عبدالرحيم شباك حمادي جيروم 2020-2019 السياق والمفهوم: «حياة الصورة وموتها» أطروحة دكتوراه للمفكر الفرنسي ريجيس دوبريه ،دافع عنها سنة .1993وهي عمل فكري فلسفي نقدي تحليلي وتاريخي ،ينظر للقيمة «الوسائطية» المرتبطة بالصورة في سياق ممارستها للفعل ،وحثها على رد الفعل ،وذلك منذ عشرات آالف السنين. لكن مفهوم الصورة عند رجيس دوبريه ال يتعلق بما يتبادر إلى الذهن من كونها ذلك الشكل الذي نراه داخل إطار معين ،وال ذاك الشكل المنحوت ،وإنما هي كل ما تدركه األبصار والبصائر، سواء كانت «موحشة أو مخففة عن النفس ،أو كانت مدهشة أو فاتنة ،أو كانت يدوية أو آلية ،ثابتة أو متحركة ،باألبيض واألسود أو باأللوان ،صامتة أو ناطقة» ص.11-10: واالهتمام الفلسفي بالصورة والمتخيل ،مدين لتالمذة إدموند هوسرل ،Edmund Husserl مؤسس الظاهريات ،والذي اتّجه نحو التركيز على المعاني والماهيات الخالصة ،في كتابه "البحوث المنطقية"؛ حيث نفى أن تكون العالقات المنطقية خاضعة للتأثيرات السيكولوجية ،أو تابعة لعالم األشياء ،وإنما هي مرتبطة بعالم الماهيات المعقولة التي تمثّل حقائق ثابتة ،وتكون موضع اتفاق بين األفراد ،ومنطلقا ألحكام موضوعيّة صالحة لكل زمان ومكان؛ فهي ليست نتاج الشعور ،وإنّما هي مقصديّته .وتعد هذه الفكرة محوريّة في فلسفته الظاهراتيّة ،إذ لم يقصرها على مجال األحكام المنطقية ،بل ع ّممها لتشمل مجاالت اإلدراك والعواطف واالنفعاالت والقيم ،وبذلك أصبح التفكير في الصورة جزءا من التفكير في قضايا اإلدراك والفكر واإلبداع. الوضعية المشكلة لألطروحة: انطلق دوبريه في أطروحته من وضعية مشكلة عمل على مناقشتها ومتابعة سيرورة حلها خالل أطوار كتابه كله .وقد حددها بقوله« :البصر regardيؤ ِّ ّمن التواصل بين العناصر انطالقا من المرئي إلى الرائي ،وذلك خارج الفضاءات الطقوسية وكل الروابط السرية المقدسة .كما أن الصورة تشتغل بوصفها سلطة فعلية .كيف كان ذلك ممكنا؟ وما الذي تغير في أعيننا حتى تكف صورة مياه النبع عن ري عطشنا ،وتعجز صورة نار عن تدفئتنا؟ ». مقصدية األطروحة: حدد دوبريه الغاية من هذه الدراسة في قضية سلطة الصورة ،واستكشاف تحوالتها ،ونقط قطائعها ،واستكناه ما تستبطنه من قوة غير اإلدراك ،سواء كانت قوة قداسية ،أو قوة ذات حظوة وإشعاع .ص 11:وأضاف قائال« :إن موضوع هذا الكتاب السنن codesالالمرئية للمرئي التي تحدد ببساطة شديدة وفي كل عصر حالة معينة للعالم أي ثقافة معينة .أو بصيغة أخرى ،الطريقة التي بها يمنح العالم نفسه لنظر أولئك الذين يرونه من غير أن يفكروا فيه» .ص 11:فهو يرغب في استكشاف بعض مسبقات العين الغربية ،أي المفارقات بين وضعيات معتقدها البصري السالفة، وواقعها الراهن ،ومآالتها. مسار األطروحة: يمكن اختزال مسار األطروحة في عبارة( :الصورة من التأصيل إلى التأويل) ،فمسيرة تطورها مرت من الثبات إلى الحركة البطيئة ،انتهاء بهوس السرعة .وخالل هذا المسار ،تسافر بنا األطروحة تاريخيا ً انطالقا من الماضي البدائي والديني السحيق ،عبر الفن اإليطالي ،وصوالً إلى سحر السينما وجاذبية التلفزيون ،حيث عد دوبريه السينما قمة المعة للمظهرية االجتماعية ،وأداة التحليل النفسي حاليا ،بدل الفن التشكيلي الذي كان مهيمنا في القرن التاسع عشر ،مشيرا ً إلى أنه لو كان علينا عرض النسيج العقلي لعصرنا ،للزمنا عرض فلم لـ«غريفيت» وآخر لـ«برغمان» وثالث لـ«غودار». ويختم دوبريه دراسته باإلشارة إلى إشرافنا في عصر الشاشة على نهاية «مجتمع الفرجة» ،فبعد أن كنا أمام الصورة أصبحنا داخلها ،والوقوف ضد المحرمات القديمة المتعلقة باألصالة واأللغاز والروح سيكون عبارة عن شعائرية لها أهميتها ،بيد أن األفق قد يكون مخيبا ً لآلمال ،ففي مجال الممارسة تكمن مساوئ الصورة الجديدة مقارنة مع القديمة في الكلفة المفرطة التي تجعل اإلبداع رهينا ً لقوانين السوق ،وللصراع من أجل الخيال ،ألنه صراع يعمل ضد مقولة «كل شيء للصورة» ولن تتم المحافظة على الحق في الالنهائي من دون الح ّد من حقوق المرئي التي تجعله يقوم لوحده بإضفاء طابع الوثوقية على كل خطاب آخر .