Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 16

‫وحدة الخطاب السينمائي‬ ‫ماستر البالغة والخطاب‬

‫قراءة يف كتاب‪:‬‬

‫إنجاز الطالب‪:‬‬ ‫إشراف الدكتور‪:‬‬


‫عبدالرحيم شباك‬ ‫حمادي جيروم‬
‫‪2020-2019‬‬
‫السياق والمفهوم‪:‬‬
‫«حياة الصورة وموتها» أطروحة دكتوراه للمفكر الفرنسي ريجيس دوبريه‪ ،‬دافع عنها سنة‬
‫‪ .1993‬وهي عمل فكري فلسفي نقدي تحليلي وتاريخي‪ ،‬ينظر للقيمة «الوسائطية» المرتبطة‬
‫بالصورة في سياق ممارستها للفعل‪ ،‬وحثها على رد الفعل‪ ،‬وذلك منذ عشرات آالف السنين‪.‬‬
‫لكن مفهوم الصورة عند رجيس دوبريه ال يتعلق بما يتبادر إلى الذهن من كونها ذلك الشكل الذي‬
‫نراه داخل إطار معين‪ ،‬وال ذاك الشكل المنحوت‪ ،‬وإنما هي كل ما تدركه األبصار والبصائر‪،‬‬
‫سواء كانت «موحشة أو مخففة عن النفس‪ ،‬أو كانت مدهشة أو فاتنة‪ ،‬أو كانت يدوية أو آلية‪ ،‬ثابتة‬
‫أو متحركة‪ ،‬باألبيض واألسود أو باأللوان‪ ،‬صامتة أو ناطقة» ص‪.11-10:‬‬
‫واالهتمام الفلسفي بالصورة والمتخيل‪ ،‬مدين لتالمذة إدموند هوسرل ‪،Edmund Husserl‬‬
‫مؤسس الظاهريات‪ ،‬والذي اتّجه نحو التركيز على المعاني والماهيات الخالصة‪ ،‬في كتابه "البحوث‬
‫المنطقية"؛ حيث نفى أن تكون العالقات المنطقية خاضعة للتأثيرات السيكولوجية‪ ،‬أو تابعة لعالم‬
‫األشياء‪ ،‬وإنما هي مرتبطة بعالم الماهيات المعقولة التي تمثّل حقائق ثابتة‪ ،‬وتكون موضع اتفاق‬
‫بين األفراد‪ ،‬ومنطلقا ألحكام موضوعيّة صالحة لكل زمان ومكان؛ فهي ليست نتاج الشعور‪ ،‬وإنّما‬
‫هي مقصديّته‪ .‬وتعد هذه الفكرة محوريّة في فلسفته الظاهراتيّة‪ ،‬إذ لم يقصرها على مجال األحكام‬
‫المنطقية‪ ،‬بل ع ّممها لتشمل مجاالت اإلدراك والعواطف واالنفعاالت والقيم‪ ،‬وبذلك أصبح التفكير‬
‫في الصورة جزءا من التفكير في قضايا اإلدراك والفكر واإلبداع‪.‬‬
‫الوضعية المشكلة لألطروحة‪:‬‬
‫انطلق دوبريه في أطروحته من وضعية مشكلة عمل على مناقشتها ومتابعة سيرورة حلها خالل‬
‫أطوار كتابه كله‪ .‬وقد حددها بقوله‪« :‬البصر ‪ regard‬يؤ ِّ ّمن التواصل بين العناصر انطالقا من‬
‫المرئي إلى الرائي‪ ،‬وذلك خارج الفضاءات الطقوسية وكل الروابط السرية المقدسة‪ .‬كما أن‬
‫الصورة تشتغل بوصفها سلطة فعلية‪ .‬كيف كان ذلك ممكنا؟ وما الذي تغير في أعيننا حتى تكف‬
‫صورة مياه النبع عن ري عطشنا‪ ،‬وتعجز صورة نار عن تدفئتنا؟ »‪.‬‬
‫مقصدية األطروحة‪:‬‬
‫حدد دوبريه الغاية من هذه الدراسة في قضية سلطة الصورة‪ ،‬واستكشاف تحوالتها‪ ،‬ونقط‬
‫قطائعها‪ ،‬واستكناه ما تستبطنه من قوة غير اإلدراك‪ ،‬سواء كانت قوة قداسية‪ ،‬أو قوة ذات حظوة‬
‫وإشعاع‪ .‬ص‪ 11:‬وأضاف قائال‪« :‬إن موضوع هذا الكتاب السنن ‪ codes‬الالمرئية للمرئي التي‬
‫تحدد ببساطة شديدة وفي كل عصر حالة معينة للعالم أي ثقافة معينة‪ .‬أو بصيغة أخرى‪ ،‬الطريقة‬
‫التي بها يمنح العالم نفسه لنظر أولئك الذين يرونه من غير أن يفكروا فيه»‪ .‬ص‪ 11:‬فهو يرغب‬
‫في استكشاف بعض مسبقات العين الغربية‪ ،‬أي المفارقات بين وضعيات معتقدها البصري السالفة‪،‬‬
‫وواقعها الراهن‪ ،‬ومآالتها‪.‬‬
‫مسار األطروحة‪:‬‬
‫يمكن اختزال مسار األطروحة في عبارة‪( :‬الصورة من التأصيل إلى التأويل)‪ ،‬فمسيرة تطورها‬
‫مرت من الثبات إلى الحركة البطيئة‪ ،‬انتهاء بهوس السرعة‪ .‬وخالل هذا المسار‪ ،‬تسافر بنا‬
‫األطروحة تاريخيا ً انطالقا من الماضي البدائي والديني السحيق‪ ،‬عبر الفن اإليطالي‪ ،‬وصوالً إلى‬
‫سحر السينما وجاذبية التلفزيون‪ ،‬حيث عد دوبريه السينما قمة المعة للمظهرية االجتماعية‪ ،‬وأداة‬
‫التحليل النفسي حاليا‪ ،‬بدل الفن التشكيلي الذي كان مهيمنا في القرن التاسع عشر‪ ،‬مشيرا ً إلى أنه لو‬
‫كان علينا عرض النسيج العقلي لعصرنا‪ ،‬للزمنا عرض فلم لـ«غريفيت» وآخر لـ«برغمان»‬
‫وثالث لـ«غودار»‪.‬‬
‫ويختم دوبريه دراسته باإلشارة إلى إشرافنا في عصر الشاشة على نهاية «مجتمع الفرجة»‪ ،‬فبعد‬
‫أن كنا أمام الصورة أصبحنا داخلها‪ ،‬والوقوف ضد المحرمات القديمة المتعلقة باألصالة واأللغاز‬
‫والروح سيكون عبارة عن شعائرية لها أهميتها‪ ،‬بيد أن األفق قد يكون مخيبا ً لآلمال‪ ،‬ففي مجال‬
‫الممارسة تكمن مساوئ الصورة الجديدة مقارنة مع القديمة في الكلفة المفرطة التي تجعل اإلبداع‬
‫رهينا ً لقوانين السوق‪ ،‬وللصراع من أجل الخيال‪ ،‬ألنه صراع يعمل ضد مقولة «كل شيء‬
‫للصورة» ولن تتم المحافظة على الحق في الالنهائي من دون الح ّد من حقوق المرئي التي تجعله‬
‫يقوم لوحده بإضفاء طابع الوثوقية على كل خطاب آخر‪ .‬لهذا استدل دوبريه بحكمة لجان جاك‬
‫روسو ‪ Jean-Jacques Rousseau‬مفادها‪« :‬بمقدار ما نرى أقل بمقدار ما تنشط مخيلتنا‬
‫أكثر»‪.‬‬
‫المنهج الذي اعتمده دوبريه في أطروحته‪:‬‬
‫اعتمد دوبريه منهجا يتأسس على علم متعدد المباحث هو "الوسائطية"‪ ،‬وذلك لتأكيد الترابط بين‬
‫المادي والروحي في الصورة‪ ،‬وقد بين خاصية هذا المنهج بقوله‪ " :‬يبدو أننا نخلط بين األجناس‬
‫واألمكنة والعصور‪ ...‬فما هذا الخطاب؟ إنه غير خالص؛ نعم ألنه يوجد في مجال تقاطع حقول‬
‫متعددة‪ ...‬إننا نسمي وسائطية ‪ médiologie‬المبحث الذي يتكلف بالكشف عن نقط لقاء وتوحيد‬
‫التقنية والسياسة والتصوف" ص ‪.85-83‬‬
‫نظرة بانورامية لعصور الصورة وخاصياتها‪:‬‬
‫األزمنة الحديثة‬ ‫القرون الوسطى‬ ‫ما قبل التاريخ‬ ‫الخاصيات‬
‫(البصري)‬ ‫(الفن)‬ ‫(األصنام)‬
‫أمريكا‬ ‫إيطاليا‬ ‫اإلغريق‬ ‫البلد‬
‫الشاشة‬ ‫الكتابة‬ ‫الخطاب‬ ‫األلة‬
‫‪graphosphère‬‬
‫‪vidéo sphère‬‬ ‫‪logosphère‬‬
‫اختراع السمعي‬ ‫اختراع الطباعة‬ ‫اختراع الكتابة‬ ‫المخترعات‬
‫البصري‬
‫صورة في دوران قار‬ ‫صورة زمن جامد وسفر صورة متحركة بطيئة‬ ‫الحركة‬
‫مسكون بالسرعة‬ ‫عمودي نحو الالنهائي معروضة‬
‫لإللهي‬
‫البصري عالمي‬ ‫الفن غربي متحرك له‬ ‫الصنم‬ ‫المحل‬
‫ملكة السفر‬ ‫محلي قار‬
‫البصري تحدث‬ ‫الفن تحدث اإليطالية‬ ‫الصنم تحدث اإلغريقية‬ ‫اللغة‬
‫األمريكية‬
‫البصري اقتصادي‬ ‫الفن جمالي إنساني‬ ‫الصنم الهوتي‬ ‫الصفة‬
‫(إستطيقي)‬
‫(المحيط الشامل)‬
‫تكنوقراطي‬ ‫أندروقراطي‬ ‫ثيوقراطي‬ ‫الحكم‬
‫(حكم تكنولوجي)‬ ‫(حكم إنساني)‬ ‫(حكم إالهي)‬
‫تأثير البصري خارجي‬ ‫تأثير الفن داخلي‬ ‫تأثير الصنم علوي‬ ‫األثر‬
‫(اإلشهار)‬ ‫(العبقرية)‬ ‫(اإليمان)‬

