Professional Documents
Culture Documents
الاستاذة حفحوف فتيحة- مقياس الانثروبولوجيا
الاستاذة حفحوف فتيحة- مقياس الانثروبولوجيا
جيمع الباحثون يف علم االنثروبولوجيا على أنه علم حديث العهد إذا ما قيس ببقية العلوم األخرى ،حيث
مل يع رف الفك ر االن ثروبولوجي اال قب ل النص ف الث اين من الق رن العش رين ،ورغم ذل ك فاألنثروبولوجیا تتب وأ
كعلم حدیث النشأة مكانة كبریة بنی العلوم الیوم ،نظرا ملا تتمیز به من خصائص ،وملا تتمتع به موضوعاهتا من
جاذبیة وٕاغراء خاصة أن موضوع الدراسة األساسي هو اإلنسان يف صوره الثقافیة املختلفة وأمناطه التفاعلیة
املتعددة.
أوال :مفهوم االنثروبولوجيا:
إن لفظة انثروبولوجيا ANTHROPOLOGYهي كلمة اجنليزية مشتقة من األصل اليوناين املكون من مقطعني
:
1
االجتماعي ،اما اجلانب احلضاري ( الثقايف) فهو يشري اىل اجتاه االنثروبولوجي اىل حماولة فهم ثقافة الشعوب
بوصفها ومقارنة بعضها بالبعض االخر.
ولتق ريب النظ ر أك ثر ن ورد م ا قالت ه االنثروبولوجي ة االمريكي ة "م-- -ارغريت ميد" :حنن نص ف اخلص ائص
االنس انية ،البيولوجي ة ،والثقافية ،للنوع البشري عرب االزمان ويف سائر االم اكن ،وحنلل الصفات البيولوجية
والثقافية احمللية كانساق مرتابطة ومتغرية ،كما هنتم بوصف وحتليل النظم االجتماعية والتكنولوجيا ،ونعىن ايضا
ببحث االدراك العقلي لالنسان وابتكاراته ومعتقداته ووسائل اتصاالته".
ول ذلك ،تع ّرف األنثروبولوجي ا ،بأهّن ا العلم ال ذي ي درس اإلنس ان من حيث ه و ك ائن عض وي حي ،يعيش يف
جمتمع
ظل ثقافة معيّنة ..ويقوم بأعمال متع ّددة ،ويسلك سلوكاً حم ّدداً .وهو أيض اً
تسوده نظم وأنساق اجتماعية يف ّ
تطوره
العلم الذي يدرس احلياة البدائية ،واحلياة احلديثة املعاصرة ،وحياول التنبّؤ مبستقبل اإلنسان معتمداً على ّ
عرب التاريخ اإلنساين الطويل.
وعليه تعرف األنثروبولوجيا بصورة خمتصرة وشاملة بأهّن ا " علم دراسة اإلنسان طبيعي اً واجتماعي اً وحضارياً أي
أ ّن األنثروبولوجيا ال تدرس اإلنسان ككائن وحيد بذاته ،أو منعزل عن أبناء جنسه ،إمّن ا تدرسه بوصفه كائن اً
اجتماعياً بطبعه ،حييا يف جمتمع معنّي له ميزاته اخلاصة يف مكان وزمان معينني .
2
وتش ري اىل الدراس ة التحليلي ة واملقارن ة للم ادة االثنوغرافي ة بغ رض الوص ول اىل تعميم ات ح ول خمتل ف النظم
واصوهلا وتطورها وتنوعها .وعليه فان االثنولوجيا تستفيد عمليا من البيانات اليت تزودها هبا االثنوغرافيا ،ليقوم
الباحث االثنولوجي بعد ذلك بتصنيف احلضارات يف جمموعات أو أشكال على اساس مقاييس معينة وحتليلها،
واستخالص املبادئ منها.فهدف االثنولوجي هو الوصول اىل قوانني عامة للعادات االنسانية ولظاهرة التغري
احلضاري.
ورغم وضوح مفهوم االنثروبولوجيا إال أن استخداماته ختتلف من بلد آلخر ومن مدرسة ألخرى ،لذلك قد
جيد الباحث تداخالت بينه وبني املفاهيم سابقة الذكر.وميكن إيضاح ذلك باجياز يف النقاط التالية:
ففي أمريكا جند استخدامني اساسيني ملفهوم االنثروبولوجيا مها:
االنثروبولوجيا اجلسمية ( الفيزيقية) :وتشري اىل دراسة اجلانب العضوي واحليوي لالنسان.
االنثروبولوجيا الثقافية :وتشري اىل جمموعة التخصصات اليت تدرس النواحي االجتماعية والثقافية حلياة االنسان.
ويدخل يف نطاق االنثروبولوجيا الثقافية جمموعة من الفروع الدراسية وهي:
علم اللغويات ،االثنوغرافيا ،االثنولوجيا ،علم االثار باعتبار أن علماء اآلثار هم أنثروبولوجيون متخصصون يف
إعادة بناء وحتليل ثقافات املاضي.
ويف مقاب ل االنثروبولوجي ا الثقافي ة ال ذي يتداول ه األمريكي ون يس تخدم االجنل يز مص طلحا أخ ر ه و مص طلح
"االنثروبولوجيا االجتماعية"فمهمة االنثروبولوجيا االجتماعية مثلما يرى ايفانز بريتشارد :اهنا تدرس السلوك
االجتماعي الذي يتخذ يف العادة شكل نظم اجتماعية كالعائلة ونسق القرابة والتنظيم السياسي واالجراءات
القانونية والعبادات وغريه ا ،كم ا تدرس العالقة بني ه ذه النظم سواء يف اجملتمع ات املعاص رة او يف اجملتمع ات
التارخيية اليت يوجد لدينا عنها معلومات مناسبة من هذا النوع ،ميكن معها القيام مبثل هذه الدراسات" .وعليه
فوحدة التحليل االساسية يف االنثروبولوجيا االجتماعية هي اجملتمع –العالقات االجتماعية اليت تشكل خمتلف
النظم واالنساق االجتماعية -وليست الثقافة واجزاؤها كما يعتقد االمريكيون.
ويبدو خالل ماسبق ان االختالف قائم على األساس الذي تنطلق منه كل جمموعة ،االنثروبولوجيا االجتماعية
تنطل ق يف العم ل ب دءا من الك ل (البني ة االجتماعي ة) او على االق ل اعط اء األولوي ة للك ل على األج زاء ،مقاب ل
االنثروبولوجيا الثقافية اليت تعمل عكس ذلك حيث تعطي األولوية لألجزاء (العناصر املادية واملعنوية )لتصل اىل
فهم البنية الكلية للمجتمع.