لهذا استدل دوبريه بحكمة لجان جاك روسو Jean-Jacques Rousseauمفادها« :بمقدار ما نرى أقل بمقدار ما تنشط مخيلتنا أكثر». المنهج الذي اعتمده دوبريه في أطروحته: اعتمد دوبريه منهجا يتأسس على علم متعدد المباحث هو "الوسائطية" ،وذلك لتأكيد الترابط بين المادي والروحي في الصورة ،وقد بين خاصية هذا المنهج بقوله " :يبدو أننا نخلط بين األجناس واألمكنة والعصور ...فما هذا الخطاب؟ إنه غير خالص؛ نعم ألنه يوجد في مجال تقاطع حقول متعددة ...إننا نسمي وسائطية médiologieالمبحث الذي يتكلف بالكشف عن نقط لقاء وتوحيد التقنية والسياسة والتصوف" ص .85-83 نظرة بانورامية لعصور الصورة وخاصياتها: األزمنة الحديثة القرون الوسطى ما قبل التاريخ الخاصيات (البصري) (الفن) (األصنام) أمريكا إيطاليا اإلغريق البلد الشاشة الكتابة الخطاب األلة graphosphère vidéo sphère logosphère اختراع السمعي اختراع الطباعة اختراع الكتابة المخترعات البصري صورة في دوران قار صورة زمن جامد وسفر صورة متحركة بطيئة الحركة مسكون بالسرعة عمودي نحو الالنهائي معروضة لإللهي البصري عالمي الفن غربي متحرك له الصنم المحل ملكة السفر محلي قار البصري تحدث الفن تحدث اإليطالية الصنم تحدث اإلغريقية اللغة األمريكية البصري اقتصادي الفن جمالي إنساني الصنم الهوتي الصفة (إستطيقي) (المحيط الشامل) تكنوقراطي أندروقراطي ثيوقراطي الحكم (حكم تكنولوجي) (حكم إنساني) (حكم إالهي) تأثير البصري خارجي تأثير الفن داخلي تأثير الصنم علوي األثر (اإلشهار) (العبقرية) (اإليمان)
البصري ساخر الفن جاد الوثن ذو جالل المقام
ما يتوقعه الناس من ما يتوقعه الناس من ما يتوقعه الناس التوقع التجريب الوهم من وساطة الوثن يرمي إلى التحول إلى يرمي إلى ربح الخلود يرمي إلى التعبير عن المرمى حدث األبدية التجديد :عبر القطيعة أو في الصنم :التكرار وفق في الفن :التقليد عبر زمن صناعة الفضيحة النموذج والتعلم النموذج األصل الصورة الدهشة أو الترفيه المتعة العبادة المجاالت قدرة شرائية ذوقية دينية لها رهانات المسائلة سياسية اإلشهاري له شبكته الفنان هيئة أكاديمية، صانع الصور له هيئة التنظيم المهني المتخصصة ،يعمل في يشتغل في ورشته حرفية ،وليس له مكان مصنعة ويرتبط بزبنائه الخاصة مستقل عبر اإلنترنت. مبادر ملهم صفات الفاعلين أمين اإللكترونيات القماش الحجر والخشب مادة الصنعة اللصاق والمقص المرآة والبركار الهالة والشعاع رموز المهنة المعلوماتيان التظاهر والتمويه التمثيل الحضور :حضور أنماط الصورة simulation القديس في تمثاله représentation الربط باالفتراضي الربط بالطبيعة الربط بما فوق الطبيعة وظيفة وساطة الصورة Virtuel المصلحة الحب الرهبة الوضعيات العاطفية افتراضي مادي العالقة بالوجود حي (الصورة إدراك) (الصورة شيء) (الصورة كيان) اإلنجازي (اآللة) الواقعي (الطبيعة) الخارق (هللا) مصدر السلطة كهربائي (من الداخل) شمسي (من الخارج) روحي (من الداخل) مصدر النور اإلخبار المتعة الحماية الهدف من التاريخي إلى من الديني إلى التاريخي من السحر إلى الديني السياق الرقمي التاريخي
قراءة الكتاب على ضوء الجدول:
-1عصر العقل رجع دوبريه إلى الماضي الضارب في القدم لإلنسان ليفتش فيما سماه ألبوم الصورة ،عن عالقة والدة الصورة بالموت ،وذلك من خالل مدافن العظماء التي هي متاحف لتماثيلهم ،منفتحة على الداخل بالنسبة للمصريين ،وعلى الخارج بالنسبة لإلغريق .واعتمد في التوثيق إيثيمولوجيا كلمة (صورة) أثبت بواسطته أن هذه اللفظة تعني لدى اإلغريق :القناع الشمعي الذي كان يوضع على وجه الميت ليستنسخ معالمه ،وليستمر هذا الميت من خالل بقاء صورته .كما أنها تعني الشبح ،ثم الوجه .figura حارب قُتل بنبل ،ثم يوضع على وفي المعتقد األثيني يعمل الخزفيون على تصوير تمثال مصغر ل ُم ِّ نعشه تأكيدا النتصار الحياة. أما في الثقافة المسيحية األولى ،فقد دخل الرفات الجسماني للقديسين والشهداء إلى المقدس، يولّد فيه الموت ليتذكرهم األحياء من خالل صورهم ،فاكتست الصورة طابعا طقوسيا دينياِّ ، الصورة بالترتيب التالي: تتطلب عظام القديس صندوقا لحفظ رفاته ،والصندوق يتطلب كنيسة أو ضريحا ،والكنيسة أو الضريح تتطلب حجا إليهما ،ومذبحا ،ولوحة جدارية ،ثم لوحة ،فيتم المرور من حب العظام إلى حب الفن ،ومن بقايا الجسم إلى العمل الفني " .