‫تَق ُ‬
‫تَع َل ُمون} [البقرة‪. ]169 :‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.121 :3‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬إرواء الظمآن ص‪.142‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪180‬‬
‫وكان حال َمن يفعله أن يكون له مقعد يف النار‪ ،‬فعن ابن عباس ‪ ،‬قال‬
‫‪« :‬اتقوا احلديث عني إال ما علمتم‪ ،‬فمن كذب عيل متعمدا فليتبوأ مقعده‬
‫من النار‪ ،‬ومن قال يف القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار»(‪ ،)1‬وعن ابن‬
‫عباس ‪ ،‬قال ‪« :‬من قال يف القرآن بغري علم فليتبوأ مقعده من النار»(‪.)2‬‬
‫قال ال َغ َزال‪ :‬ومن الطامات رصف ألفاظ الشع عن ظاهرها إىل أمور مل‬
‫تسبق منها إىل اإلفهام كدأب الباطنية‪ ،‬فإن الرصف عن مقتىض ظواهرها من‬
‫غري اعتصام فيه بالنقل عن الشارع‪ ،‬وبغري رضورة تدعو إليه من دليل عقيل‬
‫حرام‪.‬‬
‫قال اب ُن النقيب‪ :‬مجلة ما حيصل يف معنى التفسري بالرأي مخسة أقوال‪:‬‬
‫‪.1‬التفسري بال حتصيل آالته من العلوم‪.‬‬
‫‪.2‬تفسري املتشابه الذي ال يعلمه إال اهلل‪.‬‬
‫ال والتفسري تابع ًا‬
‫‪.3‬التفسري املقرر للمذهب الباطل بأن جيعل املذهب أص ً‬
‫له‪ ،‬فريده إليه بأي طريق أمكن وإن كان ضعيف ًا‪.‬‬
‫‪.4‬التفسري أن مراد اهلل كذا عىل القطع من غري دليل‪.‬‬
‫‪.5‬التفسري باهلوى(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬يف سنن الرتمذي‪ ،199 :5‬وحسنه‪ ،‬وسنن النسائي الكربى‪.286 :7‬‬
‫(‪ )2‬يف سنن الرتمذي‪ ،199 :5‬وحسنه‪ ،‬وسنن النسائي الكربى‪.285 :7‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية‪.296 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪181‬‬
‫* اآلفة السادسة واخلمسون‪ :‬ترويع املسلم‪:‬‬
‫وهو إخافة املؤمن والذمي من غري ذنب‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫يكره إخاف ُة املسلم وهتديدُ ه وتروي ُعه بألفاظه املختلفة إن مل يكن له ٌ‬
‫ذنب‪،‬‬
‫وكف أذاه‪ ،‬وعىل ما تقتضيه قاعدة النهي عن‬‫ِّ‬ ‫فإن كان مذنب ًا جاز بقدر ذنبه‬
‫املنكر‪.‬‬
‫ومن دالئل قبحه‪:‬‬
‫ما كان من هني النبي ‪ ‬عن الرتويع للمسلم؛ ملخالفته أخالق املؤمنني‪،‬‬
‫فعن النعامن بن بشري ‪ ،‬قال‪« :‬كنا مع رسول اهلل ‪ ‬يف مسري‪ ،‬فخفق رجل‬
‫عن راحلته‪ ،‬فأخذ رجل سهام من كنانته‪ ،‬فانتبه الرجل ففزع‪ ،‬فقال رسول اهلل‬
‫‪ :‬ال حيل لرجل أن يروع مسلام»(‪.)1‬‬
‫وكان الرتويع منافي ًا لإليامن واإلسالم‪ ،‬فعن سليامن بن رصد‪« :‬أن أعرابي ًا‬
‫صىل مع رسول اهلل ‪ ‬ومعه قرن‪ ،‬فأخذها بعض القوم‪ ،‬ف َلام َس َّلم النبي ‪،‬‬ ‫َّ‬
‫قال األعرايب‪ :‬القرن‪ ،‬فكأن بعض القوم ضحك‪ ،‬فقال النبي ‪ :‬من كان‬
‫يؤمن باهلل واليوم اآلخر فال يروعن مسل ًام»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬رواه الطرباين يف الكبري واألوسط‪ ،‬ورجال الكبري ثقات‪ ،‬كام يف جممع الزائد‪.254 :6‬‬
‫(‪ )2‬رواه الطرباين من رواية ابن عيينة عن إسامعيل بن مسلم‪ ،‬فإن كان هو العبدي فهو من‬
‫رجال الصحيح‪ ،‬وإن كان هو املكي فهو ضعيف‪ ،‬وبقية رجاله ثقات‪ ،‬كام يف جممع الزائد‪:6‬‬
‫‪.254‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪182‬‬
‫وكان التأكيد منه ‪ ‬عىل حرمة املسلم والنهي الشديد عن ترويعه‬
‫وختويفه والتعرض له بام قد يؤذيه بصوره املختلفة لفظ ًا أو فعالً‪ ،‬فعن أيب‬
‫هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬من أشار إىل أخيه بحديدة‪ ،‬فإن املالئكة تلعنه‪ ،‬حتى‬
‫يدعه وإن كان أخاه ألبيه وأمه»(‪.)1‬‬
‫* اآلفة السابعة واخلمسون‪ :‬الكالم مع النساء‪:‬‬
‫وهو التكلم مع الشابة األجنبية بغري حاجة‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫الشابة األجنبية بغري حاجة؛ ألنه َمظن ُة الفتنة‪،‬‬
‫ُيكره حتري ًام الكال ُم مع َّ‬
‫وهذا الكراهة متفاوتة بإثم أو إساءة عىل قدر الفتنة‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال‬
‫‪« :‬العينان تزنيان‪ ،‬واللسان يزين‪ ،‬واليدان تزنيان‪ ،‬والرجالن تزنيان‪،‬‬
‫وحيقق ذلك الفرج أو يكذبه»(‪.)2‬‬
‫ومن احلاجات التي يباح له الكالم بسببها الشهادة والتبايع والعمل‬
‫والتبليغ وأمثاهلا‪.‬‬
‫وال يشمت العاطسة وال ُيسلم عليها وال َيرد سالمها جهر ًا‪ ،‬بل يف نفسه‬
‫إذا س َّلمت عليه‪ ،‬وال ُتشمته الشابة األجنبية إذا َع َطس(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح مسلم‪.2020 :4‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح ابن حبان‪ ،7 :4‬ومسند أمحد‪.218 :14‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الربيقة والطريقة ‪.7 :4‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪183‬‬
‫* اآلفة الثامنة واخلمسون‪ :‬التسليم عىل غري املسلم ابتداء‪:‬‬
‫وهو ابتداء غري املسلم بالسالم‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫و ُيكره كراهة إساءة ابتدا ًء السالم عىل غري املسلم بغري حاجة عنده‪ ،‬فإن‬
‫السالم إعزاز‪ ،‬وال جيوز‬
‫كانت حاجة معه ال بأس به بالسالم عليه؛ ألن َّ‬
‫إعزازهم‪ ،‬بل الالئق إعراضهم وترك االلتفات إليهم تصغري ًا هلم وحتقري ًا‬
‫بالسالم‪،‬‬
‫لشأهنم‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬ال تبدءوا اليهود‪ ،‬والنَّصارى َّ‬
‫وإذا لقيتم أحدهم يف الطريق فاضطروهم إىل أضيقه»(‪.)1‬‬
‫وإن سلم غري املسلم عىل املسلم‪ ،‬فريد عليه بعليكم‪ ،‬وال يزيد‪ ،‬فعن ابن‬
‫عمر ‪ ،‬قال ‪« :‬إن اليهود إذا س َّلموا عليكم‪ ،‬يقول أحدهم‪َّ :‬‬
‫السام‬
‫عليكم‪ ،‬فقل‪ :‬عليك»(‪.)2‬‬
‫السالم عىل الفاسق املظهر فسقه‪ ،‬وال عىل الذي يتغنى‪ ،‬وال عىل‬
‫و ُيكره َّ‬
‫الذي يطري احلامم(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬يف سنن الرتمذي‪ ،154 :4‬وصححه‪.‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح مسلم‪.1706 :4‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الربيقة والطريقة‪.7 :4‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪184‬‬
‫* اآلفة التاسعة واخلمسون‪ :‬الداللة عىل املعصية‪:‬‬
‫وهو الداللة باللسان عىل الطريق ونحوه ملن يريد املعصية‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫يكره املساعدة واإلعانة لغريه يف معصية؛ ألن للوسائل حكم املقاصد‪،‬‬
‫وأن ما ُيفيض إىل املعصية معصية؛ ألهنا إعانة عىل املعصية‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬والَ‬
‫او ُنوا َع َىل اإلثم َوال ُعد َوان}[املائدة‪.]2 :‬‬
‫َت َع َ‬
‫ومن صور الداللة املنهية‪:‬‬
‫‪.1‬الداللة للشطي والظلمة إذا ذهبوا للظلم والفسق‪.‬‬
‫‪.2‬داللة السفه والسعاة واملجانني والصبيان عىل إتالف أموال الناس‬
‫وإيذائهم‪.‬‬
‫‪.3‬تعليم املسائل للمبطل يف دعواه كونه من هذا الباب‪.‬‬
‫‪.4‬تعليم األقوال املهجورة والضعيفة؛ للعبث باألحكام(‪.)1‬‬
‫اآلفة الستون‪ :‬اإلذن باملعصية‪:‬‬
‫وهو يأذن جييز من يريد فعل معصية‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫ُيكره اإلذن واإلجازة فيام هو معصية‪ ،‬ال سيام فيام التوقف عىل إذنه‪:‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الربيقة والطريقة‪9 :4‬ـ ‪.10‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪185‬‬
‫كإذن الزوج المرأته أن خترج من بيته بغري حاجة؛ ملا فيه فتنة‪ ،‬بخالف خروج‬
‫لزيارة والدهيا وحمارمها أو قضاء واجب أو لعمل جائز أو طلب علم فيام ال‬
‫فتنة فيجوز(‪.)1‬‬
‫* اآلفة الواحدة والستون‪ :‬األمر باملنكر والنهي عن املعروف‪:‬‬
‫وهو األمر باملعايص والنهي عن الطاعات‪ ،‬وسيأيت مفص ً‬
‫ال يف الفصل‬
‫الثاين‪.‬‬
‫ات َبع ُض ُهم ِّمن‬‫ون َو ُاملنَاف َق ُ‬
‫وهذه صف ُة املنافقني‪ ،‬قال تعاىل‪ُ { :‬املنَاف ُق َ‬
‫َبعض}[التوبة‪ ]67 :‬أي متشاهبة يف النفاق والبعد عن اإليامن كأبعاض‬
‫املنكَر}[التوبة‪ ]67 :‬بالكفر واملعايص { َو َين َهو َن‬ ‫ون ب ُ‬
‫اليشء الواحد { َيأ ُم ُر َ‬
‫َعن َاملع ُروف}[التوبة‪ ]67 :‬باإليامن والطاعة‪.‬‬
‫ومن صوره‪ :‬األمر بالظلم وإعانة الظلمة عىل ظلمهم بالقول(‪.)2‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫حيرم إن هنى عن فرض أو أمر بمعصية متفق عليها‪ ،‬يكره حتري ًام كراهة‬
‫إثم إن هنى عن واجب أو بمعصية خمتلف فيها‪ ،‬ويكره حتري ًام كراهة إساءة إن‬
‫هنى عن سنة‪ ،‬أو أمر بمكروه‪ ،‬ويكره تنزهي ًا إن هنى عن مستحب‪ ،‬أو أمر‬
‫بكروه تنزهي ًا‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الطريقة املحمدية‪.11 :4‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الربيقة والطريقة‪.243 :3‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪186‬‬
‫والنهي عن املنكر عىل مراتب‪:‬‬
‫‪.1‬التعريف‪ ،‬فال حيتاج إىل إذن اإلمام‪.‬‬
‫‪.2‬الوعظ بالكالم اللطيف‪ ،‬فال يتحتاج إىل إذن اإلمام‪.‬‬
‫‪.3‬السب والعنف بال فحش بنحو يا جاهل يا أمحق أال ختاف من اهلل‬
‫تعاىل‪ ،‬فال حتتاج إىل إذن اإلمام‪.‬‬
‫‪.4‬املنع بالقهر ككرس املالهي وإراقة اخلمر‪ ،‬فال حاجة إىل اإلذن؛ إذ‬
‫بعضهم بعض ًا‪.‬‬
‫املسلمون كالبنيان يشد ُ‬
‫‪.5‬التهديد والتخويف بالرضب أو مبارشته‪ ،‬فيحتاج إىل إذن اإلمام‪ ،‬وأال‬
‫ينجر إىل القتال من اجلانبني‪.‬‬
‫وحمل النهي عن املنكر إذا مل ينجع مل يؤثر ومل ينفع‪ ،‬فعليه الرفق واللني؛‬
‫ِّ‬
‫ولكل ميدان رجال(‪.)1‬‬ ‫ألنه لكل مقام مقال‪،‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬بريقة حممودية‪.244 :3‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪187‬‬

‫املبحث الثاين‬
‫آفات اللسان املحظورة تبع ًا‬
‫* اآلفة الثانية والستون‪ :‬املُزاح‪:‬‬
‫وهو نقيض اجلد‪ ،‬وهو املداعبة واملباسطة إىل الغري عىل جهة التلطف‬
‫واالستعطاف دون أذية‪ ،‬حتى خيرج االستهزاء والسخرية‪.‬‬
‫واإلكثار منه واخلروج عن احلدِّ ٌّ‬
‫خمل باملروءة والوقار‪ ،‬والتَّنزه عنه باملرة‬
‫خمل بالسنة والسرية النبوية املأمور باتباعها واالقتداء‪ ،‬وخري األمور‬‫والتقبض ٌّ‬
‫أوسطها(‪ ،)1‬فعن أنس ‪« :‬أن رج ً‬
‫ال استحمل رسول اهلل ‪ ‬فقال‪ :‬إين‬
‫حاملك عىل ولد الناقة‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬ما أصنع بولد الناقة؟ فقال ‪:‬‬
‫وهل تلد اإلبل إال النوق؟»(‪ ،)2‬فكان يمزح به‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫ُيكره اإلكثار منه‪ ،‬ورشط جوازه قوالً أو فع ً‬
‫ال أن ال يكون فيه كذب‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬تاج العروس‪.117 :7‬‬


‫(‪ )2‬يف سنن الرتمذي‪ ،357 :4‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح غريب‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪188‬‬
‫وال ترويع مسلم‪ ،‬فعن أنس ‪« :‬كان أليب طلحة اب ٌن ُي َق ُال له‪ :‬أبو عمري‪،‬‬
‫وكان رسول اهلل ‪ ‬يأتيهم‪ ،‬ويقول‪ :‬يا أبا ُعمري ما َف َع َل الن َغ ُري»(‪ ،)1‬والن َغ ُري كان‬
‫ب به‪ ،‬وهو َفر ُخ ال ُعص ُفور‪.‬‬
‫َيل َع ُ‬
‫ول اهللَّ ‪ ‬وسودة بنت‬‫وعن عائشة ريض اهلل عنها‪« :‬كان عندي َر ُس ُ‬
‫زمعة فصنعت حريرة‪ ،‬وجئ ُت به فقلت لسودة‪ُ :‬كيل فقال‪ :‬ال ُأحب ُه فقلت‬
‫واهلل َلتَأ ُكل َّن أو َألُ َل ِّط َخ َّن به وجهك‪ ،‬فقالت‪ :‬ما أنا بذائقته فأخذت‬
‫الصح َفة َشي ًئا منه َف َل َّطخ ُت به وجهه ًا ورسول اهلل ‪ ‬جالس بيني‬
‫ب َيدي من َّ‬
‫َاو َلت من َّ‬
‫الصح َفة‬ ‫وبينها‪ ،‬فخفض هلا رسول اهلل ركبتيه لتستقيد مني‪ ،‬ف َتن َ‬
‫َشي ًئا‪َ ،‬ف َم َس َحت به َوجهي َو َج َع َل َر ُس ُ‬
‫ول اهللَّ ‪ ‬يضحك»(‪.)2‬‬
‫وعن صهيب ‪ ‬وكان به َر َمدٌ ‪ ،‬فكان َيأ ُك ُل َمت ًرا‪ ،‬فقال له ‪َ « :‬أتَأ ُك ُل‬
‫التَّم َر وأنت َرمدٌ ‪ ،‬فقال‪ :‬إنام آ ُك ُل ِّ‬
‫بالش ِّق اآلخر يا رسول اهللَّ َف َت َب َّس َم ‪.)3(»‬‬
‫اح مث ُل َها عىل الندور ال عىل الدوام‪ ،‬واملواظبة عليها‬ ‫فهذه ُم َطا َي َب ٌ‬
‫ات ُي َب ُ‬
‫هزل مذموم‪ ،‬وسبب للضحك املميت للقلب‪.‬‬
‫وإكثار املزاح مع وجود رشط اجلواز مذموم منهي عنه ألمور‪:‬‬
‫أ‪ .‬أن كثرته تسقط املهابة والوقار‪ ،‬فهام إن مل يكونا لغرض نفساين وميل‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.363 :2‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الزبري بن بكار يف «كتاب الفكاهة» وأبو يعىل بإسناد جيد‪،‬كام يف املغني‪.363 :2‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن ماجه واحلاكم ورجاله ثقات‪ ،‬كام يف املغني‪.363 :2‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪189‬‬
‫هوائي أمران مرغوبان ال سيام ممن هو مقتدى به كالعلامء‪ ،‬ومن هو يف مقام‬
‫االحتساب‪.‬‬
‫ب‪.‬أنه يورث احلقد يف بعض األحوال واألشخاص‪.‬‬
‫ج‪ .‬كثرة الضحك‪ ،‬فإن أصل الضحك ليس بمذموم؛ ألن املميت للقلب‬
‫الضحك يدل عىل الغفلة عن اآلخرة‪،‬‬ ‫هو كثرة الضحك ال مطلقه(‪)1‬؛ َّ‬
‫ألن َّ‬
‫فعن أنس ‪ ،‬قال ‪« :‬لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثري ًا ولضحكتم‬
‫قلي ً‬
‫ال»(‪.)2‬‬

‫وقال رجل ألخيه‪ :‬يا أخي هل أتاك أنك وارد النار قال‪ :‬نعم قال‪ :‬فهل‬
‫أتاك أنك خارج منها‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬ففيم الضحك‪ ،‬قيل‪ :‬فام رؤي ضاحك ًا حتى‬
‫مات‪.‬‬

‫فيكون املزاح مذموم ًا؛ إال قدر ًا يسري ًا ُيستثنى منه‪ ،‬واملنهي عنه منها‬
‫اإلفراط فيه أو املداومة عليه؛ ألنه اشتغال باللعب واهلزل فيه‪ ،‬واللعب‬
‫مباح‪ ،‬ولكن املواظبة عليه مذمومة‪ ،‬و َأ َّما اإلف َر ُ‬
‫اط فيه‪ ،‬فإنه ُيور ُ‬
‫ث كَث َر َة‬
‫الضحك وكثرة الضحك متيت القلب‪ ،‬وتورث الضغينة يف بعض األحوال‬ ‫َّ‬
‫وتسقط املهابة والوقار‪ ،‬فام َخي ُلو عن هذه األُ ُمور فال ُي َذم‪ ،‬فعن أيب هريرة‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬بريقة حممدية‪.17 :4‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.363 :2‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪190‬‬
‫‪ ،‬قال ‪« :‬إ ِّين َألَم َز ُح وال َأ ُق ُ‬
‫ول إ َّال َح ًّقا»(‪َ ،)1‬أ َال إ َّن مث َل ُه َيقد ُر عىل أن َيم َز َح‬
‫غريه إذا َفت ََح باب املزاح كن َغ َر ُض ُه أن يضحك‬ ‫وال يقول إ َّال َح ًّقا‪ ،‬وأما ُ‬
‫الناس كيفام كان‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬إن الرجل ليتكلم بالكلمة‬
‫يضحك هبا جلساؤه هيوى يف النار أبعد من الثريا»(‪.)2‬‬
‫وقال عمر ‪َ :‬من كثر ضحكه ق َّلت هيبته‪ ،‬و َمن مزج استخف به‪،‬‬
‫و َمن أكثر من يشء عرف به‪ ،‬ومن كثر كالمه كثر سقطه‪ ،‬و َمن كثر سق ُطه َق َّل‬
‫قل ورعه‪ ،‬و َمن َّ‬
‫قل ورعه مات قلبه‪.‬‬ ‫حياؤه‪ ،‬و َمن قل حياؤه َّ‬

‫الضحك أن يستغرق ضحك ًا‪ ،‬واملحمو ُد منه الت ُ‬


‫َّبسم الذي‬ ‫واملذموم من َّ‬
‫السن وال يسمع له صوت‪ .‬فعن عائشة ريض اهلل عنها‪ ،‬زوج‬ ‫ينكشف فيه ِّ‬
‫النبي ‪ ‬قالت‪« :‬ما رأيت رسول اهلل ‪ ‬ضاحك ًا حتى أرى منه هلواته‪ ،‬إنام‬
‫كان يتبسم»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد‪ ،‬وهو عند الرتمذي بلفظ‪« :‬قالوا‪ :‬أنك تداعبنا‪ ،‬قال‪ :‬إي وال أقول إال‬
‫حق ًا»‪ ،‬وقال‪ :‬حسن‪ ،‬كام يف املغني‪.363 :2‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أيب الدنيا بسند حسن‪ ،‬وللشيخني والرتمذي‪« :‬إن الرجل ليتكلم بالكلمة ال‬
‫يرى هبا بأسا هيوى هبا سبعني خريف ًا» يف النار لفظ الرتمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حسن غريب‪ ،‬كام يف‬
‫املغني‪.128 :3‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح البخاري‪.133 :6‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪191‬‬
‫ومن دالئل قبح اإلكثار منه‪:‬‬
‫ما كان يؤدي املزاح إليه من سقوط الوقار‪ ،‬فقد قال عمر ‪َ :‬من مزح‬
‫استخف به‪.‬‬
‫وكان املزاح مع الصبيان سبب ًا للهوان‪ ،‬قال حممد بن املنكدر‪ ،‬قالت ل‬
‫الصبيان فتهون عندهم‪.‬‬
‫أمي‪ :‬يا بني ال متازح ِّ‬
‫وكان املزاح طريق ًا للحقد واجلرأة‪ ،‬قال سعيد بن العاص البنه‪ :‬يا ُبن ََّي‬
‫يف‪َ ،‬ف َيحقدَ عليك وال الدَّ ين َء فيجرتئ عليك‪.‬‬ ‫ال ُمتَازح َّ‬
‫الش َ‬
‫وكان املزاح موص ً‬
‫ال للضغينة‪ ،‬قال عمر بن عبد العزيز‪ :‬اتقوا اهلل‬
‫وإياكم واملزاح‪ ،‬فإنه يورث الضغينة‪ ،‬وجير إىل القبيح‪ ،‬حتدثوا بالقرآن‪،‬‬
‫الرجال‪.‬‬
‫وجتالسوا به‪ ،‬فإن ثقل عليكم‪ ،‬فحديث حسن من حديث ِّ‬
‫وكان املزاح خروج ًا عن احلق‪ ،‬قال عمر ‪ :‬أتدرون ملا سمي املزاح‬
‫مزاح ًا‪ ،‬قالوا‪ :‬ال‪ ،‬قال ألنه أزاح صاحبه عن احلق‪.‬‬
‫وكان املزح سبب ًا للعداوة وإضاعةاألصدقاء‪ ،‬قيل‪ :‬لكل يشء بذور‪،‬‬
‫اح َمس َل َب ٌة للن َهى‪َ ،‬مق َط َع ٌة لألصدقاء‪.‬‬
‫اح‪ ،‬و ُي َق ُال‪ :‬امل َز ُ‬
‫وبذور ال َعدَ َاوة امل َز ُ‬
‫وكان مزاح رسول اهلل ‪ ‬وأصحابه أن َمت َز َح وال تقول إ َّال َح ًّقا‪ ،‬وال‬
‫َرص عليه أحيان ًا عىل الندُ ور فال َح َر َج عليك‬
‫ُتؤذ َي َقل ًبا‪ ،‬وال ُت َف ِّر َط فيه‪ ،‬وتَقت َ‬
‫فيه‪ ،‬ولكن من الغلط العظيم أن يتخذ اإلنسان املزاح حر َف ًة ُي َواظ ُ‬
‫ب عليه‪،‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪192‬‬
‫و ُيفر ُط فيه؛ إذ من الصغائر ما يصري كبرية باإلرصار(‪ ،)1‬فعن أيب هريرة ‪:‬‬
‫«قالوا إنك تداعبنا‪ ،‬قال ‪ :‬إين وإن داعبتكم فال أقول إال حقا»(‪.)2‬‬
‫* اآلفة الثالثة والستون‪ :‬املَدْ ح‪:‬‬
‫وهو الثناء عليه بام له من الصفات(‪.)3‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫ُيكره إن كان لنفسه ومورث ًا كرب ًا وكاذب ًا وغري دافع للخري وال طريق ًا‬
‫حلرام‪.‬‬
‫والصاحلني ونحومها مما جيب‬
‫َّ‬ ‫وجيب إن كان هلل ورسوله وسائر األنبياء‬
‫تعظيمه‪ ،‬فهو من القرب وأعىل الرتب‪.‬‬
‫ُ‬
‫و ُيباح إن خال عام سبق؛ ألنه ُيورث زيادة املحبة واأللفة واجتامع القلوب‬
‫ومجعية اخلاطر‪.‬‬
‫ورشوط املدح املحمود‪:‬‬
‫‪.1‬أن ال يكون املدح لنفسه؛ ألن تزكية النفس ال جتوز‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬ف َ‬
‫ال‬
‫ُت َزكوا َأن ُف َس ُكم ُه َو َأع َل ُم ب َمن ا َّت َقى}[النجم‪ ،]32 :‬فربام يصف الرجل نفسه‬
‫بالتقوى‪ ،‬واهلل يعلم أنه ليس كذلك‪ ،‬لكن إن كان يقصد حتدث بالنعمة‪،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪128 :3‬ـ ‪.129‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي وحسنه‪ ،‬كام يف املغني‪.161 :2‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬املعجم الوسيط‪.857 :2‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪193‬‬
‫فظاهره أنه جائز بل قد ُيستحب‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬و َأ َّما بنع َمة َر ِّب َك َف َحدِّ ث}‬
‫[الضحى‪ ،]11 :‬أو إعالم حاله من العلم والعمل؛ ليأخذوا عنه العلم‪ ،‬أو‬
‫ليقتدوا به يف العلم والعمل‪ ،‬أو ليعطوا حقه من بيت املال‪ ،‬فيجوز للعامل أن‬
‫يقول للسلطان أو أعوانه ألخذ حقه‪ :‬أنا عامل مستحق لبيت املال‪ ،‬فأعطني‬
‫كفايتي‪ ،‬أو ليدفعوا عنه الظلم أو نحو ذلك مما مل يقصد به التزكية والفخر‪،‬‬
‫فعن أيب سعيد ‪ ،‬قال ‪« :‬أنا سيد ولد آدم وال فخر»(‪ ،)1‬أي‪ :‬أقول ذلك‬
‫شكر ًا ال فخر ًا وتعظي ًام وتكرب ًا‪.‬‬
‫ويف حكم مدح النفس مدح ما يتعلق هبا من األوالد‪ :‬كأن يمدح أوالده‬
‫واآلباء والتالمذة والتصانيف ونحوها بكامل اخلصال‪ ،‬بحيث يستلزم مدح‬
‫ما يتعلق هبا مدح املادح‪.‬‬
‫وأما إذا مدحهم بكامل حصل من غريهم‪ ،‬فيجوز لعدم استلزامه مدح‬
‫نفسه‪.‬‬
‫‪.2‬االحرتاز عن اإلفراط يف املدح والغلو فيه املؤدي إىل الكذب والرياء‬
‫والقول بام ال يعلم حقيقته‪ ،‬وال سبيل له إىل االطالع عليه كالتقوى والورع‬
‫والزهد‪ ،‬وهذه مما ال يعلم حقيقته؛ لكوهنا من أحوال القلوب‪ ،‬وال يعلم ما‬
‫فيها إال اهلل تعاىل‪ ،‬فال جيزم القول بمثلها‪ ،‬بل يقول أحسب ونحوه‪.‬‬
‫‪.3‬أن ال يكون املمدوح فاسق ًا‪ ،‬إال إذا مدحه للخالص عن ظلمه أو‬

‫(‪ )1‬يف سنن الرتمذي‪ ،587 :5‬وحسنه‪.‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪194‬‬
‫لينال حقه من جهته أو من جهة الغري بإعانته فال يرض؛ إذ الرضورة مبيحة‬
‫للمحظورة‪.‬‬
‫‪.4‬أن يعلم أن املدح ال حيدث يف املمدوح كرب ًا أو عجب ًا أو غرور ًا‪ ،‬يعلم‬
‫ذلك بالقرائن واألمارات‪ ،‬وسوء الظن إنام يمنع عند عدم دليله وقرينته‪ ،‬فال‬
‫ينايف حسن الظن املأمور به‪.‬‬
‫وأما إذا أحدث يف املمدوح كامالً وزيادة جماهدة وسعي طاعة‪ ،‬فال منع‬
‫بل يستحب له‪.‬‬
‫‪.5‬أن ال يكون املدح لغرض حرام أو مفضي ًا إىل فساد مثل مدح حسن‬
‫امرأة بني األجانب؛ لتحريك الشهوة فيهم‪ ،‬وحثهم إىل الزنا(‪.)1‬‬
‫وآفات املدح‪:‬‬
‫‪.1‬أن املادح قد يفرط‪ ،‬فينتهي به إىل الكذب‪ ،‬قال خالد بن معدان‪َ « :‬من‬
‫مدح إمام ًا أو أحد ًا بام ليس فيه عىل رءوس األشهاد بعثه اهلل يوم القيامة يتعثر‬
‫بلسانه»‪.‬‬

‫‪ .2‬أن املدح قد َيد ُخ ُل املادح ِّ‬


‫الر َيا ُء‪ ،‬فإ َّن ُه باملدح مظهر للحب‪ ،‬وقد ال‬
‫يكون مضمر ًا له‪ ،‬وال ُمعتَقدً ا جلميع ما يقوله‪ ،‬فيصري به مرائي ًا منافق ًا‪.‬‬
‫‪.3‬أن املادح قد يقول ما ال َيت ََح َّق ُق ُه وال سبيل له إىل اإلطالع عليه‪ ،‬فعن‬
‫أيب بكرة ‪ ،‬قال‪« :‬أثنى رجل عىل رجل عند النبي ‪ ،‬فقال ‪ :‬ويلك‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الربيقة املحمودية والطريقة املحمدية‪24 :4‬ـ ‪.25‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪195‬‬
‫قطعت عنق صاحبك‪ ،‬قطعت عنق صاحبك» مرار ًا‪ ،‬ثم قال‪« :‬من كان منكم‬
‫مادح ًا أخاه ال حمالة‪ ،‬فليقل‪ :‬أحسب فالن ًا‪ ،‬واهلل حسيبه‪ ،‬وال أزكي عىل اهلل‬
‫أحد ًا أحسبه كذا وكذا‪ ،‬إن كان يعلم ذلك منه»(‪.)1‬‬
‫وهي تتطرق إىل املدح باألوصاف املطلقة التي تعرف باألدلة كقولة‪ :‬إنه‬
‫متق وورع وزاهد وخري وما جيري جمراه‪ ،‬فأما إذا قال‪ :‬رأيته ُيصيل بالليل‬
‫ويتصدَّ ق وحيج فهذه أمور مستيقنة‪.‬‬
‫ومن ذلك قوله‪ :‬إنه عدل رضا‪ ،‬فإن ذلك خفي‪ ،‬فال ينبغي أن جيزم‬
‫ربة َباطنَة‪ ،‬فقد َسم َع عمر ‪َ ‬ر ُج ًال ُيثني عىل رجل‬ ‫القول فيه‪ ،‬إ َّال بعد خ َ‬
‫فقال‪َ « :‬أ َسا َفر َت معه‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪َ :‬أ َخا َلط َت ُه يف املبايعة واملعاملة‪ ،‬قال‪ :‬ال‪،‬‬
‫قال‪ :‬فأنت جاره صباحه ومساءه‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬فقال‪ :‬واهلل الذي ال إله إال هو ال‬
‫أراك تعرفه»‪.‬‬
‫وح‪ ،‬وهو ظامل ٌ أو فاسق‪ ،‬وذلك غري جائز‪،‬‬ ‫‪ .4‬أن املادح قد َيف َر ُح املَمدُ ُ‬
‫قال احلسن‪َ :‬من َد َعا لظامل ب ُطول ال َب َقاء فقد أحب أن يعيص اهلل تعاىل يف‬
‫أرضه‪ ،‬والظامل الفاسق‪ ،‬ينبغي أن يذم ليغتم وال ُيمدح ليفرح‪.‬‬
‫‪.1‬أن املدح حيدث يف املمدوح كرب ًا وإعجاب ًا‪ ،‬ومها مهلكان‪ ،‬قال احلسن‬
‫‪« :‬كان عمر ‪ ‬جالس ًا ومعه الدرة‪ ،‬والناس حوله إذ أقبل اجلارود بن‬
‫املنذر‪ ،‬فقال رجل‪ :‬هذا سيد ربيعة‪ ،‬فسمعها عمر و َمن حوله وسمعها‬
‫اجلارود‪ ،‬فلام دنا منه خفقه بالدرة‪ ،‬فقال‪ :‬مال ولك يا أمري املؤمنني‪ ،‬قال‪:‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري‪.176 :3‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪196‬‬
‫مال ولك أما سمعتها‪ ،‬قال‪ :‬سمعتها فمه‪ ،‬قال‪ :‬خشيت أن خيالط قلبك منها‬
‫يشء‪ ،‬فأحببت أن أطأطيء منك»‪.‬‬
‫‪ .2‬أن املادح إذا أثنى عيل املمدوح باخلري فرح به‪ ،‬وفرت وريض عن‬
‫نفسه‪ ،‬و َمن ُأعجب بنفسه َق َّل تشمره‪ ،‬وإنام يتشمر للعمل َمن َيرى نفسه‬
‫ُمقرص ًا‪ ،‬فأما إذا انطلقت األلسن بالثناء عليه َظ َّن أنه قد أدرك‪.‬‬
‫وقال عمر ‪« :‬املدح هو الذبح»‪ ،‬وذلك ألن املذبوح هو الذي يفرت‬
‫عن العمل‪ ،‬واملدح يوجب الفتور‪ ،‬أو ألن املدح يورث العجب والكرب‪ ،‬ومها‬
‫املدح من هذه اآل َفات يف َح ِّق‬
‫ُ‬ ‫مهلكان كالذبح لذلك شبهه به‪ ،‬فإن َسل َم‬
‫بأس‪ ،‬بل ربام كان مندوب ًا إليه‪ ،‬ولذلك َأثنَى رسول‬ ‫َاملادح َ‬
‫واملمدُ وح مل يكن به ٌ‬
‫اهلل ‪ ‬عىل الصحابة‪ ،‬فعقبة بن عامر ‪ ،‬قال ‪« :‬لو كان بعدي نبي لكان‬
‫عمر بن اخلطاب»(‪ ،)1‬وأي ثناء يزيد عىل هذا‪ ،‬ولكنه ‪ ‬قال عن صدق‬
‫وبصرية‪ ،‬وكانوا ‪ ‬أجل رتبة من أن يورثهم ذلك كرب ًا وعجب ًا وفتور ًا‪.‬‬
‫بل مدح الرجل نفسه قبيح؛ ملا فيه من الكرب والتفاخر‪ ،‬ومعنى قوله ‪:‬‬
‫«أنا سيد ولد آدم وال فخر»(‪ :)2‬أي لست أقول هذا تفاخر ًا‪ ،‬كام يقصد الناس‬
‫بالثناء عىل أنفسهم‪ ،‬وذلك ألن افتخاره ‪ ‬كان باهلل وبالقرب من اهلل ال بولد‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي وحسنه‪ ،‬كام يف املغني‪.161 :2‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي وابن ماجه‪ ،‬واحلاكم من حديث جابر ‪ ،‬وقال‪ :‬صحيح اإلسناد‪ ،‬وله‬
‫من حديث عبادة بن الصامت ‪« :‬أنا سيد الناس يوم القيامة وال فخر»‪ ،‬وملسلم من حديث‬
‫أيب هريرة ‪« :‬أنا سيد ولد آدم يوم القيامة»‪ ،‬كام يف املغني‪.161 :2‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪197‬‬
‫آدم ‪،‬وتقدمه عليهم كام أن املقبول عند امللك قبوالً عظي ًام إنام يفتخر بقبوله‬
‫إياه‪ ،‬وبه يفرح ال بتقدمه عىل بعض رعاياه‪.‬‬
‫وبتفصيل هذه اآلفات تقدر عىل اجلمع بني ذم املدح وبني احلث عليه‪،‬‬
‫فعن أنس ‪ ،‬قال ‪« :‬وجبت»(‪ ،)1‬ملا أثنوا عىل بعض املوتى(‪.)2‬‬
‫وبيان ما عىل املمدوح‪:‬‬
‫فعىل َاملمدُ وح أن يكون شديد االحرتاز عن آفة الكرب والعجب وآفة‬
‫الفتور وال ينجو منه إال بأن يعرف نفسه‪ ،‬ويتأمل ما يف خطر اخلامتة ودقائق‬
‫ف‬‫الرياء وآفات األعامل‪ ،‬فإنه يعرف من نفسه ما ال يعرفه املادح‪ ،‬ولو انك ََش َ‬
‫رساره وما جيري عىل خواطره لكف املادح عن مدحه‪ ،‬وعليه أن‬ ‫له مجيع َأ َ‬
‫يظهر كراهة املدح بإذالل املادح‪ ،‬فعن املقدار ‪ ،‬قال ‪« :‬احثوا الرتاب يف‬
‫وجوه املادحني»(‪.)3‬‬

‫قال سفيان بن عيينة‪« :‬ال يرض املدح َمن عرف نفسه»‪.‬‬

‫و ُأثني عىل رجل من َّ‬


‫الصاحلني‪ ،‬فقال‪« :‬اللهم إن هؤالء ال يعرفوين‬
‫وأنت تعرفني»‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.161 :2‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين ‪.161 :3‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم‪ ،‬كام يف املغني‪.161 :2‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪198‬‬
‫تقرب إل بمقتك‪ ،‬وأنا‬
‫وقال آخر ملا أثنى عليه‪« :‬اللهم إن عبدك هذا َّ‬
‫أشهدك عىل مقته»‪.‬‬
‫وقال عيل ‪« :‬ملا أثنى عليه ال َّل ُه َّم اغفر ل ما ال َيع َل ُم َ‬
‫ون وال ُت َؤاخذين‬
‫بام يقولون‪ ،‬واجعلني خري ًا مما يظنون»‪.‬‬
‫وأثنى رجل عىل عمر ‪ ‬فقال‪« :‬أهتلكني وهتلك نفسك»‪.‬‬
‫يقع فيه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫وأثنى رجل عىل عيل ‪ ‬يف وجهه‪ ،‬وكان قد بلغه أنه ُ‬
‫«أنا دون ما قلت‪ ،‬وفوق ما يف نفسك»(‪.)1‬‬
‫* اآلفة الرابعة والستون‪ :‬السجع‪:‬‬
‫وهو توازن الفقر وتقارب الفواصل‪ ،‬وقيل‪ :‬تواطؤ الفاصلتني من النثر‬
‫عىل حرف واحد‪ ،‬وهو يف النثر كالقافية يف الشعر‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫ُيكره املبالغة والتكلف يف السجع اخلارج عن املعتاد واحلاجة‪ ،‬ال سيام إن‬
‫كان فيه رياء‪.‬‬
‫جع والفصاح ُة إن كانا بال تكلف بأن يكونا سليق ًة وطبيعة‪،‬‬
‫الس ُ‬
‫و ُيباح َّ‬
‫بال تصنع وتكلف وتعب يف التعبري‪ ،‬فممدوحان خصوص ًا إذا كانا يف اخلطابة‬
‫والتذكري يف العظة‪ ،‬بل يستحب التكلف اليسري فيهام؛ ألن فيهام حتريك‬
‫القلوب وتشويقها إىل الطاعة‪ ،‬وقبضها عن املعايص عند ذكر الوعيد وبسطها‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين ‪.161 :3‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪199‬‬
‫عند ذكر الوعد بالعبارات العذبة والكلامت املليحة واألداء الغريب والتعبري‬
‫األنيق؛ إذ الوجدان شاهد أن يف تعبري املعنى الواحد بعبارة تفاوت ًا بأدائه‬
‫بعبارة أخرى‪.‬‬
‫وأما فيام عدا اخلطابة والتذكري من املحاورات التي يف قضاء احلاجة‪،‬‬
‫فالتَّكلف فيهام ولو يسري ًا والتَّشدق مذموم؛ ألنه ناشئ من ِّ‬
‫الرياء(‪.)1‬‬
‫* اآلفة اخلامسة والستون‪ :‬التقصري يف أداء العبادات املتعدية‪:‬‬
‫وهو أن ال يؤدي التعليم والتدريس للعلوم الدينية‪ ،‬والتذكري‪ ،‬واإلمامة‪،‬‬
‫والتأذين واإلقامة بصورهتا الكاملة‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫يكره حتري ًام كراهة إثم أو إساءة عىل تقصريه بأداء هذه العبادات املتعدية‪،‬‬
‫سواء كان بتقصريه يف معرفة أحكامها‪ ،‬أو كس ً‬
‫ال يف القيام بالواجب فيها‪،‬‬
‫فينقص يف أركاهنا وواجباهتا وسننها؛ ال سيام إن كان يتقاىض عليها أجرة‪.‬‬
‫وال ُبد من معرفة أحكامها ورعايتها ملن بارشها حتى حيصل املشوط‪،‬‬
‫فإن وجوده موقوف عىل وجود رشطه‪ ،‬فتصري عباد ًة يرتتب عليها الثواب‪،‬‬
‫وال يأثم إن تركها‪ ،‬فإن مل يراع ما ذكر من األركان والشائط صار آث ًام‪ ،‬فال‬
‫يكون متقي ًا عند مبارشته وحاله ما ذكر‪ ،‬فكان آفة للسان أيض ًا(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الربيقة والطريقة‪.28 :4‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الربيقة والطريقة‪.35 :4‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪200‬‬
‫* اآلفة السادسة والستون‪ :‬الكال ُم فيام ال يعني‪:‬‬
‫هيمه وال ُيفيدُ ه وال ُيثاب له وال ُيعاقب عليه‪ ،‬ففيه تضييع‬
‫وهو ما ال ُ‬
‫الرزق واحلبس عن اجلنة‬‫الوقت وقساوة القلب ووهن البدن وتأخري ِّ‬
‫واحلساب واللوم(‪.)1‬‬
‫وحد الكالم فيام ال يعنيك‪ :‬أن تتك َّلم بكالم ولو سكت عنه مل تأثم ومل‬
‫تسترض به يف حال وال مال‪.‬‬
‫وأحسن أحوالك أن حتفظ ألفاظك عن مجيع اآلفات‪ ،‬وتتكلم بام هو‬
‫مباح ال رضر فيه عليك‪ ،‬وال عىل مسلم أصالً‪ ،‬إال أنك تتكلم بام أنت‬
‫وحماسب عىل عمل‬
‫ٌ‬ ‫مضيع زمانك‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫مستغن عنه وال حاجة بك إليه‪ ،‬فإنك به‬
‫لسانك‪ ،‬ومستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خري؛ ألنك لو رصفت الكالم‬
‫إىل الفكر والذكر ُر َّبام يفتح لك من نفحات رمحته عند الفكرة ما يعظم‬
‫جدواه‪ ،‬ولو هللت له تعاىل أو سبحته وذكرته لكان خري ًا لك‪ ،‬فكم من كلمة‬
‫ُيبنى هبا قرص يف اجلنة‪.‬‬
‫ومن قدر أن يأخذ كنز ًا من الكنوز‪ ،‬فأخذ بدله مدر ًة ال ينتفع هبا كان‬
‫خارس ًا خرسان ًا مبين ًا‪.‬‬
‫وهذا مثال َمن ترك ذكر اهلل تعاىل‪ ،‬واشتغل بمباح ال َيعنيه‪ ،‬فإنه وإن مل‬
‫يأثم‪ ،‬فقد َخرس حيث فاته الربح العظيم بذكر اهلل تعاىل‪ ،‬فإن املؤم َن ال يكون‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الربيقة املحمودية‪.30 :4‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪201‬‬
‫صمته إال فكر ًا‪ ،‬ونظره إال عربةً‪ ،‬ونطقه إال ذكر ًا‪ ،‬بل رأس مال العبد أوقاته‬
‫ومهام رصفها إىل ما ال َيعنيه ومل َيدَّ خر هبا ثواب ًا يف اآلخرة فقد َض َّي َع رأس‬
‫ماله(‪.)1‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫ُيكره تنزهي ًا إن َّ‬
‫قل الكالم فيام يعني‪ ،‬و ُيكره حتري ًام كراهة إساة إن أكثر‬
‫منه‪.‬‬
‫ومن دالئل قبحه‪:‬‬
‫الشارع احلكيم أن ُحسن إسالم املرء ترك ما ال يعنيه‪،‬‬ ‫ما كان من اعتبار َّ‬
‫فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬من ُحسن إس َالم املرء تركه ماال يعنيه»(‪.)2‬‬
‫وكان التكلم فيام اليعني فضل خياف منه الوزر‪ ،‬قال ابن ع َّباس ‪« :‬ال‬
‫تتك َّلم فيام ال َيعنيك‪ ،‬فإنه فضل‪ ،‬وال آمن عليك الوزر‪ ،‬وال تتكلم فيام َيعنيك‬
‫حتى جتدَ له موضع ًا‪ ،‬فإنه ُرب ُمتك ِّلم يف أمر َيعنيه قد وضعه يف غري َموضعه‬
‫فعنت»‪.‬‬
‫وكان حرص الصاحلني يف جماهدة أنفسهم يف ترك ما ال يعني‪ ،‬قال‬
‫مورق العجيل‪َ « :‬أ ٌ‬
‫مر أنا يف طلبه منذ عشين سنة مل أقدر عليه‪ ،‬ولست بتارك‬
‫طلبه‪ ،‬قالوا‪ :‬وما هو قال‪ :‬السكوت عام ال يعنيني»‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬اإلحياء‪.112 :3‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي وقال‪ :‬غريب‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬كام يف املغني‪.113 :2‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪202‬‬
‫وكان النهي من اخلوض فيام ال يعني‪ ،‬قال عمر ‪« :‬ال تتعرض ملا ال‬
‫يعنيك»(‪.)1‬‬
‫ومن صوره‪:‬‬
‫ـ أن جتلس مع قوم‪ ،‬فتذكر هلم أسفارك وما رأيت فيها من جبال‬
‫وأهنار‪ ،‬وما وقع لك من الوقائع‪ ،‬وما استحسنته من األطعمة والثياب‪ ،‬وما‬
‫تعجبت منه من مشايخ البالد ووقائعهم‪ ،‬فهذه أمور لو سكت عنها مل تأثم‬
‫ومل تسترض‪ ،‬وإذا بالغت يف اجلهاد حتى مل يمتزج بحكايتك زيادة وال نقصان‬
‫وال تزكية نفس من حيث التفاخر بمشاهدة األحوال العظيمة‪ ،‬وال اغتياب‬
‫لشخص وال مذمة ليشء مما خلقه اهلل تعاىل‪ ،‬فأنت مع ذلك كله مضيع‬
‫زمانك‪ ،‬وأنى تسلم من اآلفات‪.‬‬
‫مضيع وقتك وقد اجلأت‬‫ٌ‬ ‫ـ أن تسأل غريك عام ال يعنيك‪ ،‬فأنت بالسؤال‬
‫صاحبك أيض ًا باجلواب إىل التضييع‪ ،‬هذا إذا كان اليشء مما يتطرق إىل‬
‫السؤال عنه آفة‪ ،‬وأكثر األسئلة فيها آفات‪ ،‬فإنك تسأل غريك عن عبادته‬
‫صائم‪ ،‬فإن قال‪ :‬نعم كان ُمظهر ًا لعبادته‪ ،‬فيدخل‬
‫ٌ‬ ‫مثالً‪ ،‬فتقول له‪ :‬هل أنت‬
‫عليه الرياء‪ ،‬وإن مل يدخل سقطت عبادته من ديوان الرس‪ ،‬وعبادة الرس‬
‫تفضل عبادة اجلهر بدرجات‪ ،‬وإن قال‪ :‬ال كان كاذب ًا وإن سكت كان‬
‫مستحقر ًا لك‪ ،‬وتأذيت به‪ ،‬وإن احتال ملدافعة اجلواب افتقر إىل جهد وتعب‬
‫للرياء أو للكذب أو لالستحقار أو للتعب يف‬ ‫فيه‪ ،‬فقد عرضته بالسؤال إما ِّ‬
‫حيلة الدفع‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.113 :3‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪203‬‬
‫ـ السؤال عن سائر عباداته‪ ،‬وكذلك سؤالك عن املعايص‪ ،‬وعن كل ما‬
‫خيفيه‪ ،‬ويستحي منه‪.‬‬
‫ـ السؤال عام حدث به غريك فتقول له ماذا تقول وفيم أنت‪.‬‬
‫ـ أن ترى إنسان ًا يف الطريق فتقول‪ :‬من أين فربام يمنعه مانع من ذكره‪،‬‬
‫فإن ذكره تأذى به واستحيا وإن مل يصدق وقع يف الكذب وكنت السبب فيه‪.‬‬
‫ـ السؤال عن مسألة ال حاجة بك إليها واملسئول ربام مل تسمح نفسه بأن‬
‫يقول‪ :‬ال أدري‪ ،‬فيجيب عن غري بصرية‪ ،‬وأمثاله من األسئلة إذا مل يكن فيه‬
‫رضر وهتك سرت وتوريط يف رياء وكذب هو مما ال يعني‪ ،‬وتركه من حسن‬
‫اإلسالم(‪.)1‬‬
‫وخيرج من صور ما ال يعني‪:‬‬
‫أ‪.‬الكالم لغرض صحيح‪ ،‬كام إذا قارنه نية صاحلة مثل دفع التهمة بالكرب‬
‫والعجب بعدم التكلم واحتقار من يف املجلس‪.‬‬
‫ب‪.‬الكالم لدفع املهابة واحلياء حتى يتكلم صاحبه متام مراده من‬
‫االستفتاء وغريه‪.‬‬
‫ج‪.‬الكالم لدفع احلزن عن املحزون واملصاب‪ :‬كمن وقع يف مصادرة‬
‫الظامل وحبسه‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.114 :3‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪204‬‬
‫د‪.‬الكالم لتسلية النساء املفارقات ألهاليهن واملحبوسات يف البيوت‬
‫واملتوحشات بالوحدة والعزلة‪ ،‬وحسن املعارشة معهن‪ ،‬فإن ذلك يوجب‬
‫املؤانسة واأللفة‪ ،‬والصمت ربام يوقع الوحشة والربودة‪.‬‬
‫هـ‪.‬التلطف بالصبيان حلاجتهم له‪ ،‬وألثره الطيب عىل سلوكهم‪.‬‬
‫و‪.‬الكالم لعدم إدراك أمل السفر أو العمل من األعامل الشاقة أو نحو‬
‫ذلك من الدواعي‪.‬‬
‫ويستحب املزاح يف هذه املواضع بشطه املتقدم‪ ،‬وهبذا النيات الصاحلة‬
‫خج عن حد ما ال يعني؛ ألنه حينئذ مثاب‪ ،‬فكل ما ال يعني يستحب تركه(‪.)1‬‬
‫وسببه الباعث عليه‪:‬‬
‫فاحلرص عىل معرفة ما ال حاجة به إليه أو املباسطة بالكالم عىل سبيل‬
‫التودد أو تَزج َية األَوقات بحكايات َأحوال ال فائد َة فيها(‪.)2‬‬
‫وعالجه‪:‬‬

‫كل كلمة‪ ،‬وأن َأن َف َ‬


‫اس ُه‬ ‫مسؤول عن ِّ‬
‫ٌ‬ ‫َأن َيع َل َم َأ َّن املوت بني يديه‪ ،‬وأنه‬
‫َرأ ُس ماله و َأ َّن ل َسا َن ُه َش َب َك ٌة َيقد ُر أن يقتنص هبا احلور العني‪ ،‬فإمهاله ذلك‪،‬‬
‫مبني‪ ،‬هذا عالجه من حيث العلم‪.‬‬
‫وتضييعه خرسان ٌ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الربيقة والطريقة‪.31 :4‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.114 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪205‬‬
‫وأ َّما من حيث العمل‪ ،‬فالعزلة أو أن يضع حصاة يف فيه‪ ،‬وأن يلزم نفسه‬
‫السكوت هبا عن بعض ما َيعنيه حتى َيعتاد اللسان ترك ما ال يعنيه‪ ،‬وضبط‬
‫اللسان يف هذا عىل غري املعتزل شديدٌ جد ًا(‪.)1‬‬
‫* اآلفة السابعة والستون‪ :‬الفضول‪:‬‬
‫وهو الزيادة فيام يعني عىل قدر احلاجة‪.‬‬
‫فالزيادة من قبيل‬ ‫فإذا أمكن أدا ُء املرام بكلامت قليلة‪ ،‬فأتى بزيادة‪ِّ ،‬‬
‫الفضول‪ ،‬فمهام ت ََأ َّدى َمق ُصو ُد ُه بكلمة واحدة‪ ،‬فذكركلمتني‪ ،‬فالثاني ُة ُف ُض ٌ‬
‫ول‪:‬‬
‫أي ٌ‬
‫فضل عن احلاجة(‪.)2‬‬
‫وليس منه التفصيل يف املسائل املشكلة إليضاحها ودفع احتامالهتا‬
‫خصوص ًا لألفهام القارصة والتكرار يف العظة من الوعظ‪ ،‬والتذكري والتعليم‬
‫قرر و ُيكرر عىل حسب حال املتعلم مبتدي ًا أو‬
‫والتدريس‪ ،‬فإن املدرس ُي ِّ‬
‫منتهي ًا(‪.)3‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫ُيكره تنزهي ًا ِّ‬
‫الزياد ُة يف الكالم بال حاجة‪ ،‬و ُيكره حتري ًام كراهة إساءة إن‬
‫الزيادة بإحلاق رضر باآلخرين من إضاعة وقت وإمالل وغريها‪.‬‬
‫بالغ يف ِّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.114 :3‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬اإلحياء‪.114 :3‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الربيقة والطريقة‪.133 :4‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪206‬‬
‫واالختصار عىل قدر إفادة املرام‪ ،‬فال‬
‫ُ‬ ‫جياز‬
‫فيستحب فيام ال حاجة فيه اإل ُ‬
‫يكون عىل وجه خمل لفهمه كالتَّعمية واللغز(‪.)1‬‬
‫ومن دالئل قبحه‪:‬‬
‫ما كان من حرسة اإلنسان إن نشت الصحف يوم القيامة وكان مليئة‬
‫ون ُف ُض َ‬
‫ول‬ ‫بام ال يعني‪ ،‬قال عطا ُء ب ُن أيب رباح‪« :‬إ َّن َمن كان َقب َل ُكم كانوا َيك َر ُه َ‬
‫ون ُف ُض َ‬
‫ول الك ََالم ما عدا كتاب اهلل تعاىل وسنة رسول اهلل‬ ‫الكالم‪ ،‬وكا ُنوا َي ُعد َ‬
‫‪ ‬أو أمر بمعروف أو هني ًا عن منكر أو أن تنطق بحاجتك يف معيشتك التي‬
‫ون َأ َّن عليكم حافظني كرام ًا كاتبني عن اليمني وعن‬ ‫ال ُبد لك منها‪َ ،‬أ ُتنك ُر َ‬
‫الشامل قعيدٌ ما َيلف ُظ من قول إال لديه رقيب عتيد‪َ ،‬أ َما َيستَحي َأ َحدُ ُكم إذا‬
‫شت َصحي َف ُت ُه التي َأم َال َها َصد َر َهناره كان َأك َث ُر ما فيها ليس من أمر دينه‬
‫ُن َ‬
‫وال دنياه»‪.‬‬
‫الصحابة ‪ ‬يتجنون ما يشتهون من الكالم خشية الوقوع يف‬ ‫وكان َّ‬
‫الفضول‪ ،‬فعن بعض الصحابة ‪ ‬قال‪« :‬إن الرجل ليكلمني بالكالم جلوابه‬
‫أشهى إ َّل من املاء البارد إىل الظمآن‪ ،‬فأترك جوابه خيفة أن يكون فضوالً»‪.‬‬
‫غري حمصور‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬الَّ‬ ‫ُ‬
‫والفضول ُ‬ ‫معروف‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وكان املهم من الكالم‬
‫َخ َري يف كَثري ِّمن نَّج َو ُاهم إالَّ َمن َأ َم َر ب َصدَ َقة َأو َمع ُروف َأو إصالَح َب َ‬
‫ني‬
‫النَّاس} [النساء‪.]114:‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الربيقة والطريقة‪.133 :4‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪207‬‬
‫وكان الفضل العظيم ملن ترك الفضول‪ ،‬قال ‪« :‬طوبى ملن أمسك‬
‫َّاس األمر يف‬
‫قلب الن ُ‬
‫الفضل من لسانه وأنفق الفضل من ماله»(‪ ،)1‬فانظر كيف َ‬
‫ذلك‪َ ،‬ف َأم َس ُكوا َ‬
‫فضل املال‪ ،‬و َأط َل ُقوا فضل ال ِّلسان‪.‬‬
‫وكان فضول الكالم من املباهاة‪ ،‬قال عمر بن عبد العزيز‪« :‬إنه ليمنعني‬
‫من كثري من الكالم خوف املباهاة»‪.‬‬
‫وكان الفضول موافقة هوى النفس يف الكالم‪ ،‬قال بعض احلكامء‪« :‬إذا‬
‫كان الرجل يف جملس فأعجبه احلديث فليسكت‪ ،‬وإن كان ساكت ًا فأعجبه‬
‫السكوت فليتكلم»‪.‬‬
‫وكان يف ترك الفضول سالمة‪ ،‬قال يزيد بن أيب حبيب‪« :‬من فتنة العامل‬
‫أن يكون الكالم أحب إليه من االستامع‪ ،‬فإن وجد َمن يكفيه‪ ،‬فإن يف‬
‫االستمتاع سالمة‪ ،‬ويف الكالم تزيني وزيادة ونقصان»‪.‬‬
‫إن َأ َح َّق ما َط َّه َر‬
‫وكان ترك الفضول من تطهري اللسان‪ ،‬قال ابن عمر‪َّ « :‬‬
‫الرجل لسانه»‪ ،‬ورأى أبو الدرداء ‪ ‬امرأ ًة سليط ًة فقال‪« :‬لو كانت هذه‬
‫خرساء كان خري ًا هلا»‪.‬‬
‫وكان الفضول طريق ًا هلالك صاحبه‪ ،‬قال إبراهيم‪« :‬هيلك الناس‬
‫خلتان‪ :‬فضول املال وفضول الكالم‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البغوي وابن قانع والبيهقي من حديث ركب املرصي‪ ،‬وقال ابن عبد الرب‪ :‬إنه‬
‫حديث حسن‪ ،‬وقال البغوي‪ :‬ال أدري سمع من النبي ‪ ‬أم ال‪ ،‬وقال ابن مندة‪ :‬جمهول ال‬
‫نعرف له صحبة‪ ،‬ورواه البزار من حديث أنس ‪ ‬بسند ضعيف‪ ،‬كام يف املغني‪.115 :3‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪208‬‬
‫وسببه الباعث عليه وعالجه ما سبق يف الكالم فيام ال يعني(‪.)1‬‬
‫* اآلفة الثامنة والستون‪ :‬خمالفة مقتىض العقود ‪:‬‬
‫ِ‬
‫املختلفة ُمقتضاها‪ ،‬كأن يشط رشوط ًا ال‬ ‫ِ‬
‫عقوده‬ ‫َ‬
‫خيالف يف‬ ‫وهو أن‬
‫يقتضيها العقد‪ ،‬فيقع يف الفساد والرضر‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫يكره حتري ًام أن يعقد عقود ًا عىل خالف ما تقضتيها العقود الصحيحة‪،‬‬
‫فيقع يف الربا والفساد والرضر‪ ،‬فيمكن أن يكون مسيئ ًا أو أث ًام عىل حسب‬
‫املخالفة الشعية التي وقع فيها‪.‬‬
‫ومعلوم أنه ال غنى لإلنسان عن العقود كالبيع واإلجارة والشكة‬
‫واملضاربة والرهن واهلبة والنكاح والطالق واإليداع واإلعارة ونحوها‪،‬‬
‫فهذه األمور مباحات رشعا يف نفسها‪ ،‬وإن كان بعضها يف بعض احلال‬
‫واجب ًا‪ :‬كالنكاح عند التوقان للقادر عىل النفقة واملهر املعجل؛ ألن ما ال‬
‫يتوسل إىل ترك احلرام إال به يكون فرض ًا ويكون واجب ًا عىل حسبه ‪ ،‬أو سنة‬
‫كهو حال االعتدال ويكره خلوف اجلور‪ ،‬أو مستحب ًا‪.‬‬
‫ولكن الشع اعترب فيه أركان ًا ورشوط ًا جتب رعايتهام عند املبارشة‪ ،‬وإن مل‬
‫يراع تلك األركان والشوط يصري باطالً؛ إذ ركن اليشء جزؤه‪ ،‬فبانتفاء‬
‫اجلزء ينتفي‪ ،‬أو فاسد ًا؛ ألنه إن كان اخللل لذات اليشء فباطل وإن لوصفه‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.115 :3‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪209‬‬
‫ففاسد‪ ،‬أو مكروه ًا فيأثم إن صاحبه ما ييسء‪ ،‬فتكون آفة للسان‪.‬‬
‫وال ُبد لكل من بارش هذه األمور من العقود والفسوخ أو بعضها من‬
‫معرفة أحكامها الشيعة مما حيصل معه عىل غاية السداد والسالمة من اإلثم‬
‫واإلساءة؛ ألنه من علم احلال‪ ،‬وهو فرض عني عىل ِّ‬
‫كل مكلف(‪.)1‬‬
‫* اآلفة التاسعة والستون‪ :‬التقصري يف أداء العبادات القارصة‪:‬‬
‫وحج واعتكاف وذكر‬
‫ٍّ‬ ‫وهو أن ال يؤدي العبادات القارصة من صالة‬
‫وتالوة ودعاء وغريها هبيئتها املرشوعة‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫َحيرم و ُيكره أن ُخي ِّل بأداء العبادات عن اهليئة املشوعة فيها‪ ،‬فال يأت‬
‫بشوطها أو أركاهنا أو واجباهتا أو سننها أو آداهبا‪.‬‬
‫فإن مل تراع أحكامها يكون آث ًام أو مسيئ ًا‪ ،‬فيكون آفة اللسان؛ إذ كل إثم أو‬
‫إساءة صدرت من اللسان فآفة اللسان(‪.)2‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الربيقة والطريقة‪.34 :4‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الربيقة ونالطريقة‪35 :4‬ـ ‪.36‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪210‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪211‬‬