3
وعلى العم وم ف ان االختالف يف حتدي د التس مية ه و اختالف ش كلي فحس ب ،فك ل من االنثروبولوجي ا
االجتماعية والثقافية تؤوالن اىل نفس املواضيع خالل عملية الدراسة فاالختالف بني ما هو "اجتماعي" وما هو
"ثقافي" ليس باالختالف الكبري.
وح ىت الق رن التاس ع عش ر ميي ل الفرنس يون أك ثر اىل اس تخدام مص طلح االثنولوجي ا ومرافقته ا االثنوغرافي ا
(دراسة اجملتمعات البدائية من وجهة نظر وحيدة تتمثل يف تصنيف األعراق واحلفريات البشرية ،ومن احملتمل
جدا ان ما مسي اثنوغرافيا يعاجل جمال االحاثة البشرية حيث متت اعادة التسمية باعتبارها ختصصا اكادمييا عرف
فيما بعد) للتعبري عن اجلانب الثقايف وكثريا ما يدرسونه حتت مظلة علم االجتماع .
وعلى العموم فان الشعوب الناطقة باللغة االنجليزية جميعها تطل--ق على علم االنثروبولوجي--ا "علم االنس--ان
وأعمال-- -ه" بينم-- -ا يطل-- -ق المص-- -طلح ذات-- -ه في البل-- -دان االوروبي-- -ة غ-- -ير الناطق-- -ة باالنجليزي-- -ة على " دراس-- -ة
الخص --ائص الجس--مية لالنس--ان" .ففي انجل --ترا مثال يطل --ق مص --طلح االنثروبولوجي--ا على دراس --ة الش--عوب
وكياناتها االجتماعية مع ميل خاص للتأكيد على دراسة الشعوب البدائية ،أما في أمريكا ف--يرى العلم--اء أن
االنثروبولوجيا هي علم دراسة الثقافات البشرية البدائية والمعاصرة ،في حين أن علماء فرنسا يعنون به-ذا
المصطلح دراسة االنسان من الناحية الطبيعية أي العضوية.
4
المحاضرة الثانية :عالقة االنثروبولوجيا بالعلوم األخرى:
هناك عالقة وطیدة بنی علم اإلنسان وباقي العلوم األخرى سواء تلك اليت تنتمي إىل حقل العلوم اإلنسانیة
واالجتماعیة أو اليت تنتمي إىل حقل العلوم الطبیعیة ،فشمولیة الدراسة يف جمال األنثروبولوجیا وتغطیتها للعدید
من اجملاالت جعله ا تتق اطع م ع حق ول معرفیة أخ رى تتقاس م معها اجملاالت ذاهتا ،أو تتب ادل معه ا املعلوم ات
واملعارف اليت یوفرها فرع معريف معنی مبثابة قاعدة وأساس لالنطالق يف الدراسة بالنسبة لفرع معريف آخر،
ذل ك م ا یب دو مثال يف اعتم اد الب احث األن ثروبولوجي على م ا یوفره ع امل اآلث ار من معلوم ات على الش عوب
الغابرة ،ولبیان العالقة بنی
األنثروبولوجیا وغریها من العلوم حناول إیراد بعض األمثلة على ذلك.
*عالقة األنثروبولوجیا بالبیولوجیا -علم األحیاء:-
يتن اول علم األحي اء دراس ة الكائن ات احلي ة من وحي د اخللي ة األبس ط تركيب ا إىل كث ري اخلالي ا األك ثر تعقي دا،
ويرتبط علم األحياء بالعلوم الطبيعية وال سيما علم وظائف األعضاء والتشريح وحياة الكائن احلي ،وتدخل يف
ذلك نظرية التطور اليت تقول بأن أجسام أجناس الكائنات احلية وأنواعها ووظائف أعضائها تتغري باستمرار ما
دامت هذه الكائنات تتكاثر وتنتج أجياال جديدة قد تكون ارقي من األجيال السابقة.
وعلي ه االنثروبولوجي ا من الناحي ة النظري ة ش ديدة الق رب من البيولوجي ا ،وم رد ه ذا على وج ه اخلص وص إىل
اعتماد األنثروبولوجیا حنی نشأهتا على نظریة التطور البیولوجي اليت تزعمها " تشارلز داروین" ،والعمل على
وصف الثقافة واجملتمع من منطلق هذه اخللفیة التطوریة .لقد كان هربرت سبنسر رائدا هلذا النزعة التطوریة
حیث ماث ل بنی تط ور الك ائن احلي وتط ور اجملتم ع البش ري ،مت أثرا بنزع ة التط ور يف البیولوجیا ،فنم و جس م
اإلنس ان ینطل ق من خلیة مث ینمو لیص بح جس ما مكتمال مش كال من العدید من األعض اء ال يت ت ؤدي وظ ائف
حتفظ توازن واستمرار اإلنساين مبا یشبه متاما منو اجملتمع البشري الذي یبدأ بأسرة مث یتوسع إىل عشائر وقبائل
تشكل جمتمعا كبریا.
5
وقد أدى الربط بنی البیولوجیا واألنثروبولوجیا وخاصة يف جانبها الفیزیقي إىل تسمیة األنثروبولوجیا البیولوجیة
ب" البیولوجیا اإلنسانیة " ،باإلضافة إىل هذا جند أن الرجوع إىل البیولوجیا بالنسبة لألنثروبولوجینی قد ساعد
كثریا يف فهم األسس البیولوجیة للسلوك الثقايف لإلنسان.
أما فیما خیص موضوع كل منهما فإهنما یشرتكان يف العمل على فهم التنوع واالختالف ،فإذا كان موضوع
البیولوجیا یركز على حماولة فهم التنوع واالختالف اجلیين ،فإن حماولة فهم االختالف االجتماعي هو املقصود
من الدراسات األنثروبولوجیة ،كما میكن ملوضوع الساللة والعرق أن یوحد بنی البیولوجیا واألنثروبولوجیا
من خالل عملیة التصنیف وحتدید اخلصائص البیولوجیة والثقافیة هلذه السالالت واألعراق.