فبدون عمق ال مرئي ال وجود لشكل مرئي" ص: ،21يقول باشالر( :الموت هو أوال وقبل كل شيء صورة ،وسيظل كذلك صورة) ص.20: أما مرحلة " المرآة" فإنها تعني أن الصورة أداة لتأمل الذات في الشبيه والنظير ،من خالل إعادة تكوين الميت بها .ويتم بواسطتها تصالح اإلنسان مع الالمرئي الخالد واإللهي ،لتصبح «رهان التبادل" الذي ال يجعل الميت شيئا كموتى الحيوانات ،وال كائنا حيا ،بل تكون صورته صالحة ألن تقدم هدية لآللهة بدل اإلنسان الحي ،ويكتب على التمثال اسم مقدم الهدية ال اسم الفنان الذي صنعها ،وبهذا تصبح الصورة وسيطا بين األحياء واألموات والناس واآللهة وبين المرئي والغيبي. وفي هذه الفترة "ظل المختفي يمنح للظاهر قيمته" ص 24م وكان من مصلحة اإلنسان التصالح مع الالمرئي بجعله مرئيا عبر الصورة .وبواسطة الفن يظهر هذا الصنم المتناهي ،الذي يعمل بدوره على جعل ما كان المتناهيا مشخصا وباديا للعيان "،فطالما ثمة موت فهناك أمل جمالي".ص.30 وبهذا يكون الفن أداة الخلود ومحو المسافات بحيث يصبح الرائي معاصرا لكل صورة في كل زمان ومكان. ووظيفة الصورة الوسائطية رمزية أو دينية ،وليست هي خاصيتها الوحيدة" ،ألن العمل الفني ال يلزم أن يخضع للوصف والتفسير بمقوالت التواصل" كما قال تيودور أدورنو Theodor W. Adornoص ،36:بل هو مهتم دائما بالتوصيل .وهنا أكد دوبريه على أن المرئي ليس مقروءا، أي إن الفن عطاء مجاني وال وصاية للفكرة والكلمة عليه ،والتشكيل كما قال سيمونيد شعر صامت ،إذ ليس ثمة من مقابل لغوي لإلحساس الملون" ،فالسحر الذي ال حد له يجعل إنسان الصورة أكثر تفوقا بشكل ال نهائي على إنسان الكلمة .37 ".واللوحة توجد فقط ،وال تعبر إال على ألوانها وأبعادها وموادها ،وال تطلب إال أن ترى -كما قال كليمون روسي ،-فالرائي هو من يصنع اللوحة ،والدليل على ذلك أن الفنان يرسم عوض أن يكتب ،وبهذا يكون الفن تدميرا لكل السلط. لكن النسخ جرد الصورة من طابعها المادي ،والتشكيل عن جسده ،وتحطم عنصر السمك واألبعاد الواقعية خاصة قيم اللمس ،وبذلك جرد الصورة من فرادتها الكلية ،وحولها بفعل هذا التعدد إلى عالمة ،وبالتالي تم الطرد الضمني للرائي من مجال التواصل الحي معها ،وسلبها تعددية المعنى الذي ال ينضب ،وهو ما سماه دوبريه "براءة الداللة" التي هي وجه من وجوه "خصوبة اإليحاء" ص . 45 :فاللغة التي تتكلمها الصورة هي لغة رائيها .ومن فضائلها أنها جمعية "تمكن من إقامة عالقة معينة مع رائيها وبطريقة غير مباشرة بين الرائيين أنفسهم" ص ،47لكن ال بد لها من التعالي الديني الذي يضفي عليها طابع التوسطية ،ويحد عن طابعها الوسائطي اإلعالمي ،ما يدل على أن الفن ينبثق من تقاطع الصنعة والعقيدة ،والتفوق التقني والتواضع األخالقي ،وهو ما صار عليه حال الصورة في المسيحية أيضا ،بعد أن تلقى الغرب التوحيدي إباحة التصوير من بيزنطة، عبر معتقد تجسد المسيح الذي توافق مع اعتقادها بطبيعته المزدوجة الناسوتية الالهوتية " .لقد حسمت مشروعية الصور في المسيحية" ص ،62وذلك بعد أن حرمها العهد القديم حيث جاء في التوراة( :اللعنة على من يصنع صورة منحوتة) ص .60فأصبح للصورة في المعتقد المسيحي بعد الهوتي توسطي. ويرى دوبريه أن الوسائطية بحكم أنها علم متعدد المباحث هي األداة التي يمكن أن يؤكد بها هذا الترابط بين المادي والروحي في الصورة ،فهي تسعى من وراء الخلط بين األجناس أن تخلق نسقا له مبرراته ،لهذا من الطبيعي أن يطرح في هذا اإلطار سؤال تقنية صناعة الصورة أيضا؛ بعد أن جرت العادة أن يدير علم الجمال ظهره للتقنية -وهو الطالق الذي منحه كانط حظوة كبيرة -وهي قطيعة مزيفة حسب نعت المنهجية الوسائطية ،فاللوحة على وجه الخصوص هي وحدها التي تالئم الميتافيزيقي لذلك فبإمكانها أن تؤكد أن اإلحساس بالمقدس ال يخلو من شوائب التطور التقني، فالروحي بدون سند مادي محكوم بالهباء والطابع المحلي للصوت والحركة ،وبدون هذا السند ال يمكن للصورة أن تحقق تداولياتها في مجال المحسوس عبر وسائل الفعالية الرمزية ،ما دام مقصد المعنى يمكن أن يتم فيها بحكم أنها قوة تأتي بعد قوة الفكرة .