‫املبحث الثالث‬
‫يف آفات اللسان املحظورة سكوت ًا‬
‫* اآلفة السبعون‪ :‬ترك تع ُّلم فرض وواجب قراءة القرآن‪:‬‬
‫ِ‬
‫القراءة وهي آي ٌة‪ ،‬ولواجب القرآءة‪ ،‬وهي‬ ‫وهو أن ال يكون حافظ ًا لفرض‬
‫ٍ‬
‫قصرية‪ ،‬أو أي ُة طويل ٌة بمقدار سورة الكوثر‪.‬‬ ‫وثالث ٍ‬
‫آيات‬ ‫ُ‬ ‫الفاحت ُة‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫حيرم عىل القادر ترك حفظ آية من القرآن يقدر عىل أداء فرض القرآءة يف‬
‫الصالة هبا‪ ،‬وترك حفظ الفاحتة وثالث آيات قصرية يقدره هبا أداء واجب‬
‫الصالة‪ ،‬أما العاجز فيقترص عىل التسبيح‪.‬‬
‫ويفرض حفظ سائر القرآن عىل الكفاية‪.‬‬
‫املسنون واملستحب من‬
‫َ‬ ‫* اآلفة الواحدة والسبعون‪ :‬ترك تع ُّلم‬
‫القراءة يف الصالة‪:‬‬
‫ستحب يف الصالة‪ ،‬وكيفية قراءته‬
‫ُّ‬ ‫سن قراءتُه وما ُي‬ ‫َ‬
‫حفظ ما ُي ُّ‬ ‫وهو أن يتك‬
‫ُمرتالً‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫‪212‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وحكمه‪:‬‬
‫ترك تعلم مقدار املسنون يف الصالة من القراءة‪ ،‬و ُيكره‬‫يكره كراهة إساءة ُ‬
‫الصالة‪.‬‬
‫املستحب قراءته يف َّ‬
‫ِّ‬ ‫تنزهي ًا تعلم مقدار‬
‫و ُيكره إساءة أو تنزهي ًا ترك تعلم أحكام التجويف عىل اخلالف يف تعلمها‬
‫بني السنية واالستحباب‪.‬‬
‫* اآلفة الثانية والسبعون‪ :‬ترك تعلم األذكار والتسابيح يف‬
‫الصالة‪:‬‬
‫وهو أن يتك تعلم صيغ التسابيح والتشهد والصالة والدعاء وأماكنها يف‬
‫الصالة‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫يكره حتري ًام كراهة إثم ترك تعلم التشهد والتحريمة‪.‬‬
‫ويكره حتري ًام كراهة إساءة تعلم التسابيح وأعداده وأماكنها والصالة عىل‬
‫النبي ‪ ‬والدعاء والتكبريات والسالم واالستفتاح والتعوذ وغريها‪.‬‬
‫* اآلفة الثالثة والسبعون‪ :‬ترك األمر باملعروف والنهي عن‬
‫املنكر للقادر‪:‬‬
‫وهو أن يتك األمر باملعروف أو النهي عن املنكر بلسانه‪ ،‬وهو قادر عليه‪،‬‬
‫ال أو هتاون ًا‪.‬‬
‫إما جه ً‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪213‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫حيرم ويكره حتري ًام وتنزهي ًا عىل حسب حال املنكر واملعروف الواقع‪،‬‬
‫واحلكم الواجب هبا‪ ،‬فإن كان واجب ًا جيب األمر هبا‪ ،‬وإن كان حرام ًا جيب‬
‫األمر به‪ ،‬وإن مكروه ًا ُيكره النَّهي عنه‪،‬‬‫ُ‬ ‫النهي عنه‪ ،‬وإن كان مسنون ًا ُيسن‬
‫وإن كان ُمستحب ًا ُيستحب األمر به‪ ،‬وإن كان مكروه ًا تَنزهي ًا ُيكره تَنزهي ًا‬
‫النَّهي عنه‪ٌّ ،‬‬
‫فكل عىل حسب حاله ملن كان قادر ًا عىل األمر باملعروف والنهي‬
‫عن املنكر بال رضر مع مظنة التأخري والتغيري‪ ،‬وال يعذر باجلهل يف دار‬
‫اإلسالم‪ ،‬بل عليه مؤخذتان‪ ،‬مؤاخذة عدم التعلم‪ ،‬ومؤخذة عدم العمل‪.‬‬
‫قال اخلادمي(‪« :)1‬األمر باملعروف تابع للمأمور‪ ،‬فإن واجب ًا‪ ،‬فاألمر‬
‫إن الناس إذا‬‫واجب كفاية‪ ،‬وإن ندب ًا فندب»‪ ،‬فعن أيب بكر ‪ ،‬قال ‪َّ « :‬‬
‫رأوا املنكر ال يغريونه أوشك أن يعمهم اهلل بعقابه»(‪.)2‬‬
‫ورشائط النهي عن املنكر‪:‬‬
‫أ‪.‬أن ال يكون املنهي عنه واقع ًا؛ ألن احلسن هو الذم عىل الواقع ال النهي‬
‫عنه‪.‬‬
‫ب‪.‬أن يغلب عىل ظنه أنه يفعله‪ ،‬كام أن الشارب هتيأ لشب اخلمر بإعداد‬
‫اآللة‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف الربيقة املحمودية‪.38 :4‬‬


‫(‪ )2‬يف سنن ابن ماجة ‪ ،1327 :2‬ومصنف ابن أيب شيبة ‪.504 :7‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪214‬‬
‫ج‪ .‬أن يغلب عىل ظنه أنه إن هناه ال يلحقه مرضة‪ ،‬وال يزيد املنهي عنه‬
‫أيض ًا يف منكراته متعنت ًا به إلنكاره‪.‬‬
‫د‪ .‬أن يغلب عىل ظنه أن هنيه مؤثر ال عبث(‪.)1‬‬
‫* اآلفة الرابعة والسبعون‪ :‬ترك النصح للمسلمني‪:‬‬
‫وهو أن يتك النصيحة للمسلمني مع مظنة فائدهتا‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫الرضر ونرصة الدين‬
‫يكره أن يرتك النصح للمسلمني؛ ملا فيه من رفع َّ‬
‫وإعادة املسلمني إن َظن النَّاصح قبول نصيحته‪ ،‬فعن متيم الداري ‪ ،‬قال‬
‫‪« :‬الدين النصيحة قلنا‪ :‬ملن؟ قال‪ :‬هلل ولكتابه ولرسوله وألئمة املسلمني‬
‫وعامتهم»(‪.)2‬‬
‫قال اخلطايب‪ :‬النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة احلظ للمنصوح له‪،‬‬
‫ومعنى احلديث عامد الدين وقوامه النصيحة كقوله احلج عرفة أي عامده‬
‫ومعظمه عرفة‪.‬‬
‫أما النصيحة هلل تعاىل فمعناها منرصف إىل اإليامن به‪ ،‬ونفي الشيك عنه‬
‫وحقيقة هذه اإلضافة راجعة إىل العبد يف نصح نفسه‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعاىل‬
‫غنى عن نصح الناصح‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الربيقة املحمودية‪.38 :4‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح مسلم‪.74 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪215‬‬
‫وأما النصيحة لكتابه سبحانه وتعاىل‪ ،‬فاإليامن بأنه كالم اهلل تعاىل وتنزيله‬
‫ال يشبهه يشء من كالم اخللق والعمل بمحكمه والتسليم ملتشابه‪.‬‬
‫وأما النصيحة لرسول اهلل ‪ ‬فتصديقه عىل الرسالة واإليامن بجميع ما‬
‫جاء به‪.‬‬
‫وأما النصيحة ألئمة املسلمني فمعاونتهم عىل احلق وطاعتهم فيه‬
‫وأمرهم به واملراد بأئمة املسلمني اخللفاء وغريهم ممن يقوم بأمور املسلمني‬
‫من أصحاب الواليات‪.‬‬
‫وأما نصيحة عامة املسلمني وهم من عدا والة األمور فإرشادهم‬
‫ملصاحلهم يف آخرهتم ودنياهم(‪.)1‬‬
‫* اآلفة اخلامسة والسبعون‪ :‬ترك اإلصالح بني املسلمني‪:‬‬
‫وهو أن يتك اإلصالح بني املسلمني مع القدرة عليه وظنه بتحققه‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫يكره ترك اإلصالح بني الناس مع القدرة عليه عند مظنه حتققه ؛ لرتك‬
‫املعروف بني الناس‪ ،‬وإزالة الضغائن بني املسلمني ورفع األحقاق‪ ،‬وزيادة‬
‫وزا َأو إع َر ً‬
‫اضا َف َ‬
‫ال ُجنَا َح‬ ‫التحاب‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬وإن ام َر َأ ٌة َخا َفت من َبعل َها ُن ُش ً‬
‫َع َليه َام َأن ُيصل َحا َبين َُه َام ُصل ًحا َوالصل ُح َخ ٌري }[النساء‪.]128:‬‬
‫فعن أيب الدرداء ‪ ،‬قال ‪« :‬أال أخربكم بأفضل من درجة الصيام‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬تعليق حممد الباقي‪.74 :1‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪216‬‬
‫والصالة والصدقة؟ قالوا‪ :‬بىل‪ ،‬يا رسول اهلل قال‪ :‬إصالح ذات البني‪ ،‬وفساد‬
‫ذات البني احلالقة»(‪.)1‬‬
‫* اآلفة السادسة والسبعون‪ :‬ترك تعلم علم احلال‪:‬‬
‫وهو أن َ‬
‫يتك تعلم أحكام ما يفرض عليه العمل به يف أحواله املختلفة أو‬
‫يستحب‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫يسن أو‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫حيرم عليه ترك تعلم ما يفرض عليه يف احلال إن كان فرض ًا أو واجب ًا أو‬
‫مكروه ًا أو حرام ًا؛ ألن العمل به واجب أو الرتك له حرام‪ ،‬والعلم فرع‬
‫العمل؛ لقوله ‪« :‬طلب العلم فريضة عىل كل مسلم»(‪.)2‬‬
‫ويكره حتري ًام إساءة أو تنزهي ًا ترك تعلم ما يسن عليه العمل أو ُيستحب؛‬
‫ألن للعلم حكم العمل به‪ ،‬قال ‪َ { :‬ير َفع اهللَُّ ا َّلذي َن آ َمنُوا من ُكم َوا َّلذي َن‬

‫(‪ )1‬يف سنن أيب داود‪ ،280 :4‬وصحيح ابن خزيمة‪.489 :11‬‬
‫(‪ )2‬يف سنن ابن ماجة ‪ ،81 :1‬واملعجم الكبري ‪ ،195 :10‬واملعجم األوسط ‪ ،7 :1‬واملعجم‬
‫الصغري ‪ ،36 :1‬ومسند أيب يعىل ‪ ،223 :5‬ومسند البزار ‪ ،172 :1‬وشعب اإليامن ‪،253 :2‬‬
‫وحلية األولياء ‪ ،323 :8‬قال العراقي‪ :‬صحح بعض األئمة بعض طرقه‪ ،‬وقال املزي‪َّ :‬‬
‫إن‬
‫طرقه تبلغ رتبة احلسن‪ ،‬وحسنه ابن حجر‪ ،‬ومعنى احلديث كام قال البيهقي يف املدخل‪ :‬العلم‬
‫العام الذي ال يسع البالغ العاقل جهله‪ ،‬أو علم ما يطرأ له خاصة‪ ،‬أو املراد أنه فريضة عىل كل‬
‫مسلم حتى يقوم به من فيه الكفاية‪ .‬ينظر‪ :‬كشف اخلفاء‪.654 :2‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪217‬‬
‫ُأو ُتوا العل َم َد َر َجات}[املجادلة‪ ،]11 :‬وعن أيب هريرة ‪ ‬قال ‪« :‬أفضل‬
‫الصدقة أن يتعلم املرء املسلم عل ًام‪ ،‬ثم يعلمه أخاه املسلم»(‪.)1‬‬
‫الزرنوجي‪« :‬اعلم أنَّه ال يفرتض عىل كل مسلم طلب كل علم‪ ،‬وإنَّام‬
‫قال َّ‬
‫طلب علم احلال‪ ،‬بأن يطلب علم ما يقع له يف حاله يف أي حال‬ ‫فرتض عليه ُ‬ ‫ُي ُ‬
‫كان‪ ،‬ف ُيفرتض عليه تعلم ما ال ُبد له من َأحكام الطهارة والصالة مما يقع له‪،‬‬
‫وجيب عليه بقدر ما يؤ ِّدي به الواجب؛ َّ‬
‫ألن ما يتوسل به إىل إقامة الفرض‬ ‫َ‬
‫يكون فرض ًا‪ ،‬وما يتوسل به إىل إقامة الواجب واجب ًا‪ ،‬ومثل ذلك تعلم‬
‫َأحكام الصيام والزكاة إن كان له مال‪ ،‬واحلج إن وجب عليه‪ ،‬وكذلك البيوع‬
‫إن كان يتَّجر‪ ،‬وكذلك يفرض عليه علم َأحوال القلب‪ ،‬من التوكل واإلنابة‬
‫واخلشية والرضا‪ ،‬فإنَّه واقع يف مجيع األحوال»(‪.)2‬‬
‫* اآلفة السابعة والسبعون‪ :‬ترك السالم‪:‬‬
‫ابتداء أو رد ًا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وهو أن يتك السالم‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫يكره كراهة حتريم إساءة أو تنزهي ًا ترك َّ‬
‫السالم عىل اآلخرين من املسلمني‬
‫عىل حسب أحواهلم‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ‬قال ‪« :‬ال تدخلون اجلنة حتى‬

‫(‪ )1‬يف سنن ابن ماجة ‪ ،89 :1‬ويف فيض القدير ‪ :37 :2‬قال املنذري‪ :‬إسناده حسن لو صح‬
‫سامع احلسن منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬نفحات السلوك ص‪.473‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪218‬‬
‫تؤمنوا‪ ،‬وال تؤمنوا حتى حتابوا‪ ،‬أوال أدلكم عىل يشء إذا فعلتموه حتاببتم؟‬
‫أفشوا السالم بينكم»(‪.)1‬‬
‫السالم ملن َس َّلم علينا إن مل يكن صاحب‬ ‫و ُيكره كراهة حتريم إثم ُ‬
‫ترك َر ِّد َّ‬
‫غرض‪ ،‬فإن كان صاحب غرض ومسألة ُكره تَنزهي ًا ُ‬
‫ترك اإلجابة‪ ،‬فعن أيب‬
‫هريرة ‪ ‬قال ‪« :‬مخس جتب للمسلم عىل أخيه‪ :‬رد السالم‪ ،‬وتشميت‬
‫العاطس‪ ،‬وإجابة الدعوة‪ ،‬وعيادة املريض‪ ،‬واتباع اجلنائز»(‪.)2‬‬
‫قال اخلادمي(‪« :)3‬ال ُي َس ِّل ُم عىل َمن ُيدَ ِّر ُس‪ ،‬وال َمن ُي َع ِّل ُم القرآن ولو َس َّلم‬
‫الرد‪ ،‬ولو رد جاز‪ ،‬وكذا ال يسلم عىل القارئ‬
‫يف هذه الصور ال جيب َّ‬
‫والذاكر‪ ،‬وال حال اخلطبة‪ ،‬وال جيوز الرد إن سلم‪ ،‬وال عىل من يبول أو‬
‫يتغوط‪ ،‬فإن سلم يرد بقلبه فقط‪ ،‬وال عىل املصيل وال عىل الشيخ املامزح‬
‫والكذاب والالغي وال عىل السباب وغريها»‪.‬‬

‫وقال احلصكفي(‪« :)4‬فرض الكفاية‪ :‬إن قام به البعض سقط عن الباقني‪،‬‬


‫فيجب رد جواب كتاب التحية كرد السالم‪ ،‬ولو قال آلخر‪ :‬أقرئ فالن ًا‬
‫السالم جيب عليه ذلك‪ ،‬ويكره السالم عىل الفاسق لو معلن ًا‪ ،‬وإال ال يكره‪،‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح مسلم ‪.74 :1‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح مسلم‪ ،1704 :4‬وصحيح ال ُبخاري‪ ،418 :1‬وسنن الرتمذي ‪.80 :5‬‬
‫(‪ )3‬يف الربيقة املحمودية‪.38 :4‬‬
‫(‪ )4‬يف الدر املختار ‪.415-414 :6‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪219‬‬
‫كام ُيكره عىل عاجز عن الرد حقيقة‪ :‬كآكل‪ ،‬أو رشع ًا‪ :‬كمصل وقارئ‪ ،‬ولو‬
‫سلم ال يستحق اجلواب»‬
‫* اآلفة الثامنة والسبعون‪ :‬ترك التشميت للحامد‪:‬‬
‫وهو أن يتك تشيمت العاطس مع محد هلل تعاىل بعدها‪.‬‬

‫والسنة يف حق العاطس أن يقول‪ :‬احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬أو عىل كل‬


‫حال‪ ،‬وملن حرض أن يقول‪ :‬يرمحك اهلل‪ ،‬فريد عليه العاطس فيقول‪ :‬يغفر اهلل‬
‫لك أو هيديك‪ ،‬وإذا عطست املرأة فال بأس بتشميتها إال أن تكون شابة‪ ،‬وإذا‬
‫عطس الرجل فشمتته املرأة فإن كانت عجوز ًا يرد عليها‪ ،‬وإن كانت شاب ًة يرد‬
‫يف قلبه(‪.)1‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫يكره كراهة حتريم إثم ترك التشميت للعاطس إن محد اهلل تعال؛ ألنه‬
‫التشيت واجب عىل الكفاية‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ‬قال ‪« :‬إذا عطس َأحدكم‬
‫فليقل‪ :‬احلمد هلل‪ ،‬وليقل له أخوه أو صاحبه‪ :‬يرمحك اهلل‪ ،‬فإذا قال له‪ :‬يرمحك‬
‫اهلل‪ ،‬فليقل‪ :‬هيديكم اهلل ويصلح بالكم»(‪.)2‬‬
‫وأما إذا مل يكن التشميت واجب ًا كام يف حال اخلطبة أو العاطس شابة‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬البحر الرائق ‪.236 :8‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح البخاري‪.2298 :5‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪220‬‬
‫أجنبية فال يأيت به(‪ ،)1‬فعن أنس ‪ ،‬قال‪« :‬عطس رجالن عند النبي ‪‬‬
‫فشمت أحدُ مها ومل يشمت اآلخر‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬شمت هذا ومل‬ ‫َّ‬
‫تشمتني‪ ،‬قال ‪َّ :‬‬
‫إن هذا محد اهلل ومل حتمد اهلل»(‪.)2‬‬

‫* اآلفة التاسعة والسبعون‪ :‬ترك االستئذان‪:‬‬


‫وهو أن يتك االستئذان يف دخول دار غريه‪.‬‬

‫وحكمه‪:‬‬
‫يكره حتري ًام كراهة إثم ترك االسئذان يف الدخول لغري داره‪ ،‬ولو دار أخ‬
‫أو صديق‪ ،‬ما مل يكن مكان ًا يؤذن للدخول به للناس كاألماكن العامة‬
‫واألماكن التجارية وأمثاهلا‪.‬‬

‫قال تعاىل‪َ { :‬يا َأ َهيا ا َّلذي َن آ َمنُوا الَ تَد ُخ ُلوا ُب ُيوتًا َغ َري ُب ُيوت ُكم}[النور‪]27 :‬‬
‫التي تسكنوهنا‪ ،‬فإن األجري واملعري ال يدخالن إال بإذن‪َ { ،‬حتَّى تَستَأن ُسوا}‬
‫[النور‪ ]27 :‬تستأذنوا { َو ُت َس ِّل ُموا َع َىل َأهل َها} [النور‪ ]27 :‬بأن تقولوا‪:‬‬
‫السالم عليكم أأدخل‪ ،‬ويقول ذلك ثالث ًا‪ ،‬فإن أذن له دخل‪ ،‬وإال رجع‬
‫{ َذل ُكم َخ ٌري َّل ُكم} [النور‪.)3(]27 :‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الربيقة والطريقة‪.41 :4‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح البخاري‪.2298 :5‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الربيقة املحمودية‪.43 :4‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪221‬‬
‫فعن أيب موسى األشعري ‪ ،‬قال ‪« :‬االستئذان ثالث‪ ،‬فإن أذن لك‬
‫فادخل‪ ،‬وإال فارجع»(‪.)1‬‬
‫* اآلفة الثامنون‪ :‬ترك كالم الوالدين واملحارم‪:‬‬
‫وهو أن يتك الكالم مع الوالدين وسائر حمارمه‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫حيرم عليه ترك الكالم مع والديه وحمارمه؛ ألن جيب عليه خدمتهم‬
‫والقيام بواجبهم‪ ،‬ويف ترك كالمه حمارمه قطع للرح‪ ،‬وهو مأمورن بوصلها‪،‬‬
‫اك َعىل َأن ُتش َك يب َما َلي َس َل َك به عل ٌم َف َ‬
‫ال ُتطع ُه َام‬ ‫اهدَ َ‬
‫قال تعاىل‪َ { :‬وإن َج َ‬
‫َو َصاحب ُه َام يف الدن َيا َمع ُرو ًفا}[لقامن‪ ،]15:‬وقال تعاىل‪َ { :‬و ُأو ُلو األَر َحام‬
‫َبع ُض ُهم َأو َىل ب َبعض يف كتَاب اهللَّ}[األحزاب‪.]6:‬‬
‫فعن أنس ‪ ،‬قال ‪« :‬من رسه أن يبسط له يف رزقه‪ ،‬أو ينسأ له يف أثره‪،‬‬
‫فليصل رمحه»(‪.)2‬‬
‫وعن أيب أيوب ‪ ‬أن رجال قال‪« :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أخربين بعمل يدخلني‬
‫اجلنة‪ ،‬فقال القوم‪ :‬ما له ما له؟ فقال رسول اهلل ‪ :‬أرب ما له‪ ،‬فقال النبي‬
‫‪« :‬تعبد اهلل ال تشك به شيئ ًا‪ ،‬وتقيم الصالة‪ ،‬وتؤيت الزكاة‪ ،‬وتصل الرحم‪،‬‬
‫ذرها‪ ،‬قال‪ :‬كأنه كان عىل راحلته»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح مسلم‪.1403 :5‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح البخاري‪.56 :3‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح البخاري‪.5 :8‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪222‬‬
‫اآلفة احلادية والثامنون‪ :‬ترك إنقاذ املحتاج بالقول‪:‬‬
‫وهو أن يتك إنقاذ ختليص املظلوم باألمر أو الشفاعة بالقول عند القدرة‬
‫بأن ال خياف من رضره لنفسه أو لغريه ألجله(‪.)1‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫حيرم االمتناع عن إنقاض غريه إن كان قادر ًا عليه بال رضر يلحقه فيام‬
‫يكون فيه رضره كبري عىل غريه كقتل له أو أخذ ماله أو حبسه أو أمثاله‪.‬‬
‫اآلفة الثانية والثامنون‪ :‬ترك الشهادة والتزكية‪:‬‬
‫وهو أن يتك الشهادة أو التزكية إن تعني مع القدرة عليها‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫حيرم ترك الشهادة أو التزكية ملن تعني هلا مع القدرة عليها إن مل يكن‬
‫يلحقه رضر بسببها‪.‬‬
‫وإن مل يكن سواه أو كانوا ولكن ممَّن ال يظهر احلق بشهادهتم عند‬
‫القايض أو كان يظهر إال أن شهادته َأرسع قبوالً ال يسعه االمتناع(‪ ،)2‬وإذا‬
‫خاف الشاهد عىل نفسه من سلطان جائر أو غريه أو مل يتذكر الشهادة عىل‬
‫وجهها وسعه االمتناع(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬طريقة حممدية‪4‬ك ‪.35‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬اجلوهرة‪.224 :2‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬رد املحتار‪58 :7‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪223‬‬
‫قال تعاىل‪َ { :‬والَ َيأ َب الش َهدَ اء إ َذا َما ُد ُعوا}[البقرة‪ ،]282:‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫{ َوالَ تَك ُت ُموا َّ‬
‫الش َها َد َة َو َمن َيك ُتم َها َفإ َّن ُه آث ٌم َقل ُب ُه َواهللُ ب َام تَع َم ُل َ‬
‫ون‬
‫َعليم}[البقرة‪ ،]283:‬وهذا وإن كان هني ًا عن اإلباء وعن الكتامن‪ ،‬لكن‬
‫النهي عن اليشء يكون أمر ًا بضدِّ ه إذا كان له ضد واحد؛ َّ‬
‫ألن االنتها َء ال‬
‫يكون إال باالشتغال به‪ ،‬فكان أدا ُء الشهادة فرض ًا قطع ًا كفريضة االنتهاء عن‬
‫الكتامن‪ ،‬فصار كاألمر به بل آكد؛ وهلذا أسند اإلثم إىل اآللة التي َو َق َع هبا‬
‫الفعل وهي القلب؛ ألن إسنا َد الفعل إىل حم ِّله أقوى من إسناده إىل كله(‪.)1‬‬
‫اآلفة الثالثة والثامنون‪ :‬ترك تعظيم اسم اهلل تعاىل‪:‬‬
‫وهو أن يتك ما يوجب تعظيم اسم اهلل تعاىل بقوله‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫ُيكره تنزهي ًا ترك تعظيم اسم اهلل تعاىل بمثل سبحان أو تبارك اهلل ونحومها‬
‫مما يدل عىل التعظيم نحو جل وعز عند سامعه‪ ،‬فإنه مستحب كلام سمع اس ًام‬
‫من أسامء اهلل تعاىل باالتفاق‪.‬‬
‫قال ال َب َّزازي‪ :‬ويستحب أن يقول قال اهلل تعاىل‪ ،‬وال يقول قال اهلل بال‬
‫تعظيم‪ ،‬وبال إرداف وصف صالح للتعظيم(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬التبيني‪.207 :4‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الربيقة والطريقة‪.54 :4‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪224‬‬
‫* اآلفة الرابعة والثامنون‪ :‬ترك السؤال للعاجز عن الكسب‪:‬‬
‫وهو أن يتك العاجز عن قوت يومه سؤال غريه ما يكفيه‪.‬‬
‫وحكمه‪:‬‬
‫حيرم عىل َمن مل يملك قوت يومه أن ال يطلب من غريه ما يكفيه إن خيش‬
‫اهلالك؛ ألنَّه يفرتض عىل كل مؤمن أن يدفع اهلالك عن نفسه ما أمكنه ولو‬
‫كان بالسؤال(‪.)1‬‬
‫والسؤال للعاجز عن الكسب عند املخمصة فرض عليه؛ ألنه آخر‬
‫الكسب‪ ،‬ولو عجز عن اخلروج بنفسه ألجل السؤال لنحو عدم االستطاعة‪،‬‬
‫يفرتض عىل كل من علم أن يعطيه بقدر ما يتقوى عىل الطاعة‪ ،‬فإن مل جيد‬
‫العامل بحاله ما يعطيه قدر ما يتقوى عليها لعدم قدرته‪ ،‬يفرتض عليه أن خيرب‬
‫ملن يقدر عىل إعطائه(‪.)2‬‬
‫وباجلملة السكوت عن كل كالم وجب أو سن حرام يف الواجب أو‬
‫مكروه يف املسنون‪ ،‬فإنه آفة اللسان وصاحبه شيطان أخرس(‪.)3‬‬
‫فظهر مما ذكر أن أمر اللسان نطق ًا وسكوت ًا من أعظم األمور وأمهها؛ ملا‬
‫فيه الورطات وكثرة اآلفات ووفرة االبتالء يف املحاورات‪ :‬كالقلب يف‬

‫(‪)1‬ينظر‪ :‬رشح ابن ملك ق‪/123‬ب‪.‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الطريقة املحمدية‪.46 :4‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الربيقة والطريقة‪.46 :4‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪225‬‬
‫التشبيه يف أصل الكثرة أو يف القوة‪ ،‬وإال فام باللسان أكثر مما بالقلب؛ لكوهنام‬
‫من األمور املعظمة‪ ،‬قيل‪ :‬إنام كامل املرء بأصغريه جرم ًا وصورة؛ القلب‬
‫بتخليته عن مجيع الرذائل وحتليته بحسن الشامئل‪ ،‬واللسان بحفظه عن‬
‫اهلفوات واآلفات املروية وتعوده بام يوجب مرضاة رب الربية‪.‬‬
‫فعليك أهيا السالك بصيانة اللسان عن مجيع هذه اآلفات‪ ،‬حتى ال يصدر‬
‫عنك يشء منها؛ إذ ال تقوى بدون صيانة اللسان‪ ،‬وإن كان وجودها يتوقف‬
‫عىل غريها‪ ،‬وخصوص ًا كلمة الكفر‪ ،‬وقرينيه ومها خوف الكفر واخلطأ‪.‬‬
‫وأما الكذب والغيبة فهام يف آفات اللسان كالرياء والكرب يف آفات القلب‬
‫يف أهنا أمهات اخلبائث ومنبع الرذائل‪ ،‬فكام أن من نجا من الكرب والرياء بعد‬
‫النجاة من الكفر والبدعة‪ ،‬يرجى أن ينجو من سائر آفات القلب‪ ،‬فكذلك‬
‫يرجى هاهنا أيض ًا أن َمن نجا من الكذب والغيبة بالكلية بعد النجاة من‬
‫تلفظ الكفر وقرينيه أن ينجو من سائر آفات اللسان بإذن اهلل تعاىل وتوفيقه(‪.)1‬‬
‫جمامع آفات ال ِّلسان‪ ،‬وال ُيعينك عليه إال ال ُعزلة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫قال ال َغزال(‪« :)2‬هذه‬
‫الرضورة‪ ،‬فإن «عمر بن اخلَطاب ‪ ‬دخل عىل‬
‫الصمت إال بقدر َّ‬
‫أو مالزمة َّ‬
‫الصديق ‪ ‬وهو جيبذ لسانه‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬مه‪ ،‬غفر اهلل لك‪ ،‬فقال‬
‫أيب بكر ِّ‬
‫أبو بكر‪ :‬إن هذا أوردين املوارد»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الطريقة املحمدية والربيقة املحمودية‪.49 :4‬‬


‫(‪ )2‬يف بداية اهلداية ص‪.56‬‬

‫)‪ (3‬يف املوطأ‪.1438 :5‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪226‬‬
‫فاحرتز منه بجهدك‪ ،‬فإنه أقوى أسباب هالكك يف الدنيا واآلخرة»‪ ،‬فعن‬
‫الصفا فأخذ بلسانه فقال‪« :‬يا لسان‪ ،‬قل خري ًا‬
‫ابن مسعود ‪ ،‬أنه ارتقى َّ‬
‫تغنم‪ ،‬واسكت عن رش تَسلم من قبل أن تندم‪ ،‬قال ‪ :‬أكثر خطايا ابن آدم‬
‫يف لسانه»(‪.)1‬‬

‫‪‬‬

‫)‪ (1‬يف املعجم الكبري‪ ،197 :10‬ومسند الشايش‪ ،82 :2‬قال العراقي يف املغني‪« :110 :3‬أخرجه‬
‫ابن أيب الدنيا يف الصمت والبيهقي يف الشعب بسند حسن»‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪227‬‬

‫الفصل الثاين‬
‫وظائف اللسان‬

‫ويشتمل عىل مبحثني‪:‬‬


‫املبحث األول‪ :‬ما يتعلق بالذكر‬
‫املبحث الثاين‪ :‬ما يتعلق بالكالم‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪228‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪229‬‬

‫املبحث األول‬
‫ما يتعلق بالذكر‬
‫إن ِّ‬
‫الذكر بأنواعه الثالثة من قراءة القرآن وأداء األذكار ودعاء رب‬
‫األرباب هي الوظائف احلقيقية هلذا اللسان‪ ،‬وال ينبغي لوظيفة ُأخرى أن‬
‫نفسه وسار يف طريقه‬
‫تطغى عليها‪ ،‬بل هي احلال الدَّ ائم للسان ملن جاهد َ‬
‫مصريه ومبتغاه‪ ،‬وهذا ما وصف اهللُ تعاىل به املؤمنني واملؤمنات‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وعرف‬
‫الذاك َرات َأعَدَّ اهللَُّ َهلُم َّمغف َر ًة َو َأج ًرا َعظ ًيام}‬
‫الذاكري َن اهللََّ كَث ًريا َو َّ‬
‫فقال‪َ { :‬و َّ‬
‫[األحزاب‪.]35:‬‬
‫فمن أكثر‬
‫أنجع الوسائل لتهذيب النَّفس وختليصها من شوائبها‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫وهي‬
‫الذكر َص َفت نف ُسه‪ ،‬و َم َلك فع َله‪.‬‬
‫ائم إال باملجاهدة الكبرية‪ ،‬واملصاحبة املديدة‬
‫كر الدَّ ُ‬ ‫وال يتح َّق ُق ِّ‬
‫الذ ُ‬
‫وطريق املسرتشدين‪.‬‬
‫ُ‬ ‫للعارفني‪ ،‬فهي ُ‬
‫سبيل املؤمنني‬
‫الذكر يف مطالب راغبني توضيحها‬‫نعرض أنواع ِّ‬
‫ُ‬ ‫ويف هذا املبحث‬
‫وبيان فضلها وطرق كسبها وصور ًا منها؛ لتكون بصري ًة َّ‬
‫للسالكني لطريق‬
‫َرب العاملني‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪230‬‬
‫املطلب األول‪ :‬قراءة القرآن‪:‬‬
‫القرآن رأس الذكر وأساسه‪ ،‬ونصح اهلل تعاىل لعباده‪ ،‬وال ينبغي عاقل‬
‫أن هيجره؛ ألن ابتعده عن مرشده ومنقذه‪ ،‬فهو أعظم نافذة ملن أراد أن يبرص‬
‫الدنيا‪ ،‬ويتعرف عىل حقيقتها‪ ،‬وينظر اآلخرة فيتعلق ببهجتها وخياف نارها‪،‬‬
‫ويفهم الكون ونواميسه‪ ،‬ويتأمل يف غايته ومقصده‪ ،‬فهو نور العقول وحياة‬
‫القلوب؛ لذلك أمرنا سبحانه أن نفارقه وأن نقرأه لنتعض به‪ ،‬فقال تعاىل‪:‬‬
‫رس م َن ال ُقرآن}[املزمل‪. ]20:‬‬
‫{ َفاق َر ُؤوا َما َت َي َّ َ‬
‫الر ُس ُ‬
‫ول‬ ‫وهنانا سبحانه وتعاىل أن نرتكه وهنجره‪ ،‬فقال تعاىل‪َ { :‬و َق َال َّ‬
‫ورا}[الفرقان‪ ، ]30:‬فنهلك يف‬ ‫َي َار ِّب إ َّن َقومي َّاخت َُذوا َه َذا ال ُقر َ‬
‫آن َمه ُج ً‬
‫مزالق الدنيا‪ ،‬وتتمكن شهواهتا من نفوسنا‪ ،‬و ُيسيطر متا ُعها عىل قلوبنا‪ ،‬فال‬
‫نبرص احلق‪ ،‬وال ننكر الباطل‪ ،‬فيكون الضالل والضياع نَصيبنا‪.‬‬
‫وسعي ًا للنَّجاة نعرض ما يتع َّلق باللسان يف نقاط‪:‬‬
‫وحذر ًا من اهلالك َ‬
‫َ‬
‫أوالً‪ :‬فضل تالوة القرآن‪:‬‬
‫ورد يف فضل قراءة القرآن ما ال حيىص من اآلحاديث واآلثار‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫ما كان من أن قارئ القرآن صاحب رائحة طيبة تفوح يف كل مكان‪،‬‬
‫فعن أيب موسى األشعري ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :‬مثل املؤمن الذي يقرأ‬
‫القرآن كمثل األترجة؛ رحيها طيب وطعهام طيب‪ ،‬ومثل املؤمن الذي ال يقرأ‬
‫القرآن كمثل التمرة؛ ال ريح هلا وطعمها حلو‪ ،‬ومثل املنافق الذي يقرأ القرآن‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪231‬‬
‫مثل الرحيانة؛ رحيها طيب وطعهام ُم ٌّر‪ ،‬ومثل املنافق الذي ال يقرأ القرآن‬
‫كمثل احلنظلة؛ ليس هلا ريح وطعمها مر» ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وكان الوعد لقارئه أن ال يعذب‪ ،‬قال أبو أمامة الباهيل ‪« :‬اقرءوا‬


‫القرآن‪ ،‬وال تغرنكم هذه املصاحف املعلقة‪ ،‬فإن اهلل ال يعذب قلب ًا هو وعاء‬
‫للقرآن»‪.‬‬

‫وكان قارئه حامل لصفات النبوة‪ ،‬قال عمرو بن العاص ‪َ « :‬من َق َر َأ‬
‫آن فقد ُأدر َجت الن ُب َّو ُة بني جنبيه إال أنه ال يوحى إليه»‪.‬‬
‫ال ُقر َ‬

‫وكان البيت املقروء فيه ميلء باخلري واملالئكة‪ ،‬قال أبو هريرة ‪« :‬إن‬
‫البيت الذي يتىل فيه القرآن اتسع بأهله‪ ،‬وكثر خريه وحرضته املالئكة‪،‬‬
‫وخرجت منه الشياطني»(‪.)2‬‬

‫ومن هذا الفضل‪:‬‬

‫‪.‬ارتفاع منزلة من تعلم القرآن‪ ،‬فعن عائشة ريض اهلل عنها‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫‪1‬‬
‫الربرة‪ ،‬والذي يقر ُأ القرآن‬
‫السفرة الكرام َ‬
‫ماهر به مع َّ‬
‫«الذي يقرأ القرآن وهو ٌ‬
‫وهو َيتتعتع فيه ‪ ،‬وهو عليه ٌّ‬
‫شاق له أجران»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري رقم ‪ 5111‬ومسلم رقم ‪.797‬‬


‫(‪ )2‬هذا اآلثار منقولة من إحياء علوم الدين‪.274 :1‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح البخاري‪ ،166 :5‬وصحيح مسلم‪.549 :1‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪232‬‬
‫‪.2‬عظم آجر من يتلو القرآن‪ ،‬فعن ابن عمرو ‪ ،‬قال ‪« :‬يقال‬
‫لصاحب القرآن‪ :‬اقرأ وارق ورتل كام كنت ترتل يف الدنيا‪ ،‬فإن منزلتك عند‬
‫آخر آية تقرؤها»(‪.)1‬‬
‫‪.3‬شفاعة القرآن ملن يقرأه‪ ،‬فعن أيب أمامة الباهيل ‪ ،‬قال ‪« :‬اقرؤوا‬
‫القرآن فإنه يأيت يوم القيامة شفيع ًا ألصحابه»(‪.)2‬‬
‫‪.4‬قراءة القرآن تغني عن السؤال هلل تعاىل‪ ،‬فعن أيب سعيد ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫«يقول ‪َ :‬من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي‬
‫السائلني‪ ،‬وفضل كالم اهلل ‪ ‬عن سائر الكالم كفضل اهلل تعاىل عىل‬
‫َّ‬
‫خلقه»(‪.)3‬‬
‫‪.5‬ينتفع الوالدان بقراءة القرآن والعمل به‪ ،‬فعن أنس اجلهني ‪ ،‬قال‬
‫‪« :‬من قرأ القرآن وعمل بام فيه ألبس اهلل والديه تاج ًا يوم القيامة‪،‬‬
‫ضوؤه أحسن من ضوء الشمس يف بيوت الدنيا‪ ،‬فام ظنكم بالذي عمل‬
‫هبذا»(‪.)4‬‬
‫‪.6‬القرآن حبل اهلل املتني وميزان احلق‪ ،‬فعن ابن مسعود ‪ ،‬قال ‪:‬‬

‫(‪ )1‬يف سنن أيب داود‪ ،73 :2‬وسنن الرتمذي‪ ،177 :5‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪ ،‬وصحيح ابن حبان‪:3‬‬
‫‪ ،43‬ومسند أمحد‪.403 :11‬‬
‫(‪ )2‬يف صحيح مسلم‪.533 :1‬‬
‫(‪ )3‬يف سنن الرتمذي‪ ،184 :5‬قال‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫(‪ )4‬يف سنن أيب داود‪ ،70 :2‬واملستدرك‪ ،756 :1‬وصححه‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪233‬‬
‫«إن هذا القرآن مأدبة اهلل ‪ ،‬فاقبلوا من مأدبته ما استطعتم‪ ،‬إن هذا القرآن‬
‫حبل اهلل ‪ ،‬والنور املبني‪ ،‬والشفاء النافع عصمة ملن متسك به‪ ،‬ونجاة ملن‬
‫تبعه‪ ،‬ال يزيغ فيستعتب‪ ،‬وال يعوج فيقوم‪ ،‬وال تنقيض عجائبه‪ ،‬وال خيلق من‬
‫كثرة الرد»(‪.)1‬‬
‫‪.7‬ال حتاسد يف تعلم القرآن‪ ،‬فعن ابن عمر ‪ :‬قال ‪ « :‬ال حسد‬
‫إال يف اثنتني‪ :‬رجل آتاه اهلل القرآن‪ ،‬فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار‪،‬‬
‫ورجل آتاه اهلل ماالً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار»(‪.)2‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬من آداب القرآءة‪:‬‬
‫‪.1‬أن يكون حيافظ عىل ورده اليومي من القرآن‪:‬‬
‫فعن عمر ‪ ‬قال ‪َ « :‬من نام عن حزبه من الليل أو عن يشء منه‪،‬‬
‫فقرأه ما بني صالة الفجر وصالة الظهر ُكتب له كأنه قرأه من الليل»(‪.)3‬‬
‫وعن سليامن بن يسار‪ ،‬قال أبو أسيد ‪« :‬نمت البارحة عن وردي‬
‫حتى أصبحت‪ ،‬فلام أصبحت اسرتجعت‪ ،‬وكان وردي سورة البقرة فرأيت‬
‫يف املنام كأن بقرة تنطحني»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬يف املستدرك ‪ ،741 :1‬وصححه‪ ،‬وأثبت لفظه من املستدرك ال من الدارمي كام يف النووي‪.‬‬
‫(‪ )2‬يف صحيح البخاري‪ ،164 :9‬وصحيح مسلم‪.558 :1‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح مسلم‪ ،515 :1‬ومسند البزار‪.428 :1‬‬
‫(‪ )4‬يف املنامات البن أيب الدنيا ص‪ ،98‬واملجالسة وجواهر العلم‪ ،85 :7‬وقال النووي‪ :‬رواه ابن‬
‫أيب داود‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪234‬‬
‫وعن بعض حفاظ القرآن أنه نام ليل ًة عن حزبه فأري يف منامه كأن‬
‫قائال يقول له‪:‬‬
‫َعجب ُت من جسم َومن ص َّحة ‪َ ...‬ومن َفتًى نَا َم إ َىل ال َفجر‬
‫املو ُت َال ُتؤ َمن َخ َط َفا ُت ُه ‪ ...‬يف ُظ َلم ال َّليل إ َذا َيرسي‬
‫(‪)1‬‬ ‫َف َ‬
‫وللقراء عادات خمتلفة يف االستكثار واالختصار‪ ،‬فمنهم من خيتم القرآن‬
‫يف اليوم والليلة مرة‪ ،‬وبعضهم مرتني‪ ،‬وانتهى بعضهم إىل ثالث‪ ،‬ومنهم من‬
‫خيتم يف الشهر مرة‪ ،‬وأوىل ما يرجع إليه يف التقديرات؛ ملا روي عن بن عمرو‬
‫‪ ‬قال ‪« :‬ال يفقه َمن قرأ القرآن يف أقل من ثالث»(‪.)2‬‬
‫السلف‬
‫قال النَّووي(‪« :)3‬ينبغي أن حيافظ عىل تالوته ويكثر منها‪ ،‬وكان َّ‬
‫عادات خمتلف ٌة يف قدر ما خيتمون فيه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪ ‬هلم‬
‫فمن كان يظهر له‬ ‫واالختيار أن ذلك خيتلف باختالف األشخاص‪َ ،‬‬
‫بدقيق الفكر لطائف ومعارف‪ ،‬فليقترص عىل قدر ما حيصل له كامل فهم ما‬
‫يقرؤه‪ ،‬وكذا َمن كان مشغوالً بنش العلم أو غريه من مهامت الدين ومصالح‬
‫املسلمني العامة‪ ،‬فليقترص عىل قدر ال حيصل بسببه إخالل بام هو مرصد له‪،‬‬
‫وإن مل يكن من هؤالء املذكورين‪ ،‬فليستكثر ما أمكنه من غري خروج إىل حد‬
‫امللل واهلذرمة»‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬خمترصقيام الليل‪.105 :1‬‬


‫(‪ )2‬يف سنن أيب داود‪ ،54 :2‬وصححه النووي‪ ،‬وصحيح ابن حبان‪ ،35 :3‬ومسند أمحد‪.389 :11‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬التبيان ص‪154‬ـ ‪.161‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪235‬‬
‫‪.2‬البكاء‪:‬‬
‫وهو يف حال القراءة صفة العارفني‪ ،‬وشعار عباد اهلل الصاحلني‪ ،‬قال اهلل‬
‫ون َو َيزيدُ ُهم ُخ ُشو ًعا}[اإلرساء‪ ،]109:‬وقد‬ ‫ون ل َ‬
‫ألذ َقان َيب ُك َ‬ ‫تعاىل‪َ { :‬و َخير َ‬
‫وردت فيه أحاديث كثرية وآثار السلف‪ ،‬فعن سعد بن أيب وقاص ‪ ،‬قال‬
‫‪« :‬اقرؤوا القرآن وابكوا‪ ،‬فإن مل تبكوا فتباكوا»(‪.)1‬‬
‫وعن عمر ‪« :‬أنه صىل باجلامعة الصبح فقرأ سورة يوسف‪،‬‬
‫فبكى حتى سالت دموعه عىل ترقوته»(‪.)2‬‬
‫وعن أيب صالح‪« :‬قدم ناس من أهل اليمن عىل أيب بكر الصديق ‪،‬‬
‫الصديق ‪ :‬هكذا كنا»(‪.)3‬‬
‫فجعلوا يقرؤون القرآن ويبكون‪ ،‬فقال أبو بكر ِّ‬
‫مستحب مع القراءة وعندها‪ ،‬وطريقه يف حتصيله‬
‫ٌ‬ ‫قال ال َغ َزال(‪« :)4‬البكاء‬
‫أن حيرض قلبه احلزن‪ ،‬بأن يتأمل ما فيه من التَّهديد والوعيد الشديد‪ ،‬واملواثيق‬
‫والعهود‪ ،‬ثم يتأمل تقصريه يف ذلك‪ ،‬فإن مل حيرضه حزن وبكاء‪ ،‬كام حيرض‬
‫اخلواص‪ ،‬فليبك عىل فقد ذلك‪ ،‬فإنه من أعظم املصائب»‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف مسند سعد بن أيب وقاص ص‪ ،214‬مسند القضاعي‪ ،208 :2‬وقال العراقي يف املغني‪:2‬‬
‫‪ :277‬أخرجه ابن ماجه بإسناد جيد‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬التبيان ص‪.86‬‬
‫(‪ )3‬يف املنتقى من سامعات حممد بن عبد الرحيم املقديس‪.11 :1‬‬
‫(‪ )4‬يف إحياء علوم الدين ‪ ،277 :1‬باختصار‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪236‬‬
‫‪.3‬املحافظة عىل القراءة بالليل‪:‬‬
‫ينبغي أن يكون اعتناؤه بقراءة الليل أكثر‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ { :‬لي ُسوا‬
‫َس َواء ِّمن َأهل الكتَاب ُأ َّم ٌة َقآئ َم ٌة َيت ُل َ‬
‫ون آ َيات اهلل آنَاء ال َّليل َو ُهم َيس ُجدُ ون‪.‬‬
‫املع ُروف َو َين َهو َن َعن ُاملنكَر َو ُي َسار ُع َ‬
‫ون‬ ‫ون ب َ‬
‫ون باهلل َوال َيوم اآلخر َو َيأ ُم ُر َ‬
‫ُيؤمنُ َ‬
‫الصاحلني}[آل عمران‪.]114:‬‬ ‫يف اخلَ َريات َو ُأو َلـئ َك م َن َّ‬
‫فعن حفصة ريض اهلل عنها‪ ،‬قال ‪« :‬نعم الرجل عبد اهلل لو كان‬
‫ُيصيل من الليل»‪ ،‬فكان بعد ال ينام من الليل إال قلي ً‬
‫ال(‪.)1‬‬
‫وعن سهل بن سعد ‪ ،‬قال جربيل ‪ ‬للنبي ‪ « :‬يا حممد‪ ،‬رشف‬
‫املؤمن قيام الليل‪ ،‬وعزه استغناؤه عن الناس»(‪.)2‬‬
‫وعن جابر ‪ ،‬قال ‪« :‬ال تدعن صالة الليل‪ ،‬ولو حلب شاة»(‪.)3‬‬
‫قال النَّووي(‪« :)4‬وإنام َر َج َحت صالة الليل وقراءته؛ لكوهنا أمجع‬
‫للقلب‪ ،‬وأبعد عن الشاغالت وامللهيات‪ ،‬والترصف يف احلاجات‪ ،‬وأصون‬
‫عن الرياء وغريه من املحبطات مع ما جاء الشع به من إجياد اخلريات يف‬
‫الليل‪ ،‬فإن اإلرساء برسول اهلل ‪ ‬كان ليالً‪ ،‬وعن أيب هريرة ‪ ‬قال ‪:‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري‪.49 :3‬‬


‫(‪ )2‬املستدرك‪ ،360 :4‬وصححه‪ ،‬واملعجم األوسط‪.306 :4‬‬
‫(‪ )3‬يف املعجم األوسط‪ ،251 :4‬واملعجم الكبري‪ ،271 :1‬قال اهليثمي يف جممع الزوائد‪:252 :2‬‬
‫«وفيه بقية بن الوليد‪ ،‬وفيه كالم كثري»‪.‬‬
‫(‪ )4‬يف التبيان ص‪.64‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪237‬‬
‫«ينزل ربنا‪ ،‬تبارك وتعاىل‪ ،‬كل ليلة إىل السامء الدنيا‪ ،‬حني يبقى ثلث الليل‬
‫اآلخر‪ ،‬فيقول‪ :‬من يدعوين فأستجيب له»(‪.)1‬‬
‫فعن ابن عمرو ‪ ‬قال ‪َ « :‬من قام بعش آيات مل يكتب من الغافلني‪،‬‬
‫و َمن قام بامئة آية كتب من القانتني‪ ،‬و َمن قام بألف آية كتب من املقنطني»(‪.)2‬‬
‫وعن ابن ع َّباس ‪َ « :‬من صىل بالليل ركعتني‪ ،‬فقد بات هلل ساجد ًا‬
‫وقائ ًام»(‪.)3‬‬
‫قال النووي(‪« :)4‬واعلم أن فضيلة القيام بالليل‪ ،‬والقراءة فيه حتصل‬
‫بالقليل والكثري‪ ،‬وك َّلام كثر كان أفضل‪ ،‬إال أن يستوعب الليل ك َّله‪ ،‬فإنه ُيكره‬
‫الدوام عليه‪ ،‬وإال أن يرض بنفسه»‪.‬‬
‫‪.4‬استقبال القبلة‪:‬‬
‫يستحب للقارئ يف غري الصالة أن يستقبل القبلة‪ ،‬فعن ابن عباس ‪،‬‬
‫قال ‪« :‬خري املجالس ما استقبل به القبلة»(‪ ،)5‬وجيلس متخشع ًا بسكينة‬
‫ووقار‪ ،‬مطرق ًا رأسه‪ ،‬ويكون جلوسه وحده يف حتسني أدبه وخضوعه‬
‫كجلوسه بني يدي معلمه‪ ،‬فهذا هو األكمل‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف املوطأ‪ ،298 :2‬وصحيح البخاري‪.53 :2‬‬


‫(‪ )2‬يف سنن أيب داود‪ ،65 :1‬وصحيح ابن خزيمة‪ ،181 :2‬وصحيح ابن حبان‪.310 :6‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬التبيان ص‪.66‬‬
‫(‪ )4‬يف التبيان ص‪.65‬‬
‫(‪ )5‬يف هتذيب اآلثار‪ ،538 :2‬وتاريخ الرقة‪.135 :1‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪238‬‬
‫ولو قرأ قائ ًام أو مضطجع ًا أو يف فراشه أو عىل غري ذلك من األحوال‬
‫جاز‪ ،‬وله أجر‪ ،‬ولكن دون األول(‪،)1‬قال ‪{ : ‬إ َّن يف َخلق َّ‬
‫الس َام َوات‬
‫َواألَرض َواختالَف ال َّليل َوالن ََّهار آل َيات ِّألُول األل َباب‪ .‬ا َّلذي َن َيذ ُك ُر َ‬
‫ون اهللَ‬
‫الس َام َوات َواألَرض َر َّبنَا َما‬ ‫ق َيا ًما َو ُق ُعو ًدا َو َع َ َىل ُجنُوهبم َو َي َت َفك َُّر َ‬
‫ون يف َخلق َّ‬
‫اب النَّار}[آل عمران‪.]191:‬‬ ‫ال ُسب َحان ََك َفقنَا َع َذ َ‬ ‫َخ َلق َت َهذا َباط ً‬
‫فعن عائشة ريض اهلل عنها‪« :‬كان رسول اهلل ‪ ‬يتكئ يف حجري‪ ،‬وأنا‬
‫حائض ويقرأ القرآن»(‪ .)2‬ويف رواية‪« :‬يقرأ القرآن ورأسه يف حجري»(‪.)3‬‬
‫وعن أيب موسى األشعري ‪« :‬إين أقرأ القرآن يف صاليت‪ ،‬وأقرأ عىل‬
‫فرايش»(‪.)4‬‬
‫وعن عائشة ريض اهلل عنها‪« :‬إين ألقرأ حزيب وأنا مضطجعة عىل‬
‫الرسير»(‪.)5‬‬
‫‪.5‬االستعاذة من الشيطان‪:‬‬
‫إن أراد الشوع يف القراءة استعاذ‪ ،‬فقال‪ :‬أعوذ باهلل من الشيطان‬
‫السميع العليم من‬
‫الرجيم ‪ ،‬وكان مجاعة من السلف يقولون ‪ :‬أعوذ باهلل َّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬التبيان ص‪.80‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح البخاري‪ ،67 :1‬وصحيح مسلم‪.246 :1‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح البخاري‪.159 :9‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬التبيان ص‪.80‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬التبيان ص‪.80‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪239‬‬
‫الشيطان الرجيم‪ ،‬وال بأس هبذا‪ ،‬ولكن االختيار هو األول‪.‬‬
‫مستحب وليس بواجب‪ ،‬و ُيسن يف ابتداء الصالة بعد‬
‫ٌّ‬ ‫ثم إن التَّعوذ‬
‫االستفتاح لإلمام واملنفرد‪.‬‬
‫وينبغي أن حيافظ عىل قراءة بسم اهلل الرمحن الرحيم يف أول كل سورة‬
‫سوى براءة(‪.)1‬‬
‫‪.6‬ترتيل القراءة‪:‬‬
‫ينبغي أن يرتل قراءته‪ ،‬وقد اتفق العلامء ‪ ‬عىل استحباب الرتتيل‪ ،‬قال‬
‫اهلل تعاىل‪َ { :‬و َرتِّل ال ُقر َ‬
‫آن تَرتي ً‬
‫ال}[املزمل‪.]4:‬‬
‫فعن أم سلمة ريض اهلل عنها‪« :‬أهنا نعتت قراءة رسول اهلل ‪ :‬قراءة‬
‫مفرس ًة حرف ًا حرف ًا»(‪.)2‬‬
‫وعن عبد اهلل بن مغفل ‪ ،‬قال‪« :‬رأيت رسول اهلل ‪ ‬يوم فتح مكة‬
‫عىل ناقته يقرأ سورة الفتح يرجع يف قراءته»(‪.)3‬‬
‫وعن ابن ع َّباس ‪ ‬قال‪« :‬ألن أقرأ سورة أرتلها أحب إل من أن أقرأ‬
‫القرآن ك َّله»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬التبيان ص‪.85‬‬


‫(‪ )2‬يف سنن الرتمذي‪ ،182 :5‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪ ،‬وسنن النسائي الكربى‪.28 :2‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح البخاري‪ ،147 :5‬وصحيح مسلم‪.547 :1‬‬
‫(‪ )4‬يف شعب اإليامن‪ ،474 :3‬ومصنف عبد الرزاق‪.489 :2‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪240‬‬
‫‪.7‬احتام القرآن‪:‬‬
‫ومما يعتنى به ويتأكد األمر به احرتام القرآن من أمور قد يتساهل فيها‬
‫بعض الغافلني القارئني جمتمعني‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫أ‪.‬اجتناب الضحك واللغط واحلديث يف خالل القراءة‪ ،‬إال كالم ًا‬
‫آن َفاستَم ُعوا َل ُه‬
‫يضطر إليه‪ ،‬وليمتثل قول اهلل تعاىل‪َ { :‬وإ َذا ُقرى َء ال ُقر ُ‬
‫محون}[األعراف‪ ،]204:‬وليقتد بابن عمر ‪« :‬أنه كان‬ ‫َو َأنص ُتوا َل َع َّل ُكم ُتر َ ُ‬
‫إذا قرأ القرآن ال يتك َّلم حتى يفرغ منه»‪.‬‬
‫ب‪.‬العبث باليد وغريها‪ ،‬فإنه ُيناجي ربه سبحانه وتعاىل‪ ،‬فال يعبث بني‬
‫يديه‪.‬‬
‫الذهن‪ ،‬وأقبح من هذا ك ِّله النَّظر إىل ما ال‬
‫ج‪.‬النظر إىل ما ُيلهي و ُيبدد ِّ‬
‫جيوز النظر إليه كاألمرد وغريه‪ ،‬وألنه يف معنى املرأة‪ ،‬بل ُربام كان بعضهم أو‬
‫كثري منهم أحسن من كثري من النساء‪ ،‬ويتمكن من أسباب الريبة فيه‪،‬‬
‫ويتسهل من طرق الش يف حقه ما ال يتسهل يف حق املرأة‪ ،‬فكان حتريمه‬
‫أوىل(‪.)1‬‬
‫‪.8‬القراءة من املصحف‪:‬‬
‫قراءة القرآن من املصحف أفضل من القراءة عن ظهر القلب؛ ألن‬
‫النظر يف املصحف عبادة مطلوبة‪ ،‬فتجتمع القراءة والنظر(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬التبيان ص ‪ 93‬ـ ‪.96‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬التبيان ص‪.100‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪241‬‬
‫و َن َق َل ال َغ َزال(‪« :)1‬أن كثريين من الصحابة ‪ ‬كانوا يقرؤون من‬
‫املصحف‪ ،‬ويكرهون أن خيرج يوم‪ ،‬ومل ينظروا يف املصحف»‪.‬‬
‫‪.9‬قراءة القرآن جمتمعني‪:‬‬
‫قال النووي(‪« :)2‬اعلم أن قراء َة اجلامعة جمتمعني مستحب ٌة بالدَّ الئل‬
‫الظاهرة وأفعال السلف واخللف املتظاهرة»‪ ،‬فعن أيب هريرة وأيب سعيد‬
‫اخلدري ‪ ‬أنه قال‪« :‬ما من قوم يذكرون اهلل إال حفت هبم املالئكة‪،‬‬
‫فيمن عنده»(‪.)3‬‬
‫وغشيتهم الرمحة‪ ،‬ونزلت عليهم السكينة‪ ،‬وذكرهم اهلل َ‬
‫وعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬ما اجتمع قو ٌم يف بيت من بيوت اهلل تعاىل‬
‫يتلون كتاب اهلل ويتدارسونه بينهم‪ ،‬إال نزلت عليهم السكينة‪ ،‬وغشيتهم‬
‫الرمحة‪ ،‬وحفتهم املالئكة‪ ،‬وذكره اهلل فيمن عنده»(‪.)4‬‬
‫النبي ‪ ‬خرج عىل حلقة من أصحابه‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬
‫وعن معاوية ‪« :‬أن َّ‬
‫جيلسكم؟ قالوا‪ :‬جلسنا نذكر اهلل تعاىل ونحمده ملا هدانا لإلسالم و َمن علينا‬
‫به‪ ،‬فقال‪ :‬أتاين جربيل ‪ ،‬فأخربين أن اهللَ تعاىل ُيباهي بكم املالئكة»(‪،)5‬‬
‫واألحاديث يف هذا كثرية‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف إحياء علوم الدين‪.279 :1‬‬


‫(‪ )2‬يف التبيان ص‪.101‬‬
‫(‪ )3‬يف سنن الرتمذي‪ ،459 :5‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫(‪ )4‬يف صحيح مسلم‪.2074 :4‬‬
‫(‪ )5‬يف سنن الرتمذي‪ ،460 :5‬وحسنه‪ ،‬وصحيح ابن حبان‪.95 :3‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪242‬‬
‫‪.10‬رفع الصوت بالقراءة‪:‬‬
‫الصحيح وغريه دال ٌة عىل استحباب رفع‬ ‫ٌ‬
‫أحاديث كثري ٌة يف َّ‬ ‫جاء‬
‫الصوت بالقراءة‪ ،‬وجاءت آثار دالة عىل استحباب اإلخفاء وخفض‬ ‫َّ‬
‫الصوت‪ ،‬وسنذكر منها طرف ًا يسري ًا إشارة إىل أصلها إن شاء اهلل تعاىل‪:‬‬
‫َّ‬
‫وطريق اجلمع بني األحاديث واآلثار املختلفة يف هذا‪َّ :‬‬
‫أن اإلرسار أبعد‬
‫الرياء فاجلهر ورفع‬ ‫حق َمن َخياف ذلك‪ ،‬فإن مل خيف ِّ‬ ‫الرياء‪ ،‬فهو أفضل يف ِّ‬
‫من ِّ‬
‫َ‬
‫العمل فيه أكثر‪ ،‬وألن فائدته تتعدَّ ى إىل غريه‪ ،‬واملتعدِّ ي‬ ‫الصوت أفضل؛ َّ‬
‫ألن‬
‫ُ‬
‫أفضل من الالزم‪ ،‬وألنه يوقظ قلب القارئ‪ ،‬وجيمع مهه إىل الفكر فيه‪،‬‬
‫ويرصف سمعه إليه‪ ،‬ويطرد النَّوم‪ ،‬ويزيد يف النَّشاط ويوقظ غريه من نائم‬
‫وغافل وينشطه‪.‬‬
‫ومهام حرضه يشء من هذه النيات فاجلهر أفضل‪ ،‬فإن اجتمعت هذه‬
‫النيات تضاعف األجر‪ ،‬فهذا حكم املسألة‪.‬‬
‫وأما اآلثار املنقولة فكثرية‪ ،‬وأنا أشري إىل أطراف من بعضها(‪:)1‬‬
‫فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬ما أذن اهلل ليشء ما أذن لنبي ‪ ،‬حسن‬
‫الصوت‪ ،‬يتغنى بالقرآن‪ ،‬جيهر به»(‪ ،)2‬ومعنى أذن استمع‪ ،‬وهو إشارة إىل‬
‫الرضا والقبول‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬التبيان ص‪.105‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح البخاري‪ ،158 :6‬وصحيح مسلم‪.454 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪243‬‬
‫وعن أيب موسى األشعري ‪ ،‬قال ‪« :‬لقد أوتيت مزمار ًا من مزامري‬
‫آل داود»(‪ ،)1‬ويف رواية‪« :‬لقد رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة»(‪.)2‬‬
‫‪.11‬استحباب حتسني الصوت بالقراءة‪:‬‬
‫الصحابة والتابعني‪ ،‬ومن بعدهم‬
‫السلف واخللف من َّ‬
‫أمجع العلام ُء من َّ‬
‫من علامء األمصار أئمة املسلمني عىل استحباب حتسني الصوت بالقرآن‪،‬‬
‫ُ‬
‫وأفعاهلم مشهورة هناية الشهرة‪ ،‬فنحن مستغنون عن نقل يشء من‬ ‫ُ‬
‫وأقواهلم‬
‫أفرادها‪ ،‬ودالئل هذا من حديث رسول اهلل ‪ ‬مستفيضة عند اخلاصة‬
‫والعامة‪.‬‬

