Professional Documents
Culture Documents
المحاضرة الخامسة تاريخ الإمبراطورية البيزنطية السياسي 2021
المحاضرة الخامسة تاريخ الإمبراطورية البيزنطية السياسي 2021
2021/2020م
المحاضرة الخامسة
وال يعني الترحيب الشعبي بحكم هرقل ،أن األمور استقرت له دون أن يقابل عقبات ،فقد ظهرت
عدة محاوالت من بقايا بيت فوكاس تنشد اإلنتقام لمقتل األخير ،والسعي للعودة للحكم ،وكانت تدعمهم بعض
قوات الجيش المتمركزة في آسيا الصغرى ،ولكن باءت جميع محاوالتهم بالفشل ،فقد كان هرقل مدعوم
بتأييد السلطات المحلية ،والزعامات الشعبية التي كانت تتمسك به ،فتمكن بمساعدتهم من القضاء على التمرد
والتخلص من المتمردين.
وبعد أن انتهى من القضاء على بقايا بيت فوكاس ،كان على هرقل مواجهة العديد من المشكالت
الكبرى التي كادت تعصف باإلمبراطورية ،فاإلضطرابات الداخلية انتشرت في كل مكان ،وهددت أمن
اإلمبراطورية ،حتى أصبحت الفوضى هي الثمة العامة للدولة ،فأصاب الخلل الحياة اإلجتماعية ،نتيجة
لتزايد الخالفات بين أصحاب المذاهب الدينية المختلفة ،وساءت األحوال اإلقتصادية ،فقد كانت خزانة الدولة
خاوية ،نتيجة لفقد االمبراطورية لعدد من األقاليم الغنية التي كانت تعتمد عليها اقتصاديا ،ففقدت
اإلمبرا طورية مصدرا ضخما للضرائب ،وتدهورت الحياة السياسية نتيجة عودة المنافسة بين األحزاب،
وعدم رضا بعض أفراد الطبقة األرستقراطية عن حكم هرقل.
وفيما يتعلق بالجوانب العسكرية ،فقد واجهت اإلنهيار نتيجة ما تعرض له الجيش من هزائم متتالية،
وتخلى عدد كبير من الجنود عن مهامهم ،فلم تعد للجيش قدرة على الدخول في حرب حاسمة ،وانهار نظام
الثغور (الثيمات) الذي بدأه اإلمبراطور موريس ،وفقدت اإلمبراطورية عنصر هام من الجيش ،باإلضافة
إلى زيادة التهديد الفارسي على أقاليم اإلمبراطورية ،فكان على هرقل اعادة تنظيم أمور اإلمبراطورية،
وبناء جبهة داخلية مستقرة ،والعمل على انقاذ االقتصاد المتدهور ،حتى يتمكن من اعادة بناء جيش
اإلمبراطورية ،الذي يساعده على صد الهجمات الخارجية ،والدفاع عن اإلمبراطورية ،ولكي يحقق هذا،
كان يجب أن يضمن جبهة داخلية متماسكة.
قرر هرقل أن يعمل أوال على انهاء الخالفات الدينية ،وتحقيق النهضة اإلقتصادية ،ألنها السبيل
لتحقيق العدالة اإلجتماعية ،وانهاء التذمر الشعبي ،وعندما بحث في األولويات وجد أن يبدأ هرقل على الفور
بتهدئة الصراع بين األحزاب ،ومحاولة اعادة زعماء حزب الزرق إلى الحياة العامة بعدما انسحبوا بعد مقتل
فوقاس( ،كان حزب الزرق مؤيد لحكم فوقاس ،بينما كان الخضر ضد حكم فوقاس ودعموا هرقل عند
دخوله القسطنطينية) ،ورغم تأييد الخضر لهرقل ،إال أنه لم يظهر تفضله لهم عن الزرق ،وتعامل مع
الجميع بحياد تام ،وكان إلصالحات هرقل اإلدارية دور كبير في القضاء على سلطة األحزاب ،إذ أصبحت
اإلدارة الفعلية في يد استراتيجوس الثيم ،وانحصرت اإلدارة المدنية على األقاليم في أمور بسيطة.
