Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 38

‫الفصل الثاني‪ :‬أسلوب االستفهام بالغيا ً‪.

‬‬
‫االستفهام‪" :‬هو طلب حصول في الذهن‪ ،‬والمطلوب حصوله في الذهن إما أن‬
‫يكون حكما بشيء على شيء أو ال يكون‪ .‬واألول هو التصديق ويمتنع انفكاكه من‬
‫تصور الطرفين‪ ،‬والثاني هو التصور وال يمتنع انفكاكه من التصديق"‪.1‬‬
‫ف إذا ك ان ال تردد في الوق وع أو الالوق وع فه و التص ديق واذا ك ان ال تردد في‬
‫المفرد فهو التصور المعنوي كقولنا‪ " :‬أقام زيد يكون االستفهام للتصديق أي لوقوع‬
‫الفعل أما إذا قلنا‪" :‬اقام زيد أم عمرو" يكون االستفهام للتصور والفرق بين الهمزة‬
‫ال تي يطلب به ا التص ور أو التص ديق َّ‬
‫أن ك ل م ا ص لح أن ي ؤتى بع ده ب أم المتص لة‬
‫فهو استفهام عن التصور‪.‬‬
‫وق د يخ رج االس تفهام مجازي ا إلى اغ راض بالغي ة تع رف من س ياق الكالم‬
‫وقرائن االلفاظ وقرائن االحوال‪ ،‬قال القزويني‪" :‬ثم هذه األلفاظ كثيراً ما تستعمل‬
‫‪2‬‬
‫في مع ٍ‬
‫ان غ ير االس تفهام بحس ب م ا يناس ب المق ام" ‪ ،‬ويك ون الس ائل عن دها عالم اً‬
‫ب الخبر‪ ،‬ولكن ه يس أل المخ اطب ليحق ق غرض ا في نفس ه‪ ،‬فاالس تفهام المج ازي ال‬
‫يطلب به المتكلم الفهم لنفسه‪ ،‬وانما يريد تفهيم المخاطب او السامع‪ .‬قال ابو عبيدة‬
‫اس اتَّ ِخ ُذونِي َو ِّ‬
‫ُأم َي ِإلَهَْي ِن‪ " :3‬ه ذا ب اب تفهيم وليس‬ ‫ت ِل َّلن ِ‬
‫ت ُقْل َ‬
‫في قول ه تع الى‪َ :‬أ َْأن َ‬
‫باس تفهام عن جه ل ليعلم ه‪ .‬وه و يخ رج مخ رج االس تفهام وانم ا ي راد ب ه النهي عن‬
‫ذل ك ويته دد ب ه‪ ،‬وق د علم قائل ه اك ان ذل ك ام لم يكن؟ ويق ول الرج ل لعب ده‪ :‬أ فعلت‬
‫كذا؟ وهو يعلم انه لم يفعله ولكن يحذره وقال جرير‪:‬‬

‫واندى العالمين بطون راح‬ ‫ألستم خير من ركب المطايا‬

‫ولم يستفهم‪ ،‬ولو كان استفهاما ما أعطاه عبد الملك مائة من اإلبل برعاتها"‪.4‬‬

‫مفتاح العلوم‪146 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه ‪. 1/234‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة المائد‪ :‬االية ‪.116‬‬ ‫‪3‬‬

‫مجاز القران‪.184-1/183 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪29‬‬
‫واس تعمال اس لوب االس تفهام مج ازا يكس ب المع اني طبيع ة تختل ف عم ا هي‬
‫علي ه في ص ورتها الخبري ة‪ ،‬فتجعله ا اك ثر حيوي ة‪ ،‬وتزي د من االقن اع والت أثير به ا‪،‬‬
‫وذل ك لم ا في ه ذا االس تعمال من اث ارة للس امع‪ ،‬وج ذب النتباه ه‪ ،‬ومن اش راكه في‬
‫التفك ير ليص ل بنفس ه الى الج واب من دون ان ُيملى عليه‪ .5‬ق ال ابن ج ني‪" :‬أن‬
‫المستفهم عن الشيء قد يكون عارفا به مع استفهامه في الظاهر عنه‪ ،‬لكن غرضه‬
‫االس تفهام عن اش ياء ومنه ا ان ي رى المس ؤول ان ه خفي علي ه ليس مع جواب ه عن ه‪،‬‬
‫ومنها ان يتع رف حال المسؤول هل هو ع ارف بما الس ائل ع ارف به؟ ومنه ا ان‬
‫يرى الحاضر غيرهما انه بصورة السائل المسترشد‪ ،‬لما له في ذلك من الغرض‪،‬‬
‫ك‪ 7‬قد‬‫ص ْد َر َ‬
‫َ‬ ‫ك‬
‫َ‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫ر‬ ‫ش‬
‫ْ‬
‫ْ َ‬‫ن‬
‫َ‬ ‫م‬‫َ‬‫ل‬‫َأ‬ ‫تعالى‬ ‫قوله‬ ‫وفي‬ ‫‪6‬‬
‫ومنها ان يعد ذلك لما يعد مما يتوقعه"‬
‫خرج االستفهام من معناه الحقيقي الى المعنى التقريري‪ ،‬اال ان االستفهام ظل باقيا‬
‫في االي ة‪ .‬ومف اده طلب اق رار المخ اطب ب ه‪ .‬وه ذا يتطلب جواب ا من المخ اطب‬
‫واق رار من ه بتل ك الحقيق ة‪ .‬ويطل ق البالغي ون‪ .8‬على االس تفهام ال ذي خ رج الى‬
‫المعاني المجازية اسم االعنات او تجاهل العارف و وهو سؤال المتكلم عما يعلمه‬
‫التدلة في‬
‫حقيقة تجاهال منه‪ ،‬ليخرج كالمه مخرج المدح او الذم‪ ،‬أو ليدل على شدة ّ‬
‫الحب‪ ،‬او لقص د التعجب‪ ،‬او الت وبيخ او التقري ر"‪ 9‬ق ال الس بكي " ه ذا الن وع من‬
‫خروج االستفهام عن حقيقته … هل تقول‪ :‬ان معنى االستفهام فيه موجود وانضم‬
‫الي ه مع نى اخ ر او تج رد من االس تفهام بالكلي ة؟ مح ل نظ ر وال ذي يظه ر االول‪.‬‬
‫ويساعد ما قدمناه عن التوخي من ان لعل تكون لالستفهام مع بقاء معنى الترجي‪..‬‬
‫ومم ا ي رجح االول ان االس تبطاء في قول ك كم ادع وك معن اه‪ :‬ان ال دعاء ق د وص ل‬
‫الى ح د ال اعلم ع دده‪ ،‬فان ا اطلب ان أفهم ع ددة‪ ،‬والع ادة تقض ي ب ان الش خص انم ا‬
‫يس تفهم عن ع دد م ا ص در من ه اذا ك ثر فلم يعلم ه‪ ،‬وفي طلب فهم ع دده م ا يش عر‬

‫ينظر‪ :‬من بالغة النظم العربي‪.2/103 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫الخصائص‪.467-2/66 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫سورة الشرح‪ :‬االية ‪.1‬‬ ‫‪7‬‬

‫ينظر عروس االفراح‪ ،‬شروح التلخيص‪.307-2/306 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫حسن التوسل الى صناعة الترسل‪.231 :‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪30‬‬
‫باالس تبطاء‪ ،‬وام ا التعجب فاالس تفهام مع ه مس تمر‪ ،‬الن من تعجب من ش يء فه و‬
‫بلسان الحال سائل عن سببه‪.10"..‬‬
‫وق د ذك ر س يبويه بعض المع اني المجازي ة لالس تفهام ك التوبيخ والتح ذير‪،‬‬
‫والتس وية‪ ،‬والتعجب‪ ،‬والتقري ر‪ ،‬والتنبيه‪ ،11‬وذك ر ابن ف ارس التفج ع‪ ،‬والتبكيت‪،‬‬
‫واالسترش اد‪ ،‬والتقري ر‪ ،‬والتس وية‪ ،‬والتكث ير‪ ،‬واالنك ار‪ ،‬والنفي‪ ،‬والع رض‪،‬‬
‫والتخصص‪ ،‬واالخبار و التحقيق‪.12‬‬
‫االغراض المجازية التي خرج اليها االستفهام‪:‬‬
‫االسـتفهام للتعجـب‪:‬‬
‫ه و "مع نى ق ائم ب النفس يحص ل من ادراك االم ور القليل ة الوق وع المجهول ة‬
‫الس بب"‪ 13‬وعرف ه ال دماميني‪ " :‬انفع ال يح دث في النفس عن د الش عور ب امر يجه ل‬
‫سببه‪ ،‬ومن ثم قيل‪ :‬اذا ظهر السبب بطل العجب"‪.14‬‬
‫كم ا في قول ه تع الى (كي ف تكف رون باهلل وكنتم اموات ا فاحي اكم) أي كي ف‬
‫تكف رون والح ال انكم ع المون به ذه القص ة ام ا الت وبيخ فالن الكف ر م ع ه ذه الح ال‬
‫ين بئ عن االنهم اك في الغفل ة او الجه ل‪ ،‬وام ا التعجب فالن ه ذه الح ال ت أبى ان ال‬
‫يك ون للعاق ل علم بالص انع وعلم ه ب ه ي ابى ان يكف ر وص دور الفع ل م ع الص ارف‬
‫الق وي فطن ه تعجب‪ ،15‬وق د ي أتي في الق ران الك ريم كالم في ص ورة اس تفهام ولكن‬
‫ت َي ا َوْيلَتَى َأ َِأل ُد َو ََأن ا َعج ٌ‬
‫ُوز َو َه َذا‬ ‫المع نى ي دل على التعجب نح و قول ه تع الى‪ ،‬قَ الَ ْ‬
‫َب ْعِلي َش ْيخاً ِإ َّن َه َذا لَ َش ْي ٌء َع ِج ٌ‬
‫يب‪.16‬‬

‫ينظر عروس االفراح‪ ،‬شروح التلخيص‪. 307-2/306 :‬‬ ‫‪10‬‬

‫ينظر‪ :‬الكتاب‪.173-3/172 :‬‬ ‫‪11‬‬

‫ينظر‪ :‬الصاحبي‪.295-292 :‬‬ ‫‪12‬‬

‫ينظر شروح التلخيص‪ ،‬مواهب الفتاح‪.2/292 :‬‬ ‫‪13‬‬

‫حاشية الصبان على شرح االشموني‪.3/16 :‬‬ ‫‪14‬‬

‫ينظر التلخيص في علوم البالغة‪.168 :‬‬ ‫‪15‬‬

‫سورة هود‪ :‬االية ‪.72‬‬ ‫‪16‬‬

‫‪31‬‬
‫وخروج االستفهام عن حقيقته الى التعجب مجاز مرسل‪ ،‬والعالقة بينهما هي‬
‫عالق ة لزومي ة الن الس ؤال عن الح ال أي الس بب يس تلزم الجه ل ب ذلك الس بب‪،‬‬
‫والجهل يستلزم التعجب وقوعا او ادعاء‪ 17‬وذكره السكاكي والقزويني والتفتازاني‬
‫ان ِم َن اْل َغ اِئبِين َ ‪19‬‬ ‫‪18‬‬
‫والسيوطي ‪ .‬كما في قوله تعالى‪َ  :‬ما لي ال ََأرى اْلهُ ْد ُه َد َْأم َك َ‬
‫فسيدنا سليمان تعجب من عدم رؤية الهدهد ؛ ألنه كان ال يغيب عن سليمان ‪ ‬إال‬
‫فلم ا لم يبص ره في مكان ه تعجب من ح ال نفس ه في ع دم إبص اره ّإي اه‪ ،‬وال‬
‫باذن ه ّ‬
‫يخفى أنه ال معنى الستفهام العاقل عن حال نفسه‪ ،‬قال الزمخشري‪ :‬نظر سليمان‬
‫إلى مكان الهدهد فلم يبصره فقال‪َ  :‬م ا لي ال ََأرى َ ‪ ‬على معنى انهُ ال يراه وهو‬
‫حاض ر لس اتر س تره او غ ير ذل ك‪ ،‬ثم الح ل ه أن ه غ ائب فاض رب عن ذل ك واخ ذ‬
‫يق ول‪ :‬أه و غ ائب كأن ه يس أل عن ص حة م ا الح ل ه"‪ 20‬ي دل على َّ‬
‫أن االس تفهام على‬
‫ِ‬
‫حقيقته‪.‬‬
‫إن خ بر ص احب الكش اف ال ذي على َّ‬
‫أن االس تفهام على حقيقت ه لكن التعجب‬ ‫َّ‬
‫أوض ح ألن الط ير ُس ِّخ َر ل ه وع دم وج وده س بب للتعجب واآلي ة تتض من مج ازاً‬
‫مرسالً عالقته اللزومية‪ ،‬فاالستفهام يلزم الجهل والجهل يلزم التعجب ‪.‬‬
‫أي شيء حصـل لـي حـال كـوني ‪‬‬ ‫والقرطبي فسرها بالقول‪َ  " :‬ما لي ‪ ‬أي ّ‬
‫ُد ‪ ‬أي أه و حاض ر‪ ،‬وس تره ع ني س اتر" ‪ 21‬فهو ي ذهب إلى ان‬ ‫ال ََأرى اْلهُ ْده َ‬
‫االس تفهام من س ياق الكالم إلى التعجب ي رى أن س ليمان ‪ ‬اس تفهم على جه ة‬
‫ِ‬
‫لغيابه‪.‬‬ ‫التوقيف على الالزم‪ ،‬وهذا ضرب من االيجاز وان استفهم متعجبا‬

‫شروح التلخيص‪ ،‬مواهب الفتاح‪.2/292 :‬‬ ‫‪17‬‬

‫ينظر‪ :‬مفتاح العلوم‪. 150 :‬‬ ‫‪18‬‬

‫النمل‪ :‬اآلية‪20‬‬ ‫‪19‬‬

‫الكشاف‪. 3/142 :‬‬ ‫‪20‬‬

‫نظم الدرر‪.14/149 :‬‬ ‫‪21‬‬

‫‪32‬‬
‫وك ذلك ق رر االس تفهام في اآلي ة وأخرجه ا مخ رج التعجب إن لم ي ذكر اللف ظ‬
‫كم ا فع ل البق اعي‪ .22‬وك ذلك فع ل ابن ج زي وتابع ه أب و حي ان ولم يص طلحا على‬
‫التعجب‪.23‬‬
‫الم‪ 24‬وألنها في اآلية‬ ‫ومن االستفهام التعجبي قوله تعالى‪ََّ  :‬أنى يك ِ‬
‫ُون لي ُغ ٌ‬
‫َ ُ‬
‫وردت بمعنى كيف يكون لي غـالم فهي تستعمل مرة بمعنى كيف كقولـه تعـالى ‪‬‬
‫َيا َم ْرَي ُم ََّأنى لَ ِك َه َذا ‪ ،25‬وتارة بمعنـى متى مثل قولنا ّاني تاتي ؟‪ .‬ففي قوله تعالى‪:‬‬
‫ب غالم اً وأن ا على ك بري‬ ‫ََّأنى يك ِ‬
‫ُأوه ُ‬
‫الم‪ ‬اس تفهام بمع نى التعجب‪ ،‬فكي ف َ‬ ‫ُون لي ُغ ٌ‬ ‫َ ُ‬
‫هذا‪.‬‬
‫قال الطوسي‪ " :‬ولما كان مطلوبه ولداً يقوم مقامه فيما هو فيه من النبوة التي‬
‫ال يطيقه ا إال ال ذكور االقوي اء الكمل ة‪ ،‬وك انت الع ادة قاض ية ب أن ول د الش يخ يك ون‬
‫ضعيفاً ال سيما إن كان حرثه مع الطعن في السن في أصله غير قابل للزرع أحب‬
‫أن يصرح له بمطلوبه فقال‪ََّ ‬أنى‪ ‬أي كيف ومن أين يكون لي غالم " ‪ 26‬فالبقاعي‬
‫فس ر المع نى النفس ي لكالم س يدنا زكري ا‪ .‬وذهب‬
‫لم يص رح بمع نى االس تفهام وإ ّنم ا َّ‬
‫الزمخش ري في تفس يرها انه ا " اس تبعاد من حيث الع ادة " ‪ .27‬ولم يص طلح عليه ا‬
‫بشيء‪ .‬اما القرطبي فقد اصطلح على معنى االستفهام ولم يذكر الغرض البالغي‬
‫ال ذي ذهبت إلي ه اآلية‪ .28‬وتف رد ابن ج زي ي ذكر الغ رض البالغي ب القول‪ََّ  :‬أنى‬
‫الم …‪ ‬تعجب واستبعاد أن يكون لهُ ولد مع شيخوخته‪ ،‬وعقم امرأته "‬ ‫ي ُك ِ‬
‫ون لي ُغ ٌ‬
‫َ ُ‬
‫‪.29‬‬