‫الرتتيل حديث عبد اهلل بن مغ َّفل يف ترجيع الن ِّ‬


‫َّبي ‪‬‬ ‫وتقدَّ م يف فضل َّ‬
‫القراءة‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪ « :‬ليس منا َمن مل يتغن بالقرآن»(‪ ،)3‬قال‬
‫مجهور العلامء‪ :‬معنى مل يتغن مل حيسن صوته‪.‬‬
‫‪.12‬استفتاح املجالس بقراءة القرآن‪:‬‬
‫يستفتح جملس حديث النبي ‪ ،‬وخيتم بقراءة قارئ‬
‫َ‬ ‫استحب العلام ُء أن‬
‫َّ‬
‫حسن الصوت ما تيرس من القرآن‪ ،‬ثم إنه ينبغي للقارئ يف هذه املواطن أن‬
‫يقرأ ما يليق باملجلس و ُيناسبه‪ ،‬وأن تكون قراءته يف آيات الرجاء واخلوف‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري‪ ،195 :6‬صحيح مسلم‪.546 :1‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح مسلم‪.546 :1‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح البخاري‪ ،154 :9‬وسنن أيب داود‪.74 :2‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪244‬‬
‫والرتغيب يف اآلخرة‪ ،‬والتأهب هلا‪ ،‬وقرص‬
‫واملواعظ‪ ،‬والتَّزهيد يف الدنيا‪َّ ،‬‬
‫األمل‪ ،‬ومكارم األخالق(‪.)1‬‬
‫‪ .13‬الدعاء عند ختم القرآن‪:‬‬
‫يستحب الدعاء عقيب اخلتم‪ ،‬فعن محيد األعرج‪ ،‬قال‪َ « :‬من قرأ القرآن‬
‫ثم دعا أمن عىل دعائه أربعة آالف ملك»(‪.)2‬‬
‫وينبغي أن يلح يف الدعاء‪ ،‬وأن يدعو باألمور املهمة‪ ،‬وأن يكثر يف ذلك‬
‫يف صالح املسلمني‪ ،‬وصالح سلطاهنم‪ ،‬وسائر والة أمورهم‪ ،‬فعن ابن‬
‫املبارك‪« :‬كان إذا ختم القرآن أكثر دعائه للمسلمني واملؤمنني واملؤمنات»(‪.)3‬‬
‫وعن أنس بن مالك ‪« :‬كان إذا ختم القرآن مجع أهله وولده‪ ،‬فدعا‬
‫هلم»(‪.)4‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬من أعامل الباطن يف التالوة(‪:)5‬‬
‫فهم أصل الكالم ثم التعظيم ثم حضور القلب ثم التدبر ثم التفهم ثم‬
‫التخيل عن موانع الفهم ثم التخصيص ثم التأثر ثم الرتقي ثم التربي‪ ،‬وهي‬
‫عىل النحو اآليت‪:‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬التبيان ص‪.114‬‬


‫(‪ )2‬يف سنن الدارمي‪.2184 :4‬‬
‫(‪ )3‬يف شعب اإليامن‪،516 /3‬‬
‫(‪ )4‬يف املعجم الكبري‪ ،242 :1‬وشعب اإليامن‪.421 :3‬‬
‫(‪ )5‬اخترص من كالم الغزال يف اإلحياء‪280 :1‬ـ ‪.288‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪245‬‬
‫‪َ .1‬ف ْه ُم َع َظ َم ِة الكالم َو ُع ُلو ِه وفضل اهللَّ تعاىل ولطفه بخلقه إىل درجة‬
‫إفهام خلقه‪ ،‬فلينظر كيف لطف بخلقه يف إيصال معاين كالمه‬
‫يم لِ ْل ُم َتكَلمِ‪ ،‬فالقارئ عند البداية بتالوة القرآن ينبغي أن حيرض‬ ‫ِ‬
‫‪.2‬الت ْعظ ُ‬
‫يف قلبه عظمة املتكلم ويعلم أن ما يقرؤه ليس من كالم البش‪ ،‬وأن يف تالوة‬
‫كالم اهلل تعاىل غاية اخلطر‪ ،‬فإنه تعاىل قال‪{ :‬الَّ َي َمس ُه إالَّ ُامل َط َّه ُرون}‬
‫[الواقعة‪ ،]79:‬وكام أن ظاهر جلد املصحف وورقه حمروس عن ظاهر بشة‬
‫الالمس إال إذا كان متطهر ًا‪ ،‬فباطن معناه أيض ًا بحكم عزه وجالله حمجوب‬
‫عن باطن القلب إال إذا كان متطهر ًا عن ِّ‬
‫كل رجس ومستنري ًا بنور التعظيم‬
‫والتوقري‪.‬‬
‫احي َيى ُخذ‬ ‫ور ا ْل َق ْل ِ‬
‫ب َوت َْر ُك حديث النفس‪ ،‬قيل يف تفسري‪َ { :‬ي َ‬ ‫‪ُ .3‬ح ُض ُ‬
‫َاب ب ُق َّوة}[مريم‪ :]12:‬أي بجد واجتهاد‪ ،‬وأخذه باجلدِّ أن يكون‬ ‫الكت َ‬
‫منرصف اهلمة إليه عن غريه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫متجرد ًا له عند قراءته‬
‫وقيل لبعضهم‪ :‬إذا قرأت القرآن حتدث نفسك بيشء‪ ،‬فقال‪ :‬أو يشء‬
‫أحب إل من القرآن حتى أحدث به نفيس‪.‬‬
‫وهذه الصفة َتت ََو َّلدُ فعام قبلها من التعظيم‪ ،‬فإن املعظم للكالم الذي يتلوه‬
‫يستبش به‪ ،‬ويستأنس وال يغفل عنه‪ ،‬ففي القرآن ما يستأنس به القلب إن‬
‫كان التال أه ً‬
‫ال له‪ ،‬فكيف يطلب األنس بالفكر يف غريه‪ ،‬وهو يف متنزه‬
‫ومتفرج‪ ،‬والذي يتفرج يف املتنزهات ال يتفكر يف غريها‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪246‬‬
‫‪ .4‬التدَ ُّب ُر؛ وهو وراء حضور القلب‪ ،‬فإنه قد ال يتكفر يف غري القرآن‪،‬‬
‫َاب‬
‫ولكنه يقترص عىل سامع القرآن من نفسه‪ ،‬وهو ال يتدبره‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬كت ٌ‬
‫َأ َنزلنَا ُه إ َلي َك ُم َب َار ٌك ِّل َيدَّ َّب ُروا آ َياته َول َيت ََذك ََّر ُأو ُلوا األَل َباب}[ص‪،]29:‬‬
‫واملقصود من القراءة التدبر‪ ،‬ولذلك سن؛ ألن الرتتيل يف الظاهر ليتمكن من‬
‫التدبر بالباطن‪ ،‬قال عيل ‪ :‬ال خري يف عبادة ال فقه فيها‪ ،‬وال يف قراءة ال‬
‫آن َأم َع َىل ُق ُلوب‬
‫ون ال ُقر َ‬ ‫تدبر فيها‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬أ َف َ‬
‫ال َيتَدَ َّب ُر َ‬
‫َأق َف ُاهلَا}[حممد‪.]24:‬‬
‫قال ابن عباس ‪َ « :‬ألَن أقرأ البقرة يف ليلة أتدبرها وأرتلها؛ أحب إىل‬
‫أن أقرأه كام تقرأ»(‪.)1‬‬
‫وقال ابن مسعود ‪« :‬ال هتذوا القرآن َّ‬
‫هذ ِّ‬
‫الشعر ـ قراءة الشعر ـ‪ ،‬ال‬
‫تنثروه نثر الدقل ـ أي رمي التمر الرديء ليسقط منه السوس ـ‪ ،‬وقفوا عند‬
‫(‪)2‬‬
‫وحركوا به القلوب» ‪ ،‬وقال‪« :‬وال يكن َهم أحدكم آخر‬
‫ِّ‬ ‫عجائبه‪،‬‬
‫السورة» ‪ ،‬ومن أمثلة تدبر السلف‪:‬‬
‫(‪)3‬‬

‫فعن أيب ذر ‪ ‬قال‪«:‬قام النبي ‪ ‬حتى أصبح بآية‪،‬واآلية‪{ :‬إن ُت َع ِّذ ُهبم‬
‫َفإ َّهنُم ع َبا ُد َك َوإن تَغفر َهلُم َفإن ََّك َأ َ‬
‫نت ال َعز ُيز احلَكيم}[املائدة‪.)4(»]118:‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البيهقي يف شعب اإليامن رقم ‪.2040‬‬


‫(‪ )2‬شعب اإليامن ‪.2041‬‬
‫(‪ )3‬شعب اإليامن ‪.2042‬‬
‫(‪ )4‬يف سنن النسائي الكربى‪ ،24 :2‬ومسند أمحد‪ ،256 :35‬ورشح السنة للبغوي‪.26 :4‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪247‬‬
‫ب‬‫كرر هذه اآلية حتى أصبح‪َ { :‬أم َحس َ‬ ‫وعن متيم الداري ‪« :‬أنه َّ‬
‫احلات َس َواء‬ ‫الس ِّي َئات أن نَّج َع َل ُهم كَا َّلذي َن آ َمنُوا َو َعم ُلوا َّ‬
‫الص َ‬ ‫ا َّلذي َن اج َ َ‬
‫رت ُحوا َّ‬
‫اهتم َساء َما َحي ُك ُمون}[اجلاثية‪.)1(»]21:‬‬
‫اهم َو َمم َ ُ ُ‬
‫َّحم َي ُ‬
‫وعن عبادة بن محزة‪« :‬دخلت عىل أسامء ريض اهلل عنها‪ ،‬وهي تقرأ‪:‬‬
‫الس ُموم}[الطور‪ ،]27:‬فوقفت عندها‬ ‫{ َف َم َّن اهللَُّ َع َلينَا َو َو َقانَا َع َذ َ‬
‫اب َّ‬
‫فجعلت تعيدها وتدعو‪ ،‬فطال عيل ذلك‪ ،‬فذهبت إىل السوق فقضيت‬
‫حاجتي‪ ،‬ثم رجعت وهي تعيدها وتدعو»(‪.)2‬‬
‫السا َع ُة‬
‫إن أبا حنيفة قام ليل ًة هبذه اآلية‪َ { :‬بل َّ‬
‫وعن القاسم بن معن‪َّ « ،‬‬
‫السا َع ُة َأد َهى َو َأ َمر}[القمر‪ ،]46:‬فلم يزل ُيرددها و َيبكي‬‫َموعدُ ُهم َو َّ‬
‫ويترضع»(‪.)3‬‬
‫‪ .4‬التفهم‪ :‬وهو أن يستوضح من ِّ‬
‫كل آية ما يليق هبا؛ إذ القرآن يشتمل‬
‫عىل ذكر صفات اهلل تعاىل‪ ،‬وذكر أفعاله وذكر أحوال األنبياء عليهم السالم‪،‬‬
‫وذكر أحوال املكذبني هلم‪ ،‬وأهنم كيف أهلكوا‪ ،‬وذكر أوامره وزواجره‪،‬‬
‫وذكر اجلنة والنار‪.‬‬
‫يع‬ ‫أما صفات اهلل تعاىل‪ ،‬فكقوله تعاىل‪َ { :‬لي َس كَمثله َيش ٌء َو ُه َو َّ‬
‫السم ُ‬
‫ال َبصري}[الشورى‪ ، ]11:‬فليتأمل معاين هذه األسامء والصفات لينكشف‬

‫(‪ )1‬يف املعجم الكبري‪.50 :2‬‬


‫(‪ )2‬يف مصنف ابن أيب شيبة‪ ،203 :4‬وحلية األولياء‪.55 :2‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬مناقب أيب حنيفة للذهبي ص‪ ،14‬وأبو حنيفة طبقته توثيقه ص‪ ،149‬وغريمها‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪248‬‬
‫له أرسارها‪ ،‬فتحتها معان مدفونة ال تنكشف إال للموفقني‪.‬‬
‫وأما أفعاله تعاىل‪ ،‬فكذكره خلق السموات واألرض وغريها‪ ،‬فليفهم‬
‫التال منها صفات اهلل تعاىل وجالله؛ إذ الفعل يدل عىل الفاعل‪ ،‬فتدل عظمته‬
‫عىل عظمته‪ ،‬فينبغي أن يشهد يف العقل الفاعل دون الفعل‪ ،‬فمن عرف احلق‬
‫رآه يف كل يشء؛ إذ كل يشء فهو منه وإليه وبه وله‪ ،‬فهو الكل عىل التحقيق‪،‬‬
‫ومن ال يراه يف كل ما يرى فكأنه ما عرفه‪ ،‬ومن عرفه عرف أن َّ‬
‫كل يشء ما‬
‫خال اهلل باطل‪ ،‬وأن َّ‬
‫كل يشء هالك إال وجهه‪.‬‬
‫وأما أحوال األنبياء عليهم السالم‪ ،‬فإذا سمع منها كيف كذبوا ورضبوا‬
‫وقتل بعضهم‪ ،‬فليفهم منه صفة االستغناء هلل عز وجل عن الرسل‪ ،‬واملرسل‬
‫إليهم‪ ،‬وأنه لو أهلك مجيعهم مل يؤثر يف ملكه شيئ ًا وإذا سمع نرصهتم يف آخر‬
‫األمر‪ ،‬فليفهم قدرة اهلل تعاىل‪ ،‬وإرادته لنرصة احلق‪.‬‬
‫وأما أحوال املكذبني كعاد وثمود وما جرى عليهم‪ ،‬فليكن فهمه منه‬
‫استشعار اخلوف من سطوته ونقمته‪ ،‬وليكن حظه منه االعتبار يف نفسه‪ ،‬وأنه‬
‫إن غفل وأساء األد‪،‬ب واغرت بام أمهل‪ ،‬فربام تدركه النقمة‪ ،‬وتنفذ فيه‬
‫القضية‪.‬‬
‫وكذلك إذا سمع وصف اجلنة والنار وسائر ما يف القرآن‪ ،‬فال يمكن‬
‫استقصاء ما يفهم منه؛ ألن ذلك ال هناية له‪ ،‬وإنام لكل عبد بقدر رزقه‪.‬‬
‫‪.5‬التخيل عن موانع الفهم‪ ،‬فإن أكثر الناس منعوا عن فهم معاين القرآن‬
‫ألسباب وحجب أسدهلا الشيطان عىل قلوهبم‪ ،‬فعميت عليهم عجائب‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪249‬‬
‫أرسار القرآن‪ ،‬كأن يكون مرص ًا عىل ذنب أو متصف ًا بكرب أو مبتىل يف اجلملة‬
‫هبوى يف الدنيا مطاع‪ ،‬فإن ذلك سبب ظلمة القلب وصدئه‪ ،‬وهو كاخلبث‬
‫عىل املرآة‪ ،‬فيمنع جلية احلق من أن يتجىل فيه‪ ،‬وهو أعظم حجاب للقلب‪،‬‬
‫وبه حجب األكثرون‪.‬‬
‫وكلام كانت الشهوات أشد تراك ًام كام كانت معاين الكالم أشد احتجاب ًا‪،‬‬
‫وكلام خف عن القلب أثقال الدنيا َق ُر َب جتىل املعنى فيه‪ ،‬فالقلب مثل املرآة‬
‫والشهوات‪ ،‬مثل الصدإ ومعاين القرآن مثل الصور التي ترتاءى يف املرآة‪،‬‬
‫والرياضة للقلب بإماطة الشهوات مثل تصقيل اجلالء للمرآة‪.‬‬
‫بكل خطاب يف القرآن‪ ،‬فإن‬ ‫‪.6‬التخصيص‪ :‬وهو أن يقدر أنه املقصود ِّ‬
‫سمع أمر ًا أو هني ًا قدر أنه املنهي واملأمور‪ ،‬وإن سمع وعد ًا أو وعيد ًا‪ ،‬فكمثل‬
‫غري مقصود‪ ،‬وإنام‬
‫مر ُ‬‫الس َ‬
‫ذلك‪ ،‬وإن سمع قصص األولني واألنبياء َعلم أن َّ‬
‫املقصود؛ ليعترب به‪ ،‬وليأخذ من تضاعيفه ما حيتاج إليه‪ ،‬فام من قصة يف القرآن‬
‫حق النبي ‪ ‬وأمته‪ ،‬ولذلك قال تعاىل‪{ :‬ما نثبت به‬ ‫إال وسيا ُقها لفائدة يف ِّ‬
‫فؤادك}‪ ،‬فليقدر العبد أن اهلل ثبت فؤاده بام يقصه عليه من أحوال األنبياء‬
‫وصربهم عىل اإليذاء وثباهتم يف الدين النتظار نرص اهلل تعاىل‪.‬‬
‫قال بعضهم‪ :‬هذا القرآن رسائل أتتنا من قبل ربنا تعاىل بعهوده نتدبرها‬
‫يف الصلوات‪ ،‬ونقف عليها يف اخللوات‪ ،‬وننفذها يف الطاعات والسنن‬
‫املتبعات‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪250‬‬
‫وقال مالك بن دينار‪ :‬ما زرع القرآن يف قلوبكم يا أهل القرآن إن القرآن‬
‫ربيع املؤمن‪ ،‬كام أن الغيث ربيع األرض‪.‬‬
‫وقال قتادة‪ :‬مل جيالس أحد هذا القرآن إال قام بزيادة أو نقصان‪ ،‬قال‬
‫ني َإالَّ‬
‫ني َوالَ َيزيدُ ال َّظامل َ‬
‫مح ٌة ِّلل ُمؤمن َ‬
‫تعاىل‪ُ { :‬ه َو ش َفاء َو َر َ‬
‫َخ َس ًارا}[اإلرساء‪.]82:‬‬
‫‪.7‬التأثر‪ :‬وهو أن يتأثر قلبه بآثار خمتلفة بحسب اختالف اآليات‪ ،‬فيكون‬
‫كل فهم حال‪ ،‬ووجد يتصف به قلبه من احلزن واخلوف والرجاء‬ ‫له بحسب ِّ‬
‫وغريه‪ ،‬ومهام متت معرفته كانت اخلشية أغلب األحوال عىل قلبه‪ ،‬فإن‬
‫التضييق غالب عىل آيات القرآن‪ ،‬فال يرى ذكر املغفرة والرمحة إال مقرون ًا‬
‫بشوط يقرص العارف عن نيلها‪ :‬كقوله تعاىل‪َ { :‬وإ ِّين َل َغ َّف ٌار}[طه‪ ]82:‬ثم‬
‫َاب َوآ َم َن َو َعم َل َص ً‬
‫احلا ُث َّم‬ ‫أتبع ذلك بأربعة رشوط‪َ { :‬وإ ِّين َل َغ َّف ٌار َِّملن ت َ‬
‫ان َلفي ُخرس‪ .‬إالَّ‬ ‫نس َ‬
‫اهتَدَ ى}[طه‪ ، ]82:‬وقوله تعاىل‪َ { :‬وال َعرص‪ .‬إ َّن اإل َ‬
‫اصوا‬
‫احل ِّق َوت ََو َ‬
‫اصوا ب َ‬ ‫احلات َوت ََو َ‬ ‫الص َ‬
‫َّ‬ ‫ا َّلذي َن آ َمنُوا َو َعم ُلوا‬
‫الصرب}[العرص‪ ،]3:‬ذكر أربعة رشوط‪.‬‬ ‫ب َّ‬
‫‪.8‬التقي‪ :‬وأعني به أن يرتقى إىل أن يسمع الكالم من اهلل تعاىل ال من‬
‫نفسه‪ ،‬فدرجات القراءة ثالث‪:‬‬
‫أدناها ان يقدر العبد كأنه يقرؤه عىل اهلل تعاىل واقفا بني يديه‪ ،‬وهو ناظر‬
‫إليه‪ ،‬ومستمع منه‪ ،‬فيكون حاله عند هذا التقدير السؤال والتملق والترضع‬
‫واالبتهال‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪251‬‬
‫وأوسطها‪ :‬أن يشهد بقلبه كان اهلل تعاىل يراه وخياطبه بألطافه ويناجيه‬
‫بإنعامه وإحسانه‪ ،‬فمقامه احلياء والتعظيم واإلصغاء والفهم‪.‬‬
‫الصفات‪ ،‬فال ينظر إىل‬
‫وأعالها‪ :‬أن يرى يف الكالم املتكلم‪ ،‬ويف الكلامت ِّ‬
‫نفسه‪ ،‬وال إىل قراءته‪ ،‬وال إىل تعلق اإلنعام به من حيث إنه منعم عليه‪ ،‬بل‬
‫يكون مقصور اهلم عىل املتكلم‪ ،‬موقوف الفكر عليه‪ ،‬كأنه مستغرق بمشاهدة‬
‫املتكلم عن غريه‪ ،‬وهذه درجة املقربني‪ ،‬وما قبله درجة أصحاب اليمني‪ ،‬وما‬
‫خرج عن هذا‪ ،‬فهو درجات الغافلني‪.‬‬
‫قال جعفر الصادق‪ :‬واهلل لقد جتىل اهلل تعاىل خللقه يف كالمه‪ ،‬ولكنهم ال‬
‫يبرصون‪.‬‬
‫‪.9‬التربي‪ :‬وهو أن يتربأ من حوله وقوته وااللتفات إىل نفسه بني الرضا‬
‫والتزكية‪ ،‬فإذا تال بآيات الوعد واملدح للصاحلني‪ ،‬فال يشهد نفسه عند ذلك‪،‬‬
‫بل يشهد املوقنني والصديقني فيها‪ ،‬ويتشوف إىل أن يلحقه اهلل تعاىل هبم‪ ،‬وإذا‬
‫تال آيات املقت وذم العصاة واملقرصين شهد عىل نفسه هناك‪ ،‬وقدر أنه‬
‫املخاطب خوف ًا وإشفاق ًا‪.‬‬
‫وهذه املكاشفات ال تكون إال بعد التربي عن النفس وعدم االلتفات‬
‫إليها‪ ،‬وإىل هواها‪ ،‬ثم ختصص هذه املكاشفات بحسب أحوال املكاشف‪،‬‬
‫فحيث يتلو آيات الرجاء‪ ،‬ويغلب عىل حاله االستبشار تنكشف له صورة‬
‫اجلنة‪ ،‬فيشاهدها كأنه يراها عيان ًا‪ ،‬وإن غلب عليه اخلوف كوشف بالنار حتى‬
‫يرى أنواع عذاهبا‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪252‬‬
‫وذلك ألن كالم اهلل تعاىل يشتمل عىل السهل اللطيف والشديد‬
‫العسوف واملرجو واملخوف‪ ،‬وذلك بحسب أوصافه؛ إذ منها الرمحة‬
‫واللطف واالنتقام والبطش‪ ،‬فبحسب مشاهدة الكلامت والصفات يتقلب يف‬
‫اختالف احلاالت‪ ،‬وبحسب كل حالة منها يستعد للمكاشفة بأمر يناسب‬
‫تلك احلالة‪ ،‬ويقارهبا إذ يستحيل أن يكون حالة املستمع واحد ًا واملسموع‬
‫خمتلف ًا؛ إذ فيه كالم راض وكالم غضبان وكالم منعم وكالم منتقم وكالم‬
‫جبار متكرب ال يبال وكالم حنان متعطف ال هيمل‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬من السور املستحبة يف أوقات خمصوصة‪:‬‬


‫يستحب أن يقرأ سورة الكهف يوم اجلمعة‪ ،‬فعن أيب سعيد ‪ ،‬قال‬
‫ُّ‬
‫‪« :‬إن من قرأ سورة الكهف يوم اجلمعة أضاء له من النور ما بني‬
‫اجلمعتني»(‪ ،)1‬وعن أيب سعيد ‪َ « :‬من قرأ سورة الكهف ليلة اجلمعة أضاء له‬
‫النور فيام بينه وبني البيت العتيق»(‪.)2‬‬
‫ويستحب اإلكثار من تالوة آية الكريس يف مجيع املواطن‪ ،‬وأن يقرأها‬
‫ُّ‬
‫كل ليلة إذا أوى إىل فراشه‪ ،‬وأن يقرأ املعوذتني َع ِقب كل صالة‪ ،‬فعن عقبة‬
‫بن عامر ‪ ‬قال‪« :‬أمرين رسول اهلل ‪ ‬أن أقرأ املعوذتني دبر ِّ‬
‫كل صالة»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬يف املستدرك‪.399 :2‬‬


‫(‪ )2‬يف سنن الدارمي‪.2143 :4‬‬
‫(‪ )3‬يف سنن أيب داود‪ ،86 :2‬ومسند أمحد‪ ،330 :29‬وصححه النووي‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪253‬‬
‫ستحب أن يقرأ عند النوم‪ :‬آية الكريس‪ ،‬و{ ُق ْل ُه َو اهللُ َأ َحد}‬
‫ُّ‬ ‫و ُي‬
‫واملعوذتني‪ ،‬وآخر سورة البقرة‪ ،‬فهذا مما هيتم له‪ ،‬ويتأكد االعتناء به‪ ،‬فعن أيب‬
‫مسعود ‪ ،‬قال ‪« :‬اآليتان من آخر سورة البقرة‪َ ،‬من قرأمها يف ليلة‬
‫كفتاه»(‪ ،)1‬قال مجاعة من أهل العلم‪ :‬كفتاه عن قيام الليل‪ ،‬وقال آخرون‪:‬‬
‫كفتاه املكروه يف ليلته‪.‬‬
‫كل‬ ‫النبي ‪ ‬كان إذا أوى إىل فراشه َّ‬ ‫وعن عائشة ريض اهلل عنها‪« :‬أن َّ‬
‫ليلة مجع كفيه‪ ،‬ثم نفث فيهام فقرأ فيهام‪ُ { :‬قل ُه َو اهللَُّ َأ َحد} و{ ُقل َأ ُعو ُذ ب َر ِّب‬
‫ال َف َلق}[الفلق‪ ]1:‬و{ ُقل َأ ُعو ُذ ب َر ِّب النَّاس} [الناس‪ ،]1:‬ثم يمسح هبام ما‬
‫استطاع من جسده‪ ،‬يبدأ هبام عىل رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل‬
‫ذلك ثالث مرات»(‪.)2‬‬
‫وعن عيل ‪« :‬ما كنت أرى أحد ًا يعقل دخل يف اإلسالم ينام حتى‬
‫يقرأ آية الكريس»‪.‬‬
‫وعن عيل ‪« :‬ما كنت أرى أحد ًا يعقل ينام قبل أن يقرأ اآليات‬
‫الثالث األواخر من سورة البقرة»(‪.)3‬‬
‫وعن إبراهيم النخعي‪« :‬كانوا يستحبون أن يقرؤوا هذه السور كل ليلة‬
‫ثالث مرات‪ُ { ،‬قل ُه َو اهللَُّ َأ َحد}‪ ،‬واملعوذتني»‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري‪.84 :5‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح البخاري‪.190 :6‬‬
‫(‪ )3‬يف سنن الدارمي‪ ،2130 :4‬وقال النووي‪ :‬إسناده صحيح عىل رشط البخاري ومسلم‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪254‬‬
‫وعن عائشة ريض اهلل عنها‪« :‬كان النبي ‪ ‬ال ينام حتى يقرأ الزمر‬
‫وبني ارسائيل»(‪.)1‬‬
‫ويستحب أن يقرأ إذا استيقظ من النوم كل ليلة آخر آل عمران‪ ،‬فعن‬
‫ُّ‬
‫عباس ‪« :‬أنه رقد عند رسول اهلل ‪ ،‬فاستيقظ فتسوك وتوضأ‪ ،‬وهو‬
‫الس َام َوات َواألَرض َواختالَف ال َّليل َوالن ََّهار آل َيات‬
‫يقول‪{ :‬إ َّن يف َخلق َّ‬
‫ِّألُول األل َباب}[آل عمران‪ ]190:‬فقرأ هؤالء اآليات حتى ختم السورة»(‪.)2‬‬
‫ويستحب أن يقرأ عند املريض بالفاحتة‪ ،‬فعن أيب سعيد ‪ :‬أن ناس ًا من‬
‫ُّ‬
‫أصحاب النبي ‪ ‬أتوا عىل حي من أحياء العرب فلم يقروهم‪ ،‬فبينام هم‬
‫كذلك‪ ،‬إذ لدغ سيد أولئك‪ ،‬فقالوا‪ :‬هل معكم من دواء أو راق؟ فقالوا‪:‬‬
‫إنكم مل تقرونا‪ ،‬وال نفعل حتى جتعلوا لنا جعالً‪ ،‬فجعلوا هلم قطيع ًا من‬
‫الشاء‪ ،‬فجعل يقرأ بأم القرآن‪ ،‬وجيمع بزاقه ويتفل‪ ،‬فربأ فأتوا بالشاء‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫ال نأخذه حتى نسأل النبي ‪ ،‬فسألوه فضحك وقال‪« :‬وما أدراك أهنا رقية‪،‬‬
‫خذوها وارضبوا ل بسهم»(‪.)3‬‬
‫ويستحب أن يقرأ عنده‪ُ { :‬ق ْل ُه َو اهللُ َأ َحد} و{ ُق ْل َأ ُعو ُذ بِ َرب ا ْل َف َلق}‬
‫ُّ‬
‫و{ ُق ْل َأ ُعو ُذ بِ َرب الناس} مع النفث يف اليدين‪ ،‬فعن طلحة بن مطرف ‪‬‬
‫قال‪« :‬كان املريض إذا قرئ عنده القرآن القرآن وجد له خفة‪ ،‬فدخلت عىل‬

‫(‪ )1‬يف سنن الرتمذي‪ ،181 :5‬وحسنه‪.‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح مسلم‪.530 :1‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح البخاري‪.131 :7‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪255‬‬
‫خيثمة وهو مريض‪ ،‬فقلت‪ :‬إين أراك اليوم صاحل ًا‪ ،‬فقال‪ :‬إين قرئ عندي‬
‫القرآن»(‪.)1‬‬
‫وعن حممد بن خملد‪« :‬أن الرمادي كان إذا اشتكى شيئ ًا‪ ،‬قال‪ :‬هاتوا‬
‫أصحاب احلديث‪ ،‬فإذا حرضوا قال‪ :‬اقرؤوا عىل احلديث»(‪ ،)2‬فهذا يف‬
‫احلديث فالقرآن أوىل(‪.)3‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الذكر‪:‬‬
‫للذكر الفضل األعظم والشأن األكرب‪ ،‬فال ينبغي للمسلم العارف‬
‫طريقه والناظر إىل مصريه أن يفارك الذكر لسانه‪ ،‬فهو سبي ُله إىل ربه سبحانه‪،‬‬
‫ُ‬
‫احلافظ له من غوائل الشيطان‪.‬‬ ‫وهو‬
‫ولبيان مقامه ومكانه وصوره و َأحواله سيكون لنا َوقفات يف نقاط‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬فضل الذكر‪:‬‬
‫‪.1‬املغفرة والثواب العظيم عند اهلل تعاىل‪ :‬قال تعاىل‪َ { :‬و َّ‬
‫الذاكري َن اهللََّ‬
‫الذاك َرات َأعَدَّ اهللَُّ َهلُم َّمغف َر ًة َو َأج ًرا َعظ ًيام}[األحزاب‪.]35:‬‬
‫كَث ًريا َو َّ‬
‫‪.2‬الطمأنية والسعادة‪ :‬قال تعاىل‪َ { :‬و َمن َأع َر َض َعن ذكري َفإ َّن َل ُه‬
‫ش ُه َيو َم الق َيا َمة َأع َمى}[طه‪ ،]124:‬وقال تعاىل‪َ { :‬و َمن‬
‫يش ًة َضنكًا َونَح ُ ُ‬
‫َمع َ‬

‫(‪ )1‬يف شعب اإليامن‪.171 :4‬‬


‫(‪ )2‬يف تاريخ دمشق‪.27 :6‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬التبيان ص‪176‬ـ ‪.183‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪256‬‬
‫محن ُن َق ِّيض َل ُه َشي َطانًا َف ُه َو َل ُه َقرين}[الزخرف‪.]36:‬‬ ‫َيع ُش َعن ذكر َّ‬
‫الر َ‬
‫‪.3‬إفاضة العطاء عن اهلل تعاىل‪ :‬فعن أيب سعيد ‪ ،‬قال اهلل تعاىل فيام‬
‫يرويه عنه النبي ‪« :‬من شغله قراءة القرآن وذكري عن مسألتي؛ أعطيته‬
‫أفضل ما أعطي السائلني»( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪.4‬صفاء الباطن والتقي يف درجات العبودية‪ :‬فعن حنظلة األسدي‬


‫‪ ،‬قال ‪« :‬لو تدومون عىل ما أنتم عليه عندي ويف الذكر لصافحتكم‬
‫املالئكة عىل فرشكم ويف الطرقات» ‪ ،‬وعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬سبق‬
‫(‪)2‬‬

‫املفردون‪ ،‬قيل‪ :‬وما املفردون يا رسول اهلل‪ ،‬قال‪ :‬الذاكرون اهلل كثري ًا‬
‫والذاكرات» ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫‪.5‬خري القربات إىل اهلل تعاىل‪ :‬فعن أيب الدرداء ‪ ،‬قال ‪« :‬أال أنبئكم‬
‫بخري أعاملكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها يف درجاتكم وخري لكم من‬
‫والورق ـ أي الفضة ـ‪ ،‬وخري لكم من أن تلقوا عدوكم‬ ‫إنفاق الذهب َ‬
‫فترضبوا أعناقهم ويرضبوا أعناقكم؟ قالوا‪ :‬بىل‪ ،‬قال‪ :‬ذكر اهلل تعاىل»( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ون ا َّلذي َن إ َذا ُذك َر‬


‫‪.6‬يورث اخلشية‪ :‬قال اهلل سبحانه وتعاىل‪{ :‬إن ََّام املُؤمنُ َ‬
‫وهبم َوإ َذا ُتل َيت َع َليهم آ َيا ُت ُه َزا َد ُهتم إ َيامنًا َو َع َىل َر ِّهبم َيت ََو َّك ُلون}‬
‫اهللُ َوج َلت ُق ُل ُ ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي رقم ‪ ،2926‬وقال‪ :‬حسن غريب‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم رقم ‪.2750‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم رقم ‪.2676‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مالك يف موطئه رقم ‪ 492‬والرتمذي رقم ‪ 3377‬واحلاكم رقم ‪ 1825‬وصحح إسناده‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪257‬‬
‫[األنفال‪ ،]2:‬ويف حديث أيب هريرة ‪ ‬ذكر ‪ ‬من السبعة التي يظلهم اهلل يف‬
‫ظله يوم القيامة يوم ال ظل إال ظله‪« :‬ورجل ذكر اهلل خالي ًا‪ ،‬ففاضت‬
‫عيناه» ‪ ،‬وعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪َ « :‬جدِّ ُدوا إ َيام َن ُكم‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسول اهلل؛‬
‫(‪)1‬‬

‫وكيف ُن َجدِّ ُد إ َيام َننَا؟ قال‪َ :‬أكث ُروا من قول‪ :‬ال إله إال اهلل» ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬حث الرشيعة عىل اإلكثار من الذكر‪:‬‬


‫الرئيس يف تغيري سلوك اإلنسان‬ ‫ُي َعد ِّ‬
‫الذكر وكثرة العبادة العامل َّ‬
‫الصفات َّ‬
‫الذميمة واستبداهلا‬ ‫والوصول به إىل كامله البشي‪ ،‬وختليصه من ِّ‬
‫فمن‬
‫املحر ُر له من عبودية نفسه ودنياه وماله وشهواته‪َ ،‬‬
‫بصفات محيدة‪ ،‬وهو ِّ‬
‫الراحة النَّفسية وال َّطمأنينية يف حياته‪ ،‬فعليه‬
‫أراد االرتقاء بنفسه وحتقيق َّ‬
‫اإلكثار من ِّ‬
‫الذكر والعبادة والتقرب هلل ‪ ،‬وال حتىص النصوص القرآنية‬
‫والنَّبوية التي حثت عىل فضل ِّ‬
‫الذكر ومكانته‪ ،‬وإليك بعضها‪:‬‬
‫قال ‪َ { :‬فاذ ُك ُروين َأذ ُكر ُكم َواش ُك ُروا ل َوالَ تَك ُف ُرون}[البقرة‪:‬‬
‫‪.]152‬‬
‫وقال ‪َ {:‬يا َأ َهيا ا َّلذي َن آ َمنُوا اذ ُك ُروا اهللََّ ذك ًرا َكث ًريا} [األحزاب‪.]41 :‬‬
‫وقال ‪{:‬ا َّلذي َن َيذ ُك ُر َ‬
‫ون اهللَ ق َيا ًما َو ُق ُعو ًدا َو َع َ َىل ُجنُوهبم َو َي َت َفك َُّر َ‬
‫ون يف‬
‫ال ُسب َحان ََك َفقنَا َع َذ َ‬
‫اب‬ ‫الس َام َوات َواألَرض َر َّبنَا َما َخ َلق َت َهذا َباط ً‬ ‫َخلق َّ‬
‫النَّار} [آل عمران‪.]191:‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري رقم ‪ 629‬ومسلم رقم ‪.1031‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أمحد رقم ‪ 8695‬واحلاكم رقم ‪ 7657‬وصححه‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪258‬‬
‫الذاك َرات َأعَدَّ اهللَُّ َهلُم َّمغف َر ًة َو َأج ًرا‬
‫لذاكري َن اهللََّ كَث ًريا َو َّ‬
‫وقال ‪َ { :‬وا َّ‬
‫َعظ ًيام}[األحزاب‪]35 :‬‬
‫وقال ‪َ { :‬واذ ُكر َّر َّب َك يف نَفس َك ت ََرضع ًا َوخي َف ًة َو ُد َ‬
‫ون اجلَهر م َن‬
‫اآلصال َوالَ َت ُكن ِّم َن ال َغافلني}[األعراف‪.]205 :‬‬ ‫ال َقول بال ُغدُ ِّو َو َ‬

‫وقال ‪َ { :‬واذ ُكر َّر َّب َك كَث ًريا َو َس ِّبح بال َع ِّ‬
‫يش َواإلبكَار}[آل عمران‪:‬‬
‫‪.]41‬‬
‫وعن أيب موسى ‪ ،‬قال ‪« :‬مثل الذي يذكر ر َّبه والذي ال يذكر ربه‬
‫مثل احلي وامليت»(‪.)1‬‬
‫وعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬إن هلل مالئكة يطوفون يف الطرق‬
‫يلتمسون أهل الذكر‪ ،‬فإذا وجدوا قوم ًا يذكرون اهلل تنادوا‪ :‬هلموا إىل‬
‫حاجتكم‪ ،‬قال‪ :‬فيحفوهنم بأجنحتهم إىل السامء الدنيا‪ ،‬قال‪ :‬فيسأهلم رهبم‪،‬‬
‫وهو أعلم منهم‪ ،‬ما يقول عبادي؟ قالوا‪ :‬يقولون‪ :‬يسبحونك ويكربونك‬
‫وحيمدونك ويمجدونك‪ ،‬قال‪ :‬فيقول‪ :‬هل رأوين؟ قال‪ :‬فيقولون‪ :‬ال واهلل ما‬
‫رأوك؟ قال‪ :‬فيقول‪ :‬وكيف لو رأوين؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬لو رأوك كانوا أشد لك‬
‫عبادةً‪ ،‬وأشد لك متجيد ًا وحتميد ًا‪ ،‬وأكثر لك تسبيح ًا‪ ،‬قال‪ :‬يقول‪ :‬فام‬
‫يسألوين؟ قال‪ :‬يسألونك اجلنة‪ ،‬قال‪ :‬يقول‪ :‬وهل رأوها؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬ال‬
‫واهلل يا رب ما رأوها‪ ،‬قال‪ :‬يقول‪ :‬فكيف لو أهنم رأوها؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬لو‬
‫أهنم رأوها كانوا أشد عليها حرص ًا‪ ،‬وأشد هلا طلب ًا‪ ،‬وأعظم فيها رغب ًة‪ ،‬قال‪:‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري‪.86 :8‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪259‬‬
‫فمم يتعوذون؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬من النار‪ ،‬قال‪ :‬يقول‪ :‬وهل رأوها؟ قال‪:‬‬
‫يقولون‪ :‬ال واهلل يا رب ما رأوها‪ ،‬قال‪ :‬يقول‪ :‬فكيف لو رأوها؟ قال‪:‬‬
‫يقولون‪ :‬لو رأوها كانوا أشد منها فرار ًا‪ ،‬وأشد هلا خمافة‪ ،‬قال‪ :‬فيقول‪:‬‬
‫فأشهدكم أين قد غفرت هلم‪ ،‬قال‪ :‬يقول ملك من املالئكة‪ :‬فيهم فالن ليس‬
‫منهم‪ ،‬إنام جاء حلاجة‪ ،‬قال‪ :‬هم اجللساء ال يشقى هبم جليسهم»(‪.)1‬‬
‫وعن أيب الدرداء ‪ ‬قال ‪« :‬أال أنبئكم بخري أعاملكم‪ ،‬وأزكاها عند‬
‫مليككم‪ ،‬وأرفعها يف درجاتكم‪ ،‬وخري لكم من إنفاق الذهب والورق‪ ،‬وخري‬
‫لكم من أن تلقوا عدوكم فترضبوا أعناقهم ويرضبوا أعناقكم؟ قالوا بىل‪.‬‬
‫قال‪ :‬ذكر اهلل تعاىل»‪ ،‬قال معاذ بن جبل ‪« :‬ما يشء أنجى من عذاب اهلل‬
‫من ذكر اهلل» (‪.)2‬‬
‫وعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬يقول اهلل تعاىل‪ :‬أنا عند ظن عبدي يب‪،‬‬
‫وأنا معه إذا ذكرين‪ ،‬فإن ذكرين يف نفسه ذكرته يف نفيس‪ ،‬وإن ذكرين يف مأل‬
‫تقرب إل شرب ًا تقربت إليه ذراع ًا‪ ،‬وإن تقرب‬
‫ذكرته يف مأل خري منهم‪ ،‬وإن َّ‬
‫إل ذراع ًا تقربت إليه باع ًا‪ ،‬وإن أتاين يميش أتيته هرولة» (‪.)3‬‬
‫ال قال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إن رشائع‬ ‫وعن عبد اهلل بن ُبرس ‪« :‬أن رج ُ‬
‫اإلسالم قد كثرت عيل فأخربين بيشء أتشبث به‪ ،‬قال‪ :‬ال يزال لسانك رطب ًا‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري‪.86 :8‬‬


‫(‪ )2‬يف املوطأ‪ ،295 :2‬وسنن الرتمذي‪.459 :5‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح البخاري‪.121 :9‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪260‬‬
‫من ذكر اهلل»(‪.)1‬‬
‫وعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪َ « :‬من َق َعدَ مقعدا مل يذكر اهلل فيه كانت عليه‬
‫من اهلل تر ٌة ـ أي حرسة وندامة ـ‪ ،‬و َمن اضطجع مضجع ًا مل يذكر اهلل فيه‬
‫كانت عليه من اهلل تر ٌة»(‪.)2‬‬
‫وعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬ما من قوم يقومون من جملس ال يذكرون‬
‫اهلل فيه إال قاموا عن مثل جيفة محار وكان هلم حرس ًة»(‪.)3‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬املحافظة عىل الورد القرآين اليومي‪:‬‬
‫ال ُبد للمسلم من قراءة القرآن يف ِّ‬
‫كل يوم‪ ،‬فيحدِّ د هلا مقدار ًا يلتزمه‪،‬‬
‫وال يرتكه ثم يزيد فيه‪ ،‬حتى يصل إىل قراءة جزء يومي ًا‪ ،‬ف ُيحافظ عىل هذا إىل‬
‫ما شاء‪ ،‬و َيزيد إن رأى يف نفسه قوة عىل ذلك‪ ،‬فعن عبد اهلل بن عمرو ‪،‬‬
‫قوة حتى قال‪ :‬فاقرأه يف سبع‪،‬‬
‫قال ‪« :‬اقرأ القرآن يف شهر‪ ،‬قلت‪ :‬إين أجد َّ‬
‫وال تزد عىل ذلك»(‪.)4‬‬
‫ومعلو ٌم أننا مجيع ًا فقراء اهلل ‪ ،‬وقراءة القرآن من أكثر الطرق يف‬
‫كسب الثواب اجلزيل‪ ،‬واحلسنات الطيبات‪ ،‬التي تعيننا يف يوم نلقاه‪ ،‬فعن ابن‬
‫مسعود ‪ ،‬قال ‪َ « :‬من قرأ حرف ًا من كتاب اهلل‪ ،‬فله به حسنة‪ ،‬واحلسنة‬

‫(‪ )1‬يف سنن الرتمذي‪ ،457 :5‬وحسنه‪.‬‬


‫(‪ )2‬يف سنن أيب داود‪.264 :4‬‬
‫(‪ )3‬يف سنن أيب داود‪.264 :4‬‬
‫(‪ )4‬يف صحيح البخاري‪.196 :6‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪261‬‬
‫بعش أمثاهلا‪ ،‬ال أقول‪ :‬امل حرف؛ ولكن‪ :‬ألف حرف‪ ،‬والم حرف‪ ،‬وميم‬
‫حرف»(‪.)1‬‬
‫فإن كنا ُن َرس من قراءة كالم بعض البش‪ ،‬ونسعد به‪ ،‬فكيف بسامع كالم‬
‫رب البش‪ ،‬فال خري أعظم من قراءته واإلقبال عليه‪ ،‬وال رسور أكثر من‬
‫مداومة قراءته وصحبته‪ ،‬فعن عقبة بن عامر ‪ ،‬قال‪« :‬خرج رسول اهلل ‪‬‬
‫ونحن يف الصفة فقال‪ :‬أيكم حيب أن يغدو كل يوم إىل بطحان أو إىل العقيق‪،‬‬
‫فيأيت منه بناقتني كوماوين يف غري إثم وال قطيعة رحم؟ فقلنا‪ :‬يا رسول اهلل‬
‫نحب ذلك‪ .‬قال‪ :‬أفال يغدو أحدكم إىل املسجد فيعلم‪ ،‬أو يقرأ آيتني من‬
‫كتاب اهلل ‪ ‬خري له من ناقتني‪ ،‬وثالث خري له من ثالث‪ ،‬وأربع خري له من‬
‫أربع‪ ،‬ومن أعدادهن من اإلبل»(‪.)2‬‬
‫نصائح اهلل ‪ ‬لعباده يف حياهتم ومعادهم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وهذا القرآن العظيم هو‬
‫فعلينا اإلكثار من االستامع هلا؛ ألن فيها طمأنينتنا وراحتنا‪ ،‬فعن أيب أمامة‬
‫الباهيل ‪ ،‬قال ‪« :‬اقرءوا القرآن‪ ،‬فإنه يأيت يوم القيامة شفيع ًا ألصحابه‪،‬‬
‫الزهراوين البقرة‪ ،‬وسورة آل عمران‪ ،‬فإهنام تأتيان يوم القيامة كأهنام‬ ‫اقرءوا َّ‬
‫غاممتان‪ ،‬أو كأهنام غيايتان‪ ،‬أو كأهنام فرقان من طري صواف‪ ،‬حتاجان عن‬
‫أصحاهبام‪ ،‬اقرءوا سورة البقرة‪ ،‬فإن أخذها بركة‪ ،‬وتركها حرسة‪ ،‬وال‬
‫تستطيعها البطلة ـ أي السحرة ـ»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬يف سنن الرتمذي‪ ،175 :5‬وقال‪ :‬حسن صحيح غريب‪.‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح مسلم‪.552 :1‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح مسلم‪.553 :1‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪262‬‬
‫رابع ًا‪ :‬استحباب حتديد أعداد وأوقات معينة للذكر‪:‬‬
‫أمجعت األمة عىل استحباب حتديد أوراد خاصة بأعداد معينة يف أزمان‬
‫حمددة‪ ،‬وهذا ما شهد به القرآن يف فضيلة الذكر يف زمن بعينه‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ال}[األحزاب‪.]41 :‬‬‫وقال تعاىل‪َ { :‬و َس ِّب ُحو ُه ُبك َر ًة َو َأصي ً‬
‫والسنة طافحت بذلك‪ ،‬وبتقدير أعداد يف ِّ‬
‫الذكر‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫عن أيب هريرة ‪ ،‬قال‪« :‬من قال‪ :‬ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له‪ ،‬له‬
‫امللك وله احلمد‪ ،‬وهو عىل كل يشء قدير‪ ،‬يف يوم مائة مرة‪ ،‬كانت له عدل‬
‫عش رقاب‪ ،‬وكتبت له مائة حسنة‪ ،‬وحميت عنه مائة سيئة‪ ،‬وكانت له حرز ًا‬
‫الشيطان‪ ،‬يومه ذلك حتى يميس‪ ،‬ومل يأت أحد بأفضل مما جاء به‪ ،‬إال‬ ‫من َّ‬
‫أحد عمل أكثر من ذلك»(‪.)1‬‬
‫وعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬إين ألستغفر اهلل يف اليوم مائة مرة»(‪.)2‬‬
‫وعن ابن عمر ‪ ‬قال ‪« :‬يا أهيا الناس توبوا إىل اهلل‪ ،‬فإين أتوب‪ ،‬يف‬
‫اليوم إليه مائة مرة»(‪.)3‬‬
‫وعن األغر املزين ‪ ،‬قال ‪« :‬إنه ليغان عىل قلبي‪ ،‬وإين ألستغفر اهلل‬
‫يف كل يوم مائة مرة»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬يف املوطأ‪ ،293 :2‬وصحيح البخاري‪.126 :4‬‬


‫(‪ )2‬يف سنن الرتمذي‪.383 :5‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح مسلم‪.2075 :4‬‬
‫(‪ )4‬يف سنن أيب داود‪.84 :2‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪263‬‬
‫وعن ابن عمر ‪ ،‬قال‪« :‬إن كنا لنعد لرسول اهلل ‪ ‬يف املجلس الواحد‬
‫مائة مرة‪ :‬رب اغفر ل‪ ،‬وتب عيل‪ ،‬إنك أنت التواب الرحيم»(‪.)1‬‬
‫وعن عمرو بن شعيب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده ‪ :،‬قال ‪« :‬من قال‪:‬‬
‫سبحان اهلل مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروهبا كان أفضل من مائة‬
‫بدنة‪ ،‬ومن قال‪ :‬احلمد هلل مائة مرة قبل طلوع الشمس‪ ،‬وقبل غروهبا كان‬
‫أفضل من مائة فرس حيمل عليها‪ ،‬و َمن قال‪ :‬اهلل أكرب مائة مرة قبل طلوع‬
‫الشمس وقبل غروهبا‪ ،‬كان أفضل من عتق مائة رقبة‪ ،‬و َمن قال‪ :‬ال إله إال‬
‫اهلل‪ ،‬وحده ال رشيك له‪ ،‬له امللك وله احلمد‪ ،‬وهو عىل كل يشء قدير مائة‬
‫مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروهبا‪ ،‬مل جيئ يوم القيامة أحد بعمل أفضل‬
‫من عمله إال من قال قوله أو زاد»(‪.)2‬‬
‫وعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪َ « :‬من قال‪ :‬حني ُيصبح وحني يميس‪:‬‬
‫سبحان اهلل وبحمده‪ ،‬مائة مرة‪ ،‬مل يأت أحد يوم القيامة‪ ،‬بأفضل مما جاء به‪،‬‬
‫إال أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه»(‪.)3‬‬
‫كل يوم مائتي َم َّرة‪ُ { :‬قل ُه َو اهللَُّ َأ َحد}‬
‫وعن أنس ‪ ،‬قال ‪َ « :‬من قرأ َّ‬
‫حمي عنه ذنوب مخسني سنة إال أن يكون عليه دين»‪ ،‬ويف لفظ‪« :‬من أراد أن‬
‫ينام عىل فراشه فنام عىل يمينه ثم قرأ‪ُ { :‬قل ُه َو اهللَُّ َأ َحد} مائة مرة‪ ،‬فإذا كان‬

‫(‪ )1‬يف سنن أيب داود‪.85 :2‬‬


‫(‪ )2‬يف سنن النسائي الكربى‪.302 :9‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح مسلم‪.2071 :4‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪264‬‬
‫يوم القيامة يقول له الرب‪ :‬يا عبدي ادخل عىل يمينك اجلنة» (‪.)1‬‬
‫وعن أم هانئ ريض اهلل عنها‪ ،‬قالت‪ :‬أتيت إىل رسول اهلل ‪ ،‬فقلت‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل‪ ،‬دلني عىل عمل‪ ،‬فإين قد كربت وضعفت وبدنت‪ ،‬فقال‪« :‬كربي‬
‫اهلل مائة مرة‪ ،‬وامحدي اهلل مائة مرة‪ ،‬وسبحي اهلل مائة مرة خري من مائة فرس‬
‫ملجم مرسج يف سبيل اهلل‪ ،‬وخري من مائة بدنة‪ ،‬وخري من مائة رقبة»(‪.)2‬‬
‫فكل هذه األحاديث وغريها ناطق ٌة باألعداد واألوقات للذكر‪ ،‬فكانت‬
‫للذاكرين‪ ،‬وتيسري ًا‬
‫مستند ًا للفقهاء عىل استحباب التَّقدير والتَّحديد ترغيب ًا َّ‬
‫السالكني لرىض َر ِّب العاملني‪.‬‬
‫عىل َّ‬
‫قال الدكتور معاذ حوا يف «التَّزكية عىل منهاج الن َّبوة»‪« :‬أفضل ما جيعله‬
‫املسلم لنفسه ورد ًا؛ هو ما جعله الشع له ورد ًا‪ ،‬أي ما أمره به بعدد معني ويف‬
‫وقت معني‪ ،‬كفرائض الصالة التي حددت بوقت معني وحد معني‪ ،‬وسننها‬
‫الرواتب‪ ،‬وكاألذكار التي حددت بعد الصالة أو يف الصباح واملساء‪ ،‬ونحو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫فإذا أراد املسلم أن يكون أكثر ذكر ًا‪ ،‬فيمكنه أن يكثر من الذكر بال عدد‬
‫وال حتديد وقت‪ ،‬وذلك جائز ومشوع‪ ،‬لكنه يستحسن ويندب و ُي َسن أن‬
‫نفسه بأوراد حيرص عليها ويداوم عليها ويكررها يف كل يوم ويف‬ ‫املسلم َ‬
‫ُ‬ ‫ُيلزم‬
‫وقت معني‪ ،‬من األذكار املشوعة املسنونة التي َأ َم َرنا هبا الشع ومل حيدد لنا‬

‫(‪ )1‬يف سنن الرتمذي‪ ،168 :5‬وقال‪ :‬غريب‪.‬‬


‫(‪ )2‬يف سنن ابن ماجة‪.1252 :2‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪265‬‬
‫عدد ًا فيها وال وقت ًا هلا‪.‬‬
‫وحتديدنا هذا ألنفسنا ال نَعترب معه هذا العدد وهذا الوقت سنة‪ ،‬وإنام‬
‫هو سنة بشكل عام من جهة أن النبي ‪ ‬أخربنا أن «أحب األعامل إىل اهلل ما‬
‫دام وإن قل»(‪ ،)1‬واحلديث ال يتكلم عن األعامل والعبادات التي فرضها اهلل‬
‫أو سنها النبي ‪ ‬يف وقت معني بعدد معني‪ ،‬فذلك مطلوب بذاته‪ ،‬وال جمال‬
‫ألن يزيد أو يقل‪ ،‬وإنام يتكلم احلديث عن العبادات املشوعة التي مل حتدد‬
‫بورد معني‪ ،‬فيحب اهلل أن نداوم عليها‪ ،‬وال تكون املداومة إال بالثبات عليها‬
‫بحد معني يف وقت معني‪.‬‬
‫ومن األدلة عىل مشوعية حتديد املسلم لنفسه ورد ًا ُم َع َّين ًا‪ :‬قول رسول‬
‫اهلل ‪« : ‬من نام عن حزبه أو عن يشء منه فقرأه فيام بني صالة الفجر‬
‫وصالة الظهر؛ كتب له كأنام قرأه من الليل»(‪ ،)2‬فقوله‪« :‬حزبه»؛ يدل عىل‬
‫أن َّ‬
‫كل واحد جيعل لنفسه حظ ًا معين ًا فيكون ور َده وحزبه الذي ُيداوم عليه‪،‬‬
‫بل ويقضيه إن فاته‪.‬‬
‫وهذه األدلة تدل عىل أن اختاذ ورد وحتديد عدد معني أو وقت معني‬
‫ليس من البدعة‪ ،‬وإنام تكون البدعة إذا اعتقد املسلم أن العدد املحدَّ َد الذي‬
‫ع َّينه لنفسه والوقت املحدد الذي عينه لنفسه سنة معينة من النبي ‪ ،‬فعندئذ‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري ر‪ ،5523‬وصحيح مسلم ر‪ ،783‬عن عائشة ريض اهلل عنها‪ ،‬ويف حديث‬
‫مسلم قال‪« :‬وكانت عائشة إذا عملت العمل لزمته»‪.‬‬
‫(‪ )2‬يف صحيح مسلم ر‪ ، 747‬وسنن الرتمذي ر‪ 581‬عن عمر بن اخلطاب ‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪266‬‬
‫يعترب مبتدع ًا‪ ،‬ألنه أضاف إىل الدِّ ين ما مل ُيعينه الدِّ ين‪.‬‬
‫وحينام حيدد ذلك لنفسه ويلزم نفسه به ال جيوز أن جيعله أهم من‬
‫الواجبات والسنن املحددة من النبي ‪ ،‬وحينام ُيداو ُم عليه يداو ُم عليه من‬
‫باب طاعة النبي ‪ ‬يف احلديث الذي يأمر باملداومة‪ ،‬ال عىل سبيل إجياب ما مل‬
‫جيب يف رشع اهلل‪ ،‬وينبغي أن جيعل ما حيدده لنفسه ال يتناىف مع السنن‬
‫والواجبات‪ ،‬وال يغريها‪ ،‬وال حيل حملها‪ ،‬ومن َغري أن نعتقد أن ما حددناه‬
‫ألنفسنا سن ًة الزم ًة أو واجب ًا‪.‬‬
‫وإذا ألزم اإلنسان نفسه بيشء من هذا النوع عىل هذا الوجه‪ ،‬فإنه يكون‬
‫أحرص عليه وأثبت وأدوم فيجد حمبة اهلل لفعله وجيد الربكة وال َّثواب‬
‫هتربت من ال َّطاعات‪ ،‬أ َّما إذا ألزمها‬
‫والعون‪ ،‬فإن النَّفس إذا تركت عىل هواها َّ‬
‫اإلنسان هبا مل يعد جيد للخواطر النَّفسية املثبطة وللشيطان وساوس تدعوه‬
‫إىل ترك هذه ال َّطاعات»‪.‬‬
‫خامس ًا‪ :‬األذكار املندوبة‪:‬‬
‫‪.1‬االستغفار‪:‬‬
‫كثرت اآليات واألحاديث يف الرتغيب باالستغفار‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫{ َواستَغف ُروا اهللََّ إ َّن اهللََّ َغ ُف ٌ‬
‫ور َّرحيم}[املزمل‪ ،]20:‬وقال تعاىل‪َ { :‬واستَغف ُروا‬
‫َر َّب ُكم ُث َّم ُتو ُبوا إ َليه إ َّن َر ِّيب َرح ٌ‬
‫يم َو ُدود}[هود‪ ،]90:‬وقال تعاىل‪َ { :‬واستَغفر‬
‫ل َذنب َك َو َس ِّبح ب َحمد َر ِّب َك بال َع ِّ‬
‫يش َواإلبكَار}[غافر‪.]55:‬‬
‫وهو أبرز وسيلة ملسح الذنوب‪ ،‬فعن أيب موسى ‪ ،‬قال ‪« :‬إن اهلل‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪267‬‬
‫تعاىل يبسط يده بالليل ليتوب ميسء النهار‪ ،‬ويبسط يده بالنهار ليتوب ميسء‬
‫الليل‪ ،‬حتى تطلع الشمس من مغرهبا» ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وهو سبيل لتفريج الكرب وسعة الرزق‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫«من لزم االستغفار جعل اهلل له من كل ضيق خمرج ًا‪ ،‬ومن كل هم فرج ًا‪،‬‬
‫ورزقه من حيث ال حيتسب» ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ويكون يف عامة األوقاف ال سيام بكر ًة وعشي ًا‪ ،‬وعقب الصلوات‪ ،‬فعن‬
‫رصف من صالته استَغ َفر َثالث ًا‪. » ...‬‬
‫ثوبان ‪« :‬إذا ان َ َ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪.2‬الصالة عىل النبي ‪:‬‬


‫جاءت باألمر النصوص القرآنية والنبوية‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬إ َّن اهللََّ‬
‫ون َع َىل النَّب ِّي َيا َأ َهيا ا َّلذي َن آ َمنُوا َصلوا َع َليه َو َس ِّل ُموا‬
‫َو َمالَئ َك َت ُه ُي َصل َ‬
‫تَسل ًيام}[األحزاب‪.]56:‬‬

‫وعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬إذا سمعتم املؤذن فقولوا مثل ما يقول‪،‬‬
‫ثم صلوا عيل‪ ،‬فإنه من صىل عيل صالة صىل اهلل عليه هبا عش ًا» ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫وقائلها ينال شفاعة النبي ‪ ،‬عن أيب الدرداء ‪ ‬قال‪« : :‬من صىل‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم رقم ‪.2759‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود رقم ‪.1518‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم رقم ‪.591‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم رقم ‪.408‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪268‬‬
‫عيل حني يصبح عش ًا وحني يميس عش ًا أدركته شفاعتي يوم القيامة» ‪،‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وعن ابن مسعود ‪ ،‬قال ‪َ « :‬أوىل النَّاس يب يوم القيامة َأك َث ُر ُهم َع َّيل‬
‫صال ًة» ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫والصالة تعرض عىل النبي ‪ ،‬فعن أوس بن أوس ‪ ،‬قال ‪َّ « :‬‬
‫إن‬
‫من َأفضل أ َّيام ُكم يوم اجلمعة‪َ ،‬ف َأكث ُروا َّ‬
‫عيل من الصالة فيه‪َّ ،‬‬
‫فإن صال َت ُكم‬
‫عرض صال ُتنَا عليك وقد‬
‫عيل‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬وكيف ُت ُ‬‫وض ٌة َ َّ‬
‫مع ُر َ‬
‫(‪)3‬‬
‫يت‪ ،‬قال‪َّ :‬‬
‫إن اهلل حرم عىل األرض أجساد األنبياء» ‪.‬‬ ‫َأرم َت؟ يقولون‪َ :‬بل َ‬
‫‪.3‬ال إله إال اهلل‪:‬‬
‫قال تعاىل‪َ { :‬فاع َلم َأ َّن ُه الَ إ َل َه إالَّ اهللَُّ}[حممد‪.]19:‬‬
‫وهي أفضل الذكر‪ ،‬فعن جابر بن عبد اهلل ‪ ،‬قال ‪« :‬أفضل الذكر‪:‬‬
‫ال إله إال اهلل‪ ،‬وأفضل الدعاء‪ :‬احلمد هلل» ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫وتذكر يف كل األوقاف وصباحا ومساء‪ ،‬وبعد الصلوات‪ ،‬فعن املغرية‬