*عالقة االنثروبولوجيا بالجيولوجيا والجغرافيا:
تساعد الدراسات يف جمال اجلیولوجیا (علم طبقات األرض) يف حتدید الفرتات الزمنیة اليت عاش فیها اإلنسان،
وذلك بتتبع البقایا العظمیة إلنسان ما قبل التاریخ ،اليت یتم احلصول علیها يف ثنایا القشرة األرضیة الرسوبیة
واملنضدة بعضها فوق بعض ،وفقا خلاصیة النشوء والتقادم حیث یكون أسفلها أقدمها وأعالها أحدثها ،كما
میكننا هذا أیضا من معرفة طبیعة احلیوانات اليت كانت مرافقة لذلك اجلنس البشري من خالل البقایا العظمیة
للحیوانات اليت كانت ترافقه يف نفس البیئة اجلغرافیة
ویعمل اجلیولوجي على تزوید األركیولوجي (عامل اآلثار) بعمر األشیاء اليت یعثر علیها ،فاجلیولوجي یستطیع
أن حیدد بعض البقایا الثقافیة ال يت یع ثر علیه ا يف بعض الش قوق األرض یة أو يف بعض الرتس بات أو يف بعض
الطبق ات األرض یة ال يت تنتمي إىل عص ر جیول وجي معنی .ویس تفید األن ثروبولوجي من املعلوم ات ال يت یق دمها
اجلیول وجي أو األركیول وجي من خالل تك وین معرف ة باإلنس ان الق دمی ومقارن ة خصائص ه الفیزیقیة والثقافیة
باإلنسان احلايل ،وكذلك من خالل رصد خمتلف املراحل التطوریة للجنس البشري.
باإلض افة إىل اس تفادة األن ثروبولوجي من اجلیول وجي تش كل املعطیات اجلغرافیة خلفیة أساس یة يف تفس ری
األنثروبولوجي للسلوك البشري ولعادات وطبائع األفراد واجلماعات ،فالعوامل اجلغرافیة من تضاریس ومناخ
وبیئة هلا تأثری واضح على سلوك البشر ،لذلك جند ،األحوال املعیشیة والبىن االجتماعیة عند اجملتمعات البشریة
لیست متشاهبة بسبب تباین الظروف اجلغرافیة اليت توجد يف تلك اجملتمعات ،فسكان املناطق اجلبلیة املرتفعة
یكونون يف مأمن عن األخطار اخلارجیة بینما یتعرض سكان السهول دوما إىل غزوات واجتیاحات ،. .ويف
املقابل
یكون سكان املناطق الساحلیة أكثر انفتاحا يف عالقاهتم مع العامل اخلارجي.
6
وميكن الرج وع يف ه ذا إىل نظ رة ابن خل دون يف ربط ه بنی البیئ ة والس لوك اإلنس اين حیث ت ؤدي البیئ ة
والتضاریس إىل تشكیل نوع معنی من السلوك.
*عالقة االنثروبولوجيا بعلم النفس:
يعرف علم النفس بأنه " العلم الذي يهتم بدراسة العقل البشري والطبيعة البشرية والسلوك الناتج عنهما ،أي
انه جمموعة احلقائق اليت يتم احلصول عليها من وجهة النظر النفسية" مبعىن انه العلم الذي يدرس سلوك االنسان
هبدف فهمه وتفسريه.
وملا ك انت االنثروبولوجي ا توص ف بأهنا العلم ال ذي ي درس االنس ان من حيث تط وره وس لوكاته وأمناط حيات ه
ف إن علم النفس يش ارك االنثروبولوجي ا يف دراس ة س لوك االنس ان ولكنهم ا خيتلف ان يف طريق ة البحث
وسياقه:،فعلم النفس يركز على سلوك االنسان /الفرد ،أما االنثروبولوجيا فرتكز على السلوك االنساين بشكل
عام /السلوك اجلماعي النابع عن ثقافة اجلماعة .وعلى الرغم من ان علم النفس يقصر دراسته على الفرد ،بينما
ترك ز االنثروبولوجي ا اهتمامه ا على اجملموع ة ،فثم ة ص لة وثيق ة بني العلمني حيث اكتش ف علم اء النفس ان
االنسان ال يعيش اال يف بيئة اجتماعية يؤثر ويتأثر هبا .
*عالقة االنثروبولوجيا بعلم االجتماع:
تكاد تكون العالقة بني العلمني متداخلة للسبب األول أن غالبية علماء األنثروبولوجيا هم كذلك علماء
االجتماع والسبب الثاين هو التداخل يف معظم املوضوعات املدروسة ،فكالمها یتناول السلوك اإلنساين
بالدراس ة ،كم ا یرك زان على عملیات التفاع ل ال يت حتدث بنی أف راد اجملتم ع ،واختاذ العالق ات االجتماعیة ال يت
حتدث داخل مجاعة معینة حمال للمالحظة من قبل السوسیولوجي واألنثروبولوجي على سواء ،وكذلك االهتمام
ب النظم االجتماعیة املختلفة مث ل النظام الدیين والنظ ام السیاسي والنظام االقتص ادي. .اخل ،هذا ما جعل أحد
رواد االنثروبولوجیا االجتماعیة وهو رادكلیف براون یصرح بأنه میكن اعتبار األنثروبولوجیا االجتماعیة فرعا
من فروع علم االجتماع ،بل وقد اعتربها مبثابة علم االجتماع املقارن.
غ ری أن األنثروبولوجیا يف عمومه ا باعتباره ا تتن اول اإلنس ان بالدراس ة من ك ل جوانب ه الطبیعیة واالجتماعیة
والثقافیة أمشل نوع ا م ا من علم االجتم اع ال ذي یرك ز اهتمام ه على اجلانب االجتم اعي والثق ايف فق ط ،بینم ا
تشكل مباحث االنثروبولوجیا الفیزیقیة إضافة قیمة جملال األنثروبولوجیا على وجه العموم.
ویب دو االختالف قائم ا بنی األنثروبولوجیا االجتماعیة وعلم االجتم اع يف ترك یز االنثروبولوجیا على دراس ة
اجملتمع ات ال يت تس مى " بدائیة " وباملقاب ل اهتم ام علم االجتم اع ب الظواهر واملش كالت االجتماعیة داخ ل
7
اجملتمع ات املعق دة ،ه ذا ال ذي جع ل االنثروبولوجیا تتن اول اجملتمع ات املدروسة يف كلیته ا باعتباره ا جمتمع ات
ص غریة احلجم ،فتتن اول مثال نظامه ا ال دیين والق رايب والسیاسي وتغ وص يف حتلیل عاداهتا وتقالیدها وأمناطه ا
السلوكیة وأشكاهلا التعبرییة.اخل ،ويف املقابل كان اجتاه علم االجتماع حنو دراسة اجملتمعات املعقدة كنوع من
التناول اجلزئي للمشكالت والظواهر
مثل مشكالت األسرة والطالق واجلرمیة والبطالة. .اخل.