وهو ما سماه دوبريه ب «سلطة الصورة". وتبدو هذه السلطة من خالل أثرها على الرائي في شتى المجاالت كما هو الشأن بالنسبة لصور إشهار المرشحين السياسيين. إن ثنائية المادي والروحي في الصورة ،تسند إلى التوزيع التقليدي للدراسات حول الفن بين مثالين: أ -االتحاد الصوفي بالموضوع الوحيد ذو الخطاب الحدسي للعارف الفنان وهي مقاربة داخلية تنكر إرجاع العمل الفني لشروطه الخارجية ،بحكم أن الفن تجربة حدسية ال يمكن إيصالها لآلخرين .فكل عمل فني فريد في نوعه ،ال يحتمل التعميم أو التفسير وإنما يقبل التأويل، ليظل منسجما مع خاصيته الفردانية التي سماها دوبريه"مونوغرافيا" ص99: ب -االنزياح الشكي عبر السياق االجتماعي ذو الخطاب التوضيحي لألستاذ ،وهي مقاربة خارجية ،يمثلها علماء االجتماع ومؤرخو الفن الذين يرون أن الفن اصطناع اجتماعي. لكن المشروع الوسائطي الذي يتبناه دوبريه يقف وسطا ويرى «بعدم التفرقة بين مفهوم وعدة فن بصري وجوهره وتقنيته" ص 99وبذلك يكون الفن قضية ذات ملحظين: أ -جدية فائقة :بحكم أن الصورة تنبثق من عمودية الموت ،وال تأخذ معناها كامال إال في الزمن الثابت للديانات. ب -جدية قليلة :ألن صيرورة الفن تستند إلى تاريخ متواضع للمواد واآلليات وطرائق اإلبداع، فإذا استبدلت العدة تغير المفهوم. والخالصة أن التقنية في الفن والصورة خصوصا ضرورية ،غير أنها ليست كافية .وفي هذا السياق استعرض دوبريه مقابلة بين كانط وكاسطيلي ،فهناك هوة تفصل بين ممارسة الصورة حاليا والنظريات األكاديمية للفن ،ويمكن قياس هذه الهوة بشكل أفضل بالعودة إلى قراءة " نقد الحكم" إليمانويل كانط ق 18الذي هو مرجع في فلسفة الفن ،لكن بلغة الفن المعاصر «عصر األنوار" مع الرواقي األمريكي وتاجر الفن ليو كاسطيلي ،أي قراءة تاجر لفيلسوف. فالفن عند كانط هو مظاهر الطبيعة ،إنه " يفضل مشهد الطبيعة على األعمال والتحف الفنية" ص: . 104فهو بدل أن يجعل الموضوع يدور حول موضوع فني ،يجعله دائرا حول الذات ،وهو اإلحساس الذاتي بالجميل ،فالجميل بالنسبة لكانط كامن في ذواتنا ،والحديث عنه حديث عن النفس، إنه مالزم لحكم الذوق .وليس لما يصنعه الفنان .معنى هذا أن كانط يقترح جماليات التلقي ال جماليات اإلبداع. بينما اجتهد كاسطيلي في تحديد اللحظات األربع للجمال المطلق: أ -اللحظة األولى :ال يكون جميال إال موضوع اإلشباع غير المغرض :فميز بين الرائق المدرك بالحواس ،والطيب الذي فيه مصلحة ،أما الجميل فهو الذي له غاية جمالية خارج إطار المنفعة. ب -اللحظة الثانية :ما يستحسنه الناس في الكون ،وبدون مفهوم :الفرد هو الذي يحدد الجميل في مكنون نفسه ،تحديدا يصلح لكل الناس ص 108:وهنا يعارض كانط عندما يقول " :ما هو جميل بالنسبة لي فقط ليس جميال" ص ،108:وبدون مفهوم ألن المفاهيم تختص بالمعرفة، بينما تختص العاطفة واإلحساس بالفن ،لكنه لتحقيق عالمية الفن البد من جهد. ت -اللحظة الثالثة :الجمال هو شكل الغائية المدركة فيه ،والتي يتصف بها شيء أو موضوع ما: أي ال نفعية له ،فالذوق يجب أن يستقل عن الغاية فيصبح الجميل هو غاية نفسه ،ليفسح المجال أمام كونية الجميل .يقدم كانط مثال الزهرة الصغيرة التي ال ترتبط بأي هدف. ث -اللحظة الرابعة :يكون جميال ما يتم التعرف عليه بدون مفهوم باعتباره موضوعا لإلشباع: الجميل هو ما يلزم أن يكون جميال بحكم الضرورة الداخلية والطبيعية ،وأصحاب األروقة والمتاحف أطراف فاعلة على مسرح الفن. ويرى دوبريه أن كانط يضرب صفحا عن الوساطات ويدعو إلى ذوق متأصل دون تكوين وإلى حرفة فطرية دون تعلم ،أي يدعو إلى فن مكتمل بذاته بال عوامل فنية ،وظيفة بال أعضاء ونظرية بدون تطبيق ،لكن آفة هذا التصور الكانطي تكمن في "الطرد شبه التام لألشياء" ص 104 :بحيث تفقد كل واقعية مادية (لوحة – تمثال)... -2عصر الفن والنص والتدوين: ويمتد من اكتشاف المطبعة الى اختراع التلفزة الملونة ،وترتب عن ذلك االستهالك الشخصي لألثار الفنية .