‫البصري ساخر‬ ‫الفن جاد‬ ‫الوثن ذو جالل‬ ‫المقام‬


‫ما يتوقعه الناس من‬ ‫ما يتوقعه الناس من‬ ‫ما يتوقعه الناس‬ ‫التوقع‬
‫التجريب‬ ‫الوهم‬ ‫من وساطة الوثن‬
‫يرمي إلى التحول إلى‬ ‫يرمي إلى ربح الخلود‬ ‫يرمي إلى التعبير عن‬ ‫المرمى‬
‫حدث‬ ‫األبدية‬
‫التجديد‪ :‬عبر القطيعة أو‬ ‫في الصنم‪ :‬التكرار وفق في الفن‪ :‬التقليد عبر‬ ‫زمن صناعة‬
‫الفضيحة‬ ‫النموذج والتعلم‬ ‫النموذج األصل‬ ‫الصورة‬
‫الدهشة أو الترفيه‬ ‫المتعة‬ ‫العبادة‬ ‫المجاالت‬
‫قدرة شرائية‬ ‫ذوقية‬ ‫دينية لها رهانات‬ ‫المسائلة‬
‫سياسية‬
‫اإلشهاري له شبكته‬ ‫الفنان هيئة أكاديمية‪،‬‬ ‫صانع الصور له هيئة‬ ‫التنظيم المهني‬
‫المتخصصة‪ ،‬يعمل في‬ ‫يشتغل في ورشته‬ ‫حرفية‪ ،‬وليس له مكان‬
‫مصنعة ويرتبط بزبنائه‬ ‫الخاصة‬ ‫مستقل‬
‫عبر اإلنترنت‪.‬‬
‫مبادر‬ ‫ملهم‬ ‫صفات الفاعلين أمين‬
‫اإللكترونيات‬ ‫القماش‬ ‫الحجر والخشب‬ ‫مادة الصنعة‬
‫اللصاق والمقص‬ ‫المرآة والبركار‬ ‫الهالة والشعاع‬ ‫رموز المهنة‬
‫المعلوماتيان‬
‫التظاهر والتمويه‬ ‫التمثيل‬ ‫الحضور‪ :‬حضور‬ ‫أنماط الصورة‬
‫‪simulation‬‬ ‫القديس في تمثاله‬
‫‪représentation‬‬
‫الربط باالفتراضي‬ ‫الربط بالطبيعة‬ ‫الربط بما فوق الطبيعة‬ ‫وظيفة وساطة‬
‫الصورة‬
‫‪Virtuel‬‬
‫المصلحة‬ ‫الحب‬ ‫الرهبة‬ ‫الوضعيات‬
‫العاطفية‬
‫افتراضي‬ ‫مادي‬ ‫العالقة بالوجود حي‬
‫(الصورة إدراك)‬ ‫(الصورة شيء)‬ ‫(الصورة كيان)‬
‫اإلنجازي (اآللة)‬ ‫الواقعي (الطبيعة)‬ ‫الخارق (هللا)‬ ‫مصدر السلطة‬
‫كهربائي (من الداخل)‬ ‫شمسي (من الخارج)‬ ‫روحي (من الداخل)‬ ‫مصدر النور‬
‫اإلخبار‬ ‫المتعة‬ ‫الحماية‬ ‫الهدف‬
‫من التاريخي إلى‬ ‫من الديني إلى التاريخي‬ ‫من السحر إلى الديني‬ ‫السياق‬
‫الرقمي‬ ‫التاريخي‬

