Professional Documents
Culture Documents
النبوات PDF
النبوات PDF
العقيدة اإلسالمية
املستوى األول -للمعاهد واملدارس الشرعية
ب َ
جم َعه :عثمان النا لسي
1
العقيدة اإلسالمية -املستوى األول
النُُّبُوّات
2
العقيدة اإلسالمية -املستوى األول
=القسم األول=
[ ّ
النبوة ّ
العامة]
تعر يف النبي والرسول:
جاء القرآن الكريم بكلمة النبي وكلمة الرسول م ًعا ،قال تعاىل :ﱡﭐﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﱠاحلج ٥٢:
جيوز يف حق اهلل تعاىل إرسال األنبياء ،وإرساهلم تف ُّضل من اهلل وإحسان ،وليس بواجب عليه ،وهي اصطفاء من اهلل
احلج ٧٥:
واخللق حمتاجون إىل الرسل ،إذ العقل ال يكفي يف اهلداية ،وهو إن كفى يف أمور العيش جدالً ،فال يكفي يف دقائق
نذيرا ،يدعوهم إىل توحيد اهلل تعاىل ،قال تعاىل :ﱡﭐ ﱨ ﱩ جيب اإليامن بأن اهلل تعاىل أرسل يف ّ
كل أمة ً
ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ
ﱠ القصص.٥٩ : ﳐ ﳑ
ويستثنى من هذا العموم أهل الفرتة الذين بني سيدنا عيسى وسيدنا حممد ،لقوله تعاىل :ﱡﭐ ﱭ ﱮ ﱯ
ﱠ يس٦ : ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ
3
العقيدة اإلسالمية -املستوى األول
تصح األحاديث الدا ّلة عليه ،وقد يؤ ّدي حرصهم بعدد إىل أن يدخل فيهم ما ليس
وأ ّما عدد األنبياء التفصييل فلم ّ
جيب اإليامن بجميع األنبياء الذين أرسلهم اهلل تعاىل إىل البرشية ،قال تعاىل :ﱡﭐﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚ
ﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭ
ﱮﱯﱰﱱﱠالبقرة ١٣:
وفرق بني األنبياء بأن آمن ببعض وكفر ببعض ،قال تعاىل :ﱡﭐﱡ
واتفق العلامء عىل ُك ْفر من ك َّذب نب ًيا معلوم الن ّبوةّ ،
ﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲ
ﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆ
آدم ،إدريس ،نوح ،هود ،صالح ،لوط ،إبراهيم ،إسامعيل ،إسحاق ،يعقوب ،يوسف ،شعيب ،موسى ،هارون ،داود،
سليامن ،أيوب ،ذو الكفل ،يونس ،الياس ،اليسع ،زكريا ،حييى ،عيسى ،حممد ،صلوات اهلل عليهم أمجعني.
ﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮ
ﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾ
وأما الباقي فهم سيدنا آدم ،قال تعاىل :ﱡﭐﱼﱽﱾﱿﱠآل عمران ٣٣:
4
العقيدة اإلسالمية -املستوى األول
ﱞﱠالبقرة .٤:
ً
تفصيال ،وهي كالتايل: وجيب اإليامن ببعض هذه الكتب
التوراة ،وأنزلت عىل سيدنا موسى ،قال تعاىل :ﱡﭐ ﱱﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶﱠاملائدة .٤٤:
والتوراة قد تكون هي نفسها صحف موسى ،وقد تكون جزء منه أو بالعكس .
الزَّ بور ،وأنزل عىل سيدنا داود ،قال تعاىل :ﱡﭐ ﱚ ﱛ ﱜ ﱠالنساء .١٦٣:
ﱻ ﱠاحلديد .٢٧:
القرآن الكريم ،وأنزل عىل سيدنا حممد ،قال تعاىل :ﱡﭐ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕﱠاألنعام .١٩:
أن القرآن الكريم حمفوظ بلفظه ،منقول بالتواتر ،بخالف الكتب الساموية السابقة فقد ضاعت نسخها األصلية •
وحرفت.