غری أننا الیوم بصدد نوع من التقارب بنی األنثروبولوجیا وعلم االجتماع فقد ضاقت احلدود بینهما وتالشت
الفروق إىل حد مل فیه التفریق واردا يف كثری من املواضع ،فقد تقلص اهتمام األنثروبولوجینی بتلك املشكالت
التقلیدیة يف األمناط اجملتمعیة البدائیة كدراسة نظم الزواج والشعائر الدینیة املرتبطة بالطوطم ،وأصبحت هناك
دراسات انثروبولوجیة حقلیة لكثری من مشكالت اجملتمع الصناعي كمشكلة اهلجرة والصراع العرقي والتنمیة
االجتماعیة واالحنراف والرتبیة. .اخل ،وباملقابل هناك مزید من االهتمام يف الدراسات السوسیولوجیة باجملتمعات
احمللیة الصغریة ونظمها االجتماعیة ،ولعل مسامهات علم االجتماع الریفي خری دلیل على ذلك.
ومن اخلصائص األساسیة للبحوث السوسیولوجیة التقلیدیة اعتمادها على املعلومات الكمیة عند عملیة التحلیل
واملقارنة يف مقابل البحوث األنثروبولوجیة اليت متیزت باعتمادها على البحوث الكیفیة اليت تستند بوجه خاص
إىل تطبیق تقنیة املالحظة باملشاركة ،غری أن األمر أصبح خمتلفا الیوم يف ظل االجتاه املتزاید لألنثروبولوجینی حنو
استخدام األسالیب اإلحصائیة ،هذا الذي یزید من تقارب األنثروبولوجیا وعلم االجتماع إىل احلد الذي جیعل
التفریق بنی الدراسات يف كال احلقلنی املعرفینی أمرا صعبا.
باإلض افة إىل ه ذا تتم یز الدراس ات األنثروبولوجیة عن غریه ا من الدراس ات ال يت تتن اول الظ واهر والنظم
االجتماعیة بأهنا دراس ات حقلیة (میدانیة)حیث یقیم الب احث بنی اجلماع ة ال يت یدرس ها لف رتة زمنیة حمددة
حددها بعض العلماء بأهنا ال تقل عن سنة حىت یستطیع أن یالحظ عن قرب طریقة حیاة هذه اجلماعة ،غری أن
الدراسة احلقلیة ال تقتصر على اجملتمعات التقلیدیة ولكنها ضروریة أیضا عند دراسة األنثروبولوجي للمجتمع
الصناعي مثال.
8
المحاضرة الثالثة :التطبيقات االنثروبولوجية قبل نشأة االنثروبولوجيا
حیاول املختصون يف كل علم البحث عن تأسیسات تارخییة یصنفوهنا كبوادر أوىل يف سیاق نشأة العلم الذي
یصفونه ومیارسونه ،ولالنثروبولوجیا كعلم حدیث النشأة بوادر غابرة يف التاریخ ،حیث جند الكثری من صفات
األنثروبولوجیا احلدیثة لدى مفكري وكتاب وشعراء األزمنة القدمیة ،ويف خمتلف اجملتمعات واحلضارات ،فمن
احلض ارة املص ریة إىل الیونانیة إىل العص ور الوس طى مثة ممارس ات أنثروبولوجیة وتنظ ریات تتص ل ب الفكر
االنثروبولوجي .وسنحاول ذكر البعض من هذه املمارسات يف النقاط التالية:
/1عند اليونان:
ٕا ذا م ا رجعن ا إىل احلض ارة الیونانیة القدمیة (اإلغریقیة) فإن ا جند فیه ا ب وادر واض حة مه دت لعلم اإلنس ان،
ف الكثري من الفالس فة اليون انيني ذائعي الص یت ق دموا إس هامات واض حة ك انت مبثابة القاع دة األساس یة لك ل
العلوم االجتماعیة واإلنسانیة ،ومنها األنثروبولوجیا.
ويعت رب ه ريودوت (425-484ق م) من رواد الفك ر االنثروبولوج يي ألن ه أول من وص ف احلي اة االجتماعي ة
لإلنسان يف العديد من الشعوب ،كما مجع العديد من احلكايات واألساطري حول العديد من البلدان يف رحالته
املتعددة (مصر ،ليبيا ،لبنان ،العراق ،ايطاليا )....لقد قدم هریودوت وخاصة يف كتابه" الت--واریخ" معلومات
وص فیة دقیق ة عن العدید من الش عوب غ ری األوروبیة ،من خالل وص ف عاداهتا وتقالیدها ومالحمه ا اجلس میة
وأصوهلا الساللیة. .اخل ،كما عمل على وصف احلرب اليت دارت بنی الفرس واإلغریق خالل القرن السادس
قبل املیالد ،ومن خالل رحالته املتعددة وقراءاته الغزیرة استطاع هریودوت أن یقدم معلومات عن حوايل
مخسنی شعبا وبأسلوب یزاوج بنی الوصف واملقارنة.
9
كما أن أفالطون ( 347-428ق م) قد تناول دراسة السالالت البش رية و قسم اجملتمع اىل طبق ات :طبق ة
الفالسفة ،اجلند ،العبيد .كما حاول يف كتابه "اجلمهوریة" أن یقدم صورة عن الكیفیة اليت " جیب" أن یكون
علیها اجملتمع ،ذلك ما جعل أفكاره حمل انتقاد كبری باعتبارها تأمالت ملا جیب أن یكون ولیس تصویرا ملا هو
ك ائن ،غ ری أن ه ذه األفك ار وٕا ن ك انت تعكس تص ورات مثالیة إال أهنا تس تند إىل الواق ع ال ذي ك ان حییاه
أفالط ون ،واألح داث والتغ ریات السائدة يف جمتم ع أثین ا ،فال دافع هلذه التص ورات هو تلك األزم ات السیاسیة
واحلروب واضطراب أحوال اجملتمع آنذاك بصفة عامة.
وال خیتلف أرسطو عن أفالطون حیث قدم إسهامات واضحة يف تصنیف ووصف احلكومات مبا میهد لدراسة
النظام السیاسي كأحد أهم النظم االجتماعیة يف الدراسات االنثروبولوجیة.