‫‪ 22‬ينظر‪ :‬الجامع الحكام القرآن‪.3/74 :‬‬


‫ينظر‪ :‬البحر المحيط‪.7/64 :‬‬ ‫‪23‬‬

‫آل عمران‪40 :‬‬ ‫‪24‬‬

‫آل عمران‪37 :‬‬ ‫‪25‬‬

‫التبيان‪.4/367 :‬‬ ‫‪26‬‬

‫الكشاف ‪.1/158‬‬ ‫‪27‬‬

‫ينظر‪ :‬الجامع الحكام القفران ‪.3/74‬‬ ‫‪28‬‬

‫التسهيل ‪.1/106‬‬ ‫‪29‬‬

‫‪33‬‬
‫أما أبو حيان فقد ذكر ِع ّدة اوجه لالستفهام فقال‪ " :‬وهو على س بيل االستعظام‬
‫لقدرة اهلل تعالى… لكونه كالمدهوش عند حصول ما كان مستبعداً لهُ عادة " ‪ .30‬إذ‬
‫نج د أب ا حي ان اس تبدل الدهش ة ب التعجب وذك ر االس تبعاد وه و ب ذلك ُيق ُّر بغ رض‬
‫االستفهام التعجبي لآلية وتابعه البيضاوي في المعنى نفسه‪ .31‬ولكن ابن جزي كان‬
‫أوضحهم في استعمال لفظ التعجب‪.‬‬
‫ُوز ‪ .32‬ق ال اب و حي ان‪:‬‬ ‫ومن االس تفهام التعجب قول ه تع الى‪َ  :‬أ َِأل ُد َو ََأن ا َعج ٌ‬
‫"ولما كان ما بشرت به منكرا في نفسه بحسب العادة قالت َأ َِأل ُد َو ََأن ا أي والحال‬
‫إني عجوز…انكار وتعجب"‪ .33‬فالتعجب بسبب الكبر‪.‬‬
‫ف َيكُون ِلْلم ْش ِر ِكين َعه ٌد ِع ْن َد اللَّ ِه و ِع ْن َد رس وِل ِه ِإاَّل‬‫ومن ه قول ه تع الى‪َ  :‬ك ْي َ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ ُ‬
‫يموا لَهُ ْم ِإ َّن اللَّهَ ُي ِح ُّ‬
‫ب‬ ‫اه ْدتُم ِع ْن َد اْلمس ِج ِد اْلح ر ِام فَم ا اس تَقَاموا لَ ُكم َف ِ‬
‫اس تَق ُ‬‫ْ ْ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬ ‫ين َع َ ْ‬‫الذ َ‬
‫َِّ‬
‫ِ‬
‫إن نقض العهد ليس عجيباً ولكـن بقـاء العهـد هو العجيـب فكيف يستفهم‬ ‫اْل ُمتَّق َ‬
‫ين ‪َّ .34‬‬
‫بها عن الحال‪ ،‬والحال قد يكون عاماً أي في مجموع االحول كقولنا كيف حالكم إن‬
‫اطلقت للع ام وان خصص ت تك ون للواح د‪ .‬ولكن تطل ق م رة وال ي راد به ا الح ال‬
‫الحس ن واالخ ر‬
‫ولكن ي راد به ا التعجب‪ .‬والتعجب به ا نوع ان اح دهما‪ :‬تعجب من ُ‬
‫من القبح‪ ،‬فالتعجب بصورة عامة لهُ ملحظان ملح ظٌ حسن وملحظ قبح‪ ،‬واالستفهام‬
‫يخ رج إلى نكت بالغي ة عدي دة‪ ،‬فعن دما نلبس اداة االس تفهام لبس اً ليس له ا يفهم من‬
‫ق رائن الكالم يخ رج االس تفهام عن حقيقت ه‪ .‬تق ول مثالً لمن يه ددك من أنت تعجب ا‬
‫تهزاء وعن دما ت رى غريب اً تري د أن تتع رف علي ه تق ول‪ :‬من انت ؟‪ .‬يك ون‬ ‫ً‬ ‫واس‬
‫استفهاماً حقيقي اً‪ ،‬والحقيقة َّ‬
‫أن االستفهام المجازي يأتي بكيفية ال يجاب عنها باللفظ‬
‫وانما بالفعل أي أنها تحتاج إلى تجربة عملية‪ ،‬فعند قوله تعالى‪ :‬على لسان سيدنا‬
‫ف تُ ْحيِي‬
‫ب َِأرنِي َك ْي َ‬
‫يم َر ِّ‬ ‫ِإ ِ‬
‫إبراهيم ‪ ‬متعجبا من احياء الموتى بقوله‪َ  :‬وِإ ْذ قَ ا َل ْب َراه ُ‬

‫البحر المحيط‪.،2/450 :‬‬ ‫‪30‬‬

‫ينظر‪ :‬انوار التنزيل‪.1/158 :‬‬ ‫‪31‬‬

‫هود‪72:‬‬ ‫‪32‬‬

‫البحر المحيط‪. 5/244 :‬‬ ‫‪33‬‬

‫التوبة‪7:‬‬ ‫‪34‬‬

‫‪34‬‬
‫ِّه‪ ،‬فأراه كيفية إحياء الطيور‬ ‫اْلم وتَى‪ .35 ‬امره اهلل أن يقوم بالتجربة بنفسه بإذن رب ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬ ‫ف يك ِ‬
‫ُون لْل ُم ْش ِرك َ‬
‫ين‬ ‫كتجرب ة عملي ة تجيب عن تعجب ه وتس اؤله‪ .‬فقول ه تع الى‪َ  :‬ك ْي َ َ ُ‬
‫َع ْه ٌد‪ 36‬تعجب النهم يضمرون مما عرف عملياً‪ ،‬الحقد والغدر‪.‬‬
‫يقول ابن عطية‪" :‬ولما كان األمر بالنبذ مظنة ألن يعجب منه‪ ،‬عجب فقال‪" :‬‬
‫ِ‬ ‫ف يك ِ‬
‫ُون لْل ُم ْش ِرك َ‬
‫ين َع ْه ٌد‪ ‬فهو ي ذهب‬ ‫فمن يتعجب من هُ ؟ وانك ر علي ه فق ال‪َ  " :‬ك ْي َ َ ُ‬
‫أن في اآلي ة اض مار‪ ،‬أي كي ف يك ون للمش ركين عه د م ع إض مار‬ ‫للتعجب وي ذكر َّ‬
‫عهد عند اهلل يأمنون به عذابه غداً‪ ،‬وكيف يكون لهم‬ ‫الغدر‪ .‬وكيف يكون للمشركين ٌ‬
‫اه ْدتُ ْم ِع ْن َد‬ ‫اَّل َِّ‬ ‫ِ‬
‫عهد يأمنون به عذاب الدنيا "‪ .‬ثم استثنى فقال‪ِ  :‬إ الذ َ‬
‫ين َع َ‬ ‫عند رسوله ٌ‬
‫والس دي والكلبي وابن اسحاق‬ ‫ُ‬ ‫البغوي‬ ‫عن‬ ‫ال‬
‫ً‬ ‫نق‬ ‫البقاعي‬ ‫قال‬ ‫و‬ ‫"‬ ‫‪‬‬ ‫‪37‬‬
‫اْل َم ْس ِج ِد اْل َح َر ِام‬
‫هم‪ " :‬قبائل بكر‪ ،‬بنو خزيمة‪ ،‬وبنو مدلج‪ ،‬وبنو ضمرة‪ ،‬وبنو الديل "‪.38‬‬
‫وكالم ابن عطية يدل على ًّ‬
‫أن االستفهام االنكاري التعجبي محتاج إلى تجربة‬
‫عملية ويتابع كالمه في سياق توضيحه لآلية إذ يقول‪ " :‬ولما انكر سبحانه أن يكون‬
‫للمش ركين غ ير المس تثنين عه ٌد‪ ،‬بين الس بب الم وجب لالنك ار مك رراً اداة االنك ار‬
‫عهد ثابت " ‪.39‬‬
‫ف ‪ ‬أي يكون لهم ٌ‬ ‫تأكيداً للمعنى فقال‪َ " :‬ك ْي َ‬
‫فهو يتفق على معنى التعجب واالستنكار والنفي‪ ،‬فالتعجب مع بقاء العهد أي‬
‫أن نقض العه د أم ر منطقي ب دليل ًّ‬
‫أن ال ذين لم ينقض وا العه د خ اطبهم ق ائال‪:‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫يموا لَهُ ْم ِإ َّن اللَّهَ ُي ِح ُّ‬
‫ب اْل ُمتَّق َ‬
‫ين‪. 40‬‬ ‫‪‬فَ ِ‬
‫استَق ُ‬
‫ْ‬

‫البقرة‪260 :‬‬ ‫‪35‬‬

‫التوبة‪8 :‬‬ ‫‪36‬‬

‫التوبة‪ :‬من اآلية‪7‬‬ ‫‪37‬‬

‫ينظر نظم الدرر‪ ،8/384 :‬الكشاف‪.176-2/175 :‬‬ ‫‪38‬‬

‫ينظر‪ :‬نظم الدرر ‪.8/384‬‬ ‫‪39‬‬

‫التوبة‪7:‬‬ ‫‪40‬‬

‫‪35‬‬
‫َّ ِ‬
‫ون بِالله َو ُك ْنتُ ْم ْ‬
‫‪41‬‬
‫ه ذه اآلية تحمل "على‬ ‫َأم َوات اً‬ ‫فُر َ‬
‫ف تَ ْك ُ‬
‫ونح و قول ه تع الى‪َ :‬ك ْي َ‬
‫‪42‬‬
‫وج ه التعجب والت وبيخ‪ ،‬ال على االس تفهام المحض‪ ،‬أي ويحكم كي ف تكف رون"‬
‫واآلية الكريمة تناولها أهل البالغة والتفسير في مصنفاتهم على انها استفهام بمعنى‬
‫التعجب‪ .43‬ومن ه قول ه تع الى‪ :‬قُتِ َل اإلنس ان َم ا َأ ْكفَ َرهُ‪ .44‬وق د ق ف الف ّراء عن د ه ذه‬
‫‪45‬‬
‫اآلي ة الكريم ة فق ال‪" :‬يك ون تعجب اً‪ ،‬ويك ون م ا ال ذي أكف ره؟ وبه ذا ج اء التفس ير"‬
‫"تعجب من إفراط ِه في‬
‫َ‬ ‫عود‪:‬‬ ‫الس‬ ‫و‬ ‫أب‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫‪،‬‬ ‫‪46‬‬
‫وتبع ه المفس رون والبالغي ون في ذلك‬
‫ِ‬
‫الستحقاقه للدعاء عليه"‪.47‬‬ ‫الكفران وبيان‬

‫ف ُخِلقَ ْ‬
‫ت‪ ،48‬قال الكسائي‪:‬‬ ‫ون إلى اإْل بِ ِل َك ْي َ‬
‫ُر َ‬
‫وفي تفسير قوله تعالى‪َ :‬أفَال َي ْنظ ُ‬
‫"عجبهم من حم ل االب ل إنه ا تحم ل وقره ا بارك ة ً ثم تنهض ب ه وليس ش يء من‬
‫الدواب يطيق ذلك إال البعير"‪ 49‬فأداة االستفهام كيف ‪ -‬ههنا ‪ -‬ال يراد بها المعنى‬
‫الظاهري لها‪ ،‬وإ نما ُأريد بها مع نى التعجب‪ ،‬التعجب من حمل االبل وقرها وهي‬
‫باركة‪.‬‬
‫ِ ِ‬
‫ال ََأب َّش ْرتُ ُمونِي َعلَى َأن َّم َّس ن َي اْلكَب ُر فَبِ َم تَُب ِّش ُر َ‬
‫ون ‪ .50‬وتفسيرها‬ ‫قوله تعالى‪ :‬قَ َ‬
‫ه و "ك ان إب راهيم يعلم جي داً أن ه من المس تبعد أن يحص ل ل ه ول د ض من الم وازين‬
‫الطبيعية‪ ،‬ومع أن كل شيء مقدوراً هلل عز وجل ولهذا أجابهم بصيغة التعجب"‪،51‬‬

‫البقرة‪28 :‬‬ ‫‪41‬‬

‫معاني القرآن‪.1/23:‬‬ ‫‪42‬‬

‫ينظر الكشاف‪ ،1/69:‬ومجمع البيان‪ ،1/137 :‬وتفسير التحرير والتنوير‪.1/374:‬‬ ‫‪43‬‬

‫عبس‪17 :‬‬ ‫‪44‬‬

‫معاني القرآن‪.3/237:‬‬ ‫‪45‬‬

‫ينظر الكشاف‪ ،4/219:‬وروح المعاني‪.30/43:‬‬ ‫‪46‬‬

‫تفسير أبي السعود‪.6/379:‬‬ ‫‪47‬‬

‫الغاشية‪17 :‬‬ ‫‪48‬‬

‫معاني القرآن‪.258 :‬‬ ‫‪49‬‬

‫سورة الحجر‪ ،‬اآلية‪.54 :‬‬ ‫‪50‬‬

‫الكشاف‪.2/392 :‬‬ ‫‪51‬‬

‫‪36‬‬
‫وق ال الزمخش ري‪" :‬ال والدة أم ر عجيب مس تنكر في الك بر فَبِ َم تَُب ِّش ُر َ‬
‫ون هي م ا‬
‫االستفهامية دخلها معنى التعجب" ‪.52‬‬
‫يرى الزمخشري في أث ر االستفهام قد أفاد تعجب يعقوب عليه الس الم وأن‬
‫س بب التعجب أن الع ادة الجاري ة ب أن ال يحص ل الول د ح ال الش يخوخة التام ة تع د‬
‫مخالفة للموازين الطبيعية هي مدعاة التعجب‪ ،‬وليس الشك في قدرة اهلل‪.‬‬
‫الم ْوتَى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫ُو ُي ْحيي َ‬
‫ُو اْل َول ُّي َوه َ‬
‫في قوله تعالى‪َ :‬أم ات َخ ُذوا من ُدون ه َْأولَي اء فَاللهُ ه َ‬
‫َو ُه َو َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير‪ .53‬قال الشيرازي‪" :‬تقول اآلية بأسلوب التعجب واإلنكار‪:‬‬
‫َِأم اتَّ َخ ُذوا ِمن ُدونِ ِه َْأوِلَياء إال أنه‪ :‬فَاللَّهُ ُه َو اْل َوِل ُّي فلو أرادوا أن يختاروا ولي اً فعليهم‬
‫أن يخت اروا اهلل ألن أدل ة واليت ه واض حة" ‪ ،54‬بينم ا ذهب الزمخش ري إلى دالل ة‬
‫ُو اْل َوِل ُّي‪ ،‬ه و ال ذي يجب أن‬ ‫َّ‬
‫اإلنك ار بقول ه‪" :‬مع نى الهم زة في أم اإلنك ار فَاللهُ ه َ‬
‫يتولى ويعتقد أنه المـولى والسيد" ‪.55‬‬
‫ويتض ح ب أن الش يرازي ق د ض من االس تفهام ِ‬
‫بـَأم اتَّ َخ ُذوا مع نى التعجب‬
‫المم زوج باإلنك ار وال ذي ه و أق رب إلى الدالل ة‪ ،‬ألن الخط اب لم يق ف عن د تك ذيب‬
‫وإ بطال ما اتخذوا من أولياء من دون اهلل وما أعتقدوه بل أفاد التعجيب مما هم فيه‬
‫من تيه وضالل رغم الشواهد الناطقة بإلوهيته وهو اإلحياء واإلماتة والقدرة على‬
‫َّ‬
‫كل شيء وتزداد وتيرة النص عندما يقصر اهلل جنس الوالية عليه دون غيره فَاللهُ‬
‫ُو اْل َوِل ُّي م ع م ا أف اد ض مير الفص ل من تأكي د القص ر‪ ،‬وال يخفى م ا في ه ذا‬
‫هَ‬
‫األسلوب من تعريض بالمشركين وآلهتهم‪.‬‬
‫وتتداخل أحياناً في األستفهام المراد به التعجب داللة العتاب والمالمة للداللة‬
‫على شدة التعجب كما في قوله تعالى‪ :‬فَبِ ِّ ِ ٍ‬
‫َأي َحديث َب ْع َدهُ يُْؤ ِمُن َ‬
‫ون ‪.56‬‬