ّ
5
العقيدة اإلسالمية -املستوى األول
فيها أو موافقته هلا يف األخبار والتوحيد ،وهيمنته عليها بمعنى كونه أمين ًا أو شاهد ًا أو حفيظ ًا عليها ،قال تعاىل :ﱡﭐ
ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱠاملائدة .٤٨:
6
العقيدة اإلسالمية -املستوى األول
=الفصل األول=
[الصفات الواجبة لألنبياء]
عليهم الصالة والسالم
)1األمانة «العصمة»
ب-دليلها النقيل :ثبتت هذه الصفة لعدد من األنبياء يف القرآن الكريم ،قال تعاىل :ﱡﭐﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌ
الصدق: )2
أ -تعريفها :مطابقة أخبارهم للواقع يف دعواهم الرسالة ،ويف تبليغهم األحكام.
ب-دليلها النقيل :أثبت القرآن الكريم هذه الصفة لألنبياء عليهم السالم ،قال تعاىل :ﱡﭐﳃﳄﱠيس ٥٢:
7
العقيدة اإلسالمية -املستوى األول
ت-دليلها العقيل :لو جاز عليهم الكذب للزم الكذب يف خربه تعاىل؛ لتصديقه تعاىل هلم باملعجزة النازلة منزلة قوله :صدق
كل ما يب ّلغ عنّي ،وتصديق الكاذب كذب ،وهو حمال عىل اهلل تعاىل.
عبدي يف ّ
التبليغ: )3
أ -تعريفها :إيصال األحكام التي ُأ ِمروا بتبليغها إىل ا ُمل ْرس ِل إليهم.
ب-دليلها العقيل :لو كتموا ما أمروا بتبليغه لكان الكتامن طاعة يف ح ّقنا؛ ألنّا ُأ ِمرنا باالقتداء هبم يف صغري األمور وكبريها.
الفطانة: )4
ب-دليلها النقيل :وقد ثبتت هذه الصفة لألنبياء يف كثري من اآليات ،قال تعاىل :ﱡﭐﱮﱯﱰﱱﱲ
ﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱠالنساء ١٦٥:
ﱿﲀﲁﲂﲃﲄﱠاملائدة ٦٧:
غبِ ّي.
8
العقيدة اإلسالمية -املستوى األول
ﱼﱽﱠالنساء ١٦٥:
ت-دليلها العقيل :لو اتصف األنبياء بيشء ممّا سبق ،لكان ذلك ا
خمال بوظيفتهم من التبشري واإلنذار.
الذكورة: )6
ومعنى اإلرسال هنا البعثة ،كام يف قوله تعاىل :ﱡﭐﱸﱹﱺﱠاحلجر ،٢٢:أي بعثناها.
9
العقيدة اإلسالمية -املستوى األول
=الفصل الثاني=
[الصفات املستحيلة على األنبياء عليهم السالم]
عليهم الصالة والسالم
فيستحيل عليهم:
ال منهي ًا عنه ،فأفعاهلم ال ختلو عن الواجب واملندوب واملباح ،وهذا بالنظر إىل الفعل ذاته ،وأما
-1اخليانة ،بأن يفعلوا فع ً
بالنظر إىل عوارضه ،فاحلق أن املباح يقع منهم مصاحبا ٍ
لنية ترص ُفه إىل كونه مطلوب ًا.
-2الكذب.
-4البالدة والغفلة.
-6األنوثة.