‫الصالة وس َّلم قال‪« ::‬ال إل َه إالَّ‬
‫بن ُشعب َة ‪ ‬أن رسول اهلل ‪ ‬كان إذا َفر َغ من َّ‬

‫(‪ )1‬حديث حسن‪ ،‬قال اهليثمي يف جممع الزوائد ‪ :120/10‬أخرجه الطرباين بإسنادين أحدمها‬
‫جيد‪.‬‬
‫حسن غريب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي رقم ‪ ،484‬وقال‪ :‬حديث‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود رقم ‪ 1531‬وأمحد نحوه ‪.8/4‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الرتمذي رقم ‪ ،3383‬وقال‪ :‬حسن غريب‪ ،‬وابن حبان رقم ‪ ،846‬واحلاكم رقم ‪1834‬‬
‫وصححه‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪269‬‬
‫دير‪ .‬ال َّل ُه َّم‬
‫يك له‪ ،‬له ا ُملل ُك وله احلمد‪ ،‬وهو عىل ُك ِّل يشء َق ٌ‬ ‫اهلل وحدَ ُه ال َرش َ‬
‫جلدِّ ـ أي الغنى ـ منك‬ ‫طي ملا َمنَع َت‪ ،‬وال ين َف ُع ذا ا َ‬
‫ال مانع ملا أع َطي َت‪ ،‬وال ُمع َ‬
‫اجلد» ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫‪.4‬ال حول وال قوة إال باهلل‪:‬‬


‫فعن أيب موسى األشعري ‪ ،‬قال‪« :‬سمعني ‪ ‬وأنا أقول‪ :‬ال حول‬
‫وال قوة إال باهلل‪ ،‬فقال ل‪ :‬يا عبد اهلل بن قيس‪ ،‬قلت‪ :‬لبيك يا رسول اهلل‪،‬‬
‫قال‪ :‬أال أدلك عىل كلمة من كنز من كنوز اجلنة‪ ،‬قلت‪ :‬بىل يا رسول اهلل‪،‬‬
‫فداك أيب وأمي‪ ،‬قال‪ :‬ال حول وال قوة إال باهلل» ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫‪.5‬حسبي اهلل ونعم الوكيل‪:‬‬


‫ورد األمر هبا يف القرآن والسنة‪ ،‬قال اب ُن َع َّباس ‪« :‬حسبنا اهلل ونعم‬
‫الوكيل‪ ،‬قاهلا إبراهيم ‪ ‬حني ألقي يف النار‪ ،‬وقاهلا حممد ‪ ‬حني قالوا‪:‬‬
‫مج ُعوا َل ُكم َفاخ َشو ُهم َف َزا َد ُهم إ َيامن ًا َو َقا ُلوا َحس ُبنَا اهللُ َونع َم‬
‫َّاس َقد َ َ‬
‫{إ َّن الن َ‬
‫ال َوكيل}[آل عمران‪. »]173:‬‬
‫(‪)3‬‬

‫وفيها ثقة كاملة باهلل سبحانه‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬فإن ت ََو َّلوا َف ُقل َحسب َي اهللُ ال‬
‫إ َلـ َه إالَّ ُه َو َع َليه ت ََوكَّل ُت َو ُه َو َرب ال َعرش ال َعظيم}[التوبة‪ ،]129:‬قال‬
‫الس َام َوات َواألَر َض َل َي ُقو ُل َّن اهللَُّ ُقل َأ َف َر َأي ُتم َّما‬
‫تعاىل‪َ { :‬و َلئن َس َألت َُهم َّمن َخ َل َق َّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري رقم ‪ 808‬ومسلم رقم ‪.593‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم ‪ 3968‬ومسلم رقم ‪.2704‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري رقم ‪.4287‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪270‬‬
‫رضه َأو َأ َرا َدين ب َر َ‬
‫محة‬ ‫ون من ُدون اهللَّ إن َأ َرا َد َين اهللَُّ ب ُرض َهل ُه َّن كَاش َف ُ‬
‫ات ُ ِّ‬ ‫تَد ُع َ‬
‫محته ُقل َحسب َي اهللَُّ َع َليه َيت ََوك َُّل ُاملت ََو ِّك ُلون}[الزمر‪.]38:‬‬ ‫َات َر َ‬ ‫َهل ُه َّن ُممسك ُ‬
‫وهبا يكون اإللتجاء إىل اهلل تعاىل يف رفع الظلم‪ ،‬فعن عوف بن مالك‬
‫‪ ،‬قال ‪« :‬إن اهلل يلوم عىل العجز‪ ،‬ولكن عليك بالكَيس‪ ،‬فإذا غلبك‬
‫امرؤ فقل‪ :‬حسبي اهلل ونعم الوكيل» ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ومن قالتها حتققت هلا الطمأنينة والراحة العتامد عىل القوي العزيز‪،‬‬
‫فعن أيب سعيد اخلدري ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :‬كيف َأن َع ُم وصاحب‬
‫ال َقرن قد ال َت َق َم ال َقر َن ـ أي الصور ـ‪ ،‬واستمع اإلذن متى ُيؤ َم ُر بالنَّفخ َف َين ُف ُخ»‬
‫َفك ََأ َّن ذلك َث ُق َل عىل أصحاب رسول اهلل ‪ ‬فقال هلم‪« :‬قولوا‪َ :‬حس ُبنَا اهلل‬
‫(‪)2‬‬
‫ُ‬
‫الوكيل» ‪.‬‬ ‫ونعم‬
‫‪.6‬سبحان اهلل واحلمد هلل واهلل أكرب‪:‬‬
‫ال حتىص النصوص القرآنية واحلديثية يف ذكرها واحلث عليها‪ ،‬ال سيام‬
‫عند الطلوع والغروب وعقيب الصلوات‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬و َس ِّبح ب َحمد َر ِّب َك‬
‫يش َواإلبكَار}[غافر‪ ،]55:‬وقال تعاىل‪َ { :‬و َس ِّبح ب َحمد َر ِّب َك َقب َل ُط ُلوع‬
‫بال َع ِّ‬
‫الشمس َو َقب َل ال ُغ ُروب}[ق‪ ،]39:‬وقال تعاىل‪َ { :‬و َس ِّب ُحو ُه ُبك َر ًة‬ ‫َّ‬
‫َو َأصي ً‬
‫ال}[األحزاب‪ ،]42:‬وقال تعاىل‪َ { :‬وك َِّرب ُه تَكب ًريا}[اإلرساء‪]111:‬‬
‫وعن أيب هريرة ‪ ،‬فقال ‪َ « :‬من َس َّب َح اهلل يف ُد ُبر ُك ِّل صالة ثالث ًا‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود رقم ‪ 3627‬وأمحد رقم ‪.24029‬‬


‫حسن‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي رقم ‪ ،2431‬وقال‪ :‬حديث‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪271‬‬
‫وثالثني‪ ،‬فتلك تسعة‬‫َ‬ ‫َرب اهلل ثالث ًا‬
‫وثالثني‪ ،‬ومحدَ اهلل ثالث ًا وثالثني‪ ،‬وك َّ َ‬
‫َ‬
‫وتسعون‪ ،‬وقال َمتا َم املائَة‪ :‬ال إل َه إالَّ اهلل وحدَ ه ال َرشيك له‪ ،‬له ا ُملل ُك وله‬
‫قدير؛ ُغفرت خ َطايا ُه وإن كانت مثل َزبد‬ ‫ٌ‬ ‫احلمد‪ ،‬وهو عىل ُك ِّل يشء‬
‫البحر» ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وهي خري من الدينا وما فيها‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬ألن َأ ُق َ‬
‫ول‬
‫رب‪َ ،‬أحب إ َّل ممَّا َط َل َعت عليه‬
‫حلمدُ هللَّ‪ ،‬وال إ َله إالَّ اهلل‪َ ،‬واهلل أك ُ‬ ‫سب َ‬
‫حان اهلل‪َ ،‬وا َ‬
‫َّ‬
‫الشم ُس» ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وهي أحب الكالم إىل اهلل تعاىل‪ ،‬فعن سمرة بن جندب ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫«أحب الكالم إىل اهلل أربع‪ :‬سبحان اهلل واحلمد هلل وال إله إال اهلل واهلل أكرب‪،‬‬
‫ال يرضك بأهين بدأت» ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫وهي خري ما ُي َقدَّ ُم من العمل يف اليوم والليلة‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال‬
‫‪« :‬من قال حني يصبح وحني يميس سبحان اهلل وبحمده مائة مرة مل يأت‬
‫أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إال أحد قال مثلام قال أو زاد عليه» ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫وهي متأل امليزان يوم القيامة‪ ،‬فعن أيب مالك األشعري ‪ ، ‬قال ‪:‬‬
‫ور شطر اإليامن‪ ،‬واحلمد هللَّ َمت ُ‬
‫أل امليزان‪ ،‬وسبحان اهلل واحلمد هللَّ متآلن‬ ‫«الط ُه ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم رقم ‪.597‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم رقم ‪.2695‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم رقم ‪.2137‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم رقم ‪ 2692‬والرتمذي رقم ‪ 3469‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح غريب‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪272‬‬
‫أل ما بني السموات واألرض» ‪ ،‬وعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬كَلمتَان‬
‫(‪)1‬‬
‫أو َمت ُ‬
‫َخفي َفتَان عىل ال ِّلسان‪َ ،‬ثقي َلتان يف امليزان‪َ ،‬حبي َبتَان إىل الرمحن‪ :‬سبحان اهلل‬
‫وبحمده‪ ،‬سبحان اهلل العظيم» ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وهبا ينال الثواب اجلزيل‪ ،‬فعن سعد بن وقاص ‪ ،‬قال ‪َ « :‬أيعج ُز‬
‫كل يوم َألف حسنَة‪َ ،‬ف َس َأ َل ُه سائ ٌل من ُج َلسائه‪ :‬كيف‬ ‫َأحدُ كم أن يكس َ‬
‫ب َّ‬
‫لف حسنة‪،‬‬ ‫َب له َأ ُ‬
‫يكسب أحدنا ألف حسنَة؟ قال‪ُ :‬ي َس ِّب ُح مائ َة تسبيحة‪َ ،‬ف ُيكت ُ‬
‫ُ‬
‫ألف َخطي َئة» ‪.‬‬
‫حيط عنه ُ‬
‫أو ُ َ‬
‫(‪)3‬‬

‫جلنة‪ ،‬فعن جابر ‪ ،‬قال ‪« :‬من‬ ‫ِّ‬


‫وبكل واحدة منها ُتغرس نخل ٌة يف ا َ‬
‫وبحمده‪ُ ،‬غرست له نَخ َل ٌة يف ا َ‬
‫جلنَّة» ‪.‬‬ ‫قال‪ُ :‬سب َ‬
‫حان اهلل َ‬
‫(‪)4‬‬

‫وهبا حتط اخلطايا مهام كثرت‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬من‪ :‬قال‬
‫سبحان اهلل وبحمده‪ ،‬يف يوم مائة َم َّرة‪ُ ،‬ح َّطت َخ َطايا ُه‪ ،‬وإن كانت مثل َز َبد‬
‫البحر» ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم رقم ‪.223‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم ‪ 7124‬ومسلم رقم ‪.2694‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم رقم ‪.2698‬‬
‫حسن غريب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )4‬أخرجه الرتمذي ‪ ،3465‬عن جابر ‪ ،‬وقال‪ :‬حديث‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري رقم ‪ 6042‬ومسلم رقم ‪.2691‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪273‬‬
‫ومساء‪:‬‬
‫ً‬ ‫‪ .7‬املأثور صباح ًا‬
‫* «(قراءة آية الكريس) صباح ًا ومسا ًء(‪ ،)1‬وأن من قرأها غدوة أجري من‬
‫اجلن حتى يميس‪ ،‬وإذا قرأها حني يميس ُأج َري منهم حتى يصبح» ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫* «({ ُقل ُهو اهللُ َأ َحد} واملعوذتني) حني متيس وحني تصبح ثالث‬
‫مرات تكفيك من كل يشء»(‪ ،)3‬وعن أيب الدرداء ‪ ،‬قال ‪« :‬أيعجز‬
‫أحدكم أن يقرأ يف ليلة ثلث القرآن؟ قالوا‪ :‬وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال‪:‬‬
‫{ ُقل ُه َو اهللَُّ َأ َحد} تعدل ثلث القرآن»)‪.(4‬‬
‫* «(بسم اهلل الذي ال يرض مع اسمه يشء يف األرض وال يف السامء‬
‫وهو السميع العليم) ما من عبد يقوهلا يف صباح كل يوم ومساء كل ليلة‬
‫ثالث مرات فيرضه يشء»(‪.)5‬‬
‫* «(أصبحنا عىل فطرة اإلسالم وعىل كلمة اإلخالص وعىل دين نبينا‬
‫حممد ‪ ‬وعىل ملة أبينا إبراهيم حنيف ًا وما كان من املشكني)‪ ،‬يقوهلا إذا‬

‫(‪ )1‬أخرجه النسائي يف السنن الكربى رقم ‪ 8017‬عن أيب هريرة ‪.‬‬
‫(‪)2‬أخرجه الطرباين يف املعجم الكبري رقم ‪ 541‬واحلاكم يف املستدرك رقم ‪ 2064‬وقال‪ :‬صحيح‬
‫اإلسناد‪ ،‬روياه عن أيب بن كعب ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أمحد رقم ‪ 22716‬وأبو داود رقم ‪ 5082‬والنسائي رقم ‪ ،7860‬وروى نحوه الرتمذي‬
‫رقم ‪ 3575‬عن عبد اهلل بن خبيب ‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح غريب‪.‬‬
‫)‪ (4‬يف صحيح مسلم ‪ ،556 :1‬وصحيح البخاري‪.189 :6‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أمحد رقم ‪ 446‬وأبو داود رقم ‪ 5088‬والرتمذي رقم ‪ ،3388‬عن عثامن بن عفان ‪،‬‬
‫وقال‪ :‬حديث حسن صحيح والنسائي رقم ‪ 10178‬واحلاكم رقم ‪ 1895‬وصححه‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪274‬‬
‫أصبح وإذا أمسى»(‪.)1‬‬
‫* «(اللهم عافني يف بدين‪ ،‬اللهم عافني يف سمعي‪ ،‬اللهم عافني يف‬
‫برصي‪ ،‬ال إله إال أنت‪ ،‬اللهم إين أعوذ بك من الكفر والفقر‪ ،‬اللهم إين أعوذ‬
‫بك من عذاب القرب‪ ،‬ال إله إال أنت) تعيدها حني تصبح ثالث ًا وثالث ًا حني‬
‫متيس»(‪.)2‬‬
‫* «(ال َّل ُه َّم إ ِّين َأس َأ ُل َك العافية يف الدينا واآلخرة‪ ،‬ال َّل ُه َّم إنِّى َأس َأ ُل َك‬
‫العفو والعافية يف ديني ودنياي وأهيل ومال‪ ،‬ال َّل ُه َّم اس ُرت َعو َرايت‪ ،‬وآمن‬
‫َروعايت ـ أي ما خييفيني ـ‪ ،‬ال َّل ُه َّم اح َفظني من بني يدي ومن خلفي وعن‬
‫يميني وعن يميني وعن شامل ومن فوقي‪ ،‬وأعوذ ب َع َظ َمت َك َأن ُأغت ََال ـ أي‬
‫أهل باخلسف ـ من حتتي) مل يكن رسول اهلل ‪َ ‬يدَ ُع هؤالء الدعوات حني‬
‫يصبح وحني يميس»(‪.)3‬‬
‫* «(اللهم أنت ريب ال إله إال أنت‪ ،‬خلقتني وأنا عبدك‪ ،‬وأنا عىل‬
‫رش ما صنعت‪ ،‬أبوء لك بنعمتك‬
‫عهدك ووعدك ما استطعت‪ ،‬أعوذ بك من ِّ‬
‫عيل‪ ،‬وأبوء بذنبي‪ ،‬فاغفر ل فإنه ال يغفر الذنوب إال أنت)‪ ،‬هذا سيد‬
‫فمن قاله من النهار موقن ًا هبا فامت من يومه قبل أن يميس فهو‬
‫االستغفار‪َ ،‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد رقم ‪ ،15400‬والنسائي رقم ‪ 10175‬عن أبزى ‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أمحد ‪ ،42/5‬وأبو داود رقم ‪ 5090‬والنسائي رقم ‪ 10407‬والبخاري يف األدب املفرد‬
‫رقم ‪ 701‬عن عبدالرمحن بن أيب بكرة ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أمحد رقم ‪ ،4785‬وأبو داود رقم ‪ 5074‬وابن حبان رقم ‪ 961‬واحلاكم رقم ‪1902‬‬
‫وصحح إسناده عن ابن عمر ‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪275‬‬
‫من أهل اجلنة‪ ،‬و َمن قاله من الليل وهو موقن هبا فامت قبل أن يصبح فهو من‬
‫أهل اجلنة»(‪.)1‬‬
‫* «(اللهم ما أصبح يب من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك ال‬
‫رشيك لك‪ ،‬لك احلمد ولك الشكر) من قاهلا حني يصبح فقد أدى شكر‬
‫يومه ومن قاهلا مثل ذلك حني يميس فقد أدى شكر ليلته»(‪.)2‬‬
‫* «أمسينا وأمسى امللك هلل واحلمد هلل ال إله إال اهلل وحده ال رشيك‬
‫له‪ ،‬له امللك وله احلمد وهو عىل كل يشء قدير‪ ،‬ريب أسالك خري ما يف هذه‬
‫الليلة وخري ما بعدها‪ ،‬وأعوذ بك من رش هذه الليلة ورش ما بعدها‪ ،‬رب‬
‫أعوذ بك من الكسل واهلرم وسوء الكرب‪ ،‬رب أعوذ بك من عذاب يف النار‬
‫وعذاب يف القرب)»‪ ،‬كان يقوهلا ‪ ‬وإذا أصبح قال ذلك‪( :‬أصبحنا وأصبح‬
‫امللك هلل)»(‪.)3‬‬

‫«يا حي يا قيوم برمحتك أستغيث‪ ،‬أصلح ل شأين كله‪ ،‬وال تكلني إىل‬
‫نفيس طرفة عني»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري رقم ‪ 5947‬عن شداد بن أوس ‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود رقم ‪ 5073‬عن ابن غنام ‪ ،‬والنسائي رقم ‪ ،9835‬وأخرجه ابن حبان رقم‬
‫‪.861‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم رقم ‪ 2723‬عن ابن مسعود ‪.‬‬
‫)‪ (4‬يف سنن النسائي الكربى‪ ،212 :8‬وغريها بألفاظ متعددة عن أنس وغريه ‪ :‬قال ‪ ‬لفاطمة‬
‫ريض اهلل عنه‪ :‬ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به‪ ،‬أن تقول إذا أصبحت وإذا أمسيت‪...:‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪276‬‬
‫* «(أعوذ بكلامت اهلل التامات من رش ما خلق) من قاهلا حني يميس‬
‫ثالث مرات؛ مل ترضه حية»(‪.)1‬‬
‫تنبيه‪ :‬سنية الذكر اجلامعي‪:‬‬
‫وهذه األذكار وغريها مما ورد يف القرآن والسنة وعن السلف‬
‫والعارفني جيوز أن يكون منفرد ًا أو مجاعة يف حلقات ذكر خاصة به‪ ،‬وهو ما‬
‫َو َق َع عليه اإلمجاع؛ لثبوته بالسنة املطهرة‪ ،‬فكان معاذ يقول لبعض أصحابه‪:‬‬
‫اجلس بنا نؤمن ساعة(‪.)2‬‬
‫وعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬ال يقعد قوم يذكرون اهلل عز وجل إال‬
‫حفتهم املالئكة‪ ،‬وغشيتهم الرمحة‪ ،‬ونزلت عليهم السكينة‪ ،‬وذكرهم اهلل‬
‫فيمن عنده» ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫وعن أنس ‪ ،‬قال ‪« :‬إذا مررتم برياض اجلنة فارتعوا‪ ،‬قال‪ :‬وما‬
‫رياض اجلنة؟ قال‪ :‬حلق الذكر» ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن حبان رقم ‪ ،1022‬ونحوه أمحد ‪ ،448/3‬وروى مسلم نحوه رقم ‪ 270‬عن أيب‬
‫هريرة ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري تعليق ًا يف بداية كتاب اإليامن من صحيحه‪ ،‬وأخرجه ابن أيب شيبة رقم‬
‫‪ 30363‬بإسناده «عن األسود بن هالل املحاريب قال‪ :‬قال ل معاذ‪ :‬اجلس بنا نؤمن ساعة‪ ،‬يعني‬
‫نذكر اهلل»‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم رقم ‪.2700‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الرتمذي رقم ‪ ،3510‬وقال‪ :‬حديث حديث حسن غريب من هذا الوجه‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪277‬‬
‫وعن أنس ‪ ،‬قال ‪« :‬ألن أقعد مع قوم يذكرون اهلل تعاىل من صالة‬
‫الغداة حتى تطلع الشمس أحب إل من أن أعتق أربعة من ولد إسامعيل‪،‬‬
‫وألن أقعد مع قوم يذكرون اهلل من صالة العرص إىل أن تغرب الشمس أحب‬
‫إل من أن أعتق أربعة»(‪.)1‬‬
‫تطبيق‪ :‬عليك االلتزام بالذكر لعدة آالف مع االستحضار يف وقت‬
‫قصري يف البداية حتى يصبح الذكر عادة لك بعدها(‪.)2‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود برقم ‪.3667‬‬


‫(‪ )2‬أفاده الدكتور معاذ حوى يف التزكية عىل منهاج النبوة‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪278‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الدعاء‪:‬‬
‫الذكر إال أن فيه إجاب ُة اهلل بالدعاء‪ ،‬وت ٌ‬
‫َذلل له‬ ‫الدعا ُء وإن كان نوع ًا من ِّ‬
‫وافتقار له دون غريه ودوام عىل التَّعلق به‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سبحانه‪،‬‬
‫ويف بيان فضله ومقامه وصوره وأوقاته وأحواله نذكر النقاط اآلتية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬فضل الدعاء‪:‬‬
‫‪.1‬التذلل هلل تعاىل‪ :‬وهو الغاية من عبادته سبحانه‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬اد ُعوا‬
‫َر َّب ُكم ت ََرض ًعا َو ُخف َي ًة إ َّن ُه الَ ُحيب املُعتَدين}[األعراف‪ ،]55:‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫{ َو َق َال َرب ُك ُم اد ُعوين َأستَجب َل ُكم إ َّن ا َّلذي َن َيستَك ُ‬
‫رب َ‬
‫ون َعن ع َبا َديت‬
‫َس َيد ُخ ُل َ‬
‫ون َج َهن ََّم َداخرين}[غافر‪]60:‬‬
‫‪.2‬طريقة إجابة طلب العبد‪ :‬قال تعاىل‪َ { :‬وإ َذا َس َأ َل َك ع َبادي َعنِّي َفإ ِّين‬
‫يب َدع َو َة الدَّ اع إ َذا َد َعان َفل َيستَجي ُبوا ل}[البقرة‪ ، ]186:‬وقال‬ ‫يب ُأج ُ‬‫َقر ٌ‬
‫محـ َن َأ ًّيا َّما تَد ُعوا َف َل ُه األَس َامء احلُسنَى}‬ ‫تعاىل‪ُ { :‬قل اد ُعوا اهللَ َأو اد ُعوا َّ‬
‫الر َ‬
‫[اإلرساء‪.]110 :‬‬
‫‪ .3‬حتقق كامل العبادة بالدعاء‪ :‬فعن النعامن بن بشري ‪ ،‬قال ‪« :‬إن‬
‫الدعاء هو العبادة»(‪ ،)1‬وعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬ليس يشء أكرم عند اهلل‬
‫من الدعاء»(‪.)2‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه أصحاب السنن واحلاكم‪ ،‬وقال‪ :‬صحيح اإلسناد‪ ،‬وقال الرتمذي‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه الرتمذي‪ ،‬وقال‪ :‬غريب‪ ،‬وابن ماجه وابن حبان واحلاكم وقال‪ :‬صحيح اإلسناد‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪279‬‬
‫‪.4‬كامل االعتامد عىل اهلل تعاىل‪ ،‬وقطع الرجاء من غريه‪ :‬فعن ابن عباس‬
‫‪ ،‬قال ‪« :‬إذا َس َأل َت َفاس َأل اهلل‪ ،‬وإذا استعنت فاستعن باهلل‪ ،‬واعلم أن‬
‫األمة لو اجتمعت عىل أن ينفعوك بيشء مل ينفعوك إال بيشء قد كتبه اهلل لك‪،‬‬
‫ولو اجتمعوا عىل أن يرضوك بيشء مل يرضوك إال بيشء قد كتبه اهلل عليك‪،‬‬
‫رفعت األقالم وجفت الصحف»(‪.)1‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬آداب الدعاء(‪:)2‬‬
‫‪.1‬أن يتصد لدعائه األوقات الرشيفة‪ :‬كيوم عرفة من السنة‪ ،‬ورمضان‬
‫من األشهر‪ ،‬ويوم اجلمعة من األسبوع‪ ،‬ووقت السحر من ساعات الليل‪،‬‬
‫قال تعاىل‪َ { :‬وباألَس َحار ُهم َيستَغف ُرون}[الذاريات‪ ،]18:‬فعن أيب هريرة‬
‫‪ ،‬قال ‪« :‬ينزل ربنا تبارك وتعاىل كل ليلة إىل السامء الدنيا حني يبقى ثلث‬
‫الليل اآلخر يقول‪ :‬من يدعوين‪ ،‬فأستجيب له من يسألني فأعطيه‪ ،‬من‬
‫يستغفرين فأغفر له»(‪.)3‬‬
‫‪.2‬أن يغتنم األحوال الرشيفة‪ :‬فعن أنس ‪« :‬الدعاء بني األذان‬
‫واإلقامة ال يرد»(‪ ،)4‬وعن أيب هريرة ‪« :‬الصائم ال ترد دعوته»(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬يف سنن الرتمذي‪ ،667 :4‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫(‪ )2‬اخترصت من إحياء علوم الدين‪303 :1‬ـ ‪.307‬‬
‫)‪ (3‬يف صحيح البخاري‪.53 :2‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه أبو داود والنسائي يف اليوم والليلة والرتمذي وحسنه من حديث أنس وضعفه ابن‬
‫عدي وابن القطان‪ ،‬ورواه يف اليوم والليلة بإسناد آخر جيد وابن حبان واحلاكم وصححه‬
‫)‪ (5‬أخرجه الرتمذي‪ ،‬وقال حسن وابن ماجه‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪280‬‬
‫وباحلقيقة يرجع رشف األوقات إىل رشف احلاالت أيض ًا؛ إذ وقت‬
‫السحر وقت صفاء القلب وإخالصه وفراغه من املشوشات‪ ،‬ويوم عرفة‬
‫ويوم اجلمعة وقت اجتامع اهلمم وتعاون القلوب عىل استدرار رمحة اهلل عز‬
‫وجل‪ ،‬فهذا أحد أسباب رشف األوقات سوى ما فيها من أرسار ال يطلع‬
‫البش عليها‪.‬‬
‫وحالة السجود أيضا أجدر باإلجابة يف صالة النافلة‪ ،‬فعن أيب هريرة‬
‫أقرب ما يكون العبد من ر ِّبه وهو ساجدٌ فأكثروا الدعاء»(‪.)1‬‬
‫‪ ،‬قال ‪ُ « :‬‬
‫وعن ابن ع َّباس ‪ ،‬قال‪« :‬أال وإين هنيت أن أقرأ القرآن راكع ًا أو‬
‫ساجد ًا‪ ،‬فأما الركوع فعظموا فيه الرب تعاىل‪ ،‬وأما السجود فاجتهدوا يف‬
‫الدعاء‪ ،‬فقمن أن يستجاب لكم»(‪.)2‬‬

‫‪.3‬أن يدعو مستقبل القبلة‪ ،‬ويرفع يديه بحيث يرى بياض إبطيه‪ ،‬فعن‬
‫سلامن ‪ ،‬قال ‪« :‬إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه أن‬
‫يردمها صفر ًا»(‪.)3‬‬

‫وعن أنس ‪« :‬كان ‪ ‬يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه يف الدعاء»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح مسلم‪.350 :1‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح مسلم‪.348 :1‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود والرتمذي وحسنه وابن ماجه واحلاكم وقال‪ :‬إسناده صحيح عىل رشطهام‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪281‬‬
‫‪ .4‬خفض الصوت بني املخافتة واجلهر‪ :‬قال تعاىل‪{ :‬اد ُعوا َر َّب ُكم ت ََرض ًعا‬
‫َو ُخف َي ًة}[األعراف‪ ، ]55:‬فعن أيب موسى األشعري ‪ ،‬قال‪« :‬قدمنا مع‬
‫رسول اهلل فلام دنونا من املدينة كرب‪ ،‬وكرب الناس ورفعوا أصواهتم‪ ،‬فقال ‪ ‬يا‬
‫أهيا الناس إن الذي تدعون ليس بأصم وال غائب إن الذي تدعون بينكم‬
‫وبني أعناق ركابكم»(‪.)1‬‬
‫‪ .5‬أن ال يتكلف السجع يف الدعاء‪ :‬فإن حال الداعي ينبغي أن يكون‬
‫مترضع‪ ،‬والتكلف ال يناسبه‪ ،‬فعن ابن عباس ‪« :‬فانظر السجع من‬ ‫ِّ‬ ‫حال‬
‫الدعاء فاجتنبه‪ ،‬فإين عهدت رسول اهلل ‪ ‬وأصحابه ال يفعلون إال ذلك‬
‫يعني ال يفعلون إال ذلك االجتناب»(‪ ،)2‬والسجع هو املتكلف من الكالم‪،‬‬
‫فإن ذلك ال يالئم الرضاعة والذلة‪ ،‬وإال ففي األدعية املأثورة عن رسول اهلل‬
‫‪ ‬كلامت متوازنة لكنها غري متكلفة‪.‬‬
‫‪.6‬التَّضع واخلشوع والرغبة والرهبة‪ :‬قال تعاىل‪{ :‬إ َّهنُم كَا ُنوا ُي َسار ُع َ‬
‫ون‬
‫اخل َريات َو َيد ُعو َننَا َر َغ ًبا َو َر َه ًبا}[األنبياء‪ ، ]90:‬وقال تعاىل‪{ :‬اد ُعوا َر َّب ُكم‬
‫يف َ‬
‫ت ََرض ًعا َو ُخف َي ًة}[األعراف‪.]55:‬‬
‫‪.7‬أن جيزم الدعاء‪ ،‬ويوقن باإلجابة‪ ،‬ويصدق رجاءه فيه‪ :‬فعن أيب هريرة‬
‫‪ ،‬قال ‪« :‬ال يقل أحدكم إذا دعا اللهم اغفر ل إن شئت‪ ،‬اللهم ارمحني‬
‫إن شئت‪ ،‬ليعزم املسألة‪ ،‬فإنه ال مكره له»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري ومسلم‬


‫(‪ )2‬يف صحيح البخاري‪.306 :1‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪282‬‬
‫وعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة‪ ،‬فإن اهلل ال‬
‫يتعاظمه يشء»(‪.)1‬‬
‫وقال ابن عيينة‪ :‬ال يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه‪ ،‬فإن اهلل‬
‫عز وجل أجاب دعاء رش اخللق إبليس لعنه اهلل؛ إذ قال‪َ { :‬ق َال َر ِّب َف َأنظرين‬
‫إ َىل َيوم ُيب َع ُثون‪َ .‬ق َال َفإن ََّك م َن ُاملن َظرين}[ص‪.]80:‬‬
‫‪.8‬أن يلح يف الدعاء‪ ،‬ويكرره ثالث ًا‪ ،‬قال اب ُن مسعود ‪« :‬كان ‪ ‬إذا دعا‬
‫دعا ثالث ًا‪ ،‬وإذا سال سأل ثالث ًا»(‪.)2‬‬
‫وينبغي أن ال يستبطىء اإلجابة‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬يستجاب‬
‫ألحدكم ما مل يعجل فيقول‪ :‬قد دعوت فلم يستجب ل‪ ،‬فإذا دعوت فاسأل‬
‫اهلل كثري ًا‪ ،‬فإنك تدعو كري ًام»(‪.)3‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬إين أسأل اهلل تعاىل منذ عشين سنة حاجة‪ ،‬وما أجابني‪،‬‬
‫وأنا أرجو اإلجابة‪ ،‬سألت اهلل تعاىل أن يوفقني لرتك ما ال يعنيني‪.‬‬
‫‪.9‬أن يفتتح الدعاء بذكر اهلل تعاىل‪ ،‬فال يبدأ بالسؤال‪ :‬فعن سلمة بن‬
‫األكوع ‪« :‬ما سمعت رسول اهلل ‪ ‬يستفتح الدعاء إال استفتحه بقول‪:‬‬
‫سبحان ريب العيل األعىل الوهاب»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن حبان يف صحيحه‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أمحد واحلاكم وقال صحيح اإلسناد‪ ،‬قلت‪ :‬فيه عمر بن راشد اليامين ضعفه اجلمهور‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪283‬‬
‫‪.10‬وهو األدب الباطن‪ ،‬وهو األصل يف اإلجابة التوبة ورد املظامل‬
‫واإلقبال عىل اهلل عز وجل بكنه اهلمة‪ ،‬فذلك هو السبب القريب يف اإلجابة‪.‬‬
‫قيل‪ :‬ملالك بن دينار‪ :‬ادع لنا ربك‪ ،‬فقال‪ :‬إنكم تستبطئون املطر‪ ،‬وأنا‬
‫أستبطىء احلجارة‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬من األدعية القرآنية ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ورد كثري ًا من األدعية يف القرآن الكريم‪ ،‬وهي أدعى من غريها أن َّ‬


‫هنتم‬
‫هبا ونذكرها ونرددها ونجعلها أساس ًا لغريها‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫الرحيم‪.‬‬
‫الرمحـن َّ‬ ‫احلمدُ هلل َر ِّب ال َعا َملني‪َّ .‬‬
‫الرحيم‪َ .‬‬ ‫الرمحـَن َّ‬ ‫* {بسم اهلل َّ‬
‫اط ا ُملستَقيم‪.‬‬
‫الرص َ‬
‫اك نَستَعني‪ .‬اهدنَــــا ِّ َ‬ ‫اك نَع ُبدُ وإ َّي َ‬
‫َمـالك َيوم الدِّ ين‪ .‬إ َّي َ‬
‫الضا ِّلني}[الفاحتة‪:‬‬‫غضوب َع َليهم َوالَ َّ‬ ‫مت َع َليهم َغري ا َمل ُ‬ ‫اط ا َّلذي َن َأن َع َ‬
‫رص َ‬
‫َ‬
‫‪.]7‬‬
‫يع ال َعليم‪َ .‬ر َّبنَا َواج َعلنَا ُمسل َمني َل َك‬
‫السم ُ‬
‫نت َّ‬ ‫* { َر َّبنَا َت َق َّبل منَّا إن ََّك َأ َ‬
‫اب‬ ‫َّك َأ َ‬
‫نت الت ََّّو ُ‬ ‫َومن ُذ ِّر َّيتنَا ُأ َّم ًة مسل َم ًة َّل َك َو َأرنَا َمنَاس َكنَا َو ُتب َع َلينَآ إن َ‬
‫الرحيم}[البقرة‪.]128:‬‬
‫َّ‬
‫* {ومن ُهم َّمن َي ُق ُ‬
‫ول َر َّبنَا آتنَا يف الدن َيا َح َسنَ ًة َويف اآلخ َرة َح َسنَ ًة َوقنَا‬
‫َع َذ َ‬
‫اب النَّار}[البقرة‪]201:‬‬

‫ربا َو َث ِّبت َأقدَ ا َمنَا َو ُ‬


‫انرصنَا َع َىل ال َقوم‬ ‫* { َقا ُلوا َر َّبنَا َأفرغ َع َلينَا َص ً‬

‫(‪ )1‬هذا األدعية مستفادة من كتاب التزكية عىل للدكتور معاذ حوى‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪284‬‬
‫الكَافرين}[البقرة‪.]250:‬‬

‫* { َر َّبنَا الَ ُت َؤاخذنَا إن نَّسينَا َأو َأخ َطأنَا َر َّبنَا َوالَ َحتمل َع َلينَا إ ً‬
‫رصا ك ََام‬
‫ف َعنَّا َواغفر‬ ‫محل َت ُه َع َىل ا َّلذي َن من َقبلنَا َر َّبنَا َوالَ ُ َحت ِّملنَا َما الَ َطا َق َة َلنَا به َواع ُ‬
‫ََ‬
‫انرصنَا َع َىل ال َقوم الكَافرين}[البقرة‪]286:‬‬ ‫َلنَا َوار َمحنَآ َأ َ‬
‫نت َموالَنَا َف ُ‬
‫مح ًة إن ََّك َأ َ‬
‫نت‬ ‫* { َر َّبنَا الَ ُتزغ ُق ُلو َبنَا َبعدَ إذ َهدَ ي َتنَا َو َهب َلنَا من َّلدُ َ‬
‫نك َر َ‬
‫ف املي َعاد }[آل‬ ‫ب فيه إ َّن اهللَ الَ ُخيل ُ‬
‫ال َو َّهاب‪َ .‬ر َّبنَا إن ََّك َجام ُع النَّاس ل َيوم الَّ َري َ‬
‫عمران‪.]9:‬‬
‫* { ُقل ال َّل ُه َّم َمال َك ُامللك ُتؤيت ُاملل َك َمن ت ََشاء َوتَنز ُع ُاملل َك ممَّن ت ََشاء‬
‫َّك َع َ َىل ُك ِّل َيشء َقدير‪ُ .‬تول ُج‬ ‫َو ُتعز َمن ت ََشاء َو ُتذل َمن ت ََشاء ب َيد َك اخلَ ُري إن َ‬
‫احل َّي م َن َامل ِّيت َو ُختر ُج ا َمل َّي َت م َن‬
‫ال َّلي َل يف الن ََّهار َو ُتول ُج الن ََّه َار يف ال َّليل َو ُختر ُج َ‬
‫احل ِّي َوتَر ُز ُق َمن ت ََشاء ب َغري ح َساب}[آل عمران‪]27:‬‬
‫َ‬
‫رسا َفنَا يف َأمرنَا َو َث ِّبت َأقدَ ا َمنَا ُ‬
‫وانرصنَا َع َىل‬ ‫* {ر َّبنَا اغفر َلنَا ُذ ُنو َبنَا َوإ َ‬
‫ال َقوم الكَافرين}[آل عمران‪]147:‬‬
‫اب النَّار‪َ .‬ر َّبنَا إن ََّك َمن‬ ‫َك َفقنَا َع َذ َ‬ ‫* { َر َّبنَا َما َخ َلق َت َهذا َباط ً‬
‫ال ُسب َحان َ‬
‫نصار‪َّ .‬ر َّبنَا إ َّننَا َسمعنَا ُمنَاد ًيا ُينَادي‬ ‫ني من َأ َ‬‫ُتدخل الن ََّار َف َقد َأخ َزي َت ُه َو َما لل َّظامل َ‬
‫لإل َيامن َأن آمنُوا ب َر ِّب ُكم َفآ َمنَّا َر َّبنَا َفاغفر َلنَا ُذ ُنو َبنَا َو َك ِّفر َعنَّا َس ِّي َئاتنَا َوت ََو َّفنَا َم َع‬
‫َّك الَ ُختل ُ‬
‫ف‬ ‫األب َرار‪َ .‬ر َّبنَا َوآتنَا َما َو َعد َّتنَا َع َىل ُر ُسل َك َوالَ ُختزنَا َيو َم الق َيا َمة إن َ‬
‫املي َعاد}[آل عمران‪]194:‬‬
‫* { َر َّبنَا َظ َلمنَا َأن ُف َسنَا َوإن َّمل تَغفر َلنَا َوتَر َمحنَا َلنَ ُكو َن َّن م َن‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪285‬‬
‫اخلارسين}[األعراف‪]23:‬‬
‫َ‬
‫الصالَة َومن ُذ ِّر َّيتي َر َّبنَا َو َت َق َّبل ُد َعاء‪َ .‬ر َّبنَا اغفر‬
‫يم َّ‬
‫* { َر ِّب اج َعلني ُمق َ‬
‫ني َيو َم َي ُقو ُم احل َساب}[إبراهيم‪.]41:‬‬ ‫ل َول َوالدَ َّي َولل ُمؤمن َ‬
‫* { َّر ِّب َأدخلني ُمد َخ َل صدق َو َأخرجني ُخم َر َج صدق َواج َعل ِّل من‬
‫َّلدُ َ‬
‫نك ُسل َطانًا نَّص ًريا}[اإلرساء‪]80:‬‬
‫مح ًة َو َه ِّيئ َلنَا من َأمرنَا َر َشدً ا}[الكهف‪]10:‬‬ ‫* { َر َّبنَا آتنَا من َّلدُ َ‬
‫نك َر َ‬
‫ارشح ل َصدري‪َ .‬و َي ِّرس ل َأمري‪َ .‬واح ُلل ُعقدَ ًة ِّمن ِّل َساين‪.‬‬
‫* { َر ِّب َ‬
‫َيف َق ُهوا َقول}[طه‪]28:‬‬
‫* { َّر ِّب زدين عل ًام}[طه‪]114:‬‬
‫الش َياطني‪َ .‬و َأ ُعو ُذ ب َك َر ِّب َأن‬ ‫* { َّر ِّب َأ ُعو ُذ ب َك من َ َ‬
‫مه َزات َّ‬
‫رضون}[املؤمنون‪]98:‬‬ ‫َحي ُ ُ‬
‫اهبا ك َ‬
‫َان َغ َرا ًما‪ .‬إ َّهنَا َساءت‬ ‫اب َج َهن ََّم إ َّن َع َذ َ َ‬
‫* { َر َّبنَا ارصف َعنَّا َع َذ َ‬
‫ُمس َت َق ًّرا َو ُم َقا ًما}[الفرقان‪.]66:‬‬
‫* { َر َّبنَا َهب َلنَا من َأز َواجنَا َو ُذ ِّر َّياتنَا ُق َّر َة َأع ُني َواج َعلنَا لل ُمتَّق َ‬
‫ني إ َما ًما}‬
‫[الفرقان‪]74:‬‬
‫ان صدق يف‬ ‫الصاحلني‪َ .‬واج َعل ِّل ل َس َ‬ ‫* { َر ِّب َهب ل ُحك ًام َو َأحلقني ب َّ‬
‫الضا ِّلني‪.‬‬ ‫اآلخرين‪َ .‬واج َعلني من َو َر َثة َجنَّة النَّعيم‪َ .‬واغفر ألَيب إ َّن ُه ك َ‬
‫َان م َن َّ‬
‫َوالَ ُختزين َيو َم ُيب َع ُثون}[الشعراء‪]87:‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪286‬‬
‫* { َر ِّب َأوزعني َأن َأش ُك َر نع َمت ََك ا َّلتي َأن َعم َت َع َ َّيل َو َع َىل َوالدَ َّي َو َأن‬
‫الصاحلني}[النمل‪]19:‬‬ ‫محت َك يف ع َباد َك َّ‬ ‫احلا تَر َضا ُه َو َأدخلني ب َر َ‬
‫َأع َم َل َص ً‬
‫* { َر ِّب َأوزعني َأن َأش ُك َر نع َمت ََك ا َّلتي َأن َعم َت َع َ َّيل َو َع َىل َوالدَ َّي َو َأن‬
‫احلا تَر َضا ُه َو َأصلح ل يف ُذ ِّر َّيتي إ ِّين ُتب ُت إ َلي َك َوإ ِّين م َن‬ ‫َأع َم َل َص ً‬
‫ُاملسلمني}[األحقاف‪]15:‬‬
‫* { َر َّبنَا اغفر َلنَا َوإلخ َواننَا ا َّلذي َن َس َب ُقونَا باإل َيامن َوالَ َجت َعل يف ُق ُلوبنَا‬
‫وف َّرحيم}[احلش‪]10:‬‬ ‫ال ِّل َّلذي َن آ َمنُوا َر َّبنَا إن ََّك َر ُؤ ٌ‬
‫غ ًّ‬
‫َّك َع َىل ُك ِّل َيشء َقدير}[التحريم‪]8:‬‬ ‫* { َر َّبنَا َأمتم َلنَا ُن َ‬
‫ورنَا َواغفر َلنَا إن َ‬
‫ني َو ُاملؤمنَات‬
‫* { َر ِّب اغفر ل َول َوالدَ َّي َو َملن َد َخ َل َبيت َي ُمؤمنًا َولل ُمؤمن َ‬
‫ني إالَّ َت َب ًارا}[نوح‪]28:‬‬ ‫َوالَ تَزد ال َّظامل َ‬
‫رابع ًا‪ :‬من األدعية النبوية ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ورد يف السنة الشيفة ما ال حيىص من األدعية‪ ،‬وهي حري ٌة باالهتامم‬


‫والعناية؛ لصدورها فم خري الربية ‪ ،‬واشتامهلا عىل أنوار ختاطب القلوب‪،‬‬
‫وحتيي النفوس‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫* «اللهم اجعل يف قلبي نور ًا‪ ،‬ويف برصي نور ًا‪ ،‬ويف سمعي نور ًا‪ ،‬وعن‬
‫يميني نور ًا‪ ،‬وعن يساري نور ًا‪ ،‬وفوقي نور ًا‪ ،‬وحتتي نور ًا‪ ،‬وأمامي نور ًا‪،‬‬
‫وخلفي نور ًا‪ ،‬واجعل ل نور ًا»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬هذا األدعية مستفادة مع هوامشها من كتاب التزكية عىل للدكتور معاذ حوى‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم ‪ 5957‬ومسلم رقم ‪ ،763‬عن ابن عباس ‪..‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪287‬‬
‫* «ال َّل ُه َّم اهدين‪َ ،‬وسدِّ دين»(‪.)1‬‬
‫* «ال َّل ُه َّم إين َأس َأ ُل َك اهلُدَ ى‪َ ،‬والت َقى‪َ ،‬والع َف َ‬
‫اف‪ ،‬والغنَى»(‪.)2‬‬
‫* « ال َّل ُه َّم اغفر ل‪َ ،‬وار َمحني‪َ ،‬و َعافني‪َ ،‬وار ُزقني‪َ ،‬فإ َّن َه ُؤالء َجت َم ُع َل َك‬
‫َك»(‪.)3‬‬‫اك َوآخ َرت َ‬ ‫ُدن َي َ‬

‫ف ال ُق ُلوب ِّ‬
‫رصف ُقلو َبنَا َع َىل َطا َعت َك»(‪.)4‬‬ ‫* «ال َّل ُه َّم ُم َ ِّ‬
‫رص َ‬
‫الش َقاء‪َ ،‬و ُسوء ال َق َضاء‪َ ،‬و َشامتَة‬
‫* « َت َع َّو ُذوا باهلل من َجهد ال َبالء‪َ ،‬و َد َرك َّ‬
‫األَعدَ اء»(‪.)5‬‬

‫هم َأصلح ل ديني ا َّلذي ُه َو عص َم ُة َأمري‪ ،‬و َأصلح ل ُدن َي َ‬


‫اي‬ ‫* «ال َّل َّ‬
‫التي ف َيها َم َعايش‪َ ،‬و َأصلح ل آخ َريت ا َّلتي فيها معادي‪َ ،‬واجعل احل َيا َة زيا َد ًة ل‬
‫راح ًة ل من ُك ِّل َرش»(‪.)6‬‬
‫املوت َ‬
‫َ‬ ‫يف ُك ِّل َخري‪َ ،‬واج َعل‬
‫هم إ ِّين َأ ُعو ُذ ب َك من منك ََرات األَخالق واألع َامل واألَهواء»(‪.)7‬‬
‫* «ال َّل َّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم رقم ‪ 2725‬عن عيل ‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم رقم ‪ 2721‬ع ابن مسعود ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم رقم ‪.2697‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم رقم ‪ 2654‬عن عبد اهلل بن عمرو ‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري رقم ‪ 6242‬ومسلم نحوه رقم ‪ 2707‬عن أيب هريرة ‪.‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه مسلم رقم ‪ 2720‬عن أيب هريرة ‪.‬‬
‫ُ‬
‫حديث َح َس ٌن غريب»‪ ،‬ونحوه عند ابن حبان رقم‬ ‫(‪ )7‬أخرجه الرتمذي رقم ‪ 3591‬وقال‪« :‬هذا‬
‫‪ 960‬واحلاكم رقم ‪ 1949‬وصححه عىل رشط مسلم عن قطبة بن مالك ‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪288‬‬
‫* «ال َّل ُه َّم إ ِّين َأ ُعو ُذ ب َك م َن العجز والك ََسل َواجلُبن َواهل َ َرم َوال ُبخل‪،‬‬
‫َو َأ ُعو ُذ ب َك من َع َذاب القرب‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ ب َك من فتنَة املَحيا َوا َمل َامت»(‪.)1‬‬
‫الله َّم إ ِّين َأ ُعو ُذ ب َك م َن ال َعجز َوالك ََسل‪ ،‬وال ُبخل َواهلَرم‪ ،‬و َع َذاب‬
‫*« ُ‬
‫َّاها‪َ ،‬أن َت ولي َها‬
‫ال َقرب‪ ،‬ال َّل ُه َّم آت نَفيس تَق َو َاها‪َ ،‬و َزك َِّها َأن َت َخ ُري َمن َزك َ‬
‫َوموالَ َها‪ ،‬ال َّل ُه َّم إ ِّين َأ ُعو ُذ ب َك من علم ال َين َف ُع‪ ،‬ومن َقلب الَ خي َش ُع‪َ ،‬ومن‬
‫تجاب هلَا»(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫نَفس ال تَش َب ُع‪ ،‬ومن َدعوة ال ُيس‬
‫رسايف يف َأمري‪ ،‬وما َأن َت َأع َلم به‬ ‫هم اغفر ل َخطي َئتي وجهيل‪ ،‬وإ َ‬ ‫* «ال َّل َّ‬
‫هم اغفر ل جدِّ ي َو َهزل‪َ ،‬و َخ َطئي َوعمدي‪َ ،‬وكل ذل َك عندي‪،‬‬ ‫منِّي‪ ،‬ال َّل َّ‬
‫ال َّل ُه َّم اغفر ل َما َقدَّ م ُت َو َما َأ َّخر ُت‪َ ،‬وما َأرسر ُت َو َما َأع َلن ُت‪َ ،‬و َما َأن َت َأع َل ُم‬
‫كل َيشء َقد ٌير»(‪.)3‬‬ ‫به منِّي‪َ ،‬أنت امل َقدِّ ُم‪َ ،‬و َأن َت ا ُمل َؤ ِّخ ُر‪َ ،‬و َأن َت َعىل ِّ‬

‫هم إ ِّين َأس َأ ُل َك ُح َّب َك‪َ ،‬و ُح َّ‬


‫ب من ُحيب َك‪،‬‬ ‫كان من ُدعاء َد ُاو َد ‪« :‬ال َّل َّ‬ ‫*« َ‬
‫ب إ َ َّل من نَفيس و َأهيل‪،‬‬ ‫العمل الذي ُي َب ِّل ُغني ُح َّب َك‪ ،‬ال َّل ُه َّم اجعل ُح َّب َك َأ َح َّ‬
‫َو َ‬
‫ومن املاء البارد»(‪.)4‬‬
‫* «ال َّل ُه َّم إ ِّين َأس َأ ُلك من َخري ما َ‬
‫سأ َل َك من ُه نبي َك ُحم َ َّمدٌ ‪ ،‬و َأ ُعو ُذ ب َك‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري رقم ‪ 2668‬ومسلم رقم ‪ 2706‬عن أنس ‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم رقم ‪2722‬عن زيد بن أرقم ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم رقم ‪ ، 2719‬والبخاري نحوه رقم ‪ 6035‬و ‪ 6036‬عن أيب موسى ‪.‬‬
‫حسن» واحلاكم رقم ‪ 3621‬وصحح إسناده‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حديث‬ ‫(‪ )4‬أخرجه الرتمذي رقم ‪ 3490‬وقال‪« :‬هذا‬
‫عن أيب الدرداء ‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪289‬‬
‫رش ما استَعا َذ من ُه نَبي َك ُحم َّمدٌ ‪َ ،‬و َأن َت ا ُملس َت َع ُ‬
‫ان‪ ،‬وعلي َك البال ُغ‪ ،‬وال‬ ‫من َ ِّ‬
‫َحو َل وال ُق َّو َة إالَّ باهلل»(‪.)1‬‬
‫خامس ًا‪ :‬من املأثور يف املناسبات ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬

‫كثر ذكر األدعية املأثورة يف املناسبات اخلاصة واألوقات املخصوصة‪،‬‬


‫فكان هلا الفضل عىل سواها‪ ،‬نعرض شيئ ًا منها‪:‬‬
‫ـ دعاء سجود التالوة يف النافلة‪:‬‬
‫* «اللهم أكتب ل هبا عندك أجر ًا‪ ،‬وضع عني هبا وزر ًا‪ ،‬واجعلها ل‬
‫عندك ذخر ًا‪ ،‬وتقبلها مني كام تقبلتها من عبدك داود»(‪.)3‬‬
‫ـ املأثور عند النوم‪:‬‬
‫* يقرأ سورة السجدة وسورة امللك(‪.)4‬‬
‫* يقرأ آية الكريس(‪.)5‬‬

‫حديث َح َس ٌن غريب» عن أيب أمامة ‪ ‬قال‪َ :‬دعا‬ ‫ٌ‬ ‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي رقم ‪ 3521‬وقال‪« :‬هذا‬
‫رسول اهلل ‪ ‬بدُ عَاء كَثري‪ ،‬مل نَح َفظ منه شيئ ًا‪ ،‬قلنا‪ :‬يا رسول اهلل دعوت بدُ عاء كثري مل نَح َفظ منه شيئ ًا‪،‬‬
‫ول‪...:‬‬ ‫لقال‪َ « :‬أال َأ ُدل ُكم عىل ما َجي َم ُع َذ َ‬
‫لك ُك َّل ُه؟ ت َُق ُ‬
‫(‪ )2‬هذا األدعية مأخوذة بكاملها مع هوامشها من كتاب التزكية عىل للدكتور معاذ حوى‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الرتمذي رقم ‪ 579‬وقال‪ :‬حسن غريب‪ ،‬ونحوه ابن حبان يف صحيحه رقم ‪،2768‬‬
‫واحلاكم رقم ‪ 799‬وصححه‪ ،‬كلهم أخرجه عن ابن عباس ريض اهلل عنهام‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أمحد رقم ‪ 14700‬والرتمذي رقم ‪ 2892‬والنسائي رقم ‪ 10542‬واحلاكم رقم ‪3545‬‬
‫وصححه‪ ،‬عن جابر ‪« :‬كان رسول اهلل ‪ ‬ال ينام حتى يقرأ أمل تنزيل؛ السجدة‪ ،‬وتبارك الذي بيده‬
‫امللك»‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري رقم ‪ 2187‬من حديث طويل عن أيب هريرة ‪ ‬وفيه ما ذكره الشيطان أليب‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪290‬‬
‫* يقرأ آخر آيتني من سورة البقرة(‪.)1‬‬
‫* «({ ُقل ُه َو اهللَُّ َأ َحد}‪ ،‬و{ ُقل َأ ُعو ُذ ب َر ِّب ال َف َلق}‪ ،‬و{ ُقل َأ ُعو ُذ ب َر ِّب‬
‫النَّاس})‪ ،‬بعد مجع يديه والنفث فيهام ثم يمسح هبام ما استطاع من جسده‪،‬‬
‫يبدأ هبام عىل رأسه ووجهه وما أقبل من جسده‪ ،‬ويفعل ذلك ثالث‬
‫مرات»(‪.)2‬‬
‫* «باسمك ريب وضعت جنبي‪ ،‬وبك أرفعه‪ ،‬إن أمسكت نفيس‬
‫فارمحها‪ ،‬وإن أرسلتها فاحفظها بام حتفظ به عبادك الصاحلني»(‪.)3‬‬

‫هريرة ‪ ‬قال له‪ :‬إذا أويت إىل فراشك فاقرأ آية الكريس من أوهلا حتى ختتم‪{ :‬اهللُ الَ إ َلـ َه إالَّ ُه َو‬
‫احلي ال َقيو ُم} [البقرة‪ ،] 255 :‬وقال ل‪ :‬لن يزال عليك من اهلل حافظ‪ ،‬وال يقربك شيطان حتى‬
‫َ‬
‫تصبح‪ ،‬وكانوا أحرص يشء عىل اخلري‪ ،‬فقال النبي ‪« :‬أما إنه قد صدقك وهو كذوب»‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري رقم ‪ 4753‬ومسلم رقم ‪ 807‬عن أيب مسعود األنصاري ‪ ،‬وفيه أن «من‬
‫ول ب َام ُأنز َل إ َليه من َّر ِّبه َو ُاملؤمنُ َ‬
‫ون ُك ٌّل آ َم َن‬ ‫الر ُس ُ‬
‫قرأمها يف ليلة كفتاه»‪ .‬واآليتان مها قوله تعاىل‪{ :‬آ َم َن َّ‬
‫ني َأ َحد ِّمن ر ُسله َو َقا ُلوا َسمعنَا َو َأ َطعنَا ُغف َران ََك َر َّبنَا َوإ َلي َك‬ ‫باهلل َو َمآلئكَته َو ُك ُتبه َو ُر ُسله َ‬
‫ال ُن َف ِّر ُق َب َ‬
‫اهلل نَف ًسا إالَّ ُوس َع َها َهلَا َما ك ََس َبت َوعَ َلي َها َما اكت ََس َبت َر َّبنَا الَ ُتؤَ اخذنَا إن نَّسينَا َأو‬
‫ف ُ‬ ‫َاملصري‪ .‬الَ ُي َك ِّل ُ‬
‫ين من َقبلنَا َر َّبنَا َوالَ ُحت َِّملنَا َما الَ َطا َق َة َلنَا به َواع ُ‬
‫ف‬ ‫َأخ َطأنَا َر َّبنَا َوالَ َحتمل عَ َلينَا إ ً‬
‫رصا ك ََام َمحَل َت ُه عَ َىل ا َّلذ َ‬
‫عَ نَّا َواغفر َلنَا َوار َمحنَآ َأ َ‬
‫نت َموالَنَا َف ُ‬
‫انرصنَا عَ َىل ال َقوم الكَافرين}[البقرة‪.]286:‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم ‪ 4729‬عن عائشة ريض اهلل عنها‪ ،‬وأخرجه رقم ‪ 5960‬عنها بلفظ‪:‬‬
‫«وقرأ باملعوذات»‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري رقم ‪ 5961‬ونحوه مسلم رقم ‪ 2714‬عن أيب هريرة ‪ ،‬ويف بدايته بلفظ‬
‫البخاري‪« :‬قال النبي ‪ : ‬إذا أوى أحدكم إىل فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فإنه ال يدري ما‬
‫خلفه عليه ثم يقول‪ ،»...:‬وروى مسلم رقم ‪ 2712‬الدعاء بنحو هذا عن عبد اهلل بن عمر ‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪291‬‬
‫* «اللهم باسم َك أحيا وأموت»(‪.)1‬‬
‫* «اللهم أسلمت نفيس إليك‪ ،‬ووجهت وجهي إليك‪ ،‬وفوضت أمري‬
‫إليك‪ ،‬وأجلأت ظهري إليك‪ ،‬رغبة ورهبة إليك‪ ،‬ال ملجأ وال منجا منك إال‬
‫إليك‪ ،‬آمنت بكتابك الذي أنزلت‪ ،‬ونبيك الذي أرسلت»‪ ،‬وقال رسول اهلل‬
‫‪« :‬من قاهلن ثم مات من ليلته مات عىل الفطرة»(‪.)2‬‬
‫ـ االستيقاظ من النوم‪:‬‬
‫حلمدُ هلل الذي أح َيانا َبعدَ َما أ َما َتنَا‪ ،‬وإ َليه الن َُشور»(‪.)3‬‬
‫* «ا َ‬
‫ـ لبس الثوب‪:‬‬
‫ور َز َقنيه‪ ،‬من َغري َحول مني وال ُقوة»(‪.)4‬‬
‫* «احلَمدُ هلل الذي كَساين هذا َ‬
‫ـ لبس الثوب اجلديد ـ عاممة أو قميص ًا أو ً‬
‫رداء‪:‬‬
‫حلمدُ َأن َت ك ََسوتَنيه‪ ،‬أسألك من َخريه َ‬
‫وخ َري ما ُصنع َل ُه‪،‬‬ ‫* «ال َّل ُه َّم َل َك ا َ‬
‫ورش ما ُصن َع َل ُه»(‪.)5‬‬
‫رشه َ َّ‬ ‫وأ ُعو ُذ ب َك من ِّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري رقم ‪ 6959‬عن حذيفة ‪ ‬ورقم ‪ 6960‬عن أيب ذر ‪ ‬ومسلم رقم ‪2711‬‬
‫عن الرباء ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم ‪ 5956‬عن الرباء بن عازب ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري رقم ‪ 6959‬عن حذيفة ‪ ‬ورقم ‪ 6960‬عن أيب ذر ‪ ‬ومسلم رقم ‪2711‬‬
‫عن الرباء ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود رقم ‪ 4023‬و احلاكم رقم ‪ 1870‬وصححه‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أمحد رقم ‪ 11266‬والرتمذي رقم ‪ 1767‬وقال‪ :‬حسن غريب صحيح‪ ،‬وأبو داود رقم‬
‫‪ ،4020‬عن أيب سعيد اخلدري ‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪292‬‬
‫ـ اخلروج من املنزل‪:‬‬
‫* «بسم اهلل‪ ،‬توكَّل ُت عىل اهلل‪ ،‬ال َحو َل وال ُقو َة إال باهلل»(‪.)1‬‬
‫أزل أو ُأ َّ‬
‫زل‪ ،‬أو أظلم أو‬ ‫ضل أو ُأ َض َّل‪َ ،‬أو َّ‬
‫الله َم إين أ ُعو ُذ ب َك أن َأ َّ‬ ‫*« ُ‬
‫ُأظ َلم‪ ،‬أو َأج َه َل أو ُجي َه َل َع َ َّيل»(‪.)2‬‬
‫ـ الدخول إىل املنزل‪:‬‬
‫* «اللهم إين أسألك خري ا َملو َلج وخري ا َملخ َرج‪ ،‬بسم اهلل وجلنا‪ ،‬وبسم‬
‫اهلل خرجنا وعىل اهلل ربنا توكلنا»‪ ،‬ثم ليسلم عىل أهله(‪ ،)3‬قال ‪« :‬إذا دخل‬
‫الرجل بيته فذكر اهلل عند دخوله وعند طعامه‪ ،‬قال الشيطان ألصحابه‪ :‬ال‬
‫مبيت لكم وال عشاء‪ ،‬وإذا دخل فلم يذكر اهلل تعاىل عند دخوله‪ ،‬قال‬
‫الشيطان‪ :‬أدركتم املبيت‪ ،‬وإذا مل يذكر اهلل تعاىل عند طعامه‪ ،‬قال‪ :‬أدركتم‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي رقم ‪ 3426‬وأبو داود رقم ‪ 5095‬والنسائي رقم ‪ 9917‬وابن حبان رقم‬
‫‪ ،822‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬وفيه‪ :‬أنه إذا خرج من بيته فقال‪ ...:‬فيقال له‪ :‬حسبك قد كفيت‬
‫وهديت ووقيت‪ ،‬وزاد الرتمذي‪ :‬وتنحى عنه الشيطان‪ ،‬وزاد أبو داود وابن حبان‪ :‬فيلقى الشيطان‬
‫شيطان ًا آخر فيقول له‪ :‬كيف لك برجل قد كفي وهدي ووقي‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود رقم ‪ ،5094‬ولرتمذي رقم ‪ 3427‬والنسائي رقم ‪ ،9914‬وأمحد رقم‬
‫‪ ،26747‬واحلاكم رقم ‪ ،1907‬عن أم سلمة ريض اهلل عنها‪ ،‬وأن النبي ‪ ‬كان يقول ذلك إذا خرج‬
‫من بيته‪ ،‬ويف بعض الروايات أنه كان يسمي اهلل‪ ،‬ويف بعضها يقول بعد التسمية توكلت عىل اهلل‪ ،‬ويف‬
‫بعضها أنه كان يرفع طرفه إىل السامء إذا خرج ثم يقول‪...‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود رقم‪ 5096،‬عن أيب مالك األشعري ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ :‬إذا ولج‬
‫الرجل يف بيته فليقل‪...‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪293‬‬
‫املبيت والعشاء»(‪.)1‬‬
‫ـ قبل الطعام‪:‬‬
‫* «بسم اهلل الرمحن الرحيم»‪ ،‬قال ‪« :‬إذا أكل أحدكم فليذكر اسم اهلل‬
‫تعاىل‪ ،‬فإن نيس أن يذكر اسم اهلل تعاىل يف أوله فليقل‪ :‬بسم اهلل أوله‬
‫وآخره»(‪.)2‬‬
‫«من أطعمه اهلل الطعام فليقل‪( :‬اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خري ًا منه)‪،‬‬
‫ومن سقاه اهلل لبن ًا فليقل‪( :‬اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه)»(‪.)3‬‬
‫ـ الفراغ من الطعام‪:‬‬
‫* «(احلمد هلل الذي أطعمني هذا الطعام‪ ،‬ورزقنيه من غري حول مني‬
‫وال قوة)‪ ،‬من قاهلا غفر له ما تقدم من ذنبه»(‪.)4‬‬
‫ـ رفع املائدة‪:‬‬
‫ستغنى‬
‫ً‬ ‫* «احلمد هلل كثري ًا طيب ًا مبارك ًا فيه‪َ ،‬‬
‫غري مكفي وال مو َّدع‪ ،‬وال ُم‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم رقم ‪ ،2018‬عن جابر ‪.‬‬