‫الكشاف‪.2/392 :‬‬ ‫‪52‬‬

‫سورة الشورى‪ ،‬اآلية‪.9 :‬‬ ‫‪53‬‬

‫األمثل‪.15/347 :‬‬ ‫‪54‬‬

‫الكشاف‪.3/461 :‬‬ ‫‪55‬‬

‫سورة المرسالت‪ ،‬اآلية‪.50 :‬‬ ‫‪56‬‬

‫‪37‬‬
‫ق ال القرط بي في مختتم س ورة المرس الت‪" :‬آخ ر اآلي ة من الس ورة‪ ،‬ي أتي‬
‫الس ياق ممزوج اً بالعت اب والمالم ة‪ ،‬فج اءت اآلي ة بص يغة االس تفهام التعج بي َفبِ ِّ‬
‫َأي‬
‫ِ ٍ‬
‫ُون إن الم راد من لم ي ؤمن ب القرآن ال ذي ل و أن زل على الجب ال‬ ‫َح ديث َب ْع َدهُ يُْؤ ِمن َ‬
‫لتصدعت وارتجفت فسوف لن يسلم‪ ،‬ولن يؤمن بأي كتاب سماوي‪ ،‬وال يقبل بأي‬
‫منطق عقالني‪ ،‬وهذا يدل على روح العناد والتعصب"‪ ،57‬وعن خاتمة هذه السورة‬
‫قال الفخ ر ال رازي‪" :‬وحث على التمسك ب النظر واالس تدالل واالنقي اد لل دين الح ق‪،‬‬
‫فختم السورة بالتعجب من الكفار‪ ،‬وبين أنهم إذا لم يؤمنوا بهذه الدالئل اللطيفة مع‬
‫تجليها ووضوحها‪ ،‬فَبِ ِّ ِ ٍ‬
‫َأي َحديث َب ْع َدهُ يُْؤ ِمُن َ‬
‫ون"‪.58‬‬
‫فالقرطبي يرى الرد اإللهي القوي على تفرق المشركين وضاللتهم في عدم‬
‫اإليمان ال يقف عند حدود التعجب من حالهم‪ ،‬بل أن الغضب اإللهي قد تداخل فيه‬
‫العت اب المالم ة وهم ا أعلى وأش د درج ة في الت أنيب من التعجب المص رح ب ه من‬
‫الزمخشري‪ ،‬ولما كانت "األلفاظ ال تتفاضل من حيث هي ألفاظ‪ ...‬وإ نما في مالئم ة‬
‫اللفظ ة لمع نى ال تي تليه ا" ‪ ،59‬ف إن ت داخل التعجب بالعت اب والمالم ة ق د عكس ال رد‬
‫اإللهي العنيف على روح التعصب والعناد عند الكافرين‪.‬‬

‫االستفهام االنكاري‪:‬‬
‫االنكار‪ :‬ومعناه‪" :‬الجحود واالستنكار‪ :‬استفهامك امراً تنكره"‪ ،60‬وهو من اهم‬
‫المعاني الثانية التي يخرج اليها االستفهام‪" ،‬ففيه انت ال تقرر المخاطب في شيء‬
‫وانما تنكر عليه‪ ،‬وتستهجن منه ما حدث في الماضي‪ ،‬او ما يمكن ان يحدث في‬
‫المستقبل‪.61‬‬

‫الجامع ألحكام القرآن‪.19/222 :‬‬ ‫‪57‬‬

‫التفسير الكبير‪.30/250 :‬‬ ‫‪58‬‬

‫دالئل اإلعجاز‪.64 :‬‬ ‫‪59‬‬

‫لسان العرب مادة نكر‪.5/232:‬‬ ‫‪60‬‬

‫البالغة فنونها وافنانها ‪.138 /‬‬ ‫‪61‬‬

‫‪38‬‬
‫وق د ف رق القزوي ني‪ 62‬بين ثالث ة ان واع لإلنك ار وهي الت وبيخ والتك ذيب‬
‫والتقرير‪.‬‬
‫االستفهام اإلنكاري التوبيخي‪:‬‬
‫الت وبيخ ه و التعب ير و التقري ع على ام ر ق د وق ع في الماض ي او على ام ر‬
‫يخاف المرء ان يقع في المستقبل‪ ،‬فهو بمعنى‪ :‬ما كان ينبغي ان يكون هذا‪ ،‬نحو‪:‬‬
‫اعصيت ربك او بمعنى‪ :‬الينبغي ان يكون‪ ،‬نحو‪ :‬اتعصي ربك‪ ،‬فالغرض منه الذم‬
‫‪64‬‬ ‫ِِ ِ‬ ‫‪63‬‬
‫على م ٍ‬
‫اض واالرت داع عن مس تقبل كم ا في قول ه تع الى‪َ :‬أفَ ُح ْك َم اْل َجاهلَّية َي ْبغ َ‬
‫ُون‬
‫بمعنى ال ينبغي ان يكون هذا الفعل منكم‪ ،‬واالنكار عند عبد القاهر الجرجاني‪ :‬هو‬
‫تنبيه السامع حتى يرجع الى نفسه فيخجل ويرتدع ويعي بالجواب اما النه ق د ادعى‬
‫القدرة على فعل ال يقدر علي ه ف اذا ثبت على دع واه قي ل ل ه‪ :‬فافع ل فيفضحه ذلك‪.‬‬
‫وام ا الن ه ج وز وج ود ام ر ال يوج د مثله‪ 65‬وس ر التعب ير باالس تفهام مك ان الت وبيخ‬
‫لغتهم‪ ،‬واث ارة انتب اههم وطلب الج واب منهم لعلهم يفك رون بجدي ة في ح الهم‪،‬‬
‫‪67‬‬
‫ويصلون بانفسهم الى ما يصلح مستقبلهم‪ 66‬وذكر السكاكي االنكار رديفا للتوبيخ‬
‫وقس م القزوي ني االنك ار على انك ار ت وبيخ‪ ،‬وانك ار تك ذيب وه و االبط ال ال ذي يفي د‬
‫النفي ق ال‪ ":‬االنك ار ام ا للت وبيخ بمع نى‪ ،‬ماك ان ان يك ون نح و‪ :‬اعص يت رب ك؟ او‬
‫بمعنى ال ينبغي ان يكون‪ ،‬كقولك للرجل ويضيع الحق‪ :‬اتنسى قديم احسان فالن؟‬
‫وكقول ك للرج ل ي ركب الخط ر‪ :‬أتخ رج في ه ذا ال وقت؟ أت ذهب في غ ير الطري ق؟‬
‫هم‬
‫والغرض بذلك تنبيه السامع حتى يرجع الى نفسه فيخجل او يرتدع عن فعل ما َّ‬
‫به‪،‬‬

‫ينظر‪ :‬األيضاح‪.237 - 236 :‬‬ ‫‪62‬‬

‫شروح التلخيص‪ ،‬مواهب الفتاح‪.2/296 :‬‬ ‫‪63‬‬

‫سورة المائدة‪ :‬االية ‪.50‬‬ ‫‪64‬‬

‫دالئل االعجاز‪.151 :‬‬ ‫‪65‬‬

‫من بالغة النظم العربي‪.2/117 :‬‬ ‫‪66‬‬

‫مفتاح العلوم‪.314 :‬‬ ‫‪67‬‬

‫‪39‬‬
‫ِ‬
‫والتوبيخ يأتي بمعنى ما كان ينبغي أن يكون كقوله تعالى‪  :‬قَ ا َل َي ا ِإْبل ُ‬
‫يس َم ا‬
‫{ص‪ .}75:‬فقول ه‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ت َأم ُك ْن َ ِ‬ ‫َأن تَ ْس ُج َد ِل َم ا َخلَ ْق ُ‬
‫ت بَِي َد َّ‬
‫ين‪ّ ‬‬ ‫ت م َن اْل َع ال َ‬ ‫َأس تَ ْكَب ْر َ ْ‬
‫ي ْ‬ ‫ك ْ‬ ‫َمَن َع َ‬
‫ت ‪ ‬اس تفهام خ رج إلى إنك ار االس تكبار وت وبيخ إبليس ق ال الطوس ي‪ " :‬ثم‬ ‫َأس تَ ْكَب ْر َ‬
‫‪ْ ‬‬
‫قس م الم انع إلى طلب العل و ووج ود العل و م ع اإلنك ار علي ه في االس تناد إلى ش يء‬
‫منهم ا‪ ،‬فق ال في ص يغة اس تفهام التقري ر م ع االنك ار والتقري ع بيان اً ألن ه يلزم هُ ال‬
‫محالة زيادة على ما كفر به أن يكون على أحد هذين االمرين‪ :‬استكبرت " ‪.68‬‬
‫ثم يق ول مس تئنفاً الكالم على مع نى اآلي ة في س ياق مجيء ‪َْ ‬أم ‪ ‬المعادل ة‬
‫لهمزة االستفهام وهي للتقرير والتوبيخ قال‪َْ  " :‬أم ‪ ‬معادلة لهمزة االستفهام وإ ن‬
‫ح ذفت من ق راءة بعض هم لدالل ة ‪َْ ‬أم ‪ ‬عليه ا … به ذا االس تنكار‪ 69‬فه و يتف ق في‬
‫اخ راج االس تفهام إلى مع نى الت وبيخ وه ذا ال ذي ذهب إلي ه الزمخش ري وتابع ه‬
‫البيضاوي‪.70‬‬
‫ين‪ ،71‬فعن د قول ه‪ :‬اص طفى فق ال‪:‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طفَى اْلَبَن ات َعلَى اْلَبن َ‬
‫َأص َ‬
‫في قول ه تع الى‪ْ :‬‬
‫االستفهام‪،‬وضمنوه معنى‬
‫ّ‬ ‫"استفهام وفيه توبيخ لهم"‪ 72‬وعلماء البالغة تطرقوا لهذا‬
‫الت وبيخ‪ ،‬كالس كاكي‪ ،‬والقزوي ني وغ يرهم‪ .73‬فيم ا حم ل عب د الق ادر الجرج اني‪،‬‬
‫والزمخشري‪ ،‬االستفهام في هذه اآلية على معنى اإلنكار‪.74‬‬
‫ويبدو ان علة هذا التباين في اآلراء‪ ،‬هو لتقارب المعاني‪ ،‬فاالستفهام – هاهنا‬
‫ون بِاللَّ ِه‬
‫فُر َ‬
‫ف تَ ْك ُ‬
‫‪ -‬إنك اري قص د من ه الت وبيخ‪.‬ومن ه ذا الغ رض قول ه تع الى‪َ :‬ك ْي َ‬
‫َأم َوات اً ‪ .75‬فاالس تفهام في ه ذه اآلي ة الكريم ة "على وج ه التعجب والت وبيخ ال‬
‫َو ُك ْنتُ ْم ْ‬

‫‪ 68‬التبيان‪.16/422 :‬‬
‫التبيان‪.424 – 16/423 :‬‬ ‫‪69‬‬

‫ينظر‪ :‬الكشاف‪.3/383 :‬‬ ‫‪70‬‬

‫الصافات‪153:‬‬ ‫‪71‬‬

‫معاني القرآن‪.2/394 :‬‬ ‫‪72‬‬

‫ينظر والبالغة فنونها وأفنانها‪.195 :‬‬ ‫‪73‬‬

‫ينظر دالئل اإلعجاز‪ ،141:‬والكشاف‪.3/354 :‬‬ ‫‪74‬‬

‫البقرة‪28 :‬‬ ‫‪75‬‬

‫‪40‬‬
‫‪76‬‬
‫فاالس تفهام في اآلي ة الكريم ة‬ ‫على االس تفهام المحض‪ ،‬أي ويحكم كي ف تكف رون"‬
‫ليس الغرض منه طلب الفهم‪ ،‬وانما الغرض منه التعجب والتوبيخ‪ .‬فمن العلماء من‬
‫جع ل اآلي ة الكريم ة على مع نى الت وبيخ‪ ،‬ك الطبري‪ ،‬والطبرسي‪ . 77‬وذهب آخ رون‬
‫إلى أنه ا تحم ل مع نى التعجب‪ ،‬ك ابن ف ارس‪ ،‬والس كاكي‪ ،‬وب در ال دين بن مال ك‪،‬‬
‫والسيوطي‪ ،‬وغيرهم‪ .78‬وجمع القزويني بين المعنيين في هذه اآلية‪ ،‬وعد االستفهام‬
‫فيها من المجاز الذي معناه التعجب والتوبيخ‪.79‬‬
‫ين‪ 80‬ق ال الف ّراء‪" :‬قرأه ا الحس ن‬‫َأن َك ان َذا م ٍ ِ‬
‫ال َوَبن َ‬ ‫وفي تفس ير قول ه تع الى‪َ َ ْ :‬‬
‫البص ري‪ ،‬واب و جعف ر الم دني باالس تفهام أ ان ك ان وبعض هم أن ك ان ب الف واح دة‬
‫بغ ير اس تفهام… ومن ق رأ‪ :‬أن ك ان ذا م ال وب نين‪ ،‬فإن ه وبخ ه‪ ،‬أ الن ك ان ذا م ال‬
‫وبنين تطيعه؟"‪.81‬‬
‫اه ا ‪ .82‬ق ال الطبرس ي‪" :‬اس تفهام‬ ‫َأش ُّد َخْلق اً َِأم َّ‬
‫الس َماء َبَن َ‬ ‫قول ه تع الى‪َ :‬أَأنتُ ْم َ‬
‫توبيخي لمنكري المعاد‪ ،‬هل أن خلقكم وإ عادتكم إلى الحياة بعد الموت أصعب من‬
‫خل ق الس ماء" ‪ ،83‬وق ال ابن عاش ور‪" :‬االس تفهام تقري ري والمقص ود من التقري ر‬
‫إلجاؤهم إلى اإلقرار بأن خلق السماء أعظم من خلقهم" ‪.84‬‬
‫وتت داخل في توجي ه الطبرس ي لالس تفهام ب التوبيخ دالل ة اإلهان ة للدالل ة على‬
‫ِئ َِّ‬ ‫ِ‬
‫ش دة الخط اب‪ ،‬من ه قول ه تع الى‪َ :‬وَي ْو َم ُيَن ادي ِه ْم فََيقُو ُل َْأي َن ُش َر َكا َي الذ َ‬
‫ين ُكنتُ ْم‬
‫ُون‪".85‬فالس ؤال س ؤال ت وبيخ وإ هان ة‪ ،‬ألن ي وم القيام ة ي وم كش ف الحجب‬ ‫تَْز ُعم َ‬

‫معاني القرآن‪.1/23 :‬‬ ‫‪76‬‬

‫ينظر مجمع البيان‪.1/37:‬‬ ‫‪77‬‬

‫ينظر الصاحبي‪ ،159 :‬ومفتاح العلوم‪.518:‬‬ ‫‪78‬‬

‫ينظر اإليضاح‪.1/143:‬‬ ‫‪79‬‬

‫القلم‪14 :‬‬ ‫‪80‬‬

‫معاني القرآن‪.174-3/173:‬‬ ‫‪81‬‬

‫سورة النازعات‪ ،‬اآلية‪.27 :‬‬ ‫‪82‬‬

‫روح المعاني‪.283 ،29/282 :‬‬ ‫‪83‬‬

‫التحرير والتنوير‪.30/74 :‬‬ ‫‪84‬‬

‫سورة القصص‪ ،‬اآلية‪.62 :‬‬ ‫‪85‬‬

‫‪41‬‬
‫واألستار فال مفهوم للشرك والمشركون في ذلك اليوم باقون على عقيدتهم وشركهم‬
‫فهذا السؤال في الحقيقة نوع من اإلهانة والتوبيخ والعقوبة"‪ ،86‬وذهب الزمخشري‬
‫إلى داللة التهكم إذ يقول‪ُ " :‬ش َر َكاِئ َي مبني على زعمهم‪ ،‬وفيه تهكم"‪ ،87‬فيما وجه ابن‬
‫عاشور داللة االستفهام إلى النفي إذ يقول‪" :‬االستفهام بكلمة أين ظاهره استفهام عن‬
‫المك ان ال ذي يوج د في ه الش ركاء ولكن ه مس تعمل كناي ة عن انتف اء وج ود الش ركاء‬
‫المزعومين فاالستفهام مستعمل في االنتفاء"‪.88‬‬
‫ون‪ .89‬ق ال الش يرازي‪" :‬االس تفهام‬ ‫في قول ه تع الى‪َ :‬و ِقي َل لَهُ ْم َْأي َن َم ا ُكنتُ ْم تَ ْعب ُ‬
‫ُد َ‬
‫بـأين ت وبيخ وعت اب ومالم ة له ؤالء الض الين ال ذين اتخ ذوا معب ودين دون اهلل‪ ،‬ال‬
‫يستطيعون معونتهم في هذه الشدة التي هم فيها‪ ،‬أو يطلبون النصر والمعونة‪ ،‬ألن‬
‫العبدة ومعبوديهم يساقون إلى النار" ‪ ،90‬وقال الزمخشري‪" :‬يوبخون على أشراكهم‬
‫فيقال لهم‪ :‬أين آلهتكم؟" ‪.91‬‬
‫إذ يجد الشيرازي االستفهام ق د خ رج مجازي اً للدالل ة على التوبيخ الممزوج‬
‫باللوم والعتاب للذين اتخذوا معبودين شركاء مع اهلل في العبادة ويبدو تكثيف هذه‬
‫الدالالت عند الشيرازي إلحساسه أن داللة التوبيخ التي وجهها الزمخشري وحدها‬
‫ال تكفي لإلحاط ة ب الحيرة والتخب ط والش دة ال تي أص ابت ه ؤالء وهم يس اقون إلى‬
‫النار‪ ،‬فضالً عن تعدد موارد العذاب فيها‪.‬‬
‫ُل اللّ هُ َي ْه ِدي ِلْل َح ِّ‬
‫ق‬ ‫ققِ‬ ‫ُل َه ْل ِمن ُش َر َكآِئ ُكم َّمن َي ْه ِدي ِإلَى اْل َح ِّ‬‫قول ه تع الى‪ :‬ق ْ‬
‫ف‬‫ي ِإالَّ َأن ُي ْه َدى فَ َم ا لَ ُك ْم َك ْي َ‬ ‫ق َأن يتَّب ع َّ َّ‬
‫َأمن ال َي ِه ِّد َ‬ ‫َأح ُّ ُ َ َ‬ ‫ق َ‬ ‫َأفَ َمن َي ْه ِدي ِإلَى اْل َح ِّ‬
‫ُون‪ .92‬ق ال القرطبي‪" :‬ج اء االس تفهام في خاتم ة اآلي ة بـكيف بلهج ة الت وبيخ‬ ‫تَ ْح ُكم َ‬