‫قراءة الكتاب على ضوء الجدول‪:‬‬


‫‪-1‬عصر العقل‬
‫رجع دوبريه إلى الماضي الضارب في القدم لإلنسان ليفتش فيما سماه ألبوم الصورة‪ ،‬عن عالقة‬
‫والدة الصورة بالموت‪ ،‬وذلك من خالل مدافن العظماء التي هي متاحف لتماثيلهم‪ ،‬منفتحة على‬
‫الداخل بالنسبة للمصريين‪ ،‬وعلى الخارج بالنسبة لإلغريق‪ .‬واعتمد في التوثيق إيثيمولوجيا كلمة‬
‫(صورة) أثبت بواسطته أن هذه اللفظة تعني لدى اإلغريق‪ :‬القناع الشمعي الذي كان يوضع على‬
‫وجه الميت ليستنسخ معالمه‪ ،‬وليستمر هذا الميت من خالل بقاء صورته‪ .‬كما أنها تعني الشبح‪ ،‬ثم‬
‫الوجه ‪.figura‬‬
‫حارب قُتل بنبل‪ ،‬ثم يوضع على‬
‫وفي المعتقد األثيني يعمل الخزفيون على تصوير تمثال مصغر ل ُم ِّ‬
‫نعشه تأكيدا النتصار الحياة‪.‬‬
‫أما في الثقافة المسيحية األولى‪ ،‬فقد دخل الرفات الجسماني للقديسين والشهداء إلى المقدس‪،‬‬
‫يولّد فيه الموت‬
‫ليتذكرهم األحياء من خالل صورهم‪ ،‬فاكتست الصورة طابعا طقوسيا دينيا‪ِّ ،‬‬
‫الصورة بالترتيب التالي‪:‬‬
‫تتطلب عظام القديس صندوقا لحفظ رفاته‪ ،‬والصندوق يتطلب كنيسة أو ضريحا‪ ،‬والكنيسة أو‬
‫الضريح تتطلب حجا إليهما‪ ،‬ومذبحا‪ ،‬ولوحة جدارية‪ ،‬ثم لوحة‪ ،‬فيتم المرور من حب العظام إلى‬
‫حب الفن‪ ،‬ومن بقايا الجسم إلى العمل الفني‪ " .‬فبدون عمق ال مرئي ال وجود لشكل مرئي" ص‪:‬‬
‫‪ ،21‬يقول باشالر‪( :‬الموت هو أوال وقبل كل شيء صورة‪ ،‬وسيظل كذلك صورة) ص‪.20:‬‬
‫أما مرحلة " المرآة" فإنها تعني أن الصورة أداة لتأمل الذات في الشبيه والنظير‪ ،‬من خالل إعادة‬
‫تكوين الميت بها‪ .‬ويتم بواسطتها تصالح اإلنسان مع الالمرئي الخالد واإللهي‪ ،‬لتصبح «رهان‬
‫التبادل" الذي ال يجعل الميت شيئا كموتى الحيوانات‪ ،‬وال كائنا حيا‪ ،‬بل تكون صورته صالحة ألن‬
‫تقدم هدية لآللهة بدل اإلنسان الحي‪ ،‬ويكتب على التمثال اسم مقدم الهدية ال اسم الفنان الذي‬
‫صنعها‪ ،‬وبهذا تصبح الصورة وسيطا بين األحياء واألموات والناس واآللهة وبين المرئي والغيبي‪.‬‬
‫وفي هذه الفترة "ظل المختفي يمنح للظاهر قيمته" ص‪ 24‬م وكان من مصلحة اإلنسان التصالح مع‬
‫الالمرئي بجعله مرئيا عبر الصورة‪ .‬وبواسطة الفن يظهر هذا الصنم المتناهي‪ ،‬الذي يعمل بدوره‬
‫على جعل ما كان المتناهيا مشخصا وباديا للعيان‪ "،‬فطالما ثمة موت فهناك أمل جمالي‪".‬ص‪.30‬‬
‫وبهذا يكون الفن أداة الخلود ومحو المسافات بحيث يصبح الرائي معاصرا لكل صورة في كل‬
‫زمان ومكان‪.‬‬
‫ووظيفة الصورة الوسائطية رمزية أو دينية‪ ،‬وليست هي خاصيتها الوحيدة‪" ،‬ألن العمل الفني ال‬
‫يلزم أن يخضع للوصف والتفسير بمقوالت التواصل" كما قال تيودور أدورنو ‪Theodor W.‬‬
‫‪ Adorno‬ص‪ ،36:‬بل هو مهتم دائما بالتوصيل‪ .‬وهنا أكد دوبريه على أن المرئي ليس مقروءا‪،‬‬
‫أي إن الفن عطاء مجاني وال وصاية للفكرة والكلمة عليه‪ ،‬والتشكيل كما قال سيمونيد شعر‬
‫صامت‪ ،‬إذ ليس ثمة من مقابل لغوي لإلحساس الملون‪" ،‬فالسحر الذي ال حد له يجعل إنسان‬
‫الصورة أكثر تفوقا بشكل ال نهائي على إنسان الكلمة‪ .37 ".‬واللوحة توجد فقط‪ ،‬وال تعبر إال على‬
‫ألوانها وأبعادها وموادها‪ ،‬وال تطلب إال أن ترى ‪-‬كما قال كليمون روسي‪ ،-‬فالرائي هو من يصنع‬
‫اللوحة‪ ،‬والدليل على ذلك أن الفنان يرسم عوض أن يكتب‪ ،‬وبهذا يكون الفن تدميرا لكل السلط‪.‬‬
‫لكن النسخ جرد الصورة من طابعها المادي‪ ،‬والتشكيل عن جسده‪ ،‬وتحطم عنصر السمك واألبعاد‬
‫الواقعية خاصة قيم اللمس‪ ،‬وبذلك جرد الصورة من فرادتها الكلية‪ ،‬وحولها بفعل هذا التعدد إلى‬
‫عالمة‪ ،‬وبالتالي تم الطرد الضمني للرائي من مجال التواصل الحي معها‪ ،‬وسلبها تعددية المعنى‬
‫الذي ال ينضب‪ ،‬وهو ما سماه دوبريه "براءة الداللة" التي هي وجه من وجوه "خصوبة اإليحاء"‬
‫ص‪ . 45 :‬فاللغة التي تتكلمها الصورة هي لغة رائيها‪ .‬ومن فضائلها أنها جمعية "تمكن من إقامة‬
‫عالقة معينة مع رائيها وبطريقة غير مباشرة بين الرائيين أنفسهم" ص‪ ،47‬لكن ال بد لها من‬
‫التعالي الديني الذي يضفي عليها طابع التوسطية‪ ،‬ويحد عن طابعها الوسائطي اإلعالمي‪ ،‬ما يدل‬
‫على أن الفن ينبثق من تقاطع الصنعة والعقيدة‪ ،‬والتفوق التقني والتواضع األخالقي‪ ،‬وهو ما صار‬
‫عليه حال الصورة في المسيحية أيضا‪ ،‬بعد أن تلقى الغرب التوحيدي إباحة التصوير من بيزنطة‪،‬‬