وفي هذا اإلطار تقيم الصورة جملة من العالقات مع التثميل والطبيعة والخلود والنص والمكتوب والذات. ال يرى دوبريه أن الفن من ثوابت الوجود اإلنساني ،فهو مفهوم تجريدي غربي متأخر ،ظهر في عصر النهضة مع حركة الكواتروشينتو الفلورينسية في الفترة الممتدة من حصول الرسامين على استقاللهم الجمعوي سنة 1378إلى التمجيد التأبيني لميكل أنجلو ،1564فهو مستمد من تاريخ خطي أسطوري الالهوتي للفن ،الذي سرعان ما ستستبدله الدورات الواقعية لإلبداع التشكيلي بالخط الحلزوني ،وهو يقف حائال دون أي توضيح للصورة. فالفن باعتباره صنفا مستقال ومقولة ذهنية ال ضمان لوجوده في بالد اإلغريق القديمة ،وال في المجتمع الوسيط .ص 135وهو باعتباره موضوعا في ذاته كان متجاهال وغير قابل للتعليم النظري الذي يتم تناقله عبر أكاديميات ،وكان مختصا بمكان غير المعامل والورشات ،ومحاطا بالقيم النبيلة .بل حتى لفظة technéاإلغريقية لم تستعمل كقيمة مطلقة إال للداللة على االصطناع والمكر ،وإلى الحذق في حرفة ما إذا ورد مضافا ،مثل "فن الكالم" .مما يدل على أن القدماء مثل أفالطون ،ال يميزون بين الفنون الجميلة والتقنيات ،وكذا سقراط الذي يعد األب الحقيقي للوظيفية بحكم أنه يرى أن "الجميل هو الشيء النافع المفيد" .لهذا كان صانع الصور محتقرا لدى اإلغريق بما فيهم أرسطو الذي يرى أن الفن مجرد محاكاة للواقع بخيره وشره .فالحرفي يواجه المادة بجسمه والحال أن اإلنسان ال يكون حرا إال بالروح والكلمة ،وليس بالفن " .هكذا تغدو الصورة مجرد تمثيل أو مرادفة" ص.142: ثم تبنى الرومان هذا االحتقار االجتماعي من خالل التمييز بين الفن الرفيع والوضيع ،والذي قال به ماركوس توليوس سيسرو ،Marcus Tullius Ciceroوهو كاتب روماني وخطيب روما المميز ولد سنة 106ق م. وحين ال تكون الصورة تمثاال إلله ورمزا لقربان أو مرتبطة بشعائر المدينة فإنها ال ينظر إليها إال على أساس أنها تقنية ترفيه ،وبذلك تظل القيم الثقافية الوحيدة المشروعة تكتسي طابعا دينيا وليس فنيا يمجد الطابع التجسيمي للصورة في معزل عن غايتها التي تكمن في تقريب اإلنسان من القوى العينية .لهذا يمكن الجزم بأن الجمال اإلغريقي ليس مقولة جمالية ،بل مقولة أخالقية وميتافيزيقية. لكن الحضارة الرومانية كانت أكثر تقبال للصور واالبتكار والتمثيل من الذهنية اإلغريقية ،ألن الروماني كان يثق بما يبدو له واقعا .وغياب مقولة "الفن" في الثقافة اإلغريقية والثقافات التي توارثت معارفها هو مسلك أنطولوجي .كما أن دنو مرتبة المصورين إثبات فلسفي لبطالن صنيعهم ،ألن وراء كل جماليات تصور للكون. وفي اليهودية والمسيحية الرب هو الفنان الوحيد ،وال تقبل المسيحية إال ما طابق صنعة الرب ،فال إمكانية لمخيلة خالقة .لقد نشأت فكرة اإلبداع الفني ضد اإلبداع األنطولوجي دون أن تكف عن صياغة شكلها انطالقا منه. وفي عصر النهضة أدمج القديس طوماس اإلكويني مفهوم الجميل في ميتافيزيقا الوجود التي لم تعترف بمفهوم الفن أو تقر بتهميش المصور ،وهو ما أكده أمبيرطو إيكو حين قال " :القديس طوماس اإلكويني نفسه حين يتحدث عن ال ، areيقدم للقارئ قواعد عامة يلزم نهجها ،ويتحدث بإسهاب عن العمل الفني (الصناعة ،الحرفي ،المهني) من غير أن يتطرق أبدا مباشرة لمشكلة الخصوصية الفنية" ص148: وقد ختم دوبريه هذا المبحث بإشارته إلى أن الفن لم يكن ضائعا وإنما ظل فقط غير مفكر فيه ،مثله في ذلك مثل المنظر الطبيعي ،فإنه ال يتم اكتشافهما إال بفقدهما. وقد عملت الحقيقة المسيحية التي يتم تلقيها عبر الكتب المقدسة على إخفاء واقع الوسط المحيط، فجعلت جنان الفردوس أكثر واقعية من مشهد طبيعي حي ،ما دامت هذه الجنان توصل للحقيقة اإللهية التي فيها خالص البدن والنفس .فبدون غاية ميتافيزيقية ال وجود لصورة مادية ،لكي ينظر إلى الطبيعة على أساس أنها قيمة مستقلة ومشهدا في ذاته مقتطعا عنوة وبتأطير واع ،ال على أساس أنه دعامة لنذر أو عبادة معينة-كما هو الشأن في المسيحية حيث كان الغيبي (الجنة) هو األصل-البد من توفر تربية أخالقية للعين ،مصحوبة بمهارة تقنية لليد .لهذا يمكن أن نعد رؤية الطبيعة انتصارا للمحسوس على المجرد ،وتجريدا للنظر عن سلطة المقول أي المعرفة الخاصة بالذاكرة الجماعية ".لقد كان المنظر الطبيعي تحويال ،لكن نحو األسفل ،للنص نحو األرض، وللروحاني إلى كيانات صلبة ،وللنور اإللهي إلى نور أرضي" ص .157:وبهذا كان المنظر الطبيعي –فنيا-الفدية البصرية التي تم تقديمها لنزع الطابع الرمزي عن الكون ،وتقليص مدى المعنى ،وصار موضوع الفن التشكيلي الطبيعة الميتة" .