‫روح المعاني‪.12/200 :‬‬ ‫‪86‬‬

‫الكشاف‪.3/187 :‬‬ ‫‪87‬‬

‫التحرير والتنوير‪.2/88 :‬‬ ‫‪88‬‬

‫سورة الشعراء‪ ،‬اآلية‪.92 :‬‬ ‫‪89‬‬

‫األمثل‪.290 ،11/289 :‬‬ ‫‪90‬‬

‫الكشاف‪.3/119 :‬‬ ‫‪91‬‬

‫سورة يونس‪ ،‬اآلية‪.35 :‬‬ ‫‪92‬‬

‫‪42‬‬
‫ُون"‪ ،93‬وذهب ابن عاش ور إلى الق ول‪:‬‬
‫ف تَ ْح ُكم َ‬
‫والتقري ع والمالم ة‪ :‬فَ َم ا لَ ُك ْم َك ْي َ‬
‫"اس تفهام تعجي بي من حكمهم الض ال إذ حكم وا لمن ال يهت دي فه و تعجيب ف وق‬
‫تعجيب"‪.94‬‬
‫االستفهام االنكاري التكذيبي‪:‬‬
‫االنك ار التك ذيبي " فه و اذا ادعى المخ اطب وق وع ش يء فيم ا مض ى او ن زل‬
‫منزل ة الم دعى اتى باالس تفهام االنك اري تك ذيبا ل ه في م دعاه في المض ي"‪ 95‬ه ذا‬
‫وأن مدعيـه كـاذب بمع نى لَ ْم َي ُك ْن‪ 96‬كقول ه تع الى‪:‬‬ ‫أن م ا بع ده غ ير واق ع َّ‬ ‫يقتض ي ّ‬
‫ين َواتَّ َخ َذ ِم َن اْل َمالِئ َك ِة ِإ َناثا‪.97‬‬‫ِ‬
‫َأصفَا ُك ْم َرُّب ُك ْم بِاْلَبن َ‬
‫َأفَ ْ‬
‫وقد ذكر سيبويه غير مقترن باالنكار قال " وذلك قولك اتميميا مرة وقيسيا‬
‫اخرى؟ وانما هذا انك رأيت رجالً في حال تلون وتنقل فقلت‪ :‬أتميميا مرة وقيسيا‬
‫اخرى‪ ،‬فانت في هذه الحال تعمل في تثبيت هذا له‪ .‬وهو عندك في تلك الحال في‬
‫تلون وتنقل وليس‪ ،‬يسأله مسترشدا عن امر هو جاهل به‪ ،‬ليفهمه اياه ويخبر عنه‬
‫ولكنه وبخه بذلك‪.‬‬
‫ين‪ 98‬وبمع نى‪ :‬ال يك ون نح و‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طفَى اْلَبَن ات َعلَى اْلَبن َ‬
‫َأص َ‬ ‫وكقول ه تع الى‪ْ :‬‬
‫ون‪ 99‬وبقي ه ذا التقس يم في المح دثين‪ 100‬نحـو قولـه‬ ‫وه ا َو َْأنتُ ْم لَهَ ا َك ِار ُه َ‬
‫َُأنْل ِز ُم ُك ُم َ‬
‫ين‪ .101‬يعني لم يقع ذلك االصطفاء‪ ،‬وذلك أنهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طفَى اْلَبَن ات َعلَى اْلَبن َ‬ ‫َأص َ‬ ‫تعـالى‪ :‬أ ْ‬
‫ق الوا المالئك ة بن ات اهلل‪ ،‬ف أنكر ذل ك عليهم وك ذبهم‪ ،‬وق ال‪ " :‬افخص كم ربكم على‬

‫الجامع ألحكام القرآن‪.6/241 :‬‬ ‫‪93‬‬

‫التحرير والتنوير‪.5/158 :‬‬ ‫‪94‬‬

‫شروح التلخيص‪ :‬مواهب الفتاح‪.2/301 :‬‬ ‫‪95‬‬

‫االيضاح للقزويني‪.139-138 :1 ،‬‬ ‫‪96‬‬

‫سورة االسراء‪ :‬االية ‪.40‬‬ ‫‪97‬‬

‫سورة الصافات‪ :‬االية ‪.153‬‬ ‫‪98‬‬

‫سورة هود‪ :‬االية ‪.28‬‬ ‫‪99‬‬

‫ينظر علم المعاني‪ ،112 :‬وعلوم البالغة‪.73 :‬‬ ‫‪100‬‬

‫الصافات‪153:‬‬ ‫‪101‬‬

‫‪43‬‬
‫وج ه الخل وص والص فاء بأفض ل االوالد وهم البن ون‪ ،‬وأتخ ذ لنفس ه دونهم وهي‬
‫البنات ولم يكن ذاك ولم يصطف البنات‪ ،‬ولم ينبغي لـهُ ذلك " وقـد قـرا الجمهور ‪‬أ‬
‫طفَى‪ ‬بهمزة االستفهام على طريقة اإلنكار واالستبعاد " ‪.102‬‬
‫َأص َ‬
‫ْ‬
‫وذهب الفراء مفسراً اآلية وأراد االستفهام وحـذف حـرف االستفهام كقوله‪:‬‬
‫طيَِّباتِ ُك ْم‪.104103‬‬
‫‪َ‬أ ْذ َه ْبتُ ْم َ‬
‫ق ال الطوس ي‪ " :‬ودل على ك ذبهم أيض ا بانك اره موبخ اً لهم في أس لوب‬
‫طفَى ‪ ‬بهم زة االس تفام‬
‫َأص َ‬
‫االس تفهام زي ادة على األغض باب في قول ه تع الى‪  :‬أ ْ‬
‫االنكاري‪ ،‬ومن اسقطها فهي عنده مقدرة‪ ،‬أي اخبروني هل اختار هذا السيد الذي‬
‫انتم مقرون بتمام عمله وشمول قدرته … ما تسترذلونه " ‪.105‬‬
‫وفيم ا ذك ر الطوس ي االنك ار والتك ذيب ذك ر الزمخش ري االنك ار لالس تبعاد‬
‫وتابعه أبو حيان والبيضاوي واصطلح القرطبي وابن جزي على التوبيخ ‪.106‬‬

‫االستفهام اإلنكاري التقريري‪:‬‬


‫ه و اس تفهام ي رمي إلى "حم ل المخ اطب على اإلق رار ب أمر يعرف ه"‪ ،107‬ومن‬
‫خص ائص ه ذا األس لوب أن يك ون "منفي اً يخ رج في ه المع نى من االس تخبار إلى‬
‫اإلق رار‪ ،‬وبه ذا يك ون أمكن من التقري ر الخ بري وأبل غ من التوكي د" ‪ ،108‬وغالب ا م ا‬
‫ي ؤدي ب الهمزة يليه ا المق رر ب ه وه و أس لوب ش ائع في الق رآن الك ريم‪ ،‬ك ثر في‬
‫مواطن الحث على التدبر واإلقناع؛ "فالسائل في هذا النوع من االستفهام ال يريد ان‬

‫نظم الدرر‪.16/306:‬‬ ‫‪102‬‬

‫االحقاف‪20:‬‬ ‫‪103‬‬

‫ينظر‪ :‬معاني القرآن‪ ،2/394 :‬والكشاف‪.3/303 :‬‬ ‫‪104‬‬

‫‪ 105‬نظم الدرر ‪.16/305‬‬


‫ينظر‪ :‬الجامع الحكام القرآن‪.5/172 :‬‬ ‫‪106‬‬

‫مدخل إلى البالغة العربية‪.78 :‬‬ ‫‪107‬‬

‫علوم البالغة‪.297 :‬‬ ‫‪108‬‬

‫‪44‬‬
‫يق رر المخ اطب بم ا يق ول فحس ب‪ ،‬ب ل يجع ل ه ذا التقري ر س بيال الى وعظ ه او‬
‫‪109‬‬
‫وب ذلك يك ون االس تفهام في االي ة تقريري ا ومعن اه التحقي ق‪ ،‬والغ رض‬ ‫تبكيت ه"‬
‫البياني من هذا االستفهام هو "الزام المخاطب بالحجة وانتزاع االعتراف منه بما‬
‫يريده المتلكم"‪.110‬‬
‫ويق ول س يبويه‪ ،‬ان ك تق ول للرج ل أطرب ا؟! وانت تعلم ان ه ق د ط رب لتوبخ ه‬
‫‪111‬‬
‫وه و حمل ك المخ اطب على االق رار واالع تراف ب امر ق د اس تقر عن ده‬ ‫وتق رره"‬
‫ك وقال ابو عبيدة‪" :‬تقول وانت‬‫ص ْد َر َ‬
‫ك َ‬
‫ثبوته او نفيه كما في قوله تعالى َألَ ْم َن ْش َر ْح لَ َ‬
‫تض رب الغالم ال ذنب الس ت الفاع ل ك ذا؟ ليس باس تفهام ولكن تقري ر"‪ 112‬واس تعمال‬
‫صيغة االستفهام في التقرير مجاز مرسل‪ ،‬مع سبق جهل المستفهم فاستعمل لفظه‬
‫في مطل ق طلب االق رار ثم في طلب االق رار من غ ير س بق جهل‪ .113‬وق د ج زم‬
‫الجرجاني في دالئل االعجاز بانه اذا كان االستفهام للتقرير ان يلي المنكر الهمزة‬
‫قال‪ " :‬اذا قلت‪ :‬أأنت فعلت ذاك كان غرضك ان تقرره بانه الفاعل‪ ،‬بين ذلك قوله‬
‫يم‪ 114‬ال شبهه في أنهم‬ ‫ِإ ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ت َه َذا بآلهَتَن ا َي ا ْب َراه ُ‬
‫ت فَ َعْل َ‬
‫تعالى حكاية عن قوم نمرود َأ َْأن َ‬
‫لم يقولوا ذلك له عليه السالم وهم يريدون ان يقر لهم بان كسر االصنام قد كان‪،‬‬
‫ت‬
‫ت َف َعْل َ‬
‫ولكن ان يقر بانه منه كان‪ ،‬وكيف؟ وقد اشاروا له الى الفعل في قولهم‪َ :‬أ َْأن َ‬
‫َه َذا ؟ وقال هو في الجواب‪ :‬بل فعله كبيرهم هذا‪ 115‬و لوكان التقرير بالفعل لكان‬
‫‪116‬‬
‫الجواب‪ :‬فعلت او لم افعل‬

‫الخصائص‪.2/291 :‬‬ ‫‪109‬‬

‫البالغة فنونها ‪.138 /‬‬ ‫‪110‬‬

‫الكتاب‪.3/176 :‬‬ ‫‪111‬‬

‫مجاز القران‪ 1/36 :‬و ‪. 2/133‬‬ ‫‪112‬‬

‫ينظر شروح التلخيص‪ :‬حاشية الدسوقي‪.2/295 :‬‬ ‫‪113‬‬

‫سورة االنبياء‪ :‬االية ‪.62‬‬ ‫‪114‬‬

‫سورة االنبياء‪ :‬االية ‪.63‬‬ ‫‪115‬‬

‫دالئل االعجاز‪.113 :‬‬ ‫‪116‬‬

‫‪45‬‬
‫ومن شروط االستفهام التقريري أن يلي التقرير الهمزة وقد تبع الزمخشري‬
‫ون اللَّ ِه‬
‫ون ِم ْن ُد ِ‬
‫ُد َ‬
‫رأي الجرج اني حين فس ر قول ه تع الى‪َ :‬وَي ْو َم َي ْح ُش ُر ُه ْم َو َم ا َي ْعب ُ‬
‫يل؟‪ 117‬ق ال‪" :‬ان قلت م ا فائ دة‬ ‫ض لُّوا َّ‬
‫الس بِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َأض لَْلتُ ْم عَب ادي َه ُؤ الء َْأم ُه ْم َ‬
‫فََيقُو ُل َأ َْأنتُ ْم ْ‬
‫أنتم و هم وهال قيل‪ ،‬أأضللتم عبادي هؤالء ام هم ضلوا السبيل؟ قلت‪ :‬ليس السؤال‬
‫عن الفعل ووجوده؟ النه لوال وجوده لما توجه هذا العتاب وانما هو عن متوليه‪،‬‬
‫‪118‬‬
‫فالبد من ذكره وايالئه حرف االستفهام حتى يعلم انه المسؤول عنه‬
‫ون‪ .119‬وذهب البقاعي‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ومثله قوله تعالى‪ُ  ::‬ق ْل آللهُ َأذ َن لَ ُك ْم َْأم َعلَى الله تَ ْفتَ ُر َ‬
‫ُل‪ ‬أي من‬ ‫في تفسيرها بالقول‪…" :‬ثم ابتدأ أمراً آخر تأكيداً لالنكار عليهم فقال‪ :‬ق ْ‬
‫أذن لكم في ذل ك ؟ ‪‬آللَّهُ‪ .120 "… ‬وذهب الزمخش ري ب القول‪ " :‬ان ‪ْ ‬أم‪ ‬متص لة‪،‬‬
‫والمع نى اخ بروني اهلل أذن لكم في التحلي ل والتح ريم‪ ،‬ف انتم تفعل ون ذل ك بإذن ه أم‬
‫‪122‬‬
‫الغ رض البالغي ال ذي‬ ‫تتك ذبون على اهلل في نس بة ذل ك"‪ .121‬ولم ي ذكر القرط بي‬
‫ذكره بقية المفسرين‪ .‬وامثلته في تفسيره كثيرة‪.‬‬

‫َأنزْلتُمُوهُ ِم َن اْلم ْ‬
‫ُز ِن َْأم َن ْح ُن‬ ‫ون‪َ 68‬أَأنتُ ْم َ‬ ‫َِّ‬
‫قول ه تع الى‪َ :‬أفَ َر َْأيتُُم اْل َم اء الذي تَ ْش َرُب َ‬
‫نزلُون‪ 69‬لَو َن َشاء جعْلَن اه ُأجاج اً َفلَ واَل تَ ْش ُكرون‪َ 70‬أفَ ر َْأيتُم َّ َّ ِ‬
‫ون‪71‬‬ ‫تُور َ‬‫الن َار التي ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫اْل ُم ِ َ‬
‫ون‪.123 "72‬‬ ‫ِ‬
‫َأَأنتُ ْم َأن َشْأتُ ْم َش َج َرتَهَا َْأم َن ْح ُن اْل ُمنشُؤ َ‬
‫قال القرطبي‪" :‬ضرورة مالحظة هذه اآليات التي وردت في القرآن الكريم‬
‫بعن وان االس تفهام التقري ري‪ ،‬وأن يعطي اإلنس ان جواب اً إيجابي اً هلل س بحانه وتع الى‬