/2العص--ور الوس--طى في أوروب--ا :خالل العصور الوسطى ظه رت بعض احملاوالت يف أوروبا صنفت على أهنا
أعم ال ذات ص لة باألنثروبولوجیا ،ومن ه ذه األعم ال حماول ة األس قف " إس یدور " isidoreال ذي أع د
موسوعة
عن املعرف ة خالل الق رن الس ابع املیالدي أش ار فیه ا إىل بعض ع ادات وتقالید الش عوب اجملاورة ،حیث ق رر
إسیدور وبنظ رة عنصریة أن ق رب الش عوب أو بع دها من أوروب ا ه و ال ذي حیدد درجة تق دمها ،كم ا وص ف
الذین یعیشون يف أماكن نائیة أهنم أناس غریبو اخللقة ،كما ظهرت أیضا خالل القرن الثالث عشر موسوعة
أخرى للفرنسي " باتولو ماكوس" واليت مل ختتلف عن سابقتها يف اعتمادها على اخلیال يف وصف الشعوب.
/3الحضارة العربیة اإلسالمیة :أما عند العرب خالل هذه الفرتة (القرون الوسطى)فكان السائد يف البدایة هو
االجتاه حنو ما مسي بالفتوحات اإلسالمیة ،مبا اقتضى حماولة معرفة البالد املفتوحة وفهم عادات أهلها ،فربزت
العدید من املعاجم اجلغرافیة مثل " معجم البلدان :لیاقوت احلموي " ،وكذلك بعض املوسوعات الكبریة مثل
"مسالك األمصار " البن فضل اهلل العمري ،و "هنایة األرب يف فنون العرب" للنویري.
ومن اآلثار اليت تدل على املمارسة األنثروبولوجیة جند كتاب البریوين " حتریر ما للهند من مقولة ،مقبولة يف
العقل أو مرذولة " ،لقد حاول البریوين أن یصف اجملتمع اهلندي من ناحیة نظمه الدینیة واالجتماعیة والثقافیة،
كم ا عم ل على مقارن ة تل ك النظم مبثیالهتا عن د الیون ان والع رب والف رس ،كم ا تط رق أیض ا ل دور ال دین يف
التوجیه االجتماعي داخل اجملتمع اهلندي و ٕاىل طبیعة اللغة ومستویاهتا.. .اخل
كم ا جند أیض ا كتاب ات الرحال ة ابن بطوط ة يف وص ف البالد ال يت ارحتل إلیه ا ،فخالل الق رن الث امن اهلج ري
(الرابع عشر املیالدي)أفاض ابن بطوطة يف وصف عادات وتقالید أهل هذه البالد وخمتلف أمناط حیاهتم ،ومما
10
ذك ره ابن بطوط ة عن ع ادات أه ل الس ودان م ایلي ":فمن أفع اهلم احلس نة قل ة الظلم ،فهم أبع د الن اس عن ه،
وس لطاهنم ال یس امح أح دا يف ش يء من ه ،ومنه ا مشول األمن يف بالدهم ،فال خیاف املس افر فیه ا وال املقیم من
سارق والغاصب"
ورغم قیمة ما قدمه البریوين وابن بطوطة وغریمها إال أن أشهر األعمال يف تلك الفرتة – ورمبا يف غریها -هي
ما قدمه العالمة عبد الرمحان ابن خلدون يف كتابه " العرب ودیوان املبتدأ واخلرب يف أیام العرب والعجم والرببر
ومن عاص رهم من ذوي الس لطان األك رب" ال ذي ك ان عمال تأص یلیا لعلم االجتم اع واألنثروبولوجیا ،وه ذا
بشهادة الكثری من الكتاب الغربینی.
لق د كانت مقدم ة ابن خلدون الشهریة عمال أصیال يف وصف الس لوكات اإلنسانیة والظ واهر االجتماعیة يف
اتص اهلا بالبیئ ة اجلغرافیة ،یب دو ذل ك خاص ة يف رب ط ابن خل دون بنی طبیع ة البیئ ة وطبیع ة س لوك اإلنس ان،
والتفاوت يف ذلك بنی سلوك أهل البدو وسلوك أهل احلضر ،و يعد ابن خلدون من أبرز العلماء الذين تفطنوا
لدراسة ظاهرة التطور وقدم حوهلا اسهامات جليلة وتبىن نظرية التفسري الدوري حيث أكد أن للتاريخ تسلسال
دوري ا وأن اجملتم ع والدول ة ميران مبراح ل متعاقب ة و هلا عم ر كم ا ه و احلال عن د االنس ان .وأك د أن الت اريخ
البش ري يس ري وفق خط ة معين ة ،ف اجملتمع البشري شأنه ش أن الف رد الذي مير مبراح ل من ذ والدته وح ىت وفاته
وكذلك حيدث للدول فمسريهتا دائرية تبدأ وتنتهي يف النقطة اليت كانت قد بدأت منها .ويف ذلك يقول ":
ومن الغل ط اخلفي ال ذهول عن تب دل األح وال من األمم واألجي ال بتب دل العص ور وم رور األي ام ،وذل ك ألن
أح وال األمم وعوائ دهم وحنلهم ال ت دوم على وت رية واح دة ومنه اج مس تقر ،وإمنا ه و اختالف على األي ام
واألزمنة و انتقال من حال إىل حال ،وكما يكون ذلك من األشخاص واألوقات واألمصار فكذلك يقع يف
األفاق و األقطار واألزمنة و الدول".
/4أوروبا في عصر النهضة :وخالل عصر النهضة األوروبیة برزت بعض احملطات اليت اعتربت تأسیسا
لألنثروبولوجیا أبرزه ا اكتش اف الق ارة األمریكیة خالل الرحل ة ال يت ق ام هبا " كریس توف كولومب وس (
)1502-1492حیث ع این وش اهد طریق ة عیش الس كان األص لینی يف الع امل اجلدید ،من خالل احتكاكه
املباشر بالسكان ومعایشتة املباشرة ملختلف أمناط حیاهتم ،ذلك الذي جعل وصفه یتسم بشيء من املوضوعیة.
كما تبلور يف الفرتة ذاهتا االجتاه اإلنساين العلمي الذي یقوم على املنهج العلمي التجریيب منه والعقلي الریاضي،
11
على ید ك ل من فرانس یس بیكون ( )1626-1561ورونیه دیك ارث( )1650-1596حبیث أص بح ینظر
لإلنسان باعتباره ظاهرة طبیعیة میكن دراسته باستخدام املنهج العلمي من أجل الكشف عن القواننی اليت حتكم
تط ور اإلنس ان واجملتم ع مبا مه د لبل ورة قاع دة نظریة ومنهجیة للعل وم االجتماعیة واإلنس انیة ،وأس هم بش كل
واضح يف تشكیل األرضیة العلمیة لألنثروبولوجیا كعلم خالل القرن التاسع عشر.
