Professional Documents
Culture Documents
9 2018 12 09!06 59 24 PM
9 2018 12 09!06 59 24 PM
االستفهام" :هو طلب حصول في الذهن ،والمطلوب حصوله في الذهن إما أن
يكون حكما بشيء على شيء أو ال يكون .واألول هو التصديق ويمتنع انفكاكه من
تصور الطرفين ،والثاني هو التصور وال يمتنع انفكاكه من التصديق".1
ف إذا ك ان ال تردد في الوق وع أو الالوق وع فه و التص ديق واذا ك ان ال تردد في
المفرد فهو التصور المعنوي كقولنا " :أقام زيد يكون االستفهام للتصديق أي لوقوع
الفعل أما إذا قلنا" :اقام زيد أم عمرو" يكون االستفهام للتصور والفرق بين الهمزة
ال تي يطلب به ا التص ور أو التص ديق َّ
أن ك ل م ا ص لح أن ي ؤتى بع ده ب أم المتص لة
فهو استفهام عن التصور.
وق د يخ رج االس تفهام مجازي ا إلى اغ راض بالغي ة تع رف من س ياق الكالم
وقرائن االلفاظ وقرائن االحوال ،قال القزويني" :ثم هذه األلفاظ كثيراً ما تستعمل
2
في مع ٍ
ان غ ير االس تفهام بحس ب م ا يناس ب المق ام" ،ويك ون الس ائل عن دها عالم اً
ب الخبر ،ولكن ه يس أل المخ اطب ليحق ق غرض ا في نفس ه ،فاالس تفهام المج ازي ال
يطلب به المتكلم الفهم لنفسه ،وانما يريد تفهيم المخاطب او السامع .قال ابو عبيدة
اس اتَّ ِخ ُذونِي َو ِّ
ُأم َي ِإلَهَْي ِن " :3ه ذا ب اب تفهيم وليس ت ِل َّلن ِ
ت ُقْل َ
في قول ه تع الىَ :أ َْأن َ
باس تفهام عن جه ل ليعلم ه .وه و يخ رج مخ رج االس تفهام وانم ا ي راد ب ه النهي عن
ذل ك ويته دد ب ه ،وق د علم قائل ه اك ان ذل ك ام لم يكن؟ ويق ول الرج ل لعب ده :أ فعلت
كذا؟ وهو يعلم انه لم يفعله ولكن يحذره وقال جرير:
ولم يستفهم ،ولو كان استفهاما ما أعطاه عبد الملك مائة من اإلبل برعاتها".4
29
واس تعمال اس لوب االس تفهام مج ازا يكس ب المع اني طبيع ة تختل ف عم ا هي
علي ه في ص ورتها الخبري ة ،فتجعله ا اك ثر حيوي ة ،وتزي د من االقن اع والت أثير به ا،
وذل ك لم ا في ه ذا االس تعمال من اث ارة للس امع ،وج ذب النتباه ه ،ومن اش راكه في
التفك ير ليص ل بنفس ه الى الج واب من دون ان ُيملى عليه .5ق ال ابن ج ني" :أن
المستفهم عن الشيء قد يكون عارفا به مع استفهامه في الظاهر عنه ،لكن غرضه
االس تفهام عن اش ياء ومنه ا ان ي رى المس ؤول ان ه خفي علي ه ليس مع جواب ه عن ه،
ومنها ان يتع رف حال المسؤول هل هو ع ارف بما الس ائل ع ارف به؟ ومنه ا ان
يرى الحاضر غيرهما انه بصورة السائل المسترشد ،لما له في ذلك من الغرض،
ك 7قدص ْد َر َ
َ ك
َ ل
َ ح
ْ ر ش
ْ
ْ َن
َ مَلَأ تعالى قوله وفي 6
ومنها ان يعد ذلك لما يعد مما يتوقعه"
خرج االستفهام من معناه الحقيقي الى المعنى التقريري ،اال ان االستفهام ظل باقيا
في االي ة .ومف اده طلب اق رار المخ اطب ب ه .وه ذا يتطلب جواب ا من المخ اطب
واق رار من ه بتل ك الحقيق ة .ويطل ق البالغي ون .8على االس تفهام ال ذي خ رج الى
المعاني المجازية اسم االعنات او تجاهل العارف و وهو سؤال المتكلم عما يعلمه
التدلة في
حقيقة تجاهال منه ،ليخرج كالمه مخرج المدح او الذم ،أو ليدل على شدة ّ
الحب ،او لقص د التعجب ،او الت وبيخ او التقري ر" 9ق ال الس بكي " ه ذا الن وع من
خروج االستفهام عن حقيقته … هل تقول :ان معنى االستفهام فيه موجود وانضم
الي ه مع نى اخ ر او تج رد من االس تفهام بالكلي ة؟ مح ل نظ ر وال ذي يظه ر االول.
ويساعد ما قدمناه عن التوخي من ان لعل تكون لالستفهام مع بقاء معنى الترجي..
ومم ا ي رجح االول ان االس تبطاء في قول ك كم ادع وك معن اه :ان ال دعاء ق د وص ل
الى ح د ال اعلم ع دده ،فان ا اطلب ان أفهم ع ددة ،والع ادة تقض ي ب ان الش خص انم ا
يس تفهم عن ع دد م ا ص در من ه اذا ك ثر فلم يعلم ه ،وفي طلب فهم ع دده م ا يش عر
30
باالس تبطاء ،وام ا التعجب فاالس تفهام مع ه مس تمر ،الن من تعجب من ش يء فه و
بلسان الحال سائل عن سببه.10"..
وق د ذك ر س يبويه بعض المع اني المجازي ة لالس تفهام ك التوبيخ والتح ذير،
والتس وية ،والتعجب ،والتقري ر ،والتنبيه ،11وذك ر ابن ف ارس التفج ع ،والتبكيت،
واالسترش اد ،والتقري ر ،والتس وية ،والتكث ير ،واالنك ار ،والنفي ،والع رض،
والتخصص ،واالخبار و التحقيق.12
االغراض المجازية التي خرج اليها االستفهام:
االسـتفهام للتعجـب:
ه و "مع نى ق ائم ب النفس يحص ل من ادراك االم ور القليل ة الوق وع المجهول ة
الس بب" 13وعرف ه ال دماميني " :انفع ال يح دث في النفس عن د الش عور ب امر يجه ل
سببه ،ومن ثم قيل :اذا ظهر السبب بطل العجب".14
كم ا في قول ه تع الى (كي ف تكف رون باهلل وكنتم اموات ا فاحي اكم) أي كي ف
تكف رون والح ال انكم ع المون به ذه القص ة ام ا الت وبيخ فالن الكف ر م ع ه ذه الح ال
ين بئ عن االنهم اك في الغفل ة او الجه ل ،وام ا التعجب فالن ه ذه الح ال ت أبى ان ال
يك ون للعاق ل علم بالص انع وعلم ه ب ه ي ابى ان يكف ر وص دور الفع ل م ع الص ارف
الق وي فطن ه تعجب ،15وق د ي أتي في الق ران الك ريم كالم في ص ورة اس تفهام ولكن
ت َي ا َوْيلَتَى َأ َِأل ُد َو ََأن ا َعج ٌ
ُوز َو َه َذا المع نى ي دل على التعجب نح و قول ه تع الى ،قَ الَ ْ
َب ْعِلي َش ْيخاً ِإ َّن َه َذا لَ َش ْي ٌء َع ِج ٌ
يب.16
31
وخروج االستفهام عن حقيقته الى التعجب مجاز مرسل ،والعالقة بينهما هي
عالق ة لزومي ة الن الس ؤال عن الح ال أي الس بب يس تلزم الجه ل ب ذلك الس بب،
والجهل يستلزم التعجب وقوعا او ادعاء 17وذكره السكاكي والقزويني والتفتازاني
ان ِم َن اْل َغ اِئبِين َ 19 18
والسيوطي .كما في قوله تعالىَ :ما لي ال ََأرى اْلهُ ْد ُه َد َْأم َك َ
فسيدنا سليمان تعجب من عدم رؤية الهدهد ؛ ألنه كان ال يغيب عن سليمان إال
فلم ا لم يبص ره في مكان ه تعجب من ح ال نفس ه في ع دم إبص اره ّإي اه ،وال
باذن ه ّ
يخفى أنه ال معنى الستفهام العاقل عن حال نفسه ،قال الزمخشري :نظر سليمان
إلى مكان الهدهد فلم يبصره فقالَ :م ا لي ال ََأرى َ على معنى انهُ ال يراه وهو
حاض ر لس اتر س تره او غ ير ذل ك ،ثم الح ل ه أن ه غ ائب فاض رب عن ذل ك واخ ذ
يق ول :أه و غ ائب كأن ه يس أل عن ص حة م ا الح ل ه" 20ي دل على َّ
أن االس تفهام على
ِ
حقيقته.
إن خ بر ص احب الكش اف ال ذي على َّ
أن االس تفهام على حقيقت ه لكن التعجب َّ
أوض ح ألن الط ير ُس ِّخ َر ل ه وع دم وج وده س بب للتعجب واآلي ة تتض من مج ازاً
مرسالً عالقته اللزومية ،فاالستفهام يلزم الجهل والجهل يلزم التعجب .
أي شيء حصـل لـي حـال كـوني والقرطبي فسرها بالقولَ " :ما لي أي ّ
ُد أي أه و حاض ر ،وس تره ع ني س اتر" 21فهو ي ذهب إلى ان ال ََأرى اْلهُ ْده َ
االس تفهام من س ياق الكالم إلى التعجب ي رى أن س ليمان اس تفهم على جه ة
ِ
لغيابه. التوقيف على الالزم ،وهذا ضرب من االيجاز وان استفهم متعجبا
32
وك ذلك ق رر االس تفهام في اآلي ة وأخرجه ا مخ رج التعجب إن لم ي ذكر اللف ظ
كم ا فع ل البق اعي .22وك ذلك فع ل ابن ج زي وتابع ه أب و حي ان ولم يص طلحا على
التعجب.23
الم 24وألنها في اآلية ومن االستفهام التعجبي قوله تعالىََّ :أنى يك ِ
ُون لي ُغ ٌ
َ ُ
وردت بمعنى كيف يكون لي غـالم فهي تستعمل مرة بمعنى كيف كقولـه تعـالى
َيا َم ْرَي ُم ََّأنى لَ ِك َه َذا ،25وتارة بمعنـى متى مثل قولنا ّاني تاتي ؟ .ففي قوله تعالى:
ب غالم اً وأن ا على ك بري ََّأنى يك ِ
ُأوه ُ
الم اس تفهام بمع نى التعجب ،فكي ف َ ُون لي ُغ ٌ َ ُ
هذا.