الكذب الصدق
الكتامن التبليغ
البالدة الفطانة
األنوثة الذكورة
10
العقيدة اإلسالمية -املستوى األول
=الفصل الثالث=
[األمور الجائزة في حق األنبياء]
عليهم الصالة والسالم
جيوز يف حقهم -عليهم السالم -ك ُُّل عر ٍ
ض برشي ال يؤدي إىل نقص يف مراتبهم العل ّية؛ بأن ال يكون منهي ًا عنه ،وال
واألعراض البرشية املشار إليها جائزة ،سواء كانت مما ال يستغنى عنه عادة كاألكل والرشب والنوم ،أم كانت مما
ﲑﱠالفرقان ٧:
ﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱠاألعراف ١٨٨:
وقول النبي « : إنام أنا برش مثلكم ،أنسى كام تنسون ،فإذا نسيت فذكروين » .رواه البخاري (ح )392ومسلم
(ح.)572
لألعراض البرشية النازلة باألنبياء -عليهم الصالة والسالم -الكثري من الفوائد ،منها:
-1تعظيم أجورهم.
11
العقيدة اإلسالمية -املستوى األول
12
العقيدة اإلسالمية -املستوى األول
=القسم الثاني=
ّ
الخاصة] [ ّ
النبوة
«نبوة سيدنا حممد »
تعر يف موجز بالنبي
• اسمه ونسبه الرشيف :هو سيدنا حممد بن عبد اهلل بن عبد املطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قيص بن كالب بن مرة
بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النرض بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مرض بن نزار بن
• وأمه :آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن حكيم ابن مرة ،الذي هو اجلد اخلامس للنبي من جهة أبيه.
• حواضنه ومراضعه :أول من أرضعه أ ّمه ،ثم أرضعته ثويبة األسلمية أيا ًما ،وهي جارية أيب هلب التي أعتقها عندما
برشته بوالدة النبي ،ثم أرضعته حليمة بنت أيب ذؤيب األسلمية ،وأقام عندها يف بني سعد أربعة أعوام ،وكانت
ّ
• نشأته :ماتت أمه وعمره ست سنوات بقرية األبواء ،فحضنته أم أيمن -بركة احلبشية ،-وكفله جده عبد املطلب وكان
يكرمه غاية اإلكرام ،ومل يلبث أن تويف وكان عمره ثامين سنوات ،فكفله عمه أبو طالب وكان له رحي ًام .وملا بلغ سنه
عمه اثنتي عرشة سنة أراد عمه أبو طالب اخلروج إىل الشام بتجارة فاستعظم فراق عمهّ ،
فرق له وأخذه معه ،ثم ر ّده ّ
العمر إذ ذاك مخس وعرشون سنة ،فنزل حتت ظل شجرة ،فقال الراهب نسطور :ما نزل حتت هذه الشجرة إال
من ْ
نبي.
13
العقيدة اإلسالمية -املستوى األول
• أحواله قبل البعثة :كان قبل البعثة متد ّينًا متع ّبدً ا ،يبغض األصنام ويكره احلرام ،وكان يشتغل برعي الغنم ويقول:
ما بعث اهلل نب ايا إال رعى الغنم ،فقيل :وأنت؟ قال :نعم .رواه البخاري .وكان يشتغل بالتجارة ،وقد كان السائب ابن
أيب السائب يشاركه يف التجارة ،حتى إنه قال له يوم الفتح :مرح ًبا بأخي ورشيكي .وكان ال يداري وال يامري ،وقام
عىل جتارة خدجية وسافر ألجل ذلك إىل الشام ،ورجع بأرباح وفرية مل تكن باحلسبان ،فقامت خدجية بخطبته لنفسها،
وكانت سنّها نحو األربعني ،فقام مع أعاممه ليخطبها من عمها عمرو بن أسد ،وكان ذلك بواسطة عمه أيب طالب،
وتزوجها.