‫سورة الفرقان‪ :‬االية ‪.17‬‬ ‫‪117‬‬

‫ينظر‪ :‬الكشاف‪.85-3/84 :‬‬ ‫‪118‬‬

‫يونس‪59 :‬‬ ‫‪119‬‬

‫نظم الدرر‪.9/148 :‬‬ ‫‪120‬‬

‫الكشاف‪.2/354 :‬‬ ‫‪121‬‬

‫‪ 122‬ينظر‪ :‬الجامع الحكام القرآن‪.8/264 :‬‬


‫سورة الواقعة‪ ،‬اآليات‪.72-68 :‬‬ ‫‪123‬‬

‫‪46‬‬
‫الذي يتحدث معه لتركيز هذه الحقائق في روحه ونفسه‪ ،‬وعليه أن يتعمق في ذلك‬
‫من خالل القراءة المتدبرة الواعية" ‪.124‬‬
‫والمالحظة أن القرطبي يتعمق في البعد الداللي القابع خلف التعبير المجازي‬
‫فق د أش ار إلى أن ه ذا التك رار في التقري ر عن طري ق االس تفهام ه و إث ارة االنتب اه‬
‫تعطي حيزاً كبيراً للتدبر نعم اهلل سبحانه وتعالى التي ال يمكن استقطاب أثرها إال‬
‫من خالل االستفهام المتقدم‪.‬‬
‫ويلتفت القرط بي إلى مفه وم التقري ر بأن ه ع دول من األخب ار إلى التقري ر‪،‬‬
‫وسى ‪.125‬‬ ‫ك َح ِد ُ‬
‫يث ُم َ‬ ‫لقصد بيان حقيقة مهمة‪ ،‬كما في قوله تعالى‪َ :‬و َه ْل َأتَا َ‬
‫قال القرطبي‪" :‬من البديهي أن هذا االستفهام ليس هدفه تحصيل الخبر‪ ،‬فهو‬
‫سبحانه مطلع على جميع األسرار‪ ،‬بل هو استفهام تقريري‪ ،‬وبتعبير آخر فإن هذا‬
‫االس تفهام مق دم لبي ان خ بر مهم‪ ،‬كم ا تق ول في مكالماتن ا اليومي ة حيث تري د أن تب دأ‬
‫بذكر خبر مهم‪ :‬أسمعت هذا الخبر الذي‪...‬؟"‪.126‬‬
‫وذهب الزمخش ري إلى دالل ة التأس ي لقص د ال ترغيب إذ يق ول‪" :‬قف اه بقص ة‬
‫موسى عليه السالم ليتأسى به في تحمل أعباء النبوة وتكاليف الرسالة والصبر على‬
‫مقاساة الشدائد"‪.127‬‬
‫وذهب ابن عاشور إلى أن االستفهام قد خرج مجازي اً إلى التشويق إذ يقول‪:‬‬
‫"واالس تفهام مس تعمل في التش ويق إلى الخ بر مج ازاً وليس في حقيقت ه س واء ك انت‬
‫ه ذه القص ة قص ت على الن بي ص لى اهلل علي ه وآل ه وس لم من قب ل أم ك ان ه ذا أول‬
‫قص ة قص ها علي ه"‪ ،128‬ويب دو القرط بي في ه ذا التوجي ه ق د أتب ع الفخ ر ال رازي إذ‬
‫ك وإ ن كان على لفظ االستفهام الذي ال يجوز على اهلل تعالى‬
‫يقول‪" :‬قوله َو َه ْل َأتَ ا َ‬

‫الجامع ألحاكم القرآن‪.17/364 :‬‬ ‫‪124‬‬

‫سورة طه‪ ،‬اآلية‪.9 :‬‬ ‫‪125‬‬

‫الجامع ألحاكم القرآن‪.9/376 :‬‬ ‫‪126‬‬

‫الكشاف‪.531 ،2/530 :‬‬ ‫‪127‬‬

‫التحرير والتنوير‪.16/101 :‬‬ ‫‪128‬‬

‫‪47‬‬
‫لكن القصد منه تقرير الجواب في قلبه وهذه الصيغة أبلغ في ذلك كما يقول المرء‬
‫لصاحبه هل أبلغك خبر كذا؟ فيتطلع السامع إلى معرفة ما يرمي إليه"‪.129‬‬
‫وتب دو دالل ة التقري ر اق رب لس ياق الكالم لم ا فيه ا من حث للن بي لمواص لة‬
‫التبلي غ واإلص غاء لم ا يلقي ه إلي ه‪ ،‬وي رى القرط بي مع نى التقري ر ق د يس تعمل في‬
‫مواطن اإلنكار فيحمل علي ه فيخاطب المنكر مخاطب ة المقر وذلك لوض وح األدلة‬
‫يده ومن ير ُزقُ ُكم ِّمن السَّم ِ‬
‫اء‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ق ثَُّم ُيع ُ ُ َ َ َ ْ‬
‫َأمن َي ْب َدُأ اْل َخْل َ‬
‫والبراهين‪ ،‬وذلك مثل قوله تعالى‪َّ :‬‬
‫ين ‪.130‬‬ ‫ض َأِإلَهٌ َّمع اللَّ ِه ُق ْل َهاتُوا بر َه َان ُكم ِإن ُكنتُم ِ ِ‬
‫اَأْلر ِ‬
‫صادق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫َو ْ‬
‫ق ال القرط بي‪" :‬الس ؤال ال ذي يث يره كث ير من المفس رين وه و أن المش ركين‬
‫المخاطبين بهذه اآلية أغلبهم لم يعتقدوا بالمعاد المعاد الجسماني فكيف يوجه إليهم‬
‫هذا السؤال مع هذه الحال ويطلب منهم اإلقرار‪ ،‬فالجواب على هذا السؤال مقرون‬
‫بدليل يس وق الطرف اآلخر لإلق رار‪ ،‬ألن ه ب اعترافهم أن بداي ة الخلق من اهلل وهذه‬
‫المواهب والنعم كلها منه‪ ،‬لكي تقبل عقولهم إمكان المعاد والرجوع من الحياة في‬
‫يوم القيامة مرة أخرى"‪.131‬‬
‫فاالستفهام كما يرى القرطبي قد سبق لحمل الكافرين على اإلقرار بالمعاد‪،‬‬
‫و هم منك رون ل ه‪ ،‬بي د أن النص الق رآني ق د س اق الكالم مقرون اً بدالل ة الحي اة‬
‫الظاهرة التي أقروا بها لحملهم اإلقرار بالحياة الثانية عن طريق الحث والتدبر‪.‬‬
‫وقد تتصاعد وتيرة التقرير من القوة أن يتداخل فيها االستهزاء‪ ،‬كما في قوله‬
‫ب اْل ُكفَّ ُار َما َك ُانوا َي ْف َعلُ َ‬
‫ون‪.132‬‬ ‫تعالى‪َ :‬ه ْل ثُِّو َ‬
‫إذ قال القرطبي‪ :‬االستفهام في اآلية استفهام تقريري‪ ،‬سواء صدر من اهلل‪،‬‬
‫تهزاء بأفك ار وادع اءات‬
‫ً‬ ‫أو من المالئك ة‪ ،‬أو من المؤم نين‪ ،‬فه و يمث ل طعن اً واس‬

‫التفسير الكبير‪.22/13 :‬‬ ‫‪129‬‬

‫سورة النمل‪ ،‬اآلية‪.64 :‬‬ ‫‪130‬‬

‫الجامع ألحاكم القرآن‪.12/85:‬‬ ‫‪131‬‬

‫سورة المطففين‪ ،‬اآلية‪.36 :‬‬ ‫‪132‬‬

‫‪48‬‬
‫أولئك المغرورون‪ ،‬الذين كانوا يتصورون أن اهلل سيثيبهم على أعمالهم القبيحة‪،133‬‬
‫وحمل الفخر الرازي داللة االستفهام على التهكم إذ يقول‪" :‬واألولى أن يحمل ذلك‬
‫‪ ،135‬وق ال ص احب‬ ‫على س بيل التهكم كقول ه تع الى‪ُ :‬ذ ْق ِإَّن َ‬
‫‪134‬‬
‫َأنت اْل َع ِزي ُز اْل َك ِر ُ‬
‫يم‬ ‫ك َ‬
‫‪.136‬‬ ‫البحر‪" :‬استفهام بمعنى التقرير للمؤمنين‪ ،‬أي هل جوزوا بها"‬
‫ويتض ح إص ابة القرط بي مف ادة الدالل ة إذ يب دو االس تفهام عن ده ق د س ار في‬
‫خطين مت وازيين األول‪ :‬الحم ل على اإلق رار لمن يظن بع دم مج ازاة الك افرين‬
‫والثاني‪ :‬على االستهزاء وهو أشد عذاباً وأقوى من التقرير فالسياق على ما يبدو‬
‫يوم الحساب الممزوج بالعذاب والخوف‪.‬‬

‫ومما رجح فيه داللة التقرير على اإلنكار قوله تعالى‪َ :‬ه ْل َأتَى َعلَى اِإْل َ‬
‫نس ِ‬
‫ان‬
‫الد ْه ِر لَ ْم َي ُكن َش ْيئاً َّم ْذ ُكوراً ‪.137‬‬ ‫ِح ٌ‬
‫ين ِّم َن َّ‬
‫ق ال القرط بي‪" :‬ه ل ي راد به ا ق د‪ ،‬أنه ا بمع نى االس تفهام التقري ري‪ ،‬أو‬
‫اإلنك اري‪ ،‬ولكن الظ اهر فيه ا االس تفهام التقري ري‪ ،‬فيك ون مع نى الجمل ة‪ :‬أليس ق د‬
‫أتى على اإلنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً" ‪.138‬‬
‫والظ اهر أن الزمخش ري جع ل ه ل بمع نى ق د واالس تفهام يس تفاد من هم زة‬
‫مق درة س بقتها ح تى ذهب ابن هش ام إلى الق ول‪" :‬وب الغ الزمخش ري ف زعم أنه ا أب داً‬
‫بمعى قد وإ نما االستفهام مستفاد مع همزة مقدرة معها"‪.139‬‬
‫االستفهام التقريري‪:‬‬

‫ينظر‪ :‬الجامع ألحاكم القرآن‪.20/36 :‬‬ ‫‪133‬‬

‫الدخان‪49 :‬‬ ‫‪134‬‬

‫التفسير الكبير‪.31/93 :‬‬ ‫‪135‬‬

‫البحر المحيط‪.8/435 :‬‬ ‫‪136‬‬

‫سورة اإلنسان‪ ،‬اآلية‪.1 :‬‬ ‫‪137‬‬

‫الجامع ألحاكم القرآن‪.19/174 :‬‬ ‫‪138‬‬

‫مغني اللبيب‪.406 ،2/405 :‬‬ ‫‪139‬‬

‫‪49‬‬
‫وذك رهُ القزوي ني وابن هش ام‪ .140‬ومعن اهُ حمل ك المخ اطب على االق رار‬
‫يل اْل ِكتَ ِ‬
‫اب‬ ‫ص َ‬‫يق الَِّذي ب ْين ي َد ْي ِه وتَ ْف ِ‬
‫ص ِد َ‬ ‫ِ‬ ‫واالعتراف ٍ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫بأمر ومنه قوله تعالى‪َ  :‬ولَك ْن تَ ْ‬
‫ولُون ا ْفتَ َراه‪ .141 ‬فهمـزة االستفهـام في ‪َْ ‬أم ‪‬‬ ‫ِ‬ ‫ب ِفي ِه ِم ْن َر ِّ‬
‫ين َْأم َيقُ َ‬
‫ب اْل َع الَم َ‬ ‫ال َر ْي َ‬
‫متض منة مع نى ب ل "اس تمروا على ض اللهم " ‪ .142‬وه ذا م ا ذهب الي ه الزمخش ري‬
‫وأبو حيان‪ .143‬وهو مذهب سيبويه ذكرهُ أبو حيان‪.‬‬
‫يم‪ .144 ‬ويجب أن يلي‬ ‫ِإ ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ت َه َذا بآلهَتَن ا َي ا ْب َراه ُ‬
‫ت فَ َعْل َ‬
‫ومن هُ قول ه تع الى‪َ :‬أ َْأن َ‬
‫هم زة االس تفهام الش يء المس ؤول عن هُ أو المق رر ب ِه ف اذا ج اء االس م بع دها ك ان‬
‫السؤال عن الفاعل‪ ،‬واذا ورد الفعل كان السؤال عن الفعل قـال الشيخ الجرجاني‪" :‬‬
‫لم يقول وا ذل ك ل ه ‪ ‬وهم يري دون أن ُيق َّر لهم ب أن كس ر االص نام ق د ك ان‪ ،‬ولكن أن‬
‫ت َه َذا ‪‬‬ ‫ت َف َعْل َ‬‫ُيق َّر بأن ه من هُ ك ان‪ ،‬وكي ف وق د أش اروا الى الفع ل في ق ولهم‪َ  :‬أ َْأن َ‬
‫ت‪‬‬
‫ت فَ َعْل َ‬ ‫وقال‪َ : ‬ب ْل فَ َعلَ هُ َكبِ ُير ُه ْم َه َذا ‪ .‬ولو كان للتقرير بالفعل في قولهم ‪َْ ‬أن َ‬
‫هامة وهي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫قضية‬ ‫فعلت او لم افعل ‪ .145‬فالشيخ الجرجاني يشير الى‬ ‫ُ‬ ‫لكن الجواب‪:‬‬
‫كيفية السؤال‪ ،‬فالمقام في طرح السؤال ادى الى مقال الجواب َّ‬
‫ألن السؤال كان عن‬
‫نس بة الفع ل الى س يدنا اب راهيم ال الى الفع ل نفس ه وال دليل على ذل ك جواب ه‪ .‬ق ال‬
‫البق اعي مفس راً ه ذه المع اني الدقيق ة ألس لوب االس تفهام ق ال‪ " :‬ولم ا ك ان إحض اره‬
‫لمـا يقـع حض وره على تل ك الهيئـة‬‫معلوم اً أنهم ال يت أخرون عن هُ‪ ،‬أس تأنف إخبـار ّ‬
‫ت‬
‫فقـال‪  :‬قَ الُوا ‪ ‬منكرين عليه مقررين لـه بعـد حضوره على تلك الهيئـة‪َ  :‬أ َْأن َ‬
‫ت َه َذا ‪ ‬الفعل الفاحش بالهتنا قال‪ :‬متهكماً بهم وملزماً بالحجة‪ .‬وكناية عن انهم‬
‫فَ َعْل َ‬
‫العقل لهم لعبادتهم‪.146 " ...‬‬

‫ينظر‪ :‬األيضاح‪ ،235 :‬والمغني‪.1/24 :‬‬ ‫‪140‬‬

‫يونس‪38-37:‬‬ ‫‪141‬‬

‫نظم الدرر‪.9/122 :‬‬ ‫‪142‬‬

‫ينظر‪ :‬الكشاف‪ ،2/237 :‬والبحر المحيط‪.5/158 :‬‬ ‫‪143‬‬

‫االنبياء‪62:‬‬ ‫‪144‬‬

‫األيضاح‪.1/235 :‬‬ ‫‪145‬‬

‫نظم الدرر‪.12/440:‬‬ ‫‪146‬‬

‫‪50‬‬
‫ومن ه أيض ا قول ه تع الى‪َ  :‬و َم ا لَهُ ْم َأاَّل ُي َع ِّذَبهُ ُم اللَّه‪ .147‬فالظ اهر" ان ‪َ ‬م ا ‪‬‬
‫أي شي لهم من انتفاء العذاب وهو استفهام معناهُ التقرير‪ ،‬أي كيف‬ ‫استفهامية أي ّ‬
‫ال يعذبون وهم متصفون بهذه الصفة المقتضية للعذاب … وتقدير الكالم‪ :‬وأي ح ظ‬
‫لهم في ‪َ ‬أاَّل ُي َع ِّذَبهُ ُم اللَّه‪ .148 " ‬ان ورود الفعل أو االسم بعد االستفهام ليفرق بين‬
‫المعاني ويزدها وضوحاً وامثلة‪.‬‬