‫عبر معتقد تجسد المسيح الذي توافق مع اعتقادها بطبيعته المزدوجة الناسوتية الالهوتية‪ " .‬لقد‬
‫حسمت مشروعية الصور في المسيحية" ص‪ ،62‬وذلك بعد أن حرمها العهد القديم حيث جاء في‬
‫التوراة‪( :‬اللعنة على من يصنع صورة منحوتة) ص‪ .60‬فأصبح للصورة في المعتقد المسيحي بعد‬
‫الهوتي توسطي‪.‬‬
‫ويرى دوبريه أن الوسائطية بحكم أنها علم متعدد المباحث هي األداة التي يمكن أن يؤكد بها هذا‬
‫الترابط بين المادي والروحي في الصورة‪ ،‬فهي تسعى من وراء الخلط بين األجناس أن تخلق نسقا‬
‫له مبرراته‪ ،‬لهذا من الطبيعي أن يطرح في هذا اإلطار سؤال تقنية صناعة الصورة أيضا؛ بعد أن‬
‫جرت العادة أن يدير علم الجمال ظهره للتقنية ‪ -‬وهو الطالق الذي منحه كانط حظوة كبيرة‪ -‬وهي‬
‫قطيعة مزيفة حسب نعت المنهجية الوسائطية‪ ،‬فاللوحة على وجه الخصوص هي وحدها التي تالئم‬
‫الميتافيزيقي لذلك فبإمكانها أن تؤكد أن اإلحساس بالمقدس ال يخلو من شوائب التطور التقني‪،‬‬
‫فالروحي بدون سند مادي محكوم بالهباء والطابع المحلي للصوت والحركة‪ ،‬وبدون هذا السند ال‬
‫يمكن للصورة أن تحقق تداولياتها في مجال المحسوس عبر وسائل الفعالية الرمزية‪ ،‬ما دام مقصد‬
‫المعنى يمكن أن يتم فيها بحكم أنها قوة تأتي بعد قوة الفكرة‪ .‬وهو ما سماه دوبريه ب «سلطة‬
‫الصورة"‪.‬‬
‫وتبدو هذه السلطة من خالل أثرها على الرائي في شتى المجاالت كما هو الشأن بالنسبة لصور‬
‫إشهار المرشحين السياسيين‪.‬‬
‫إن ثنائية المادي والروحي في الصورة‪ ،‬تسند إلى التوزيع التقليدي للدراسات حول الفن بين مثالين‪:‬‬
‫أ‪ -‬االتحاد الصوفي بالموضوع الوحيد ذو الخطاب الحدسي للعارف الفنان وهي مقاربة داخلية‬
‫تنكر إرجاع العمل الفني لشروطه الخارجية‪ ،‬بحكم أن الفن تجربة حدسية ال يمكن إيصالها‬
‫لآلخرين‪ .‬فكل عمل فني فريد في نوعه‪ ،‬ال يحتمل التعميم أو التفسير وإنما يقبل التأويل‪،‬‬
‫ليظل منسجما مع خاصيته الفردانية التي سماها دوبريه"مونوغرافيا" ص‪99:‬‬
‫ب‪ -‬االنزياح الشكي عبر السياق االجتماعي ذو الخطاب التوضيحي لألستاذ‪ ،‬وهي مقاربة‬
‫خارجية‪ ،‬يمثلها علماء االجتماع ومؤرخو الفن الذين يرون أن الفن اصطناع اجتماعي‪.‬‬
‫لكن المشروع الوسائطي الذي يتبناه دوبريه يقف وسطا ويرى «بعدم التفرقة بين مفهوم وعدة فن‬
‫بصري وجوهره وتقنيته" ص‪ 99‬وبذلك يكون الفن قضية ذات ملحظين‪:‬‬
‫أ‪ -‬جدية فائقة‪ :‬بحكم أن الصورة تنبثق من عمودية الموت‪ ،‬وال تأخذ معناها كامال إال في‬
‫الزمن الثابت للديانات‪.‬‬
‫ب‪ -‬جدية قليلة‪ :‬ألن صيرورة الفن تستند إلى تاريخ متواضع للمواد واآلليات وطرائق اإلبداع‪،‬‬
‫فإذا استبدلت العدة تغير المفهوم‪.‬‬
‫والخالصة أن التقنية في الفن والصورة خصوصا ضرورية‪ ،‬غير أنها ليست كافية‪ .‬وفي هذا‬
‫السياق استعرض دوبريه مقابلة بين كانط وكاسطيلي‪ ،‬فهناك هوة تفصل بين ممارسة الصورة حاليا‬
‫والنظريات األكاديمية للفن‪ ،‬ويمكن قياس هذه الهوة بشكل أفضل بالعودة إلى قراءة " نقد الحكم"‬
‫إليمانويل كانط ق‪ 18‬الذي هو مرجع في فلسفة الفن‪ ،‬لكن بلغة الفن المعاصر «عصر األنوار" مع‬
‫الرواقي األمريكي وتاجر الفن ليو كاسطيلي‪ ،‬أي قراءة تاجر لفيلسوف‪.‬‬
‫فالفن عند كانط هو مظاهر الطبيعة‪ ،‬إنه " يفضل مشهد الطبيعة على األعمال والتحف الفنية" ص‪:‬‬
‫‪ . 104‬فهو بدل أن يجعل الموضوع يدور حول موضوع فني‪ ،‬يجعله دائرا حول الذات‪ ،‬وهو‬
‫اإلحساس الذاتي بالجميل‪ ،‬فالجميل بالنسبة لكانط كامن في ذواتنا‪ ،‬والحديث عنه حديث عن النفس‪،‬‬
‫إنه مالزم لحكم الذوق‪ .‬وليس لما يصنعه الفنان‪ .‬معنى هذا أن كانط يقترح جماليات التلقي ال‬
‫جماليات اإلبداع‪.‬‬
‫بينما اجتهد كاسطيلي في تحديد اللحظات األربع للجمال المطلق‪:‬‬
‫أ‪ -‬اللحظة األولى‪ :‬ال يكون جميال إال موضوع اإلشباع غير المغرض‪ :‬فميز بين الرائق‬
‫المدرك بالحواس‪ ،‬والطيب الذي فيه مصلحة‪ ،‬أما الجميل فهو الذي له غاية جمالية خارج‬
‫إطار المنفعة‪.‬‬
‫ب‪ -‬اللحظة الثانية‪ :‬ما يستحسنه الناس في الكون‪ ،‬وبدون مفهوم‪ :‬الفرد هو الذي يحدد الجميل في‬
‫مكنون نفسه‪ ،‬تحديدا يصلح لكل الناس ص‪ 108:‬وهنا يعارض كانط عندما يقول‪ " :‬ما هو‬
‫جميل بالنسبة لي فقط ليس جميال" ص‪ ،108:‬وبدون مفهوم ألن المفاهيم تختص بالمعرفة‪،‬‬