وبذلك جمع القادة العسكريين بين السلطة المدنية والعسكرية من جديد ،فمنعت التجمعات الكبيرة
لألحزاب ،ولم تترك لهم مساحة لإلشتباك ،فبدأت سلطة األحزاب تختفي بالتدريج ،وعادوا لممارسة دورهم
األساسي ،المتمثل في تنظيم سباق الخيول والعربات ،واستقبال الوفود في الهيبدروم ،ويذكر لهم أنهم وقفوا
إلى جانب اإلمبراطور أثناء الحرب مع الفرس ،وقاموا بدور كبير في حماية أسوار القسطنطينية من هجمات
الفرس واآلفار ،كما نظموا احتفال ضخم بعد تحقيق اإلمبراطور النصر على الفرس واستعادة بيت المقدس،
وحاول اإلمبراطور كذلك أن يذيب الخالفات بين أصحاب المذاهب الدينية المختلفة ،وإن كان هرقل لم ينجح
في هذه المهمة ،فقد ساعد احتالل الفرس لبيت المقدس على التقريب بين أصحاب جميع المذاهب ،فنسوا إلى
حد كبير ما بينهم من خالفات ،واجتمعت قلوبهم على الصالة والدعاء لإلمبراطور بالنصر ،واعادة المدينة
المقدسة واستعادة الصليب المقدس.
وكان الفرس قد انتهزوا فترة اإلضطرابات في عهد اإلمبراطور فوكاس ،وتقدموا في أراضي
اإلمبراطورية ،بحجة اإلنتقام لصديقهم وحليفهم اإلمبراطور موريس ،وتمكنوا من السيطرة على كبرى
المدن التابعة لإلمبراطورية في الشرق ،مثل انطاكية وأرمينيا ،وولم يكتفوا باحتالل تلك المدن ،وانما امتد
نفوذهم إلى المدن المحيطة ،ولم تكد اإلضطرابات الداخلية في اإلمبراطورية تنتشر ،حتى قرر الفرس
التوغل في بالد الشام ،وشجعهم على ذلك الخالف الجوهري بين اإلدارة اإلمبراطورية في العاصمة،
والواليات التابعة لإلمبراطورية ،فيما يتعلق بالمذاهب الدينية ،فلم يجدوا مقاومة كبيرة من بعض األقاليم
التي استولوا عليها ،فزحفوا إلى بالد الشام ،واستولوا على عدة مدن ،ففتح أمامهم الطريق لبيت المقدس عام
614م ،وضربوا عليها الحصار ،فلما وجدوا مقاومة كبيرة من حاميتها والسكان ،اقتحموها ،وأشعلوا النيران
في كنيسة القيامة (الضريح المقدس) ،ونكلوا بالمسيحيين ،وجدير بالذكر أن يهود المدينة تعاونوا مع الفرس
في تدمير األديرة والكنائس ،وقتل عشرات اآلالف من سكان المدينة المسيحيين ،واستولى الفرس على
الصليب المقدس ونقلوه إلى بالدهم ،ولم يكتفوا بتلك اإلنتصارات ،فأرادوا أن يوجهوا ضربة اقتصادية
قاصمة لإلمبراطورية ،فتوجهوا نحو مصر ،واستولوا على اإلسكندرية عام 619م ،وتوغلوا داخل المدن
المصرية حتى بسطوا سيطرتهم على كامل مصر ،وكان ذلك ضربة قوية لإلمبراطورية البيزنطية ،إذ أدى
استيالء الفرس على مصر إلى انقطاع القمح المصري عن اإلمبراطورية ،مما شكل أزمة اقتصادية ،أمتد
تأثيرها لفئات عديدة في المجتمع البيزنطي ،ولم يقتصر األمر على الخطر الفارسي ،وإنما ضغط السالف
على حدود اإلمبراطورية ،وتوغل اآلفار في مناطق أخرى.
وكان الفرس هم أخطر العناصر على اإلطالق ،وأحدث سقوط بيت المقدس صدى هائل في األوساط
المسيحية ،وكان على هرقل أن ينهض السترداد األرض المقدسة ،وزاد األمر سوءا بإحتالل مصر ،فأنهالت
المصائب على اإلمبراطورية من كل جانب ،ولكن هرقل لم يكن يستطيع التصدى لتلك األزمة في وجود
فساد داخلي في كثير من إدارات اإلمبراطورية ،فاإلستقرار السياسي ومواجهة األخطار الخارجية لن يتحقق
إال في ظل استقرار أحوال البالد الداخلية ،فقام بتعديالت في اإلدارات التي طالتها يد الفساد خالل الفترة
السابقة.