• بعثتهُ :بعث النبي يوم االثنني إلحدى وعرشين مضت من شهر رمضان ً
ليال ،وكان عمره إذ ذاك بالضبط أربعني
• أوالده ُ :ر ِزق النبي ثالثة من األبناء هم :القاسم وكان يكنّى به ،وعبد اهلل وكان ّ
يسمى بالط ّيب والطاهر،
• زوجاته :القرشيات منهن ست ،هن :خدجية بنت خويلد ،وسودة بنت زمعة ،وعائشة بنت أيب بكر ،وحفصة بنت
عمر بن اخلطاب ،وأم سلمة ،وأم حبيبة بنت أيب سفيان ،والعربيات من غري قريش أربع ،هن :زينب بنت جحش،
وجويرية بنت احلارث ،وزينب بنت خزيمة ،وميمونة بنت احلارث .وواحدة من غري العرب وهي صفية بنت حيي
من بني إرسائيل .أما مارية القبطية وهي من مرص فقد اختلف فيها هل هي من زوجاته أم ملك يمني .وتو ِّفيت اثنتان
من زوجاته حال حياته ،ومها خدجية بنت خويلد وزينب بنت خزيمة ،وتُويف هو عن تسع نسوة.
املنورة بعد ثالث عرشة سنة من البعثة وهو ابن ثالث ومخسني سنة.
مهاج ُره :هاجر النبي إىل املدينة ّ
َ •
• وفاته :تويف يوم االثنني الثاين عرش من ربيع األول من السنة احلادية عرشة للهجرة.
روى الرتمذي ( )3618وابن ماجه ( )1631عن أنس قال « :ملا كان اليوم الذي دخل فيه رسول اهلل املدينة
أضاء منها كل يشء ،فلام كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل يشء ،وما نفضنا أيدينا من الرتاب ،وإنا لفي دفنه
14
العقيدة اإلسالمية -املستوى األول
نبي ،وقد تواتر عن النبي دعواه الرسالة حتى ال ينكر ذلك مؤمن وال
النبوة وأظهر املعجزة فهو ّ ّ
فكل من ا ّدعى ّ
النوع األول :معجزات قصرية األمد ،زالت بزوال أيامها وبموت َمن شا َهدها ،كمعجزات األنبياء السابقني.
املعجزات:
أ -اإلرساء واملعراج :وهي ثابتة بالقرآن الكريم ،قال تعاىل :ﱡﭐﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉ
ﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱠاإلرساء ١:
وقد جاءت أحاديث اإلرساء يف صحيحي البخاري ومسلم ،وغريمها من كتب السنّة.
وقد جاءت أحاديث انشقاق القمر يف صحيح البخاري ومسلم ،وغريمها من كتب السنّة.
ت-نبع املاء من بني أصابعه :وهي ثابتة يف مواطن عديدة كام يف البخاري ومسلم وغريمها ،قال القايض عياض« :هذه
ً
متصال عن مجلة من الصحابة ،بل مل يؤثر عن أحد القصة رواها العدد الكثري من الثقات عن اجلم الغفري عن الكافة،
ومن أحاديث نبع املاء ما واه البخاري (ح )3576عن جابر بن عبد اهلل ريض اهلل عنهام ،قال :عطش الناس يوم
احلديبية والنبي بني يديه ركوة فتوضأ ،فجهش الناس نحوه ،فقال« :ما لكم؟» قالوا :ليس عندنا ماء نتوضأ وال
نرشب إال ما بني يديك ،فوضع يده يف الركوة ،فجعل املاء يثور بني أصابعه كأمثال العيون ،فرشبنا وتوضأنا .قلت:
كم كنتم؟ قال :لو كنا مائة ألف لكفانا ،كنا مخس عرشة مائة.
15
العقيدة اإلسالمية -املستوى األول
ث-إبراء املريض بلمسه :روى ذلك البخاري ومسلم وأصحاب السنن يف وقائع كثرية ،منها :ما روى البخاري
(ح )2942ومسلم (ح )2404عن سهل بن سعد ريض اهلل عنه ،سمع النبي ،يقول :يوم خيرب« :ألعطني الراية
رجال يفتح اهلل عىل يديه» ،فقاموا يرجون لذلك أهيم يعطى ،فغدوا وكلهم يرجو أن يعطى ،فقال« :أين عيل؟» ،فقيل:
يشتكي عينيه ،فأمر ،فدعي له ،فبصق يف عينيه ،فربأ مكانه حتى كأنه مل يكن به يشء.