‫بينما تختص العاطفة واإلحساس بالفن‪ ،‬لكنه لتحقيق عالمية الفن البد من جهد‪.‬‬
‫ت‪ -‬اللحظة الثالثة‪ :‬الجمال هو شكل الغائية المدركة فيه‪ ،‬والتي يتصف بها شيء أو موضوع ما‪:‬‬
‫أي ال نفعية له‪ ،‬فالذوق يجب أن يستقل عن الغاية فيصبح الجميل هو غاية نفسه‪ ،‬ليفسح‬
‫المجال أمام كونية الجميل‪ .‬يقدم كانط مثال الزهرة الصغيرة التي ال ترتبط بأي هدف‪.‬‬
‫ث‪ -‬اللحظة الرابعة‪ :‬يكون جميال ما يتم التعرف عليه بدون مفهوم باعتباره موضوعا لإلشباع‪:‬‬
‫الجميل هو ما يلزم أن يكون جميال بحكم الضرورة الداخلية والطبيعية‪ ،‬وأصحاب األروقة‬
‫والمتاحف أطراف فاعلة على مسرح الفن‪.‬‬
‫ويرى دوبريه أن كانط يضرب صفحا عن الوساطات ويدعو إلى ذوق متأصل دون تكوين وإلى‬
‫حرفة فطرية دون تعلم‪ ،‬أي يدعو إلى فن مكتمل بذاته بال عوامل فنية‪ ،‬وظيفة بال أعضاء ونظرية‬
‫بدون تطبيق‪ ،‬لكن آفة هذا التصور الكانطي تكمن في "الطرد شبه التام لألشياء" ص‪ 104 :‬بحيث‬
‫تفقد كل واقعية مادية (لوحة – تمثال‪)...‬‬
‫‪-2‬عصر الفن والنص والتدوين‪:‬‬
‫ويمتد من اكتشاف المطبعة الى اختراع التلفزة الملونة‪ ،‬وترتب عن ذلك االستهالك الشخصي‬
‫لألثار الفنية‪ .‬وفي هذا اإلطار تقيم الصورة جملة من العالقات مع التثميل والطبيعة والخلود والنص‬
‫والمكتوب والذات‪.‬‬
‫ال يرى دوبريه أن الفن من ثوابت الوجود اإلنساني‪ ،‬فهو مفهوم تجريدي غربي متأخر‪ ،‬ظهر في‬
‫عصر النهضة مع حركة الكواتروشينتو الفلورينسية في الفترة الممتدة من حصول الرسامين على‬
‫استقاللهم الجمعوي سنة ‪ 1378‬إلى التمجيد التأبيني لميكل أنجلو ‪ ،1564‬فهو مستمد من تاريخ‬
‫خطي أسطوري الالهوتي للفن‪ ،‬الذي سرعان ما ستستبدله الدورات الواقعية لإلبداع التشكيلي‬
‫بالخط الحلزوني‪ ،‬وهو يقف حائال دون أي توضيح للصورة‪.‬‬
‫فالفن باعتباره صنفا مستقال ومقولة ذهنية ال ضمان لوجوده في بالد اإلغريق القديمة‪ ،‬وال في‬
‫المجتمع الوسيط‪ .‬ص‪ 135‬وهو باعتباره موضوعا في ذاته كان متجاهال وغير قابل للتعليم النظري‬
‫الذي يتم تناقله عبر أكاديميات‪ ،‬وكان مختصا بمكان غير المعامل والورشات‪ ،‬ومحاطا بالقيم‬
‫النبيلة‪ .‬بل حتى لفظة ‪ techné‬اإلغريقية لم تستعمل كقيمة مطلقة إال للداللة على االصطناع‬
‫والمكر‪ ،‬وإلى الحذق في حرفة ما إذا ورد مضافا‪ ،‬مثل "فن الكالم"‪ .‬مما يدل على أن القدماء مثل‬
‫أفالطون‪ ،‬ال يميزون بين الفنون الجميلة والتقنيات‪ ،‬وكذا سقراط الذي يعد األب الحقيقي للوظيفية‬
‫بحكم أنه يرى أن "الجميل هو الشيء النافع المفيد"‪ .‬لهذا كان صانع الصور محتقرا لدى اإلغريق‬
‫بما فيهم أرسطو الذي يرى أن الفن مجرد محاكاة للواقع بخيره وشره‪ .‬فالحرفي يواجه المادة‬
‫بجسمه والحال أن اإلنسان ال يكون حرا إال بالروح والكلمة‪ ،‬وليس بالفن‪ " .‬هكذا تغدو الصورة‬
‫مجرد تمثيل أو مرادفة" ص‪.142:‬‬
‫ثم تبنى الرومان هذا االحتقار االجتماعي من خالل التمييز بين الفن الرفيع والوضيع‪ ،‬والذي قال‬
‫به ماركوس توليوس سيسرو ‪ ،Marcus Tullius Cicero‬وهو كاتب روماني وخطيب روما‬
‫المميز ولد سنة ‪ 106‬ق م‪.‬‬
‫وحين ال تكون الصورة تمثاال إلله ورمزا لقربان أو مرتبطة بشعائر المدينة فإنها ال ينظر إليها إال‬
‫على أساس أنها تقنية ترفيه‪ ،‬وبذلك تظل القيم الثقافية الوحيدة المشروعة تكتسي طابعا دينيا وليس‬
‫فنيا يمجد الطابع التجسيمي للصورة في معزل عن غايتها التي تكمن في تقريب اإلنسان من القوى‬
‫العينية‪ .‬لهذا يمكن الجزم بأن الجمال اإلغريقي ليس مقولة جمالية‪ ،‬بل مقولة أخالقية وميتافيزيقية‪.‬‬
‫لكن الحضارة الرومانية كانت أكثر تقبال للصور واالبتكار والتمثيل من الذهنية اإلغريقية‪ ،‬ألن‬
‫الروماني كان يثق بما يبدو له واقعا‪ .‬وغياب مقولة "الفن" في الثقافة اإلغريقية والثقافات التي‬
‫توارثت معارفها هو مسلك أنطولوجي‪ .‬كما أن دنو مرتبة المصورين إثبات فلسفي لبطالن‬
‫صنيعهم‪ ،‬ألن وراء كل جماليات تصور للكون‪.‬‬
‫وفي اليهودية والمسيحية الرب هو الفنان الوحيد‪ ،‬وال تقبل المسيحية إال ما طابق صنعة الرب‪ ،‬فال‬
‫إمكانية لمخيلة خالقة‪ .‬لقد نشأت فكرة اإلبداع الفني ضد اإلبداع األنطولوجي دون أن تكف عن‬
‫صياغة شكلها انطالقا منه‪.‬‬
‫وفي عصر النهضة أدمج القديس طوماس اإلكويني مفهوم الجميل في ميتافيزيقا الوجود التي لم‬