‫األنفال‪34 :‬‬ ‫‪147‬‬

‫نظم الدرر‪8/272:‬‬ ‫‪148‬‬

‫‪51‬‬
‫التهكــم‪:‬‬
‫ُد َآباُؤ َن ا َْأو‬ ‫ك َأن َّنتْ ُر َ‬
‫ك َم ا َي ْعب ُ‬ ‫ْأم ُر َ‬
‫ك تَ ُ‬‫َأص الَتُ َ‬
‫ب َ‬ ‫ومنه قوله تعالى‪ :‬قَ الُوْا َي ا ُش َع ْي ُ‬
‫يد ‪ .149‬قال الشيرازي‪" :‬إن قولهم‬ ‫الر ِش ُ‬
‫يم َّ‬ ‫ك َ ِ‬
‫َأَلنت اْل َحل ُ‬ ‫َأم َو ِالَنا َما َن َشاء ِإَّن َ‬ ‫ِ‬
‫َأن َّن ْف َع َل في ْ‬
‫يد ه ل ك ان كالم اً واقعي اً من منطل ق اإليم ان ب ه‪ ،‬أم‬ ‫الر ِش ُ‬ ‫يم َّ‬ ‫ك َ ِ‬
‫َأَلنت اْل َحل ُ‬ ‫لش عيب ِإَّن َ‬
‫على س بيل االس تهزاء والس خرية؟!‪ .‬أحتم ل المفس رون ال وجهين ‪ ،150‬ولكن م ع‬
‫مالحظة أسلوب سؤالهم الذي يستبطن االستهزاء‪ ،‬يظهر أن هذه الجملة على نحو‬
‫االستهزاء" ‪.151‬‬
‫ك‬
‫َأص الَتُ َ‬
‫ومن قول الشيرازي يتبين أنه أختار االستهزاء على أن قوله تعالى َ‬
‫يد جمل ة خبري ة‬‫الر ِش ُ‬
‫يم َّ‬ ‫ك َ ِ‬
‫َأَلنت اْل َحل ُ‬ ‫ك س ؤال يس تبطن االس تفهام‪ ،‬وجمل ة ِإَّن َ‬
‫ْأم ُر َ‬
‫تَ ُ‬
‫تعكس واق ع االس تهزاء المؤك د بح رف إن والم القس م وبص يغة القص ر في جمل ة‬
‫يم للداللة على ثبات هذه الصفات فيه بداللة التعبير بالجملة االسمية بيد‬ ‫َ ِ‬
‫َأَلنت اْل َحل ُ‬
‫أنه ا خ رجت إلى س ياق االس تهزاء في حين أخت ار الزمخش ري مع نى التهكم‬
‫واالستهزاء‪ ،152‬وهما واحد في المعنى‪.153‬‬
‫ومعنى االستهزاء قد يأتي متداخالً وممزوج اً بالسخرية للداللة على اإلنكار‬
‫ين ‪.154‬‬ ‫الشديد‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ويقُولُون متَى َه َذا اْلو ْع ُد ِإن ُكنتُم ِ ِ‬
‫صادق َ‬‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬
‫ق ال اآللوس ي ق ال‪َ " :‬متَى َه َذا اْل َو ْع ُد بطري ق االس تهزاء يعن ون المبش ر ب ه‬
‫‪155‬‬
‫والمنذر عنه" ‪ .‬أن إيقاع االستفهام من قبل منكري يوم القيامة قد خرج مجازي اً‬
‫ُ‬
‫إلى داللة االستهزاء وقد ضمنها الشيرازي بالسخرية للداللة على شدة هذا التهكم‬
‫إيغاالً في استبعادهم لهذا الحدث العظيم وإ نكارهم له‪.‬‬

‫سورة هود‪ ،‬اآلية‪.87 :‬‬ ‫‪149‬‬

‫ينظر‪ :‬البحر المحيط‪.5/253 :‬‬ ‫‪150‬‬

‫األمثل‪.7/30 :‬‬ ‫‪151‬‬

‫ينظر‪ :‬الكشاف‪.2/286 :‬‬ ‫‪152‬‬

‫ينظر‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪.9/78 :‬‬ ‫‪153‬‬

‫سورة سبأ‪ ،‬اآلية‪.29 :‬‬ ‫‪154‬‬

‫روح المعاني‪.22/433 :‬‬ ‫‪155‬‬

‫‪52‬‬
‫ك قَ الُوا‬ ‫ك َحتَّى ِإ َذا َخ َرجُوا ِم ْن ِع ْن ِد َ‬ ‫ومن ه قول ه تع الى‪َ :‬و ِم ْنهُ ْم َم ْن َي ْس تَ ِمعُ ِإلَْي َ‬
‫طَب َع اللَّهُ َعلَى ُقلُوبِ ِه ْم َواتََّب ُعوا ْ‬ ‫ال آنِفاً ُأولَِئ َ َِّ‬ ‫ين ُأوتُوا اْل ِعْل َم َما َذا قَ َ‬ ‫َِِّ‬
‫‪156‬‬
‫اء ُه ْم‬
‫َأه َو َ‬ ‫ين َ‬ ‫ك الذ َ‬ ‫للذ َ‬
‫تكلم الف ّراء على ه ذه اآلي ة فق ال‪" :‬فال يس تمعون وال يع ون ح تى إذا انص رفوا‪،‬‬
‫وخرج الناس قالوا للمسلمين‪ :‬ماذا قال آنف اً ؟ يعنون النبي استهزاء منهم"‪ .157‬قال‬
‫أب و الس عود‪" :‬أي م ا ال ذي ق ال الس اعة على طري ق االس تهزاء وإ ن ك ان بص ورة‬
‫االستعالم"‪.158‬‬
‫َأم َو ِالَن ا‬ ‫ِ‬
‫َأن َن ْف َع َل في ْ‬
‫ُد َآباُؤ َن ا َْأو ْ‬
‫ك َم ا َي ْعب ُ‬
‫َأن َنتْ ُر َ‬
‫ك ْ‬ ‫ْأم ُر َ‬
‫ك تَ ُ‬
‫َأص التُ َ‬
‫قوله تعالى‪َ :‬‬
‫اء‪ .159‬ق رر البق اعي التهكم اذ يق ول‪ … " :‬وعن وا ب ذلك نس بته الى الس فه‬ ‫َم ا َن َش ُ‬
‫والغي على طري ق التهكم "‪ .160‬وذك ر الزمخش ري اآلي ة انه ا على طري ق الس خرية‬
‫والهزء وتابعه البيضاوي‪.161‬‬
‫ونجد القرطبي يقرر االنكار بدالً من التهكم في تفسيره لالية فقال‪ " :‬انكروا‬
‫لم ا رأوا من ك ثرة ص الته وعبادت ه‪ ،‬وان هُ حليم رش يد "‪ .162‬وص رح ابن ج زي‬
‫بغرض االستهزاء وهو يساوي التهكم فاستعمل الترادف قال‪ " :‬والمعنى اصالتك‬
‫تامرك ان نترك عبادة االوثان‪ ،‬وإ نما قال الكفار هذا على وجه االستهزاء‪.‬‬
‫‪ .‬ق ال‬ ‫ام ِة‬ ‫ِ‬
‫‪163‬‬
‫ومن االس تفهام التهكمي قول ه تع الى‪َ  :‬ي ْس َأ ُل ََّأي َ‬
‫ان َي ْو ُم اْلقَي َ‬
‫البق اعي‪ " :‬ولم ا حكم بس هوهم‪ ،‬دل علي ه بقول ه‪َ  :‬ي ْس َأ ُل ‪ ‬أي حين اً بع د حين على‬
‫ان ‪ ‬أي م تى واي حين " ‪ .164‬فالبق اعي‬
‫تهزاء بق ولهم‪ََّ  :‬أي َ‬
‫ً‬ ‫س بيل االس تمرار اس‬

‫محمد‪16 :‬‬ ‫‪156‬‬

‫روح المعاني‪.3/60:‬‬ ‫‪157‬‬

‫تفسير أبي السعود‪.6/88:‬‬ ‫‪158‬‬

‫هود‪87:‬‬ ‫‪159‬‬

‫نظم الدرر‪.12/440:‬‬ ‫‪160‬‬

‫ينظر الكشاف ‪. 2/286‬‬ ‫‪161‬‬

‫الجامع الحكام القرآن ‪9/77‬‬ ‫‪162‬‬

‫القيامة‪6:‬‬ ‫‪163‬‬

‫نظم الدرر‪.18/453 :‬‬ ‫‪164‬‬

‫‪53‬‬
‫يخرج ه على س بيل االس تهزاء‪ .‬ق ال الزمخش ري‪ " :‬ف ان قلت‪ :‬كي ف وق ع ‪ََّ ‬أي َ‬
‫ان ‪‬‬
‫ظرفاً لليوم‪ ،‬وانما تقع االحيان ظروفاً للحدثان ؟ قلت‪ :‬معناهُ‪ :‬أيان وقوع يوم الدين‬
‫" ‪ .165‬وذهب أبو حيان ُم ِ‬
‫خرج اً االستفهام عن حقيقته ومعتمداً االستهزاء بالقول‪" :‬‬
‫أي متى وقت الجزاء‪ ،‬سؤال تكذيب واستهزاء "‪.166‬‬

‫االستفهام للتوبيخ‪:‬‬
‫‪167‬‬
‫ون‬
‫ُد َ‬ ‫أن ما بعدها واقع َّ‬
‫وان فاعله ملوم ‪ .‬نحو قوله تعالى‪َ  :‬أتَ ْعب ُ‬ ‫ويقتضي َّ‬
‫ربك ؟ بمع نى لم‬ ‫تُون‪ . 168‬والت وبيخ إذا ك ان في الماض ي مث ل أعص يت َّ‬ ‫ِ‬
‫َم ا تَْنح َ‬
‫عصيت ؟ يكون بمع نى ما ك ان ينبغي بك عص يانه‪ ،‬واذا ك ان في المض ارع مث ل‪:‬‬
‫أتعصي ربك ؟ على أمر خيف وقوعه في الحال أو في االستقبال ويكون بمعنى ال‬
‫ينبغي أن يقع ذلك في الحال او في االستقبال " ‪.169‬‬
‫‪171‬‬
‫‪ .‬فسر القرطبي‬ ‫اس بِاْلبِِّر َوتَْن َس ْو َن َْأنفُ َس ُك ْم‬
‫‪170‬‬
‫ون َّ‬
‫الن َ‬ ‫ْأم ُر َ‬
‫في قوله تعالى‪َ :‬أتَ ُ‬
‫وبين س ببه‪ ،‬فق ال‪ " :‬انك ر عليهم ترغيب اً فيم ا ن دبهم الي ه وحثهم‬ ‫االس تفهام الت وبيخي ّ‬
‫ون ‪ ‬من االم ر وه و االل زام ب الحكم "‪.‬‬
‫ْأم ُر َ‬
‫علي ه‪ .‬وتوبيخ اً على ترك ه بقول ه‪َ  :‬أتَ ُ‬
‫القرطبي‪172‬فسر االستفهام على التوبيخ وهو العلماء اليهود ‪ .‬وهذا الذي ذهب اليه‬
‫الزمخش ري ب القول‪ " :‬الهم زة للتقريـر يرفـع التوبيـخ والتعجيـب من ح الهم "‪.173‬‬
‫وتابعه الى َّأنهُ استفهام للتوبيخ واصطلح عليه بالتقريع واالنكار‪.‬‬

‫الكشاف ‪4/15‬‬ ‫‪165‬‬

‫البحر المحيط ‪.8/135‬‬ ‫‪166‬‬

‫ينظر مغني الللبيب‪.27‬‬ ‫‪167‬‬

‫الصافات‪ :‬من اآلية‪95‬‬ ‫‪168‬‬

‫ينظر فصول في البالغة العربية ‪.39‬‬ ‫‪169‬‬

‫البقرة‪ :‬من اآلية‪44:‬‬ ‫‪170‬‬

‫ينظر‪ :‬الجامع الحكام القران‪.1/343 :‬‬ ‫‪171‬‬

‫ينظر‪ :‬الجامع الحكام القران‪.1/343 :‬‬ ‫‪172‬‬

‫الكشاف‪ 1/277 :‬وينظر انوار التنزيل ‪.1/59‬‬ ‫‪173‬‬

‫‪54‬‬
‫َّ ِ‬
‫ون بِالله َو ُك ْنتُ ْم ْ‬
‫َأم َوات اً‬ ‫فُر َ‬
‫ف تَ ْك ُ‬
‫ومن االستفهـام الت وبيخي قول ه تع الى‪َ  :‬ك ْي َ‬
‫َأحَي ا ُكم‪ .174‬ق ال البق اعي‪ " :‬ص رف وج ه الخط اب عن المواجه ة من الح ق تع الى‬ ‫فَ ْ‬
‫واج رى على لس ان ل ؤم وإ نك ار‪ ،‬فج اء ه ذا االس تفهام أليض اح انقط اع الع ذر في‬
‫التمادي على الكفر‪ ،‬وجاء بلفظ كيف لقصور نظرهم على الكيفيات المحسوسة فان‬
‫كيف مدلولـها استفهـام عن عمـوم االحـوال التي شأنها أن تدرك بالحواس " ‪.175‬‬
‫ف ‪ ‬على الت وبيخ او‬ ‫ام ا القرط بي فق د تعم ق في س بر المع اني فيحم ل ‪َ ‬ك ْي َ‬
‫االنك ار ويتح دث عن أس لوب االلتف ات من الغيب ة الى الخط اب االس تفهامي وي راهُ‬
‫أس لوباً اك ثر ردع اً وفائدت هُ االس تمرارية لص يغة المض ارع وه و مم ا لم نج ده عن د‬
‫الزمخشري اذ فسر اآلية بالقول‪ :‬انكار وتعجب‪.176‬‬
‫ام ا أب و حي ان فيتوس ع في ش رحه لالي ة ن اقالً كالم الزمخش ري في المس ألة ثم‬
‫يق ول ه و من ب اب الكناي ة عن ده إذ قص د إنك ار الح ال والمقص ود انك ار وق وع ذات‬
‫الكفر‪.‬‬

‫االستفهام لالمر‪:‬‬

‫البقرة‪ :‬من اآلية‪28:‬‬ ‫‪174‬‬

‫نظم الدرر ‪1/213‬‬ ‫‪175‬‬

‫ينظر‪ :‬الجامع الحكام القرآن‪.1/237 :‬‬ ‫‪176‬‬

‫‪55‬‬
‫يخ رج االس تفهام مجازي اً الى غ رض األم ر وذك ر ه ذا الن وع ابن هش ام‬
‫َأس لَ ْمتُ ْم‪ 178‬‬ ‫ِ‬ ‫والسيوطي‪ .177‬ومنه قوله تعالى‪  :‬وق ْ َِِّ‬
‫ِّين َأ ْ‬
‫اُأْلمي َ‬
‫اب َو ِّ‬
‫ين ُأوتُوا اْلكتَ َ‬
‫ُل للذ َ‬ ‫َ‬
‫صبِ ُر َ‬
‫‪180‬‬ ‫‪179‬‬
‫ون ‪ ‬أي اصبروا‪.‬‬ ‫ون ‪ .‬ومنه ‪َ ‬أتَ ْ‬ ‫أي أسلموا وقوله‪  :‬فَهَ ْل َْأنتُ ْم ُم ْنتَهُ َ‬
‫َأس لَ ْمتُ ْم ‪ ‬معناه األمر‪ .181‬أي اسلموا‬ ‫وقد ذهب الفراء والزجاج بالقول في‪َ  :‬أ ْ‬
‫‪182‬‬
‫َأس لَ ْمتُ ْم ‪ ‬تهديـداً‪ .‬وه ذا‬
‫ولم يصلح الزمخش ري على االمر ‪ .‬وقال القرط بي‪َ  " :‬أ ْ‬
‫حسن‪ ،‬الن المعنى أأسلمتم ام ال " ‪.183‬‬
‫َأس لَ ْمتُ ْم ‪‬‬
‫وفس ر ابن ج زي مع نى األم ر في اآلي ة‪ ،‬ولم ي ذكر لفظ ة ق ال‪َ  " :‬أ ْ‬
‫تقري ر بع د إقام ة الحج ة عليهم أي ق د ج اءكم من ال براهين م ا يقتض ي ان تس لموا‬
‫"‪ .184‬وتوس ع أب و حي ان في تفس ير االس تفهام لألم ر وأورد تفس ير الزمخش ري له ذا‬
‫الغرض المجازي واستشهد برأي الزجاج حول التهديد‪.185‬‬
‫َأس لَ ْمتُ ْم‪ .186‬فقال‪" :‬هو استفهام‬ ‫ِ‬ ‫قوله تعالى‪ :‬وق ْ َِِّ‬
‫ِّين َأ ْ‬
‫اُأْلمي َ‬
‫اب َو ِّ‬
‫ين ُأوتُوا اْلكتَ َ‬
‫ُل للذ َ‬ ‫َ‬
‫معن اه أم ر"‪ 187‬واآلي ة الكريم ة أداره ا أه ل العلم‪ :‬البالغي ون والمفس رون وأص حاب‬
‫عل وم الق رآن في مص نفاتهم على انه ا اس تفهام بمع نى االمر‪ .188‬فيم ا جع ل‬
‫الزمخشري اآلية الكريمة على معنى التوبيخ‪.189‬‬
‫ينظر‪ :‬االتقان‪.2/887 :‬‬ ‫‪177‬‬

