Professional Documents
Culture Documents
صنع الطعام من أهل الميت للناس
صنع الطعام من أهل الميت للناس
يقول السائل :ما حكم صنع أهل الميت للطعام في اليوم الثالث من الوفاة ،أفيدونا؟
الجواب :الحمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتعزية من السنة وهي مستحبة .عند أهل العلم فقد ورد في الحديث أن النبي صلى
هللا عليه وسلم قال( :ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة .إال كساه هللا عز وجل من حلل
الكرامة يوم القيامة) .رواه ابن ماجة والبيهقي بإسنا ٍد حسن كما قال اإلما
م النووي في األذكار ص .126
وال بأس في اجتماع الناس للتعزية في قاعة ملحقة بالمسجد أو في البيت أو اصطفاف
أهل الميت عند المقبرة بعد الدفن ليعزيهم الناس ،فكل ذلك من الوسائل التي تعين
على فعل السنة ،ومن المقرر عند العلماء أن للوسائل أحكام المقاصد.
أما صنع أهل الميت للطعام فهو مخالف لسنة المصطفى عليه الصالة والسالم فإن أهل
الميت حلت بهم مصيبة الموت وهم مشغولون بتجهيز .الميت ودفنه وتعمهم األحزان
فال ينبغي أن يكلفوا بإعداد الطعام وتقديمه .للناس بل الواجب عكس ذلك أن على
أقاربهم أو جيرانهم أو أهل بلدهم أن يكفوهم ذلك فيصنعون الطعام ألهل الميت وقد
قال جرير بن عبد هللا البجلي رضي هللا عنه " كنا نعد االجتماع إلى أهل الميت
وصنعة الطعام بعد الدفن من النياحة" رواه أحمد.
فالسنة أن يصنع طعام ألهل الميت؛ ألنهم مشغولون بالمصيبة التي حصلت لهم ،ولهذا
لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب لما قتل في غزوة مؤتة قال النبي صلى هللا عليه
وسلم ألهله( :اصنعوا آلل جعفر الطعام ،فقد آتاهم ما يشغلهم) رواه أبو داود
والترمذي والحاكم والبيهقي .وغيرهم وقال الحاكم صحيح اإلسناد ووافقه الذهبي.
أي موت جعفر رضي هللا عنه ,قال في عون المعبود :فيه مشروعية القيام بمؤنة .أهل
البيت مما يحتاجون إليه من الطعام الشتغالهم عن أنفسهم بما دهمهم من المصيبة
عن طبخ الطعام ألنفسهم.
وعند ابن ماجة :قد أتاهم ما يشغلهم أو أمر يشغلهم .وفي رواية له :إن آل جعفر قد
شغلوا بشأن ميتهم فاصنعوا لهم طعاما .انتهى.
والحديث النبوي يرشد إلى نوع من التكافل اإلجتماعي حيث إن إعداد الطعام ألهل
طيب في نفوسهم باإلضافة إلى تعزيتهم ومواساتهم وعلى المسلمين
ٌ الميت أم ٌر له أث ٌر
التمسك بسنة .رسولهم صلى هللا عليه وسلم لتحقيق هذه المعاني العظيمة.
وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى استحباب صنع الطعام لهم ثالثة أيام ,قال البهوتي
الحنبلي في كشاف القناع( :ويسن أن يصنع ألهل الميت طعاما يبعث به إليهم ثالثا)
أي :ثالثة أيام ،لقوله صلى هللا عليه وسلم :اصنعوا آلل جعفر طعاما فقد أتاهم ما
يشغلهم .رواه الشافعي وأحمد والترمذي .وحسنه.
قال الزبير :فعمدت سلمى موالة النبي صلى هللا عليه وسلم إلى شعير فطحنته وأدمته
بزيت جعل عليه وبعثت به إليهم.
ويروى عن عبد هللا بن أبي بكر أنه قال :فما زالت السنة فينا حتى تركها من تركها.
وذهب الشافعية إلى أن المستحب هو صنع طعام لهم ليومهم وليلتهم قال النووي
رحمه هللا( :واتفقت نصوص الشافعي في األم والمختصر واألصحاب على أنه يستحب
ألقرباء الميت وجيرانه أن يعملوا طعاما ألهل الميت ويكون بحيث يشبعهم في يومهم
وليلتهم قال الشافعي في المختصر :وأحب لقرابة الميت وجيرانه .أن يعملوا ألهل
الميت في يومهم وليلتهم طعاما يشبعهم فإنه سنة وفعل أهل الخير)
وإن لم يصنع لهم جيرانهم طعاما فال خالص لهم إال أن يصنعوا ألنفسهم وخاصتهم
وليس لألجانب المجتمعين عندهم ،وعليه يحمل ما ورد في حديث عائشة رضي هللا
عنها.
وهو حديث متفق عليه ولفظه :أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك
النساء ثم تفرقن إال أهلها وخاصتها أمرت ببرمة .من تلبينة .فطبخت ثم صنع ثريد
فصبت التلبينة عليها ثم قالت :كلن منها فإني سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
يقول :التلبينة .مجمة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن.
قال اإلمام النووي[ :قال صاحب"الشامل" وأما إصالح أهل البيت طعاماً ،وجمعهم
الناس عليه ،فلم ينقل فيه شيء ،قال :وهو بدعة غير مستحبة ،وهو كما قال] روضة.
الطالبين.2/145
وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية[ :صنعة أهل الميت طعاما ً يدعون الناس إليه ،فهذا غير
مشروع ،وإنما هو بدعة] مجموع فتاوى شيخ اإلسالم .24/316
وقال العالمة ابن القيم[ :وكان من هديه صلى هللا عليه وسلم أن أهل الميت ال
يتكلفون الطعام للناس ،بل أمر أن يصنع الناس لهم الطعام يرسلونه إليهم ،وهذا من
أعظم مكارم األخالق والشيم ،والحمل عن أهل الميت ،فإنهم في شغل بمصابهم عن
إطعام الناس] زاد المعاد في هدي خير العباد .1/528
والحاصل أن المشروع :اإلحسان إلى أهل الميت ومواساتهم ،وتعزيتهم .،وصنع
الطعام وتقديمه .إليهم ،والدعاء للميت ،وإخراج الصدقة عنه وهللا أعلم.