‫تعترف بمفهوم الفن أو تقر بتهميش المصور‪ ،‬وهو ما أكده أمبيرطو إيكو حين قال‪ " :‬القديس‬
‫طوماس اإلكويني نفسه حين يتحدث عن ال‪ ، are‬يقدم للقارئ قواعد عامة يلزم نهجها‪ ،‬ويتحدث‬
‫بإسهاب عن العمل الفني (الصناعة‪ ،‬الحرفي‪ ،‬المهني) من غير أن يتطرق أبدا مباشرة لمشكلة‬
‫الخصوصية الفنية" ص‪148:‬‬
‫وقد ختم دوبريه هذا المبحث بإشارته إلى أن الفن لم يكن ضائعا وإنما ظل فقط غير مفكر فيه‪ ،‬مثله‬
‫في ذلك مثل المنظر الطبيعي‪ ،‬فإنه ال يتم اكتشافهما إال بفقدهما‪.‬‬
‫وقد عملت الحقيقة المسيحية التي يتم تلقيها عبر الكتب المقدسة على إخفاء واقع الوسط المحيط‪،‬‬
‫فجعلت جنان الفردوس أكثر واقعية من مشهد طبيعي حي‪ ،‬ما دامت هذه الجنان توصل للحقيقة‬
‫اإللهية التي فيها خالص البدن والنفس‪ .‬فبدون غاية ميتافيزيقية ال وجود لصورة مادية‪ ،‬لكي ينظر‬
‫إلى الطبيعة على أساس أنها قيمة مستقلة ومشهدا في ذاته مقتطعا عنوة وبتأطير واع‪ ،‬ال على‬
‫أساس أنه دعامة لنذر أو عبادة معينة‪-‬كما هو الشأن في المسيحية حيث كان الغيبي (الجنة) هو‬
‫األصل‪-‬البد من توفر تربية أخالقية للعين‪ ،‬مصحوبة بمهارة تقنية لليد‪ .‬لهذا يمكن أن نعد رؤية‬
‫الطبيعة انتصارا للمحسوس على المجرد‪ ،‬وتجريدا للنظر عن سلطة المقول أي المعرفة الخاصة‬
‫بالذاكرة الجماعية‪ ".‬لقد كان المنظر الطبيعي تحويال‪ ،‬لكن نحو األسفل‪ ،‬للنص نحو األرض‪،‬‬
‫وللروحاني إلى كيانات صلبة‪ ،‬وللنور اإللهي إلى نور أرضي" ص‪ .157:‬وبهذا كان المنظر‬
‫الطبيعي –فنيا‪-‬الفدية البصرية التي تم تقديمها لنزع الطابع الرمزي عن الكون‪ ،‬وتقليص مدى‬
‫المعنى‪ ،‬وصار موضوع الفن التشكيلي الطبيعة الميتة‪" .‬فكلما قل عشق مجتمع للماورائيات فإنه‬
‫يرى األشياء والناس أكثر"‪ .‬ص‪ .158‬وهكذا انسحب الماورائي ليفسح المجال أمام المشهد الطبيعي‬
‫الالنهائي الذي جعله كأنط هدفا‪.‬‬
‫لكن هل سيبقى المشهد الطبيعي بعد زوال الفن التشكيلي؟ وهل سيستمر الفن التشكيلي بعد هجوم‬
‫العمران على المشهد الطبيعي؟ كان المنظر الطبيعي والفن يعاشان‪ ،‬لكنهما صارا ينشآن‪ ،‬ما ينبئ‬
‫بنهاية المتعة واللجوء إلى التقنية‪ ،‬لذا فإنه ال ينبغي أن نفاجأ مستقبال بعالم دون فن‪.‬‬
‫لقد بدأ إضفاء الطابع الجمالي على الصور في القرن ‪ 15‬عند ظهور المجموعة الفنية الخاصة لدى‬
‫المفكرين‪ ،‬وانتهى في ق‪ 17‬عند ظهور المتحف العمومي‪ ،‬فمن األيقونة إلى اللوحة غيرت الصورة‬
‫عالماتها فغدت مظهرا بعد أن كانت شبحا‪ ،‬وموضوعا بعد أن كانت ذاتا‪ .‬وازدهرت الصورة في‬
‫عصر النهضة فصارت موجودة في كل مكان‪ ،‬بل طال الفن مجال المعمار في إيطاليا‪ ،‬وفي‬
‫المرحلة اإلنسية‪ ،‬تحررت من طقس العبادة وأنتجت ثقافتها الخاصة‪ ،‬فقد انتقلت من القداسي إلى‬
‫العلماني ومن الجماعي إلى الخصوصي‪.‬‬
‫‪-3‬عصر الرؤية وزمن ما بعد الفرجة‬
‫ويمتد هذا العصر الى اآلن‪ ،‬فقد استطاعت آلة التصوير عبر الفوتوغرافيا والسينما والتلفزيون‬
‫والحاسوب احتواء الصورة اليدوية القديمة‪ ،‬فنتج عن ذلك شعرية جديدة تتعلق بالفنون البصرية‬
‫تنذر بنهاية "مجتمع الفرجة"‪ .‬وقد تم إعطاء االنطالقة لعصر الشاشة سنة ‪ ،1968‬خالل األلعاب‬
‫األولمبية لمدينة غرونوبل بفرنسا‪ ،‬عندما تم تجريب وإطالق البث الهرتزي للصور الملونة‪ ،‬وبذلك‬
‫أحدثت القطيعة‪.‬‬
‫لقد عوض النور يد الفنان‪ ،‬قال دوالكروا‪( :‬في التشكيل تخاطب الروح‪ ،‬وليس العلم هو الذي‬
‫يخاطب العلم) ص‪ 216 :‬التشكيل ينتمي إلى األيقونة‪ ،‬والفوتوغرافية تنتمي إلى اإلشارة –‬
‫الضوئية‪ ،-‬إن تمثاال مطبوعا على ورق لم يعد تمثاال‪ ،‬واللوحة أيضا لم تعد لوحة‪ ،‬ألن‬
‫الفوتوغرافيا أفقدت العمل الفني فرادته وجعلته متعددا‪ ،‬بينما تظل الصورة الفوتوغرافية المنسوخة‬
‫هي هي‪.‬‬
‫فن السينما‪:‬‬
‫ولد فن السينما من آلة ولمرجعيته فرض نفسه على سائر الفنون‪ ،‬وأدمجها على صورته‪ ،‬وهو فن‬
‫متصل بشكل أفضل بالتطور العلمي والتقني‪ ،‬ما يحقق وحدة وثيقة بين المتعاصرين بالتركيب بين‬
‫معاني أكثر وفتح الفيزيقي لإلحساسات الممكنة‪ ،‬وهو فن منسجم مع المنهج الوسائطي‪ .‬ويسود ألنه‬
‫يخلق اإلشاعة ويثير الدهشة‪ .‬وهو فن جامع بين الحفل الشعبي واألدب والشعبي والنخبوي‪ ،‬وجد‬
‫في المكتوب والمطبوع شروطه التقنية عبر المسرح والرواية والمسلسل‪ .‬والسينما بمثابة التحليل‬
‫النفسي للقرن الحالي‪.‬‬