‫آل عمران‪ :‬من اآلية‪20‬‬ ‫‪178‬‬

‫المائدة‪ :‬من اآلية‪91‬‬ ‫‪179‬‬

‫الفرقان‪ :‬من اآلية‪20‬‬ ‫‪180‬‬

‫ينظر‪ :‬معاني القرآن ‪ ، 1/202‬والتبيان‪. 1/249 :‬‬ ‫‪181‬‬

‫ينظر‪ :‬الكشاف‪.1/419 :‬‬ ‫‪182‬‬

‫الجامع الحكام القرآن‪.4/44 :‬‬ ‫‪183‬‬

‫التسهيل‪.1/103 :‬‬ ‫‪184‬‬

‫ينظر‪ :‬البحر المحيط‪.2/413 :‬‬ ‫‪185‬‬

‫آل عمران‪20 :‬‬ ‫‪186‬‬

‫معاني القرآن‪.1/202:‬‬ ‫‪187‬‬

‫ينظر مغنى اللبيب‪.1/18:‬‬ ‫‪188‬‬

‫ينظر الكشاف‪.1/419،420:‬‬ ‫‪189‬‬

‫‪56‬‬
‫‪190‬‬
‫فسر‬ ‫هُون‬
‫ومما يخرج االستفهام إلى معنى آخر قوله تعالى‪َ :‬فهَ ْل َْأنتُ ْم ُم ْنتَ َ‬
‫الفراء اآلية الكريمة فقال‪" :‬استفهام وتأويله انتهوا … أو ال ترى انك تقول للرجل‪:‬‬ ‫ّ‬
‫اف عن ا ؟ معن اه اكف ف"‪ .191‬واآلي ة الكريم ة ت دور في كتب اه ل البالغ ة‬ ‫ه ل أنت ك ٍ‬
‫الفراء في جع ل االس تفهام في‬
‫والتفس ير واص حاب عل وم الق رآن‪ ،‬فق د ذهب وا م ذهب ّ‬
‫هذه اآلية يخرج إلى معنى االمر‪ .192‬لكن الزمخشري حملها على معنى الت وبيخ في‬
‫موض ٍع‪ ،193‬وفي موض ٍع آخ ر جع ل االس تفهام يحم ل مع نى النهي‪ .194‬ويب دو لي أن‬
‫االظه ر في ه ذا‪ ،‬م ا ذهب إلي ه أك ثر العلم اء‪ ،‬وه و خ روج االس تفهام إلى مع نى‬
‫االمر‪.‬‬

‫االستفهام للنهي‪:‬‬
‫أدرك البالغي ون خ روج االس تفهام من معن اه الحقيقي إلى مع نى آخ ر مفي دا‬
‫ونهُ ْم بِ َم ا فَتَ َح اللَّهُ َعلَْي ُك ْم ِلُي َح ُّ‬
‫اجو ُك ْم بِ ِه ِع ْن َد‬ ‫غ رض النهي‪ ،‬ففي قول ه تع الى‪َ :‬أتُ َح ِّدثُ َ‬
‫لُون‪ .195‬ق ال الف راء‪ :‬ه ذا من ق ول اليه ود لبعض هم‪ ،‬أي ال تح دثوا‬ ‫ِ‬
‫َرِّب ُك ْم َأفَال تَ ْعق َ‬
‫المس لمين ب أنكم تج دون ص فة محم د في الت وراة وأنتم ال تؤمن ون ب ه فتك ون لهم‬
‫الحجة عليكم" ‪196‬وهذا المعنى أكده ابن كثير عندما أورد قول الحسن البصري حين‬
‫قال‪" :‬هؤالء اليهود كانو إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإ ذا خال بعضهم إلى بعض‪،‬‬
‫قال بعض هم‪ :‬ال تح دثوا اص حاب محم د بم ا فتح اهلل عليكم في كت ابكم ليح اجوكم به‬
‫عند ربكم فيخصموكم"‪.197‬‬

‫المائدة‪91 :‬‬ ‫‪190‬‬

‫معاني القرآن‪.1/202:‬‬ ‫‪191‬‬

‫ينظر التحرير والتنوير‪.3/202 :‬‬ ‫‪192‬‬

‫ينظر الكشاف‪420 - 1/419:‬‬ ‫‪193‬‬

‫ينظر معاني القرآن‪.2/262 - 1/642:‬‬ ‫‪194‬‬

‫البقرة‪76 :‬‬ ‫‪195‬‬

‫معاني القرآن‪.1/50:‬‬ ‫‪196‬‬

‫ينظر الكشاف‪.1/419،420:‬‬ ‫‪197‬‬

‫‪57‬‬
‫ف المعنى أن لفظ ة االس تفهام في أتح دثونهم ليس الغ رض منه ا إف ادة االس تفهام‬
‫الحقيقي كم ا في ظ اهر اآلي ة الكريم ة‪ ،‬وإ نم ا الغ رض منه ا ه و النهي‪ ،‬نهي اليه ود‬
‫أصحابهم من إخبار المسلمين بأنهم وجدوا صفة النبي محمد في التوراة‪ ،‬لئال تك ون‬
‫عليهم الحجة باقرارهم في نبوته‪.‬‬

‫االستفهام للنفي‪:‬‬
‫ق د يخ رج االس تفهام من معن اه الحقيقي الى مع نى النفي‪ ،‬كم ا في قول ه تع الى‪:‬‬
‫وب ِإاَّل اللَّهُ ‪.198‬‬ ‫ِ ُّ‬
‫َو َم ْن َي ْغف ُر الذُن َ‬
‫‪199‬‬
‫ولم ي ذكره الس بكي‬ ‫وذك ره ابن ف ارس مع نى مجازي ا من مع اني االس تفهام‬
‫‪201‬‬
‫ففي‬ ‫وانم ا اكتفى ب ذكر مع نى االنك ار‪ 200‬ولم يف رق الس يوطي بين النفي واالنك ار‬
‫ين ال َي ْعلَمُون‪ 202‬المع نى ق ل ال‬ ‫َِّ‬ ‫َِّ‬
‫ُون َوالذ َ‬ ‫ُل َه ْل َي ْس تَِوي الذ َ‬
‫ين َي ْعلَم َ‬ ‫قول ه تع الى‪ :‬ق ْ‬
‫يستوي الذين يعلمون والذين ال يعلمون‪ ،‬فجعل اهلل سبحانه وتعالى هذا المعنى في‬
‫ص ورة االس تفهام اذ ان ه لم يش أ ان ي أتي ب المعنى في جمل ة خبري ة‪ ،‬ولكن ه اراد ان‬
‫ينبه السامع ويدعوه الى التأمل والنظر ليصل الى الجواب بنفسه من دون ان يملى‬
‫علي ه‪ " ،‬ف النفي االس تفهامي يحم ل ال ذهن على التفك ير والمش اعر على ان نتج اوب‬
‫مع النص حيث ال يكون صريحا وانما يفهم ضمنا"‪.203‬‬
‫وق د َذ َك ر الف ّراء خ روج االس تفهام عن معن اه الحقيقي إلى مع نى النفي‪ ،‬ففي‬
‫ت ِإلَْيَنا‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى‪َ :‬يا ََأب َان ا َم ا َن ْبغي َه ذه بِ َ‬
‫‪204‬‬
‫الفراء مفسراً المعنى‪:‬‬
‫ّ‬ ‫قال‬ ‫اعتَُنا ُر َّد ْ‬
‫ض َ‬
‫طيب وا نفس ه‪ .‬وم ا‬
‫"كقول ك في الكالم‪ :‬م اذا نبغي ؟ ثم ق ال‪" :‬ه ذه بض اعتنا" ك َأنهم َ‬
‫سورة آل عمران‪ :‬االية ‪.135‬‬ ‫‪198‬‬

‫ينظر الصاحبي‪.295 :‬‬ ‫‪199‬‬

‫ينظر عروس االفراح‪ ،‬شروح التلخيص‪.2/295 :‬‬ ‫‪200‬‬

‫ينظر االتقان‪.3/237 :‬‬ ‫‪201‬‬

‫سورة الزمر‪ :‬االية ‪.9‬‬ ‫‪202‬‬

‫اساليب النفي في القران‪.298 :‬‬ ‫‪203‬‬

‫يوسف‪65 :‬‬ ‫‪204‬‬

‫‪58‬‬
‫اس تفهام في موض ع نص ب ويك ون جح داً ك أنهم ق الوا‪ :‬لس نا نري د من ك دراهم‪ ،‬واهلل‬
‫أعلم بص واب ذل ك"‪ 205‬وعلى ه ذا المس ار في تفس ير اآلي ة الكريم ة‪ ،‬س َار ال رازي‬
‫وأب و الس عود‪ 206‬وفي موض ع آخ ر‪ ،‬فص ل الف ّراء الق ول في االس تفهام ال ذي بمع نى‬
‫َّ ِ ‪207‬‬
‫ين َع ْه ٌد ِع ْن َد الله‬ ‫ِ‬ ‫ف يك ِ‬
‫ُون لْل ُم ْش ِرك َ‬
‫النفي‪ ،‬وذل ك عن دما تن اول قولَ ه تع الى‪َ  :‬ك ْي َ َ ُ‬
‫ت بها اآلية الكريمة‪ ،‬فجعل اإلستفهام في قراءة على معنى‬ ‫فذكر القراءات التي قرَئ ْ‬
‫قراءة ُأخرى على معنى النفي‪ .‬بقوله‪" :‬وقوله‪ :‬كيف يكون للمشركين‬ ‫ٍ‬ ‫التعجب‪ ،‬وفي‬
‫التعجب ؛ كم ا تق ول‪ :‬كي ف يس تبقى مثل ك ؛ أي ال ينبغي أن‬
‫عه د عن د اهلل" على َ‬
‫يستبقى‪ .‬وهو في قراءة عبد اهلل "كيف يكون للمشركين عهد عند اهلل وال ذمة فجاز‬
‫ألن معنى َأول الكالم جحد"‪.208‬‬
‫دخول ال مع الواو َ‬
‫ف عن ده بعض علم اء البالغ ة‬
‫وه ذا التوجي ه في مع نى اآلي ة الكريم ة وقَ َ‬
‫وحم ل الزمخش ري‪ ،‬وأب و الس عود اآلي ة على مع نى اإلنك ار‪ ،210‬فيم ا‬ ‫‪209‬‬
‫والتفس ير‬
‫أن اآلية تحمل معنى التعجب‪.211‬‬
‫ذهب القرطبي إلى َ‬
‫االستفهام للتسوية‪:‬‬
‫ق د تخ رج الف اظ االس تفهام عن معانيه ا الى مع نى التس وية أي االخب ار ب ان‬
‫ت َْأم لَ ْم تَ ُك ْن ِم َن‬
‫ظَ‬ ‫اء َعلَْيَن ا ََأو َع ْ‬ ‫االم رين س واء‪ ،‬كم ا في قول ه تع الى‪َ :‬س َو ٌ‬
‫اء َعلَْي ِه ْم َأ َْأن َذ ْرتَهُ ْم َْأم لَ ْم تُْن ِذ ْر ُه ْم ال‬ ‫‪212‬‬
‫ين وك ذلك في قول ه تع الى‪َ :‬و َس َو ٌ‬
‫ِِ‬
‫اْل َواعظ َ‬

‫معاني القرآن‪.1/49:‬‬ ‫‪205‬‬

‫ينظر تفسير الفخر الرازي‪.18/174:‬‬ ‫‪206‬‬

‫التوبة‪7 :‬‬ ‫‪207‬‬

‫معاني القرآن‪.424– 1/423:‬‬ ‫‪208‬‬

‫ينظر الصاحبي‪.159:‬‬ ‫‪209‬‬

‫ينظر الكشاف‪.2/175:‬‬ ‫‪210‬‬

‫ينظر الجامع الحكام القرآن‪.4/78:‬‬ ‫‪211‬‬

‫سورة الشعراء‪ :‬االية ‪.136‬‬ ‫‪212‬‬

‫‪59‬‬
‫يُْؤ ِمن َ‬
‫‪213‬‬
‫يق ول القرط بي‪ " :‬معن اه‪ :‬معت دل عن دهم االن ذار وترك ه أي س واء عليهم‬ ‫ُون‬
‫هذا وجئ باالستفهام من اجل التسوية"‪.214‬‬
‫ونس تعمل الهم زة غالب ا لالس تفهام ولكنه ا تخ رج من الحقيق ة الى المج از الى‬
‫معنى التسوية‪ ،‬يقول سيبويه‪ " :‬ومثل ذلك‪ :‬ما ادري أزيدا مررت به أم عمراً و ما‬
‫ابالي أعب د اهلل لقيت اخاه أم عمراً النه حرف االس تفهام وهي تلك االل ف ال تي في‬
‫قولك‪ :‬أزيدا لقيته أم عمرا‪.215‬‬
‫وتالزم الهمزة ام المتصلة للداللة على التسوية‪ ،‬يقول سيبويه‪ " :‬وانما لزمت‬
‫ام هاهنا النك تريد معنى ايهما‪ ،‬اال ترى انك تقول‪ :‬ما ابالي أي ذلك كان‪ ،‬سواء‬
‫علّي‪ ،‬أي ذلك كان‪ ،‬فالمعنى واحد"‪.216‬‬
‫وان من م يزات الهم زة ال تي تم يزت به ا من س ائر االدوات االخ رى بانه ا‬
‫تخ رج الى التس وية اذا وردت بع د االلف اظ‪ :.‬م ا أب الي ولس ت ادري‪ ،‬وم ا ادري‪،‬‬
‫وليت شعري‪ ،‬و غيرها يقول المبرد‪ " :‬ويدخل في باب التسوية مثل قولك‪ :‬سواء‬
‫علي أذهبت أم جئت و م ا أب الي أقبلت أم أدب رت و ليت ش عري أزي د في ال دار أم‬
‫َّ‬
‫عمرو‪ ..‬فادخلت حروف االستفهام هاهنا اليجابها التسوية"‪.217‬‬
‫وه و االس تفهام ال داخل على جمل ة يص ح حل ول المص در عليه ا‪ ،‬نح و قول ه‬
‫ِ‬
‫ُون‪ . 218‬قرر البقاعي غرض‬ ‫اء َعلَْي ِه ْم َأ َْأن َذ ْرتَهُ ْم َْأم لَ ْم تُْن ذ ْر ُه ْم ال يُْؤ ِمن َ‬
‫تعالى‪َ  :‬س َو ٌ‬
‫اء َعلَْي ِه ْم … ‪ ‬أي ان ذارك في ه ذا ال وقت به ذا ال وقت به ذا‬ ‫التس وية فق ال‪َ  :‬س َو ٌ‬
‫الكت اب ‪َْ ‬أم لَ ْم تُْن ِذ ْر ُه ْم ‪ ‬أي وعـدم إن ذارك فيـه وبعـده وقـد أنس لخ عـن ‪َْ ‬أم‬
‫ألنهم توغلوا في الكفـر‪...‬‬
‫‪‬والهمزة معنى االستفهام‪ ...‬وقد سلخت عن معناه افهاماً ّ‬

‫سورة يس‪ :‬االية ‪.10‬‬ ‫‪213‬‬

‫الجامع الحكام القران‪.1/184 :‬‬ ‫‪214‬‬

‫الكتاب‪.1/102 :‬‬ ‫‪215‬‬

‫المصدر نفسه‪.3/171 :‬‬ ‫‪216‬‬

‫المقتصب‪.288-3/287 :‬‬ ‫‪217‬‬

‫البقرة‪ :‬من اآلية‪6‬‬ ‫‪218‬‬

‫‪60‬‬
‫ولمـا كـان كأنـه قيـل في أي شي اسـتوت حالتهـم قيــل في انهم ‪ ‬ال يُْؤ ِمن َ‬
‫ُون‪.219 " ‬‬
‫فالبقاعي يذكر غرض التسوية وهو يتابع في االغلب صاحب الكشاف‪.‬‬
‫ين‪.220‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ت َْأم لَ ْم تَ ُك ْن م َن اْل َواعظ َ‬
‫ظَ‬‫اء َعلَْيَن ا ََأو َع ْ‬
‫‪ ‬قَ الُوا َس َو ٌ‬ ‫ومن ه قول ه تع الى‪:‬‬
‫ين‪ … ‬فه و أبل ع من ام لم تع ظ او تكن‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫تَ ُك ْن م َن اْل َواعظ َ‬
‫ق ال البق اعي‪َْ  " :‬أم لَ ْم‬
‫مستو في الحالتين في ّأنا ال نطيعك في شي‪." 221‬‬
‫ٍ‬ ‫واعظاً والمعنى أن األمر‬