ج -إخباره بحوادث قبل وقوعها :وهو كثري جدً ا ،ومن هذه احلوادث إخباره باستشهاد عمر وعثامن ريض اهلل عنهام ،روى
البخاري عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم أن النبي صعد ُأحدً ا ،وأبو بكر ،وعمر ،وعثامن ،فرجف هبم ،فقال:
ضخام يف معجزات النبي احلسية ،بعنوانُ « :ح ّج ُة اهلل عىل العاملني يف
ً وقد مجع العالمة الشيخ يوسف النبهاين كتا ًبا
النوع الثاين :معجزة خالدة خلود الدهر ،ماثلة كل حني ،أال وهي القرآن الكريم.
َّ
إن اإلعجاز -أي إثبات العجز للغري -ال يتحقق إال إذا توافرت أمور ثالثة:
والثاين :أن يوجد املقتيض الذي يدفع املتحدي إىل املباراة واملنازلة واملعارضة.
سجل التاريخ عجز أهل اللغة أنفسهم يف عرص نزول القرآن ،وما أدراك ما
وقد توافرت هذه األمور الثالثة ،فلقد َّ
عرص نزول القرآن؛ هو أزهى عصور البيان العريب ،وأرقى أدوار التهذيب اللغوي ،وهل بلغت املجامع اللغوية يف أ َّمة
بمن شاءوا ومن استطاعوا ،ثم رماهم والعامل كله بالعجز يف غري مواربة فقال عز وجل :ﱡﭐﱌﱍﱎﱏ
16
العقيدة اإلسالمية -املستوى األول
ﱡﭐﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐﱠالبقرة . ٢٤:
سواهم باألحجار! ،فلعمري لو كان فيهم لسان يتحرك ،ملا صمتوا عن منافسته ،وهم األعداء األلدَّ اء ،و ُأباة ّ
الضيم َّ
األعزاء ،وقد أصاب منهم موضع عزهتم وفخارهم .ولكنهم مل جيدوا ثغرة ينفذون منها إىل معارضته ،وال ُس َّل ًام
ّ
يصعدون به إىل مزامحته ،بل وجدوا أنفسهم منه أمام ط ْود شامخ ،فام استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نق ًبا ،حتى
إذا استيأسوا من قدرهتم ،واستيقنوا عجزهم ،ما كان جواهبم إال أن ركبوا متن احلتوف ،واستنطقوا السيوف بدل
احلروف ،وتلك حيلة يلجأ إليها كل مغلوب يف احلجة والربهان ،وكل من ال يستطيع دف ًعا بالقلم واللسان.
ومىض عرص القرآن والتحدي قائم ،ليجرب كل امرئ نفسه ،وجاء العرص الذي بعده ،ويف البادية وأطرافها أقوام مل
ختتلط أنساهبم ،ومل تنحرف ألسنتهم ،ومل تتغري سليقتهم ،وفيهم من لو استطاعوا أن يأتوا هذا الدين من أساسه،
ويثبتوا أهنم قادرون من أمر القرآن عىل ما عجز عنه أوائلهم؛ لفعلوا ،ولكنهم ذ ّلت أعناقهم له خاضعني ،وحيل بينهم
عجزا،
ً ثم مضت تلك القرون ،وورث هذه اللغة عن أهلها الوارثون ،غري ّ
أن هؤالء الذين جاءوا من بعد كانوا أشدّ
ّ
وأقل طم ًعا يف هذا املطلب العزيز ،فكانت شهادهتم عىل أنفسهم مضافة إىل شهادة التاريخ عىل أسالفهم ،وكان برهان
قائام أمامهم ،ال يزال هذا دأب القرآن إىل أن تقوم الساعة) (.