قال الطوسي " :ولما كان مطلوبه ولداً يقوم مقامه فيما هو فيه من النبوة التي
ال يطيقه ا إال ال ذكور االقوي اء الكمل ة ،وك انت الع ادة قاض ية ب أن ول د الش يخ يك ون
ضعيفاً ال سيما إن كان حرثه مع الطعن في السن في أصله غير قابل للزرع أحب
أن يصرح له بمطلوبه فقالََّ أنى أي كيف ومن أين يكون لي غالم " 26فالبقاعي
فس ر المع نى النفس ي لكالم س يدنا زكري ا .وذهب
لم يص رح بمع نى االس تفهام وإ ّنم ا َّ
الزمخش ري في تفس يرها انه ا " اس تبعاد من حيث الع ادة " .27ولم يص طلح عليه ا
بشيء .اما القرطبي فقد اصطلح على معنى االستفهام ولم يذكر الغرض البالغي
ال ذي ذهبت إلي ه اآلية .28وتف رد ابن ج زي ي ذكر الغ رض البالغي ب القولََّ :أنى
الم … تعجب واستبعاد أن يكون لهُ ولد مع شيخوخته ،وعقم امرأته " ي ُك ِ
ون لي ُغ ٌ
َ ُ
.29
33
أما أبو حيان فقد ذكر ِع ّدة اوجه لالستفهام فقال " :وهو على س بيل االستعظام
لقدرة اهلل تعالى… لكونه كالمدهوش عند حصول ما كان مستبعداً لهُ عادة " .30إذ
نج د أب ا حي ان اس تبدل الدهش ة ب التعجب وذك ر االس تبعاد وه و ب ذلك ُيق ُّر بغ رض
االستفهام التعجبي لآلية وتابعه البيضاوي في المعنى نفسه .31ولكن ابن جزي كان
أوضحهم في استعمال لفظ التعجب.
ُوز .32ق ال اب و حي ان: ومن االس تفهام التعجب قول ه تع الىَ :أ َِأل ُد َو ََأن ا َعج ٌ
"ولما كان ما بشرت به منكرا في نفسه بحسب العادة قالت َأ َِأل ُد َو ََأن ا أي والحال
إني عجوز…انكار وتعجب" .33فالتعجب بسبب الكبر.
ف َيكُون ِلْلم ْش ِر ِكين َعه ٌد ِع ْن َد اللَّ ِه و ِع ْن َد رس وِل ِه ِإاَّلومن ه قول ه تع الىَ :ك ْي َ
َ ُ َ َ ْ ُ ُ
يموا لَهُ ْم ِإ َّن اللَّهَ ُي ِح ُّ
ب اه ْدتُم ِع ْن َد اْلمس ِج ِد اْلح ر ِام فَم ا اس تَقَاموا لَ ُكم َف ِ
اس تَق ُْ ْ َ ْ ُ َ َ َْ ين َع َ ْالذ َ
َِّ
ِ
إن نقض العهد ليس عجيباً ولكـن بقـاء العهـد هو العجيـب فكيف يستفهم اْل ُمتَّق َ
ين َّ .34
بها عن الحال ،والحال قد يكون عاماً أي في مجموع االحول كقولنا كيف حالكم إن
اطلقت للع ام وان خصص ت تك ون للواح د .ولكن تطل ق م رة وال ي راد به ا الح ال
الحس ن واالخ ر
ولكن ي راد به ا التعجب .والتعجب به ا نوع ان اح دهما :تعجب من ُ
من القبح ،فالتعجب بصورة عامة لهُ ملحظان ملح ظٌ حسن وملحظ قبح ،واالستفهام
يخ رج إلى نكت بالغي ة عدي دة ،فعن دما نلبس اداة االس تفهام لبس اً ليس له ا يفهم من
ق رائن الكالم يخ رج االس تفهام عن حقيقت ه .تق ول مثالً لمن يه ددك من أنت تعجب ا
تهزاء وعن دما ت رى غريب اً تري د أن تتع رف علي ه تق ول :من انت ؟ .يك ون ً واس
استفهاماً حقيقي اً ،والحقيقة َّ
أن االستفهام المجازي يأتي بكيفية ال يجاب عنها باللفظ
وانما بالفعل أي أنها تحتاج إلى تجربة عملية ،فعند قوله تعالى :على لسان سيدنا
ف تُ ْحيِي
ب َِأرنِي َك ْي َ
يم َر ِّ ِإ ِ
إبراهيم متعجبا من احياء الموتى بقولهَ :وِإ ْذ قَ ا َل ْب َراه ُ
هود72: 32
التوبة7: 34
34
ِّه ،فأراه كيفية إحياء الطيور اْلم وتَى .35 امره اهلل أن يقوم بالتجربة بنفسه بإذن رب ِ
َ َْ
ِ ف يك ِ
ُون لْل ُم ْش ِرك َ
ين كتجرب ة عملي ة تجيب عن تعجب ه وتس اؤله .فقول ه تع الىَ :ك ْي َ َ ُ
َع ْه ٌد 36تعجب النهم يضمرون مما عرف عملياً ،الحقد والغدر.
يقول ابن عطية" :ولما كان األمر بالنبذ مظنة ألن يعجب منه ،عجب فقال" :
ِ ف يك ِ
ُون لْل ُم ْش ِرك َ
ين َع ْه ٌد فهو ي ذهب فمن يتعجب من هُ ؟ وانك ر علي ه فق الَ " :ك ْي َ َ ُ
أن في اآلي ة اض مار ،أي كي ف يك ون للمش ركين عه د م ع إض مار للتعجب وي ذكر َّ
عهد عند اهلل يأمنون به عذابه غداً ،وكيف يكون لهم الغدر .وكيف يكون للمشركين ٌ
اه ْدتُ ْم ِع ْن َد اَّل َِّ ِ
عهد يأمنون به عذاب الدنيا " .ثم استثنى فقالِ :إ الذ َ
ين َع َ عند رسوله ٌ
والس دي والكلبي وابن اسحاق ُ البغوي عن ال
ً نق البقاعي قال و " 37
اْل َم ْس ِج ِد اْل َح َر ِام
هم " :قبائل بكر ،بنو خزيمة ،وبنو مدلج ،وبنو ضمرة ،وبنو الديل ".38
وكالم ابن عطية يدل على ًّ
أن االستفهام االنكاري التعجبي محتاج إلى تجربة
عملية ويتابع كالمه في سياق توضيحه لآلية إذ يقول " :ولما انكر سبحانه أن يكون
للمش ركين غ ير المس تثنين عه ٌد ،بين الس بب الم وجب لالنك ار مك رراً اداة االنك ار
عهد ثابت " .39
ف أي يكون لهم ٌ تأكيداً للمعنى فقالَ " :ك ْي َ
فهو يتفق على معنى التعجب واالستنكار والنفي ،فالتعجب مع بقاء العهد أي
أن نقض العه د أم ر منطقي ب دليل ًّ
أن ال ذين لم ينقض وا العه د خ اطبهم ق ائال: َّ
ِ يموا لَهُ ْم ِإ َّن اللَّهَ ُي ِح ُّ
ب اْل ُمتَّق َ
ين. 40 فَ ِ
استَق ُ
ْ
التوبة7: 40
35
َّ ِ
ون بِالله َو ُك ْنتُ ْم ْ
41
ه ذه اآلية تحمل "على َأم َوات اً فُر َ
ف تَ ْك ُ
ونح و قول ه تع الىَ :ك ْي َ
42
وج ه التعجب والت وبيخ ،ال على االس تفهام المحض ،أي ويحكم كي ف تكف رون"
واآلية الكريمة تناولها أهل البالغة والتفسير في مصنفاتهم على انها استفهام بمعنى
التعجب .43ومن ه قول ه تع الى :قُتِ َل اإلنس ان َم ا َأ ْكفَ َرهُ .44وق د ق ف الف ّراء عن د ه ذه
45
اآلي ة الكريم ة فق ال" :يك ون تعجب اً ،ويك ون م ا ال ذي أكف ره؟ وبه ذا ج اء التفس ير"
"تعجب من إفراط ِه في
َ عود: الس و أب ال ق ، 46
وتبع ه المفس رون والبالغي ون في ذلك
ِ
الستحقاقه للدعاء عليه".47 الكفران وبيان
ف ُخِلقَ ْ
ت ،48قال الكسائي: ون إلى اإْل بِ ِل َك ْي َ
ُر َ
وفي تفسير قوله تعالىَ :أفَال َي ْنظ ُ
"عجبهم من حم ل االب ل إنه ا تحم ل وقره ا بارك ة ً ثم تنهض ب ه وليس ش يء من
الدواب يطيق ذلك إال البعير" 49فأداة االستفهام كيف -ههنا -ال يراد بها المعنى
الظاهري لها ،وإ نما ُأريد بها مع نى التعجب ،التعجب من حمل االبل وقرها وهي
باركة.
ِ ِ
ال ََأب َّش ْرتُ ُمونِي َعلَى َأن َّم َّس ن َي اْلكَب ُر فَبِ َم تَُب ِّش ُر َ
ون .50وتفسيرها قوله تعالى :قَ َ
ه و "ك ان إب راهيم يعلم جي داً أن ه من المس تبعد أن يحص ل ل ه ول د ض من الم وازين
الطبيعية ،ومع أن كل شيء مقدوراً هلل عز وجل ولهذا أجابهم بصيغة التعجب"،51
36
وق ال الزمخش ري" :ال والدة أم ر عجيب مس تنكر في الك بر فَبِ َم تَُب ِّش ُر َ
ون هي م ا
االستفهامية دخلها معنى التعجب" .52
يرى الزمخشري في أث ر االستفهام قد أفاد تعجب يعقوب عليه الس الم وأن
س بب التعجب أن الع ادة الجاري ة ب أن ال يحص ل الول د ح ال الش يخوخة التام ة تع د
مخالفة للموازين الطبيعية هي مدعاة التعجب ،وليس الشك في قدرة اهلل.