أما بالنسبة للجيش ،فقد طور نظام اإلقطاع الحربي ليقوي عناصر الجيش ،فقسم اإلمبراطورية إلى مناطق
عسكرية عرفت بالثيمات (األجناد) ،وهو النظام الذي بدأه اإلمبراطور موريس ،وكان ينوي نشره في
المناطق الحدودية لإلمبراطورية ،غير أن هرقل وجد أن هذا هو النظام المناسب لألوضاع التي تمر بها
اإلمبراطورية ،وزاد من أعداد المواطنين الذين أنضموا للخدمة بالجيش بنظام اإلقطاع الحربي ،وقرر هرقل
أن يدخل بعض العناصر التي تهدد أمن اإلمبراطورية في تلك الخدمة ،فيستفيد من حمايتهم لمناطق الحدود،
ويدخل للجيش عناصر جديدة ،تساعد على زيادة الحماس بين الجنود ،ويستغنى بهم عن الجنود المرتزقة
الذين يكلفون اإلمبراطورية مبالغ كبيرة ،وفي نفس الوقت يقي اإلمبراطورية شر التعرض لهجماتهم،
فتفاوض مع الصقالبة على اإللتحاق بقوات الثيمات ،وبالفعل انتقلوا إلى المناطق الشرقية لإلمبراطورية،
حيث نزلوا باقطاع حربي خاص بهم (ثيم) ،وفر لهم اإلمكانيات االقتصادية الكافية ،وانعكس ذلك على الحياة
اإلقتصادية التي بدأت تنتعش داخل اإلمبراطورية.
أما اآلفار ، ،فكانوا قد تعاونوا مع الفرس وهددوا اإلمبراطورية ،ولذلك اضطر هرقل لعقد صلح معهم،
وتعهد بدفع إتاوة سنوية كبيرة ،مع تقديم عدد كبير من الرهائن ،لكي يأمن جانبهم ويتفرع إلعداد القوات
التي يواجه بها الفرس ،ويتمكن من نقل قواته بأمان في المناطق التي تقع تحت سيطرة اآلفار ،واضطر
لتجديد الصلح ودفع اإلتاوات عدة مرات ،عندما يقوم اآلفار بنقض المعاهدة وتقديم العون للفرس.
وفي ظل تعرض اإلمبراطورية لتلك المشكالت الكثيرة ،قرر هرقل فجأة أن يرحل إلى موطنه
قرطاجة ،وتضاربت آراء المؤرخين حول ذلك ،فمنهم من قال بأن اليأس تمكن من اإلمبراطور ،فقرر أن
يتخذ مسقط رأسه عاصمة مؤقتة حتى تستقر األمور بالقسطنطينية ،غير أن هناك فريق آخر من المؤرخين
اعترض على هذا الرأي ،وقالوا أن هرقل كان قد أعد خطة استراتيجية إلستعادة المناطق التي سيطر عليها
الفرس ،فقرر أن ينتقل إلى افريقيا ليسهل له القيام بالهجوم على القوات الفارسية الموجودة في مصر،
ويستعيدها من اإلحتالل الفارسي ،إلن استعادة مصر أوال يضمن له استقرار الجانب اإلقتصادي الذي يسعى
لتحقيقه ،باإلضافة لقلقه من اتخاذ الفرس مصر قاعدة يشنون منها الهجمات على شمال أفريقيا.
غير أن البطريرك سرجيوس وكان صديقا مقربا لهرقل ،رفض فكرة التوجه ألفريقيا ،وتوسل لإلمبراطور
للبقاء في القسطنطينية ،ووجد هرقل أن بقائه في القسطنطينية أصبح مطلبا شعبيا ،بعدما تجمع عامة األهالي
عند القصر اإلمبراطوري رافضين رحيل اإلمبراطور ،ويذكر المؤرخون أن البطريرك طلب من
اإلمبراطور أن يصحبه لكنيسة آيا صوفيا قبل القرار بالرحيل ،فذهب معه تتبعهم جموع الشعب حتى دخل
الكنيسة ،وهناك توسل البطريرك لإلمبراطور بالبقاء في العاصمة ،وشن هجماته على الفرس منها ،وأمام
توسالت البطريرك والمواطنين ،أقسم هرقل في الكنيسة أنه لن يغادر القسطنطينية إال لمحاربة الفرس،
وخرج من الكنيسة بين هتاف الناس ودعواتهم له بتحقيق النصر ،وبادر البطريرك بوضع جميع امكانيات
الكنيسة تحت تصرف ا إلمبراطور ،ودعا رجال الدين لجمع ما تحويه الكنائس واألديرة من أموال وكنوز،
لتقديمها لإلمبراطور لإلستعانة بها على تجهيز قوات الجيش لرد العدوان الفارسي عن المدينة المقدسة،
وبالفعل قبل هرقل هذه الكنوز وتعهد للبطريرك بردها بعد استقرار األحوال اإلقتصادية لإلمبراطورية
(ووفى اإلمبراطور بوعده ورد الديون بالفعل) ،والقضاء على العدوان الفارسي.