وفیما یتعلق بالدراسات اإلثنوغرافیة واألنثروبولوجیة خالل هذه الفرتة فكانت مثة بعض احملاوالت لعل أبرزها
حماول ة الرحال ة اإلس باين " جوزیه آكوس تا" خالل الق رن الس ادس عش ر ال ذي عم ل على تص نیف الش عوب
وتطوره ا احلض اري بن اء على معرف ة الق راءة والكتاب ة ،فص نف أوروبا يف الدرج ة األوىل مث الص نی وبع دها
املكسیك ،ووفقا هلذا املعیار أیضا مت تصنیف شعوب أخرى يف أسفل السلم ،باإلضافة إىل تقدمیه افرتاضا حول
أصل السكان األصلینی يف العامل اجلدید الذین نزحوا حسبه من آسیا إىل أمریكا.
وباإلض افة إىل جوزیه آكوس تا میكن احلدیث أیض ا عن حماوالت الفرنس ي " میش یل دي مونت اين" الذي أجرى
مقابالت مع السكان األصلینی الذین أحضرهم بعض املكتشفنی إىل أوروبا واستخدمهم كإخبارینی ،بغرض
حتص یل معلوم ات عن ع ادات وتقالید م وطنهم األص لي ،ولع ل من أعم ال "دي مونت اين "الش هریة مقال ه عن "
آكلة حلوم البشر".
/5خالل عص--ر األن--وار :ومیكن احلدیث أیض ا خالل عص ر التن ویر عن بعض املفك رین ال ذین س امهوا يف إث راء
الفكر األن ثروبولوجي والتمهید ب ذلك لألنثروبولوجیا حنی ظهوره ا خالل الق رن 19م ،ون ذكر من ه ؤالء
الفرنس ي " إلب ارون دي مونتیس كیو" ص احب " روح الق واننی" ،لق د أوىل مونتیس كیو اهتمام ا واض حا بعالق ة
البیئ ة االجتماعیة والثقافیة بالق انون وأث ر ك ل منهم ا يف اآلخ ر " ،وترج ع أمهیة كت اب روح الق واننی للفك ر
األنثروبولوجي ملا ورد فیه من إبراز لفكرة الرتابط الوظیفي بنی القواننی والعادات والتقالید والبیئة ،أي كافة
النواحي الطبیعیة والثقافیة ،وقد سادت فیما بعد فكرة الرتابط أو التساند الوظیفي بنی هذه النظم االجتماعیة
خاص ة يف أعم ال األنثروبولوج ینی األجنل یز يف أوائ ل الق رن العش رین .ومیكن الرج وع أیض ا يف الف رتة ذاهتا إىل
فلسفة " جان جاك روسو" صاحب كتاب " العقد االجتماعي" والذي أثر يف كثری من أعالم األنثروبولوجیا
فیما بعد ،فقد اهتم روسو يف العقد االجتماعي بالقیم واألخالق وخمتلف جوانب احلیاة يف اجملتمع الفرنسي ويف
غ ریه من اجملتمع ات ،ولع ل مما استحس نه البعض يف كتاب ات روس و " أن ه اس تطاع أن خیلص نفس ه من التح یز
الثقايف جملتمعه ،وأن ینقد قیمه ،بینما یشید ویستحسن طرق حیاة الشعوب يف اجملتمعات األخرى.
12
المحاضرة الرابعة :نشأة االنثروبولوجيا وعالقتها باالستعمار
ان فالسفة القرن الثامن عشر ميالدي مهدوا لظهور علوم موضوعية تدرس النظم االجتماعية ،ومن أهم تلك
العلوم اليت مهدوا هلا االنثروبولوجيا ،ولعل من مظاهر هذا التمهيد االهتمام باجملتمعات البدائية ،غري أن مصادر
املعلومات عن تلك اجملتمعات الخترج عن الكتابات التخمينية وبعض رحالت االستكشاف ،وعلى الرغم من
تأكيدهم ضرورة استخدام املناهج االستقرائية يف دراسة اجملتمعات االنسانية جند احباثهم خالية متاما من تلك
املناهج واالعتماد على التخمني ،وكان االجتاه الغالب يصور االنسان البدائي على أنه شخصية فظة متوحشة،
ويضع اجملتمع البدائي اهلمجي على طريف نقيض بالنسبة للمجتمع املتمدن املتقدم.
ومبا أن الدراسة امليدانية هي أحد االركان األساسية لالنثروبولوجيا فإنه ال ميكن اعتبار القرن التاسع عشر فرتة
نضوج االنثروبولوجيا واستكمال عناصرها وامنا هي فرتة نشأة هذا العلم.
یربط الب احثون يف جمال العل وم االجتماعیة نشأة األنثروبولوجیا بظاهرة االس تعمار احلدیث ،فق د كانت نش أة
هذه األخریة خالل النصف الثاين من القرن التاسع عشر مبا یتزامن مع هبة الدول الرأمسالیة الغربیة للبحث عن
جماالت جدیدة وراء البح ر من أج ل حتص یل املادة اخلام للمص انع املتزایدة يف أوروب ا ،وباملقاب ل تس ویق م ا
13
أصبحت تنتجه هذه املصانع باستمرار ،وبغض النظر عن اجلذور التارخییة لألنثروبولوجیا واليت متتد يف العصور
القدمیة من خالل عملیات وصف ومقارن ة اخلص ائص املختلف ة للش عوب واألجن اس ،ذل ك ال ذي مارس ه
ه ریودوت الیون اين أو ابن بطوط ة وابن خل دون من املس لمنی خالل رحالهتم املختلف ة ومعایش اهتم ملختل ف
األعراق البشریة ،فإن میالدها باملعىن " العلمي" كان متزامنا مع اشتداد عود الثورة الصناعیة يف أوروبا ،لقد
كانت هذه الفرتة مهدا لنشأة العلوم االجتماعیة عموما ،من أجل التصدي للمشكالت والظواهر اليت أفرزهتا
تل ك املرحل ة ،ف إذا ك ان علم االجتم اع مثال ق د نش أ من أج ل ح ل املش كالت االجتماعیة اليت ب رزت خالل
الثورة الصناعیة داخل اجملتمعات األوروبیة ،فإن األنثروبولوجیا القریبة جدا من علم االجتماع قد مت إنشاؤها
وتطویرها بغرض فهم اجملتمعات غری األوروبیة ،من أجل مساعدة األوروبینی على التوسع خارج أوروبا من
خالل ظاهرة االستعمار،
ه ذا ولق د ك ان اإلنس ان املختل ف عن إنس ان املرك ز" اإلنس ان األورويب" ه و ال ذي هیأ األس اس األول لعلم
اإلنسان ،حیث كان هاجس تكوین معرفة بأولئك الربابرة واهلمج والذین مل یعرفوا للحضارة سبیال بعد ،هو
املسیطر على عقول الباحثنی األوائل يف جمال األنثروبولوجیا ،هذا الذي یدل على أن األنثروبولوجیا نشأت يف
س یاق محالت االس تعمار للبل دان والش عوب األخ رى حیث مثلت بامتیاز ال درع األیدیولوجي ال ذي رافق
السیف والبندقیة خالل
محالت السیطرة على الشعوب واألوطان،
فمنذ هنایة القرن التاسع عشر وبدایة القرن العشرین أصبحت ظاهرة االستعمار متثل رابطا حقیقیا بنی خمتلف
الشعوب ،فقد حدث منذ هذا التاریخ أن احتكت احلضارات املختلفة بعضها ببعض ،وأخذت تربز الفروقات
الثقافیة املتنوعة لدى الشعوب ،ومشلت هذه الفروقات املمارسات واملعتقدات الدینیة والقیم احلضاریة واملسلك
االجتم اعي ،كم ا مشلت أمناط العیش املتنوع ة من مأك ل وملبس ومس كن ،مض افا إلیه ا الفروق ات يف التنظیم
االقتصادي واالجتماعي.