الم ْوتَى ِ ِ َّ ِِ ِ ِ ِ َّ
ُو ُي ْحيي َ
ُو اْل َول ُّي َوه َ
في قوله تعالىَ :أم ات َخ ُذوا من ُدون ه َْأولَي اء فَاللهُ ه َ
َو ُه َو َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير .53قال الشيرازي" :تقول اآلية بأسلوب التعجب واإلنكار:
َِأم اتَّ َخ ُذوا ِمن ُدونِ ِه َْأوِلَياء إال أنه :فَاللَّهُ ُه َو اْل َوِل ُّي فلو أرادوا أن يختاروا ولي اً فعليهم
أن يخت اروا اهلل ألن أدل ة واليت ه واض حة" ،54بينم ا ذهب الزمخش ري إلى دالل ة
ُو اْل َوِل ُّي ،ه و ال ذي يجب أن َّ
اإلنك ار بقول ه" :مع نى الهم زة في أم اإلنك ار فَاللهُ ه َ
يتولى ويعتقد أنه المـولى والسيد" .55
ويتض ح ب أن الش يرازي ق د ض من االس تفهام ِ
بـَأم اتَّ َخ ُذوا مع نى التعجب
المم زوج باإلنك ار وال ذي ه و أق رب إلى الدالل ة ،ألن الخط اب لم يق ف عن د تك ذيب
وإ بطال ما اتخذوا من أولياء من دون اهلل وما أعتقدوه بل أفاد التعجيب مما هم فيه
من تيه وضالل رغم الشواهد الناطقة بإلوهيته وهو اإلحياء واإلماتة والقدرة على
َّ
كل شيء وتزداد وتيرة النص عندما يقصر اهلل جنس الوالية عليه دون غيره فَاللهُ
ُو اْل َوِل ُّي م ع م ا أف اد ض مير الفص ل من تأكي د القص ر ،وال يخفى م ا في ه ذا
هَ
األسلوب من تعريض بالمشركين وآلهتهم.
وتتداخل أحياناً في األستفهام المراد به التعجب داللة العتاب والمالمة للداللة
على شدة التعجب كما في قوله تعالى :فَبِ ِّ ِ ٍ
َأي َحديث َب ْع َدهُ يُْؤ ِمُن َ
ون .56
37
ق ال القرط بي في مختتم س ورة المرس الت" :آخ ر اآلي ة من الس ورة ،ي أتي
الس ياق ممزوج اً بالعت اب والمالم ة ،فج اءت اآلي ة بص يغة االس تفهام التعج بي َفبِ ِّ
َأي
ِ ٍ
ُون إن الم راد من لم ي ؤمن ب القرآن ال ذي ل و أن زل على الجب ال َح ديث َب ْع َدهُ يُْؤ ِمن َ
لتصدعت وارتجفت فسوف لن يسلم ،ولن يؤمن بأي كتاب سماوي ،وال يقبل بأي
منطق عقالني ،وهذا يدل على روح العناد والتعصب" ،57وعن خاتمة هذه السورة
قال الفخ ر ال رازي" :وحث على التمسك ب النظر واالس تدالل واالنقي اد لل دين الح ق،
فختم السورة بالتعجب من الكفار ،وبين أنهم إذا لم يؤمنوا بهذه الدالئل اللطيفة مع
تجليها ووضوحها ،فَبِ ِّ ِ ٍ
َأي َحديث َب ْع َدهُ يُْؤ ِمُن َ
ون".58
فالقرطبي يرى الرد اإللهي القوي على تفرق المشركين وضاللتهم في عدم
اإليمان ال يقف عند حدود التعجب من حالهم ،بل أن الغضب اإللهي قد تداخل فيه
العت اب المالم ة وهم ا أعلى وأش د درج ة في الت أنيب من التعجب المص رح ب ه من
الزمخشري ،ولما كانت "األلفاظ ال تتفاضل من حيث هي ألفاظ ...وإ نما في مالئم ة
اللفظ ة لمع نى ال تي تليه ا" ،59ف إن ت داخل التعجب بالعت اب والمالم ة ق د عكس ال رد
اإللهي العنيف على روح التعصب والعناد عند الكافرين.
االستفهام االنكاري:
االنكار :ومعناه" :الجحود واالستنكار :استفهامك امراً تنكره" ،60وهو من اهم
المعاني الثانية التي يخرج اليها االستفهام" ،ففيه انت ال تقرر المخاطب في شيء
وانما تنكر عليه ،وتستهجن منه ما حدث في الماضي ،او ما يمكن ان يحدث في
المستقبل.61
38
وق د ف رق القزوي ني 62بين ثالث ة ان واع لإلنك ار وهي الت وبيخ والتك ذيب
والتقرير.
االستفهام اإلنكاري التوبيخي:
الت وبيخ ه و التعب ير و التقري ع على ام ر ق د وق ع في الماض ي او على ام ر
يخاف المرء ان يقع في المستقبل ،فهو بمعنى :ما كان ينبغي ان يكون هذا ،نحو:
اعصيت ربك او بمعنى :الينبغي ان يكون ،نحو :اتعصي ربك ،فالغرض منه الذم
64 ِِ ِ 63
على م ٍ
اض واالرت داع عن مس تقبل كم ا في قول ه تع الىَ :أفَ ُح ْك َم اْل َجاهلَّية َي ْبغ َ
ُون
بمعنى ال ينبغي ان يكون هذا الفعل منكم ،واالنكار عند عبد القاهر الجرجاني :هو
تنبيه السامع حتى يرجع الى نفسه فيخجل ويرتدع ويعي بالجواب اما النه ق د ادعى
القدرة على فعل ال يقدر علي ه ف اذا ثبت على دع واه قي ل ل ه :فافع ل فيفضحه ذلك.
وام ا الن ه ج وز وج ود ام ر ال يوج د مثله 65وس ر التعب ير باالس تفهام مك ان الت وبيخ
لغتهم ،واث ارة انتب اههم وطلب الج واب منهم لعلهم يفك رون بجدي ة في ح الهم،
67
ويصلون بانفسهم الى ما يصلح مستقبلهم 66وذكر السكاكي االنكار رديفا للتوبيخ
وقس م القزوي ني االنك ار على انك ار ت وبيخ ،وانك ار تك ذيب وه و االبط ال ال ذي يفي د
النفي ق ال ":االنك ار ام ا للت وبيخ بمع نى ،ماك ان ان يك ون نح و :اعص يت رب ك؟ او
بمعنى ال ينبغي ان يكون ،كقولك للرجل ويضيع الحق :اتنسى قديم احسان فالن؟
وكقول ك للرج ل ي ركب الخط ر :أتخ رج في ه ذا ال وقت؟ أت ذهب في غ ير الطري ق؟
هم
والغرض بذلك تنبيه السامع حتى يرجع الى نفسه فيخجل او يرتدع عن فعل ما َّ
به،
39
ِ
والتوبيخ يأتي بمعنى ما كان ينبغي أن يكون كقوله تعالى :قَ ا َل َي ا ِإْبل ُ
يس َم ا
{ص .}75:فقول ه: ِ ت َأم ُك ْن َ ِ َأن تَ ْس ُج َد ِل َم ا َخلَ ْق ُ
ت بَِي َد َّ
ينّ ت م َن اْل َع ال َ َأس تَ ْكَب ْر َ ْ
ي ْ ك ْ َمَن َع َ
ت اس تفهام خ رج إلى إنك ار االس تكبار وت وبيخ إبليس ق ال الطوس ي " :ثم َأس تَ ْكَب ْر َ
ْ
قس م الم انع إلى طلب العل و ووج ود العل و م ع اإلنك ار علي ه في االس تناد إلى ش يء
منهم ا ،فق ال في ص يغة اس تفهام التقري ر م ع االنك ار والتقري ع بيان اً ألن ه يلزم هُ ال
محالة زيادة على ما كفر به أن يكون على أحد هذين االمرين :استكبرت " .68
ثم يق ول مس تئنفاً الكالم على مع نى اآلي ة في س ياق مجيء َْ أم المعادل ة
لهمزة االستفهام وهي للتقرير والتوبيخ قالَْ " :أم معادلة لهمزة االستفهام وإ ن
ح ذفت من ق راءة بعض هم لدالل ة َْ أم عليه ا … به ذا االس تنكار 69فه و يتف ق في
اخ راج االس تفهام إلى مع نى الت وبيخ وه ذا ال ذي ذهب إلي ه الزمخش ري وتابع ه
البيضاوي.70
ين ،71فعن د قول ه :اص طفى فق ال:ِ ِ
طفَى اْلَبَن ات َعلَى اْلَبن َ
َأص َ
في قول ه تع الىْ :
االستفهام،وضمنوه معنى
ّ "استفهام وفيه توبيخ لهم" 72وعلماء البالغة تطرقوا لهذا
الت وبيخ ،كالس كاكي ،والقزوي ني وغ يرهم .73فيم ا حم ل عب د الق ادر الجرج اني،
والزمخشري ،االستفهام في هذه اآلية على معنى اإلنكار.74
ويبدو ان علة هذا التباين في اآلراء ،هو لتقارب المعاني ،فاالستفهام – هاهنا
ون بِاللَّ ِه
فُر َ
ف تَ ْك ُ
-إنك اري قص د من ه الت وبيخ.ومن ه ذا الغ رض قول ه تع الىَ :ك ْي َ
َأم َوات اً .75فاالس تفهام في ه ذه اآلي ة الكريم ة "على وج ه التعجب والت وبيخ ال
َو ُك ْنتُ ْم ْ
68التبيان.16/422 :
التبيان.424 – 16/423 : 69
الصافات153: 71
40
76
فاالس تفهام في اآلي ة الكريم ة على االس تفهام المحض ،أي ويحكم كي ف تكف رون"
ليس الغرض منه طلب الفهم ،وانما الغرض منه التعجب والتوبيخ .فمن العلماء من
جع ل اآلي ة الكريم ة على مع نى الت وبيخ ،ك الطبري ،والطبرسي . 77وذهب آخ رون
إلى أنه ا تحم ل مع نى التعجب ،ك ابن ف ارس ،والس كاكي ،وب در ال دين بن مال ك،
والسيوطي ،وغيرهم .78وجمع القزويني بين المعنيين في هذه اآلية ،وعد االستفهام
فيها من المجاز الذي معناه التعجب والتوبيخ.79
ين 80ق ال الف ّراء" :قرأه ا الحس نَأن َك ان َذا م ٍ ِ
ال َوَبن َ وفي تفس ير قول ه تع الىَ َ ْ :
البص ري ،واب و جعف ر الم دني باالس تفهام أ ان ك ان وبعض هم أن ك ان ب الف واح دة
بغ ير اس تفهام… ومن ق رأ :أن ك ان ذا م ال وب نين ،فإن ه وبخ ه ،أ الن ك ان ذا م ال
وبنين تطيعه؟".81
اه ا .82ق ال الطبرس ي" :اس تفهام َأش ُّد َخْلق اً َِأم َّ
الس َماء َبَن َ قول ه تع الىَ :أَأنتُ ْم َ
توبيخي لمنكري المعاد ،هل أن خلقكم وإ عادتكم إلى الحياة بعد الموت أصعب من
خل ق الس ماء" ،83وق ال ابن عاش ور" :االس تفهام تقري ري والمقص ود من التقري ر
إلجاؤهم إلى اإلقرار بأن خلق السماء أعظم من خلقهم" .84
وتت داخل في توجي ه الطبرس ي لالس تفهام ب التوبيخ دالل ة اإلهان ة للدالل ة على
ِئ َِّ ِ
ش دة الخط اب ،من ه قول ه تع الىَ :وَي ْو َم ُيَن ادي ِه ْم فََيقُو ُل َْأي َن ُش َر َكا َي الذ َ
ين ُكنتُ ْم
ُون".85فالس ؤال س ؤال ت وبيخ وإ هان ة ،ألن ي وم القيام ة ي وم كش ف الحجب تَْز ُعم َ
41
واألستار فال مفهوم للشرك والمشركون في ذلك اليوم باقون على عقيدتهم وشركهم
فهذا السؤال في الحقيقة نوع من اإلهانة والتوبيخ والعقوبة" ،86وذهب الزمخشري
إلى داللة التهكم إذ يقولُ " :ش َر َكاِئ َي مبني على زعمهم ،وفيه تهكم" ،87فيما وجه ابن
عاشور داللة االستفهام إلى النفي إذ يقول" :االستفهام بكلمة أين ظاهره استفهام عن
المك ان ال ذي يوج د في ه الش ركاء ولكن ه مس تعمل كناي ة عن انتف اء وج ود الش ركاء
المزعومين فاالستفهام مستعمل في االنتفاء".88
ون .89ق ال الش يرازي" :االس تفهام في قول ه تع الىَ :و ِقي َل لَهُ ْم َْأي َن َم ا ُكنتُ ْم تَ ْعب ُ
ُد َ
بـأين ت وبيخ وعت اب ومالم ة له ؤالء الض الين ال ذين اتخ ذوا معب ودين دون اهلل ،ال
يستطيعون معونتهم في هذه الشدة التي هم فيها ،أو يطلبون النصر والمعونة ،ألن
العبدة ومعبوديهم يساقون إلى النار" ،90وقال الزمخشري" :يوبخون على أشراكهم
فيقال لهم :أين آلهتكم؟" .91
إذ يجد الشيرازي االستفهام ق د خ رج مجازي اً للدالل ة على التوبيخ الممزوج
باللوم والعتاب للذين اتخذوا معبودين شركاء مع اهلل في العبادة ويبدو تكثيف هذه
الدالالت عند الشيرازي إلحساسه أن داللة التوبيخ التي وجهها الزمخشري وحدها
ال تكفي لإلحاط ة ب الحيرة والتخب ط والش دة ال تي أص ابت ه ؤالء وهم يس اقون إلى
النار ،فضالً عن تعدد موارد العذاب فيها.