وعلى الفور أمر اإلمبراطور باصدار عملة جديدة لمواجهة اإلنهيار اإلقتصادي ،وأمر بوقف
توزيع الخبز المجاني ،لحين تعويض ضريبة القمح المصرية التي انقطعت بسبب اإلحتالل الفارسي لمصر،
وكان ذلك بداية نهضة اقتصادية جديدة لإلمبراطورية ،إذ بدأت منذ ذلك الوقت تجارب لزراعة القمح في
البلقان وشرق أسيا ،واستغرقت وقتا طويال حتى حققت النتائج المرجوة منها ،وقد وجد هذا القرار اعتراضات
وتزمر من العامة ،إال أن تلك األزمة تم تجاوزها بسرعة لثقة األهالي في اإلمبراطور ،واقتناعهم بأن ما
يتخذه من إجراءات يصب في صالح اإلمبراطورية ،وقام البطريرك سرجيوس بدور كبير في امتصاص
غضب المواطنين ،ودعاهم لإللتفاف حول اإلمبراطور وتأييده واقامة الصلوات حتى يعود منتصرا.
أعاد هرقل تنظيم قواته ،وبدأ باإلهتمام بالرماة ،وزاد من أعداد قوات الفرسان ،وخرج اإلمبراطور بنفسه
على رأس الجيش في أول حملة على الفرس (623 -622م) ،وتمكن من استدراج الفرس لألماكن التي
أعدها لمالقاتهم ،وكانت حملته هذه موفقة ،وحقق فيها نصرا كبير ،وعاد للعاصمة حتى تستعيد قواته اللياقة
البدنية بعد حروب طويلة ،ويجدد المعاهدة مع اآلفار ،وزاد من مقدار اإلتاوة المقررة ،ثم ما لبث أن خرج
الفرقة الثانية /تاريخ
4
د /نادية النويهي التاريخ السياسي لإلمبراطورية البيزنطية الفصل الدراسي األول
2021/2020م
بحملة عسكرية جديدة عام 624م ،حقق فيها نصرا أعاد هيبة اإلمبراطورية بعد تعرضها لهزائم متتالية من
الفرس ،واسترد أرمينيا وغيرها من المدن ،واستولى على بعض المدن الفارسية.
تحرك الجيش البيزنطي في حملة جديدة بعد انقضاء شتاء 625م ،استمرت فترة طويلة جدا ،وتخللها عدة
حروب متتالية ،بدأت بتحقيق الفرس اإلنتصار ،ولكن سرعان ما استعاد هرقل توازن قواته ،وحقق
انتصارات هائلة على الفرس ،حاول كسرى تدارك األمر ،فقرر أن يشغل هرقل بالدفاع عن القسطنطينية،
فاتفق مع اآلفار على مهاجمة القسطنطينة ،فأسرع هرقل بتقسيم جيشه لثالث أجزاء ،وأرسل أحدها بقيادة
شقيقه لحماية القسطنطينية ،وبادر األهالي بحماية العاصمة من الداخل ،وشكل مشجعي الخضر والزرق
حائط دفاع عن القسطنطينية ،بينما تقدم هرقل عام 627م نحو العاصمة الفارسية ،حيث استعاد الصليب
المقدس ،وما لبثت األمور أن تغيرت ،فتم عزل كسرى ثم قتله ،وتولى ابنه الذي سارع بعقد الصلح مع هرقل
حتى يتفرغ للشئون الداخلية لدولته.
انتهت حروب هرقل مع الفرس بتحقيق انتصارات عظيمة لإلمبراطورية ،وبدأت مرحلة النهاية لدولة
الفرس ،وعاد هرقل للعاصمة ،حيث استقبله األهالي ورجال الدين بالشموع وأغصان الزيتون ،وانتهت
انتصارات هرقل باستعادت بيت المقدس ومصر ،وبعد حصوله وقواته على قدرمن الراحة ،عاد إلى المدينة
المقدسة في رفقة مارتينا ،وبصحبة موكب يحمل الصليب المقدس ،حيث أعاده إلى موضعه األول في احتفال
كبير ،وأنزل هرقل عقابا شديدا باليهود الذين تعاونوا مع الفرس وساعدوهم على احتالل المدينة المقدسة.