‫التلفزيون ونهاية "مجتمع الفرجة"‪:‬‬


‫كنا أمام الصورة فصرنا في البصري‪ ،‬فمفارقة العصر الثالث تكمن في منح التفوق للسمع‪ ،‬وجعل‬
‫البصر صيغة من صيغ السماع‪ .‬فقد كان لفظ "المنظر الطبيعي" يخصص في الماضي للعين‪ ،‬فيما‬
‫يخصص لفظ البيئة للصوت‪ .‬واآلن صار البصر بيئة صوتية‪ ،‬و"المنظر الطبيعي" القديم بيئة‬
‫تركيبية ولفافا‪ .‬يرتبط الصوت بالتأثير‪ ،‬أما الصورة فبالفكرة‪ ،‬وينتج األول أثرا عاطفيا‪ ،‬في حين‬
‫يبقى الثاني لصيقا بالتجريد‪ .‬فمن ميزات السمع انه ليس جسدا قابال للتحليل ال يفصل بين الذات‬
‫والموضوع وال بين الفرد والجماعة‪ ،‬وترجع بدايته إلى السماع في بطن األم‪ ،‬فاإلنسان يولد سميعا‬
‫ثم بصيرا ثم تأتي الكلمة‪ .‬نحن نوجد داخل الصورة التلفزيونية من خالل انجذابنا للمرئي وتفاعلنا‬
‫المباشر معه‪ ،‬فقد زال ذلك الفاصل الكالسيكي بين الرائي والمرئي الذي يحقق التطهير‪ ،‬وزالت‬
‫بذلك الفرجة‪ ،‬ألن الرائي والمرئي صارا جسدا واحدا متداخال‪ .‬بينما حافظت السينما على الفاصل‬
‫بين الرائي والمرئي بحكم أنها أثر غير تزامني‪ ،‬في الوقت الذي ألغاه التلفاز بالبث المباشر‪.‬‬
‫أما الصورة الرقمية‪ ،‬فهي فن ذهني‪ ،‬ال مادي‪ ،‬يسبق فيه التصور اإلحساس‪ ،‬وهو مجموعة من‬
‫األعداد واللوغاريتمات‪ ،‬وما تلتقطه العين صار نموذجا منطقيا رياضيا‪ .‬وبهذا تحول جسد العالم‬
‫إلى كيان رياضي أنتصر فيه المخ على العين‪ .‬مثل السير في سيارة غير موجودة إال في البرنامج‬
‫الحاسوبي‪.‬‬
‫فالعنصر االفتراضي يظل مدركا بالفعل لكنه من دون واقع مجسم‪ .‬وتكمن المفارقة في أن الصورة‬
‫والواقع ال يقبالن الفصل والتمييز فهو فضاء قابل للكشف دون اللمس‪ ،‬واقعي ووهمي في الوقت‬
‫نفسه‪ .‬لذلك يفترض دوبريه أننا إذا جمعنا الفنون المتولدة عن الحاسوب تحت إسم "فنون التقنية"‬
‫فكل ما يبدو اليوم مجرد ترفيه وتسلية استعراضية سيصير مستقبال فنا معترفا به‪ .‬ص‪229-228 :‬‬
‫ومن مساوئ الصورة الجديدة مقارنة مع القديمة؛ كلفتها الباهظة التي تجعل اإلبداع مرهونا بقانون‬
‫السوق‪ ،‬فإذا لم يحقق الرقمي بيعا مسبقا فإنه لن يكون منتجا‪ ،‬ألنه أصال مروج لمنتوج‪ .‬إن الصور‬
‫الرقمية تلغي عمق الزمن وفرادة الصنع‪ ،‬تحرر الروح من اليد‪.‬‬
‫شعرية التقنية‪:‬‬
‫كانت نظرية الفنون الجميلة تسمى شعرية الفنون الجميلة‪ ،‬مع عالئقها واختالفاتها‪ ،‬وأصبح مجال‬
‫الجمال مرسوم في المختبرات بدينامية يملك أسرارها المهندسون ال الفنانون‪ .‬لكن الشجن الذي‬
‫تتضمنه هذه الشاعرية هو الصراع من أجل البقاء‪ ،‬فتعايش الفنون ال يعني أنها جميعها حية‪ ،‬ألن‬
‫علة وجود فن ما قيامه بما لم تقم به فنون أخرى‪ ،‬وال يوجد فن أبدي في مرتبته‪ ،‬كانت الجداريات‬
‫في ق‪ 14‬ثم الحفر ق‪ 16‬ثم التشكيل ق‪ 19‬ثم السينما ‪ 1960‬ثم فن الفيديو ‪ 2000‬ثم الرقمي اآلن‪،‬‬
‫فلكل عصر دائرته الجمالية‪ ،‬ألن الهدف من فن ما الوصول إلى الناس والتأثير فيهم‪ ،‬وهو قد يتم‬
‫بالسينما مثال أكثر من تمثال جامد صامت‪ ،‬وبذلك يكف الجمهور عن التكيف مع الوسيط السابق‬
‫الذي هو الصنم‪ ،‬والذي يضطر للتآكل أو االلتصاق بسلفه‪ ،‬أو المواجهة المستمرة النتزاع‬
‫االعتراف به‪ .‬و قد يعيد الالحق من الفنون بعث السابق فالسينمائي الروسي إيزينشتاين منح حياة‬
‫جديدة لليوناردو دفينتشي‪.‬‬
‫"إن السينما التي تكفن الزمن‪ ،‬قد تفك بعض لفات كفن األموات أحيانا" ص‪235‬‬
‫مفارقات عصر الشاشة‪:‬‬
‫تقود اإلشارة التلفزيونية إلى وثنية من نمط غير مأساوي ألن البصري فيها يشتغل وفق مبدإ اللذة‪،‬‬
‫ومن مفارقات عصر الشاشة‪:‬‬
‫‪ ‬الصورة التي ال تملك مؤلفا ومرجعا معينا تأخذ مباشرة صفة الصنم‪ ،‬ونأخذ معها صفة‬
‫الوثنيين الراغبين في عبادتها مباشرة‪ ،‬عوض اإليمان من خاللها بالواقع الذي تع ِّيّنه‪.‬‬
‫فالصورة المباشرة تمنح نفسها على أنها كيان بنفسه‪.‬‬
‫‪ ‬عد المجتمع اإللكتروني مجتمعا بدائيا‪ :‬الصورة بدون قفا على الشاشة بمثابة أيقونة‪ ،‬إال أن‬
‫نظرة المسيحي المصلي لأليقونة كانت تضفي بعدا تأليهيا عليها‪ ،‬وما تتشبه به –صورة‬
‫المسيح أو القديس – ولم تكن تنتمي للدنيا‪ ،‬أما مشاهدة الصورة النصفية بدون قفا على‬
‫التلفاز فال تفتح المشاهد إال على الدنيا‪ ،‬من خالل الواقع المجسد أي الحدث في حقيقته‬
‫النورانية‪-‬نور الشاشة ال نوراإلله طبعا‪ .-‬وبهذا صارت األلوهية الجديدة هي الراهن أي‬
‫تجسيد األيام السبعة‪ ،‬ال اليوم الثامن –أي يوم القيامة‪-‬وبهذا صار التلفاز أيقونة تقول‪" :‬فليكن‬
‫الحاضر إالهكم" ص‪ 244:‬مسار الصورة من وثن إلى وثن‪ ،‬أما الفن فوسط بين الوثنية‬
‫المسيحية األولى حيث تمت المبالغة في تعاليه‪ ،‬والوثنية الحديثة حيث الخصاص في‬
‫المتعالي‪ .‬وصارت عيننا تهجر مادة العالم وتستعيضها بالعالم في الشاشة الذي يتحكم فيه‬
‫أصحاب البصري باسم التغطية للحدث أو بحجبه‪.‬‬
‫التواصل التلفزيوني والتوحد السينمائي‪:‬‬
‫عالقات ومقابالت بين التلفاز والسينما‪:‬‬
‫تتجلى عالقة التلفاز بالسينما في أنه حررها من الموضوعات االجتماعية وصار من دعاتها‪،‬‬
‫وسندها بشرائه لحقوق بث ما تنتج‪ ،‬وعمل على توسيع قاعدة جمهورها‪ ،‬ومكن العالم الثالث‬
‫الفقير من مشاهد األفالم السينمائية بدون مقابل‪.‬‬
‫أما التقابالت بين التلفاز والسينما فيوضحها الجدول التالي‪:‬‬
‫التلفزيون‬ ‫السينما‬
‫صناعة آلية‬ ‫ما تزال حرفة تقليدية فنية في مرحلة‬
‫صنعها‬
‫العمل الفني التلفزي معمول للتواصل‬ ‫العمل الفني السينمائي قابل للتوصيل فقط‬
‫يبيع القائم على القناة الجمهور لإلشهار‬ ‫يبحث المنتج السينمائي عن الجمهور‬
‫لمؤلف معين‬
‫ال يحتاج المتفرجون لمغادرة أماكنهم‬ ‫للعمل السينمائي متفرجوه الذي يقصدون‬
‫دور السينما طواعية‬
‫سليل الهاتف‬ ‫سليلة المسرح‬
‫يحيل على االتصاالت السلكية والالسلكية‬ ‫تحيل على الفنون الجميلة‬
‫يشاهده كل واحد من بيته ويحس بأنه كل‬ ‫مكان عمومي يحس كل واحد بنفسه وحيدا‬
‫الناس‬
‫موجه ألفراد المشاهدة أي الجماهير‬ ‫موجه لجماعة قاعة العرض‬
‫مشاهدتها متعة خاصة‬ ‫الذهاب إليها جماعة حفلة خاصة‬
‫موجه لما فوق الخمسين والستين يتلقون‬ ‫تتوجه اليوم لمن دون العشرين ويتلقون‬
‫صورهم من بلدانهم (محلي)‬ ‫صورهم من أمريكا (خارجي)‬
‫االهتمام بمدى قوة التلقي‬ ‫يكون االهتمام بقيمة المنتوج‬
‫كون جمهورا يظهر ويختفي وال أثر له‬ ‫ي ّ‬ ‫لها تأثير يتراكم عبر الزمن‬
‫محلي‬ ‫عالمية‬
‫له نزوع نحو األغلبية‬ ‫لها نزوع نحو األقلية‬
‫كلفته ضئيلة‬ ‫فن اقتصادي يدفع المتفرج ثمن التذكرة‬
‫ليرى فيلما في كل مرة‬
‫يؤطر جمهوره‬ ‫تضبط إطار الواقع الخارجي وتنزع الطابع‬
‫االجتماعي عما تلتقطه‬
‫عاشقه كائن منزلي قابل للتحكم والمراقبة‬ ‫عاشقها بدوي مرتحل غير قابل للضبط‬
‫يعكس التلفزيون الناجح جمهوره‬ ‫تهشم المرآة العاكسة‬
‫يصنع األهالي‬ ‫يصنع المتمردين الرحل‬
‫يؤكد انتماء إيديولوجيا معينا‬ ‫تقتلع اإلنسان من جذوره وتجعل منه شيئا‬
‫آخر‬
‫ال يكره على المشاهدة‬ ‫يفرض أناة ويجعل المشاهد مثبتا في‬
‫كرسيه مهتما‬
‫يعرض ما يجب أن يرى ال ما نحتاج رؤيته‬ ‫يتحمل صاحب الفيلم مسؤولية ما يعرض‬
‫ليس له تاريخ ألنه اللحظة مثل الجريدة‬ ‫لها تاريخ وهي بدورها تاريخ مثل الرواية‬
‫البرنامج الناجح يموت بعد بثه‬ ‫الفيلم الذي ال يلق نجاحا يوثق في الخزانة‬
‫السينمائية‬