ُل اللّ هُ َي ْه ِدي ِلْل َح ِّ
ق ققِ ُل َه ْل ِمن ُش َر َكآِئ ُكم َّمن َي ْه ِدي ِإلَى اْل َح ِّقول ه تع الى :ق ْ
في ِإالَّ َأن ُي ْه َدى فَ َم ا لَ ُك ْم َك ْي َ ق َأن يتَّب ع َّ َّ
َأمن ال َي ِه ِّد َ َأح ُّ ُ َ َ ق َ َأفَ َمن َي ْه ِدي ِإلَى اْل َح ِّ
ُون .92ق ال القرطبي" :ج اء االس تفهام في خاتم ة اآلي ة بـكيف بلهج ة الت وبيخ تَ ْح ُكم َ
42
ُون" ،93وذهب ابن عاش ور إلى الق ول:
ف تَ ْح ُكم َ
والتقري ع والمالم ة :فَ َم ا لَ ُك ْم َك ْي َ
"اس تفهام تعجي بي من حكمهم الض ال إذ حكم وا لمن ال يهت دي فه و تعجيب ف وق
تعجيب".94
االستفهام االنكاري التكذيبي:
االنك ار التك ذيبي " فه و اذا ادعى المخ اطب وق وع ش يء فيم ا مض ى او ن زل
منزل ة الم دعى اتى باالس تفهام االنك اري تك ذيبا ل ه في م دعاه في المض ي" 95ه ذا
وأن مدعيـه كـاذب بمع نى لَ ْم َي ُك ْن 96كقول ه تع الى: أن م ا بع ده غ ير واق ع َّ يقتض ي ّ
ين َواتَّ َخ َذ ِم َن اْل َمالِئ َك ِة ِإ َناثا.97ِ
َأصفَا ُك ْم َرُّب ُك ْم بِاْلَبن َ
َأفَ ْ
وقد ذكر سيبويه غير مقترن باالنكار قال " وذلك قولك اتميميا مرة وقيسيا
اخرى؟ وانما هذا انك رأيت رجالً في حال تلون وتنقل فقلت :أتميميا مرة وقيسيا
اخرى ،فانت في هذه الحال تعمل في تثبيت هذا له .وهو عندك في تلك الحال في
تلون وتنقل وليس ،يسأله مسترشدا عن امر هو جاهل به ،ليفهمه اياه ويخبر عنه
ولكنه وبخه بذلك.
ين 98وبمع نى :ال يك ون نح و: ِ ِ
طفَى اْلَبَن ات َعلَى اْلَبن َ
َأص َ وكقول ه تع الىْ :
ون 99وبقي ه ذا التقس يم في المح دثين 100نحـو قولـه وه ا َو َْأنتُ ْم لَهَ ا َك ِار ُه َ
َُأنْل ِز ُم ُك ُم َ
ين .101يعني لم يقع ذلك االصطفاء ،وذلك أنهم ِ ِ
طفَى اْلَبَن ات َعلَى اْلَبن َ َأص َ تعـالى :أ ْ
ق الوا المالئك ة بن ات اهلل ،ف أنكر ذل ك عليهم وك ذبهم ،وق ال " :افخص كم ربكم على
الصافات153: 101
43
وج ه الخل وص والص فاء بأفض ل االوالد وهم البن ون ،وأتخ ذ لنفس ه دونهم وهي
البنات ولم يكن ذاك ولم يصطف البنات ،ولم ينبغي لـهُ ذلك " وقـد قـرا الجمهور أ
طفَى بهمزة االستفهام على طريقة اإلنكار واالستبعاد " .102
َأص َ
ْ
وذهب الفراء مفسراً اآلية وأراد االستفهام وحـذف حـرف االستفهام كقوله:
طيَِّباتِ ُك ْم.104103
َأ ْذ َه ْبتُ ْم َ
ق ال الطوس ي " :ودل على ك ذبهم أيض ا بانك اره موبخ اً لهم في أس لوب
طفَى بهم زة االس تفام
َأص َ
االس تفهام زي ادة على األغض باب في قول ه تع الى :أ ْ
االنكاري ،ومن اسقطها فهي عنده مقدرة ،أي اخبروني هل اختار هذا السيد الذي
انتم مقرون بتمام عمله وشمول قدرته … ما تسترذلونه " .105
وفيم ا ذك ر الطوس ي االنك ار والتك ذيب ذك ر الزمخش ري االنك ار لالس تبعاد
وتابعه أبو حيان والبيضاوي واصطلح القرطبي وابن جزي على التوبيخ .106
االحقاف20: 103
44
يق رر المخ اطب بم ا يق ول فحس ب ،ب ل يجع ل ه ذا التقري ر س بيال الى وعظ ه او
109
وب ذلك يك ون االس تفهام في االي ة تقريري ا ومعن اه التحقي ق ،والغ رض تبكيت ه"
البياني من هذا االستفهام هو "الزام المخاطب بالحجة وانتزاع االعتراف منه بما
يريده المتلكم".110
ويق ول س يبويه ،ان ك تق ول للرج ل أطرب ا؟! وانت تعلم ان ه ق د ط رب لتوبخ ه
111
وه و حمل ك المخ اطب على االق رار واالع تراف ب امر ق د اس تقر عن ده وتق رره"
ك وقال ابو عبيدة" :تقول وانتص ْد َر َ
ك َ
ثبوته او نفيه كما في قوله تعالى َألَ ْم َن ْش َر ْح لَ َ
تض رب الغالم ال ذنب الس ت الفاع ل ك ذا؟ ليس باس تفهام ولكن تقري ر" 112واس تعمال
صيغة االستفهام في التقرير مجاز مرسل ،مع سبق جهل المستفهم فاستعمل لفظه
في مطل ق طلب االق رار ثم في طلب االق رار من غ ير س بق جهل .113وق د ج زم
الجرجاني في دالئل االعجاز بانه اذا كان االستفهام للتقرير ان يلي المنكر الهمزة
قال " :اذا قلت :أأنت فعلت ذاك كان غرضك ان تقرره بانه الفاعل ،بين ذلك قوله
يم 114ال شبهه في أنهم ِإ ِ ِِ ِ
ت َه َذا بآلهَتَن ا َي ا ْب َراه ُ
ت فَ َعْل َ
تعالى حكاية عن قوم نمرود َأ َْأن َ
لم يقولوا ذلك له عليه السالم وهم يريدون ان يقر لهم بان كسر االصنام قد كان،
ت
ت َف َعْل َ
ولكن ان يقر بانه منه كان ،وكيف؟ وقد اشاروا له الى الفعل في قولهمَ :أ َْأن َ
َه َذا ؟ وقال هو في الجواب :بل فعله كبيرهم هذا 115و لوكان التقرير بالفعل لكان
116
الجواب :فعلت او لم افعل
45
ومن شروط االستفهام التقريري أن يلي التقرير الهمزة وقد تبع الزمخشري
ون اللَّ ِه
ون ِم ْن ُد ِ
ُد َ
رأي الجرج اني حين فس ر قول ه تع الىَ :وَي ْو َم َي ْح ُش ُر ُه ْم َو َم ا َي ْعب ُ
يل؟ 117ق ال" :ان قلت م ا فائ دة ض لُّوا َّ
الس بِ َ ِ ِ ِ
َأض لَْلتُ ْم عَب ادي َه ُؤ الء َْأم ُه ْم َ
فََيقُو ُل َأ َْأنتُ ْم ْ
أنتم و هم وهال قيل ،أأضللتم عبادي هؤالء ام هم ضلوا السبيل؟ قلت :ليس السؤال
عن الفعل ووجوده؟ النه لوال وجوده لما توجه هذا العتاب وانما هو عن متوليه،
118
فالبد من ذكره وايالئه حرف االستفهام حتى يعلم انه المسؤول عنه
ون .119وذهب البقاعي َّ ِ َّ ِ
ومثله قوله تعالىُ ::ق ْل آللهُ َأذ َن لَ ُك ْم َْأم َعلَى الله تَ ْفتَ ُر َ
ُل أي من في تفسيرها بالقول…" :ثم ابتدأ أمراً آخر تأكيداً لالنكار عليهم فقال :ق ْ
أذن لكم في ذل ك ؟ آللَّهُ .120 "… وذهب الزمخش ري ب القول " :ان ْ أم متص لة،
والمع نى اخ بروني اهلل أذن لكم في التحلي ل والتح ريم ،ف انتم تفعل ون ذل ك بإذن ه أم
122
الغ رض البالغي ال ذي تتك ذبون على اهلل في نس بة ذل ك" .121ولم ي ذكر القرط بي
ذكره بقية المفسرين .وامثلته في تفسيره كثيرة.