حقق هرقل انتصارات واسعة على الفرس وهم العدو األول لإلمبراطورية ،تناولتها المحاضرة باختصار،
وانتصر كذلك على بعض العناصر األخرى التي هددت أمن اإلمبراطورية ،وحقق لإلمبراطورية اإلستقرار
السياسي واإلقتصادي ،وأهتم باألحوال اإلجتماعية ،ورغم تقدير الشعب البيزنطي لهرقل كإمبراطور عظيم
انقذ اإلمبراطورية ،إال أن هناك أمرا لم يغفره الشعب لإلمبراطور هرقل ،وهو مسألة زواجه من مارتينا
إبنة شقيقته في مخالفة صريحة لتعاليم المسيحية.
وكان هرقل قد تزوج من إيدوكيا فور اعتالئه العرش عام 610م ،وانجبت له قسطنطين ،وقام
هرقل بتتويجه بعد أيام من مولده ،وأعلنه قيصرا وشريكا له في الحكم ،وما لبثت إيدوكيا أن توفيت بعد فترة
قصيرة ،فتزوج هرقل من مارتينا إبنه شقيقته عام 612م ،وقابل الشعب والكنيسة هذا الزواج بغضب شديد،
وحاول البطريرك سرجيوس التصدي لهذا الزواج ،ولكنه لم يتمكن من التأثير على هرقل ،بل اضطر مرغما
بأمر من اإلمبراطور أن يضع بنفسه تاج اإلمبراطورية على رأس مارتينا ،رغم إيمانه بأن هرقل اقترف
إثما عظيما ،ولكنه وجد أن الوقوف في صف اإلمبراطور في ذلك الوقت العصيب ،هو الحل إلنقاذ
اإلمبراطورية من اإلنهيار الداخلي واإلغارات الخارجية.
انجبت مارتينا لهرقل ابنه هرقليون عام 626م ،وتوجه هرقل قيصرا ،واشركه معه في الحكم إلى جانب إبنه
األكبر قسطنطين( .أثمر زواج هرقل ومارتينا عن تسعة أطفال مصابين باعاقات)
لم تمض فترة طويلة على انتصار اإلمبراطورية على الفرس ،حتى بدأت حركة الفتوحات اإلسالمية ،فزحف
المسلمون يحركهم الحماس للجهاد ونشر اإلسالم في أراضي الدولة البيزنطية ،فانتصروا على البيزنطيين
في معركة اليرموك عام 636م ،وفتحوا بعض مدن بالد الشام ،وأخيرا دانت لهم القدس التي تسلمها الخليفة
عمر بن الخطاب بنفسه ،في نفس الوقت كانت الجيوش اإلسالمية تخضع بالد الفرس.
أوصى هرقل قبل موته باشتراك زوجته مارتينا في الحكم كوصية على إبنها هرقليون ،وعندما
توفى هرقل عام 641م ،تولي العرش أوالده قسطنطين (قسطنطين الثالث) وهرقليون تحت وصاية أمه
مارتينا حسب الوصية التي تركها هرقل ،ورغم أن هرقل أشرك أوالده معه في الحكم حتى يضمن عدم قيام
الثورة عليهم بعد موته ،إال أن الفتن جاءت من داخل األسرة نفسها ،فما لبث النزاع أن بدأ بقوة بين قسطنطين
الثالث ومارتينا باسم ابنها هرقليون ،ذلك الصراع الذي انتهى بوفاة قسطنطين بعد شهور قليلة ،ويقال أن
مارتينا تخلصت منه.
ورغم أن قسطنطين الثالث كان مريض ،واشتد عليه المرض قبل وفاته ،إال أن أصابع اإلتهام
أشارت لمارتينا ،واتهمت بأنها دست له السم ليخلو العرش إلبنها ،وبالتالي تكون هي المتحكمة في
اإلمبراطورية بحكم الوصاية على الصبي هرقليون ،ومن الجائز أنها قامت بذلك بالفعل قبل أن ينصب
قسطنطين الثالث ابنه قنستانز قيصرا ،فيصبح شريكا إلبنها في الحكم بعد موت والده ،وانفرد هرقليون
بالحكم تحت وصاية مارتينا ،وأصبحت جميع مقاليد األمور بيدها ،إال أن األمر قوبل بثورة شعبية ،وانتشرت
اإلضطرابات في اإلمبراطورية بسبب قتل قسطنطين الثالث ،وكانت النتيجة اصرار األهالي على تنازل
هرقليون عن العرش وترك الحكم لقنستانز ابن قسطنطين الثالث668 -641( ،م) ،وانتهى األمر بالقبض
على اإلمبراطور هرقليون وأمه ،فقطع لسان مارتينا ،وجدع أنف هرقليون ،حتى ال يعد لهم الحق في
المطالبة بالعرش.