ومع سیادة النزعة التطوریة يف تفسری الظواهر خالل نشأة األنثروبولوجیا استقر لدى األوروبینی أن :احلضارة
البشریة كلها تتطور حسب نظم وقواعد ثابتة وموحدة التتغری باختالف املكان والزمان ،هذا یعين أن الشعوب
البدائیة متثل املراحل األوىل يف التطور بالنسبة للمجتمعات املتقدمة ،لتكون بذلك صورة اجملتمعات البدائیة يف
إفریقیا وأسرتالیا وأمریكا أصال حضاریا للشعوب األوروبیة املتقدمة.
14
میثل هذا نوع ا من " التربیر العلمي" الندفاع األوروبینی حنو فهم تركیبة وثقافة اجملتمعات األخرى ،مبا یظهر
نوع ا من التواف ق بنی األنثروبولوجیا واالس تعمار ،بنی أیدیولوجیة االس تعمار وأیدیولوجیة العلم اجلدید
(األنثروبولوجیا) ،لقد عم دت ه ذه األیدیولوجیة اليت ترتدي ثوب العلم إىل تسفیه ثقافة الشعوب األخرى،
باعتبارها ثقافة بدائیة حتتاج إىل تطویر ،هذه الثقافة البدائیة اليت متثل اخلرافة مقابل " املوضوعیة العلمیة" اليت
تبشر هبا األنثروبولوجیا ،فعلى النظریة األنثروبولوجیة أن تتحمل مسؤولیة إزاحة اخلرافة من خالل تقدمی تفسری
" علمي" هلا " ،فالنظریة
األنثروبولوجیة هي النظریة الوحیدة " املعقلنة " من هذه الزاویة.
وا ىٕل جانب الشق األیدیولوجي لالستعمار الذي یتم تربیره من قبل األنثروبولوجیا ،یتم أیضا وباملقابل تربیر
الشق القمعي له ،فإذا امتاز االستعمار بالعنف والنهب ،فهوعنف " معقلن " أي أنه شرعي وضروري.
ومیكن الرج وع إىل احلض ور الالفت واملدروس لبعض املق والت واملف اهیم عن د بعض منظ ري االس تعمار مث ل
مفهوم " احلمایة" الذي حیل حمل مفهوم االستعمار لدى " روبری مونتاين" الذي ركز دراساته يف البالد العربیة
اخلاضعة لالستعمار ،مع االهتمام باملغرب كمیدان خصب للدراسة األنثروبولوجیة ،یلعب مفهوم احلمایة "على
ص عید األیدیولوجیا ال دور ال ذي جیع ل ظ اهرة االس تعمار مقبول ة .ویعم ل ه ذا املفه وم على ه ذا الص عید على
تلمیع صورة االستعمار ،فاالستعماروا ٕن كان میثل كیانا جدیدا (من الناحیة االجتماعیة والثقافیة) إىل جانب
الكیان احمللي ،ف إن ذل ك مفید للمجتمع ات ال يت ختضع لالس تعمار ،إن ه ذا االلتق اء یع رب عن ص دمة حض اریة
نتیجة اللقاء بنی حضارتنی خمتلفتنی ،تتغری إثرها البىن التقلیدیة للمجتمعات املستعمرة ،بفعل قوة خارجیة تفرض
ثقاف ة جدیدة وأمناط ا من العالق ات جدیدة أیض ا على كاف ة املس تویات االجتماعیة ،إن النتیج ة الفوریة هلذا
الفرض من
اخلارج أن التغ ری اجملتمعي احلادث على البنیات اجملتمعیة هلذه اجملتمع ات التقلیدیة یس ری يف تط وره بوت ریة غ ری
عادیة ،فتجد هذه البنیات ذاهتا مضطرة إىل أن تنتقل عرب جیل واحد أحیانا من مرحلة القبیلة إىل مرحلة املدینة
مث إىل مرحلة الدولة وهو األمر الذي تطلب يف حضارات أخرى قرونا من الزمن.
یدخل هذا ضمن أسطورة " التمدین " اليت دأب منظرو االستعمار على االختباء خلفها من أجل التمكنی لبقاء
النظام االستعماري واحلفاظ على الوضع القائم ،لقد كان للنظام االستعماري منظروه الذین یعملون على توفری
املعرف ة الكافیة بالش عوب املس تعمرة كعام ل أساس ي للس یطرة ،فاألحباث األنثروبولوجیة ال يت متت على ه ذه
الش عوب مل تكن منفص لة عن خمطط ات وأه داف االس تعمار ،ب ل ك انت موج ودة يف ص لب ه ذه املخطط ات
15
واأله داف " ،لق د ب دأت اهلیمنة االس تعماریة ت درك أن حكم -األه ايل -ال یس تقیم إال مبعرف ة معمق ة للغ اهتم
وعاداهتم وتقالیدهم
وأخالقهم ،والعل وم االجتماعیة االس تعماریة هي ال يت ك انت متد الس لطات االس تعماریة هبذه املعرفة مثلم ا هي
حال البالد العربیة قد وجدت نفسها يف صدام مع احلضارة الغربیة اليت حلت على هذه الشعوب عن طریق
االستعمار ،هذا الصدام تولد عن وعي هذه الشعوب بضرورة احلفاظ على هویتها اليت تشكلت خالل قرون
طویلة ،وهنا یقرتح مونتاين اتباع منهج تارخیي من أجل تشكیل معرفة بأصول بنیات هذه الشعوب ،ومن أجل
مقارنتها مع
16
ثانيا :النظ رة اىل االنس ان باعتب اره اجتم اعي بطبع ه يعيش يف مجاع ات خمتلف ة س اعدت على ظه ور ف رع
االنثروبولوجيا االجتماعية .