‫(‪ )2‬عن عائشة ريض اهلل عنها‪ ،‬أخرجه أبو داود رقم ‪ 3767‬والرتمذي رقم ‪ 1858‬وقال‪ :‬حديث‬
‫حسن صحيح‪ ،‬واحلاكم وصححه رقم ‪.7087‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أمحد رقم ‪ ،1978‬والرتمذي رقم ‪ 3455‬وحسنه‪ ،‬وأبو داود رقم ‪ ،3730‬عن ابن‬
‫عباس ‪.‬‬
‫(‪ )4‬عن معاذ بن أنس ‪ ،‬أخرجه أبو داود رقم ‪ ،4023‬والرتمذي رقم ‪ 3454‬وقال‪ :‬حديث‬
‫حسن‪ ،‬واحلاكم رقم ‪ 1870‬وقال‪ :‬صحيح عىل رشط البخاري‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪294‬‬
‫عنه(‪ )1‬ربنا»(‪.)2‬‬
‫ـ ملن أطعم وسقى‪:‬‬
‫الله َّم َأطعم َمن أط َع َمني‪ ،‬واسق َمن س َقاين»(‪.)3‬‬
‫*« ُ‬
‫ـ دخول اخلالء أو الكنيف‪:‬‬
‫الله َّم إين أ ُعو ُذ ب َك م َن اخلُ ُبث واخلبائث»(‪.)4‬‬
‫*« ُ‬
‫ـ اخلروج من اخلالء‪:‬‬
‫* « ُغفران َ‬
‫َك»(‪.)5‬‬
‫ـ بعد الوضوء‪:‬‬
‫أن ال إله إال اهلل َّ‬
‫وأن حممدا عبد اهلل ورسوله) ما منكم من‬ ‫* «(أشهد َّ‬
‫أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقوهلا إال فتحت له أبواب اجلنة‬
‫الثامنية يدخل من أهيا شاء»(‪.)6‬‬

‫(‪« )1‬غري مكفي وال مودع وال مستغنى عنه»‪ :‬أي أن الطعام ال تنقطع حاجتنا منه فال كفاية لنا بام‬
‫أكلنا منه وال نودعه وال نرتكه‪ ،‬وال نستغني عن فضل اهلل أن يرزقنا هذا الطعام مرة بعد مرة‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم ‪ ،5142‬عن أيب أمامة ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم رقم ‪ 2055‬عن املقداد من حديث طويل‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري رقم ‪ 5963‬ومسلم رقم ‪ ،375‬عن أنس بن مالك ‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أمحد رقم ‪ 25261‬والرتمذي رقم ‪ 7‬وقال‪ :‬حسن غريب‪ ،‬وأبو داود رقم ‪ 30‬والنسائي‬
‫رقم ‪ 9907‬وابن حبان رقم ‪ 1444‬عن عائشة ريض اهلل عنها‪.‬‬
‫)‪ (6‬يف صحيح مسلم ‪ ،209 :1‬وسنن أيب داود ‪ 91 :1‬عن عمر ‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪295‬‬
‫«(سبحانك اللهم وبحمدك أشهد َّ‬
‫أن ال إله اال أنت أستغفرك وأتوب‬
‫إليك)‪َ ،‬من توضأ فقاهلا ُكتب يف رق‪ ،‬ثم ُطبع بطابع فلم ُيكرس إىل يوم‬
‫القيامة»(‪.)1‬‬
‫ـ العطاس‪:‬‬
‫* «إذا عطس أحدكم فليقل‪( :‬احلمد هلل)‪ ،‬وليقل له أخو ُه أو صاحب ُه‪:‬‬
‫(يرمحك اهلل)‪ ،‬فإذا قال ل ُه‪( :‬يرمحك اهلل)‪ ،‬فليقل‪( :‬هيديكم اهلل ويصلح‬
‫بالكم)»(‪.)2‬‬
‫ـ كفارة املجلس‪:‬‬
‫* «سبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬أشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬أستغفرك‬
‫وأتوب إليك»(‪.)3‬‬
‫ـ ملن صنع لك معروف ًا‪:‬‬
‫* « َج َز َ‬
‫اك اهلل خري ًا»(‪.)4‬‬

‫)‪ (1‬يف سنن النسائي ‪ ،25 :6‬واملستدرك ‪ ،752 :1‬وصححه‪ ،‬وشعب اإليامن ‪ 21 :3‬عن أيب‬
‫سعيد ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم ‪ 5870‬عن أيب هريرة ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الرتمذي ‪ 3433‬عن أيب هريرة ‪ ‬وأن من قال ذلك غفر له ما كان يف جملسه ذلك‪،‬‬
‫وقال الرتمذي‪ :‬حسن غريب صحيح‪ ،‬وأخرجه نحوه أبو داود رقم ‪.4857‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الرتمذي رقم ‪ 2035‬والنسائي رقم ‪ 10008‬عن أسامة بن زيد ‪ ‬وفيه أن من قال‬
‫ذلك ملن صنع له معروف ًا فقد أبلغ يف الثناء‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪296‬‬
‫ـ الركوب‪:‬‬
‫حان ا َّلذي َس َّخ َر َلنَا َه َذا َو َما ُكنَّا َل ُه‬
‫* «بسم اهلل‪ ،‬احلمد هلل‪ُ { ،‬سب َ‬
‫ُمقرنني‪َ .‬وإنَّا إ َىل َر ِّبنَا َُملن َقل ُبون}[الزخرف‪ ،]14:‬احلمد هلل‪ ،‬احلمد هلل‪ ،‬احلمد‬
‫هلل‪ ،‬اهلل أكرب‪ ،‬اهلل أكرب‪ ،‬اهلل أكرب‪ ،‬سبحانك اللهم إين ظلمت نفيس فاغفر ل‪،‬‬
‫إنه ال يغفر الذنوب إال أنت»(‪.)1‬‬
‫ـ صالة االستخارة‪:‬‬

‫* «اللهم إين أستخريك بعلمك‪ ،‬وأستقدرك بقدرتك‪ ،‬وأسألك من‬


‫فضلك العظيم‪ ،‬فإنك تقد ُر وال أقد ُر‪ ،‬وتعلم وال أعلم‪ ،‬وأنت عالم‬
‫كنت تعلم أن هذا األمر خري ل يف ديني ومعايش وعاقبة‬
‫الغيوب‪ ،‬اللهم إن َ‬
‫أمري ـ أو قال‪ :‬عاجل أمري وآجله ـ فاقدره ل ويرسه ل‪ ،‬ثم بارك ل فيه‪،‬‬
‫وإن كنت تعلم أن هذا األمر رش ل يف ديني ومعايش وعاقبة أمري ـ أو قال‪:‬‬
‫يف عاجل أمري وآجله ـ فارصفه عني‪ ،‬وارصفني عنه‪ ،‬واقدُ ر ل اخلري حيث‬
‫كان‪ ،‬ثم أرضني به‪ ،‬قال‪ :‬ويسمي حاجته»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي رقم ‪ 3446‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪ ،‬وأبو داود رقم ‪ ،2602‬عن عيل ‪ ،‬ويف‬
‫رواية الرتمذي يقول‪ :‬بسم اهلل ثالث ًا‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم ‪ 1109‬عن جابر بن عبد اهلل ‪« :‬كان رسول اهلل ‪ُ ‬يعلمنا االستخارة يف‬
‫هم أحدكم باألمر فلريكع ركعتني من غري‬
‫يعلمنا السورة من القرآن‪ ،‬يقول‪ :‬إذا َّ‬
‫األمور كلها كام ُ‬
‫الفريضة‪ ،‬ثم ليقل‪...:‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪297‬‬
‫ـ القلق والفزع يف النوم ومن ُبيل بالوحشة‪:‬‬
‫* «أعوذ بكلامت اهلل التَّا َّمة من غضبه وعقابه‪ ،‬ورش عباده‪ ،‬ومن‬
‫مهزات الشياطني وأن حيرضون»(‪.)1‬‬
‫باهلم وا َحلزَن أو الكسل أو الدين‪:‬‬
‫ـ ملن ابتيل َ‬

‫* «اللهم إين أعوذ بك من اهلم واحلزن‪ ،‬والعجز والكسل والبخل‬


‫وض َلع الدَّ ين(‪ )2‬وغلبة الرجال»(‪.)3‬‬
‫واجلبن‪َ ،‬‬
‫* «اللهم إين عبدك ابن عبدك ابن أمتك‪ ،‬ناصيتي بيدك‪ ،‬ماض َّيف‬
‫حكمك‪ ،‬عدل َّيف قضاؤك‪ ،‬أسألك بكل اسم هو لك‪ ،‬سميت به نفسك‪ ،‬أو‬
‫علمته أحد ًا من خلقك‪ ،‬أو أنزلته يف كتابك‪ ،‬أو استأثرت به يف علم الغيب‬
‫عندك؛ أن جتعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجالء حزين وذهاب مهي‪،‬‬
‫إال أذهب اهلل مهه وحزنه وأبدله مكانه فرج ًا» قال‪ :‬فقيل يا رسول اهلل‪ :‬أال‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي رقم ‪ 3528‬عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪« :‬إذا‬
‫فزع أحدكم يف النوم فليقل‪ ...‬فإهنا لن ترضه» قال‪ :‬وكان عبد اهلل بن عمرو يعلمها من بلغ من ولده‪،‬‬
‫ومن مل يبلغ منهم كتبها يف صك ثم علقها يف عنقه‪ .‬قال الرتمذي‪ :‬حسن غريب‪ ،‬وأخرجه أبو داود‬
‫رقم ‪ 3893‬بنحوه‪ ،‬والنسائي رقم ‪ 10601‬من غري أن يذكر فعل عبد اهلل بن عمرو‪ ،‬وأخرجه أمحد‬
‫رقم ‪ 23890‬عن الوليد بن الوليد‪ ،‬وفيه‪ :‬أنه قاله ملن يشتكي وحشة أن يقوله إذا أخذ مضجعه‪.‬‬
‫(‪ )2‬ضلع الدين‪ :‬أي ثقله‪ ،‬وغلبة الرجال‪ :‬قهرهم‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري رقم ‪ 6008‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬وليس فيه أنه كان يقول ذلك عند اهلم‬
‫واحلزن وغريه‪ ،‬وإنام استنبط هذا من معناه‪ ،‬وأخرجه البخاري من حديث طويل رقم ‪ 2736‬أنه كان‬
‫يقوله يف غزوة له كثري ًا‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪298‬‬
‫نتعلمها‪ ،‬فقال‪ :‬بىل ينبغي ملن سمعها أن يتعلمها ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ـ الكرب‪:‬‬
‫* «ال إله إال اهلل العظيم احلليم‪ ،‬ال إله إال اهلل رب العرش العظيم‪ ،‬ال‬
‫إله إال اهلل رب السموات ورب األرض ورب العرش الكريم» ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫* «اهللُ اهللُ ريب ال أرشك به شيئ ًا»(‪.)3‬‬


‫ـ من أصابه شك يف اإليامن‪:‬‬
‫«يستعيذ باهلل»‪ ،‬وينتهي عام شك فيه(‪ ،)4‬ويقول‪« :‬آمنت باهلل ورسله»(‪.)5‬‬
‫ـ رؤيةاهلالل‪:‬‬
‫* «اللهم أهله علينا باألمن واإليامن‪ ،‬والسالمة واإلسالم‪ ،‬والتوفيق ملا‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد رقم ‪ ،3712‬ابن حبان رقم ‪ ،972‬واحلاكم رقم ‪ ،1877‬عن عبد اهلل بن مسعود‬
‫‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم ‪ 5985‬ومسلم رقم ‪ 2730‬عن ابن عباس ريض اهلل عنهام‪ ،‬أن النبي ‪‬‬
‫كان يقول ذلك عند الكرب‪ .‬واللفظ ملسلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود رقم ‪ 1525‬عن أسامء بنت عميس ريض اهلل عنها علمها النبي ‪ ‬هذه الكلامت‬
‫تقوهلن عند الكرب‪ ،‬وروي عن غريها‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري رقم ‪ 3102‬ومسلم رقم ‪ 134‬عن أيب هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :‬يأيت‬
‫الشيطان أحدكم فيقول‪ :‬من خلق كذا وكذا؟ حتى يقول له‪ :‬من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك؛ فليستعذ‬
‫باهلل‪ ،‬ولينته»‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم رقم ‪.134‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪299‬‬
‫حتب ربنا وترىض‪ ،‬ربنا وربك اهلل»(‪.)1‬‬
‫ـ إفطار الصائم‪:‬‬
‫األجر إن شاء اهلل»(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫العروق و َث َب َت‬
‫ُ‬ ‫هب ال َّظ ُ‬
‫مأ‪ ،‬وابت َّلت‬ ‫* « َذ َ‬
‫ـ اإلفطار عند غريه‪:‬‬
‫رار‪ ،‬وصلت علي ُك ُم‬ ‫* « َأف َطر عندَ ُكم الصائ َ‬
‫مون‪ ،‬وأكل طعا َم ُك ُم األب ُ‬
‫املالئ َك ُة»(‪.)3‬‬
‫ـ للمتزوج‪:‬‬
‫* «بارك اهلل لك‪ ،‬وبارك عليك‪ ،‬ومجع بينكام يف خري»(‪.)4‬‬
‫ـ إتيان الزوجة‪:‬‬
‫* «بسم اهلل‪ ،‬اللهم جنبنا الشيطان‪ ،‬وجنب الشيطان ما رزقتنا» ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي رقم ‪ 3451‬وقال حسن غريب‪ ،‬واحلاكم رقم ‪ 7767‬عن طلحة بن عبيد اهلل‬
‫‪ ،‬وأخرجه ابن حبان رقم ‪ 888‬عن ابن عمر ريض اهلل عنهام‪ ،‬وأخرجه الدارمي عنه رقم ‪1687‬‬
‫وزاد يف بدايته‪« :‬اهلل أكرب»‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أيب داود رقم ‪ 2357‬والنسائي رقم ‪ ،3329‬عن عبد اهلل بن عمر ريض اهلل عنهام‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أمحد رقم ‪ 12429‬وأبو داود رقم ‪ 3854‬عن سعد بن عبادة ‪ ،‬وأمحد رقم ‪12198‬‬
‫والنسائي رقم ‪ 6901‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬وابن حبان رقم ‪ 5296‬عن عبد اهلل بن الزبري ريض اهلل‬
‫عنهام‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أمحد رقم ‪ 8943‬والرتمذي رقم ‪ 1091‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪ ،‬وأبو داود رقم ‪2130‬‬
‫والنسائي رقم ‪ ،10089‬عن أيب هريرة ‪ ‬أن النبي ‪ ‬إذا َر َّف َأ اإلنسان إذا تزوج قال‪...:‬‬
‫(‪ )5‬البخاري رقم ‪ 141‬ومسلم رقم ‪ ،1434‬عن ابن عباس ريض اهلل عنهام‪ ،‬وفيه أن من قال ذلك‬
‫فإن قيض بينهام ولد مل يرضه الشيطان‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪300‬‬
‫ـ من رأى صاحب بالء‪:‬‬
‫* «احلمد هلل الذي عافاين مما ابتالك به‪ ،‬وفضلني عىل كثري ممن خلق‬
‫تفضي ً‬
‫ال»(‪.)1‬‬
‫ـ دعاء السفر‪:‬‬
‫حان ا َّلذي َس َّخ َر َلنَا َه َذا َو َما ُكنَّا َل ُه‬
‫* «اهلل أكرب‪ ،‬اهلل أكرب‪ ،‬اهلل أكرب‪ُ { ،‬سب َ‬
‫ُمقرنني‪َ .‬وإنَّا إ َىل َر ِّبنَا َُملن َقل ُبون}[الزخرف‪ ، ]14:‬اللهم إنا نسأ ُل َك يف سفرنا‬
‫رب والتقوى‪ ،‬ومن العمل ما ترىض‪ ،‬اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو‬
‫هذا ال َّ‬
‫عنا بعده‪ ،‬اللهم أنت الصاحب يف السفر‪ ،‬واخلليفة يف األهل‪ ،‬اللهم إين أعوذ‬
‫بك من َوعثاء السفر‪ ،‬وكآبة املنظر‪ ،‬وسوء املنقلب يف املال واألهل»‪ ،‬وإذا‬
‫رجع قاهلن وزاد فيهن‪« :‬آيبون‪ ،‬تائبون‪ ،‬عابدون‪ ،‬لربنا حامدون»(‪.)2‬‬
‫ـ املسافر للمقيم‪:‬‬
‫* «أستود ُع َك اهلل الذي ال تضيع ودائعه»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي رقم ‪ ،3431‬عن عمر ‪ ،‬وقال الرتمذي‪ :‬غريب‪ ،‬ويف احلديث‪ :‬أن من قال‬
‫ذلك عويف من ذلك البالء كائن ًا ما كان ما عاش‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم رقم ‪ ،1342‬عن ابن عمر ريض اهلل عنهام أن رسول اهلل ‪ ‬كان إذا استوى عىل‬
‫بعريه خارج ًا إىل سفر كرب ثالث ًا وقال‪...‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أمحد رقم ‪ 9219‬وابن ماجه رقم ‪ ،2825‬عن أيب هريرة ‪ ،‬ولفظ ابن ماجه قال أبو‬
‫هريرة‪ :‬ودعني رسول اهلل ‪ ‬فقال‪...:‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪301‬‬
‫ـ املقيم للمسافر‪:‬‬
‫زودك اهلل‬
‫* «أستودع اهلل دينك وأمانتك‪ ،‬وخواتيم عملك»(‪َّ « ،)1‬‬
‫ويرس لك اخلري حيث ما كنت»(‪.)2‬‬
‫التقوى‪ ،‬وغفر ذنبك‪َّ ،‬‬
‫ـ الصعود والنزول يف السفر‪:‬‬
‫* «اهلل أكرب»‪« ،‬سبحان اهلل»‪ ،‬قال جابر ‪« :‬كنا إذا صعدنا كربنا‪ ،‬وإذا‬
‫نزلنا سبحنا»(‪.)3‬‬
‫ـ املرور بعلو يف الركوب‪:‬‬
‫* «ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له‪ ،‬له امللك وله احلمد وهو عىل كل‬
‫يشء قدير‪ ،‬آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون‪ ،‬صدق اهلل وعده‬
‫ونرص عبده وهزم األحزاب وحده»(‪.)4‬‬
‫ـ نزول منزل يف سفر‪:‬‬
‫* «أعوذ بكلامت اهلل التامات من رش ما خلق»(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد رقم ‪ 4524‬والرتمذي رقم ‪ 3443‬عن ابن عمر ‪ ‬كان يقول للرجل إذا أراد‬
‫سفر ًا‪ :‬ادن مني أودعك كام كان رسول اهلل ‪ ‬يودعنا‪ ،‬فيقول‪ ...:‬وقال الرتمذي‪ :‬حديث حسن‬
‫صحيح غريب‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي رقم ‪ 3444‬عن أنس ‪ ،‬وقال الرتمذي‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري رقم ‪ 2831‬عن جابر بن عبد اهلل ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري رقم ‪ 1703‬ومسلم نحوه رقم ‪ ،1344‬عن ابن عمر ‪ ‬أن رسول اهلل ‪ ‬كان‬
‫إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكرب عىل كل رشف من األرض ثالث تكبريات‪ ،‬ثم يقول‪....:‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم رقم ‪ 2708‬عن خولة بنت حكيم السلمية ريض اهلل عنها‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪302‬‬
‫ـ دخول القرية أو البلدة‪:‬‬
‫* «اللهم رب السموات السبع وما أظللن‪ ،‬ورب األرضني السبع وما‬
‫أقللن‪ ،‬ورب الشياطني وما أضللن‪ ،‬ورب الرياح وما ذرين‪ ،‬أسألك خري‬
‫هذه القرية وخري أهلها‪ ،‬وخري ما فيها‪ ،‬وأعوذ بك من رشها‪ ،‬ورش أهلها‪،‬‬
‫ورش ما فيها»(‪.)1‬‬
‫* «اللهم بارك لنا فيها»‪ ،‬ثالث مرات‪« ،‬اللهم ارزقنا جناها‪ ،‬وحببنا إىل‬
‫أهلها‪ ،‬وحبب صاحلي أهلها إلينا»(‪.)2‬‬
‫ـ دخول السوق‪:‬‬
‫* «ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له‪ ،‬له امللك وله احلمد‪ُ ،‬حييي‬
‫و ُيميت‪ ،‬وهو حي ال يموت‪ ،‬بيده اخلري وهو عىل كل يشء قدير» ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫ـ ما يعوذ به األوالد‪:‬‬
‫* «(أعوذ بكلامت اهلل التامة‪ ،‬من كل شيطان وهامة‪ ،‬ومن كل عني‬
‫ال َّمة) كان رسول اهلل ‪ ‬يعوذ احلسن واحلسني هبا»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه النسائي رقم ‪ 8826‬وابن حبان رقم ‪ 2709‬واحلاكم رقم ‪ 1634‬وصحح إسناده‪ ،‬عن‬
‫صهيب ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطرباين يف األوسط رقم ‪ ،4755‬عن ابن عمر ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الرتمذي رقم ‪ 3428‬وقال‪ :‬غريب‪ ،‬واحلاكم رقم ‪ 1974‬عن عمر‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري رقم ‪ 3191‬عن ابن عباس ‪ ،‬والال َّمة‪ :‬أي ذات ملم‪ ،‬أي تصيب اإلنسان‬
‫بيشء خيرجه عن حالته الطبيعية‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪303‬‬
‫ـ للمريض‪:‬‬
‫* «ال بأس طهور إن شاء اهلل»(‪.)1‬‬
‫* «أسأل اهلل العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك» سبع مرات(‪.)2‬‬
‫ـ رقية املريض لنفسه ولغريه‪:‬‬
‫* «املعوذات»‪ ،‬فعن عائشة ريض اهلل عنها‪ :‬أن رسول اهلل ‪ ‬كان إذا‬
‫اشتكى يقرأ عىل نفسه باملعوذات وينفث‪ ،‬فلام اشتد وجعه كنت أقرأ عليه‬
‫وأمسح بيده رجاء بركتها»(‪.)3‬‬
‫* «(أذهب البأس رب الناس واشف أنت الشايف ال شفاء إال شفاؤك‪،‬‬
‫شفا ًء ال يغادر سق ًام) ويمسحه بيمينه»(‪.)4‬‬
‫ـ من ُأصيب بمصيبة‪:‬‬
‫* «إنا هلل وإنا إليه راجعون‪ ،‬اللهم أ ُجرين يف مصيبتي‪ ،‬واخلف ل خري ًا‬
‫منها»(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري رقم ‪ ،7032‬عن ابن عباس ‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أمحد رقم ‪ 2137‬والرتمذي رقم ‪ ،2083‬وقال حسن غريب‪ ،‬وأبو داود رقم ‪3106‬‬
‫وابن حبان رقم ‪ 2975‬واحلاكم رقم ‪1268‬وصححه‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ‬أن النبي ‪ ‬قال‪« :‬ما من‬
‫عبد مسلم يعود مريض ًا مل حيرض أجله فيقول‪ :‬سبع مرات‪ ...‬إال عويف»‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري رقم ‪.4728‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري رقم ‪ 5418‬ومسلم رقم ‪ 2191‬عن عائشة ريض اهلل عنها‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم رقم ‪ ،918‬عن أم سلمة ريض اهلل عنها‪ ،‬ويف احلديث أن من قال ذلك عند املصيبة‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪304‬‬
‫ـ أثناء األذان‪:‬‬
‫* ترديد األذان مع املؤذن‪ ،‬فإذا قال املؤذن‪ :‬اهللُ أكرب‪ ،‬ف ُقل مثل ذلك‪،‬‬
‫وكذلك يف كل كلمة إال يف احليعلتني فقل فيهام‪ :‬ال حول وال قوة إال باهلل‬
‫العيل العظيم‪ ،‬فعن أيب سعيد ‪ ‬قال ‪« :‬إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما‬
‫يقول املؤذن»(‪.)1‬‬
‫ـ بعد األذان‪:‬‬
‫* «اللهم رب هذه الدعوة التامة‪ ،‬والصالة القائمة آت حممد ًا الوسيلة‬
‫والفضيلة‪ ،‬وابعثه مقام ًا حممود ًا الذي وعدته‪ ،‬حلت له شفاعتي يوم‬
‫القيامة»(‪ ،)2‬ويف رواية‪« :‬إنك ال ختلف امليعاد»(‪.)3‬‬
‫ـ دخول املسجد‪:‬‬
‫* «اللهم افتح ل أبواب رمحتك‪ ،‬وإذا خرج فليقل‪ :‬اللهم إين أسألك‬
‫من فضلك»(‪.)4‬‬
‫ـ بعد صالة ركعتني يف املسجد‪:‬‬
‫هم إين أسألك رمحة من عندك‪ ،‬هتدي هبا قلبي‪ ،‬وجتمع هبا‬ ‫* «ال َّل َّ‬
‫شميل‪ ،‬وتلم هبا شعثي‪ ،‬وترد هبا ألفتي وتصلح هبا ديني وحتفظ هبا غائبي‪،‬‬

‫إال أجره اهلل يف مصيبته وأخلف اهلل له خري ًا منها‪.‬‬


‫)‪ (1‬يف صحيح البخاري ‪.221 :1‬‬
‫)‪ (2‬يف صحيح البخاري ‪ ،222 :1‬وغريه‪.‬‬
‫)‪ (3‬يف سنن البيهقي الكبري ‪ ،410 :1‬وغريها‪.‬‬
‫)‪ (4‬يف صحيح مسلم‪ 494 :1‬عن أيب أسيد ‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪305‬‬
‫وترفع هبا شاهدي‪ ،‬وتزكي هبا عميل‪ ،‬وتبيض هبا وجهي‪ ،‬ولتهمني هبا‬
‫رشدي‪ ،‬وتقيض ل هبا حاجتي‪ ،‬وتعصمني هبا من كل سوء‪.‬‬

‫ال َّل َّ‬


‫هم إين أسألك إيامن ًا خالص ًا دائ ًام ُيبارش قلبي‪ ،‬ويقين ًا صادق ًا‪ ،‬حتى‬
‫عيل‪ ،‬ورضني بام قسمته ل‪.‬‬
‫أعلم أنه لن يصيبني إال ما كتبته َّ‬
‫ال َّل َّ‬
‫هم إين أسألك إيامن ًا صادق ًا‪ ،‬ويقين ًا ليس بعده كفر‪ ،‬وأسألك رمح ًة‬
‫أنال هبا رشف كرامتك يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫والصرب عند القضاء‪ ،‬ومنازل‬‫َّ‬ ‫هم إين أسألك الفوز عند اللقاء‬ ‫ال َّل َّ‬
‫الشهداء‪ ،‬وعيش السعداء‪ ،‬والنَّرص عىل األعداء‪ ،‬ومرافقة األنبياء‪.‬‬

‫ال َّل َّ‬


‫هم إين أنزل بك حاجتي‪ ،‬وإن ضعف رأيي وقرص عملة‪ ،‬وافتقرت‬
‫إىل رمحتك فأسألك يا قايض األمور‪ ،‬ويا شايف الصدور‪ ،‬كام جتري بني البحور‬
‫السعري‪ ،‬ومن دعوة الثبور‪ ،‬ومن فتنة القبور‪.‬‬
‫أن جتريين من عذاب َّ‬
‫هم ما قرص عنه رأيي‪ ،‬وضعف عنه عميل‪ ،‬ومل تبلغه نيتي و ُأمنيتي‪،‬‬
‫ال َّل َّ‬
‫من خري وعدته أحد ًا من عبادك أو خري أنت معطيه أحد ًا من خلقك‪ ،‬فإين‬
‫أرغب إليك فيه‪ ،‬وأسألك إياه يا رب العاملني‪.‬‬
‫هم اجعلنا هادين مهتدين‪ ،‬غري ضالني وال مضلني‪ ،‬حرب ًا ألعدائك‬
‫الل َّ‬
‫سل ًام ألوليائك‪ ،‬نحب بحبك النَّاس‪ ،‬و ُنعادي بعداوتك من خالفك من‬
‫خلقك‪.‬‬
‫هم هذا الدعاء‪ ،‬وعليك اإلجابة‪ ،‬وهذا اجلهد‪ ،‬وعليك التكالن‪،‬‬ ‫ال َّل َّ‬
‫وإنا هلل وإنا إليه راجعون‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل العيل العظيم‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪306‬‬
‫الرشيد‪ ،‬أسألك األمن يوم الوعيد‪،‬‬
‫الشديد‪ ،‬واألمر َّ‬ ‫ال َّل َّ‬
‫هم ذا احلبل َّ‬
‫واجلنة يوم اخللود مع املقربني الشهود‪ ،‬والركع السجود‪ ،‬املوفني لك‬
‫رحيم ودو ٌد‪ ،‬وإنك تفعل ما تريد‪ ،‬سبحان من تعطف بالعز‬
‫ٌ‬ ‫بالعهود‪ ،‬إنك‬
‫وقال به‪ ،‬سبحان َمن لبس املجد وتكظرم به‪ ،‬سبحان َمن ال ينبغي التَّسبيح‬
‫إال له‪ ،‬سبحان ذي الفضل والنعم‪ ،‬سبحان ذي اجلود والكرم‪ ،‬سبحان الذي‬
‫أحىص كل يشء بعمله‪.‬‬

‫ال َّل َّ‬


‫هم اجعل ل نور ًا يف قلبي‪ ،‬ونور ًا يف قربي‪ ،‬ونور ًا يف سمعي‪ ،‬ونور ًا‬
‫يف برصي‪ ،‬ونور ًا يف شعري‪ ،‬ونور ًا يف بشي‪ ،‬ونور ًا يف حلمي‪ ،‬ونور ًا يف دمي‪،‬‬
‫ونور ًا يف عظامي‪ ،‬ونور ًا من بني يدي‪ ،‬ونور ًا من خلفي‪ ،‬ونور ًا من يمني‪،‬‬
‫ونور ًا عن شامل‪ ،‬ونور ًا من فوقي‪ ،‬ونور ًا من حتتي‪.‬‬

‫ال َّل َّ‬


‫هم زدين نور ًا‪ ،‬وأعطني نور ًا أعظم نور‪ ،‬واجعل ل نور ًا برمحتك يا‬
‫أرحم الرامحني»(‪.)1‬‬
‫ـ بعد صالة الفريضة‪:‬‬

‫«االستغفار» ثالث ًا «اللهم أنت السالم ومنك َّ‬


‫السالم‪ ،‬تباركت ذا‬
‫اجلالل واإلكرام»)‪.(2‬‬
‫* «(ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له‪ ،‬له امللك‪ ،‬وله احلمد‪ ،‬وهو عىل‬

‫)‪ (1‬يف سنن الرتمذي‪ ،482 :5‬وصحيح ابن خزيمة‪ ،165 :2‬واملعجم األوسط‪ ،95 :4‬واملعجم‬
‫الكبري‪ 283 :10‬بألفاظ متقاربة‪.‬‬
‫)‪ (2‬يف صحيح مسلم‪ 414 :1‬عن ثوبان ‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪307‬‬
‫ِّ‬
‫كل يشء قدير‪ ،‬اللهم ال مانع ملا أعطيت‪ ،‬وال معطي ملا منعت‪ ،‬وال ينفع ذا‬
‫اجلد منك اجلد) كان ‪ ‬يقوهلا يف دبر كل صالة مكتوبة»)‪.(1‬‬
‫ومحَدَ اهلل ثالث ًا‬ ‫* «( َمن َس َّبح اهلل يف ُد ُبر ِّ‬
‫كل صالة ثالث ًا وثالثني‪َ ،‬‬
‫َرب اهلل ثالث ًا وثالثني‪ ،‬فتلك تسع ٌة وتسعون‪ ،‬وقال‪ :‬متام املائة‪ :‬ال‬ ‫وثالثني‪ ،‬وك َّ َ‬
‫إله إال اهلل وحده ال رشيك له‪ ،‬له امللك وله احلمد وهو عىل كل يشء قدير)‬
‫غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر»)‪.(2‬‬
‫* «من قرأ (آية الكريس) يف دبر كل صالة مكتوبة مل يمنعه من دخول‬
‫اجلنة إال أن يموت»)‪.(3‬‬
‫* «قراءة املعوذتني»‪ ،‬فعن عقبة بن عامر ‪ ،‬قال‪« :‬أمرين رسول اهلل‬
‫‪ ‬أن أقرأ املعوذات دبر كل صالة»)‪.(4‬‬
‫* «اللهم إين أسألك من اخلري كله‪ ،‬عاجله وآجله ما علمت منه وما مل‬
‫أعلم‪ ،‬وأعوذ بك من الش كله عاجله وآجله‪ ،‬ما علمت وما مل أعلم‪،‬‬
‫وأسألك اجلنة‪ ،‬وما قرب إليها من قول وعمل‪ ،‬وأسألك من اخلري الذي‬
‫سألك عبدك ورسولك حممد ‪ ،‬وأعوذ بك من النَّار‪ ،‬وما قرب إليها من‬
‫قول وعمل‪ ،‬وأعوذ بك مما استعاذ منه عبدك ورسولك حممد ‪ ،‬وأسألك ما‬

‫)‪ (1‬يف صحيح البخاري‪ 168 :1‬عن املغرية بن شعبة ‪.‬‬


‫)‪ (2‬يف صحيح مسلم‪ 418 :1‬عن أيب هريرة ‪.‬‬
‫)‪ (3‬يف سنن النسائي الكربى‪ 44 :9‬عن أيب أمامة ‪.‬‬
‫)‪ (4‬يف سنن النسائي الكربى‪ ،94 :2‬واملعجم الكبري‪ ،294 :17‬ومسند أمحد‪.633 :28‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪308‬‬
‫قضيت ل من أمر أن جتعل عاقبته رشد ًا»(‪.)1‬‬
‫* «اللهم اغفر ل ما قدمت وما أخرت‪ ،‬وما أرسرت وما أعلنت‪ ،‬وما‬
‫أنت أعلم به مني‪ ،‬اللهم ارزقني من طاعتك ما حتول بيني وبني معصيتك‪،‬‬
‫وارزقني من خشيتك ما تبلغني به رمحتك‪ ،‬وارزقني من اليقني ما هتون به‬
‫عيل مصائب الدنيا‪ ،‬وبارك ل يف سمعي وبرصي‪ ،‬واجعلهام الوارث مني‪،‬‬
‫اللهم وخذ بثأري ممن ظلمني‪ ،‬وانرصين عىل من عاداين‪ ،‬وال جتعل الدنيا‬
‫أكرب مهي‪ ،‬وال مبلغ علمي‪ ،‬اللهم وال تسلط عيل من ال يرمحني»(‪.)2‬‬
‫ـ للميت يف الصالة عليه‪:‬‬
‫* «اللهم اغفر له وارمحه‪ ،‬وعافه‪ ،‬واعف عنه‪ ،‬وأكرم ُن ُزله‪ ،‬ووسع‬
‫ُمدخل ُه‪ ،‬واغسله بامء وثلج وبرد‪ ،‬ونقه من اخلطايا كام ينقى الثوب األبيض‬
‫ال خري ًا من أهله‪ ،‬وزوج ًا خري ًا‬
‫من الدنس‪ ،‬وأبدله دار ًا خري ًا من داره‪ ،‬وأه ً‬
‫من زوجه‪ ،‬وأدخله اجلنة‪ ،‬قه فتنة القرب وعذاب النار»(‪.)3‬‬
‫* «اللهم اغفر حلينا وميتنا‪ ،‬وشاهدنا وغائبنا‪ ،‬وصغرينا وكبرينا‪،‬‬
‫وذكرنا و ُأنثانا‪ ،‬اللهم من أحييته منا فأحيه عىل اإلسالم‪ ،‬ومن تو َّفيته منا‬
‫َفت ََو َّف ُه عىل اإليامن‪ ،‬اللهم ال حترمنا أجره‪ ،‬وال تضلنا بعده»(‪.)4‬‬

‫)‪ (1‬يف رشح مشكل اآلثار‪ ،290 :15‬واملستدرك‪ ،702 :1‬وصححه عن عائشة ريض اهلل عنها‪.‬‬
‫)‪ (2‬يف املستدرك‪ ،709 :1‬وصححه عن ابن عمر ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم رقم ‪ ،963‬عن عوف بن مالك األشجعي ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أمحد رقم ‪ ،8795‬أبو داود رقم ‪ ،3201‬وابن ماجه رقم ‪ ،1498‬عن أيب هريرة ‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪309‬‬
‫* «اللهم إنه عبدك‪ ،‬وابن عبدك‪ ،‬وابن أمتك‪ ،‬كان يشهد أن ال إله إال‬
‫أنت‪ ،‬وأن حممد ًا عبدك ورسولك‪ ،‬وأنت أعلم به‪ ،‬اللهم إن كان ُحمسن ًا فزد يف‬
‫إحسانه‪ ،‬وإن كان ُمسيئ ًا فتجاوز عن سيئاته‪ ،‬اللهم ال حترمنا أجره‪ ،‬وال تفتنا‬
‫بعده»(‪.)1‬‬
‫ـ دعاء التعزية‪:‬‬
‫* «إن هلل ما أخذ‪ ،‬وله ما أعطى‪ ،‬وكل يشء عنده بأجل ُمسمى‪،‬‬
‫فلتصرب ولتحتسب»(‪.)2‬‬
‫ـ زيارة القبور‪:‬‬
‫«السالم عليكم أهل الديار‪ ،‬من املؤمنني واملسلمني‪ ،‬وإنا إن شاء بكم‬
‫الحقون‪ ،‬ويرحم اهلل ا ُملستقدمني منا واملستأخرين‪ ،‬أسأل اهلل لنا ولكم‬
‫العافية»(‪.)3‬‬
‫ـ صياح الديك وهنيق احلامر‪:‬‬
‫* «أعوذ باهلل من الشيطان»‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬إذا سمعتم‬
‫صياح الديكة؛ فاسألوا اهلل من فضله‪ ،‬فإهنا رأت َم َلك ًا‪ ،‬وإذا سمعتم هنيق‬

‫(‪ )1‬أخرجه مالك رقم ‪ 535‬عن أيب هريرة ‪ .‬واحلاكم نحوه رقم ‪ 1328‬وصححه‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم ‪ 1224‬ومسلم رقم ‪ 923‬عن أسامة بن زيد ريض اهلل عنهام‪ .‬وأما قول‪:‬‬
‫«عظم اهلل أجرك‪ ،‬وأحسن عزاءك‪ ،‬وغفر مليتك»‪ ،‬فلم ترد يف السنة‪ ،‬وإنام هي مما استحسنه العلامء‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم رقم ‪ 975‬عن بريدة ‪ ،‬ورقم ‪ 974‬عن عائشة ريض اهلل عنها‪ ،‬واللفظ املذكور‬
‫من جمموع الروايتني‪ ،‬ففي كل واحدة منها عبارة ليست يف األخرى‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪310‬‬
‫احلامر؛ فتعوذوا باهلل من الشيطان‪ ،‬فإنه رأى شيطان ًا»(‪.)1‬‬
‫ـ ما يقول من أحس وجع ًا يف جسده‪:‬‬
‫* «بسم اهلل» ثالث ًا‪« ،‬أعوذ باهلل وقدرته من رش ما أجد وأحاذر» سبع ًا‪،‬‬
‫بعد وضع اليد عىل الذي تأمل من جسدك(‪.)2‬‬
‫ـ َمن خيش أن يصيب شيئ ًا بعينه‪:‬‬
‫«اللهم بارك»‪ ،‬فعن سهل بن حنيف ‪ ‬قال ‪« :‬إذا رأى أحدكم من‬
‫أخيه‪ ،‬أو من نفسه‪ ،‬أو من ماله ما يعجب ُه‪ ،‬فليربكه‪ ،‬فإن العني ح ٌّق»(‪.)3‬‬
‫ـ التعجب واألمر السار‪:‬‬
‫* «سبحان اهلل»(‪« ،)4‬اهلل أكرب»(‪.)5‬‬
‫ـ الذبح أو النحر‪:‬‬
‫* «بسم اهلل‪ ،‬واهلل أكرب»(‪.)6‬‬
‫ـ السالم عىل غري املسلم إن سلم‪:‬‬
‫* «وعليكم»‪ ،‬فعن أنس ‪ ،‬قال ‪« :‬إذا سلم عليكم أهل الكتاب‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري رقم ‪ 3127‬ومسلم رقم ‪.2729‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم رقم ‪ ،2202‬عن عثامن بن أيب العاص الثقفي ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أمحد رقم ‪ ،447/4‬وابن ماجه رقم ‪ 3509‬واحلاكم رقم ‪.5742‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري رقم ‪ 3284‬ومسلم ‪ ،2388‬عن أيب هريرة ‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري رقم ‪ 5864‬عن أم سلمة ريض اهلل عنها‪.‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه مسلم رقم ‪ 1966‬عن أنس ‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪311‬‬
‫فقولوا‪ :‬وعليكم»(‪.)1‬‬
‫سادس ًا‪ :‬من املأثور عن السلف(‪:)2‬‬
‫السلف واخللف ال ُحتىص‪ ،‬وهي ُسن ٌة َمشوع ٌة يف‬ ‫ملا كان األدعي ُة عن َّ‬
‫ذكرت نَزر ًا َيسري ًا منها‬
‫ُ‬ ‫َّأليفات اخلاص ُة هبا‪ ،‬فقد‬
‫ُ‬ ‫هذا األمة املباركة‪ ،‬وكثرة الت‬
‫لإلشارة إليها واإلرشاد هلا والتنبيه عليها‪ ،‬فمنها‪:‬‬
‫ـ االستيقاظ من النوم‪:‬‬
‫* «احلمد هلل الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور‪ ،‬أصبحنا وأصبح‬
‫امللك هلل‪ ،‬والعظمة والسلطان هلل‪ ،‬والعزة والقدرة هلل رب العاملني‪ ،‬أصبحنا‬
‫عىل فطرة االسالم‪ ،‬وعىل كلمة االخالص‪ ،‬وعىل دين نبينا حممد ‪ ،‬وعىل‬
‫ملة أبينا إبراهيم حنيف ًا مسل ًام‪ ،‬وما كان من املشكني؛ اللهم بك أصبحنا‪،‬‬
‫وبك أمسينا‪ ،‬وبك نحيا‪ ،‬وبك نموت‪ ،‬وإليك النشور‪ ،‬اللهم إنا نسألك أن‬
‫تبعثنا يف هذا اليوم إىل كل خري‪ ،‬ونعوذ بك أن نجرتح فيه سوء ًا أو نجره إىل‬
‫مسلم‪ ،‬أو جيره أحد إلينا؛ نسألك خري هذا اليوم‪ ،‬وخري ما فيه‪ ،‬ونعوذ بك‬
‫من رش هذا اليوم‪ ،‬ورش ما فيه»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري رقم ‪ 5903‬ومسلم رقم ‪.2163‬‬


‫(‪ )2‬مستفاده من بداية اهلداية لإلمام الغزال‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬بداية الهداية ص‪.49‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪312‬‬
‫ـ أثناء الوضوء‪:‬‬
‫* «بسم اهلل العظيم‪ ،‬واحلمد هلل عىل دين اإلسالم»(‪.)1‬‬
‫والربكة‪ ،‬وأعوذ بك من‬ ‫عند غسل اليدين‪« :‬ال َّل َّ‬
‫هم إين أسألك اليمن َ‬
‫الشؤم واهللكة»‪.‬‬
‫وعند املضمضمة‪« :‬اللهم أعني عىل تالوة كتابك وكثرة ِّ‬
‫الذكر لك‪،‬‬
‫وثبتني بالقول ال َّثابت يف احلياة الدنيا ويف اآلخرة»‪.‬‬
‫وعند االستنشاق‪« :‬اللهم أرحني رائحة اجلنة وأنت عني راض»‪.‬‬
‫وعند االستنثار‪« :‬اللهم إين أعوذ بك من روائح النَّار وسوء الدَّ ار»‪.‬‬
‫وعند غسل الوجه‪« :‬اللهم بيض وجهي بنورك يوم تبيض وجوه‬
‫سود وجوه أعدائك»‪.‬‬
‫أوليائك‪ ،‬وال تسود وجهي بكلامتك يوم ُت ِّ‬
‫وعند غسل اليد ال ُيمنى‪« :‬أعطني كتايب بيميني‪ ،‬وحاسبني حسابا‬
‫يسري ًا»‪.‬‬
‫وعند غسل الشامل‪« :‬اللهم إين أعوذ بك أن تعطيني كتايب بشامل أو‬
‫من وراء ظهري»‪.‬‬

‫)‪ (1‬قاله الطحاوي‪ ،‬وهو املنقول عن السلف‪ ،‬وقيل‪ :‬إنَّه مرفوع إىل النبي ‪ ،‬كام يف العناية ‪،21 :1‬‬
‫وقيل‪ :‬األفضل‪ :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم بعد التعوذ‪ ،‬ويف املجتبى جيمع بينهام‪ ،‬اهـ‪ ،‬ويف رشح اهلداية‬
‫للعيني املروي عن رسول اهلل ‪( : ‬باسم اهلل واحلمد هلل) رواه الطرباين يف الصغري عن أيب هريرة‬
‫بإسناد حسن اهـ‪ ،‬كام يف رد املحتار ‪.109 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪313‬‬
‫وعند مسح الرأس‪« :‬اللهم غشني برمحتك‪ ،‬وأنزل عىل من بركاتك‪،‬‬
‫وأظلني حتت ظل عرشك يوم ال ظل إال ظلك‪ ،‬اللهم حرم شعري وبشي‬
‫عىل النار»‪.‬‬
‫وعند مسح األذنني‪« :‬اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول‬
‫فيتبعون أحسنه‪ ،‬اللهم أسمعني منادى اجلنة يف اجلنة مع األبرار»‪.‬‬
‫وعند مسح الرقبة‪« :‬اللهم فك رقبتي من النار‪ ،‬وأعوذ بك من‬
‫السالسل واألغالل»‪.‬‬
‫َّ‬
‫الرصاط املستقيم مع‬
‫وعند غسل الرجلني‪« :‬اللهم ثبت قدمي عىل ِّ‬
‫أقدام عبادك الصاحلني»‪.‬‬
‫الرصاط‬
‫وعند غسل ال ُيرسى‪« :‬اللهم إين أعوذ بك أن تزول قدمي عن ِّ‬
‫يف ا َّلنار يوم تزل أقدام املنافقني واملشكني»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬قال النووي يف األذكار ص‪« :118-117‬وأما الدعاء عىل أعضاء الوضوء فلم جييء عن النبي‬
‫‪ ‬وقد قال الفقهاء‪ :‬يستحب دعوات جاءت عن السلف‪ ،‬وزادوا ونقصوا فيها‪ ....‬ثم ذكر شيئ ًا من‬
‫هذه األدعية‪ ،‬ومما يقال‪:‬‬
‫عند املضمضة‪ :‬اللهم أعني عىل تالوة القرآن وذكرك وشكرك وحسن عبادتك‪.‬‬
‫عند االستنشاق‪ :‬اللهم أرحني رائحة اجلنة‪ ،‬وال ترحني رائحة النار‪.‬‬
‫عند غسل وجهه‪ :‬اللهم ب ِّيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه‪.‬‬
‫عند غسل يده اليمنى‪ :‬اللهم أعطني كتايب بيميني‪ ،‬وحاسبني حساب ًا يسري ًا‪.‬‬
‫عند غسل اليرسى‪ :‬اللهم ال تعطني كتايب بشامل‪ ،‬وال من وراء ظهري‪.‬‬
‫عند مسح رأسه‪ :‬اللهم أظلني حتت ظل عرشك يوم ال ظل إال ظل عرشك‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪314‬‬
‫وبعد الوضوء‪« :‬أشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له‪ ،‬وأشهد أن‬
‫حممد عبده ورسوله‪ ،‬سبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬أشهد أن ال إله إال أنت‪،‬‬
‫الرحيم‪ ،‬اللهم اجعلني من التَّوابني؛ واجعلني من املتطهرين‪،‬‬‫أنت التَّواب َّ‬
‫واجعلني من عبادك الصاحلني‪ ،‬واجعلني صبور ًا شكور ًا‪ ،‬واجعلني أذكرك‬
‫ذكر ًا كثري ًا‪ ،‬و ُأسبحك بكر ًة وأصي ً‬
‫ال»(‪.)1‬‬
‫ـ اخلروج إىل املسجد‪:‬‬
‫الراغبني إليك‪،‬‬ ‫السائلني عليك‪ ،‬وبحق َّ‬ ‫* «اللهم إين أسألك بحق َّ‬
‫أرشا وال بطر ًا‪ ،‬وال ريا ًء‪ ،‬وال سمع ًة‪،‬‬
‫وبحق ممشاي هذا إليك؛ فإين مل أخرج ً‬
‫بل خرجت اتقاء سخطك‪ ،‬وابتغاء مرضاتك فأسألك أن تنقذين من النار‪،‬‬
‫وأن تغفر ل ذنويب‪ ،‬فإنه ال يغفر الذنوب إال أنت»(‪.)2‬‬
‫ـ بعد الصالة‪:‬‬
‫السالم‪،‬‬
‫حممد وعىل آل حممد وسلم‪ ،‬اللهم أنت َّ‬ ‫* «ال َّل َّ‬
‫هم صىل عىل َّ‬
‫بالسالم‪ ،‬وأدخلنا اجلنة دار‬
‫السالم‪ ،‬وإليك يعود السالم‪ ،‬فحينا ربنا َّ‬
‫ومنك َّ‬

‫عند مسح أذنيه‪ :‬اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه‪.‬‬
‫عند مسح عنقه‪ :‬اللهم أعتق رقبتي من النار‪.‬‬
‫عند غسل قدمه اليمنى‪ :‬اللهم ثبت قدمي عىل الرصاط يوم تزل األقدام‪.‬‬
‫عند غسل رجله اليرسى‪ :‬اللهم اجعل ذنبي مغفور ًا وسعيي مشكور ًا وجتاريت لن تبور»‪.‬‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬بداية اهلداية ص‪.68‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬بداية اهلداية ص‪.68‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪315‬‬
‫السالم؛ تباركت يا ذا اجلالل واإلكرام‪ ،‬سبحان ريب العىل األعىل الوهاب‪ ،‬ال‬
‫َّ‬
‫حي‬
‫إله إال اهلل وحده ال رشيك له‪ ،‬له امللك‪ ،‬وله احلمد‪ُ ،‬حيي و ُيميت‪ ،‬وهو ٌّ‬
‫كل يشء قدير‪ ،‬ال إله إال اهلل‪ ،‬أهل النِّعمة‬ ‫ال َيموت‪ ،‬بيده اخلري‪ ،‬وهو عىل ِّ‬
‫والفضل وال َّثناء احلسن‪ ،‬ال إله إال اهلل‪ ،‬وال نعبد إال إياه خملصني له الدِّ ين ولو‬
‫كره الكافرون»(‪.)1‬‬
‫ـ عند النوم‪:‬‬
‫* «باسمك ريب وضعت جنبي‪ ،‬وباسمك أرفعه‪ ،‬فاغفر ل ذنبي‪.‬‬
‫اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك‪.‬‬
‫رش ِّ‬
‫كل ذي بش‪،‬‬ ‫اللهم باسمك أحيا وأموت‪ ،‬أعوذ بك اللهم من َ ِّ‬
‫آخذ بناصيتها‪ ،‬إن ريب عىل رصاط مستقيم‪.‬‬ ‫رش ِّ‬
‫كل دابة أنت ٌ‬ ‫ومن َ ِّ‬
‫اللهم أنت األَ َّول‪ ،‬فليس قبلك يشء‪ ،‬وأنت اآلخر فليس بعدك يشء‪،‬‬
‫وأنت ال َّظاهر فليس فوقك يشء‪ ،‬وأنت الباطن فليس دونك يشء‪ ،‬اقض‬
‫عني الدَّ ين‪ ،‬وأغنني من الفقر‪.‬‬
‫اللهم أنت خلقت نفيس‪ ،‬وأنت تتوفاها‪ ،‬لك مماهتا وحمياها‪ ،‬إن أمتها‬
‫فاغفر هلا‪ ،‬وإن أحييتها فاحفظها بام حتفظ به عبادك الصاحلني‪.‬‬
‫اللهم إين أسألك العفو والعافية يف الدِّ ين والدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬بداية اهلداية ص‪.74‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪316‬‬
‫بأحب االعامل‬
‫ِّ‬ ‫الساعات إليك‪ ،‬واستعملني‬
‫أحب َّ‬‫ِّ‬ ‫اللهم أيقظني يف‬
‫إليك؛ لتقربني إليك زلفى‪ ،‬و ُتبعدين عن سخطك بعد ًا‪ ،‬أسألك فتعطيني‪،‬‬
‫وأستغفرك فتغفر ل‪ ،‬وأدعوك فتستجيب ل‪.‬‬
‫الر ُس ُ‬
‫ول}[البقرة‪ ]285:‬إىل آخر السورة‪،‬‬ ‫ثم اقرأ آية الكريس‪ ،‬و{آ َم َن َّ‬
‫واإلخالص‪ ،‬واملعوذتني‪ ،‬وتبارك امللك»(‪.)1‬‬
‫قال ال َغزال(‪« :)2‬ترتب بتدبريك أورادك يف مجيع يومك؛ لتتدارك به ما‬
‫فرطت من تقصريك‪ ،‬وحترتز من التَّعرض لسخط اهلل تعال األليم يف يومك‪،‬‬
‫وتنوي اخلري جلميع املسلمني‪ ،‬وتَعز أال تشغل يف مجيع هنارك إال بطاعة اهلل‬
‫تعاىل‪ ،‬وتقصد يف قلبك ال َّطاعات التي تقدر عليها وختتار أفضلها‪ ،‬وتتأمل‬
‫هتيئة أسباهبا؛ لتشتغل هبا‪.‬‬
‫وال تدع عنك التَّفكر يف قرب األجل‪ ،‬وحلول املوت القاطع لألمل‪،‬‬
‫وخروج األمر عن االختيار‪ ،‬وحصول احلرسة والنَّدامة بطول االغرتار‪.‬‬
‫وليكن من تسابيحك‪ ،‬وأذكارك عش كلامت‪:‬‬
‫‪.1‬ال إله إال اهلل‪ ،‬وحده ال رشيك له‪ ،‬له امللك‪ ،‬له احلمد‪ ،‬حيي ويميت‪،‬‬
‫كل يشء قدير‪.‬‬ ‫وهو حي ال يموت‪ ،‬بيده اخلري‪ ،‬وهو عىل ِّ‬
‫‪.2‬ال إله إال اهلل‪ ،‬امللك احلق املبني‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬بداية اهلداية ص‪.92‬‬


‫(‪ )2‬يف بداية اهلداية ص‪.76‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪317‬‬
‫السموات واألرض‪ ،‬وما بينهام‬
‫القهار‪َ ،‬ر ِّب َّ‬
‫‪.3‬ال إله إال اهلل الواحد َّ‬
‫العزيز ال َغ َّفار‪.‬‬
‫‪.4‬سبحان اهلل‪ ،‬واحلمد هلل‪ ،‬وال إله إال اهلل‪ ،‬واهللُ أكرب‪ ،‬وال حول وال‬
‫قوة إال باهلل‪ ،‬العيل العظيم‪.‬‬
‫‪.5‬سبوح قدوس رب املالئكة والروح‪.‬‬
‫‪.6‬سبحان اهلل وبحمده‪ ،‬سبحان اهلل العظيم‪.‬‬
‫‪.7‬أستغفر اهلل العظيم الذي ال إله إال اهلل هو احلي القيوم‪ ،‬وأسأله‬
‫التَّوبة واملغفرة‪.‬‬
‫‪.8‬ال َّلهم ال مانع ملا َأعطيت‪ ،‬وال ُمعطي ملا َمنَعت‪ ،‬وال راد ملا قضيت‪،‬‬
‫وال ينفع ذا اجلد منك اجلد‪.‬‬
‫‪.9‬اللهم صىل عىل حممد‪ ،‬وعىل آل حممد وصحبه وس َّلم‪.‬‬
‫السامء‪،‬‬
‫‪.10‬بسم اهلل الذي ال يرض مع اسمه يش ٌء يف األرض وال يف َّ‬
‫السميع العليم‪.‬‬
‫وهو َّ‬
‫عش‬
‫كر ُر كل واحدة من هذه الكلامت إما مائة مرة أو سبعني مرة‪ ،‬أو َ‬
‫ُت ِّ‬
‫مرات‪ ،‬وهو أقله‪ ،‬ليكون املجموع مائة‪ ،‬والزم هذه األوراد‪...‬‬
‫فإن دعتك نفسك إىل ترك ما ذكرناه من األوراد واألذكار استثقاالً‬
‫لذلك‪ ،‬فاعلم أن َّ‬
‫الشيطان اللعني قد َد َّس يف قلبك الدَّ اء الدَّ فني‪ ،‬وهو ُحب‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪318‬‬
‫املال واجلاه‪ ،‬فإياك أن تغرت به‪ ،‬فتكون ضحكة له‪ ،‬فيهلكك‪ ،‬ثم يسخر‬
‫منك‪...‬‬
‫الرتتيب بقية عمرك‪ ،‬فإن َش َّقت عليك املداومة‪ ،‬فاصرب‬ ‫وداوم عىل هذا َّ‬
‫للشفاء‪ ،‬و َت َفكَّر يف قرص عمرك‪ ،‬وإن‬
‫صرب املريض عىل َمرارة الدَّ واء انتظار ًا ِّ‬
‫عشت مث ً‬
‫ال مائة سنة‪ ،‬فهي قليلة باإلضافة إىل مقامك يف الدَّ ار اآلخرة‪ ،‬وهي‬
‫تتحمل املشقة والذل يف طلب الدنيا شهر ًا أو‬
‫َّ‬ ‫أبدُ اآلباد‪َ ،‬‬
‫وتأ َّمل أنك كيف‬
‫تتحمل ذلك أيام ًا‬
‫َّ‬ ‫سنة رجا َء أن تسرتيح هبا عشين سنة مثالً‪ ،‬فكيف ال‬
‫َ‬
‫قالئل رجاء االسرتاحة أبدَ اآلباد!‬
‫أملك‪ ،‬فيثقل عليك عم ُلك‪ ،‬و َقدِّ ر ُقر َب املوت‪ ،‬و ُقل يف‬
‫َ‬ ‫طول‬ ‫وال ُت ِّ‬
‫نفسك‪ :‬إين أ َّحتمل املش َّقة اليوم‪ ،‬فلعيل أموت الليلة‪ ،‬و َأصرب الليلة‪ ،‬فلعىل‬
‫أموت غد ًا‪ ،‬فإن املوت ال هيجم يف وقت خمصوص‪ ،‬وحال خمصوص‪ ،‬فال ُبد‬
‫من هجومه‪ ،‬فاالستعداد له أوىل من االستعداد للدنيا‪ ،‬وأنت تعلم أنك ال‬
‫تبقى فيها إال مد ًة يسري ًة»‪.‬‬