َأنزْلتُمُوهُ ِم َن اْلم ْ
ُز ِن َْأم َن ْح ُن ونَ 68أَأنتُ ْم َ َِّ
قول ه تع الىَ :أفَ َر َْأيتُُم اْل َم اء الذي تَ ْش َرُب َ
نزلُون 69لَو َن َشاء جعْلَن اه ُأجاج اً َفلَ واَل تَ ْش ُكرونَ 70أفَ ر َْأيتُم َّ َّ ِ
ون71 تُور َالن َار التي ُ َ ُ ُ َ ْ ََ ُ َ ْ اْل ُم ِ َ
ون.123 "72 ِ
َأَأنتُ ْم َأن َشْأتُ ْم َش َج َرتَهَا َْأم َن ْح ُن اْل ُمنشُؤ َ
قال القرطبي" :ضرورة مالحظة هذه اآليات التي وردت في القرآن الكريم
بعن وان االس تفهام التقري ري ،وأن يعطي اإلنس ان جواب اً إيجابي اً هلل س بحانه وتع الى
46
الذي يتحدث معه لتركيز هذه الحقائق في روحه ونفسه ،وعليه أن يتعمق في ذلك
من خالل القراءة المتدبرة الواعية" .124
والمالحظة أن القرطبي يتعمق في البعد الداللي القابع خلف التعبير المجازي
فق د أش ار إلى أن ه ذا التك رار في التقري ر عن طري ق االس تفهام ه و إث ارة االنتب اه
تعطي حيزاً كبيراً للتدبر نعم اهلل سبحانه وتعالى التي ال يمكن استقطاب أثرها إال
من خالل االستفهام المتقدم.
ويلتفت القرط بي إلى مفه وم التقري ر بأن ه ع دول من األخب ار إلى التقري ر،
وسى .125 ك َح ِد ُ
يث ُم َ لقصد بيان حقيقة مهمة ،كما في قوله تعالىَ :و َه ْل َأتَا َ
قال القرطبي" :من البديهي أن هذا االستفهام ليس هدفه تحصيل الخبر ،فهو
سبحانه مطلع على جميع األسرار ،بل هو استفهام تقريري ،وبتعبير آخر فإن هذا
االس تفهام مق دم لبي ان خ بر مهم ،كم ا تق ول في مكالماتن ا اليومي ة حيث تري د أن تب دأ
بذكر خبر مهم :أسمعت هذا الخبر الذي...؟".126
وذهب الزمخش ري إلى دالل ة التأس ي لقص د ال ترغيب إذ يق ول" :قف اه بقص ة
موسى عليه السالم ليتأسى به في تحمل أعباء النبوة وتكاليف الرسالة والصبر على
مقاساة الشدائد".127
وذهب ابن عاشور إلى أن االستفهام قد خرج مجازي اً إلى التشويق إذ يقول:
"واالس تفهام مس تعمل في التش ويق إلى الخ بر مج ازاً وليس في حقيقت ه س واء ك انت
ه ذه القص ة قص ت على الن بي ص لى اهلل علي ه وآل ه وس لم من قب ل أم ك ان ه ذا أول
قص ة قص ها علي ه" ،128ويب دو القرط بي في ه ذا التوجي ه ق د أتب ع الفخ ر ال رازي إذ
ك وإ ن كان على لفظ االستفهام الذي ال يجوز على اهلل تعالى
يقول" :قوله َو َه ْل َأتَ ا َ
47
لكن القصد منه تقرير الجواب في قلبه وهذه الصيغة أبلغ في ذلك كما يقول المرء
لصاحبه هل أبلغك خبر كذا؟ فيتطلع السامع إلى معرفة ما يرمي إليه".129
وتب دو دالل ة التقري ر اق رب لس ياق الكالم لم ا فيه ا من حث للن بي لمواص لة
التبلي غ واإلص غاء لم ا يلقي ه إلي ه ،وي رى القرط بي مع نى التقري ر ق د يس تعمل في
مواطن اإلنكار فيحمل علي ه فيخاطب المنكر مخاطب ة المقر وذلك لوض وح األدلة
يده ومن ير ُزقُ ُكم ِّمن السَّم ِ
اء ِ
َ َ ق ثَُّم ُيع ُ ُ َ َ َ ْ
َأمن َي ْب َدُأ اْل َخْل َ
والبراهين ،وذلك مثل قوله تعالىَّ :
ين .130 ض َأِإلَهٌ َّمع اللَّ ِه ُق ْل َهاتُوا بر َه َان ُكم ِإن ُكنتُم ِ ِ
اَأْلر ِ
صادق َ ْ َ ْ ُْ َ َو ْ
ق ال القرط بي" :الس ؤال ال ذي يث يره كث ير من المفس رين وه و أن المش ركين
المخاطبين بهذه اآلية أغلبهم لم يعتقدوا بالمعاد المعاد الجسماني فكيف يوجه إليهم
هذا السؤال مع هذه الحال ويطلب منهم اإلقرار ،فالجواب على هذا السؤال مقرون
بدليل يس وق الطرف اآلخر لإلق رار ،ألن ه ب اعترافهم أن بداي ة الخلق من اهلل وهذه
المواهب والنعم كلها منه ،لكي تقبل عقولهم إمكان المعاد والرجوع من الحياة في
يوم القيامة مرة أخرى".131
فاالستفهام كما يرى القرطبي قد سبق لحمل الكافرين على اإلقرار بالمعاد،
و هم منك رون ل ه ،بي د أن النص الق رآني ق د س اق الكالم مقرون اً بدالل ة الحي اة
الظاهرة التي أقروا بها لحملهم اإلقرار بالحياة الثانية عن طريق الحث والتدبر.
وقد تتصاعد وتيرة التقرير من القوة أن يتداخل فيها االستهزاء ،كما في قوله
ب اْل ُكفَّ ُار َما َك ُانوا َي ْف َعلُ َ
ون.132 تعالىَ :ه ْل ثُِّو َ
إذ قال القرطبي :االستفهام في اآلية استفهام تقريري ،سواء صدر من اهلل،
تهزاء بأفك ار وادع اءات
ً أو من المالئك ة ،أو من المؤم نين ،فه و يمث ل طعن اً واس
48
أولئك المغرورون ،الذين كانوا يتصورون أن اهلل سيثيبهم على أعمالهم القبيحة،133
وحمل الفخر الرازي داللة االستفهام على التهكم إذ يقول" :واألولى أن يحمل ذلك
،135وق ال ص احب على س بيل التهكم كقول ه تع الىُ :ذ ْق ِإَّن َ
134
َأنت اْل َع ِزي ُز اْل َك ِر ُ
يم ك َ
.136 البحر" :استفهام بمعنى التقرير للمؤمنين ،أي هل جوزوا بها"
ويتض ح إص ابة القرط بي مف ادة الدالل ة إذ يب دو االس تفهام عن ده ق د س ار في
خطين مت وازيين األول :الحم ل على اإلق رار لمن يظن بع دم مج ازاة الك افرين
والثاني :على االستهزاء وهو أشد عذاباً وأقوى من التقرير فالسياق على ما يبدو
يوم الحساب الممزوج بالعذاب والخوف.
ومما رجح فيه داللة التقرير على اإلنكار قوله تعالىَ :ه ْل َأتَى َعلَى اِإْل َ
نس ِ
ان
الد ْه ِر لَ ْم َي ُكن َش ْيئاً َّم ْذ ُكوراً .137 ِح ٌ
ين ِّم َن َّ
ق ال القرط بي" :ه ل ي راد به ا ق د ،أنه ا بمع نى االس تفهام التقري ري ،أو
اإلنك اري ،ولكن الظ اهر فيه ا االس تفهام التقري ري ،فيك ون مع نى الجمل ة :أليس ق د
أتى على اإلنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً" .138
والظ اهر أن الزمخش ري جع ل ه ل بمع نى ق د واالس تفهام يس تفاد من هم زة
مق درة س بقتها ح تى ذهب ابن هش ام إلى الق ول" :وب الغ الزمخش ري ف زعم أنه ا أب داً
بمعى قد وإ نما االستفهام مستفاد مع همزة مقدرة معها".139
االستفهام التقريري:
49
وذك رهُ القزوي ني وابن هش ام .140ومعن اهُ حمل ك المخ اطب على االق رار
يل اْل ِكتَ ِ
اب ص َيق الَِّذي ب ْين ي َد ْي ِه وتَ ْف ِ
ص ِد َ ِ واالعتراف ٍ
َ َ َ َ بأمر ومنه قوله تعالىَ :ولَك ْن تَ ْ
ولُون ا ْفتَ َراه .141 فهمـزة االستفهـام في َْ أم ِ ب ِفي ِه ِم ْن َر ِّ
ين َْأم َيقُ َ
ب اْل َع الَم َ ال َر ْي َ
متض منة مع نى ب ل "اس تمروا على ض اللهم " .142وه ذا م ا ذهب الي ه الزمخش ري
وأبو حيان .143وهو مذهب سيبويه ذكرهُ أبو حيان.