3
اإلعجاز ً
)1الإعجاز البياني :ويتمثل ذلك يف كونه يف الطبقة العليا من الفصاحة ،والدرجة ال ُق ْصوى من البالغة ،مع ماله من
النَّظم الفريد ،واألسلوب البديع.
17
العقيدة اإلسالمية -املستوى األول
ﱢ ﱣ ﱤ ﱥﱠالقصص ، ٧:فجمع يف آية واحدة بني أمرين وهنيني وخربين وبشارتني) (.
4
)2الإعجاز الغيبي :قد أخبر القرآن ال كريم عن غيب الماضي والحاضر والمستقبل.
اإلخبار بغيب املايض :أخرب القرآن عن ُأمم قد خلت من قبل وطويت صفحات حياهتا ،فأصبحوا ممّا ال يرى
قص حتى آثار مساكنهم ومواطنهم ،من دون مراجعة إىل كتب السري والتاريخ ،أو سؤال الكهنة واملؤرخني ،فبعد ّ
أن ّ
قصة والدة السيدة مريم وكفالة سيدنا زكريا هلا ،قال :ﱡﭐﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲ
ﳔﱠيوسف .١٠٢:
اإلخبار بغيب احلارض :فقد أوضح حقيقة املسجد الذي بناه املنافقون للتفريق بني املؤمنني ،قال تعاىل :ﱡﭐ
ﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑ
ﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱠالتوبة .١٠٧:
18
العقيدة اإلسالمية -املستوى األول
وفضح ما عليه املنافقون مما خفي عىل النبي ، قال تعاىل :ﱡﭐﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦ
ﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻ
ﲲﱠالفتح ٢٧:
وقوله :ﱡﭐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱠ
التوبة ٣٣:
وقوله :ﱡﭐﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱠالنور ٥٥:
وقوله :ﱡﭐﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱ
ﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱠالنصر ٣ - ١:
أفواجا ،فام مات ويف بالد
ً فكان مجيع هذا كام قال ،فغلبت الروم فارس يف بضع سنني ،ودخل الناس يف اإلسالم
العرب كلها موضع مل يدخله اإلسالم ،واستخلف اهلل املؤمنني يف األرض ومكّن دينهم ،وملكهم إياها من أقىص
املشارق إىل أقىص املغارب.
فكان كذلك ،ال يكاد يعد من سعى يف تغيريه وتبديل حمكمه ،منذ عهد النبي إىل يومنا هذا ،من املرشكني وامللحدة
والباطنية واليهود والنصارى وغريهم ،فأمجعوا كيدهم ،وحوهلم وقوهتم ،فام قدروا عىل إطفاء يشء من نوره ،وال تغري
كلمة من كالمه ،وال تشكيك املسلمني يف حرف من حروفه ،واحلمد هلل) (.
5
يم ُّجه ،بل اإلكباب عىل )3تأثيره وسلطانه على القلوب ،وأخذه بمجامع الأفئدة :وذلك ّ
أن قارئه ال يمله ،وسامعه ال ُ
غضا طر ًيا ،وغريه من الكالم ولو بلغ يف احلسن والبالغة
تالوته يزيده حالوة ،وترديده يوجب له حمبة ،وال يزال ا
مبلغه ،يمل مع الرتديد ،ويعادى إذا أعيد ،وكتابنا يستلذ به يف اخللوات ،ويؤنس بتالوته يف األزمات ،وسواه من
الكتب ال يوجد فيها ذلك) (.