‫‪‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪319‬‬

‫املبحث الثاين‬
‫ما يتعلق بالكالم‬
‫صدر عن ال ِّلسان هو القرآن ِّ‬
‫والذكر والدعاء‪،‬‬ ‫مر معنا أن أفضل ما َي ُ‬
‫يصدر من ال ِّلسان‪ ،‬لكن ٌ‬
‫قليل من النَّاس َمن يفعله‬ ‫ُ‬ ‫وينبغي أن يكون أكثر ما‬
‫األكثر الكال ُم من غري سبق‪ ،‬فعلينا أن ال نخرج فيه عن‬
‫ُ‬ ‫و َيلتز ُمه‪ ،‬فيكون‬
‫األمر باملعروف والنهي املنكر‪ ،‬والصدق‪ ،‬واحلياء‪ ،‬واملستحسن‪ ،‬والتعليم؛‬
‫ليكون لنا ال علينا‪ ،‬فيثبت به األجر ال الوزر‪ ،‬وال يندرج يف اآلفات‪ ،‬وهذا ما‬
‫نفصله يف املطالب اآلتية‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪:‬‬
‫َّ‬
‫إن األمر باملعروف والنهي عن املنكر هو القطب األعظم يف الدين‪ ،‬وهو‬
‫املهم الذي ابتعث اهلل له النبيني أمجعني‪ ،‬ولو طوى بساطه وأمهل علمه‬
‫وعمله لتعطلت النبوة واضمحلت الديانة‪ ،‬وعمت الفرتة‪ ،‬وفشت الضاللة‪،‬‬
‫وشاعت اجلهالة‪ ،‬واستشى الفساد‪ ،‬واتسع اخلرق‪ ،‬وخربت البالد‪ ،‬وهلك‬
‫العباد‪ ،‬ومل يشعروا باهلالك إال يوم التناد‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪320‬‬
‫وقد اندرس من هذا القطب عمله وعلمه‪ ،‬وانمحق بالكلية حقيقته‬
‫ورسمه‪ ،‬فاستولت عىل القلوب مداهنة اخللق‪ ،‬وانمحت عنها مراقبة اخلالق‪،‬‬
‫واسرتسل الناس يف اتباع اهلوى والشهوات اسرتسال البهائم‪ ،‬وعز عىل‬
‫بساط األرض مؤمن صادق ال تأخذه يف اهلل لومة الئم‪ ،‬فمن سعى يف تاليف‬
‫ال بعملها أو متقلد ًا لتنفيذها جمدد ًا هلذه‬
‫هذه الفرتة‪ ،‬وسد هذه الثلمة إما متكف ً‬
‫السنة الداثرة‪ ،‬ناهضا بأعبائها‪ ،‬ومتشمرا يف إحيائها كان مستأثر ًا من بني‬
‫اخللق بإحياء سنة أفىض الزمان إىل إماتتها‪ ،‬ومستبد ًا بقربة تتضاءل درجات‬
‫القرب دون ذروهتا(‪.)1‬‬
‫ويلزم علينا أن نُفصل ما يتعلق باألمر والنهي يف النقاط اآلتية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬فضل األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪:‬‬
‫يدل عىل ذلك بعد إمجاع األمة عليه‪ ،‬وإشارات العقول السليمة إليه‬
‫اآليات واألخبار واآلثار‪:‬‬
‫ما كان من اعتبار أهل األمر والنهي هم املفلحون‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬ول َت ُكن‬
‫املع ُروف َو َين َهو َن َعن ُاملنكَر َو ُأو َلـئ َك‬
‫ون ب َ‬ ‫ِّمن ُكم ُأ َّم ٌة َيد ُع َ‬
‫ون إ َىل اخلَري َو َيأ ُم ُر َ‬
‫ُه ُم ُاملفل ُحون}[آل عمران‪.]104:‬‬
‫وكان صفة بارزة لألمة اخلالصة هلل تعاىل‪ ،‬قوله تعاىل‪َ { :‬لي ُسوا َس َواء ِّمن‬
‫َأهل الكتَاب ُأ َّم ٌة َقآئ َم ٌة َيت ُل َ‬
‫ون آ َيات اهلل آنَاء ال َّليل َو ُهم َيس ُجدُ ون‪ُ .‬يؤمنُ َ‬
‫ون باهلل‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.306 :2‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪321‬‬
‫اخل َريات‬ ‫املع ُروف َو َين َهو َن َعن ُاملنكَر َو ُي َسار ُع َ‬
‫ون يف َ‬ ‫ون ب َ‬
‫َوال َيوم اآلخر َو َيأ ُم ُر َ‬
‫الصاحلني}[آل عمران‪ ،]114:‬فلم يشهد هلم بالصالح بمجرد‬ ‫َو ُأو َلـئ َك م َن َّ‬
‫اإليامن باهلل واليوم اآلخر حتى أضاف إليه األمر باملعروف والنهي عن‬
‫املنكر‪.‬‬
‫وكان نعت ًا للمؤمنني بأهنم يأمرون باملعروف وينهون عن املنكر‪ ،‬قال‬
‫املع ُروف َو َين َهو َن‬ ‫َات َبع ُض ُهم َأول َياء َبعض َيأ ُم ُر َ‬
‫ون ب َ‬ ‫ون َو ُاملؤمن ُ‬
‫تعاىل‪َ { :‬و ُاملؤمنُ َ‬
‫ون اهللَ َو َر ُسو َل ُه ُأو َلـئ َك‬
‫ون ال َّزكَا َة َو ُيطي ُع َ‬
‫ال َة َو ُيؤ ُت َ‬
‫الص َ‬
‫ون َّ‬ ‫َعن ُاملنكَر َو ُيق ُ‬
‫يم َ‬
‫مح ُه ُم اهللُ إ َّن اهللَ َعز ٌيز َحكيم}[التوبة‪]71:‬‬
‫َس َري َ ُ‬
‫وكان تركه سبب ًا للعنة اهلل تعاىل‪ ،‬قال سبحانه‪ُ { :‬لع َن ا َّلذي َن َك َف ُروا من َبني‬
‫رسائ َيل َع َىل ل َسان َد ُاوو َد َوع َ‬
‫يسى ابن َمر َي َم َذل َك ب َام َع َصوا َّوكَا ُنوا َيعتَدُ ون‪.‬‬ ‫إ َ‬
‫كَا ُنوا الَ َي َتن َ‬
‫َاهو َن َعن منكَر َف َع ُلو ُه َلبئ َس َما كَا ُنوا َيف َع ُلون}[املائدة‪.]79:‬‬
‫وكان أبرز صفة خلري أمة عرفتها البشية‪ ،‬قال تعاىل‪ُ { :‬كن ُتم َخ َري ُأ َّمة‬
‫املع ُروف َوتَن َهو َن َعن ُاملنكَر}[آل عمران‪.]110:‬‬ ‫ُأخر َجت للنَّاس تَأ ُم ُر َ‬
‫ون ب َ‬
‫وكان طريق ًا للنجاة من عذاب اهلل سبحانه‪ ،‬قوله تعاىل‪َ { :‬ف َل َّام ن َُسوا َما‬
‫نجينَا ا َّلذي َن َين َهو َن َعن السوء َو َأ َخذنَا ا َّلذي َن َظ َل ُموا ب َع َذاب َبئيس‬
‫ُذك ُِّروا به َأ َ‬
‫ب َام كَا ُنوا َيف ُس ُقون}[األعراف‪.]165:‬‬
‫أثر هلام‪ ،‬وصفة للمستمكني هبام‪ ،‬قال‬ ‫وكان مقرتن ًا بالصالة والزكاة؛ ألنه ٌ‬
‫الزكَا َة َو َأ َم ُروا‬ ‫َّاهم يف األَرض َأ َقا ُموا َّ‬
‫الص َ‬
‫ال َة َوآت َُوا َّ‬ ‫تعاىل‪{ :‬ا َّلذي َن إن َّم َّكن ُ‬
‫املع ُروف َو َهنَوا َعن ُاملنكَر َوهللَّ َعاق َب ُة األُ ُمور}[احلج‪.]41:‬‬
‫ب َ‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪322‬‬
‫رب َوالتَّق َوى َوالَ‬ ‫وكان طريق ًا للرب والتقوى‪ ،‬قالتعاىل‪َ { :‬و َت َع َ‬
‫او ُنوا َع َىل ال ِّ‬
‫او ُنوا َع َىل اإلثم َوال ُعد َوان َوا َّت ُقوا اهللَ إ َّن اهللَ َشديدُ الع َقاب}[املائدة‪.]2:‬‬
‫َت َع َ‬
‫وكان حال أهل اهلل من أهل العلم هو النهي واألمر‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬لوالَ‬
‫ون َواألَح َب ُار َعن َقوهل ُم اإلث َم َو َأكله ُم السح َت َلبئ َس َما كَا ُنوا‬
‫الر َّباني َ‬
‫اه ُم َّ‬
‫َين َه ُ‬
‫َيصنَ ُعون}[املائدة‪.]63:‬‬
‫َان م َن‬‫وكان صفة لفئة طيبة خرية يف عامة األمم‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬ف َلوالَ ك َ‬
‫ال ُق ُرون من َقبل ُكم ُأو ُلوا َبق َّية َين َهو َن َعن ال َف َساد يف األَرض إالَّ َقلي ً‬
‫ال ِّممَّن‬
‫نجينَا من ُهم َوا َّت َب َع ا َّلذي َن َظ َل ُموا َما ُأتر ُفوا فيه َوكَا ُنوا ُجمرمني}[هود‪.]116:‬‬
‫َأ َ‬
‫وكان التمسك به قيام ًا بالقسط عىل النفس واألقربني‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬يا َأ َهيا‬
‫ني بالقسط ُش َهدَ اء هلل َو َلو َع َىل َأن ُفس ُكم َأو ال َوالدَ ين‬
‫ا َّلذي َن آ َمنُوا ُكو ُنوا َق َّوام َ‬
‫ني}[النساء‪.]135:‬‬ ‫َواألَق َرب َ‬
‫وكان خري ما يكون به املناجاة وينطلق به اللسان من الكالم‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫{الَّ َخ َري يف كَثري ِّمن نَّج َو ُاهم إالَّ َمن َأ َم َر ب َصدَ َقة َأو َمع ُروف َأو إصالَح َب َ‬
‫ني‬
‫ف ُنؤتيه َأج ًرا‬ ‫النَّاس َو َمن َيف َعل َذل َك اب َت َغاء َمر َضات اهلل َف َسو َ‬
‫َعظ ًيام}[النساء‪.]114:‬‬
‫وكان من أثر النهي اإلصالح بني الناس‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬وإن َطائ َف َتان م َن‬
‫ني اق َت َت ُلوا َف َأصل ُحوا َبين َُه َام}[احلجرات‪ ،]9:‬واإلصالح هني عن البغي‬ ‫ُاملؤمن َ‬
‫وإعادة إىل الطاعة‪ ،‬فإن مل يفعل فقد أمر اهلل تعاىل بقتاله‪ ،‬فقال تعاىل‪َ { :‬ف َقات ُلوا‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪323‬‬
‫ا َّلتي تَبغي َحتَّى تَفي َء إ َىل َأمر اهللَّ}[احلجرات‪ ،]9:‬وذلك هو النهي عن‬
‫املنكر(‪.)1‬‬
‫وكان تركه سبب ًا الستحقاق العقاب‪ ،‬فعن حذيفة ‪ ،‬قال ‪« :‬والذي‬
‫نفيس بيده لتأمرن باملعروف ولتنهون عن املنكر أو ليوشكن اهلل أن يبعث‬
‫عليكم عقاب ًا منه ثم تدعونه فال يستجاب لكم»(‪.)2‬‬
‫وكان تركه مستحق ًا للعنة‪ ،‬فعن ابن عباس ‪ ،‬قال ‪« :‬ال تقفن عند‬
‫رجل يقتل مظلوم ًا‪ ،‬فإن اللعنة تنزل عىل من حرضه حني مل يدفعوا عنه»(‪.)3‬‬
‫وكان واجب ًا عىل كل أحد بقدر استطاعته‪ ،‬وأقلها القلب‪ ،‬فعن ابن‬
‫مسعود ‪ ،‬قال ‪« :‬ما من نبي بعثه اهلل يف أمة قبيل إال كان له من أمته‬
‫حواريون‪ ،‬وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره‪ ،‬ثم إهنا ختلف من‬
‫بعدهم خلوف يقولون ما ال يفعلون‪ ،‬ويفعلون ما ال يؤمرون‪ ،‬فمن جاهدهم‬
‫بيده فهو مؤمن‪ ،‬ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن‪ ،‬ومن جاهدهم بقلبه فهو‬
‫مؤمن‪ ،‬وليس وراء ذلك من اإليامن حبة خردل»(‪.)4‬‬
‫وعن أيب سعيد اخلدري ‪ ،‬قال ‪َ « :‬من رأى منكم منكر ًا فليغريه بيده‪،‬‬
‫أضعف اإليامن»(‪.)5‬‬
‫ُ‬ ‫فإن مل يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن مل يستطع فبقلبه‪ ،‬وذلك‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪.306 :2‬‬


‫(‪ )2‬يف سنن الرتمذي‪ ،468 :‬وحسنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الطرباين بسند ضعيف والبيهقي يف شعب اإليامن بسند حسن‪.‬‬
‫(‪ )4‬يف صحيح مسلم‪.69 :1‬‬
‫(‪ )5‬يف صحيح مسلم‪.69 :1‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪324‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬كيفية األمر والنهي‪:‬‬
‫ال جيوز التقاعد عن إرشاد الناس وتعليمهم ومحلهم عىل املعروف‪ ،‬فأكثر‬
‫الناس جاهلون بالشع يف رشوط الصالة يف البالد‪ ،‬فكيف يف القرى‬
‫والبوادي‪.‬‬
‫وواجب أن يكون يف مسجد وحملة من البلد فقي ٌه ُيع ِّلم النَّاس دينهم‪،‬‬
‫وكذا يف ِّ‬
‫كل قرية‪.‬‬
‫َفر َغ لفرض الكفاية أن‬ ‫وواجب عىل ِّ‬
‫كل فقيه فرغ من فرض عينه‪ ،‬وت َّ‬
‫خيرج إىل َمن جياور بلدَ ه ويعلمهم دينَهم وفرائض رشعهم‪.‬‬
‫غريه‪ ،‬وإال فهو‬
‫الصالة‪ ،‬فعليه أن يعرفها َ‬
‫وكل عامي عرف رشوط َّ‬
‫ٌ‬
‫رشيك يف اإلثم‪.‬‬
‫إلنسان ال يولد عامل ًا بالشع‪ ،‬وإنَّام جيب التَّبليغ عىل أهل‬
‫َ‬ ‫ومعلو ٌم أن ا‬
‫العلم‪ ،‬فكل َمن تعلم مسأل ًة واحدةً‪ ،‬فهو من أهل العلم هبا‪.‬‬
‫قدرهتم فيه أظهر‪ ،‬وهو بصناعتهم‬ ‫َ‬ ‫ولعمري اإلثم عىل الفقهاء أشد؛ ألن‬
‫أليق؛ ألن املحرتفني لو تركوا حرفتهم لبطلت املعايش‪ ،‬فهم قد تق َّلدوا أمر ًا‬
‫ال ُبد منه يف صالح اخللق‪.‬‬
‫ُ‬
‫تبليغ ما بلغه عن رسول اهلل ‪ ،‬فإن العلام َء هم‬ ‫ُ‬
‫وشأن الفقيه وحرف ُته‬
‫ورثة األنبياء‪ ،‬وليس لإلنسان أن يقعدَ يف بيته‪ ،‬وال خيرج إىل املسجد؛ ألنه‬
‫الصالة‪ ،‬بل إذا علم ذلك وجب عليه اخلروج للتعليم‬ ‫يرى الناس ال حيسنون َّ‬
‫والنَّهي‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪325‬‬
‫وكذا كل َمن تي َّقن أن يف السوق ُمنكر ًا جيري عىل الدَّ وام أو يف وقت‬
‫قادر عىل تغيريه‪ ،‬فال جيوز له أن يسقط ذلك عن نفسه بالقعود يف‬
‫بعينه‪ ،‬وهو ٌ‬
‫حمرتز عن‬
‫ٌ‬ ‫البيت‪ ،‬بل يلز ُمه اخلروج‪ ،‬فإن كان ال يقدر عىل تغيري اجلميع‪ ،‬وهو‬
‫خروجه إذا كان ألجل‬
‫َ‬ ‫مشاهدته‪ ،‬ويقدر عىل البعض لزمه اخلروج؛ ألن‬
‫يقدر عليه‪ ،‬وإنَّام يمنع احلضور‬
‫تغيري ما يقدر عليه‪ ،‬فال يرضه مشاهد ُة ما ال ُ‬
‫ملشاهدة املنكر من غري غرض صحيح‪.‬‬
‫فحق عىل كل مسلم أن يبدأ بنفسه‪ ،‬فيصلحها باملواظبة عىل الفرائض‬
‫وترك املحرمات‪ ،‬ثم يعلم ذلك أهل بيته‪ ،‬ثم يتعدى بعد الفراغ منهم إىل‬
‫جريانه‪ ،‬ثم إىل أهل حملته‪ ،‬ثم إىل أهل بلده‪ ،‬ثم إىل أهل السوادي املكتنف‬
‫ببلده‪ ،‬وهكذا إىل أقىص العامل‪ ،‬فإن قام به األدنى سقط عن األبعد‪ ،‬وإال حرج‬
‫به عىل ِّ‬
‫كل قادر عليه قريب ًا كان أو بعيد ًا‪.‬‬
‫وال يسقط احلرج ما دام يبقى عىل وجه األرض جاهل بفرض من‬
‫فروض دينه‪ ،‬وهو قادر عىل أن يسعى إليه بنفسه أو بغريه فيعلمه فرضه‪،‬‬
‫وهذا شغل شاغل ملن هيمه َأمر دينه يشغله عن جتزئة األوقات يف التَّفريعات‬
‫النادرة‪ ،‬والتعمق يف دقائق العلوم التي هي من فروض الكفايات‪ ،‬وال يتقدَّ م‬
‫عىل هذا إال فرض عني أو فرض كفاية هو أهم منه(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪342 :2‬ـ ‪.343‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪326‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الصدق(‪:)1‬‬
‫جيب أن يكون الصدق الصفة املالزمة لكل ما يصدر عن اللسان؛ ألن‬
‫يتحرى‬
‫َّ‬ ‫من أعظم املوبقات الكذب‪ ،‬فهو املهلكة العظمى‪ ،‬وعىل املؤمن أن‬
‫الصدق وحيرص عليه أشدَّ احلرص‪ ،‬حتى ُينسب عليه‪ ،‬ويعد من أهله‪.‬‬
‫َّ‬
‫ويف هذه املطلب نعرض لفضله ومكانته وحقيته ومراتبه يف النقاط‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬فضيلة الصدق‪:‬‬
‫ال شك أن فضله ومكانته رفعة عالية حتى كان من أبرز صفات أهل اهلل‬
‫اهدُ وا اهللََّ َع َليه}‬
‫ني ر َج ٌال َصدَ ُقوا َما َع َ‬
‫تعاىل‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬م َن ُاملؤمن َ‬
‫[األحزاب‪.]23:‬‬
‫يم إ َّن ُه ك َ‬
‫َان‬ ‫وكان صفة لألنبياء‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬واذ ُكر يف الكتَاب إب َراه َ‬
‫صدِّ ي ًقا نَّب ًّيا}[مريم‪ ،]41:‬ويكفي يف فضيلة الصدق أن الصديق مشتق منه‪،‬‬
‫واهلل تعاىل وصف األنبياء به يف معرض املدح والثناء ‪ ،‬وقال‪َ { :‬واذ ُكر يف‬
‫َان َر ُسوالً َّنب ًّيا}[مريم‪ ،]54:‬وقال‬ ‫الكتَاب إس َامع َيل إ َّن ُه ك َ‬
‫َان َصاد َق ال َوعد َوك َ‬
‫َان صدِّ ي ًقا نَّب ًّيا}[مريم‪.]56:‬‬
‫يس إ َّن ُه ك َ‬
‫تعاىل‪َ { :‬واذ ُكر يف الكتَاب إدر َ‬
‫وكان الصدق موص ً‬
‫ال للرب املدخل للجنة‪ ،‬فعن ابن مسعود ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫الصدق هيدي إىل الرب‪ ،‬وإن الرب هيدي إىل اجلنة‪ ،‬وإن الرجل ليصدق‬ ‫« َّ‬
‫إن ِّ‬

‫(‪ )1‬اخترص هذا املبحث من إحياء علوم الدين‪386 :4‬ـ ‪.392‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪327‬‬
‫حتى يكون صديقا‪ .‬وإن الكذب هيدي إىل الفجور‪ ،‬وإن الفجور هيدي إىل‬
‫النار‪ ،‬وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند اهلل كذاب ًا»(‪.)1‬‬
‫أربع َمن كن فيه فقد ربح‪،‬‬
‫وكان صفة الرابحني‪ ،‬قال ابن عباس ‪ٌ « :‬‬
‫الصدق واحلياء وحسن اخللق والشكر»‪.‬‬
‫الصدق مع اهلل مقرب ًا له تعاىل‪ ،‬ومبعد ًا عن غريه‪ ،‬قال بش ابن‬
‫وكان ِّ‬
‫احلارث‪َ « :‬من عامل اهلل بالصدق استوحش من الناس»‪.‬‬
‫وكان الواجب عىل املؤمن أن جيعله طريقه وسبيله‪ ،‬قال أبو سليامن‪:‬‬
‫الصدق مطيتك‪ ،‬واحلق سيفك‪ ،‬واهلل تعاىل غاية طلبتك»‪.‬‬
‫«اجعل ِّ‬
‫وكان صاحبه عارف ًا للصادقني‪ ،‬قال رجل حلكيم‪« :‬ما رأيت صادق ًا‪،‬‬
‫فقال له‪ :‬لو كنت صادق ًا لعرفت الصادقني»‪.‬‬
‫وكان أحد أركان دين اهلل تعاىل‪ ،‬قال الكناين‪« :‬وجدنا دين اهلل تعاىل مبني ًا‬
‫ُ‬
‫والعدل عىل‬ ‫ُ‬
‫والعدل‪ ،‬فاحلق عىل اجلوارح‪،‬‬ ‫ُ‬
‫والصدق‬ ‫عىل ثالثة أركان‪ :‬احلق‬
‫والص ُ‬
‫دق عىل العقول»‪.‬‬ ‫القلوب‪ِّ ،‬‬
‫أمجع الفقهاء‬
‫وكان من اخلصاص املنجية عند اهلل تعاىل‪ ،‬قال بعضهم‪ُ « :‬‬
‫والعلامء عىل ثالث خصال أهنا إذا َّصحت ففيها النجاة‪ ،‬وال يتم بعضها إال‬
‫ببعض‪ ،‬اإلسالم اخلالص عن البدعة واهلوى‪ ،‬والصدق هلل تعاىل يف األعامل‪،‬‬
‫وطيب املطعم»‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري‪ ،25 :8‬وصحيح مسلم‪.2012 :4‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪328‬‬
‫الصدق مبرص ًا بحقيقة الدنيا واآلخرة‪ ،‬قال حممد بن سعيد‬ ‫وكان ِّ‬
‫املروزي‪« :‬إذا طلبت اهلل بالصدق آتاك اهلل تعاىل مرآة بيدك‪ ،‬حتى تبرص َّ‬
‫كل‬
‫يشء من عجائب الدنيا واآلخرة»‪.‬‬
‫وكان أبرز الصدق ما يكون بني العبد وربه‪ ،‬قال أبو بكر الوراق‪« :‬احفظ‬
‫الصدق فيام بينك وبني اهلل تعاىل‪ ،‬والرفق فيام بينك وبني اخللق»‪.‬‬
‫ِّ‬
‫وكان أصل الطريق إىل اهلل تعاىل‪ ،‬قيل لسهل‪ :‬ما أصل هذا األمر الذي‬
‫نحن عليه‪ ،‬فقال‪ :‬الصدق والسخاء والشجاعة‪ ،‬فقيل زدنا فقال‪ :‬التقى‬
‫واحلياء وطيب الغذاء‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬حقيقة الصدق ومعناه ومراتبه‪:‬‬
‫إن لفظ الصدق يستعمل يف ستة معان‪ :‬صدق يف القول‪ ،‬وصدق يف النية‬
‫واإلرادة‪ ،‬وصدق يف العزم‪ ،‬وصدق يف الوفاء بالعزم‪ ،‬وصدق يف العمل‪،‬‬
‫وصدق يف حتقيق مقامات الدين كلها‪.‬‬
‫فمن اتصف بالصدق يف مجيع ذلك فهو صديق؛ ألنه مبالغة يف الصدق‪.‬‬
‫َ‬
‫الصدق يف يشء من‬ ‫فمن كان له ٌّ‬
‫حظ يف ِّ‬ ‫ثم هم أيض ًا عىل درجات‪َ ،‬‬
‫ٌ‬
‫صادق باإلضافة إىل ما فيه صدقه‪.‬‬ ‫اجلملة‪ ،‬فهو‬
‫‪.1‬صدق اللسان‪ ،‬وذلك ال يكون إال يف اإلخبار أو فيام يتضمن اإلخبار‬
‫وينبه عليه‪ ،‬واخلرب إما أن يتعلق باملايض أو باملستقبل‪ ،‬وفيه يدخل الوفاء‬
‫كل عبد أن حيفظ ألفاظه‪ ،‬فال يتك َّلم إال‬
‫وحق عىل ِّ‬
‫ٌّ‬ ‫بالوعد‪ ،‬واخللف فيه‪،‬‬
‫فمن حفظ لسانه عن‬
‫بالصدق‪ ،‬وهذا هو أشهر أنواع الصدق وأظهرها‪َ ،‬‬
‫ِّ‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪329‬‬
‫اإلخبار عن األشياء عىل خالف ما هي عليه‪ ،‬فهو صادق‪ ،‬ولكن هلذا‬
‫الصدق كامالن‪:‬‬
‫أ‪.‬االحرتاز عن املعاريض‪ ،‬فقد قيل‪ :‬يف املعاريض مندوحة عن الكذب؛‬
‫وذلك ألهنا تقوم مقام الكذب؛ إذ املحذور من الكذب تفهيم اليشء عىل‬
‫خالف ما هو عليه يف نفسه‪ ،‬إال أن ذلك مما متس إليه احلاجة‪ ،‬وتقتضيه‬
‫املصلحة يف بعض األحوال‪.‬‬
‫فمن اضطر إىل يشء من ذلك‪ ،‬فصدقه فيه أن يكون نطقه فيه هلل فيام يأمره‬
‫احلق به ويقتضيه الدين‪ ،‬فإذا نطق به فهو صادق‪ ،‬وإن كان كالمه مفه ًام غري‬
‫ما هو عليه؛ ألن الصدق ما أريد لذاته‪ ،‬بل للداللة عىل احلق‪ ،‬والدعاء إليه‪،‬‬
‫فال ينظر إىل صورته‪ ،‬بل إىل معناه نعم يف مثل هذا املوضع ينبغي أن يعدل إىل‬
‫املعاريض ما وحد إليه سبيالً‪.‬‬
‫فعن كعب بن مالك ‪« :‬مل يكن رسول اهلل ‪ ‬يريد غزوة إال ورى‬
‫بغريها»(‪ ،)1‬وذلك كي ال ينتهي اخلرب إىل األعداء فيقصد‪ ،‬وليس هذا من‬
‫الكذب يف يشء‪.‬‬
‫والصدق ههنا يتحول إىل النية‪ ،‬فال يراعى فيه إال صدق النية وإرادة‬
‫اخلري‪ ،‬فمهام صح قصده وصدقت نيته‪ ،‬وجتردت للخري إرادته صار صادق ًا‬
‫وصديق ًا كيفام كان لفظه‪ ،‬ثم التعريض فيه أوىل‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري‪ ،48 :4‬وصحيح مسلم‪.2128 :4‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪330‬‬
‫فالكامل األول يف اللفظ أن حيرتز عن رصيح اللفظ‪ ،‬وعن املعاريض‬
‫أيض ًا‪ ،‬إال عند الرضورة‪.‬‬
‫ب‪.‬أن يراعي معنى الصدق يف ألفاظه التي يناجي هبا ربه‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫وجهت وجهي للذي فطر السموات واألرض‪ ،‬فإن قلبه إن كان منرصف ًا عن‬
‫اهلل تعاىل مشغوالً بأماين الدنيا وشهواته‪ ،‬فهو كذب‪ ،‬وكقوله‪ :‬إياك نعبد‪.‬‬
‫‪ .2‬يف النية واإلرادة‪:‬‬
‫ٌ‬
‫باعث يف احلركات‬ ‫ويرجع ذلك إىل اإلخالص‪ ،‬وهو أن ال يكون له‬
‫والسكنات إال اهلل تعاىل‪ ،‬فإن مازجه شوب من حظوظ النفس بطل صدق‬
‫سمى كاذب ًا‪.‬‬
‫النية‪ ،‬وصاحبه جيوز أن ُي َّ‬
‫‪.3‬صدق العزم‪:‬‬
‫فإن اإلنسان قد يقدم العزم عىل العمل‪ ،‬فيقول يف نفسه‪ :‬إن رزقني اهلل‬
‫ماالً تصدقت بجميعه أو بشطره‪ ،‬أو إن لقيت عدو ًا يف سبيل اهلل تعاىل قاتلت‬
‫عدلت فيها ومل أعص اهلل‬
‫ُ‬ ‫ومل أبال وإن قتلت‪ ،‬وإن أعطاين اهلل تعاىل والية‬
‫تعاىل بظلم وميل إىل خلق‪ ،‬فهذه العزيمة قد يصادفها من نفسه‪ ،‬وهي عزيمة‬
‫جازمة صادقة‪ ،‬وقد يكون يف عزمه نوع ميل وتردد وضعف ُيضاد الصدق يف‬
‫العزيمة‪ ،‬فكان الصدق ههنا عبارة عن التامم والقوة كام يقال‪ :‬لفالن شهوة‬
‫صادقة‪.‬‬
‫‪.4‬يف الوفاء بالعزم‪:‬‬
‫َّفس قد تسخو بالعزم يف احلال؛ إذ ال مشقة يف الوعد والعزم‪،‬‬
‫فإن الن َ‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪331‬‬
‫واملؤنة فيه خفيفة‪ ،‬فإذا ح َّقت احلقائق‪ ،‬وحصل التَّمكن وهاجت َّ‬
‫الشهوات‬
‫انحلت العزيمة‪ ،‬وغلبت الشهوات‪ ،‬ومل يتفق الوفاء بالعزم‪ ،‬وهذا يضاد‬
‫الصدق فيه‪ ،‬ولذلك قال اهلل تعاىل‪{ :‬رجال صدقوا ما عاهدوا اهلل عليه} ‪.‬‬
‫‪.5‬يف األعامل‪:‬‬
‫وهو أن جيتهد حتى ال تدل أعامله الظاهرة عىل أمر يف باطنه ال يتصف هو‬
‫به‪ ،‬ال بأن يرتك األعامل‪ ،‬ولكن بأن يستجر الباطن إىل تصديق الظاهر‪ ،‬وهذا‬
‫من الرياء؛ ألن املرائي هو الذي يقصد ذلك‪ ،‬ورب واقف عىل هيئة اخلشوع‬
‫يف صالته ليس يقصد به مشاهدة غريه‪ ،‬ولكن قلبه غافل عن الصالة‪ ،‬فمن‬
‫ينظر إليه يراه قائ ًام بني يدي اهلل تعاىل‪ ،‬وهو بالباطن قائم يف السوق بني يدي‬
‫شهوة من شهواته‪ ،‬فهذه أعامل تعرب بلسان احلال عن الباطن إعراب ًا هو فيه‬
‫كاذب‪ ،‬وهو مطالب بالصدق يف األعامل‪.‬‬
‫وكذلك قد يميش الرجل عىل هيئة السكون والوقار وليس باطنه‬
‫موصوفا بذلك الوقار‪ ،‬فهذا غري صادق يف عمله‪ ،‬وإن مل يكن ملتفت ًا إىل‬
‫اخللق‪ ،‬وال مرائي ًا إياهم‪.‬‬
‫وال ينجو من هذا إال باستواء الرسيرة والعالنية‪ ،‬بأن يكون باطنه مثل‬
‫ظاهره أو خري ًا من ظاهره‪.‬‬
‫‪ .6‬مقامات الدين‪:‬‬
‫وهو أعىل الدرجات وأعزها كالصدق يف اخلوف والرجاء والتعظيم‬
‫والزهد والرضا والتوكل واحلب وسائر هذه األمور‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪332‬‬
‫فإن هذه األمور هلا مباد ينطلق االسم بظهورها‪ ،‬ثم هلا غايات وحقائق‪،‬‬
‫والصادق املحقق من نال حقيقتها‪ ،‬وإذا غلب اليشء ومتت حقيقته ُسمي‬
‫صاحبه صادق ًا فيه‪.‬‬
‫عزيز جد ًا‪ ،‬وال غاية هلذه املقامات حتى ينال‬
‫ٌ‬ ‫فالتحقيق يف هذه األمور‬
‫حظ بحسب حاله‪ ،‬إما ضعيف وإما قوي‪ ،‬فإذا‬ ‫متامها‪ ،‬ولكن لكل عبد منه ٌ‬
‫قوي سمي صادقا فيه‪.‬‬
‫فمعرفة اهلل تعاىل وتعظيمه واخلوف منه ال هناية هلا‪ ،‬قال مطرف‪ :‬ما من‬
‫الناس أحد إال وهو أمحق فيام بينه وبني ربه‪ ،‬إال أن بعض احلمق أهون من‬
‫بعض‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬احلياء‪:‬‬
‫من املعلوم أن احليا َء يف نفسه ليس من صفات اللسان‪ ،‬وإنام ذكر معها‬
‫فمن استحى من اهلل تعاىل مل َينطق بام خيالف رشعه‪ ،‬ومن‬
‫ألثره البالغ عليها‪َ ،‬‬
‫استحى من العباد مل ينطق بام خيالف املروءة واألدب‪ ،‬وعامة موبقات اللسان‬
‫راجعة هلام‪ ،‬فكان الكالم يف احلياء منبه ًا عىل ذلك ومعين ًا عىل حتقيقه‪.‬‬
‫ونعرض ما يتعلق بتعريف احلياء وفضله وأنواعه وطريق اكتسابه يف‬
‫ُ‬
‫النقاط اآلتية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬تعريفه‪:‬‬
‫وهو اسم يشتمل عىل جمانبة املكروه من اخلصال‪ ،‬فالواجب عىل العاقل‬
‫لزوم احلياء؛ ألنه أصل العقل وبذر اخلري‪ ،‬وتركه أصل اجلهل وبذر الش‪،‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪333‬‬
‫واحلياء يدل عىل العقل‪ ،‬كام أن عدمه دال عىل اجلهل‪ ،‬و َمن مل ينصف الناس‬
‫منه حياؤه مل ينصفه منهم قحته(‪.)1‬‬
‫فاحليا ُء‪ :‬انقباض النفس عن القبائح‪ ،‬وهو من خصائص اإلنسان‪ ،‬وأول‬
‫ما يظهر من قوة الفهم يف الصبيان‪ ،‬وجعله اهللَّ تعاىل يف اإلنسان لريتدع به‪،‬‬
‫عام تنزعه إليه الشهوة من القبائح فال يكون كالبهيمة‪ ،‬وهو مركب من جبن‬
‫ً‬
‫فاسقا‪ ،‬وال الفاسق مستح ًيا لتنايف اجتامع‬ ‫وعفة‪ ،‬ولذلك ال يكون املستحي‬
‫العفة والفسق‪ ،‬و َق َّل ما يكون الشجاع ُمستحي ًيا‪ ،‬واملستحي شجا ًعا لتنايف‬
‫اجتامع اجلبن والشجاعة‪ ،‬ولعزة وجود ذلك جتمع الشعراء بني املدح‬
‫بالشجاعة‪ ،‬واملدح باحلياء‪.‬‬
‫وأما اخلجل‪ :‬فحرية النفس لفرط احلياء‪ ،‬وحيمد يف النساء والصبيان‪،‬‬
‫ويذم باتفاق من الرجال‪.‬‬
‫والوقاحة‪ :‬مذمومة بكل لسان؛ إذ هي انسالخ من اإلنسانية‪ ،‬وحقيقتها‬
‫جلاجة النفس يف تعاطي القبيح(‪.)2‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬فضله‪:‬‬
‫ما كان من اعتبار النبي ‪ ‬بأن احليا َّء كله خري‪ ،‬فعن عمران بن حصني‬
‫‪ ،‬قال ‪« :‬احلياء خري كله»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬روضة العقالء‪.56 :1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الذريعة إىل مكارم الشيعة‪.208 :1 :‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح مسلم‪.64 :1‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪334‬‬
‫وكان احلياء خلق اإلسالم‪ ،‬فعن زيد بن طلحة ‪ ،‬قال ‪« :‬لكل دين‬
‫خلق‪ ،‬وخلق اإلسالم احلياء»(‪.)1‬‬
‫وكان من سنن املرسلني‪ ،‬فعن أيب أيوب ‪ ،‬قال ‪« :‬أربع من سنن‬
‫املرسلني‪ :‬احلياء‪ ،‬والتعطر‪ ،‬والسواك‪ ،‬والنكاح»(‪.)2‬‬
‫وكان شعبة من اإليامن‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬اإليامن بضع‬
‫وستون شعبة‪ ،‬واحلياء شعبة من اإليامن»(‪.)3‬‬
‫واحلياء طريق ًا للجنة‪ ،‬فعن ابن عمر ‪ ،‬قال ‪« :‬احلياء من اإليامن»(‪،)4‬‬
‫وعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬احلياء من اإليامن‪ ،‬واإليامن يف اجلنة‪ ،‬والبذاء‬
‫من اجلفاء‪ ،‬واجلفاء يف النار»(‪ ،)5‬قال أبو حاتم(‪« :)6‬إال أن يتفضل اهلل عليه‬
‫برمحته فيخلصه منه‪ ،‬فإذا لزم املرء احلياء كانت أسباب اخلري منه موجودةً‪ ،‬كام‬
‫أن الواقح إذا لزم البذاء كان وجود اخلري منه معدوم ًا‪ ،‬وتواتر الش منه‬
‫موجود ًا؛ ألن احلياء هو احلائل بني املرء وبني املزجورات كلها‪َّ ،‬‬
‫فبقوة احلياء‬
‫يضعف ارتكابه إياها‪ ،‬وبضعف احلياء تقوى مبارشته إياها»‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف املوطأ‪ ،1330 :5‬ويف سنن ابن ماجة‪ 1399 :2‬عن أنس ‪.‬‬
‫(‪ )2‬يف سنن الرتمذي‪ ،383 :3‬وقال‪ :‬حسن غريب‪.‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح البخاري‪.11 :1‬‬
‫(‪ )4‬يف صحيح مسلم‪.63 :1‬‬
‫(‪ )5‬يف سنن الرتمذي‪ ،365 :4‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪ ،‬وصحيح ابن حبان‪.372 :2‬‬
‫(‪ )6‬يف روضة العقالء‪.57 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪335‬‬
‫وكان حمبوب ًا إىل اهلل تعاىل‪ ،‬فعن يعىل بن أمية ‪« :‬أن رسول اهلل ‪ ‬رأى‬
‫رج ً‬
‫ال يغتسل بالرباز بال إزار‪ ،‬فصعد املنرب‪ ،‬فحمد اهلل وأثنى عليه‪ ،‬ثم قال‬
‫‪« :‬إن اهلل تعاىل حيي ستري حيب احلياء والسرت‪ ،‬فإذا اغتسل أحدكم‬
‫فليسترت»(‪.)1‬‬

‫وكان احلياء من مانع من القبائح‪ ،‬فعن أيب مسعود ‪ ،‬قال ‪« :‬إن مما‬
‫أدرك الناس من كالم النبوة‪ ،‬إذا مل تستحي فاصنع ما شئت»(‪ ،)2‬قال‬
‫اجلصاص‪ :‬أي إذا عرضت عليك أفعالك التي مهمت بفعلها‪ ،‬فلم تستح‬
‫منها حلسنها ومجاهلا فاصنع ما شئت منها(‪.)3‬‬
‫كان حق احلياء التزام كافة أوامر الشعر‪ ،‬فعن ابن مسعود ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫«استحيوا من اهلل عز وجل حق احلياء‪ ،‬قال‪ :‬قلنا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إنا نستحي‪،‬‬
‫واحلمد هلل‪ ،‬قال‪ :‬ليس ذلك‪ ،‬ولكن من استحيى من اهلل حق احلياء‪ ،‬فليحفظ‬
‫الرأس وما حوى‪ ،‬وليحفظ البطن وما وعى‪ ،‬وليذكر املوت والبىل‪ ،‬ومن‬
‫أراد اآلخرة‪ ،‬ترك زينة الدنيا‪ ،‬فمن فعل ذلك‪ ،‬فقد استحيا من اهلل عز وجل‬
‫حق احلياء»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬يف سنن أيب داود‪ ،39 :4‬وسنن النسائي‪ ،200 :1‬ومسند أمحد‪.483 :29‬‬
‫(‪ )2‬يف صحيح البخاري‪.177 :4‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬أدب الدنيا والدين‪.248 :1‬‬
‫(‪ )4‬يف مسند أمحد‪ ،187 :6‬وسنن الرتمذي‪ ،637 :4‬واملستدرك‪ ،359 :4‬وصححه‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪336‬‬
‫وكان البعد عن احلياء سبي ً‬
‫ال للكفر وإنكار النعمة‪ ،‬فعن سعيد بن‬
‫املسيب‪ ،‬قال ‪« :‬قلة احلياء كفر»(‪.)1‬‬
‫وكان صاحب احلياء حمبوب ًا عند اهلل تعاىل‪ ،‬فعن احلسن قال ‪« :‬إن اهلل‬
‫حيب احليي احلليم املتعفف‪ ،‬ويبغض البذيء الفاحش السائل امللحف»(‪.)2‬‬
‫وكان احلياء سبب ًا للتسرت‪ ،‬قال أبو بكر الصديق ‪« :‬أهيا الناس استحيوا‬
‫خرجت حلاجة منذ بايعت رسول اهلل ‪ ‬أريد الغائط إال‬
‫ُ‬ ‫من اهلل‪ ،‬فواهلل ما‬
‫وأنا مقنع رأيس حياء من اهلل تعاىل»‪.‬‬
‫وكان احلياء من الناس طريق ًا للحياء من اهلل تعاىل‪ ،‬قال زيد بن ثابت‪:‬‬
‫«من ال يستحي من الناس ال يستحي من اهلل تعاىل»‪.‬‬
‫وكان احلياء صفة أصحاب األنساب الصحيحة‪ ،‬قال حييى بن جعدة‪:‬‬
‫«إذا رأيت الرجل قليل احلياء‪ ،‬فاعلم أنه مدخول يف نسبه»(‪.)3‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬أنواعه‪:‬‬
‫‪.1‬احلياء من اهلل تعاىل‪ ،‬فيكون بامتثال أوامره والكف عن زواجره‪،‬‬
‫ولزوم احلياء عند جمانبة ما هنى اهلل تعاىل عنه واجب‪.‬‬
‫‪.2‬احلياء من الناس‪ ،‬فيكون بكف األذى وترك املجاهرة بالقبيح ‪ ،‬أو‬

‫(‪ )1‬يف مصنف ابن أيب شيبة‪ ،313 :5‬ومكارم األخالق‪ ،37 :1‬والزهد للرسي‪.626 :2‬‬
‫(‪ )2‬يف مصنف ابن أيب شيبة‪ ،44 :13‬والزهد لرسي‪.627 :2‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬هذه األثار يف روضة العقالء ‪56 :1‬ـ ‪.59‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪337‬‬
‫بالدخول فيام يكرهون من القول والفعل مع ًا‪ ،‬وهذا النوع من احلياء قد‬
‫يكون من كامل املروءة وحب الثناء‪ ،‬فيكون لزوم احلياء عند مقارفة ما كره‬
‫الناس فضل‪.‬‬
‫َّوع من‬
‫‪.3‬احلياء من نفسه‪ ،‬فيكون بالعفة وصيانة اخللوات‪ ،‬وهذا الن ُ‬
‫الرسيرة‪.‬‬
‫احلياء قد يكون من فضيلة النَّفس وحسن َّ‬
‫بعض احلكامء‪ :‬ليكن استحياؤك من نفسك أكثر من استحيائك من‬
‫قال ُ‬
‫غريك‪.‬‬
‫وقال بعض األدباء‪ :‬من عمل يف الرس عم ً‬
‫ال يستحي منه يف العالنية‬
‫فليس لنفسه عنده قدر‪.‬‬
‫وإن أخل بأحد وجوه احلياء حلقه من النقص بإخالله بقدر ما كان يلحقه‬
‫من الفضل بكامله(‪.)1‬‬
‫رابع ًا‪ :‬طريقة اكتسابه‪:‬‬
‫هم بقبيح أن‬
‫اغب(‪ )2‬يف مداواة اكتساب احلياء‪« :‬فحق اإلنسان إذا َّ‬
‫الر ُ‬
‫قال َّ‬
‫ُ‬
‫فاإلنسان َيستحي ممن يكرب يف‬ ‫يتصور أجل من يف نفسه‪ ،‬حتى كأنه يراه‪،‬‬ ‫َّ‬
‫نفسه؛ ولذلك ال يستحي من احليوان وال من األطفال‪ ،‬وال من الذين ال‬
‫يميزون‪ ،‬و َيستحي من العامل أكثر مما يستحي من اجلاهل‪ ،‬ومن اجلامعة أكثر‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬روضة العقالء‪ ،57 :1‬وأدب الدنيا‪.250 :1‬‬


‫(‪ )2‬يف الذريعة إىل مكارم الشيعة‪.208 :1 :‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪338‬‬
‫مما يستحي من الواحد‪ ،‬والذين يستحي منهم اإلنسان ثالثة‪ :‬البش‪ :‬وهم‬
‫أكثر َمن يستحي منه‪ ،‬ثم نفسه‪ ،‬ثم اهللَّ تعاىل‪.‬‬
‫و َمن استحيا من الناس ومل يستح من نفسه‪ ،‬فنفسه عنده أخس من غريه‪،‬‬
‫َ‬
‫اإلنسان‬ ‫ومن استحيا منهام ومل يستح من اهللَّ‪ ،‬فلعدم معرفته باهلل تعاىل‪ ،‬فإن‬
‫يستحي ممن ُيع ِّظمه ويعلم أنه َيراه أو َيسمع نجواه فيبكته‪ ،‬و َمن ال يعرف اهلل‬
‫فكيف يستعظمه‪ ،‬وكيف يعلم أنه مطلع عليه»‪.‬‬
‫نفسه لزوم احلياء من النَّاس‪ ،‬وإن من‬
‫عو َد َ‬
‫والواجب عىل العاقل أن ُي ِّ‬
‫أعظم بركته تعويد النفس ركوب اخلصال املحمودة‪ ،‬وجمانبتها اخلالل‬
‫املذمومة‪ ،‬كام أن من أعظم بركة احلياء من اهلل الفوز من النار بلزوم احلياء‬
‫عند جمانبة ما هنى اهلل عنه؛ ألن ابن آدم مطبوع عىل الكرم واللؤم مع ًا يف‬
‫املعاملة بينه وبني اهلل‪ ،‬والعشة بينه وبني املخلوقني‪ ،‬وإذا قوى حياؤه قوى‬
‫كرمه وضعف لؤمه‪ ،‬وإذا ضعف حياؤه قوى لؤمه وضعف كرمه‪.‬‬
‫وإن املرء إذا اشتد حياؤه صان عرضه‪ ،‬ودفن مساويه‪ ،‬ونش حماسنه‪،‬‬
‫ومن ذهب حياؤه ذهب رسوره‪ ،‬ومن ذهب رسوره هان عىل الناس ومقت‪،‬‬
‫ومن مقت أوذي‪ ،‬ومن أوذي حزن‪ ،‬ومن حزن فقد عقله‪ ،‬ومن أصيب يف‬
‫عقله كان أكثر قوله عليه ال له‪ ،‬وال دواء ملن ال حياء له‪ ،‬وال حياء ملن ال وفاء‬
‫له‪ ،‬وال وفاء ملن ال إخاء له‪ ،‬ومن قل حياؤه صنع ما شاء‪ ،‬وقال‪ :‬ما أحب (‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬روضة العقالء ‪56 :1‬ـ ‪.59‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪339‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬الكالم املستحسن‪:‬‬
‫ويندرج فيام يكون فيه دعو ٌة للخري وإشاع ٌة للمعروف‪ ،‬ف ُيحسن لغريه‬
‫غريه‪ ،‬فعن ابن عمرو ‪ ،‬قال ‪َ « :‬وليأت إىل الناس‬
‫حيب أن حيسن له ُ‬
‫كام ُ‬
‫الذي ُحيب أن ُيؤتَى إليه»(‪ ،)1‬وال َيسعى إىل إذاء أحد بقول‪ ،‬فعن جابر ‪،‬‬
‫قال ‪« :‬املسلم َمن َسلم املسلمون من لسانه ويده »(‪.)2‬‬
‫ومن صوره‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬التحبب لآلخرين‪:‬‬
‫فعىل املسلم أن يبذل جهده بانتقاء أحسن الكالم الذي يزيد من املحبة‬
‫بني املسلمني‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬ال تدخلون اجلنة حتى تؤمنوا‪،‬‬
‫وال تؤمنوا حتى حتابوا»(‪.)3‬‬
‫ويظهر لغريه حم َّبته له ملا رأى فيه صفات طيبة‪ ،‬فعن املقدام بن معد‬
‫الر ُج ُل أخا ُه‪َ ،‬فل ُيخربه َأ َّن ُه ُحيب ُه »(‪ ،)4‬وعن َأنس‬
‫ب َّ‬‫َيكرب ‪ ،‬قال ‪« :‬إذا َأ َح َّ‬
‫فمر به‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل إ ِّين ألُحب هذا‪،‬‬ ‫ال كان عند النَّب ِّي ‪َّ ،‬‬‫‪َ ‬أ َّن رج ً‬
‫فقال له النبي ‪َ :‬أ َأعلم َت ُه ؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪َ :‬أعلم ُه‪َ ،‬ف َلح َق ُه‪ ،‬فقال‪ :‬إ ِّين ُأحب َك‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم رقم ‪.1844‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم ‪ ،10‬ومسلم رقم ‪.41‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم رقم ‪.54‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أمحد ‪ 130/4‬والبخاري يف األدب املفرد رقم ‪ 542‬وأبو داود رقم ‪ 5124‬وابن حبان‬
‫رقم ‪.570‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪340‬‬
‫يف اهلل‪ ،‬فقال‪َ :‬أ َح َّب َك الذي َأحببتَني له»(‪.)1‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬إفشاء السالم وإلقاء التحية‪:‬‬
‫فعىل املسلم أن يكثر من إلقاء السالم‪ ،‬فعن ابن عمرو ‪« :‬سئل‬
‫رسول اهلل ‪ :‬أي اإلسالم خري؟ قال‪ :‬تطعم الطعام‪ ،‬وتقرأ السالم‪ ،‬عىل من‬
‫عرفت ومن مل تعرف»(‪.)2‬‬
‫وإشاعة السالم بني املسلمني إشاعة للمحبة وإزالة لألحقاد واحلسد‬
‫وتوطني لأللفة وكرس للنفوس‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬ال تدخلون‬
‫اجلنة حتى تؤمنوا‪ ،‬وال تؤمنوا حتى حتابوا‪َ ،‬أ َوال َأ ُدلكم عىل يشء إذا فعلتموه‬
‫حتاببتم؟ أفشوا السالم بينكم»(‪.)3‬‬
‫وهذا ما أكده القرآن باإلحسان يف رد السالم بأحسن صورة‪ ،‬قال‬
‫تعاىل‪َ { :‬وإ َذا ُح ِّيي ُتم بتَح َّية َف َحيوا ب َأح َس َن من َها َأو ُرد َ‬
‫وها}[النساء‪.]86:‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬الكالم الطيب‪:‬‬
‫فعىل املسلم أن خيتار من الكالم أطيبه يف كل معامالته ملا له من األثر‬
‫احلسن عىل العالقة بني املسلمني‪ ،‬فيكون بذلك ساعي ًا للخري بينهم‪ ،‬فيتجنب‬
‫الكالم امليسء ترصحي ًا أو تلميح ًا‪ ،‬فقال تعاىل‪َ { :‬و ُقل ِّلع َبادي َي ُقو ُلوا ا َلتي ه َي‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود رقم ‪ 5125‬وابن حبان رقم ‪.571‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم ‪ 12‬ومسلم رقم ‪.39‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم رقم ‪ ،54‬ونحوه أبو داود رقم ‪.5193‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪341‬‬
‫َان لإلن َسان عَدُ و ًّا مبين ًا}‬
‫ان ك َ‬
‫الشي َط َ‬
‫ان َي َنز ُغ َبين َُهم إ َّن َّ‬ ‫َأح َس ُن إ َّن َّ‬
‫الشي َط َ‬
‫[اإلرساء‪.]53 :‬‬
‫فاألمر بالقول احلسن كرره القرآن غري مرة؛ ألمهيته وأثره عىل احلياة‬
‫الزكَا َة}‬
‫الصال َة َوآ ُتوا َّ‬ ‫بني املسلمني‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬و ُقو ُلوا للنَّاس ُحسن ًا َو َأق ُ‬
‫يموا َّ‬
‫[البقرة‪.]83 :‬‬
‫والكالم الطيب هو سبيل املسلم يف دعوته لآلخرين ولو كانوا غري‬
‫مسلمني‪ ،‬كام أخرب اهلل تعاىل يف قصة موسى ‪َ { :‬ف ُقوالَ َل ُه َقوالً َّل ِّينًا َّل َع َّل ُه‬
‫َيت ََذك َُّر َأو َخي َشى}[طه‪.]44:‬‬
‫وكل يدخل الرسور عىل املسلمني باحلق‪ ،‬وينش املعروف بينهم يكون‬
‫صاحبه مأجور ًا عليه‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬الكلمة الطيبة صدقة »(‪.)1‬‬
‫ويندرج حتته شكر اآلخرين عىل معروفهم والدعاء هلم‪ ،‬فعن أسامة بن‬
‫معروف فقال لفاعله‪ :‬جزاك اهلل خري ًا؛ فقد‬
‫ٌ‬ ‫زيد ‪ ،‬قال ‪َ « : ‬من ُصنع إليه‬
‫أبلغ يف الثناء »(‪.)2‬‬
‫رابع ًا‪ :‬الدعاء للمسلمني بظهر الغيب‪:‬‬
‫له أثر بالغ يف بناء املجتمع عىل املحبة واملعروف ونزع الغل من‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري رقم ‪ 2827‬ومسلم رقم ‪ ،1009‬عن أيب هريرة ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي رقم ‪ 2035‬والنسائي رقم ‪ 10008‬وابن حبان رقم ‪ 3413‬عن أسامة بن زيد‬
‫‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪342‬‬
‫الصدور‪ ،‬وهذا ما وصف اهلل تعاىل به عباده الصاحلني‪ ،‬فقال تعاىل‪َ { :‬وا َّلذي َن‬
‫ون َر َّبنَا اغفر َلنَا َوإلخ َواننَا ا َّلذي َن َس َب ُقونَا باإل َيامن َوالَ‬ ‫َجا ُءوا من َبعدهم َي ُقو ُل َ‬
‫يم ﴾ [احلش‪.]10-9:‬‬ ‫وف َّرح ٌ‬ ‫ال للذي َن آ َمنُوا َر َّبنَا إن ََّك َر ُء ٌ‬ ‫َجت َعل يف ُق ُلوبنَا غ ًّ‬
‫مأجور‪ ،‬وله كل‬
‫ٌ‬ ‫وأثنى النبي ‪ ‬عىل هذا السلوك اإليامين بأنه صاحبه‬
‫اخلري الذي متناه ألخيه املسلم‪ ،‬فعن أيب الدرداء ‪ ،‬قال ‪« :‬ما من مسلم‬
‫يدعو ألخيه ب َظهر ال َغيب إال قال امللك‪ :‬ولك بمثل»(‪.)1‬‬
‫خامس ًا‪ :‬الست عىل املسلم‪:‬‬
‫معلو ٌم أن اخلطأ مالزم للبش‪ ،‬فالعصمة لألنبياء عليهم السالم‪ ،‬وهذا‬
‫يقتيض منا أن نسرت عىل عيوب بعضنا وال نفضحها؛ ألنه ِّ‬
‫لكل واحد منا‬
‫عيوبه‪ ،‬وهذا ما أمر به نبينا ‪ ،‬فعن ابن عمر ‪« :‬و َمن سرت ُمسل ًام َس َرت ُه اهلل‬
‫يوم القيامة»(‪ ،)2‬ووعد ‪ ‬فاعله بخري من فعله وهو السرت عليه يف الدينا‬
‫واآلخرة‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« : ‬من سرت مسل ًام سرته اهلل تعاىل يف‬
‫الدنيا واآلخرة »(‪.)3‬‬

‫وهذا األمر بالسرت ليس خاص ًا َّ‬


‫بالصغائر من الذنوب واألخطاء‪ ،‬بل‬
‫بالسرت عىل ا َّلزاين بأنفسنا‪ ،‬فقال‬
‫بأعظم الكبائر واحلدود‪ ،‬حتى أمر النبي ‪َّ ‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم رقم ‪.2732‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم ‪ 2310‬ومسلم رقم ‪.2580‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم رقم ‪.2699‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪343‬‬
‫‪ ‬هل َ َّزال الذي أتى بامعز‪« :‬لو سرتته بثوبك كان خري ًا لك»(‪.)1‬‬
‫سادس ًا‪ :‬مواساة املسلم يف مرضه ومصيبته‪:‬‬
‫أمرنا الشع احلكيم بعيادة املريض؛ ملا فيه من املواساة والتخفيف عن‬
‫اآلخرين‪ ،‬وهذا ما كان يفعله خري الربية ‪ ،‬فعن سعد بن َأيب َو َّقاص ‪،‬‬
‫قال ‪َ :‬عا َدين رسول اهلل ‪ ‬فقال‪« :‬ال َّل ُه َّم اشف سعد ًا‪ ،‬ال َّل ُه َّم اشف َسعد ًا‪،‬‬
‫ال َّل ُهم اشف َسعد ًا»(‪.)2‬‬
‫سابع ًا‪ :‬تشميته إذا عطس‪:‬‬
‫ومما يساعد يف نش املعروف واخلري كثرة التلطف بينهم والرتاحم‪،‬‬
‫فيدعو أحدهم لغريه إن عطس بالرمحة‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« : ‬إذا‬
‫َع َط َس أحدُ كم فليقل‪ :‬احلمد هلل‪ ،‬وليقل له أخوه أو صاحبه‪ :‬يرمحك اهلل‪ ،‬فإذا‬
‫صلح بالكم »(‪.)3‬‬
‫قال له ‪ :‬يرمحك اهلل؛ فليقل ‪ :‬هيديكم اهلل و ُي ُ‬
‫ثامن ًا‪ :‬النصيحة للمسلمني‪:‬‬
‫التناصح بني املسلمني ِّ‬
‫بكل ما هو خري؛ لدفع األرضار والشور‪ ،‬ينبع‬
‫من قلب مليئ بالرمحة للمسلمني‪ ،‬وهذا من أبرز صفات املسلم احلسنة‪ ،‬فال‬
‫حيب لغري إال كل خري‪ ،‬و َيسعى لتحقيقه له بالنصيحة الصادقة؛ لذلك عرب‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد رقم ‪ 21940‬وأبو داود رقم ‪ 4377‬والنسائي رقم ‪ 7276‬واحلاكم رقم ‪.8080‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم رقم ‪.1628‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري رقم ‪.5870‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪344‬‬
‫النبي ‪ ‬عن الدين بالنصيحة؛ ألنه الدين حيمل كل معان اخلري‪ ،‬وهذا ما‬
‫يكون بالنصيحة‪ ،‬قال ‪« :‬الدين النصيحة‪ ،‬قلنا‪ :‬ملن ؟ قال‪ :‬هلل ولكتابه‬
‫ولرسوله وألئمة املسلمني وعامتهم»(‪ ،)1‬فكانت مقدم ًة لوجه تعاىل‪ ،‬وملا جاء‬
‫به كتابه ورسوله ‪ ،‬وفيها اخلري ألئمة املسلمني وعوامهم‪.‬‬
‫وللعارف زروق كتاب خصه بتفسري هذا احلديث‪ ،‬فقال يف تفسريه(‪:)2‬‬
‫«فالنصيحة هلل‪ ،‬باتباع أمره‪ ،‬ونرصة دينه‪ ،‬والتسليم له يف حكمه‪.‬‬
‫والنصيحة لرسوله صىل اهلل عليه وسلم باتباع سنته‪ ،‬وإكرام قرابته‬
‫والشفقة عىل أمته‪.‬‬
‫والنصيحة لكتابه‪ ،‬بتدبر آياته‪ ،‬واتباع مأموراته‪ ،‬وحتسني تالوته‪.‬‬
‫والنصيحة لعامة املسلمني‪ ،‬بالذب عن أعراضهم‪ ،‬وإقامة حرمتهم‬
‫والنرصة هلم يف مجيع أحواهلم‪ ،‬جلبا ودفعا‪.‬‬
‫والنصيحة خلاصتهم‪ ،‬بالطاعة لألمراء‪ ،‬إال يف حمرم جممع عليه‪،‬‬
‫والتصديق للعلامء إال فيام ال هيدي العلم إليه‪ ،‬وللفقراء بالتسليم فيام ال إنكار‬
‫جيب عليه»‪.‬‬
‫وألمهية النَّصيحة يف سلوك املسلمني؛ للحفاظ عىل املجتمع من‬
‫االنحراف‪ ،‬كانت مما ُيبايع عليه النبي ‪ ،‬كام ُيبايع عىل الفرائض‪ ،‬فعن جرير‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم رقم ‪ 55‬عن متيم الداري ‪ ،‬وأخرجه البخاري تعليق ًا قبل حديث ‪.57‬‬
‫(‪ )2‬النصيحة الكافية بمن خصه اهلل بالعافية ص‪.1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪345‬‬
‫بن عبد اهلل ‪ ‬قال‪« :‬بايعت رسول اهلل ‪ ‬عىل إقام الصالة وإيتاء الزكاة‬
‫والنصح لكل مسلم»(‪.)1‬‬
‫وكان من احلقوق للمسلم عىل املسلم‪ ،‬ال سيام إن طلب من النصيحة‪،‬‬
‫فيحرم عليك غشه وخيانته‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬وإذا استَن َص َح َك‬
‫َفان َصح له»(‪.)2‬‬
‫والنصيحة تقوي بناء املجتمع‪ ،‬وتزيد من اخلري فيه‪ ،‬وحتفظ الدين‪،‬‬
‫وتنمي العالقات احلسنة بني املسلمني؛ ألنه تظهر حرص كل منهام عىل‬
‫مصلحة اآلخر‪ ،‬واحلرص عىل اآلخر من صفات النبوة‪ ،‬فعلينا االتصاف هبا‪،‬‬
‫ول ِّمن َأن ُفس ُكم َعز ٌيز َع َليه َما‬
‫قال تعاىل وصف نبيه ‪َ { : ‬ل َقد َجاء ُكم َر ُس ٌ‬
‫وف َّرحيم}[التوبة‪.]128:‬‬
‫ني َر ُؤ ٌ‬ ‫يص َع َلي ُكم ب ُ‬
‫املؤمن َ‬ ‫َعنتم َحر ٌ‬
‫تاسع ًا‪ :‬الكالم املباح يف احلاجات‪:‬‬
‫فال غنى للناس عن الكالم يف التخاطب والعقود والفسوخ من‬
‫الترصفات احلياتية‪ ،‬فهو مندرج يف املباحات واملستحبات إن اعتنى به قائله‬
‫ومل جياوز حدود الشع واألدب فيه‪.‬‬
‫ومن أمثلته قوله لغريه‪ :‬بعت واشرتيت ووهبت وأعرت وتزوجت أو‬
‫تعال وخذ واجلس واقعد وقم وغريها‪ ،‬فعن أيب رشيح الكعبي ‪ ‬قال ‪:‬‬
‫«من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فليقل خري ًا أو ليصمت»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري رقم ‪ 57‬ومسلم رقم ‪.56‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم رقم ‪.2162‬‬
‫(‪ )3‬يف املوطأ ‪ ،929 :2‬وصحيح البخاري ‪.2240 :5‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪346‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬التع ُّلم والتعليم‪:‬‬
‫بني ربنا ‪َّ ‬‬
‫ودل عليه‬ ‫فضل العلم عظيم‪ ،‬ومنز َلته عالية رفيعة‪ ،‬كام َّ َ‬
‫إن َ‬
‫كالم رسولنا ‪ ‬وبه شهد الصحابة والتابعون هلم إىل يوم الدين رضوان اهلل‬
‫ُ‬
‫العقل السليم‪.‬‬ ‫عليهم َأمجعني‪ ،‬وإليه َأرشد‬
‫وقد أخرب النبي ‪ ‬أنه ال خري يف الدنيا ولكل ما فيها‪ ،‬واستثنى من ذلك‬
‫ذكر اهلل تعاىل‪ ،‬والتعليم والتعليم‪ ،‬فهو من اخلري العظيم يف هذه الدنيا‪ ،‬فعن‬
‫أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬أال إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إال ذكر اهلل وما‬
‫وااله‪ ،‬وعامل أو متعلم»(‪)1‬؛ ملا له من األثر الطيب عىل صاحبه‪ ،‬وعىل غريه‪،‬‬
‫وعىل جمتمعه‪ ،‬وبه يتح َّق ُق لإلنسان محل األمانة التي ُوك َِّل هبا‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬إنَّا‬
‫الس َام َوات َواألَرض َواجل َبال َف َأ َب َ‬
‫ني َأن َحيملن ََها َو َأش َفق َن‬ ‫َع َرضنَا األَ َما َن َة َع َىل َّ‬
‫َان َظ ُلو ًما َج ُهوالً}[األحزاب‪.]72:‬‬
‫ان إ َّن ُه ك َ‬ ‫مح َل َها اإل َ‬
‫نس ُ‬ ‫من َها َو َ َ‬
‫ونقترص فيه عىل َأمرين متعلق ٌة‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫وطويل‪،‬‬ ‫متشعب‬
‫ٌ‬ ‫والكال ُم فيها‬
‫بموضوعنا‪ ،‬ومها‪ :‬أساليب التعليم‪ ،‬وطرق التعلم‪ ،‬وكل منهام ال بد هلام من‬
‫اللسان‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬أساليب النبي ‪ ‬يف التعليم‪:‬‬
‫وحقيق عىل ِّ‬
‫كل َمن ُيعلم أن يتعلمها‬ ‫ٌ‬ ‫إن أساليب التعليم وطرقه متعددة‪،‬‬
‫ويتعرفها‪ ،‬ويصعب تفصيل الكالم فيها هاهنا‪ ،‬فنقترص منها عىل أساليب‬