يم .144 ويجب أن يلي ِإ ِ ِِ ِ
ت َه َذا بآلهَتَن ا َي ا ْب َراه ُ
ت فَ َعْل َ
ومن هُ قول ه تع الىَ :أ َْأن َ
هم زة االس تفهام الش يء المس ؤول عن هُ أو المق رر ب ِه ف اذا ج اء االس م بع دها ك ان
السؤال عن الفاعل ،واذا ورد الفعل كان السؤال عن الفعل قـال الشيخ الجرجاني" :
لم يقول وا ذل ك ل ه وهم يري دون أن ُيق َّر لهم ب أن كس ر االص نام ق د ك ان ،ولكن أن
ت َه َذا ت َف َعْل َُيق َّر بأن ه من هُ ك ان ،وكي ف وق د أش اروا الى الفع ل في ق ولهمَ :أ َْأن َ
ت
ت فَ َعْل َ وقالَ : ب ْل فَ َعلَ هُ َكبِ ُير ُه ْم َه َذا .ولو كان للتقرير بالفعل في قولهم َْ أن َ
هامة وهي ٍ ٍ
قضية فعلت او لم افعل .145فالشيخ الجرجاني يشير الى ُ لكن الجواب:
كيفية السؤال ،فالمقام في طرح السؤال ادى الى مقال الجواب َّ
ألن السؤال كان عن
نس بة الفع ل الى س يدنا اب راهيم ال الى الفع ل نفس ه وال دليل على ذل ك جواب ه .ق ال
البق اعي مفس راً ه ذه المع اني الدقيق ة ألس لوب االس تفهام ق ال " :ولم ا ك ان إحض اره
لمـا يقـع حض وره على تل ك الهيئـةمعلوم اً أنهم ال يت أخرون عن هُ ،أس تأنف إخبـار ّ
ت
فقـال :قَ الُوا منكرين عليه مقررين لـه بعـد حضوره على تلك الهيئـةَ :أ َْأن َ
ت َه َذا الفعل الفاحش بالهتنا قال :متهكماً بهم وملزماً بالحجة .وكناية عن انهم
فَ َعْل َ
العقل لهم لعبادتهم.146 " ...
يونس38-37: 141
االنبياء62: 144
50
ومن ه أيض ا قول ه تع الىَ :و َم ا لَهُ ْم َأاَّل ُي َع ِّذَبهُ ُم اللَّه .147فالظ اهر" ان َ م ا
أي شي لهم من انتفاء العذاب وهو استفهام معناهُ التقرير ،أي كيف استفهامية أي ّ
ال يعذبون وهم متصفون بهذه الصفة المقتضية للعذاب … وتقدير الكالم :وأي ح ظ
لهم في َ أاَّل ُي َع ِّذَبهُ ُم اللَّه .148 " ان ورود الفعل أو االسم بعد االستفهام ليفرق بين
المعاني ويزدها وضوحاً وامثلة.
51
التهكــم:
ُد َآباُؤ َن ا َْأو ك َأن َّنتْ ُر َ
ك َم ا َي ْعب ُ ْأم ُر َ
ك تَ َُأص الَتُ َ
ب َ ومنه قوله تعالى :قَ الُوْا َي ا ُش َع ْي ُ
يد .149قال الشيرازي" :إن قولهم الر ِش ُ
يم َّ ك َ ِ
َأَلنت اْل َحل ُ َأم َو ِالَنا َما َن َشاء ِإَّن َ ِ
َأن َّن ْف َع َل في ْ
يد ه ل ك ان كالم اً واقعي اً من منطل ق اإليم ان ب ه ،أم الر ِش ُ يم َّ ك َ ِ
َأَلنت اْل َحل ُ لش عيب ِإَّن َ
على س بيل االس تهزاء والس خرية؟! .أحتم ل المفس رون ال وجهين ،150ولكن م ع
مالحظة أسلوب سؤالهم الذي يستبطن االستهزاء ،يظهر أن هذه الجملة على نحو
االستهزاء" .151
ك
َأص الَتُ َ
ومن قول الشيرازي يتبين أنه أختار االستهزاء على أن قوله تعالى َ
يد جمل ة خبري ةالر ِش ُ
يم َّ ك َ ِ
َأَلنت اْل َحل ُ ك س ؤال يس تبطن االس تفهام ،وجمل ة ِإَّن َ
ْأم ُر َ
تَ ُ
تعكس واق ع االس تهزاء المؤك د بح رف إن والم القس م وبص يغة القص ر في جمل ة
يم للداللة على ثبات هذه الصفات فيه بداللة التعبير بالجملة االسمية بيد َ ِ
َأَلنت اْل َحل ُ
أنه ا خ رجت إلى س ياق االس تهزاء في حين أخت ار الزمخش ري مع نى التهكم
واالستهزاء ،152وهما واحد في المعنى.153
ومعنى االستهزاء قد يأتي متداخالً وممزوج اً بالسخرية للداللة على اإلنكار
ين .154 الشديد ،كما في قوله تعالى :ويقُولُون متَى َه َذا اْلو ْع ُد ِإن ُكنتُم ِ ِ
صادق َْ َ َ َ َ ََ
ق ال اآللوس ي ق الَ " :متَى َه َذا اْل َو ْع ُد بطري ق االس تهزاء يعن ون المبش ر ب ه
155
والمنذر عنه" .أن إيقاع االستفهام من قبل منكري يوم القيامة قد خرج مجازي اً
ُ
إلى داللة االستهزاء وقد ضمنها الشيرازي بالسخرية للداللة على شدة هذا التهكم
إيغاالً في استبعادهم لهذا الحدث العظيم وإ نكارهم له.
52
ك قَ الُوا ك َحتَّى ِإ َذا َخ َرجُوا ِم ْن ِع ْن ِد َ ومن ه قول ه تع الىَ :و ِم ْنهُ ْم َم ْن َي ْس تَ ِمعُ ِإلَْي َ
طَب َع اللَّهُ َعلَى ُقلُوبِ ِه ْم َواتََّب ُعوا ْ ال آنِفاً ُأولَِئ َ َِّ ين ُأوتُوا اْل ِعْل َم َما َذا قَ َ َِِّ
156
اء ُه ْم
َأه َو َ ين َ ك الذ َ للذ َ
تكلم الف ّراء على ه ذه اآلي ة فق ال" :فال يس تمعون وال يع ون ح تى إذا انص رفوا،
وخرج الناس قالوا للمسلمين :ماذا قال آنف اً ؟ يعنون النبي استهزاء منهم" .157قال
أب و الس عود" :أي م ا ال ذي ق ال الس اعة على طري ق االس تهزاء وإ ن ك ان بص ورة
االستعالم".158
َأم َو ِالَن ا ِ
َأن َن ْف َع َل في ْ
ُد َآباُؤ َن ا َْأو ْ
ك َم ا َي ْعب ُ
َأن َنتْ ُر َ
ك ْ ْأم ُر َ
ك تَ ُ
َأص التُ َ
قوله تعالىَ :
اء .159ق رر البق اعي التهكم اذ يق ول … " :وعن وا ب ذلك نس بته الى الس فه َم ا َن َش ُ
والغي على طري ق التهكم " .160وذك ر الزمخش ري اآلي ة انه ا على طري ق الس خرية
والهزء وتابعه البيضاوي.161
ونجد القرطبي يقرر االنكار بدالً من التهكم في تفسيره لالية فقال " :انكروا
لم ا رأوا من ك ثرة ص الته وعبادت ه ،وان هُ حليم رش يد " .162وص رح ابن ج زي
بغرض االستهزاء وهو يساوي التهكم فاستعمل الترادف قال " :والمعنى اصالتك
تامرك ان نترك عبادة االوثان ،وإ نما قال الكفار هذا على وجه االستهزاء.
.ق ال ام ِة ِ
163
ومن االس تفهام التهكمي قول ه تع الىَ :ي ْس َأ ُل ََّأي َ
ان َي ْو ُم اْلقَي َ
البق اعي " :ولم ا حكم بس هوهم ،دل علي ه بقول هَ :ي ْس َأ ُل أي حين اً بع د حين على
ان أي م تى واي حين " .164فالبق اعي
تهزاء بق ولهمََّ :أي َ
ً س بيل االس تمرار اس
هود87: 159
القيامة6: 163
53
يخرج ه على س بيل االس تهزاء .ق ال الزمخش ري " :ف ان قلت :كي ف وق ع ََّ أي َ
ان
ظرفاً لليوم ،وانما تقع االحيان ظروفاً للحدثان ؟ قلت :معناهُ :أيان وقوع يوم الدين
" .165وذهب أبو حيان ُم ِ
خرج اً االستفهام عن حقيقته ومعتمداً االستهزاء بالقول" :
أي متى وقت الجزاء ،سؤال تكذيب واستهزاء ".166
االستفهام للتوبيخ:
167
ون
ُد َ أن ما بعدها واقع َّ
وان فاعله ملوم .نحو قوله تعالىَ :أتَ ْعب ُ ويقتضي َّ
ربك ؟ بمع نى لم تُون . 168والت وبيخ إذا ك ان في الماض ي مث ل أعص يت َّ ِ
َم ا تَْنح َ
عصيت ؟ يكون بمع نى ما ك ان ينبغي بك عص يانه ،واذا ك ان في المض ارع مث ل:
أتعصي ربك ؟ على أمر خيف وقوعه في الحال أو في االستقبال ويكون بمعنى ال
ينبغي أن يقع ذلك في الحال او في االستقبال " .169
171
.فسر القرطبي اس بِاْلبِِّر َوتَْن َس ْو َن َْأنفُ َس ُك ْم
170
ون َّ
الن َ ْأم ُر َ
في قوله تعالىَ :أتَ ُ
وبين س ببه ،فق ال " :انك ر عليهم ترغيب اً فيم ا ن دبهم الي ه وحثهم االس تفهام الت وبيخي ّ
ون من االم ر وه و االل زام ب الحكم ".
ْأم ُر َ
علي ه .وتوبيخ اً على ترك ه بقول هَ :أتَ ُ
القرطبي172فسر االستفهام على التوبيخ وهو العلماء اليهود .وهذا الذي ذهب اليه
الزمخش ري ب القول " :الهم زة للتقريـر يرفـع التوبيـخ والتعجيـب من ح الهم ".173
وتابعه الى َّأنهُ استفهام للتوبيخ واصطلح عليه بالتقريع واالنكار.
54
َّ ِ
ون بِالله َو ُك ْنتُ ْم ْ
َأم َوات اً فُر َ
ف تَ ْك ُ
ومن االستفهـام الت وبيخي قول ه تع الىَ :ك ْي َ
َأحَي ا ُكم .174ق ال البق اعي " :ص رف وج ه الخط اب عن المواجه ة من الح ق تع الى فَ ْ
واج رى على لس ان ل ؤم وإ نك ار ،فج اء ه ذا االس تفهام أليض اح انقط اع الع ذر في
التمادي على الكفر ،وجاء بلفظ كيف لقصور نظرهم على الكيفيات المحسوسة فان
كيف مدلولـها استفهـام عن عمـوم االحـوال التي شأنها أن تدرك بالحواس " .175
ف على الت وبيخ او ام ا القرط بي فق د تعم ق في س بر المع اني فيحم ل َ ك ْي َ
االنك ار ويتح دث عن أس لوب االلتف ات من الغيب ة الى الخط اب االس تفهامي وي راهُ
أس لوباً اك ثر ردع اً وفائدت هُ االس تمرارية لص يغة المض ارع وه و مم ا لم نج ده عن د
الزمخشري اذ فسر اآلية بالقول :انكار وتعجب.176
ام ا أب و حي ان فيتوس ع في ش رحه لالي ة ن اقالً كالم الزمخش ري في المس ألة ثم
يق ول ه و من ب اب الكناي ة عن ده إذ قص د إنك ار الح ال والمقص ود انك ار وق وع ذات
الكفر.