‫جدلية التلفزيون الخالص‪:‬‬


‫ناقش دوبريه أربعة أطروحات في هذا الصدد‪:‬‬
‫‪" -1‬التلفزيون في خدمة الديموقراطية‪ ،‬التلفزيون يفسد الديموقراطية "‬
‫‪" ‬التلفزيون في خدمة الديموقراطية "‪ :‬مادام كل الناس تشاهده على حد سواء‪ ،‬وعندما‬
‫تحولت السياسة إلى فرجة حدت من نخبويتها وصارت أكثر جاذبية للبسطاء‪،‬‬
‫فبواسطتها يعرفون برامج األحزاب المتنافسة‪ ،‬وبها يعمل المنتخبون على إقناع‬
‫جمهورهم في البوادي والحواضر وتوضيح مواقفهم‪.‬‬
‫‪" ‬التلفزيون يفسد الديموقراطية"‪ :‬يفرغ السياسة من طابعها السياسي‪ ،‬والناخبين من‬
‫كل حافز‪ ،‬والمسؤولين من كل مسؤولية‪ ،‬ويعزز شخصنة السلطة‪ .‬ألن به تحولت‬
‫استراتيجية السلطة من البرهنة إلى اإلطهار‪" ،‬إن الظهور المفاجئ للمال في مجال‬
‫الصورة‪ ،‬وللصورة في مجال اإلقناع الجماهيري يساهم في تحلل الفضاء المدني‬
‫داخل الفضاء االقتصادي‪ ،‬ويربط أكثر المساواة في الحقوق بالالمساواة الفعلية‪،‬‬
‫ويخصص الوظائف القيادية لمن هم أكثر غنى" ص‪ 272:‬لهذا فالمساواة‬
‫الديموقراطية الوسائطية هي بين الفقراء الجدد مستقبلو الصورة‪ ،‬وبين األغنياء‬
‫الجدد الذين يذيعونه‪ .‬ولهم القدرة على عرض أنفسهم للرؤية في كل األماكن العامة‪.‬‬
‫المتلقي الفرد يمنح لكل حكومة إمكانية تقليص أخطار التجمع بمكوثه أمام الشاشة‪،‬‬
‫ومعها يضطر المناضل السياسي والنقابي للمكوث أمامها قصد متابعة المستجدات‪،‬‬
‫وتدفعه لحضور االجتماعات وإلى المظاهرات ليراه الناس والمناضلون خاصة‪.‬‬
‫«فإضعاف الوعي والممارسة السياسية يعني أوال تجميد الفرد في مكانه" ص‪،275‬‬
‫أي أمام الشاشة‪.‬‬
‫‪" -2‬التلفزيون يفتح العالم‪ ،‬التلفزيون يوازي العالم"‬
‫وهي مرحلة ما بعد الوطنية‪ ،‬نعم فتح العالم وأزال الحدود لكن المشكلة أننا لسنا من‬
‫يختار وجهات السفر‪ ،‬وإنما "األخبار" وال تظهر البلدان إال عند الكوارث والحروب‪،‬‬
‫ومصدر هذه األخبار تتحكم فيها أمريكا‪ ،‬وتعمل على تدويل عينها‪ ،‬في إطار مطابقة‬
‫الصور ال تقريب وجهات النظر‪.‬‬
‫نعم لقد فضح التلفزيون التجاوزات في حق المضطهدين في العالم وخلق رأيا عالميا‪،‬‬
‫بحيث صار من الصعب ارتكاب مجازر بدون أن تليها عقوبات‪ ،‬لكن كل الصور‬
‫تتحول إلى عاطفة فردية‪ ،‬مسلية كانت أم مؤلمة‪.‬‬

‫‪" -3‬التلفزيون ذاكرة هائلة‪ ،‬التلفزيون مصفاة قاتلة"‬


‫‪ ‬التقنية مع الطرح األول واالستعمال االجتماعي مع الثاني‪ .‬التلفزيون تقنيا أفضل‬
‫وسيلة لتخليد الحياة‪ ،‬لكنه في نفس الوقت تقديس للحظة‪-‬المباشرة‪-‬ونزع للطابع‬
‫التاريخي عن التاريخ ألننا ال يمكن أن نحتفظ بنشرة أخبار أو توقيف الصورة بدون‬
‫تسجيل مسبق‪.‬‬
‫‪" -4‬التلفزيون قناة للحقيقة‪ ،‬التلفزيون مصنع للخدع"‪.‬‬
‫‪ ‬تتمثل الفرضية األولى في جملة "هذا ما حدث" وفي هذا إعالء لسلطة المرجع‪،‬‬
‫وتقدير لألصالة‪ .‬فال تعود ثمت حاجة للخطاب والسلطة (ليس مع العين أين)‬
‫فالصورة مجسدة للواقع‪.‬‬
‫‪ ‬أما اإليهام بالواقع فهو خادع‪ ،‬ألنه غير مبرر سببيا‪ ،‬مادام هناك ذاتية وراء‬
‫الموضوعي الذي هو الصورة‪ ،‬يكمن في الفرز وانتقاء المعروض من الصورة‪ ،‬بل‬
‫لم اختيار هذا البلد تحديدا وهذا الحدث وهذا الشخص ‪ ...‬هكذا يتأرجح التلفزيون‬
‫بين األطروحة واألطروحة النقيض‪.‬‬

You might also like