فكلما قل عشق مجتمع للماورائيات فإنه يرى األشياء والناس أكثر" .ص .158وهكذا انسحب الماورائي ليفسح المجال أمام المشهد الطبيعي الالنهائي الذي جعله كأنط هدفا. لكن هل سيبقى المشهد الطبيعي بعد زوال الفن التشكيلي؟ وهل سيستمر الفن التشكيلي بعد هجوم العمران على المشهد الطبيعي؟ كان المنظر الطبيعي والفن يعاشان ،لكنهما صارا ينشآن ،ما ينبئ بنهاية المتعة واللجوء إلى التقنية ،لذا فإنه ال ينبغي أن نفاجأ مستقبال بعالم دون فن. لقد بدأ إضفاء الطابع الجمالي على الصور في القرن 15عند ظهور المجموعة الفنية الخاصة لدى المفكرين ،وانتهى في ق 17عند ظهور المتحف العمومي ،فمن األيقونة إلى اللوحة غيرت الصورة عالماتها فغدت مظهرا بعد أن كانت شبحا ،وموضوعا بعد أن كانت ذاتا .وازدهرت الصورة في عصر النهضة فصارت موجودة في كل مكان ،بل طال الفن مجال المعمار في إيطاليا ،وفي المرحلة اإلنسية ،تحررت من طقس العبادة وأنتجت ثقافتها الخاصة ،فقد انتقلت من القداسي إلى العلماني ومن الجماعي إلى الخصوصي. -3عصر الرؤية وزمن ما بعد الفرجة ويمتد هذا العصر الى اآلن ،فقد استطاعت آلة التصوير عبر الفوتوغرافيا والسينما والتلفزيون والحاسوب احتواء الصورة اليدوية القديمة ،فنتج عن ذلك شعرية جديدة تتعلق بالفنون البصرية تنذر بنهاية "مجتمع الفرجة" .وقد تم إعطاء االنطالقة لعصر الشاشة سنة ،1968خالل األلعاب األولمبية لمدينة غرونوبل بفرنسا ،عندما تم تجريب وإطالق البث الهرتزي للصور الملونة ،وبذلك أحدثت القطيعة. لقد عوض النور يد الفنان ،قال دوالكروا( :في التشكيل تخاطب الروح ،وليس العلم هو الذي يخاطب العلم) ص 216 :التشكيل ينتمي إلى األيقونة ،والفوتوغرافية تنتمي إلى اإلشارة – الضوئية ،-إن تمثاال مطبوعا على ورق لم يعد تمثاال ،واللوحة أيضا لم تعد لوحة ،ألن الفوتوغرافيا أفقدت العمل الفني فرادته وجعلته متعددا ،بينما تظل الصورة الفوتوغرافية المنسوخة هي هي. فن السينما: ولد فن السينما من آلة ولمرجعيته فرض نفسه على سائر الفنون ،وأدمجها على صورته ،وهو فن متصل بشكل أفضل بالتطور العلمي والتقني ،ما يحقق وحدة وثيقة بين المتعاصرين بالتركيب بين معاني أكثر وفتح الفيزيقي لإلحساسات الممكنة ،وهو فن منسجم مع المنهج الوسائطي .ويسود ألنه يخلق اإلشاعة ويثير الدهشة .وهو فن جامع بين الحفل الشعبي واألدب والشعبي والنخبوي ،وجد في المكتوب والمطبوع شروطه التقنية عبر المسرح والرواية والمسلسل .والسينما بمثابة التحليل النفسي للقرن الحالي.
التلفزيون ونهاية "مجتمع الفرجة":
كنا أمام الصورة فصرنا في البصري ،فمفارقة العصر الثالث تكمن في منح التفوق للسمع ،وجعل البصر صيغة من صيغ السماع .فقد كان لفظ "المنظر الطبيعي" يخصص في الماضي للعين ،فيما يخصص لفظ البيئة للصوت .واآلن صار البصر بيئة صوتية ،و"المنظر الطبيعي" القديم بيئة تركيبية ولفافا .يرتبط الصوت بالتأثير ،أما الصورة فبالفكرة ،وينتج األول أثرا عاطفيا ،في حين يبقى الثاني لصيقا بالتجريد .فمن ميزات السمع انه ليس جسدا قابال للتحليل ال يفصل بين الذات والموضوع وال بين الفرد والجماعة ،وترجع بدايته إلى السماع في بطن األم ،فاإلنسان يولد سميعا ثم بصيرا ثم تأتي الكلمة .نحن نوجد داخل الصورة التلفزيونية من خالل انجذابنا للمرئي وتفاعلنا المباشر معه ،فقد زال ذلك الفاصل الكالسيكي بين الرائي والمرئي الذي يحقق التطهير ،وزالت بذلك الفرجة ،ألن الرائي والمرئي صارا جسدا واحدا متداخال .بينما حافظت السينما على الفاصل بين الرائي والمرئي بحكم أنها أثر غير تزامني ،في الوقت الذي ألغاه التلفاز بالبث المباشر. أما الصورة الرقمية ،فهي فن ذهني ،ال مادي ،يسبق فيه التصور اإلحساس ،وهو مجموعة من األعداد واللوغاريتمات ،وما تلتقطه العين صار نموذجا منطقيا رياضيا .وبهذا تحول جسد العالم إلى كيان رياضي أنتصر فيه المخ على العين .مثل السير في سيارة غير موجودة إال في البرنامج الحاسوبي. فالعنصر االفتراضي يظل مدركا بالفعل لكنه من دون واقع مجسم .