6
19
العقيدة اإلسالمية -املستوى األول
ومن ذلك أهنم كانوا هييمون عىل وجوههم ليال فيهجرون لذة النوم ليستمعوا إىل رسول اهلل وهو يتلو القرآن،
فتطرب نفوسهم ،وهتش له أفئدهتم ،ومن األمثلة عىل ذلك:
أن أبا سفيان بن حرب ،وأبا جهل بن هشام ،واألخنس بن ِ
رشيق ،خرجوا ليلة؛ ليستمعوا من رسول اهلل ّ •
جملسا يستمع فيه ،وكل ال يعلم بمكان صاحبه ،فباتوا يستمعون له،
وهو يصىل من الليل يف بيته ،فأخذ كل رجل منهم ً
حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ،فجمعهم الطريق ،فتالوموا ،وقال بعضهم لبعض :ال تعودوا ،فلو رآكم بعض سفهائكم
ألوقعتم يف نفسه شي ًئا ،ثم انرصفوا ،حتى إذا كانت الليلة الثانية ،عاد كل رجل منهم إىل جملسه ،فباتوا يستمعون له،
حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ،فجمعهم الطريق ،فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة ،ثم انرصفوا ،حتى إذا
كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم جملسه ،فباتوا يستمعون له ،حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ،فجمعهم الطريق،
فقال بعضهم لبعض :ال نربح حتى نتعاهد أال نعود ،فتعاهدوا عىل ذلك ،ثم تفرقوا.
فلام أصبح األخنس بن رشيق أخذ عصاه ،ثم خرج حتى أتى أبا سفيان يف بيته ،فقال :أخربين يا أبا حنظلة عن رأيك
فيام سمعت من حممد ،فقال :يا أبا ثعلبة واهلل لقد سمعت أشياء أعرفها ،وأعرف ما يراد هبا ،وسمعت أشياء ما عرفت
معناها وال ما يراد هبا ،قال األخنس :وأنا والذي حلفت به.
قال :ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل ،فدخل عليه بيته ،فقال :يا أبا احلكم ،ما رأيك فيام سمعت من حممد؟ فقال:
ماذا سمعت ،تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الرشف ،أطعموا فأطعمنا ،ومحلوا فحملنا ،وأعطوا فأعطينا ،حتى إذا
حتاذينا عىل الركب ،وكنا كفريس رهان ،قالوا :منا نبي يأتيه الوحي من السامء ،فمتى ندرك مثل هذه ،واهلل ال نؤمن به
أبدا ،وال نصدقه.
قال :فقام عنه األخنس وتركه) (.
7
وروي عن نرصاين :أنه مر بقارئ فوقف يبكي ،فقيل له :مم بكيت؟ قال :للشجا والنظم. •
والشجا هو احلزن.
وروى البخاري (ح )4573عن جبري بن مطعم قال :سمعت النبي يقرأ يف املغرب بالطور ،فلام بلغ هذه اآلية: •
ﱡﭐ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥﱦﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ
20
العقيدة اإلسالمية -املستوى األول
وعن عتبة بن ربيعة أنه كلم النبي فيام جاء به من خالف قومه ،فتال عليهم ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ •
مر الزمن :وذلك أنّه آية باقية ال تعدم ما بقيت الدنيا ،مع تكفل اهلل تعاىل بحفظه.
)4بقاؤه على ّ
قال تعاىل :ﱡﭐ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌﲍ ﱠاحلجر ٩:
جيتمع َّإال لنبِ ّي ،وتفاصيل ذلِك واملحاسن البديعة الراجعة إِىل النَّفس وا ْلبدن والنّسب والوطن ،ما ْ
جيزم ا ْلعقل بأنَّه ال ْ
تصنيف عىل ِحدة.
21
العقيدة اإلسالمية -املستوى األول
ال َّثالِث :أنه انتصب مع ضعفه وفقره ،وقلة أعوانه وأنصاره ،حر ًبا ألهل األ ْرض آحادهم وأوساطهم ،وأكارسهتم
وجبابرهتم ،فضلل آرائهم ،وس َّفه أحالمهم ،وأبطل مللهم ،وهدم ُدوهلم ،وظهر دينه عىل ْاأل ْديان ،وزاد عىل مر
ْاأل ْعصار واألزمان ،وانترش ِيف ْاآلفاق واألقطار ،وشاع ِيف ا ْملش ِارق واملغارب ،من غري أن تقدر ْاأل ْعداء -مع ك ْثرة
وعددهم ،وشدَّ ة شوكتهم وشكيمتهم ،وفرط محيتهم وعصبيتهم ،وبذهلم غاية الوسع ِيف إطفاء أنواره،
ددهم ُ
ْ ع
وطمس آثاره -عىل إمخاد رشارة من ناره ،فهل يكون ذلِك إِ َّال بعون إهلي وتأييد ساموي؟.