‫(‪ )1‬يف سنن الرتمذي‪ ،561 :4‬وحسنه‪ ،‬وسنن ابن ماجة‪.1377 :2‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪347‬‬
‫النبي ‪ ‬يف التعليم عىل ما ذكر الشيخ عبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬مع اإلجياز‬
‫واالختصار‪ ،‬ويف معرفتها غنية كبرية‪.‬‬
‫وحب ال ُيرس‪،‬‬ ‫فقد كان رسول اهلل ‪ ‬من الرأفة والرمحة‪ ،‬وترك ال َعنَت ُ‬
‫كل وقت ومناسبة‬ ‫والرفق باملتعلم‪ ،‬واحلرص عيه‪ ،‬و َبذل العلم واخلري له يف ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ول ِّمن َأن ُفس ُكم‬
‫باملكان األسمى واخلُ ُلق األعىل‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬ل َقد َجاء ُكم َر ُس ٌ‬
‫وف َّرحيم}[التوبة‪.)1( ]128:‬‬
‫ني َر ُؤ ٌ‬ ‫يص َع َلي ُكم ب ُ‬
‫املؤمن َ‬ ‫َعز ٌيز َع َليه َما َعنتم َحر ٌ‬
‫فعن احلسن بن عيل‪ ،‬قال‪ :‬سألت خال هند بن أيب هالة وكان وصاف ًا‬
‫عن حلية النبي ‪ ‬وأنا أشتهي أن يصف ل شيئ ًا منها أتعلق به‪ ،‬قال‪...«:‬كان‬
‫رسول اهلل ‪ ‬متواصل األحزان ـ أي دائم االهتامم والتفكري ـ‪ ،‬طويل‬
‫الفكرة‪ ،‬ليس له راحة‪ ،‬ال يتكلم يف غري حاجة‪ ،‬طويل السكوت‪ ،‬يفتح كالمه‬
‫وخيتمه بأشداقه‪ ،‬يتكلم بجوامع الكلم‪ ،‬كال ُمه فصل ـ أي بني متام البيان ـ‪ ،‬ال‬
‫ُف ُضول وال تقصري ـ أي ال إفراط وال تفريط ـ‪ ،‬دمث ليس باجلايف وال املهني‪،‬‬
‫يعظم النعمة وإن دقت ـ أي صغرت وق َّلت ـ ‪ ،‬ال يذم منها شيئ ًا ال يذم ذواق ًا‬
‫وال يمدحه‪ ،‬وال تغضبه الدنيا‪ ،‬وما كان هلا وإذا تعوطى احلق‪ ،‬مل يعرفه أحدٌ‬
‫ومل يقم لغضبه يش ٌء حتى ينترص له‪ ،‬وال يغضب لنفسه وال ينترص هلا‪ ،‬إذا‬
‫أشار أشار بك ِّفه كلها‪ ،‬وإذا تعجب قلبها‪ ،‬وإذا حتدَّ ث اتصل هبا فرضب‬
‫رح‬ ‫ب أعرض وأشاح‪ ،‬وإذا َف َ‬ ‫براحته ال ُيمنى باطن إهبامه اليرسى‪ ،‬وإذا َغض َ‬
‫َ‬
‫َغ َّض طر َفه جل ضحكه التبسم‪ ،‬و َيف َرت عن مثل َح ِّ‬
‫ب ال ُغامم»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.25‬‬


‫(‪ )2‬يف شعب اإليامن‪ ،24 :3‬واملعجم الكبري‪.155 :22‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫‪348‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ومن أساليبه يف التعليم ‪:‬‬


‫‪.1‬تعليمه ‪ ‬بالسرية احلسنة واخللق العظيم‪:‬‬
‫وكان من أهم وأعظم وأبرز أساليبه ‪ ‬يف التعليم العمل والتخلق‬
‫بالسرية احلسنة واخللق العظيم‪ ،‬فكان ‪ ‬إذا امر بيشء عمل به أوالً‪ ،‬ثم‬
‫تأسى به الناس‪ ،‬وعملوا كام رأوه‪ ،‬وكان خلقه القرآ‪ ،‬فكان عىل اخللق‬
‫العظيم‪ ،‬وجعله اهلل تعاىل أسوة حسنة لعباده(‪ ،)1‬فقال تعاىل‪{ :‬لقد كان لكم يف‬
‫رسول اهلل أسوة حسنة ملن كان يرجو اهلل واليوم اآلخر وذكر اهلل كثريا}‪.‬‬
‫فعن أيب سعيد اخلدري ‪ ‬مر ‪ ‬بغالم يسلخ شاة‪ ،‬فقال له رسول اهلل‬
‫‪« :‬تنح‪ ،‬حتى أريك‪ ،‬فأدخل رسول اهلل ‪ ‬يده بني اجللد واللحم‪ ،‬فدحس‬
‫هبا‪ ،‬حتى توارت إىل اإلبط وقال‪ :‬يا غالم هكذا فاسلخ»(‪.)2‬‬
‫‪.2‬تعليمه ‪ ‬الرشائع بالتدريج‪:‬‬
‫كان صىل يراعي التدريج يف التعليم‪ ،‬فكان يقدم األهم فاألهم‪ ،‬ويعلم‬
‫شيئ ًا فشيئ ًا نج ًام نج ًام؛ ليكون أقرب تناوالً‪ ،‬وأثبت عىل الفؤاد حفظ ًا وفه ًام(‪،)3‬‬
‫معاذا ‪ ‬إىل اليمن‪ ،‬فعن ابن عباس ‪« :‬ألن النبي ‪ ‬بعث معاذ ًا ‪ ‬إىل‬
‫اليمن‪ ،‬فقال‪« :‬ادعهم إىل شهادة أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأين رسول اهلل‪ ،‬فإن هم‬
‫أطاعوا لذلك‪ ،‬فأعلمهم أن اهلل قد افرتض عليهم مخس صلوات يف كل يوم‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.64‬‬


‫(‪ )2‬يف سنن ابن ماجة ‪ ،1061 :2‬وسنن أيب داود‪.47 :1‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.77‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪349‬‬
‫وليلة‪ ،‬فإن هم أطاعوا لذلك‪ ،‬فأعلمهم أن اهلل افرتض عليهم صدقة يف‬
‫أمواهلم تؤخذ من أغنيائهم وترد عىل فقرائهم»(‪.)1‬‬
‫‪.3‬رعايته ‪ ‬يف التعليم االعتدال والبعد عن اإلمالل‪:‬‬
‫كان ‪ ‬يتعهد أوقات أصحابه وأحاهلم يف تذكريهم وتعليمهم؛ لئال‬
‫َي َملوا‪ ،‬وكان يراعي يف ذلك القصد واالعتدال‪ ،‬فعن شقيق‪ ،‬قال‪« :‬كنا‬
‫جلوسا عند باب ابن مسعود ننتظره‪ ،‬فمر بنا يزيد بن معاوية النخعي‪ ،‬فقلنا‪:‬‬
‫أعلمه بمكاننا‪ ،‬فدخل عليه‪ ،‬فلم يلبث أن خرج علينا ابن مسعود‪ ،‬فقال‪ :‬إين‬
‫أخرب بمكانكم‪ ،‬فام يمنعني أن أخرج إليكم إال كراهية أن أملكم‪ ،‬إن رسول‬
‫اهلل ‪ ‬كان يتخولنا باملوعظة يف األيام‪ ،‬خمافة السآمة علينا»(‪.)2‬‬
‫‪.4‬رعايته ‪ ‬الفروق الفردية يف املتعلمني‪:‬‬
‫كان ‪ ‬شديد املراعاة للفروق الفردية بني املتعلمني من املخاطبني‬
‫خياطب كل واحد بقدر فهمه وبام ُيالئم منزلته‪ ،‬وكان‬‫ُ‬ ‫والسائلني‪ ،‬فكان‬
‫حيافظ عىل قلوم املبتدئني‪ ،‬فكان ال يعلمهم ما ُيعلم املنتهني‪ ،‬وكان جييب كل‬
‫سائل عن سؤاله بام ُهيمه و ُيناسب حاله(‪.)3‬‬
‫فعن ابن عمرو ‪ ،‬قال‪« :‬كنا عند النبي ‪ ،‬فجاء شاب فقال‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل‪ ،‬أقبل وأنا صائم؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬فجاء شيخ فقال‪ :‬أقبل وأنا صائم؟‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري‪.104 :1‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح البخاري‪ ،78 :8‬وصحيح مسلم‪.2127 :4‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.81‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪350‬‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فنظر بعضنا إىل بعض‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪ :‬قد علمت مل نظر‬
‫بعضكم إىل بعض‪ ،‬إن الشيخ يملك نفسه»(‪.)1‬‬
‫‪.5‬تعليمه ‪ ‬باحلوار واملساءلة‪:‬‬
‫كان من أبرز أساليبه ‪ ‬التعليم احلوار واملساءلة؛ إلثارة انتباه السامعني‬
‫وح َّضهم عىل إعامل الفكر للجواب؛ ليكون‬
‫وتشويق نفوسهم إىل اجلواب‪َ ،‬‬
‫جواب النبي ‪ ‬إذا مل يستطيعوا اإلجابة أقرب إىل الفهم وأوقع يف النفس‪.‬‬
‫فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬أرأيتم لو أن هنر ًا بباب أحدكم يغتسل فيه‬
‫كل يوم مخس ًا‪ ،‬ما تقول‪ :‬ذلك يبقي من درنه‪ ،‬قالوا‪ :‬ال يبقي من درنه شيئ ًا‪،‬‬
‫قال‪ :‬فذلك مثل الصلوات اخلمس‪ ،‬يمحو اهلل به اخلطايا»(‪.)2‬‬
‫‪.6‬تعليمه ‪ ‬باملحادثة واملوازنة العقلية‪:‬‬
‫ومن أساليبه ‪ ‬يف التعليم أنه كان يسلك يف بعض األحيان سبيل‬
‫املحاكمة العقلية عىل طريقة السؤال واالستجواب؛ لقلع الباطل من نفس‬
‫مستحسنة‪ ،‬أو لرتسيخ احلق يف قلب ُمستبعده أو مستغربه‪.‬‬
‫فعن أيب سعيد ‪ ،‬قال‪« :‬خرج رسول اهلل ‪ ‬يف أضحى أو فطر إىل‬
‫املصىل‪ ،‬فمر عىل النساء‪ ،‬فقال‪ :‬يا معش النساء تصدقن‪ ،‬فإين أريتكن أكثر‬

‫(‪ )1‬يف مسند أمحد‪ ،351 :11‬ويف سنده ابن هليعة‪ ،‬وهو حسن احلديث‪ ،‬كام يف الرسول املعلم‬
‫ص‪.85‬‬
‫(‪ )2‬يف صحيح البخاري‪ ،112 :1‬وصحيح مسلم‪.462 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪351‬‬
‫أهل النار‪ ،‬فقلن‪ :‬وبم يا رسول اهلل؟ قال‪ :‬تكثرن اللعن‪ ،‬وتكفرن العشري‪ ،‬ما‬
‫رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل احلازم من إحداكن‪ ،‬قلن‪:‬‬
‫وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول اهلل؟ قال‪ :‬أليس شهادة املرأة مثل نصف‬
‫شهادة الرجل‪ ،‬قلن‪ :‬بىل‪ ،‬قال‪ :‬فذلك من نقصان عقلها‪ ،‬أليس إذا حاضت مل‬
‫تصل ومل تصم» قلن‪ :‬بىل‪ ،‬قال‪« :‬فذلك من نقصان دينها»(‪.)1‬‬
‫‪ .7‬سؤاله ‪ ‬أصحابه ليكشف ذكاءهم ومعرفتهم‪:‬‬
‫يعلمه‪ ،‬وإنام يسأهلم ليثري‬
‫يسأل أصحابه عن اليشء‪ ،‬وهو ُ‬ ‫وتارة كان ‪ُ ‬‬
‫العلم يف قالب ا ُملحاجاة ليخترب ما عندهم‬
‫َ‬ ‫وحيرك ذكاءهم‪ ،‬ويسقيهم‬
‫فطنَتَهم‪ِّ ،‬‬
‫من العلم‪.‬‬
‫فعن ابن عمر ‪ ،‬قال ‪« :‬مثل املؤمن كمثل شجرة خرضاء‪ ،‬ال‬
‫يسقط ورقها وال يتحات‪ ،‬فقال القوم‪ :‬هي شجرة كذا‪ ،‬هي شجرة كذا‪،‬‬
‫فأردت أن أقول‪ :‬هي النخلة‪ ،‬وأنا غالم شاب فاستحييت‪ ،‬فقال‪ :‬هي‬
‫النخلة»(‪.)2‬‬
‫‪.8‬تعليمه ‪ ‬باملقايسة والتمثيل‪:‬‬
‫قايس ألصحابه األحكام و ُيع ِّل ُلها هلم‪ ،‬وإذا اشتبهت‬
‫وتار ٌة كان ‪ُ ‬ي ُ‬
‫كمها‪ ،‬فيتضح هلم ما اشتبه أمره‪ ،‬وخفي‬ ‫علهيم مسالكها‪ ،‬و َغ ُم َض عليهم ُح ُ‬
‫فهمه‪ ،‬ويكون هلم من تلك املقا َيسة معرف ٌة بمسالك الشيعة ومقاصدها‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وفق ٌه بمراميها البعيدة‪:‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري‪.68 :1‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح البخاري‪.29 :8‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪352‬‬
‫فعن ابن عباس ‪« :‬أن امرأة من جهينة‪ ،‬جاءت إىل النبي ‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫إن أمي نذرت أن حتج فلم حتج حتى ماتت‪ ،‬أفأحج عنها؟ قال‪ :‬نعم حجي‬
‫عنها‪ ،‬أرأيت لو كان عىل أمك دين أكنت قاضية؟ اقضوا اهلل فاهلل أحق‬
‫بالوفاء»(‪.)1‬‬
‫‪.‬تعليمه ‪ ‬بالتشبيه َ‬
‫ورضب األمثال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫‪9‬‬
‫كان ‪ ‬يف كثري من األحيان يستعني عىل توضيح املعاين التي بياهنا‬
‫ويتذوقونَه بألسنتهم‪ ،‬ويقع حتت‬
‫َّ‬ ‫الناس بأبصارهم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫برضب املثل‪ ،‬مما يشهدُ ه‬‫َ‬
‫تيسري للفهم عىل املتع ِّلم‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫واسهم‪ ،‬ويف ُمتناول أيدهيم‪ ،‬ويف هذه الطريقة‬ ‫ح ِّ‬
‫رسيع إليضاح ما يع ِّل ُمه أو ِّ‬
‫حيذ ُر منه‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫واستيفا ٌء تا ٌّم‬
‫وقد تقرر عند علامء البالغة أن لرضب األمثال شأن ًا عظي ًام‪ ،‬يف إبراز‬
‫َخف َّيات املعاين ورفع أستار حمجبات الدقائق‪ ،‬وقد أكثر اهلل سبحانه من‬
‫رضب األمثال يف كتابه العزيز‪ ،‬واقتدى النبي ‪ ‬يف ذلك بالكتب العزيز‪،‬‬
‫فكان يكثر من ذكر األمثال يف خماطباته ومواعظه وكالمه‪.‬‬
‫فعن أيب موسى ‪ ،‬قال ‪« :‬إن مثل ما بعثني اهلل به عز وجل من‬
‫اهلدى‪ ،‬والعلم كمثل غيث أصاب أرض ًا‪ ،‬فكانت منها طائفة طيبة‪ ،‬قبلت‬
‫املاء فأنبتت الكأل والعشب الكثري‪ ،‬وكان منها أجادب أمسكت املاء‪ ،‬فنفع‬
‫اهلل هبا الناس‪ ،‬فشبوا منها وسقوا ورعوا‪ ،‬وأصاب طائفة منها أخرى‪ ،‬إنام‬
‫هي قيعان ال متسك ماء‪ ،‬وال تنبت كأل‪ ،‬فذلك مثل من فقه يف دين اهلل‪ ،‬ونفعه‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري ‪.18 :3‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪353‬‬
‫بام بعثني اهلل به‪ ،‬فعلم وعلم‪ ،‬ومثل من مل يرفع بذلك رأس ًا‪ ،‬ومل يقبل هدى‬
‫اهلل الذي أرسلت به»(‪.)1‬‬
‫‪ .10‬تعليمه ‪ ‬بالرسم عىل األرض والتاب‪:‬‬
‫وتارة كان ‪ ‬يستعني عىل توضيح بعض املعاين بالرسم عىل األرض‬
‫والرتاب‪.‬‬
‫وخ َّط خط ًا يف‬
‫فعن ابن مسعود ‪« : :‬خط النبي ‪ ‬خط ًا مربع ًا‪َ ،‬‬
‫الوسط خارج ًا منه‪ ،‬وخط خطط ًا صغار ًا إىل هذا الذي يف الوسط من جانبه‬
‫الذي يف الوسط‪ ،‬وقال‪ :‬هذا اإلنسان‪ ،‬وهذا أجله حميط به‪ ،‬وهذا الذي هو‬
‫خارج أمله‪ ،‬وهذه اخلطط الصغار األعراض‪ ،‬فإن أخطأه هذا هنشه هذا‪ ،‬وإن‬
‫أخطأه هذا هنشه هذا»(‪.)2‬‬
‫‪ .11‬مجعه ‪ ‬بني القول واإلشارة يف التعليم‪:‬‬
‫جيمع يف تعليمه بني البيان بالعبارة‪ ،‬واإلشارة باليدين‬
‫ُ‬ ‫وتارة كان ‪‬‬
‫الكريمتني‪ ،‬توضيح ًا للمرام‪ ،‬وتنبيه ًا عىل أمهية ما يذكره للسامعني أو‬
‫يع ِّلمهم إياه‪.‬‬
‫فعن أيب موسى ‪ ،‬قال ‪« :‬إن املؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه‬
‫بعض ًا وشبك أصابعه»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح مسلم‪.1787 :4‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح البخاري‪.89 :8‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح البخاري‪.103 :1‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪354‬‬
‫‪ .12‬تعليمه ‪ ‬برفع املنهي عنه بيده تأكيد ًا حلرمته‪:‬‬
‫اليشء الذي ينهى عنه‪ ،‬ويرفعه إىل أنظار‬
‫وتار ًة كان ‪ ‬حيمل بيده َّ‬
‫اليشء بالقول واملشاهدة للمنهي عنه‬
‫املخاطبني‪ ،‬فيجمع هلم بني النَّهي عن َّ‬
‫بال َعني‪ ،‬فيكون ذلك أوعى للنفوس‪ ،‬وأوضح يف الداللة عىل التحريم واملنع‪.‬‬
‫فعن عيل ‪« :‬أخذ رسول اهلل ‪ ‬ذهب ًا بيمينه وحرير ًا بشامله قال‪ :‬هذا‬
‫حرام عىل ذكور أمتي»(‪.)1‬‬
‫‪.13‬ابتداؤه ‪ ‬أصحابه باإلفادة دون سؤال منهم‪:‬‬
‫وكان ‪ ‬يف كثري من األحيان يبتدئ أصحابه باإلفادة من غري سؤال‬
‫منهم‪ ،‬ال سيام يف األمور املهمة التي ال ينتبه هلا كل واحد حتى يسأل عنها‪،‬‬
‫جواب الشبهة قبل حدوثها‪ ،‬خشية أن تقع يف النفس‬
‫َ‬ ‫فكان ‪ ‬يعلم أصحابه‬
‫فتستقر هبا‪ ،‬وتفعل فعلها اليسء‪.‬‬
‫فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬يأيت الشيطان أحدكم فيقول‪ :‬من خلق‬
‫كذا وكذا؟ حتى يقول له‪ :‬من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك‪ ،‬فليستعذ باهلل‬
‫ولينته»(‪.)2‬‬
‫‪.14‬إجابته ‪ ‬السائل عام سأل عنه‪:‬‬
‫السائل عن سؤاله‪ ،‬وقد ع َّلمهم كثري ًا من الشائع‬
‫وكان ‪ ‬جييب َّ‬

‫(‪ )1‬يف سنن النسائي الكربى‪ ،358 :8‬وسنن ابن ماجة‪ ،1189 :2‬ومسند أمحد‪.146 :2‬‬
‫(‪ )2‬يف صحيح مسلم‪.120 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪355‬‬
‫حض أصحابه‬
‫واألحكام و َمعامل الدين باإلجابة عىل أسئلة أصحابه‪ ،‬وقد َّ‬
‫عىل السؤال عام هيمهم من احلوادث والنوائب أو مما حيتاجون إىل معرفته من‬
‫الفرائض والشائع‪.‬‬
‫فعن جابر ‪ ،‬قال ‪« :‬إنام شفاء العي السؤال»(‪.)1‬‬
‫‪.15‬جوابه ‪ ‬السائل بأكثر مما سأل عنه‪:‬‬
‫وتارة كان ‪ ‬جييب السائل بأكثر مما سأل‪ ،‬إذا رأى أن به حاج ًة إىل‬
‫معرفة الزائد عن سؤاله‪ ،‬وهذا من كامل رأفته ‪ ،‬ومن عظيم رعايته‬
‫باملتع ِّلمني واملتفقهني(‪.)2‬‬
‫فعن أيب هريرة ‪« :‬جاء رجل إىل رسول اهلل ‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل!‬
‫إنا نركب البحر‪ ،‬ونحمل معنا القليل من املاء‪ ،‬فإن توضأنا به عطشنا‪،‬‬
‫أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال ‪ :‬هو الطهور ماؤه‪ ،‬احلل ميتته»(‪.)3‬‬
‫‪.16‬لفتُه ‪ ‬السائل إىل غري ما َ‬
‫سأل عنه‪:‬‬
‫وتارة كان ‪ ‬يلفت السائل عن سؤاله حلكمة بالغة(‪.)4‬‬
‫فعن أنس ‪« :‬أن رجال سأل النبي ‪ :‬متى الساعة يا رسول اهلل؟‬

‫(‪ )1‬يف سنن أيب داود‪ ،93 :1‬وسنن النسائي الكربى‪.234 :6‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.143‬‬
‫(‪ )3‬يف املوطأ‪.29 :2‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.145‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪356‬‬
‫قال‪ :‬ما أعددت هلا‪ ،‬قال‪ :‬ما أعددت هلا من كثري صالة وال صوم وال صدقة‪،‬‬
‫ولكني أحب اهلل ورسوله‪ ،‬قال‪ :‬أنت مع من أحببت»(‪.)1‬‬
‫‪.17‬استعادته ‪ ‬السؤال من السائل إليفاء بيان احلكم‪:‬‬
‫وتارة كان ‪ ‬يستعيد السائل سؤاله ـ وقد أحاط بسؤاله عل ًام ـ ليزيده‬
‫عل ًام أو ليستدرك عىل ما أجابه به‪ ،‬أو ليوضحه له(‪.)2‬‬
‫فعن أيب قتادة ‪« :‬أنه قام ‪ ‬فيهم فذكر هلم أن اجلهاد يف سبيل اهلل‪،‬‬
‫واإليامن باهلل أفضل األعامل‪ ،‬فقام رجل‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أرأيت إن‬
‫قتلت يف سبيل اهلل‪ ،‬تكفر عني خطاياي؟ فقال له رسول اهلل ‪ :‬نعم‪ ،‬إن‬
‫قتلت يف سبيل اهلل‪ ،‬وأنت صابر حمتسب‪ ،‬مقبل غري مدبر‪ ،‬ثم قال رسول اهلل‬
‫‪ :‬كيف قلت؟ قال‪ :‬أرأيت إن قتلت يف سبيل اهلل أتكفر عني خطاياي؟‬
‫فقال رسول اهلل ‪ :‬نعم‪ ،‬وأنت صابر حمتسب‪ ،‬مقبل غري مدبر‪ ،‬إال الدين‪،‬‬
‫فإن جربيل ‪ ‬قال ل ذلك»(‪.)3‬‬
‫‪.18‬تفويضه ‪ ‬الصحايب باجلواب عام سئل عنه ليدربه‪:‬‬
‫يفوض أحد أصحابه اجلواب عن السؤال الذي رفع غليه‬ ‫وكان ‪ِّ ‬‬
‫ليدربه يف أمور العلم(‪.)4‬‬
‫ِّ‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري‪.40 :8‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.149‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح مسلم‪.1501 :3‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.150‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪357‬‬
‫فعن عمرو بن العاص ‪ ،‬قال‪« :‬جاء رسول اهلل ‪ ‬خصامن خيتصامن‪،‬‬
‫فقال لعمرو‪ :‬اقض بينهام يا عمرو‪ ،‬فقال‪ :‬أنت أوىل بذلك مني يا رسول اهلل‪،‬‬
‫قال‪ :‬وإن كان‪ ،‬قال‪ :‬فإذا قضيت بينهام فام ل؟ قال‪ :‬إن أنت قضيت بينهام‬
‫فأصبت القضاء‪ ،‬فلك عش حسنات‪ ،‬وإن أنت اجتهدت وأخطأت‪ ،‬فلك‬
‫حسنة»(‪.)1‬‬

‫‪.19‬امتحانه ‪ ‬العامل بيشء من العلم ليقابله بالثناء عليه إذا أصاب‪:‬‬

‫بعض أصحابه‪ ،‬فيسأله عن يشء من العلم‬


‫وتارة كان ‪ ‬يمتحن َ‬
‫ورضب‬
‫ليكشف ذكاءه ومعرفته‪ ،‬فإذا هو أصاب يف جوابه مدحه وأثنى عليه َ‬
‫حب رسول اهلل وتقدير ًا منه ‪ ‬حلسن إجابته(‪.)2‬‬
‫يف صدره إشعار ًا باستحقاقه َّ‬
‫فعن أيب بن كعب ‪ ،‬قال ‪« :‬يا أبا املنذر‪ ،‬أتدري أي آية من كتاب‬
‫اهلل معك أعظم؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ .‬قال‪ :‬يا أبا املنذر أتدري أي‬
‫آية من كتاب اهلل معك أعظم؟ قال‪ :‬قلت‪{ :‬اهلل ال إله إال هو احلي القيوم}‬
‫[البقرة‪ .]255 :‬قال‪ :‬فرضب يف صدري‪ ،‬وقال‪ :‬واهلل ليهنك العلم أبا‬
‫املنذر»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬يف مسند أمحد‪ ،357 :29‬قال اهليثمي يف جممع الزوائد‪ :195 :4‬رجاله رجال الصحيح‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.154‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح مسلم‪.556 :1‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪358‬‬
‫‪.20‬تعليمه ‪ ‬بالسكوت واإلقرار عىل ما حدث أمامه‪:‬‬
‫عرب عنه األصوليون واملحدثون بالتقرير‪ ،‬فام‬‫هذا أحدُ أقسام السنة‪ ،‬و ُي ِّ‬
‫وأقره ‪ ‬بالسكوت عليه أو‬ ‫حدث أمام النبي ‪ ‬من مسلم قوالً أو فعالً‪َّ ،‬‬
‫وكثري من‬
‫ٌ‬ ‫إظهار الرضا به‪ ،‬فهو ٌ‬
‫بيان منه ‪ ‬إلباحة ذلك بالقول أو الفعل‪،‬‬
‫األمور العلمية أخذ من النبي ‪ ‬هبذا الطريق(‪.)1‬‬
‫فعن عمرو بن العاص ‪ ‬قال‪ :‬احتلمت يف ليلة باردة يف غزوة ذات‬
‫السالسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت‪ ،‬ثم صليت بأصحايب‬
‫الصبح فذكروا ذلك للنبي ‪ ،‬فقال‪ :‬يا عمرو صليت بأصحابك وأنت‬
‫جنب؟ فأخربته بالذي منعني من االغتسال وقلت إين سمعت اهلل يقول‪:‬‬
‫{وال تقتلوا أنفسكم إن اهلل كان بكم رحيام} [النساء‪ ]29 :‬فضحك رسول‬
‫اهلل ‪ ‬ومل يقل شيئ ًا»(‪.)2‬‬
‫‪.21‬انتهازه ‪ ‬املناسبات العارضة يف التعليم‪:‬‬
‫ينتهز املناسبة املشاكل َة ملا يريد تعليمه‪ ،‬فريبط بني‬
‫ُ‬ ‫وكان ‪ ‬كثري ًا ما‬
‫املناسبة القائمة‪ ،‬والعلم الذي يريد ب َّثه وإذاعته فيكون من ذلك للمخاطبني‬
‫أبني الوضوح وأفضل الفهم‪ ،‬وأقوى املعرفة ما يسمعون ويلقى إليهم‪.‬‬
‫ُ‬
‫فعن جابر بن عبد اهلل ‪« :‬أن رسول اهلل ‪َ ‬م َّر بالسوق‪ ،‬داخ ً‬
‫ال من‬
‫أس َّك ميت‪ ،‬فتناوله‬
‫بجدي َ‬ ‫بعض العالية‪ ،‬والناس كنَ َفتَيه ـ أي جانبيه ـ‪ ،‬فمر َ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.156‬‬


‫(‪ )2‬يف سنن أيب داود‪ ،92 :1‬ومسند أمحد‪.346 :29‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪359‬‬
‫فأخذ بأذنه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أيكم حيب أن هذا له بدرهم؟ فقالوا‪ :‬ما نحب أنه لنا‬
‫بيشء‪ ،‬وما نصنع به؟ قال‪ :‬أحتبون أنه لكم؟ قالوا‪ :‬واهلل لو كان حي ًا‪ ،‬كان عيب ًا‬
‫ميت؟ فقال‪ :‬فواهلل للدنيا أهون عىل اهلل‪ ،‬من هذا‬ ‫فيه؛ ألنه َأ َسك‪ ،‬فكيف وهو ٌ‬
‫عليكم»(‪.)1‬‬
‫‪ .22‬تعليمه ‪ ‬با ُملامزحة وا ُملداعبة‪:‬‬
‫وكان ‪ُ ‬يداعب أصحابه يف بعض األحيان و ُيامزحهم‪ ،‬ولكنه ما كان‬
‫يقول إال حق ًا‪ ،‬وكان ُيع ِّلم كثري ًا من أمور العلم خالل ا ُملداعبة وا ُملامزحة(‪.)2‬‬
‫فعن أنس ‪« :‬كان رسول اهلل ‪ ‬يدخل علينا ول أخ صغري يكنى أبا‬
‫عمري‪ ،‬وكان له نغر يلعب به‪ ،‬فامت‪ ،‬فدخل عليه النبي ‪ ‬ذات يوم فرآه‬
‫حزين ًا‪ ،‬فقال‪ :‬ما شأنه؟ قالوا‪ :‬مات نغره‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا عمري ما فعل‬
‫النغري؟»(‪.)3‬‬
‫‪.23‬تأكيده ‪ ‬التعليم بالقسم‪:‬‬
‫وكان ‪ ‬يف كثري من األحيان‪ ،‬يبد ُأ حديثه بالقسم باهلل تعاىل‪ ،‬تنبيه ًا منه‬
‫إىل أمهية ما يقو ُله وتقوي ًة للحكم وتأكيد ًا له(‪.)4‬‬
‫فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬ال تدخلون اجلنة حتى تؤمنوا»(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح مسلم‪.2272 :4‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.163‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح البخاري‪ ،45 :8‬وسنن أيب داود‪ ،293 :4‬واللفظ له‪.‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.165‬‬
‫(‪ )5‬يف صحيح مسلم‪.74 :1‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪360‬‬
‫‪.24‬تكراره ‪ ‬القول ثالث ًا لتأكيد مضمونه‪:‬‬
‫يكره حديثه تأكيد ًا ملضمونه‪ ،‬وتنبيه ًا للمخاطب عىل أمهيته‪،‬‬
‫وكان ‪ِّ ‬‬
‫وليفه َمه(‪.)1‬‬
‫َ‬
‫فعن أنس ‪ ،‬قال ‪« :‬أنه كان إذا سلم س َّلم ثالث ًا‪ ،‬وإذا تكلم بكلمة‬
‫أعادها ثالث ًا»(‪.)2‬‬
‫‪ .25‬إشعاره ‪ ‬باألمهية بتغيري جلسته وحاله‪ ،‬وتكرار املقال‪:‬‬
‫وتارة كان ‪ُ ‬ي َغ ِّ ُري جلسته وحا َله‪ ،‬مع تكرار مقاله تعبري ًا عن االهتامم‬
‫واخلُ ُطورة ملا يقو ُله أو ِّ‬
‫حيذر منه(‪.)3‬‬
‫فعن أيب بكرة ‪ ،‬قال ‪« :‬أال أنبئكم بأكرب الكبائر‪ ،‬قلنا‪ :‬بىل يا رسول‬
‫اهلل‪ ،‬قال‪ :‬اإلرشاك باهلل‪ ،‬وعقوق الوالدين‪ ،‬وكان متكئا فجلس فقال‪ :‬أال‬
‫وقول الزور‪ ،‬وشهادة الزور‪ ،‬أال وقول الزور‪ ،‬وشهادة الزور‪ ،‬فام زال يقوهلا‪،‬‬
‫حتى قلت‪ :‬ال يسكت»(‪.)4‬‬
‫‪.26‬إثارته ‪ ‬انتباه السامع بتكراره النداء مع تأخري اجلواب‪:‬‬
‫يكرر نداء املخاطب مع تأخريه اجلواب؛‬
‫وكان ‪ ‬يف بعض األحيان ِّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.168‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح البخاري‪.30 :1‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.172‬‬
‫(‪ )4‬يف صحيح البخاري‪.4 :8‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪361‬‬
‫لتأكيد االنتباه واالهتامم بام بخربه به‪ ،‬ول ُيبالغ يف تفهمه وضبطه عنه(‪.)1‬‬
‫فعن معاذ ‪ ،‬قال‪« :‬بينا أنا رديف النبي ‪ ‬ليس بيني وبينه إال أخرة‬
‫الرحل‪ ،‬فقال‪ :‬يا معاذ بن جبل‪ ،‬قلت‪ :‬لبيك رسول اهلل وسعديك‪ ،‬ثم سار‬
‫ساعة‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا معاذ‪ ،‬قلت‪ :‬لبيك رسول اهلل وسعديك‪ ،‬ثم سار ساعة ثم‬
‫قال‪ :‬يا معاذ‪ ،‬قلت‪ :‬لبيك رسول اهلل وسعديك‪ ،‬قال‪ :‬هل تدري ما حق اهلل‬
‫عىل عباده؟ قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ :‬حق اهلل عىل عباده أن يعبدوه‪ ،‬وال‬
‫يشكوا به شيئ ًا‪ ،‬ثم سار ساعة‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا معاذ بن جبل‪ ،‬قلت‪ :‬لبيك رسول‬
‫اهلل وسعديك‪ ،‬فقال‪ :‬هل تدري ما حق العباد عىل اهلل إذا فعلوه‪ ،‬قلت‪ :‬اهلل‬
‫ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ :‬حق العباد عىل اهلل أن ال يعذهبم»(‪.)2‬‬
‫‪.27‬إمساكه ‪ ‬بيد املخا َطب أو منكِبِه إلثارة انتباهه‪:‬‬
‫يثري انتباه املخاطب بأخذ يده أو منكبه ليزداد اهتام ُمه‪،‬‬
‫وتارة كان ‪ُ ‬‬
‫وليلقي إليه سمعه وبرصه وقلبه؛ ليكون أوعى له وأذكر(‪.)3‬‬
‫فعن ابن مسعود ‪« :‬علمني رسول اهلل ‪ ،‬وكفي بني كفيه‪ ،‬التشهد‪،‬‬
‫كام يعلمني السورة من القرآن‪ :‬التحيات هلل‪ ،‬والصلوات والطيبات‪ ،‬السالم‬
‫عليك أهيا النبي ورمحة اهلل وبركاته‪ ،‬السالم علينا وعىل عباد اهلل الصاحلني‪،‬‬
‫أشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأشهد أن حممد ًا عبده ورسوله‪ ،‬وهو بني ظهرانينا‪،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.174‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح البخاري‪.170 :7‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.176‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪362‬‬
‫فلام قبض قلنا‪ :‬السالم ـ يعني ـ عىل النبي ‪.)1(»‬‬
‫ِ‬
‫السامع عىل االستكشاف عنه للتغيب فيه أو‬ ‫‪.28‬إهبام ‪ ‬اليشء حلمل‬
‫الزجر عنه‪:‬‬
‫وتارة كان ‪ُ ‬يبه ُم اليشء ترغيب ًا فيه حلمل السامع عىل االستكشاف‬
‫وأخص له عىل إثباته(‪.)2‬‬
‫َّ‬ ‫أوقع يف نفسه‬
‫عنه‪ ،‬فيكون َ‬
‫فعن أنس ‪ ،‬قال‪« :‬بينام نحن جلوس عند رسول اهلل ‪ ‬قال‪ :‬يطلع‬
‫عليكم اآلن رجل من أهل اجلنة‪ ،‬فطلع رجل من األنصار تنطف حليته ماء‬
‫من وضوئه معلق نعليه يف يده الشامل‪ ،‬فلام كان من الغد قال رسول اهلل ‪:‬‬
‫يطلع عليكم اآلن رجل من أهل اجلنة‪ ،‬فطلع ذلك الرجل عىل مثل مرتبته‬
‫األوىل‪ ،‬فلام كان من الغد قال رسول اهلل ‪ :‬يطلع عليكم اآلن رجل من أهل‬
‫اجلنة‪ ،‬فطلع ذلك الرجل عىل مثل مرتبته األوىل‪ ،‬فلام قام رسول اهلل ‪ ‬اتبعه‬
‫عبد اهلل بن عمرو بن العايص فقال‪ :‬إين الحيت أيب فأقسمت أن ال أدخل‬
‫عليه ثالث ليال‪ ،‬فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى حتل يميني فعلت‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬قال أنس‪ :‬فكان عبد اهلل بن عمرو بن العايص حيدث أنه بات معه ليلة‬
‫أو ثالث ليال‪ ،‬فلم يره يقوم من الليل بيشء‪ ،‬غري أنه إذا انقلب عىل فراشه‬
‫ذكر اهلل‪ ،‬وكرب حتى يقوم لصالة الفجر فيسبغ الوضوء‪ ،‬قال عبد اهلل‪ :‬غري أين‬
‫ال أسمعه يقول إال خري ًا‪ ،‬فلام مضت الثالث ليال كدت أحتقر عمله‪ ،‬قلت‪:‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري‪.59 :8‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.179‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪363‬‬
‫يا عبد اهلل‪ ،‬إنه مل يكن بيني وبني والدي غضب وال هجرة‪ ،‬ولكني سمعت‬
‫رسول اهلل ‪ ‬يقول لك ثالث مرات يف ثالث جمالس‪ :‬يطلع عليكم اآلن‬
‫رجل من أهل اجلنة‪ ،‬فطلعت أنت تلك الثالث مرات‪ ،‬فأردت آوي إليك‬
‫فأنظر عملك‪ ،‬فلم أرك تعمل كبري عمل‪ ،‬فام الذي بلغ بك ما قال رسول اهلل‬
‫‪‬؟ قال‪ :‬ما هو إال ما رأيت‪ ،‬فانرصفت عنه‪ ،‬فلام وليت دعاين‪ ،‬فقال‪ :‬ما هو‬
‫إال ما رأيت غري أين ال أجد يف نفيس غال ألحد من املسلمني‪ ،‬وال أحسده‬
‫عىل خري أعطاه اهلل إياه‪ ،‬قال عبد اهلل بن عمرو‪ :‬هذه التي بلغت بك‪ ،‬وهي‬
‫التي ال نطيق»(‪.)1‬‬
‫‪.29‬إمجا ُله ‪ ‬األمر‪ ،‬ثم تفصيله ليكون أوضح وأمك ََن يف احلفظ‬
‫والفهم‪:‬‬
‫حلض املخاطب عىل‬
‫وكان ‪ ‬يف بعض األحيان جيمل األمر يف حديثه ِّ‬
‫يفص ُله ببيان واضح‪ ،‬فيكون‬
‫السؤال‪ ،‬وتَشويقه إىل االستكشاف عنه‪ ،‬ثم ُ‬
‫أوقع يف نفس املخا َطب وأمكن يف حفظه وفهمه(‪.)2‬‬
‫فعن أنس ‪ ،‬قال‪« :‬مر بجنازة فأثني عليها خري ًا‪ ،‬فقال نبي اهلل ‪:‬‬
‫وجبت‪ ،‬وجبت‪ ،‬وجبت‪ ،‬ومر بجنازة فأثني عليها رش ًا‪ ،‬فقال نبي اهلل ‪:‬‬
‫وجبت‪ ،‬وجبت‪ ،‬وجبت‪ ،‬قال عمر‪ :‬فدى لك أيب وأمي‪ ،‬مر بجنازة‪ ،‬فأثني‬
‫عليها خري‪ ،‬فقلت‪ :‬وجبت‪ ،‬وجبت‪ ،‬وجبت‪ ،‬ومر بجنازة‪ ،‬فأثني عليها رش‪،‬‬

‫(‪ )1‬يف سنن النسائي الكربى‪ ،318 :9‬ومسند أمحد‪.124 :20‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.185‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪364‬‬
‫فقلت‪ :‬وجبت‪ ،‬وجبت‪ ،‬وجبت؟ فقال رسول اهلل ‪ :‬من أثنيتم عليه خري ًا‬
‫وجبت له اجلنة‪ ،‬ومن أثنيتم عليه رش ًا وجبت له النار‪ ،‬أنتم شهداء اهلل يف‬
‫األرض‪ ،‬أنتم شهداء اهلل يف األرض‪ ،‬أنتم شهداء اهلل يف األرض»(‪.)1‬‬
‫‪.30‬إمجاله ‪ ‬للمعدودات ثم تفصيلها‪:‬‬
‫خيتاره يف التَّعليم‪ ،‬من‬
‫يقر ُب من األسلوب املتقدم ما كان النَبي ‪ُ ‬‬
‫ومما ُ‬
‫اإلمجال للمعدوات ثم بياهنا واحد ًا بعدَ واحد؛ لتكون َأضبط لدى َّ‬
‫السامع‬
‫وأعون له عىل احلفظ والفهم(‪.)2‬‬
‫فعن عمرو بن ميمون ‪ ،‬قال ‪ :‬لرجل وهو يعظه‪« :‬اغتنم مخس ًا قبل‬
‫مخس‪ :‬شبابك قبل هرمك‪ ،‬وصحتك قبل سقمك‪ ،‬وغناك قبل فقرك‪،‬‬
‫وفراغك قبل شغلك‪ ،‬وحياتك قبل موتك»(‪.)3‬‬
‫‪.31‬تعليمه ‪ ‬بالوعظ والتذكري‪:‬‬
‫ُ‬
‫الوعظ والتذكري‪ ،‬اقتداء بالقرآن‬ ‫ومن أهم وأبرز أساليبه ‪ ‬يف التعليم‪،‬‬
‫الذك َرى تَن َف ُع ُاملؤمنني}[الذاريات‪ ،]55:‬وقوله‪:‬‬
‫الكريم يف قوله‪َ { :‬و َذكِّر َفإ َّن ِّ‬
‫وكثري من تعليامته ‪ ‬إنام أخذت منه‬
‫ٌ‬ ‫نت ُم َذكِّر}[الغاشية‪، ]21:‬‬ ‫{ َف َذكِّر إن ََّام َأ َ‬
‫يف مواعظه وخطبه العامة(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح مسلم‪.655 :2‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.189‬‬
‫(‪ )3‬يف سنن النسائي الكربى‪ ،400 :10‬واملستدرك‪ ،341 :4‬وصححه‪.‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.190‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪365‬‬
‫فعن عبد الرمحن بن عمرو السلمي‪ ،‬وحجر بن حجر الكالعي ‪،‬‬
‫قاال‪« :‬أتينا العرباض بن سارية‪ ،‬وهو ممن نزل فيه‪َ { :‬والَ َع َىل ا َّلذي َن إ َذا َما‬
‫َأتَو َك لتَحم َل ُهم ُقل َت الَ َأجدُ َما َأمح ُل ُكم َع َليه}[التوبة‪ ،]92 :‬فسلمنا وقلنا‪:‬‬
‫أتيناك زائرين ومقتبسني‪ ،‬فقال العرباض‪ :‬صىل بنا رسول اهلل ‪ ‬الصبح ذات‬
‫يوم‪ ،‬ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة‪ ،‬ذرفت منها العيون‪ ،‬ووجلت منها‬
‫القلوب‪ ،‬فقال قائل‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬كأن هذه موعظة مودع‪ ،‬فامذا تعهد إلينا؟‬
‫قال‪ :‬أوصيكم بتقوى اهلل‪ ،‬والسمع والطاعة‪ ،‬وإن عبدا حبشيا جمدعا‪ ،‬فإنه‬
‫من يعش منكم فسريى اختالفا كثريا‪ ،‬فعليكم بسنتي وسنة اخللفاء الراشدين‬
‫املهديني‪ ،‬فتمسكوا هبا‪ ،‬وعضوا عليها بالنواجذ‪ ،‬وإياكم وحمدثات األمور‬
‫فإن كل حمدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضاللة»(‪.)1‬‬
‫‪.32‬تعليمه ‪ ‬بالتغيب والتهيب‪:‬‬
‫ومن أجىل أساليبه ‪ ‬يف التعليم الرتغيب يف اخلري الذي يدعو إليه‪،‬‬
‫والرتهيب عن الش الذي حيذر منه‪ ،‬فكان ‪ُ ‬ير ِّغب يف اخلري بذكر ثوابه‬
‫والتنبيه عىل منافعه‪ ،‬ويرغب عن الش بذكر عقابه والتنبيه عىل مساويه‪.‬‬
‫وكان جيمع يف أحاديثه بني الرتغيب حين ًا والرتهيب حين ًا آخر‪ ،‬ومما ان‬
‫يقترص عىل الرتهيب فيؤدي إىل التنفري‪ ،‬وال عىل الرتغيب فيؤدي إىل الكسل‬
‫وترك العلم(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬يف سنن أيب داود‪ ،200 :4‬وصحيح ابن حبان‪.178 :1‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.193‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪366‬‬
‫‪.33‬تعليمه ‪ ‬بالقصص وأخبار املاضني‪:‬‬
‫وكثري ًا ما كان ‪ ‬يعلم أصحابه بطريق ال َقصص والوقائع التي حيدِّ ثهم‬
‫هبا عن األقوام املاضيني‪ ،‬فيكون هلا يف نفوس سامعيها أطيب األثر‪ ،‬وأفضل‬
‫التوجيه‪َ ،‬‬
‫وحت َظى منهم بأوىف النشاط واالنتباه‪ ،‬وتقع عىل القلب والسمع‬
‫يواجه بيها املخاطب بأمر أو هني‪ ،‬وإنام هو احلديث عن‬ ‫أطيب ما تكون؛ إذ ال َ‬
‫غريه‪ ،‬فتكون له منه العرب ُة واملوعظة وال ُقدوة واالئتساء‪ ،‬وقد س َّن اهلل تعاىل‬
‫ال َّن ُقص َع َلي َك من‬
‫هذا األسلوب الكريم يف تعليمه لنبيه ‪ ،‬فقال‪َ { :‬و ُكـ ًّ‬
‫َأن َباء الر ُسل َما ُن َث ِّب ُت به ُف َؤا َد َك}[هود‪.)1(]120 :‬‬
‫ال زار أخ ًا له يف قرية أخرى‪،‬‬
‫فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬أن رج ً‬
‫فأرصد اهلل له‪ ،‬عىل مدرجته‪ ،‬ملك ًا فلام أتى عليه‪ ،‬قال‪ :‬أين تريد؟ قال‪ :‬أريد‬
‫أخ ًا ل يف هذه القرية‪ ،‬قال‪ :‬هل لك عليه من نعمة ترهبا؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬غري أين‬
‫أحببته يف اهلل عز وجل‪ ،‬قال‪ :‬فإين رسول اهلل إليك‪ ،‬بأن اهلل قد أحبك كام‬
‫أحببته فيه»(‪.)2‬‬
‫‪.34‬متهيده ‪ ‬التمهيد اللطيف عند تعليم ما قد ُيستحيا منه‪:‬‬
‫يمهدُ التمهيدَ اللطيف الرقيق إذا شاء أن يعلم أصحابه ما‬
‫وكان ‪ ‬تارة ِّ‬
‫قد يستحيا منه الترصيح به(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.194‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح مسلم‪.1988 :4‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.201‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪367‬‬
‫فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪« :‬إنام أنا لكم مثل الوالد لولده‪ ،‬أعلمكم‪،‬‬
‫إذا أتيتم الغائط فال تستقبلوا القبلة‪ ،‬وال تستدبروها‪ .‬وأمر بثالثة أحجار‪،‬‬
‫وهنى عن الروث‪ ،‬والرمة وهنى أن يستطيب الرجل بيمينه»(‪.)1‬‬
‫‪.35‬اكتفاؤه ‪ ‬بالتعريض واإلشارة يف تعليم ما يستحيا منه‪:‬‬
‫وتارة كان ‪ ‬يكتفي بالتعريض واإلشارة يف تعليم ما ُيستحيا منه(‪.)2‬‬
‫فعن عائشة ريض اهلل عنها‪« :‬أن أسامء سألت النبي ‪ ‬عن ُغسل‬
‫املحيض؟ فقال‪ :‬تأخذ إحداكن ماءها وسدرهتا‪ ،‬فتطهر فتحسن الطهور‪ ،‬ثم‬
‫تصب عىل رأسها فتدلكه دلك ًا شديد ًا حتى تبلغ شؤون رأسها‪ ،‬ثم تصب‬
‫عليها املاء‪ ،‬ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر هبا‪ ،‬فقالت أسامء‪ :‬وكيف تطهر هبا؟‬
‫فقال‪ :‬سبحان اهلل‪ ،‬تطهرين هبا‪ ،‬فقالت عائشة‪ :‬كأهنا ختفي ذلك تتبعني أثر‬
‫الدم‪ ،‬وسألته عن غسل اجلنابة؟ فقال‪ :‬تأخذ ماء فتطهر فتحسن الطهور أو‬
‫تبلغ الطهور‪ ،‬ثم تصب عىل رأسها فتدلكه حتى تبلغ شؤون رأسها‪ ،‬ثم‬
‫تفيض عليها املاء‪ ،‬فقالت عائشة‪ :‬نعم النساء نساء األنصار مل يكن يمنعهن‬
‫احلياء أن يتفقهن يف الدين»(‪.)3‬‬
‫‪.36‬اهتاممه ‪ ‬بتعليم النساء ووعظهن‪:‬‬
‫وكان ‪ ‬هيتم بتعليم النساء ما حيتَجن إليه‪ ،‬فكان خيصهن ببعض‬

‫(‪ )1‬يف سنن ابن ماجة‪ ،114 :1‬واللفظ له‪ ،‬وصحيح مسلم‪.224 :1‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.205‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح مسلم‪.261 :1‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪368‬‬
‫جمالسه ومواعظه(‪.)1‬‬
‫فعن ابن عباس ‪« :‬أشهد عىل رسول اهلل ‪ ‬لصىل قبل اخلطبة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ثم خطب‪ ،‬فرأى أنه مل يسمع النساء‪ ،‬فأتاهن‪ ،‬فذكرهن‪ ،‬ووعظهن‪ ،‬وأمرهن‬
‫بالصدقة‪ ،‬وبالل قائل بثوبه‪ ،‬فجعلت املرأة تلقي اخلاتم‪ ،‬واخلرص‪،‬‬
‫واليشء»(‪.)2‬‬
‫‪.37‬غض ُبه وتعني ُفه ‪ ‬يف التعليم إذا اقتضت احلال ذلك‪:‬‬
‫وكان ‪ ‬يغضب الغضب َّ‬
‫الشديد إذا جاوز املتعلم ببحثه وسؤاله إىل ما‬
‫ال ينبغي السؤال عنه والدخول فيه(‪.)3‬‬
‫فعن عمرو بن شعيب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده ‪ ،‬قال‪« :‬خرج رسول اهلل‬
‫‪ ‬عىل أصحابه‪ ،‬وهم خيتصمون يف القدر‪ ،‬فكأنام يفقأ يف وجهه‪ ،‬حب الرمان‬
‫من الغضب‪ ،‬فقال‪ :‬هبذا أمرتم‪ ،‬أو هلذا خلقتم‪ ،‬ترضبون القرآن بعضه‬
‫ببعض‪ ،‬هبذا هلكت األمم قبلكم‪ ،‬قال‪ :‬فقال‪ :‬عبد اهلل بن عمرو‪ ،‬ما غبطت‬
‫نفيس بمجلس ختلفت فيه عن رسول اهلل ‪ ،‬ما غبطت نفيس بذلك املجلس‬
‫وختلفي عنه»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.208‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح مسلم‪.602 :2‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.210‬‬
‫(‪ )4‬يف سنن ابن ماجة‪.33 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪369‬‬
‫‪.38‬اختاذه ‪ ‬الكتاب َة وسيل ًة يف التعليم والتبليغ ونحومها‪:‬‬
‫ومن أساليبه ‪ ‬أيض ًا التعليم عن طريق الكتابة‪ ،‬وقد كان لرسول اهلل‬
‫اب آخرون‬‫عش كاتب ًا‪ ،‬يكتبون عنه القرآن‪ ،‬و ُكت ٌ‬
‫كتاب أكثر من مخس َة َ‬
‫ٌ‬ ‫‪‬‬
‫خصهم بكتابة رسائله إىل اآلفاق وامللوك لتبليغهم اإلسالم ودعوهتم إليه‪،‬‬
‫َّ‬
‫اب آخرون خصهم بكتابة أمور أخرى‪ ،‬كام ترى تفصيل كل ذلك‬ ‫وكت ٌ‬
‫مستوعب ًا يف كتاب الكتاين «الرتاتيب اإلدارية»(‪.)1‬‬
‫فعن ابن عمرو ‪ ،‬قال‪« :‬كنت أكتب كل يشء أسمعه من رسول اهلل‬
‫‪ ‬أريد حفظه‪ ،‬فنهتني قريش وقالوا‪ :‬أتكتب كل يشء تسمعه ورسول اهلل‬
‫‪ ‬بش يتكلم يف الغضب والرضا‪ ،‬فأمسكت عن الكتاب‪ ،‬فذكرت ذلك‬
‫لرسول اهلل ‪ ،‬فأومأ بأصبعه إىل فيه‪ ،‬فقال‪ :‬اكتب فوالذي نفيس بيده ما‬
‫خيرج منه إال حق»(‪.)2‬‬
‫‪.39‬أمره ‪ ‬بعض الصحابة بتعلم اللغة الرسيانية‪:‬‬
‫فعن زيد بن ثابت ‪ ،‬قال‪« :‬أمرين رسول اهلل ‪ ‬أن أتعلم له كلامت‬
‫من كتاب هيود قال‪ :‬إين واهلل ما آمن هيود عىل كتاب‪ ،‬قال‪ :‬فام مر يب نصف‬
‫شهر حتى تعلمته له‪ ،‬قال‪ :‬فلام تعلمته كان إذا كتب إىل هيود كتبت إليهم‪،‬‬
‫وإذا كتبوا إليه قرأت له كتاهبم»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.212‬‬


‫(‪ )2‬يف سنن أيب داود‪ ،319 :3‬ومسند أمحد‪ ،57 :11‬واملستدرك‪.187 :1‬‬
‫(‪ )3‬يف سنن الرتمذي‪ ،67 :5‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪370‬‬
‫‪.40‬التعليم بذاته الرشيفة ‪:‬‬
‫لقد كان رسول اهلل ‪ ‬مع ِّلام اختاره اهلل تعاىل لتعليم البشية دين اهلل‬
‫ورشيعتَه اخلامتة واخلالدة‪ ،‬وليس ي الدنيا أغىل عىل اهلل من دين اهلل تعاىل‪،‬‬
‫فاختار اهلل تعاىل لنشه وتعليمه أفضل األنبياء والرسل حممد ًا ‪.‬‬
‫وكان هذا املصعلم املصطفى من اهلل تعاىل لتبليغ رشيعته للناس‪ ،‬معل ًام‬
‫بمظهره وخمربه‪ ،‬وحاله ومقاله‪ ،‬ومجيع أحواله‪ ،‬فتكامل شخصيته الشيفة‬
‫وهديه املنيف‪.‬‬
‫أسلوب معلم للمتعلمني أن يكون كمثاله الشيف َ‬
‫ٌ‬
‫ومن أهم صفات املعلم أن يكون يف ذاته متكامل املحاسن عق ً‬
‫ال‬
‫وفضال‪ ،‬وعل ًام ومح ًة‪ ،‬ومنظر ًا وروا ًء‪ ،‬ولباق ًة ولياق ًة‪ ،‬وحركة وسكنون ًا‪،‬‬
‫وطيب حديث‪ ،‬وكا َء رائحة‪ ،‬ونظافة ثياب‪ ،‬ومجال طلعة‪ ،‬وحسن منطق‬
‫وترصف وإدارة‪.(1)...‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬أفضل وسائل التعلم ‪:‬‬
‫)‪(2‬‬

‫‪.1‬اإلخـالص هلل ‪‬؛ بـأن خيلـص هلـذا العلـم يف الطلـب واإلعطـاء‪،‬‬


‫ويقطع رجاءه من أحد غري اهلل ‪ ‬يف نفعه‪ ،‬قال طاشـكربى زاده (‪« :)3‬ينبغـي‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الرسول املعلم ص‪.216‬‬


‫فصلت الكالم يف هذا املوضوع يف كتاب «ومضان النور يف طلب العلم املربور»‪ ،‬وأقترص هنا‬
‫ُ‬ ‫(‪) 2‬‬

‫عىل ذكر خالصة ذلك‪.‬‬

‫(‪ )3‬يف مفتاح السعادة‪.19-18 :1‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪371‬‬
‫ـم اجلاهـل‪،‬‬ ‫عمل بعلمه هلل ‪ ‬واليوم اآلخر‪ ،‬وأن ُي َع ِّل َ‬
‫أن ينوي يف التعلم أن َي َ‬
‫ويوقظ الغافل‪ ،‬ويرشدَ الغوي‪ ،‬ويؤيدَ َمن ليس بقوي‪ ،‬فـإن الـتعل َم لغـري اهلل‬ ‫َ‬
‫‪ ‬حرا ٌم باطل‪ ،‬وطالب العلم ال للعمل به ضائع؛ إذ نفعه بحسن االهتـداء‬
‫فمن مل يزدد بالعلم ورع ًا وزهـد ًا مل يـزدد مـن اهلل ‪ ‬إال مقتـ ًا‬
‫به يف العبادة‪َ ،‬‬
‫و ُبعد ًا‪ ،‬وقال ُ‬
‫بعض العلامء الصاحلني‪ :‬الكال ُم إذا مل خيرج من القلـب مل يصـل‬
‫إىل القلب»‪.‬‬
‫‪.2‬تزكية النفس عن رذائل األخالق؛ إذ العلـم عبـادة القلـب وصـالة‬
‫الرس وقربـة البـاطن إىل اهلل ‪ ،‬وكـام ال تصـح الصـالة التـي هـي وظيفـة‬
‫اجلوارح إال بتطهري الظاهر عن األحداث واألخباث‪ ،‬فكذلك ال تصح عبادة‬
‫وعامرة القلـب بـالعلم إال بعـد طهارتـه عـن خبائـث األخـالق وأنجـاس‬
‫األوصاف‪ ،‬قال مالك‪« :‬العلم ليس بكثرة الرواية‪ ،‬ولكنه نور جعلـه اهلل ‪‬‬
‫يف القلوب»(‪.)1‬‬
‫‪.3‬أن يكون قصد املتعلم يف احلال حتلية باطنـه ومميلـه بالفضـيلة‪ ،‬ويف‬
‫املآل القرب من اهلل ‪ ‬والرتقي إىل جوار املأل األعىل من املالئكة واملقـربني‪،‬‬
‫وال يقصد به الرئاسة واملال واجلاه ومماراة السفهاء ومباهاة األقران(‪.)2‬‬
‫‪.4‬أن يقلل عالئقه من االشتغال بالدنيا ويبعد عن األهل والوطن‪ ،‬فإن‬
‫العالئق شاغلة وصارفة { َّما َج َع َل اهللَُّ ل َر ُجل ِّمن َقل َبني يف َجوفه}[األحزاب‪:‬‬