االستفهام لالمر:
55
يخ رج االس تفهام مجازي اً الى غ رض األم ر وذك ر ه ذا الن وع ابن هش ام
َأس لَ ْمتُ ْم 178 ِ والسيوطي .177ومنه قوله تعالى :وق ْ َِِّ
ِّين َأ ْ
اُأْلمي َ
اب َو ِّ
ين ُأوتُوا اْلكتَ َ
ُل للذ َ َ
صبِ ُر َ
180 179
ون أي اصبروا. ون .ومنه َ أتَ ْ أي أسلموا وقوله :فَهَ ْل َْأنتُ ْم ُم ْنتَهُ َ
َأس لَ ْمتُ ْم معناه األمر .181أي اسلموا وقد ذهب الفراء والزجاج بالقول فيَ :أ ْ
182
َأس لَ ْمتُ ْم تهديـداً .وه ذا
ولم يصلح الزمخش ري على االمر .وقال القرط بيَ " :أ ْ
حسن ،الن المعنى أأسلمتم ام ال " .183
َأس لَ ْمتُ ْم
وفس ر ابن ج زي مع نى األم ر في اآلي ة ،ولم ي ذكر لفظ ة ق الَ " :أ ْ
تقري ر بع د إقام ة الحج ة عليهم أي ق د ج اءكم من ال براهين م ا يقتض ي ان تس لموا
" .184وتوس ع أب و حي ان في تفس ير االس تفهام لألم ر وأورد تفس ير الزمخش ري له ذا
الغرض المجازي واستشهد برأي الزجاج حول التهديد.185
َأس لَ ْمتُ ْم .186فقال" :هو استفهام ِ قوله تعالى :وق ْ َِِّ
ِّين َأ ْ
اُأْلمي َ
اب َو ِّ
ين ُأوتُوا اْلكتَ َ
ُل للذ َ َ
معن اه أم ر" 187واآلي ة الكريم ة أداره ا أه ل العلم :البالغي ون والمفس رون وأص حاب
عل وم الق رآن في مص نفاتهم على انه ا اس تفهام بمع نى االمر .188فيم ا جع ل
الزمخشري اآلية الكريمة على معنى التوبيخ.189
ينظر :االتقان.2/887 : 177
56
190
فسر هُون
ومما يخرج االستفهام إلى معنى آخر قوله تعالىَ :فهَ ْل َْأنتُ ْم ُم ْنتَ َ
الفراء اآلية الكريمة فقال" :استفهام وتأويله انتهوا … أو ال ترى انك تقول للرجل: ّ
اف عن ا ؟ معن اه اكف ف" .191واآلي ة الكريم ة ت دور في كتب اه ل البالغ ة ه ل أنت ك ٍ
الفراء في جع ل االس تفهام في
والتفس ير واص حاب عل وم الق رآن ،فق د ذهب وا م ذهب ّ
هذه اآلية يخرج إلى معنى االمر .192لكن الزمخشري حملها على معنى الت وبيخ في
موض ٍع ،193وفي موض ٍع آخ ر جع ل االس تفهام يحم ل مع نى النهي .194ويب دو لي أن
االظه ر في ه ذا ،م ا ذهب إلي ه أك ثر العلم اء ،وه و خ روج االس تفهام إلى مع نى
االمر.
االستفهام للنهي:
أدرك البالغي ون خ روج االس تفهام من معن اه الحقيقي إلى مع نى آخ ر مفي دا
ونهُ ْم بِ َم ا فَتَ َح اللَّهُ َعلَْي ُك ْم ِلُي َح ُّ
اجو ُك ْم بِ ِه ِع ْن َد غ رض النهي ،ففي قول ه تع الىَ :أتُ َح ِّدثُ َ
لُون .195ق ال الف راء :ه ذا من ق ول اليه ود لبعض هم ،أي ال تح دثوا ِ
َرِّب ُك ْم َأفَال تَ ْعق َ
المس لمين ب أنكم تج دون ص فة محم د في الت وراة وأنتم ال تؤمن ون ب ه فتك ون لهم
الحجة عليكم" 196وهذا المعنى أكده ابن كثير عندما أورد قول الحسن البصري حين
قال" :هؤالء اليهود كانو إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإ ذا خال بعضهم إلى بعض،
قال بعض هم :ال تح دثوا اص حاب محم د بم ا فتح اهلل عليكم في كت ابكم ليح اجوكم به
عند ربكم فيخصموكم".197
57
ف المعنى أن لفظ ة االس تفهام في أتح دثونهم ليس الغ رض منه ا إف ادة االس تفهام
الحقيقي كم ا في ظ اهر اآلي ة الكريم ة ،وإ نم ا الغ رض منه ا ه و النهي ،نهي اليه ود
أصحابهم من إخبار المسلمين بأنهم وجدوا صفة النبي محمد في التوراة ،لئال تك ون
عليهم الحجة باقرارهم في نبوته.
االستفهام للنفي:
ق د يخ رج االس تفهام من معن اه الحقيقي الى مع نى النفي ،كم ا في قول ه تع الى:
وب ِإاَّل اللَّهُ .198 ِ ُّ
َو َم ْن َي ْغف ُر الذُن َ
199
ولم ي ذكره الس بكي وذك ره ابن ف ارس مع نى مجازي ا من مع اني االس تفهام
201
ففي وانم ا اكتفى ب ذكر مع نى االنك ار 200ولم يف رق الس يوطي بين النفي واالنك ار
ين ال َي ْعلَمُون 202المع نى ق ل ال َِّ َِّ
ُون َوالذ َ ُل َه ْل َي ْس تَِوي الذ َ
ين َي ْعلَم َ قول ه تع الى :ق ْ
يستوي الذين يعلمون والذين ال يعلمون ،فجعل اهلل سبحانه وتعالى هذا المعنى في
ص ورة االس تفهام اذ ان ه لم يش أ ان ي أتي ب المعنى في جمل ة خبري ة ،ولكن ه اراد ان
ينبه السامع ويدعوه الى التأمل والنظر ليصل الى الجواب بنفسه من دون ان يملى
علي ه " ،ف النفي االس تفهامي يحم ل ال ذهن على التفك ير والمش اعر على ان نتج اوب
مع النص حيث ال يكون صريحا وانما يفهم ضمنا".203
وق د َذ َك ر الف ّراء خ روج االس تفهام عن معن اه الحقيقي إلى مع نى النفي ،ففي
ت ِإلَْيَنا ِِ ِ
قوله تعالىَ :يا ََأب َان ا َم ا َن ْبغي َه ذه بِ َ
204
الفراء مفسراً المعنى:
ّ قال اعتَُنا ُر َّد ْ
ض َ
طيب وا نفس ه .وم ا
"كقول ك في الكالم :م اذا نبغي ؟ ثم ق ال" :ه ذه بض اعتنا" ك َأنهم َ
سورة آل عمران :االية .135 198
58
اس تفهام في موض ع نص ب ويك ون جح داً ك أنهم ق الوا :لس نا نري د من ك دراهم ،واهلل
أعلم بص واب ذل ك" 205وعلى ه ذا المس ار في تفس ير اآلي ة الكريم ة ،س َار ال رازي
وأب و الس عود 206وفي موض ع آخ ر ،فص ل الف ّراء الق ول في االس تفهام ال ذي بمع نى
َّ ِ 207
ين َع ْه ٌد ِع ْن َد الله ِ ف يك ِ
ُون لْل ُم ْش ِرك َ
النفي ،وذل ك عن دما تن اول قولَ ه تع الىَ :ك ْي َ َ ُ
ت بها اآلية الكريمة ،فجعل اإلستفهام في قراءة على معنى فذكر القراءات التي قرَئ ْ
قراءة ُأخرى على معنى النفي .بقوله" :وقوله :كيف يكون للمشركين ٍ التعجب ،وفي
التعجب ؛ كم ا تق ول :كي ف يس تبقى مثل ك ؛ أي ال ينبغي أن
عه د عن د اهلل" على َ
يستبقى .وهو في قراءة عبد اهلل "كيف يكون للمشركين عهد عند اهلل وال ذمة فجاز
ألن معنى َأول الكالم جحد".208
دخول ال مع الواو َ
ف عن ده بعض علم اء البالغ ة
وه ذا التوجي ه في مع نى اآلي ة الكريم ة وقَ َ
وحم ل الزمخش ري ،وأب و الس عود اآلي ة على مع نى اإلنك ار ،210فيم ا 209
والتفس ير
أن اآلية تحمل معنى التعجب.211
ذهب القرطبي إلى َ
االستفهام للتسوية:
ق د تخ رج الف اظ االس تفهام عن معانيه ا الى مع نى التس وية أي االخب ار ب ان
ت َْأم لَ ْم تَ ُك ْن ِم َن
ظَ اء َعلَْيَن ا ََأو َع ْ االم رين س واء ،كم ا في قول ه تع الىَ :س َو ٌ
اء َعلَْي ِه ْم َأ َْأن َذ ْرتَهُ ْم َْأم لَ ْم تُْن ِذ ْر ُه ْم ال 212
ين وك ذلك في قول ه تع الىَ :و َس َو ٌ
ِِ
اْل َواعظ َ
59
يُْؤ ِمن َ
213
يق ول القرط بي " :معن اه :معت دل عن دهم االن ذار وترك ه أي س واء عليهم ُون
هذا وجئ باالستفهام من اجل التسوية".214
ونس تعمل الهم زة غالب ا لالس تفهام ولكنه ا تخ رج من الحقيق ة الى المج از الى
معنى التسوية ،يقول سيبويه " :ومثل ذلك :ما ادري أزيدا مررت به أم عمراً و ما
ابالي أعب د اهلل لقيت اخاه أم عمراً النه حرف االس تفهام وهي تلك االل ف ال تي في
قولك :أزيدا لقيته أم عمرا.215
وتالزم الهمزة ام المتصلة للداللة على التسوية ،يقول سيبويه " :وانما لزمت
ام هاهنا النك تريد معنى ايهما ،اال ترى انك تقول :ما ابالي أي ذلك كان ،سواء
علّي ،أي ذلك كان ،فالمعنى واحد".216
وان من م يزات الهم زة ال تي تم يزت به ا من س ائر االدوات االخ رى بانه ا
تخ رج الى التس وية اذا وردت بع د االلف اظ :.م ا أب الي ولس ت ادري ،وم ا ادري،
وليت شعري ،و غيرها يقول المبرد " :ويدخل في باب التسوية مثل قولك :سواء
علي أذهبت أم جئت و م ا أب الي أقبلت أم أدب رت و ليت ش عري أزي د في ال دار أم
َّ
عمرو ..فادخلت حروف االستفهام هاهنا اليجابها التسوية".217
وه و االس تفهام ال داخل على جمل ة يص ح حل ول المص در عليه ا ،نح و قول ه
ِ
ُون . 218قرر البقاعي غرض اء َعلَْي ِه ْم َأ َْأن َذ ْرتَهُ ْم َْأم لَ ْم تُْن ذ ْر ُه ْم ال يُْؤ ِمن َ
تعالىَ :س َو ٌ
اء َعلَْي ِه ْم … أي ان ذارك في ه ذا ال وقت به ذا ال وقت به ذا التس وية فق الَ :س َو ٌ
الكت اب َْ أم لَ ْم تُْن ِذ ْر ُه ْم أي وعـدم إن ذارك فيـه وبعـده وقـد أنس لخ عـن َْ أم
ألنهم توغلوا في الكفـر...