وتكمن المفارقة في أن الصورة والواقع ال يقبالن الفصل والتمييز فهو فضاء قابل للكشف دون اللمس ،واقعي ووهمي في الوقت نفسه .لذلك يفترض دوبريه أننا إذا جمعنا الفنون المتولدة عن الحاسوب تحت إسم "فنون التقنية" فكل ما يبدو اليوم مجرد ترفيه وتسلية استعراضية سيصير مستقبال فنا معترفا به .ص229-228 : ومن مساوئ الصورة الجديدة مقارنة مع القديمة؛ كلفتها الباهظة التي تجعل اإلبداع مرهونا بقانون السوق ،فإذا لم يحقق الرقمي بيعا مسبقا فإنه لن يكون منتجا ،ألنه أصال مروج لمنتوج .إن الصور الرقمية تلغي عمق الزمن وفرادة الصنع ،تحرر الروح من اليد. شعرية التقنية: كانت نظرية الفنون الجميلة تسمى شعرية الفنون الجميلة ،مع عالئقها واختالفاتها ،وأصبح مجال الجمال مرسوم في المختبرات بدينامية يملك أسرارها المهندسون ال الفنانون .لكن الشجن الذي تتضمنه هذه الشاعرية هو الصراع من أجل البقاء ،فتعايش الفنون ال يعني أنها جميعها حية ،ألن علة وجود فن ما قيامه بما لم تقم به فنون أخرى ،وال يوجد فن أبدي في مرتبته ،كانت الجداريات في ق 14ثم الحفر ق 16ثم التشكيل ق 19ثم السينما 1960ثم فن الفيديو 2000ثم الرقمي اآلن، فلكل عصر دائرته الجمالية ،ألن الهدف من فن ما الوصول إلى الناس والتأثير فيهم ،وهو قد يتم بالسينما مثال أكثر من تمثال جامد صامت ،وبذلك يكف الجمهور عن التكيف مع الوسيط السابق الذي هو الصنم ،والذي يضطر للتآكل أو االلتصاق بسلفه ،أو المواجهة المستمرة النتزاع االعتراف به .و قد يعيد الالحق من الفنون بعث السابق فالسينمائي الروسي إيزينشتاين منح حياة جديدة لليوناردو دفينتشي. "إن السينما التي تكفن الزمن ،قد تفك بعض لفات كفن األموات أحيانا" ص235 مفارقات عصر الشاشة: تقود اإلشارة التلفزيونية إلى وثنية من نمط غير مأساوي ألن البصري فيها يشتغل وفق مبدإ اللذة، ومن مفارقات عصر الشاشة: الصورة التي ال تملك مؤلفا ومرجعا معينا تأخذ مباشرة صفة الصنم ،ونأخذ معها صفة الوثنيين الراغبين في عبادتها مباشرة ،عوض اإليمان من خاللها بالواقع الذي تع ِّيّنه. فالصورة المباشرة تمنح نفسها على أنها كيان بنفسه. عد المجتمع اإللكتروني مجتمعا بدائيا :الصورة بدون قفا على الشاشة بمثابة أيقونة ،إال أن نظرة المسيحي المصلي لأليقونة كانت تضفي بعدا تأليهيا عليها ،وما تتشبه به –صورة المسيح أو القديس – ولم تكن تنتمي للدنيا ،أما مشاهدة الصورة النصفية بدون قفا على التلفاز فال تفتح المشاهد إال على الدنيا ،من خالل الواقع المجسد أي الحدث في حقيقته النورانية-نور الشاشة ال نوراإلله طبعا .-وبهذا صارت األلوهية الجديدة هي الراهن أي تجسيد األيام السبعة ،ال اليوم الثامن –أي يوم القيامة-وبهذا صار التلفاز أيقونة تقول" :فليكن الحاضر إالهكم" ص 244:مسار الصورة من وثن إلى وثن ،أما الفن فوسط بين الوثنية المسيحية األولى حيث تمت المبالغة في تعاليه ،والوثنية الحديثة حيث الخصاص في المتعالي .وصارت عيننا تهجر مادة العالم وتستعيضها بالعالم في الشاشة الذي يتحكم فيه أصحاب البصري باسم التغطية للحدث أو بحجبه. التواصل التلفزيوني والتوحد السينمائي: عالقات ومقابالت بين التلفاز والسينما: تتجلى عالقة التلفاز بالسينما في أنه حررها من الموضوعات االجتماعية وصار من دعاتها، وسندها بشرائه لحقوق بث ما تنتج ،وعمل على توسيع قاعدة جمهورها ،ومكن العالم الثالث الفقير من مشاهد األفالم السينمائية بدون مقابل. أما التقابالت بين التلفاز والسينما فيوضحها الجدول التالي: التلفزيون السينما صناعة آلية ما تزال حرفة تقليدية فنية في مرحلة صنعها العمل الفني التلفزي معمول للتواصل العمل الفني السينمائي قابل للتوصيل فقط يبيع القائم على القناة الجمهور لإلشهار يبحث المنتج السينمائي عن الجمهور لمؤلف معين ال يحتاج المتفرجون لمغادرة أماكنهم للعمل السينمائي متفرجوه الذي يقصدون دور السينما طواعية سليل الهاتف سليلة المسرح يحيل على االتصاالت السلكية والالسلكية تحيل على الفنون الجميلة يشاهده كل واحد من بيته ويحس بأنه كل مكان عمومي يحس كل واحد بنفسه وحيدا الناس موجه ألفراد المشاهدة أي الجماهير موجه لجماعة قاعة العرض مشاهدتها متعة خاصة الذهاب