‫خروج االستفهام لمعنى الخبر‪:‬‬


‫ان في الق رآن أمثل ة كث يرة ج اءت بلف ظ االس تفهام وخ رجت مج ازاً إلى مع نى‬
‫ين ِم َن ال َّد ْه ِر‪ " ، 222‬فمعن اه ق د‬ ‫الخ بر‪ ،‬ومنها قول ه تع الى‪َ :‬ه ْل َأتَى َعلَى اِأْل ْن َس ِ‬
‫ان ِح ٌ‬
‫حين من ال دهر‪ ،‬و ه ل ق د تك ون جح داً‪ ،‬وتك ون خ براً فه ذا من‬
‫أتى على اإلنس ان ٌ‬
‫‪223‬‬
‫الخبر ألنك قد تقول‪ :‬فهل وعظتك ؟ فهل أعطيتك ؟تقرره بأنك قد اعطيته"‬
‫وللعلم اء في اآلي ة الكريم ة آراء‪ ،‬فمنهم من جعله ا اس تفهاماً خ رج إلى مع نى‬
‫الخ بر ك ابن ف ارس‪ ،‬والس يوطي‪ .224‬ومنهم من حمله ا على مع نى التقري ر‪ ،‬ك أبي‬
‫عبيدة‪ ،‬والمبرد واالمدي‪ ،‬والرماني والزمخشري وغيرهم‪.225‬‬
‫ص بِ ُح‬ ‫َأن اللَّه َْأن َز َل ِمن َّ ِ‬
‫اء فَتُ ْ‬
‫الس َماء َم ً‬ ‫َ‬ ‫ومن ه ذا الغ رض قول ه تع الى‪َ :‬ألَ ْم تَ َر َّ َ‬
‫‪226‬‬
‫الفراء عند هذه اآلية فقال‪" :‬وقوله‪ :‬فتصبح األرض‬ ‫ض َّرة وقد وقف ّ‬ ‫ض ُم ْخ َ‬
‫اَأْلر ُ‬
‫ْ‬
‫مخضرة‪ ،‬رفعت فتصبح ألن المعنى في ألم تر معناه خبر‪ ،‬كانك قلت‪:‬اعلم إن اهلل‬
‫ينزل من السماء ماء فتصبح األرض مخضرة ‪.‬‬

‫نظم الدرر‪ .94-1/93 :‬ينظر‪ :‬الكشاف‪.1/154 :‬‬ ‫‪219‬‬

‫الشعراء‪136:‬‬ ‫‪220‬‬

‫نظم الدرر‪14/72 :‬‬ ‫‪221‬‬

‫االنسان‪1 :‬‬ ‫‪222‬‬

‫نظم الدرر‪.3/213:‬‬ ‫‪223‬‬

‫ينظر الصاحبي‪.2/183:‬‬ ‫‪224‬‬

‫ينظر ‪ :‬الكشاف‪.4/194:‬‬ ‫‪225‬‬

‫الحج‪63 :‬‬ ‫‪226‬‬

‫‪61‬‬
‫"فخبر وإ ن خرج مخرج االستفهام‪ ،‬وتقديره‪" :‬قد رأيت إن اهلل‬
‫ٌ‬ ‫وقال الرماني‪:‬‬
‫ينزل من السماء ماء فتصبح األرض مخضرة‪ ،‬وهو تنبيه على ما رآه ليتأمل فيه"‬
‫وتبعهم الزمخشري‪ ،‬والسيوطي‪.228‬‬ ‫‪227‬‬

‫معاني الحروف‪.24:‬‬ ‫‪227‬‬

‫ينظر الكشاف‪.21/ 3 :‬‬ ‫‪228‬‬

‫‪62‬‬
‫االستفهام لالستبطاء‪:‬‬
‫من معاني االستفهام االستبطاء‪ :‬نحو كم دعوتك ؟ وعليه قوله تعالى‪َ  :‬حتَّى‬
‫يب‪ 229‬فقوله‪:‬‬ ‫ص َر اللَّ ِه قَ ِر ٌ‬ ‫َّ ِ‬
‫ص ُر الله َأال ِإ َّن َن ْ‬
‫آمنُوا َم َع هُ َمتَى َن ْ‬
‫ين َ‬
‫َِّ‬
‫الر ُس و ُل َوالذ َ‬
‫قُول َّ‬
‫َي َ‬
‫كم دعوتك استفهام خرج إلى معنى استبطاء المخاطب في تلبية الدعوة‪ ،‬وهو مج از‬
‫مرسل عالقته السببية‪ ،‬والقرينة حالية‪ ،‬وبيانه َّ‬
‫أن االستفهام مسبب عن الجهل بعدد‬
‫ال دعوة‪ ،‬والجه ل بالع دد مس بب عن كثرته ا وكثرته ا مس ببة عن االس تبطاء‪ ،‬وك ذا‬
‫اطلق اسم المسبب وأريد السبب وهو االستبطاء‪.‬‬
‫وفي اآلية الكريمة أيضا خرج االستفهام عن زمان الوعد إلى االستبطاء في‬
‫النصر‪ .‬قال البقاعي‪ " :‬ولما كان معنى الكالم طلب النصر واستبطاء األمر أجابهم‬
‫تع الى إجاب ة المن ادي في ح ال اش تداد الض ر بقوله‪َ ‬أال ‪ ‬اس تفتاحاً وتنيه اً وجمع اً‬
‫أن نصر اهلل قريب"‪.230‬‬
‫للقلوب َّ‬
‫وذهب الزمخش ري أن مع نى اآلي ة ه و طلب النص ر وتمني ه واس تطالة زم ان‬
‫الش دة وه و دلي ل على تن اهي األم ر وعظمه‪ .231‬ق ال القرط بي‪" :‬أي بل غ بهم الجه د‬
‫بهم ح تى اس تنبطؤا النص ر " ‪ .232‬أم ا أب و حي ان فق د ذك ر مع نى االس تبطاء وق ال‪:‬‬
‫"وذل ك على س بيل االس تبطاء إذ م ا حص ل لهم من الش دة واالبتالء والزل زال ه و‬
‫الغاي ة القص وى وتن اهي ذل ك وتم ادي ب المؤمنين إلى أن نطق وا به ذا الكالم‪ ...‬ق الوا‬
‫ذلك استبطاء للنصر وضجرا مما نالهم من الشدة"‪.233‬‬
‫أم ا‬ ‫أن االس تبعاد غ ير متوق ع‪ّ ،‬‬ ‫أن الف رق بين االس تبطاء واالس تبعاد ّ‬ ‫والحقيق ة َّ‬
‫االس تبطاء فمتعلق ه متوق ع الحص ول كالس ؤال عن نص ر اهلل‪ ،‬ومن امثل ه االس تبعاد‬
‫ين ثَُّم تََولَّ ْوا َع ْن هُ َوقَ الُوا ُم َعلَّ ٌم‬
‫اء ُه ْم َر ُس و ٌل ُمبِ ٌ‬ ‫ِّ‬
‫قول ه تع الى‪ََّ  :‬أنى لَهُ ُم ال ذ ْك َرى َوقَ ْد َج َ‬

‫البقرة‪214 :‬‬ ‫‪229‬‬

‫نظم الدرر‪.211-3/210 :‬‬ ‫‪230‬‬

‫ينظر الكشاف‪.1/356 :‬‬ ‫‪231‬‬

‫الجامع الحكام القرآن‪.3/34 :‬‬ ‫‪232‬‬

‫البحر المحيط‪.2/140 :‬‬ ‫‪233‬‬

‫‪63‬‬
‫ُون‪ .234‬فان ه ال يج وز حمل ه على حقيق ة االس تفهام‪ ،‬وه و ظ اهر‪ ،‬ب ل الم راد‬
‫َم ْجن ٌ‬
‫اء ُه ْم َر ُس و ٌل ُمبِ ٌ‬
‫ين ثَُّم‬ ‫اس تبعاد أن يك ون لهم ال ذكرى‪ ،‬بقرين ة قول ه تع الى‪َ  :‬وقَ ْد َج َ‬
‫تََولَّ ْوا َع ْنهُ‪ ‬أي كيف يتذكرون ويتعظون ويوفون بما وعدوه من االيمان عن د كشف‬
‫الع ذاب عنهم وق د ج اءهم م ا ه و اعظم وادخ ل في وج وب األدك ار من كش ف‬
‫الدخان‪ ،‬وهو ما ظهر على يد رسول اهلل ‪ ‬من اآليات البينات من الكتاب المعجز‬
‫وغ يره فلم ي ّذكروا واعرض وا عنه‪ .235‬فال ذكرى لن تق ع وه و اس تفهام خ رج إلى‬
‫معنى االستبعاد الن متعلقه غير متوقع‪.‬‬

‫االستفهام لالستغاثة‪:‬‬
‫اس تَ ْكَب ُروا ِإَّنا‬ ‫َِِّ‬ ‫ون ِفي َّ‬
‫الن ِار فََيقُو ُل ُّ‬ ‫ومنه قوله تعالى‪َ :‬وِإ ْذ َيتَ َح ُّ‬
‫ين ْ‬
‫الض َعفَاء للذ َ‬ ‫اج َ‬
‫الن ِار‪.236‬‬ ‫ُكَّنا لَ ُكم تَبعاً فَه ْل َأنتُم ُّم ْغُنون عَّنا َن ِ‬
‫صيباً ِّم َن َّ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ َ‬
‫ق ال الش يرازي‪" :‬ه ؤالء األتب اع يعلم ون أن الع ذاب سيش مل زعم ائهم وال‬
‫يس تطيعون ال دفاع عن أنفس هم فلم اذا إذا يس تعينون بهم ويلجئ ون إليهم كي يتحمل وا‬
‫عنهم قسطاً من العذاب‪ ،‬ذهب البعض‪ ،‬إن ذلك يحصل تبع اً لعادتهم في االنقياد إلى‬
‫زعم ائهم في ه ذه ال دنيا‪ ،‬ل ذلك تك ون اس تغاثتهم بهم نوع اً من االنقي اد غ ير اإلرادي‬
‫وراء ق ادتهم‪ ،‬ولكن األفض ل إن االس تغاثة هن اك هي ن وع من الس خرية االس تهزاء‬
‫والل وم‪ ،‬يثبت أن ك ل ادع اءات المس تكبرين مج رد تق والت زائف ة عاري ة المض مون‬
‫والحقيق ة"‪ .237‬وذهب ابن عاش ور إلى دالل ة الحث والل وم إذ يق ول‪" :‬واالس تفهام في‬
‫ُون مستعمل في الحث واللوم على خذالنهم وترك االهتمام بما‬
‫قوله‪ :‬فَهَ ْل َأنتُم ُّم ْغن َ‬
‫هم فيه من عذاب"‪.238‬‬

‫الدخان‪14-13:‬‬ ‫‪234‬‬

‫ينظر نظم الدرر‪.16-18/15 :‬‬ ‫‪235‬‬

‫سورة غافر‪ ،‬اآلية‪.47 :‬‬ ‫‪236‬‬

‫األمثل‪.15/205 :‬‬ ‫‪237‬‬

‫التحرير والتنوير‪.24/211 :‬‬ ‫‪238‬‬

‫‪64‬‬
‫إن االس تفهام ال دال على االس تغاثة هن ا ال ينص رف إلى االس تغاثة بق در م ا‬
‫ينق ل خالص ة موق ف ع دم ج دوى إنق اذهم وانج ائهم إذ تعطلت األس باب وأنكش فت‬
‫ادع اءات المس تكبرين وك ذبهم‪ ،‬وتت داخل ال دالالت لت داخل المواق ف والمش اعر‬
‫وتحدث الفجوة الحادة عندما يتم مفارقة االستغاثة إلى السخرية واالستهزاء واللوم‬
‫وهو ردة ونقض لما توهموا‪ ،‬وهو أعلى درجة من داللة الحث واللوم التي وجهها‬
‫ابن عاشور وذلك لفرط ما هم فيه من الويل والحسرة وأليم العذاب‪.‬‬

‫االستفهام لالشفاق والعطف‪:‬‬


‫النبِ ُّي ِلم تُح ِّرم م ا َأح َّل اللَّه لَ َ ِ‬
‫ات‬
‫ض َ‬‫ك تَْبتَغي َم ْر َ‬ ‫ُ‬ ‫ومن ه قول ه تع الى‪َ :‬ي ا َُّأيهَ ا َّ َ َ ُ َ َ‬
‫يم‪.239‬‬ ‫ِ‬ ‫َْأزوا ِج َ َّ‬
‫ور َّرح ٌ‬
‫ك َواللهُ َغفُ ٌ‬ ‫َ‬
‫قال القرطبي‪" :‬من الواضح أن هذا التحريم ليس تحريما شرعياً بل هو كما‬
‫يس تفاد من اآلي ات الالحق ة‪ ،‬قس م من قب ل الرس ول‪ ،‬ومن المع روف أن القس م على‬
‫وبناء على هذا فإن جملة ِل َم تُ َح ِّر ُم لم تأتي كتوبيخ‬
‫ً‬ ‫ترك بعض المباحات ليس ذنب اً‪،‬‬
‫اب‪ ،‬وإ نم ا ه و ن وع من اإلش فاق والعط ف تمام اً‪ ،‬كم ا نق ول لمن يجه د نفس ه‬ ‫وعت ٍ‬
‫كث يراً لتحص يل فائ دة معين ة من أج ل العيش ثم ال يحص ل عليه ا‪ ،‬نق ول ل ه‪ ،‬لم اذا‬
‫تتعب نفس ك تجه دها إلى ه ذا الح د دون أن تحص ل على نتيج ة ت وازي ذاك‬
‫التعب"‪ ،240‬وقال الفخ ر الرازي في قول ه تع الى‪" :‬لم تحرم اس تفهام بمعنى اإلنك ار‪،‬‬
‫واإلنكار من اهلل تعالى نهي وتحريم الحالل مكروه" ‪ ،241‬وذهب ابن عاشور إلى أن‬
‫االس تفهام "مس تعمل في مع نى النفي" ‪ ،242‬وذهب الطباطب ائي إلى أن االس تفهام‬
‫"مشوب بعتاب لتحرمه صلى اهلل عليه وآله وسلم لنصفه بعين ما أحل له"‪.243‬‬

‫سورة التحريم‪ ،‬اآلية‪.1 :‬‬ ‫‪239‬‬

‫الجامع ألحكام القرآن ‪.18/323 :‬‬ ‫‪240‬‬

‫التفسير الكبير‪.30/38 :‬‬ ‫‪241‬‬

‫التحرير والتنوير‪.28/309 :‬‬ ‫‪242‬‬

‫الميزان في تفسير القرآن ‪.19/344 :‬‬ ‫‪243‬‬

‫‪65‬‬
‫االستفهام للتشويق‪:‬‬
‫وي أتي االس تفهام للتش ويق عن دما يقص د المتكلم إلى ت رغيب المخ اطب‬
‫وسى ‪.244‬‬ ‫ك َح ِد ُ‬
‫يث ُم َ‬ ‫واستمالته وحثه على االنتباه‪ ،‬كما في قوله تعالى‪َ :‬و َه ْل َأتَا َ‬
‫ق ال ص احب الطوسي‪" :‬توج ه ه ذا الح ديث إلى الن بي ص لى اهلل علي ه وآل ه‬
‫وس لم بص يغة االس تفهام يقص د ب ه التش ويق الس امع إلى الخ بر‪ ،245‬وذهب اآللوس ي‬
‫إلى دالل ة ال ترغيب إذ يق ول "ت رغيب ل ه ص لى اهلل علي ه وآل ه وس لم في اس تماع‬
‫‪246‬‬
‫ك استفهام صوري يقصد من أمثاله تشويق‬
‫حديثه" ‪ ،‬وقال ابن عاشور‪"َ :‬و َه ْل َأتَ ا َ‬
‫السامع إلى الخبر"‪.247‬‬
‫تميل لنفس‬
‫والظاهر أن داللة التشويق والترغيب هما واحد في الداللة على ّ‬
‫الرسول الكريم وتعزيز له بمواصلة دعوته رغم المحن والصعاب‪ ،‬من هنا تظهر‬
‫قدرة صاحب األمثل في تفهمه ألثر االستفهام في إيضاح الداللة‪ ،‬من خالل تتبعه‬
‫وتفهم ه ألداء االس تفهام في الجمل ة وف ق نغم معين وتص ويت يح دد معن اه والغاي ة‬
‫من ه‪ ،‬وظه رت ق درة المفس ر في الح االت والمواق ف ال تي تختل ط فيه ا المع اني‬
‫المجازية وذلك إلحساسه بأن النص القرآني نص معجر متعدد الدالالت‪.‬‬

‫سورة النازعات‪ ،‬اآلية‪.15 :‬‬ ‫‪244‬‬

‫التبيان‪.19/277 :‬‬ ‫‪245‬‬

‫روح المعاني‪.29/321 :‬‬ ‫‪246‬‬

‫التحرير والتنوير‪.30/66 :‬‬ ‫‪247‬‬

‫‪66‬‬

You might also like