والهمزة معنى االستفهام ...وقد سلخت عن معناه افهاماً ّ
60
ولمـا كـان كأنـه قيـل في أي شي اسـتوت حالتهـم قيــل في انهم ال يُْؤ ِمن َ
ُون.219 "
فالبقاعي يذكر غرض التسوية وهو يتابع في االغلب صاحب الكشاف.
ين.220 ِِ ِ
ت َْأم لَ ْم تَ ُك ْن م َن اْل َواعظ َ
ظَاء َعلَْيَن ا ََأو َع ْ
قَ الُوا َس َو ٌ ومن ه قول ه تع الى:
ين … فه و أبل ع من ام لم تع ظ او تكن ِِ ِ
تَ ُك ْن م َن اْل َواعظ َ
ق ال البق اعيَْ " :أم لَ ْم
مستو في الحالتين في ّأنا ال نطيعك في شي." 221
ٍ واعظاً والمعنى أن األمر
الشعراء136: 220
61
"فخبر وإ ن خرج مخرج االستفهام ،وتقديره" :قد رأيت إن اهلل
ٌ وقال الرماني:
ينزل من السماء ماء فتصبح األرض مخضرة ،وهو تنبيه على ما رآه ليتأمل فيه"
وتبعهم الزمخشري ،والسيوطي.228 227
62
االستفهام لالستبطاء:
من معاني االستفهام االستبطاء :نحو كم دعوتك ؟ وعليه قوله تعالىَ :حتَّى
يب 229فقوله: ص َر اللَّ ِه قَ ِر ٌ َّ ِ
ص ُر الله َأال ِإ َّن َن ْ
آمنُوا َم َع هُ َمتَى َن ْ
ين َ
َِّ
الر ُس و ُل َوالذ َ
قُول َّ
َي َ
كم دعوتك استفهام خرج إلى معنى استبطاء المخاطب في تلبية الدعوة ،وهو مج از
مرسل عالقته السببية ،والقرينة حالية ،وبيانه َّ
أن االستفهام مسبب عن الجهل بعدد
ال دعوة ،والجه ل بالع دد مس بب عن كثرته ا وكثرته ا مس ببة عن االس تبطاء ،وك ذا
اطلق اسم المسبب وأريد السبب وهو االستبطاء.
وفي اآلية الكريمة أيضا خرج االستفهام عن زمان الوعد إلى االستبطاء في
النصر .قال البقاعي " :ولما كان معنى الكالم طلب النصر واستبطاء األمر أجابهم
تع الى إجاب ة المن ادي في ح ال اش تداد الض ر بقولهَ أال اس تفتاحاً وتنيه اً وجمع اً
أن نصر اهلل قريب".230
للقلوب َّ
وذهب الزمخش ري أن مع نى اآلي ة ه و طلب النص ر وتمني ه واس تطالة زم ان
الش دة وه و دلي ل على تن اهي األم ر وعظمه .231ق ال القرط بي" :أي بل غ بهم الجه د
بهم ح تى اس تنبطؤا النص ر " .232أم ا أب و حي ان فق د ذك ر مع نى االس تبطاء وق ال:
"وذل ك على س بيل االس تبطاء إذ م ا حص ل لهم من الش دة واالبتالء والزل زال ه و
الغاي ة القص وى وتن اهي ذل ك وتم ادي ب المؤمنين إلى أن نطق وا به ذا الكالم ...ق الوا
ذلك استبطاء للنصر وضجرا مما نالهم من الشدة".233
أم ا أن االس تبعاد غ ير متوق عّ ، أن الف رق بين االس تبطاء واالس تبعاد ّ والحقيق ة َّ
االس تبطاء فمتعلق ه متوق ع الحص ول كالس ؤال عن نص ر اهلل ،ومن امثل ه االس تبعاد
ين ثَُّم تََولَّ ْوا َع ْن هُ َوقَ الُوا ُم َعلَّ ٌم
اء ُه ْم َر ُس و ٌل ُمبِ ٌ ِّ
قول ه تع الىََّ :أنى لَهُ ُم ال ذ ْك َرى َوقَ ْد َج َ
63
ُون .234فان ه ال يج وز حمل ه على حقيق ة االس تفهام ،وه و ظ اهر ،ب ل الم راد
َم ْجن ٌ
اء ُه ْم َر ُس و ٌل ُمبِ ٌ
ين ثَُّم اس تبعاد أن يك ون لهم ال ذكرى ،بقرين ة قول ه تع الىَ :وقَ ْد َج َ
تََولَّ ْوا َع ْنهُ أي كيف يتذكرون ويتعظون ويوفون بما وعدوه من االيمان عن د كشف
الع ذاب عنهم وق د ج اءهم م ا ه و اعظم وادخ ل في وج وب األدك ار من كش ف
الدخان ،وهو ما ظهر على يد رسول اهلل من اآليات البينات من الكتاب المعجز
وغ يره فلم ي ّذكروا واعرض وا عنه .235فال ذكرى لن تق ع وه و اس تفهام خ رج إلى
معنى االستبعاد الن متعلقه غير متوقع.
االستفهام لالستغاثة:
اس تَ ْكَب ُروا ِإَّنا َِِّ ون ِفي َّ
الن ِار فََيقُو ُل ُّ ومنه قوله تعالىَ :وِإ ْذ َيتَ َح ُّ
ين ْ
الض َعفَاء للذ َ اج َ
الن ِار.236 ُكَّنا لَ ُكم تَبعاً فَه ْل َأنتُم ُّم ْغُنون عَّنا َن ِ
صيباً ِّم َن َّ َ َ ْ َ َ
ق ال الش يرازي" :ه ؤالء األتب اع يعلم ون أن الع ذاب سيش مل زعم ائهم وال
يس تطيعون ال دفاع عن أنفس هم فلم اذا إذا يس تعينون بهم ويلجئ ون إليهم كي يتحمل وا
عنهم قسطاً من العذاب ،ذهب البعض ،إن ذلك يحصل تبع اً لعادتهم في االنقياد إلى
زعم ائهم في ه ذه ال دنيا ،ل ذلك تك ون اس تغاثتهم بهم نوع اً من االنقي اد غ ير اإلرادي
وراء ق ادتهم ،ولكن األفض ل إن االس تغاثة هن اك هي ن وع من الس خرية االس تهزاء
والل وم ،يثبت أن ك ل ادع اءات المس تكبرين مج رد تق والت زائف ة عاري ة المض مون
والحقيق ة" .237وذهب ابن عاش ور إلى دالل ة الحث والل وم إذ يق ول" :واالس تفهام في
ُون مستعمل في الحث واللوم على خذالنهم وترك االهتمام بما
قوله :فَهَ ْل َأنتُم ُّم ْغن َ
هم فيه من عذاب".238
الدخان14-13: 234
64
إن االس تفهام ال دال على االس تغاثة هن ا ال ينص رف إلى االس تغاثة بق در م ا
ينق ل خالص ة موق ف ع دم ج دوى إنق اذهم وانج ائهم إذ تعطلت األس باب وأنكش فت
ادع اءات المس تكبرين وك ذبهم ،وتت داخل ال دالالت لت داخل المواق ف والمش اعر
وتحدث الفجوة الحادة عندما يتم مفارقة االستغاثة إلى السخرية واالستهزاء واللوم
وهو ردة ونقض لما توهموا ،وهو أعلى درجة من داللة الحث واللوم التي وجهها
ابن عاشور وذلك لفرط ما هم فيه من الويل والحسرة وأليم العذاب.
65
االستفهام للتشويق:
وي أتي االس تفهام للتش ويق عن دما يقص د المتكلم إلى ت رغيب المخ اطب
وسى .244 ك َح ِد ُ
يث ُم َ واستمالته وحثه على االنتباه ،كما في قوله تعالىَ :و َه ْل َأتَا َ
ق ال ص احب الطوسي" :توج ه ه ذا الح ديث إلى الن بي ص لى اهلل علي ه وآل ه
وس لم بص يغة االس تفهام يقص د ب ه التش ويق الس امع إلى الخ بر ،245وذهب اآللوس ي
إلى دالل ة ال ترغيب إذ يق ول "ت رغيب ل ه ص لى اهلل علي ه وآل ه وس لم في اس تماع
246
ك استفهام صوري يقصد من أمثاله تشويق
حديثه" ،وقال ابن عاشور"َ :و َه ْل َأتَ ا َ
السامع إلى الخبر".247
تميل لنفس
والظاهر أن داللة التشويق والترغيب هما واحد في الداللة على ّ
الرسول الكريم وتعزيز له بمواصلة دعوته رغم المحن والصعاب ،من هنا تظهر
قدرة صاحب األمثل في تفهمه ألثر االستفهام في إيضاح الداللة ،من خالل تتبعه
وتفهم ه ألداء االس تفهام في الجمل ة وف ق نغم معين وتص ويت يح دد معن اه والغاي ة
من ه ،وظه رت ق درة المفس ر في الح االت والمواق ف ال تي تختل ط فيه ا المع اني
المجازية وذلك إلحساسه بأن النص القرآني نص معجر متعدد الدالالت.
66