إليها جماعة حفلة خاصة موجه لما فوق الخمسين والستين يتلقون تتوجه اليوم لمن دون العشرين ويتلقون صورهم من بلدانهم (محلي) صورهم من أمريكا (خارجي) االهتمام بمدى قوة التلقي يكون االهتمام بقيمة المنتوج كون جمهورا يظهر ويختفي وال أثر له ي ّ لها تأثير يتراكم عبر الزمن محلي عالمية له نزوع نحو األغلبية لها نزوع نحو األقلية كلفته ضئيلة فن اقتصادي يدفع المتفرج ثمن التذكرة ليرى فيلما في كل مرة يؤطر جمهوره تضبط إطار الواقع الخارجي وتنزع الطابع االجتماعي عما تلتقطه عاشقه كائن منزلي قابل للتحكم والمراقبة عاشقها بدوي مرتحل غير قابل للضبط يعكس التلفزيون الناجح جمهوره تهشم المرآة العاكسة يصنع األهالي يصنع المتمردين الرحل يؤكد انتماء إيديولوجيا معينا تقتلع اإلنسان من جذوره وتجعل منه شيئا آخر ال يكره على المشاهدة يفرض أناة ويجعل المشاهد مثبتا في كرسيه مهتما يعرض ما يجب أن يرى ال ما نحتاج رؤيته يتحمل صاحب الفيلم مسؤولية ما يعرض ليس له تاريخ ألنه اللحظة مثل الجريدة لها تاريخ وهي بدورها تاريخ مثل الرواية البرنامج الناجح يموت بعد بثه الفيلم الذي ال يلق نجاحا يوثق في الخزانة السينمائية
جدلية التلفزيون الخالص:
ناقش دوبريه أربعة أطروحات في هذا الصدد: " -1التلفزيون في خدمة الديموقراطية ،التلفزيون يفسد الديموقراطية " " التلفزيون في خدمة الديموقراطية " :مادام كل الناس تشاهده على حد سواء ،وعندما تحولت السياسة إلى فرجة حدت من نخبويتها وصارت أكثر جاذبية للبسطاء، فبواسطتها يعرفون برامج األحزاب المتنافسة ،وبها يعمل المنتخبون على إقناع جمهورهم في البوادي والحواضر وتوضيح مواقفهم. " التلفزيون يفسد الديموقراطية" :يفرغ السياسة من طابعها السياسي ،والناخبين من كل حافز ،والمسؤولين من كل مسؤولية ،ويعزز شخصنة السلطة .ألن به تحولت استراتيجية السلطة من البرهنة إلى اإلطهار" ،إن الظهور المفاجئ للمال في مجال الصورة ،وللصورة في مجال اإلقناع الجماهيري يساهم في تحلل الفضاء المدني داخل الفضاء االقتصادي ،ويربط أكثر المساواة في الحقوق بالالمساواة الفعلية، ويخصص الوظائف القيادية لمن هم أكثر غنى" ص 272:لهذا فالمساواة الديموقراطية الوسائطية هي بين الفقراء الجدد مستقبلو الصورة ،وبين األغنياء الجدد الذين يذيعونه .ولهم القدرة على عرض أنفسهم للرؤية في كل األماكن العامة. المتلقي الفرد يمنح لكل حكومة إمكانية تقليص أخطار التجمع بمكوثه أمام الشاشة، ومعها يضطر المناضل السياسي والنقابي للمكوث أمامها قصد متابعة المستجدات، وتدفعه لحضور االجتماعات وإلى المظاهرات ليراه الناس والمناضلون خاصة. «فإضعاف الوعي والممارسة السياسية يعني أوال تجميد الفرد في مكانه" ص،275 أي أمام الشاشة. " -2التلفزيون يفتح العالم ،التلفزيون يوازي العالم" وهي مرحلة ما بعد الوطنية ،نعم فتح العالم وأزال الحدود لكن المشكلة أننا لسنا من يختار وجهات السفر ،وإنما "األخبار" وال تظهر البلدان إال عند الكوارث والحروب، ومصدر هذه األخبار تتحكم فيها أمريكا ،وتعمل على تدويل عينها ،في إطار مطابقة الصور ال تقريب وجهات النظر. نعم لقد فضح التلفزيون التجاوزات في حق المضطهدين في العالم وخلق رأيا عالميا، بحيث صار من الصعب ارتكاب مجازر بدون أن تليها عقوبات ،لكن كل الصور تتحول إلى عاطفة فردية ،مسلية كانت أم مؤلمة.
التقنية مع الطرح األول واالستعمال االجتماعي مع الثاني .التلفزيون تقنيا أفضل وسيلة لتخليد الحياة ،لكنه في نفس الوقت تقديس للحظة-المباشرة-ونزع للطابع التاريخي عن التاريخ ألننا ال يمكن أن نحتفظ بنشرة أخبار أو توقيف الصورة بدون تسجيل مسبق. " -4التلفزيون قناة للحقيقة ،التلفزيون مصنع للخدع". تتمثل الفرضية األولى في جملة "هذا ما حدث" وفي هذا إعالء لسلطة المرجع، وتقدير لألصالة .فال تعود ثمت حاجة للخطاب والسلطة (ليس مع العين أين) فالصورة مجسدة للواقع. أما اإليهام بالواقع فهو خادع ،ألنه غير مبرر سببيا ،مادام هناك ذاتية وراء الموضوعي الذي هو الصورة ،يكمن في الفرز وانتقاء المعروض من الصورة ،بل لم اختيار هذا البلد تحديدا وهذا الحدث وهذا الشخص ...هكذا يتأرجح التلفزيون بين األطروحة واألطروحة النقيض.