أحوج ما كان النَّاس إِ َّال من هيدي إِىل ال َّط ِريق ا ُْمل ْستقيم ،ويدْ ُعو إِىل الدّ ين القويم ،وينظم ْاألُ ُمور،
الرابِع :أنه ظهر ْ
َّ
ٍ
واختالل للدُّ ول ،واشتعال للسبل ،وانحراف ِيف ا ْمللل، ٍ ويضبط حال ْ
وتفرق ُّ
الر ُسلّ ،
اجلُ ْم ُهور ،لكونه زمان ف ْرتة من ُّ
للضالل ،واشتغال با ُملحال ،فالعرب عىل عبادة ْاأل ْوثان ووأد ا ْلبنات ،وا ْلفرس عىل ت ْعظِيم النريان ووطئ ْاألُ َّمهات،
الش ْأن
احلق ا ُْملبني ،أن ال ُي ْرسل ر ْمحة ل ْلعاملني ،وال ي ْبعث من جيدد أمر الدّ ين؟ وهل ظهر أحد يصلح هلذا َّ ِ
بحكمة ا ْمللك ْ
اخل ِامس :الن ُُّصوص ا ْلو ِاردة ِيف كتب ْاألنْبِياء ا ُْملتقدِّ مني ،املْ ْش ُهورة فِيام بني أممهم) ( .
10 خَ
22
العقيدة اإلسالمية -املستوى األول
-2ومن السنّة :روى مسلم (ح )4223عن أيب هريرة ريض اهلل عنه قال :قال رسول اهلل « :أنا سيد ولد آدم يوم
القيامة ،وأول من ينشق عنه القرب ،وأول شافع ،وأول ُمش َّفع» .
وخصه اهلل تعاىل بالقرآن الكريم ا ُملن َّزل عليه باحلفظ دون غريه من الكتب ،وأمته خري األمم ،وهو أول
َّ للناس كافة،
الرصاط بأمته يوم القيامة ،وأول من يقرع باب اجلنة ،وأول مـن يدخلها.
وز ِّ
جي ُ
من ُ
-3اإلمجاع :حكى اإلمام الرازي اإلمجاع عىل ّ
أن سيدنا حممدً ا ُ مف َّضل عىل مجيع العاملني) (.
12
األحزاب .٤٠:
من قرأ« :خاتِم» بكرس التاء ،فمعناه :وختم النبيني ،ومن فتحها ،فاملعنىِ :
آخر النب ِّيني) (.
13
ِّ
وروى البخاري (ح )3342ومسلم (ح )2286أن رسول اهلل قال « :مثيل ومثل األنبياء من قبيل ،كمثل •
رجل بنى بنيانًا ،فأحسنه وأمجله إال موضع لبنة من زاوية من زواياه ،فجعل الناس يطوفون به ،ويعجبون له ،
ويقولون :هال وضعت هذه اللبنة! فأنا اللبنة ،وأنا خاتم النبيني».
وروى أبو داود (ح )4252والرتمذي (ح )2219أن رسول اهلل قال « :سيكون يف أمتي كذابون ثالثون، •
كلهم يزعم أنه نبي ،وأنا خاتم النبيني ،ال نبي بعدي».
ً
تأويال -بإمجاع األمة قوله -عليه قال اإلمام القرطبي يف تفسريه« :وقد روي من طريق التواتر -من غري أن حيتمل
23
العقيدة اإلسالمية -املستوى األول
ويف رواية مسلم (ح« :)521كان كل نبي يبعث إىل قومه خاصة ،وبعثت إىل كل أمحر وأسود».
24