‫(‪ )1‬كام يف جامع بيان العلم‪.25 :2‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬اإلحياء‪.66 :1‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪372‬‬
‫‪ ،]4‬ومهام توزعت الفكرة قرصت عن درك احلقائق؛ والفكرة املتوزعـة عـىل‬
‫أمور متفرقة كجدول تفرق ماؤه فنشـفت األرض بعضـه واختطـف اهلـواء‬
‫بعضه فال يبقى منه ما جيتمع ويبلغ الزرع(‪.)1‬‬
‫‪ .5‬ترك الكسل والتشمري لنيل املعايل‪ ،‬وإيثار السهر يف الليايل‪ ،‬وهذا‬
‫أمر ليس باهلني إال للنفوس العظام‪ ،‬وأكثر الناس يف بحور الكسل غـارقون‪،‬‬
‫وعن ضفافه بعيدون‪ ،‬يمنون أنفسهم باألماين الفارغة واألكاذيب املصطنعة‪،‬‬
‫فأعذار وأسباب كسلهم عديدة‪ ،‬كالتسويف فيؤجل كل يشء للمستقبل‪ ،‬فإن‬
‫ذلك ُربام خيرم اآلمال ويمنع األشغال‪ ،‬فالوثوق باملستقبل ال ينبغـي لعاقـل؛‬
‫واإلنسـان ك َّلـام ك َ‬
‫َـرب‬ ‫ُ‬ ‫كل يوم آت بمشاغله فال يؤخر شغل يومه إىل غد‪،‬‬ ‫ألن َّ‬
‫كثرت عوائقه(‪.)2‬‬
‫‪.6‬العزم والثبات عىل التع ُّلم إىل آخر العمر‪ ،‬كام قيل ‪« :‬الطلب مـن‬
‫فمن َق َصدَ‬
‫املهد إىل اللحد»‪ .‬ومن كالم الشافعي ‪« :‬صناعتنا هذه رق األبد َ‬
‫أن يرتكَها ساعة فليرتك الساعة»‪ .‬وقال ‪ ‬حلبيبه ‪َ { :‬و ُقل َّر ِّب زدين عل ًام}‬
‫[طه‪ ،]114 :‬وقال ‪َ { :‬و َفو َق ُك ِّل ذي علم َعليم}[يوسف‪ .]76 :‬وسـئل‬
‫ابن املبارك ‪ :‬إىل متى تتعلم؟ قال‪« :‬لعل الكلمة التي أنتفع هبـا مل َأسـمعها‬
‫بعد»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬اإلحياء‪.63 :1‬‬


‫(‪)2‬الكشف‪ ،43،46 :1‬واملفتاح‪ ،20 :1‬والفوائد املكية ص‪.6‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬املفتاح‪.23 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪373‬‬
‫ُ‬
‫‪.‬استغالل أوقاته يف العلم درس ًا وتدريس ًا ومطالعة وتأليف ًا‪ ،‬فيرصف‬ ‫‪7‬‬
‫األوقات إىل التحصيل‪ :‬أنه إذا َم َّل من علم اشتغل بآخر(‪.)1‬‬
‫‪.8‬برجمة أوقاته اليومية واألسبوعية والشهرية والسنوية يف طلب العلم؛‬
‫فعىل حسب حاجته للعلوم واملعارف احلياتية له‪.‬‬
‫‪.9‬االهتامم بالعلم واحلرص عليه واحلب له‪ ،‬فينبغي للطالب أن يكـون‬
‫ُمهت ًام َّ‬
‫كل االهتامم بالعلم‪ ،‬و ُمعتني ًا متام العناية به‪ ،‬فبقدر اهتاممه وعنايته بالعلم‬
‫يبلغ به إىل أرقى الدرجات وأعالها‪ ،‬وقد ُسئ َل أحـدُ العلـامء أو احلكـامء مـا‬
‫السبب الذي ُينال به العلم‪ ،‬قال‪« :‬باحلرص عليه ُيتَّبع‪ ،‬وباحلـب لـه ُيسـتمع‪،‬‬
‫وبالفراغ له َجيتمع»(‪.)2‬‬
‫‪.10‬اجلدُّ واهلمة‪ ،‬فإن اإلنسان يطري هبام إىل شـواهق الكـامالت‪ ،‬وأن ال‬
‫لكل يوم مشاغل(‪.)3‬‬‫شغل يوم إىل غد‪ ،‬فإن ِّ‬ ‫يؤخر َ‬
‫‪.11‬اختيار معلم ناصح‪ ،‬نقي احلسب‪ ،‬كريم العرق‪ ،‬ال يالبـس الـدنيا‬
‫يسافر يف طلب هذا األسـتاذ إىل‬
‫َ‬ ‫بحيث تشغله عن دينه‪ ،‬وإن اقتىض األمر أن‬
‫أقىص البالد‪ ،‬قال حممد بن سلمة ‪« :‬أول ما ُيذكر من املرء أستاذه فإن كان‬
‫ال َج َّل قدره»(‪.)4‬‬
‫جلي ً‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬املفتاح‪ ،23 :1‬والكشف‪.46 :1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬جامع بيان العلم‪.102 :1‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الكشف‪.48 :1‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬املفتاح‪.24 :1‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪374‬‬
‫‪.‬تسليم أمره وتفويضه ألستاذه يف بيان طريق العلم؛ فـإذا ُوجـدَ مـا‬
‫ُ‬ ‫‪12‬‬
‫وصفناه‪ ،‬فعليه أن يلقي إليه زمام أمـره يف تفصـيل طريـق التعلـيم‪ ،‬ويـذعن‬
‫يتكرب‬
‫َ‬ ‫لنصحه إذعان املريض للطبيب‪ ،‬وال يستبد لنفسه اتكاالً عىل ذهنه‪ ،‬وال‬
‫عليه وعىل العلم وال يستنكف‪ ،‬قال األصـعمي‪َ « :‬مـن مل حيتمـل ذل الـتعلم‬
‫ً (‪)2( )1‬‬
‫ساعة بقي يف ذل اجلهل أبدا» ‪.‬‬
‫‪.13‬اإلصغاء إىل كالم األستاذ بالتدبر‪ ،‬والتغافل عن أقوال الرشكاء إال‬
‫عند احلاجة‪ ،‬وإذا تكلم يوجز‪ ،‬وإذا متت احلاجة يسكت‪ ،‬فهـذا هـو الطالـب‬
‫الذكي‪ ،‬بخالف احلمقاء من الطلبة؛ إذ ينقسمون إىل سكيت‪ ،‬وهو أهون عىل‬
‫األستاذ‪ ،‬وإىل مكثار يتكلم مع األستاذ‪ ،‬وجيـاوب الشـكاء‪ ،‬ويعـرتض عـىل‬
‫كالمهم قبل فهم مرادهم‪ ،‬ويـتكلم بالظـاهر البـني‪ ،‬وقـد يـتكلم بكـالم إذا‬
‫استفرسته عن مراده به يتحـري وال يـدري مـا يقـول‪ ،‬فمثـل ذلـك الطالـب‬
‫يغضب املعلم احلليم‪ ،‬وهيلك املعلم الغضوب‪ ،‬ويطفئ حدة أذهان رشكائه‪،‬‬
‫فعىل األستاذ أن يسكته فإن مل يسكت يطرده عن جملس الـدرس‪ ،‬وإنـام يريـد‬
‫احلمقاء بذلك إظهار الذكاء(‪.)3‬‬
‫‪.14‬أن يتعلم من كل صغري وكبري‪ ،‬وغنـي وفقـري‪ ،‬وال يسـتنكف مـن‬
‫اقتباس اخلري ممن هو أدنى منه حاالً‪ ،‬فإن احلكم َة ضالة املؤمن حيث وجـدها‬
‫فالعلم سبب النجاة عن سبع اجلهل‪ ،‬و َمن يطلب مهرب ًا مـن‬
‫ُ‬ ‫أخذها وقيدها‪،‬‬

‫(‪ )1‬يف املدخل إىل السنن الكربى‪.307 :1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬املفتاح‪ ،24 :1‬والكشف‪.47 :1‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الرتتيب ص‪.201‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪375‬‬
‫رشيف أو خامل‪ ،‬فكذا ينبغي‬
‫ٌ‬ ‫َس ُبع يفرتسه ال يفرق بني أن يرشدَ ه إىل املهرب‬
‫للطالب اهلارب عن َس ُبع اجلهل أن ال ُي َف ِّرق بينهام(‪ ،)1‬فعن أيب هريرة ‪ ‬قـال‬
‫‪« : ‬الكلمة احلكمة ضالة املؤمن فحيث وجدها فهو أحق هبا»(‪.)2‬‬
‫‪.15‬عدم قطع جمالس العلم والتفريق الطويل بينهام ‪ ،‬فينبغي لطالب‬
‫العلم من أولويات‪ ،‬وأوهلا جمالسة العلامء واحلرص عىل دروسهم‪ ،‬فال ينبغي‬
‫أن يقطعها ألي سبب؛ ألنه إن فعل ذلـك ضـاع عنـه خـري ذلـك املجلـس‪،‬‬
‫وانقطع مـن قلبـه حرمـة القطـع‪ ،‬فـال يـأمن يف حلظـة مـن تركـه واعتزالـه‬
‫باالستسالم لنفسه‪ ،‬وهذا مـن أخطـر مـا حيـرم الطالـب مـن االسـتمرار يف‬
‫اإلفادة‪.‬‬
‫‪.16‬االعتامد عىل التلقني واإلكثار من املشايخ؛ فإن بكثرة املشايخ تتنوع‬
‫الطرق واألساليب والفوائد والشوارد لدى الطالب‪ ،‬قال ابن خلدون(‪« :)3‬إن‬
‫الرحلة يف طلب العلوم ولقاء املشـيخة مزيـد كـامل يف التعلـيم‪ ،‬والسـبب يف‬
‫البش يأخذون معارفهم وأخالقهم ومـا يتح َّلـون بـه مـن املـذاهب‬
‫َ‬ ‫ذلك أن‬
‫والفضائل‪ :‬تارة عل ًام وتعلي ًام وإلقا ًء‪ ،‬وتارة حماكا ًة وتلقين ًا باملبارشة»‪.‬‬
‫‪.17‬أن يبتعدَ يف بداية دراسته من االطالع عىل اختالف األقوال واآلراء‬
‫يف املسائل؛ ال سيام يف العلوم الفقهية بأن يدرس أكثر من مذهب مرة واحدة‪،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح رشعة اإلسالم ص‪.45‬‬


‫(‪ )2‬يف سنن الرتمذي‪ ،51 :5‬وسنن ابن ماجة ‪.1395 :2‬‬
‫(‪ )3‬يف مقدمته ص‪.399‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪376‬‬
‫فإنه يشتت الذهن ويبعثر اخلاطر‪ ،‬ويربك الطالب‪ ،‬ويضعف التقوى بتناقض‬
‫األقوال؛ ال سيام ممـن يـرجح وجيتهـد بـني آراء املجتهـد رغـم أنـه ال يفهـم‬
‫عباراهتم‪ ،‬وال يدرك مراميهم‪ ،‬ومل يدرس ومل يتعلم عىل طـرقهم وأسـاتذهتم‬
‫مرجح‪ ،‬وجيتهد يف غري حمل االجتهاد‪ ،‬فالويل كل الويل َملـن‬
‫فريجح من غري ِّ‬
‫ِّ‬
‫كان حاله هكذا‪.‬‬
‫‪.18‬التدرج يف قراءة العلم من االبتداء إىل التوسط إىل االنتهاء وهكذا‪،‬‬
‫فكام ال جيـوز عـرض اخـتالف املـذهب للمبتـدئني حتـى يضـبطوا العلـوم‬
‫ويتمكنوا من أصوهلا وضوابطها‪ ،‬فينبغي أيض ًا التدرج معهم يف مسـائل كـل‬
‫علم‪ ،‬فينتقل معهم من مرحلة إىل أخرى عىل حسب ما يقتضيه احلال(‪.)1‬‬
‫‪.19‬أن العلو َم اآللية ال توسع فيها األنظار؛ وذلك ألن العلو َم املتداولة‬
‫عىل صنفني‪ :‬علو ٌم مقصودة بالذات‪ :‬كالشعيات واحلكميات‪ .‬وعلو ٌم هـي‬
‫آلة ووسيلة هلذه العلوم كالعربية واملنطق‪.‬وأما املقاصد‪ :‬فال حرج يف توسـعة‬
‫الكالم فيها وتفريع املسائل واستكشاف األدلة‪ ،‬فإن ذلك يزيد طالبهـا َمتَكنـ ًا‬
‫يف ملكته‪.)2( .‬‬
‫‪.20‬ضبط ما قرأه مستوعب ًا ملسائله من مبادئه إىل هنايته بتفهم واستثبات‬
‫كل علم يوجد كتـب معتمـد ٌة‬ ‫باحلجج‪ ،‬وأن يقصدَ فيه الكتب اجليدة(‪ ،)3‬ففي ِّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ترتيب العلوم ص‪.197‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الكشف ‪.50 :1‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الكشف ‪.48 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪377‬‬
‫وغري معتمدة‪ ،‬فال ُبد يف بداية َأمره مـن قـراءة الكتـب املعتمـدة ومراجعتهـا‬
‫ُ‬
‫ليتمكن من الضبط الصحيح ملسائله وضوابطه‪.‬‬
‫‪ .21‬أن ال يدع فن ًا من فنون العلم إال وينظر فيه نظر ًا يطلع به عىل غايته‬
‫ومقصده وطريقته‪ ،‬فعلمه بغاية العلم جيعله عىل ثقة من أمره‪.‬‬
‫‪.22‬مراعاة مراتب العلوم يف القرب والبعد من املقصد‪ ،‬فلكل منها رتبة‬
‫جيب رعايتها يف التحصيل؛ إذ البعض طريق إىل البعض‪ ،‬ولكل علـم حـد ال‬
‫يتعداه فعليه أن يعرفه فال يتجاوز ذلك احلد فمثالً‪ :‬ال يقصد إقامـة الرباهـني‬
‫يف النحو وال يطلب‪ ،‬وأيض ًا‪ :‬ال يقرص عن حده كأن يقنـع باجلـدل يف اهليئـة‪،‬‬
‫وأن يعرف أيض ًا‪ :‬أن مالك األمر يف املعاين هو الذوق وإقامـة الربهـان عليـه‬
‫نفسه‪.‬‬
‫ب َ‬‫الربهان عليه َأت َع َ‬
‫خارج عن الطوق َو َمن طلب ُ‬
‫فن حتى يستويف الفـن الـذي قبلـه؛ فـإن العلـو َم‬
‫‪.23‬أن ال خيوض يف ٍّ‬
‫واملوفـق َمـن راعـى ذلـك‬
‫ُ‬ ‫مرتبة ترتيب ًا رضوري ًا وبعضها طريـق إىل بعـض‪،‬‬
‫الرتقـي إىل مـا هـو‬
‫َ‬ ‫الرتتيب والتدريج؛ وليكن قصـده يف ِّ‬
‫كـل علـم يتحـراه‬
‫فوقه(‪.)1‬‬
‫‪ .24‬طلب تشحيذ اخلاطر‪ ،‬وحتصيل ملكة املطالعة بالتحضري للدرس‪،‬‬
‫كثري من الطلبة إذ ال ُبدَّ أن يكون لديه تصور كامـل عـن‬
‫وهذا أمر يغفل عنه ٌ‬
‫املسائل قبل دراستها عىل األسـتاذ‪ ،‬واألفضـل أن يسـعى لضـبطها وفهمهـا‬
‫والتمكن منها قبل الدرس‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬اإلحياء‪.66 :1‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪378‬‬
‫‪.25‬مراجعة درسه وضبطه ومتكينه يف نفسه؛ فكام ينبغي عـىل الطالـب‬
‫التحضري باآللية السابقة‪ ،‬كذلك ينبغي عليه مراجعته وضبط مسائله والتأكد‬
‫من فهمه الصحيح له‪ ،‬فإن استشـكل شـيئ ًا سـأل عنـه األسـتاذ‪ ،‬فالتحضـري‬
‫والتيقظ واالنتباه للدرس واملراجعـة لـه هـي األطـراف الثالثـة َملـن أراد أن‬
‫يستفيدَ من جمالس أستاذه ويتمكن من العلم الذي يدرسه‪ ،‬قال الريايش‪ :‬قيل‬
‫لألصمعي‪(( :‬كيف حفظت ونيس أصحابك؟ قال‪ :‬درست وتركوا))(‪.)1‬‬
‫ومناظرهتم؛ ملا قيل‪ :‬العلم غرس ومـاؤه درس‬
‫ُ‬ ‫‪.26‬املذاكر ُة مع األقران‬
‫لكن طلب ًا للثواب وإظهارا للصواب‪ ،‬وقيل ‪ :‬مطارحة ساعة خري من تكـرار‬
‫شهر‪ ،‬ولكن مع منصف سليم الطبع‪ ،‬وينبغي للطالـب أن يكـون متـأم ً‬
‫ال يف‬
‫مجيع األوقات يف دقائق العلم‪ ،‬ويعتاد ذلك‪ ،‬فإنام تدرك بالتأمـل‪ ،‬خصوصـ ًا‬
‫قبل الكالم فإنه كالسهم فال ُبد من تقويمه بالتأمل َأوالً(‪.)2‬‬
‫‪.27‬تدريس ما درسه‪ ،‬وتعليم ما تعلمـه‪ ،‬فتـدريس العلـم مـن أعظـم‬
‫الوسائل يف ترسيخ العلم يف نفس صاحبه‪ ،‬ومتكينها من ضبطه‪ ،‬وفيـه إعانـة‬
‫عىل نفسه بالتحضري واإلعداد ملا سـيلقيه عـىل َمـن يدرسـهم‪ ،‬وملكانـة هـذا‬
‫املنهج‪ ،‬فإنه متبع يف أكثر املدارس العريقة يف تدريس العلوم عند علامئنـا كـام‬
‫هو مشهور‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬جامع بيان العلم ‪.103 :1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الكشف‪ ،48 :1‬واملفتاح‪.35-34 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪379‬‬
‫َ‬
‫يبخـل مطلقـ ًا‬ ‫‪.28‬اإلنفاق عىل التعلم والكتب؛ فينبغي للطالـب أن ال‬
‫عىل رشاء الكتب واقتنائها‪ ،‬وال يعتمد يف مطالعته عىل االستعارة واملكتبـات‬
‫العامة‪ ،‬فإنه يقرأ الفائدة يف الكتاب ويؤرش عليها إن كان يف ملكه‪ ،‬ويسـتطيع‬
‫أن يعو َد إليها ويراجعها كلام احتاجها‪ ،‬يف حني إن مل يكن الكتاب لـه فكيـف‬
‫يؤرش؟ ويصعب الرجوع إليه عند احلاجة واالستفادة منه عند الطلب‪ ،‬فكأنه‬
‫مل يطالع ومل خيرج الفوائد والدرر (‪.)1‬‬
‫‪.29‬االهتامم بمطالعة سري وأخبار العلامء السابقني؛ فإهنا تنقل قارئها‬
‫من عامله إىل عاملهم‪ ،‬وتبث يف نفسه اهلمة العالية واجلد يف السري عىل طريقهم‪،‬‬
‫َ‬
‫اإلنسـان يتـأثر‬ ‫وحماكاهتم يف طلبهم ودراستهم وتدريسـهم وسـهرهم‪ ،‬فـإن‬
‫بالعمل أكثر من الكالم‪ ،‬وهؤالء القوم أحق َمن يقتدى هبـم؛ ألهنـم طليعـة‬
‫هذه األمة ونقلة هذا الدين‪ ،‬وهم النموذج احلي ملا كان عليه رسول اهلل ‪.‬‬
‫‪.30‬حتقيق الكتب العلمية فيام ختصص من علم؛ وذلك بجمـع بعـض‬
‫خمطوطات كتاب يف علم درسه وتعلمه‪ ،‬وطباعته ومقابلة نسخه‪ ،‬وضبط مـا‬
‫ُيشكل منه‪ ،‬وترقيمه وتقطيع فقراته‪ ،‬وختـريج أحاديثـه‪ ،‬وعـزو نصوصـه إىل‬
‫مظاهنا‪ ،‬والتعليق عليه بام تيرس خدمة له وهلذا العلم‪.‬‬
‫‪.31‬التخصص بأحد علامء أهل السنة الكبار؛ بأن يعمل دراسة علميـة‬
‫وافية عن حياتـه العلميـة احلافلـة‪ ،‬وجيمـع مؤلفاتـه املطبوعـة واملخطوطـة‪،‬‬
‫و َينكَب عىل دراستها وطباعتها وحتقيقها وخدمتها فيام تيرس له من أوقات‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬جامع بيان العلم‪.103 :1‬‬


‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪380‬‬
‫‪.32‬االعتناء باألبحاث العلمية الرصينة؛ بأن جيمع كل ما قيل و ُذك َر يف‬
‫مسألة علمية وحيررها ويبينها ويفصـلها بـام يزيـل الغمـوض عنهـا‪ ،‬ويرفـع‬
‫االلتباس‪ ،‬وهذا يتطلب منه مراجعة العديد من الكتب‪ ،‬واالطـالع عـىل مـا‬
‫فيها من االختالف بني العلامء‪ ،‬والـتمكن مـن إخـراج الـدقائق مـن بطـون‬
‫املؤلفات‪ ،‬وكل هذا يفتح أذهان الطالب‪ ،‬ويوسع صدره‪ ،‬ويصقل شخصيته‬
‫العلمية باملوضوعية‪ ،‬وخيرج التعصب من قلبـه‪ ،‬ويزيـد يف مكانـة العلـامء يف‬
‫نفسه‪.‬‬
‫‪.33‬االهتامم بدراسة وضبط ما يلزمه من التكنولوجيا العَّصية؛ ال سيام‬
‫بالتعرف عىل الكمبيـوتر والـربامج التـي تفيـد جمالـه وختصصـه‪ ،‬ويف علـم‬
‫الشيعة عليه أن يعتني بضبط برنامج الورد‪ ،‬وإتقـان الطباعـة عليـه؛ لكثـرة‬
‫حاجته لذلك‪ ،‬كام يتعرف عىل كل املوسوعات واملكتبات االلكرتوينـة التـي‬
‫تصدر أوالً بأول ملا فيها من العلم الكثري‪.‬‬
‫‪.34‬الزواج ممن يطلب العلم ويرغب فيه؛ إذ بكثرة التوافـق واالهـتامم‬
‫فزواج طالب العلـم مـن طالبـة‬
‫ُ‬ ‫بني الزوج والزوجة يسعد كل منها باآلخر‪،‬‬
‫علم يعينه عىل مواصلة طريقه يف الطلب؛ لعدم وجود َمن يرصفه عن ذلـك‪،‬‬
‫وترفع من مهتـه‪ ،‬وتطـالع املسـائل‬
‫ُ‬ ‫تقاعس‪،‬‬
‫َ‬ ‫بل إن زوجته ستشجعه عليه إن‬
‫معه‪ ،‬وتناقشه فيها‪ ،‬وبذلك تتوفر له بيئة علمية رائقة يف بيته وبني أوالده‪.‬‬

‫‪‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪381‬‬

‫املراجع‪:‬‬
‫‪ .1‬األحاديث املختارة‪ :‬ملحمد بن عبد الواحد املقديس(‪643-567‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد‬
‫امللك عبد اهلل‪ ،‬مكتبة النهضة احلديثة‪ ،‬مكة املكرمة‪ ،‬ط‪1410 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .2‬أحكام القرآن‪ :‬ألمحد بن عيل الرازي اجلصاص (‪370-305‬هـ)‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ .3‬إحياء علوم الدين‪ :‬أليب حامد حممد بن حممد بن حممد الغزال (‪505-450‬هـ)‪ ،‬دار‬
‫إحياء الكتب العربية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ .4‬االختيار لتعليل املختار‪ :‬لعبد اهلل بن حممود املوصيل (ت‪683‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬زهري‬
‫عثامن‪ ،‬دار األرقم‪ ،‬بدون تاريخ طبع‪.‬‬
‫‪ .5‬أدب الدنيا والدين‪ :‬لعيل بن حممد بن حممد البرصي البغدادي‪ ،‬الشهري باملاوردي‬
‫(ت‪450‬هـ)‪ ،‬دار مكتبة احلياة‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .6‬األذكار‪ :‬أليب زكريا حميي الدين حييى بن رشف الن ََّووي َّ‬
‫الشافعي(‪676-631‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬يوسف بديوي‪ ،‬دار ابن كثري‪ ،‬ط‪1421 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .7‬إرواء الظامن يف اختصار مناهل العرفان يف علوم القرآن للرزقاين‪ ،‬لألستاذ الدكتور‬
‫صالح أبو احلاج‪ ،‬دار الفاروق‪ ،‬عامن‪ ،‬ط‪2019 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .8‬األشباه والنظائر‪ :‬إلبراهيم ابن نجيم املرصي زين الدين (ت‪970‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد‬
‫مطيع احلافظ‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪1403 ،2‬هـ‪ ،‬وأيض ًا‪ :‬طبعة دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بريوت‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .9‬إعالء السنن‪ :‬لظفر أمحد العثامين التهانوي (‪1394-1310‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حازم‬
‫القايض‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1997 ،1‬م‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪382‬‬
‫‪ .10‬إكفار امللحدين يف رضوريات الدِّ ين‪ :‬ملحمد أنور شاه بن معظم شاه الكشمريي‬
‫اهلندي (ت‪1353‬هـ)‪ ،‬املجلس العلمي‪ ،‬باكستان‪ ،‬ط‪ 1424 ،3‬هـ ‪2004 -‬م‪.‬‬
‫‪ .11‬البحر الرائق رشح كَنز الدقائق‪ :‬إلبراهيم ابن نجيم املرصي زين الدين‬
‫(ت‪970‬هـ)‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬بدون تاريخ طبع‪.‬‬
‫‪ .12‬بداية اهلداية‪ :‬ملحمد بن حممد الغزال الطويس (ت ‪505‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬د‪.‬حممد زينهم‪،‬‬
‫مكتبة مدبول‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ 1413 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .13‬بدائع الصنائع يف ترتيب الشائع‪ :‬أليب بكر بن مسعود الكاساين (ت‪587‬هـ)‪ ،‬دار‬
‫الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪ .‬ط‪1402 ،2‬هـ‪ ،‬وأيض ًا‪ :‬طبعة دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪ .14‬بريقة حممودية يف رشح طريقة حممدية‪ :‬أليب سعيد اخلادمي‪ ،‬دار إحياء الكتب‬
‫العربية‪.‬‬
‫‪ .15‬البناية يف رشح اهلداية‪ :‬أليب حممد حممود بن أمحد ال َعيني بدر الدين (‪-762‬‬
‫‪855‬هـ)‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1980 ،1‬مـ‪.‬‬
‫‪ .16‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ :‬للسيد حممد مرتىض الز َبيدي (ت‪1205‬هـ)‪،‬‬
‫طبعة الكويت‪.‬‬
‫‪ .17‬التبيان يف آداب محلة القرآن‪ :‬أليب زكريا حميي الدين حييى بن رشف الن ََّووي‬
‫َّ‬
‫الشافعي(‪676-631‬هـ)‪ ،‬الوكالة العامة للتوزيع‪ ،‬دمشق ‪ ،‬ط‪1403 ،1‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .18‬تبيني احلقائق رشح كَنز الدقائق‪ :‬لعثامن بن عيل الزيلعي فخر الدين (ت‪743‬هـ)‪،‬‬
‫املطبعة األمريية‪ ،‬مرص‪ ،‬ط‪1313 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .19‬حتفة امللوك‪ :‬ملحمد بن أيب بكر الرازي (ت‪666‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬الدكتور صالح أبو‬
‫احلاج‪ ،‬دار الفاروق‪ ،‬عامن‪ ،‬ط‪2006 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .20‬التحقيق يف أحاديث اخلالف‪ :‬لعبد الرمحن بن عيل اجلوزي (‪597-508‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬مسعد السعدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1415 ،1‬هـ‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪383‬‬
‫‪ .21‬ترتيب العلوم‪ :‬ملحمد بن أيب بكر املرعيش ساجقيل زاده (ت‪1145‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫حممد بن اسامعيل السيد أمحد‪ ،‬دار البشائر اإلسالمية‪ ،‬ط‪1408 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .22‬الرتغيب والرتهيب‪ :‬لعبد العظيم املنذري (ت‪656‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬إبراهيم شمس‬
‫الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1417 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .23‬تسلية أهل املصائب‪ :‬ملحمد بن حممد بن حممد‪ ،‬شمس الدين املنبجي (ت‪:‬‬
‫‪785‬هـ)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬ط‪ 1426 ،2‬هـ ‪2005 -‬م‪.‬‬
‫‪ .24‬تفسري أبو السعود (إرشاد العقل السليم إىل مزايا القرآن الكريم)‪ :‬أليب السعود حممد‬
‫بن حممد العامدي (ت‪951‬هـ)‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .25‬تكملة فتح امللهم بشح صحيح اإلمام مسلم‪ :‬ملحمد تقي العثامين‪ ،‬مكتبة دار العلوم‬
‫كراتيش‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .26‬تنوير األبصار وجامع البحار‪ :‬ملحمد بن عبد اهلل اخلطيب الت ُمرتايش ال َغ َّزي احلَنَفي‬
‫(ت‪1004‬هـ)‪ ،‬مطبعة الرتقي بحارة الكفارة‪1332 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .27‬هتذيب اآلثار وتفصيل الثابت عن رسول اهلل من األخبار‪ :‬أليب جعفر حممد بن جرير‬
‫بن يزيد بن كثري بن غالب اآلميل الطربي (ت‪310‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممود حممد شاكر‪،‬‬
‫مطبعة املدين‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ .28‬التيسري رشح اجلامع الصغري لعبد الرؤوف بن تاج العارفني املناوي‪،‬‬
‫(ت‪1031‬هـ)‪ ،‬مكتبة اإلمام الشافعي‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1408 ،3‬هـ‪.‬‬
‫‪ .29‬جامع العلوم واحلكم‪ :‬أليب الفرج عبد الرمحن بن أمحد بن رجب احلنبيل‪ ،‬دار‬
‫املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1408 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .30‬اجلوهر الكيل رشح عمدة املصيل‪ :‬لعبد الغني بن إسامعيل النابليس احلنفي‬
‫(ت‪1143‬هـ)‪ ،‬من مصورات خمطوطات مكتبتي عن دار صدام‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪384‬‬
‫‪ .31‬اجلوهرة النرية رشح خمترص القدوري‪ :‬أليب بكر بن عيل بن حممد احلَدَّ ادي (‪-720‬‬
‫‪800‬هـ)‪ ،‬املطبعة اخلريية‪ ،‬ط‪1322 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .32‬حاشية الشلبي عىل تبيني احلقائق‪ :‬أليب العباس أمحد بن يونس بن حممد احلنفي‬
‫املعروف بـ(ابن الشلبي)(ت ‪947‬هـ)‪ ،‬مطبوعة هبامش تبيني احلقائق‪ ،‬املطبعة‬
‫األمريية بمرص‪ ،‬ط‪1313 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .33‬حاشية ال َّطح َطاوي عىل مراقي الفالح‪ :‬ألمحد بن حممد ال َّطح َطاوي احلنفي‬
‫(ت‪1231‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عبد العزيز اخلالدي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ .34‬حسن السمت يف الصمت‪ :‬لعبد الرمحن بن أيب بكر السيوطي (ت‪911‬هـ)‪ ،‬ت‪:‬‬
‫أمحد حممد سليامن‪ ،‬دار العلم واإليامن للنش والتوزيع‪ ،‬مرص‪ 2010 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .35‬الدر املختار رشح تنوير األبصار‪ :‬ملحمد بن عيل بن حممد احلصكفي احلنفي‬
‫(ت‪1088‬هـ)‪ ،‬مطبوع يف حاشية َرد املُحتَار‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .36‬درر احلكام رشح غرر األحكام‪ :‬ملحمد بن فرا ُموز بن عيل احلنفي املعروف بـ( ُمال‬
‫خرسو)(ت‪885‬هـ)‪ ،‬الشكة الصحفية العثامنية‪1310 ،‬هـ‪ ،‬وأيض ًا‪ :‬طبعة در‬
‫سعادت‪1308 ،‬هـ‪ .‬وأيض ًا‪ :‬دار إحياء الكتب العربية‬
‫‪ .37‬الذريعة إىل مكارم الشيعة‪ :‬أليب القاسم احلسني بن حممد املعروف بالراغب‬
‫األصفهانى (املتوىف‪502 :‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬د‪ .‬أبو اليزيد أبو زيد العجمي‪ ،‬دار النش‪ :‬دار‬
‫السالم – القاهرة‪ 1428 ،‬هـ ‪2007 -‬م‪.‬‬
‫‪ .38‬ذم الغيبة والنميمة البن أيب الدنيا‪.‬‬
‫‪ .39‬رد املحتار عىل الدر املختار‪ :‬ملحمد أمني بن عمر ابن عابدين احلنفي (‪-1198‬‬
‫‪1252‬هـ)‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪385‬‬
‫‪ .40‬رسائل اإلمام الغزال‪ :‬أليب حامد حممد بن حممد الغزال الطويس (ت‪505 :‬هـ)‪،‬‬
‫حمققة مصححة بإرشاف مكتب الدراسات‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1416 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .41‬الرسول املعلم وأساليب تعليمه ‪ :‬لعبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬مكتب املطبوعات‬
‫بحلب‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ .42‬روضة الطالبني وعمدة املفتني‪ :‬أليب زكريا حميي الدين حييى بن رشف الن ََّووي‬
‫َّ‬
‫الشافعي (‪676-631‬هـ)‪ ،‬ط‪1405 ،2‬هـ‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .43‬سند سعد بن أيب وقاص‪ :‬ألمحد بن إبراهيم بن كثري الدَّ و َرقي (ت‪246‬هـ)‪ ،‬ت‪:‬‬
‫عامر حسن صربي‪ ،‬دار البشائر اإلسالمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1407 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .44‬سنن ابن ماجه‪ :‬ملحمد بن يزيد بن ماجه القزويني (‪273-207‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد‬
‫فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .45‬سنن أيب داود‪ :‬لسليامن بن أشعث السجستاين (‪275-202‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد حميي‬
‫الدين عبد احلميد‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .46‬سنن البَي َهقي الكبري‪ :‬ألمحد بن احلسني بن عيل ال َبي َهقي (ت‪458‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد‬
‫عبد القادر عطا‪ ،‬مكتبة دار الباز‪ ،‬مكة املكرمة‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .47‬سنن الرتمذي‪ :‬ملحمد بن عيسى الرتمذي (‪279-209‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد شاكر‬
‫وآخرون‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .48‬سنن الدارمي‪ :‬لعبد اهلل بن عبد الرمحن أيب حممد الدارمي (ت‪255‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬فواز‬
‫أمحد وخالد العلمي‪ ،‬ط‪1407 ،1‬هـ‪ ،‬دار الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .49‬السنن الصغرى‪ :‬ألمحد بن حسني البيهقي(ت‪458‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬الدكتور حممد ضياء‬
‫الرمحن األعظمي‪ ،‬مكتبة الدار‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬ط‪1410 ،1‬هـ‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪386‬‬
‫‪ .50‬سنن الن ََّسائي الكربى‪ :‬ألمحد بن شعيب الن ََّسائي (ت‪303‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬الدكتور عبد‬
‫الغفار البنداوي وسيد كرسوي حسن‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1411‬هـ‪.‬‬
‫‪ .51‬رشح ابن ملك عىل التحفة‪ :‬ملحمد بن عبد اللطيف ابن ملك الكر َماين تويف بعد‬
‫(‪806‬هـ)‪.‬‬
‫‪ .52‬رشح السنة‪ :‬حلسني بن مسعود البغوي (ت ‪516‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬شعيب األرنؤوط‪،‬‬
‫املكتب اإلسالمي‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪1403 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ .53‬شعب اإليامن‪ :‬أليب بكر أمحد بن احلسن البيهقي (‪458-384‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد‬
‫بسيوين زغلول‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1410 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .54‬صحيح ابن ح َّبان برتتيب ابن بلبان‪ :‬ملحمد بن ح َّبان التميمي (‪354‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫شعيب األرناؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1414 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ .55‬صحيح ابن خزيمة‪ :‬ملحمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي (ت‪311‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫الدكتور حممد مصطفى األعظمي‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪1390 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .56‬صحيح البخاري‪ :‬أليب عبد اهلل حممد بن إسامعيل اجلعفي ال ُب َخاري (‪-194‬‬
‫‪256‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬الدكتور مصطفى البغا‪ ،‬دار ابن كثري والياممة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪1407‬هـ‪.‬‬
‫‪ .57‬صحيح مسلم‪ :‬ملسلم بن احلجاج ال ُق َشريي النَّي َسابوري (ت‪261‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد‬
‫فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .58‬طريقة حممدية‪ :‬للربكوي‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية‪.‬‬
‫‪ .59‬العناية عىل اهلداية‪ :‬ألكمل الدين حممد بن حممد الرومي ال َبا َبريت (ت‪786‬هـ)‪،‬‬
‫هبامش فتح القدير للعاجز الفقري ‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪387‬‬
‫‪ .60‬الفتاوي اهلندية‪ :‬للشيخ نظام الدين الربهانفوري‪ ،‬والقايض حممد حسني‬
‫اجلونفوري‪ ،‬والشيخ عيل أكرب احلسيني‪ ،‬والشيخ حامد بن أيب احلامد اجلونفوري‪،‬‬
‫وغريهم‪ ،‬املطبعة األمريية ببوالق‪1310 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .61‬فتح القدير للعاجز الفقري عىل اهلداية‪ :‬ملحمد بن عبد الواحد بن عبد احلميد‬
‫السكندري السيوايس كامل الدين الشهري بـ(ابن اهلامم)(‪861-790‬هـ)‪ ،‬دار إحياء‬
‫الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬وأيض ًا‪ :‬طبعة دار الفكر‪.‬‬
‫‪ .62‬فتح باب العناية بشح النقاية‪ :‬أليب احلسن عيل بن سلطان حممد القاري اهلروي‬
‫(‪114-930‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد نزار وهيثم نزار‪ ،‬دار األرقم‪ ،‬ط‪1418 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .63‬الفردوس بمأثور اخلطاب‪ :‬لشريويه بن شهردار الديلمي (‪ ،)509-445‬حتقيق‪:‬‬
‫سعيد بن بسيوين زغلول‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1986 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .64‬الفصل يف امللل واألهواء والنحل‪ :‬لعيل بن حز الظاهري (ت‪456‬هـ)‪ ،‬أوفست‬
‫مطبعة املثنى‪ ،‬بغداد‪.‬‬
‫‪ .65‬الفوائد املكية فيام حيتاج طلبة الشافعية من املسائل والضوابط والقواعد الكلية‪:‬‬
‫للسيد علوي بن حممد السقاف‪ ،‬طبعة مصطفى احللبي‪.‬‬
‫‪ .66‬فيض القدير رشح اجلامع الصغري‪ :‬لعبد الرؤوف املناوي‪ ،‬املكتبة التجارية الكربى‪،‬‬
‫مرص‪ ،‬ط‪1356 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .67‬القاموس املحيط والقابوس الوسيط اجلامع ملا ذهب من كالم العرب شامطيط‪ :‬أليب‬
‫طاهر حممد بن يعقوب الفريوزآبادي جمد الدين (ت‪817‬هـ)‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫ط‪1407 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ .68‬قوت القلوب يف معاملة املحبوب ووصف طريق املريد إىل مقام التوحيد‪ :‬ملحمد بن‬
‫عيل بن عطية احلارثي‪ ،‬أبو طالب املكي (ت‪386 :‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬د‪ .‬عاصم إبراهيم‬
‫الكيال‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ 1426 ،2‬هـ ‪ 2005-‬م‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪388‬‬
‫‪ .69‬كشف اخلفاء ومزيل اإللباس عام اشتهر من األحاديث‪ :‬إلسامعيل بن حممد‬
‫العجلوين (ت‪1162‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد القالش‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،4‬‬
‫‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ .70‬كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون‪ :‬ملصطفى بن عبد اهلل القسطنطيني احلنفي‬
‫(‪ ،)1067-1017‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ .71‬كشف العناء عن وصف الغناء‪ :‬ملحمد شفيع العثامين‪ ،‬مطبوع ضمن أحكام القرآن‪،‬‬
‫إدارة القرآن والعلوم اإلسالمية‪ ،‬كراتيش‪ ،‬ط‪1407 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .72‬املجتبى من السنن‪ :‬أليب عبد اهلل أمحد بن شعيب النسائي (‪ ،)303-215‬حتقيق‪ :‬عبد‬
‫الفتاح أبو غدة‪ ،‬مكتب املطبوعات اإلسالمية‪ ،‬حلب‪ ،‬ط‪1406 ،2‬هـ‪.‬‬
‫الرمحن بن حممد الرومي املعروف بـ(شيخ‬
‫‪ .73‬جممع األهنر رشح ملتقى األبحر‪ :‬لعبد َّ‬
‫زاده)(ت ‪1078‬هـ)‪ ،‬دار الطباعة العامرة‪.1316 ،‬‬
‫‪ .74‬جممع الزوائد ومنبع الفوائد‪ :‬لعيل بن أيب بكر اهليثمي (ت‪807‬هـ)‪ ،‬دار الريان‬
‫للرتاث‪1407 ،‬هـ‪ ،‬ودار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .75‬خمتار الصحاح‪ :‬ملحمد بن أيب بكر بن عبد القادر الرازي (ت‪ ،)666‬حتقيق‪ :‬محزة‬
‫فتح اهلل‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .76‬خمترص قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر‪ :‬ملحمد بن نرص بن احلجاج املَر َوزي‬
‫(ت‪294‬هـ)‪ ،‬اخترصها‪ :‬العالمة أمحد بن عيل املقريزي‪ ،‬حديث أكادمي‪ ،‬فيصل‬
‫اباد‪ ،‬باكستان‪ ،‬ط‪ 1408 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .77‬املدخل إىل السنن الكربى‪ :‬ألمحد بن احلسني بن عيل البيهقي (ت‪458‬هـ)‪ ،‬ت‪:‬‬
‫د‪.‬حممد ضياء الرمحن األعظمي‪ ،‬دار اخللفاء للكتاب اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ .78‬مراسيل أيب داود‪ :‬لسليامن بن أشعث السجستاين (ت‪275‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬شعيب‬
‫األرناؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1408 ،1‬هـ‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪389‬‬
‫‪ .79‬مساوئ األخالق ومذمومها‪ :‬ملحمد بن جعفر اخلرائطي السامري (ت‪327‬هـ)‪،‬‬
‫ت‪ :‬مصطفى بن أبو النرص الشلبي‪ ،‬مكتبة السوادي للتوزيع‪ ،‬جدة‪ ،‬ط‪1413 ،1‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫‪ .80‬املستدرك عىل الصحيحني‪ :‬ملحمد بن عبد اهلل احلاكم (ت‪405‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬مصطفى‬
‫عبد القادر‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1411 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .81‬مسند أيب عوانة‪ :‬ليعقوب بن إسحاق االسفرائيني أيب عوانة (ت‪216‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫أيمن بن عارف‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ .82‬مسند أمحد بن حنبل‪ :‬ألمحد بن حنبل (‪241-164‬هـ)‪ ،‬مؤسسة قرطبة‪ ،‬مرص‪.‬‬
‫‪ .83‬مسند إسحاق بن راهويه‪ :‬إلسحاق بن إبراهيم احلنظيل (ت‪238‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد‬
‫الغفور عبد احلق‪ ،‬مكتبة اإليامن‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬ط‪1995 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .84‬مسند ال َب َّزار (البحر الزخار)‪ :‬أليب بكر أمحد بن عمرو ال َب َّزار (‪292-215‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬الدكتور حمفوظ الرمحن‪ ،‬مؤسسة علوم القرآن‪ ،‬مكتبة العلوم واحلكم‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪1409 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .85‬مسند الشاميني‪ :‬أليب القاسم سليامن بن أمحد ال َّط َ َ‬
‫رباين (‪360-260‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫محدي السلفي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1405 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .86‬مسند الشهاب‪ :‬أليب عبد اهلل حممد بن سالمة ال ُق َضاعي (ت‪454‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬محدي‬
‫السلفي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1407 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ .87‬مشكل اآلثار‪ :‬ألمحد بن حممد بن سالمة الطحاوي (ت‪321‬هـ)‪ ،‬جملس دائرة‬
‫النظامية‪ ،‬اهلند‪ ،‬حيدر آباد‪ ،‬ط‪1333 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .88‬املصنف يف األحاديث واآلثار‪ :‬لعبد اهلل بن حممد بن أيب َشيبَ َة (‪235-159‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬كامل احلوت‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪390‬‬
‫‪ .89‬املصنف‪ :‬لعبد الرزاق بن مهام الصنعاين (‪211-126‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حبيب الرمحن‬
‫األعظمي‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1403 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ .90‬املعجم األوسط‪ :‬للحافظ أيب القاسم سليامن بن أمحد الطرباين (‪360-260‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬طارق بن عوض اهلل‪ ،‬دار احلرمني‪ ،‬القاهرة‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .91‬املعجم األوسط‪ :‬للحافظ أيب القاسم سليامن بن أمحد الطرباين (‪360-260‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬طارق بن عوض اهلل‪ ،‬دار احلرمني‪ ،‬القاهرة‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .92‬املعجم الكبري‪ :‬أليب القاسم سليامن بن أمحد ال َّط َ َ‬
‫رباين (‪360-260‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫محدي السلفي‪ ،‬مكتبة العلوم واحلكم‪ ،‬املوصل‪ ،‬ط‪1404 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ .93‬معني احلكام فيام يرتدد بني اخلصمني من األحكام‪ :‬لعيل بن خليل الطرابليس‬
‫احلنفي‪( ،‬ت‪844‬هـ)‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ .94‬املغني عن محل األسفار يف األسفار يف ختريج ما يف اإلحياء من األخبار‪ :‬لعبد الرمحن‬
‫بن احلسني العراقي زين الدين (ت‪806‬هـ)‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية‪ ،‬هبامش‬
‫اإلحياء‪.‬‬
‫‪ .95‬مفتاح السعادة ومصباح السيادة‪ :‬ألمحد بن مصطفى طاشكربى زاده (ت‪968‬هـ)‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪.1405 ،1‬‬
‫‪ .96‬مناقب أيب حنيفة وصاحبيه‪ :‬أليب عبد اهلل حممد بن أمحد َّ‬
‫الذ َهبي شمس الدين‬
‫(‪748-673‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد زاهد الكوثري‪ ،‬املكتبة األزهرية للرتاث‪ ،‬مرص‪،‬‬
‫‪1416‬هـ‪.‬‬
‫‪ .97‬املنامات‪ :‬لعبد اهلل بن حممد بن عبيد البغدادي األموي القريش املعروف بابن أيب‬
‫الدنيا (ت‪281‬هـ)‪ ،‬عبد القادر أمحد عطا‪ ،‬مؤسسة الكتب الثقافية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1413‬هـ‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪391‬‬
‫‪ .98‬منحة اخلالق عىل البحر الرائق‪ :‬ملحمد أمني بن عمر ابن عابدين احلنفي (‪-1198‬‬
‫‪1252‬هـ)‪ ،‬ط‪ ،2‬دار املعرفة‪.‬‬
‫‪ .99‬منحة السلوك يف رشح حتفة امللوك‪ :‬أليب حممد حممود بن أمحد ال َعيني بدر الدين‬
‫(‪855-762‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد فاروق البدري‪ ،‬بإرشاف‪ :‬د‪ .‬حميي هالل الرسحان‪،‬‬
‫رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة بغداد‪ ،‬ج‪1421 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ .100‬موارد الظمآن‪ :‬لعيل بن أيب بكر اهليثمي (‪807-735‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عبد‬
‫الرزاق محزة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .101‬املوطأ‪ :‬ملالك بن أنس األصبحي (‪179-93‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار‬
‫إحياء الرتاث العريب‪ ،‬مرص‪.‬‬
‫‪ .102‬نفحات السلوك عىل حتفة امللوك للرازي(ت‪666‬هـ)‪ ،‬لألستاذ الدكتور صالح أبو‬
‫احلاج‪ ،‬دار الفاروق‪ ،‬عامن‪ ،‬ط‪2006 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .103‬النكت يف املسائل املختلف فيها إلبراهيم بن عيل الشريازي (ت‪467‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫أنس ياسني املول وآخرورن‪ ،‬رسائل ماجستري‪ ،‬جامعة بغداد‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .104‬اهلداية رشح بداية املبتدي‪ :‬أليب احلسن عيل بن أيب بكر املرغيناين (ت‪593‬هـ)‪،‬‬
‫مطبعة مصطفى البايب‪ ،‬الطبعة األخرية‪ ،‬بدون تاريخ طبع‪.‬‬

‫‪‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪392‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪393‬‬

‫فهرس املوضوعات‪:‬‬
‫املقدمة ‪7 .................................................................................‬‬
‫متهيد‪ :‬يف فضل الصمت‪17 ............................................................. :‬‬
‫الفصل األول‪ :‬آفات اللسان ‪27 ..........................................................‬‬
‫متهيد‪28 ................................................................................ :‬‬
‫املبحث األول‪ :‬آفات اللسان املحظورة أصالة ‪31 ..........................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬التلفظ بالكفر‪31 ........................................................ :‬‬
‫* اآلفة األوىل‪ :‬كلمة الكفر اتفاق ًا ـ والعياذ باهلل تعاىل ـ‪31 ................................ :‬‬
‫* اآلفة الثانية‪ :‬ما فيه خوف الكفر‪33 .................................................... :‬‬
‫* اآلفة الثالثة‪ :‬ما فيه الكفر خطأ‪34 ..................................................... :‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الكذب‪34 ............................................................... :‬‬
‫* اآلفة الرابعة‪ :‬الكذب بالقول‪34 ...................................................... :‬‬
‫* اآلفة اخلامسة‪ :‬الكذب باحللف‪45 .................................................... :‬‬
‫* اآلفة السادسة‪ :‬البهتان‪49 ............................................................ :‬‬
‫* اآلفة السابعة‪ :‬التعريض‪50 ........................................................... :‬‬
‫* اآلفة الثامنة‪ :‬الكذب يف الوعد‪53 ..................................................... :‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬االستهزاء‪54 ........................................................... :‬‬
‫* اآلفة التاسعة‪ :‬السخرية‪54 ........................................................... :‬‬
‫* اآلفة العارشة‪ :‬الطعن يف األنساب‪57 ................................................. :‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪394‬‬
‫* اآلفة احلادية عشة‪ :‬التعيري‪58 ........................................................ :‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬بذاءة اللسان‪60 ......................................................... :‬‬
‫* اآلفة الثانية عشة‪ :‬ال َّلع ُن‪60 .......................................................... :‬‬
‫* اآلفة الثالثة عشة‪ :‬الفحش‪65 ........................................................ :‬‬
‫السب َّ‬
‫والشتم‪69 ................................................. :‬‬ ‫* اآلفة الرابعة عشة‪َّ :‬‬
‫* اآلفة اخلامسة عشة‪ :‬إطالق األلقاب واستعامهلا‪74 .................................... :‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬الغناء وأمثاله‪75 ....................................................... :‬‬
‫* اآلفة السادسة عشة‪ :‬النياحة‪75 ...................................................... :‬‬
‫* اآلفة السابعة عشة‪ِّ :‬‬
‫الشعر املذموم‪77 ................................................ :‬‬
‫* اآلفة الثامنة عشة‪ :‬الغناء‪80 ......................................................... :‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬املراء وأمثاله‪83 ....................................................... :‬‬
‫* اآلفة التاسعة عشة‪ :‬املراء‪83 ......................................................... :‬‬
‫* اآلفة العشون‪ :‬اجلدال‪86 ............................................................ :‬‬
‫* اآلفة احلادية والعشون‪ :‬اخلصومة‪89 ................................................. :‬‬
‫املطلب السابع‪ :‬السؤال الفاسد‪92 ...................................................... :‬‬
‫* اآلفة الرابعة والعشون‪ :‬السؤال عن الدقائق للمغالطة‪97 ............................. :‬‬
‫* اآلفة اخلامسة والعشون‪ :‬السؤال والتفتيش عن عيوب الناس‪98 ...................... :‬‬
‫* اآلفة السادسة والعشون‪ :‬سؤال تولية املناصب‪99 .................................... :‬‬
‫* اآلفة السابعة والعشون‪ :‬الدعاء باملوت عىل نفسه‪102 ................................ :‬‬
‫* اآلفة الثامنة والعشون‪ :‬السؤال عن احلل واحلرمة والطهارة بال أمارة‪103 ............. :‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪395‬‬
‫املطلب الثامن‪ :‬اخلطأ يف الكالم‪104 .................................................... :‬‬
‫* اآلفة التاسعة والعشون‪ :‬الغفلة عن دقائق اخلطأ يف فحوى الكالم‪104 ................ :‬‬
‫* اآلفة الثالثون‪ :‬الدعاء للكافر والظامل بالبقاء‪109 ...................................... :‬‬
‫املطلب التاسع‪ :‬خمالفة األدب‪110 ...................................................... :‬‬
‫* اآلفة الواحدة والثالثون‪ :‬ترك التأدب بالكالم مع األفضل‪110 ........................ :‬‬
‫* اآلفة الثانية والثالثون‪ :‬الكالم أثناء قضاء احلاجة‪111 ................................. :‬‬
‫* اآلفة الثالثة والثالثون‪ :‬الكالم عند اجلامع‪112 ........................................ :‬‬
‫* اآلفة الرابعة والثالثون‪ :‬عدم قبول عذر أخيه‪113 ..................................... :‬‬
‫* اآلفة اخلامسة والثالثون‪ :‬املقاطعة لكالم غريه بغري حاجة‪114 ......................... :‬‬
‫* اآلفة السادسة والثالثون‪ :‬املناجاة بني اثنني مع وجود ثالث‪115 ....................... :‬‬
‫* اآلفة السابعة والثالثون‪ :‬ترك الطاعة ألهل الطاعة‪116 ............................... :‬‬
‫املطلب العارش‪ :‬الكالم وقت الذكر‪117 ................................................ :‬‬
‫* اآلفة الثامنة والثالثون‪ :‬التكلم بكالم الدنيا أثناء اآلذان واإلقامة‪117 .................. :‬‬
‫* اآلفة التاسعة والثالثون‪ :‬الكالم يف الصالة‪119 ....................................... :‬‬
‫* اآلفة األربعون‪ :‬الكالم يف اخلطبة مطلق ًا‪120 .......................................... :‬‬
‫* اآلفة الواحدة واألربعون‪ :‬الكالم الدنيوي بعد الطلوع‪121 ........................... :‬‬
‫* اآلفة الثانية واألربعون‪ :‬الكالم أثناء قراءة القرآن‪123 ................................. :‬‬
‫* اآلفة الثالثة واألربعون‪ :‬كالم الدنيا يف املساجد‪124 ................................... :‬‬
‫املطلب احلادي عش‪ :‬احللف املحظور‪125 .............................................. :‬‬
‫* اآلفة الرابعة واألربعون‪ :‬احللف باملخلوقات‪125 ..................................... :‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪396‬‬
‫* اآلفة اخلامسة واألربعون‪ :‬اليمني بغري اهلل تعليق ًا‪127 .................................. :‬‬
‫* اآلفة السادسة واألربعون‪ :‬تعليق احللف بالكفر‪129 .................................. :‬‬
‫* اآلفة السابعة واألربعون‪ :‬كثرة احللف باهلل تعاىل‪130 .................................. :‬‬
‫املطلب الثاين عش‪ :‬الغيبة والنميمة وأمثاهلا‪133 ......................................... :‬‬
‫* اآلفة الثامنة واألربعون‪ :‬الغيبة ‪133 .................................................. :‬‬
‫()‬

‫* اآلفة التاسعة واألربعون‪ :‬النَّميمة‪161 ................................................ :‬‬


‫* اآلفة اخلمسون‪ :‬كالم ذي ال ِّل َسانَني‪168 .............................................. :‬‬
‫* اآلفة الواحدة واخلمسون‪ :‬النفاق القول‪171 ......................................... :‬‬
‫* اآلفة الثانية واخلمسون‪ :‬إفشاء الرس‪174 .............................................. :‬‬
‫املطلب الثالث عش‪ :‬متفرقات‪176 .................................................... :‬‬
‫* اآلفة الثالثة واخلمسون‪ :‬اخلوض يف الباطل‪176 ....................................... :‬‬
‫* اآلفة الرابعة واخلمسون‪ :‬التقعر يف الكالم‪178 ........................................ :‬‬
‫* اآلفة اخلامسة واخلمسون‪ :‬تفسري القرآن برأيه‪179 .................................... :‬‬
‫* اآلفة السادسة واخلمسون‪ :‬ترويع املسلم‪181 ......................................... :‬‬
‫* اآلفة السابعة واخلمسون‪ :‬الكالم مع النساء‪182 ...................................... :‬‬
‫* اآلفة الثامنة واخلمسون‪ :‬التَّسليم عىل غري املسلم ابتداء‪183 ............................:‬‬
‫* اآلفة التاسعة واخلمسون‪ :‬الداللة عىل املعصية‪184 .................................... :‬‬
‫اآلفة الستون‪ :‬اإلذن باملعصية‪184 ...................................................... :‬‬
‫* اآلفة الواحدة والستون‪ :‬األمر باملنكر والنهي عن املعروف‪185 ........................ :‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬آفات اللسان املحظورة تبع ًا ‪187 ...........................................‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪397‬‬
‫* اآلفة الثانية والستون‪ :‬ا ُملزاح‪187 ..................................................... :‬‬
‫* اآلفة الثالثة والستون‪ :‬ا َملدح‪192 ..................................................... :‬‬
‫* اآلفة الرابعة والستون‪ :‬السجع‪198 .................................................. :‬‬
‫* اآلفة اخلامسة والستون‪ :‬التقصري يف أداء العبادات املتعدية‪199 ........................ :‬‬
‫* اآلفة السادسة والستون‪ :‬الكال ُم فيام ال يعني‪200 ..................................... :‬‬
‫* اآلفة السابعة والستون‪ :‬الفضول‪205 ................................................. :‬‬
‫* اآلفة الثامنة والستون‪ :‬خمالفة مقتىض العقود ‪208 ..................................... :‬‬
‫* اآلفة التاسعة والستون‪ :‬التقصري يف أداء العبادات القارصة‪209 ........................ :‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬يف آفات اللسان املحظورة سكوت ًا ‪211 ....................................‬‬
‫* اآلفة السبعون‪ :‬ترك تعلم فرض وواجب قراءة القرآن‪211 ............................ :‬‬
‫واملستحب من القراءة يف الصالة‪211 ..... :‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫املسنون‬ ‫* اآلفة الواحدة والسبعون‪ :‬ترك تعلم‬
‫* اآلفة الثانية والسبعون‪ :‬ترك تعلم األذكار والتسابيح يف الصالة‪212 ................... :‬‬
‫* اآلفة الثالثة والسبعون‪ :‬ترك األمر باملعروف والنهي عن املنكر للقادر‪212 ............. :‬‬
‫* اآلفة الرابعة والسبعون‪ :‬ترك النصح للمسلمني‪214 .................................. :‬‬
‫* اآلفة اخلامسة والسبعون‪ :‬ترك اإلصالح بني املسلمني‪215 ............................ :‬‬
‫* اآلفة السادسة والسبعون‪ :‬ترك تعلم علم احلال‪216 ................................... :‬‬
‫السالم‪217 ............................................ :‬‬
‫* اآلفة السابعة والسبعون‪ :‬ترك َّ‬
‫* اآلفة الثامنة والسبعون‪ :‬ترك التشميت للحامد‪219 ................................... :‬‬
‫* اآلفة التاسعة والسبعون‪ :‬ترك االستئذان‪220 ......................................... :‬‬
‫* اآلفة الثامنون‪ :‬ترك كالم الوالدين واملحارم‪221 ...................................... :‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪398‬‬
‫اآلفة احلادية والثامنون‪ :‬ترك إنقاذ املحتاج بالقول‪222 ................................... :‬‬
‫اآلفة الثانية والثامنون‪ :‬ترك الشهادة والتزكية‪222 ........................................ :‬‬
‫اآلفة الثالثة والثامنون‪ :‬ترك تعظيم اسم اهلل تعاىل‪223 .................................... :‬‬
‫* اآلفة الرابعة والثامنون‪ :‬ترك السؤال للعاجز عن الكسب‪224 .......................... :‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬وظائف اللسان ‪227 .......................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬ما يتع َّلق بالذكر ‪229 .....................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬قراءة القرآن‪230 ........................................................ :‬‬
‫أوالً‪ :‬فضل تالوة القرآن‪230 ........................................................... :‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬من آداب القرآءة‪233 ............................................................. :‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬من أعامل الباطن يف التالوة ‪244 .................................................. :‬‬
‫()‬

‫رابع ًا‪ :‬من السور املستحبة يف أوقات خمصوصة‪252 ...................................... :‬‬


‫املطلب الثاين‪ :‬الذكر‪255 ............................................................... :‬‬
‫أوالً‪ :‬فضل الذكر‪255 ................................................................. :‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬حث الشيعة عىل اإلكثار من الذكر‪257 ........................................... :‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬املحافظة عىل الورد القرآين اليومي‪260 ............................................ :‬‬
‫رابع ًا‪ :‬استحباب حتديد أعداد وأوقات معينة للذكر‪262 ................................. :‬‬
‫خامس ًا‪ :‬األذكار املندوبة‪266 ........................................................... :‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الدعاء‪278 ............................................................. :‬‬
‫أوالً‪ :‬فضل الدعاء‪278 ................................................................. :‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬آداب الدعاء ‪279 ................................................................ :‬‬
‫()‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪399‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬من األدعية القرآنية‪283 .......................................................... :‬‬
‫رابع ًا‪ :‬من األدعية النبوية‪286 ........................................................... :‬‬
‫خامس ًا‪ :‬من املأثور يف املناسبات‪289 .................................................... :‬‬
‫سادس ًا‪ :‬من املأثور عن السلف‪311 ..................................................... :‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬ما يتعلق بالكالم ‪319 .....................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪319 ................................... :‬‬
‫أوالً‪ :‬فضل األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪320 ....................................... :‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬كيفية األمر والنهي‪324 ........................................................... :‬‬
‫الصدق ‪326 ............................................................ :‬‬
‫املطلب الثاين‪ِّ :‬‬
‫()‬

‫أوالً‪ :‬فضيلة الصدق‪326 ............................................................... :‬‬


‫ثاني ًا‪ :‬حقيقة الصدق ومعناه ومراتبه‪328 ................................................ :‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬احلياء‪332 .............................................................. :‬‬
‫أوالً‪ :‬تعريفه‪332 ....................................................................... :‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬فضله‪333 ........................................................................ :‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬أنواعه‪336 ....................................................................... :‬‬
‫رابع ًا‪ :‬طريقة اكتسابه‪337 .............................................................. :‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬الكالم املستحسن‪339 .................................................. :‬‬
‫أوالً‪ :‬التحبب لآلخرين‪339 ............................................................ :‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬إفشاء َّ‬


‫السالم وإلقاء التحية‪340 ................................................... :‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬الكالم الطيب‪340 ............................................................... :‬‬
‫روضات اجلنان يف هتذيب اللسان‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪400‬‬
‫رابع ًا‪ :‬الدعاء للمسلمني بظهر الغيب‪341 ............................................... :‬‬
‫خامس ًا‪ :‬السرت عىل املسلم‪342 .......................................................... :‬‬
‫سادس ًا‪ :‬مواساة املسلم يف مرضه ومصيبته‪343 .......................................... :‬‬
‫سابع ًا‪ :‬تشميته إذا عطس‪343 ........................................................... :‬‬
‫ثامن ًا‪ :‬النصيحة للمسلمني‪343 ......................................................... :‬‬
‫تاسع ًا‪ :‬الكالم املباح يف احلاجات‪345 ................................................... :‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬التعلم والتعليم‪346 ................................................... :‬‬
‫أوالً‪ :‬أساليب النبي ‪ ‬يف التعليم‪346 ................................................... :‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬أفضل وسائل التعلم‪370 ......................................................... :‬‬
‫املراجع‪381 ........................................................................... :‬‬
‫فهرس املوضوعات‪393 ............................................................... :‬‬

‫‪‬‬

You might also like