ثالث --ا :النظ رة اىل االنس ان على اس اس أن ه حام ل للثقاف ة وناق ل هلا ع رب االجي ال س اعدت على ظه ور ف رع
االنثروبولوجيا الثقافية.
وعليه فقد تعددت تقسیمات االنثروبولوجیا وفقا للمكان والزمان ،وتبعا للتأثر بنظریات وسیاقات معینة
مثلما هو علیه احلال عند استخدام تسمیة االنثروبولوجیا االجتماعیة بدال من االثروبولوجیا الثقافیة يف بریطانیا
نتیج ة للت أثر بالنظریة الوظیفیة ل دى بعض األنثروبولوج ینی مث ل " رادكلیف ب راون" ،مقابل اس تخدام مفه وم
األنثروبولوجیا الثقافیة للداللة على ذالك الفرع من األنثروبولوجیا الذي یعىن باجلانب االجتماعي والثقايف لدى
اإلنسان يف أمریكا ،ويف مقابل هذا حیظى جانب آخر له صلة بالعلوم الطبیعیة باهتمام األنثروبولوجینی وهو
اجلانب الط بیعي وال بیولوجي لإلنس ان ،لرتسخ األنثروبولوجیا أمهیة ه ذا القس م ال ذي أص بح یدعى
باألنثروبولوجیا الطبیعیة (الفیزیقیة).
/1االنثروبولوجي-- - - -ا الفيزيقي-- - - -ة :تع ددت امساؤها فمن انثروبولوجي ا بيولوجي ة اىل انثروبولوجي ا فيزيقي ة
وانثروبولوجي ا طبيعي ة ...غ ري ان الش ائع عن د الع رب ه و اس م االنثروبولوجي ا الفيزيقي ة وال ذي اراده
االنثروبولوجيون تعريبا ملصطلح .Anthropologie physique
تعت رب االنثروبولوجي ا الفيزيقي ة من أق دم ف روع االنثروبولوجي ا ،وتع رف بأهنا " العلم ال ذي یبحث يف ش كل
اإلنس ان من حیث مساته العض ویة ،والتغ ریات ال يت تط رأ علیه ا بفع ل املورث ات ،كم ا یبحث يف الس الالت
اإلنسانیة من حیث األنواع البشریة وخصائصها" ،ویرتبط هذا القسم بشكل واضح بالعلوم الطبیعیة وخاصة
علم التشریح anatomiوعلم وظائف االعضاء physiologieوعلم احلیاة biologie
وتعت رب نظریة التط ور إح دى أهم النظریات ال يت یتم االس تناد إلیه ا يف ه ذا القس م ،وهي نظریة تش ری إىل أن
األجناس
واألنواع تتطور وتتغری أجسامها ووظائف أعضائها خالل تكاثرها على مر العصور ،ووفقا هلذه النظریة فإن
جسم اإلنسان قد تطور من أجناس بشریة أخرى ،لذلك میكن إجیاد شواهد دالة على هذا التشابه من الناحیة
التشرحییة بنی املخلوقات احلیة الیوم مثل التشابه بنی جسم األرنب وجسم القرد وجسم اإلنسان العاقل ،وقد
خضع موضوع "التطور البیولوجي" للبحث العلمي بدایة من القرن التاسع عشر على ید تشارلز داروین وألفرد
واالس.
17
إن معرف ة الكیفیة ال يت تط ور هبا اإلنس ان من أس الفه ،وعملیات التغ ری املس تمرة على جسم اإلنس ان هي املربر
للغوص يف خصائص هذا اإلنسان وتتبعه إىل عصور ما قبل التاریخ البعیدة ملعرفة إن كانت هناك أنواع أخرى
غری اإلنسان العاقل ،هذا الذي یتیح لنا معرفة كیف أصبح اإلنسان تدرجییا خمتلفا عن سائر احلیوانات ،وكیف
اكتسب السمات اجلسمیة اليت متیزه اليوم.
ومیكن تقسیم االنثروبولوجیا الطبیعیة حسب طبیعة الدراسات إىل فرعنی رئیسینی مها:
ف--رع الحفریات البش--ریة :ویتن اول بالدراس ة اجلنس البش ري من ذ نش أته م رورا مبختل ف مراحله أ-
التطوریة من خالل ما تدل علیه احلفریات واآلثار ،واهلدف من هذا الفرع هو حماولة معرفة حیاة
اإلنسان البائد من خالل البقایا واآلثار اليت تدل علیه.
فرع األجناس البشریة :ویتناول الصفات العضویة لإلنسان البدائي –املنقرض -واإلنسان ب-
احلايل ،ومقارنة املالمح والسمات العضویة لكلیهما.
لقد اهتم املختصون باألجناس البشریة بتصنیف هذه األجناس ،غری أن عملیة التصنیف بقیت وا ىٕل وقت قریب
قائم ة على معیار الع رق واالحتك ام إىل بعض اخلص ائص الس طحیة مث ل ل ون اجللد وش كل الش عر. .اخل ،لكن
االهتمام بدأ یتحول إىل فروق أكثر دقة مثل أنواع الدم واألجهزة العضلیة. .اخل ،مث إىل الفروق املتعلقة بالنضج
اجلنسي واملناعة ضد األمراض. .اخل.
ويهتم االنثروبولوجيون الفيزقيون بالقيام بالبحوث والدراسات اليت تلقي الضوء على كثري من املفهومات اليت
مل تكن معروفة من قبل واليت متيز جماالت عديدة داخل الفرع اهلام من دراسات علم االنسان ،ومن أهم هذه
اجملاالت ن ذكر م ايلي :علم العظ ام وعلم االس نان ( تع د دراس ة العظ ام واالس نان من اهم اهتمام ات
االنثروبولوجيا الفيزيقية نظرا الهنا االجزاء الرئيسية بالنسبة للحفريات ،كما واهنا حتكي قصة التطور فاجلمجمة
توضح شكل الفرد وحجم املخ ،أما اهليكل العظمي فيحدد الشكل العام للجسم االنساين) علم األجنة والنمو،
علم الوراثة البيوكيميائية ،البيولوجيا اجلزئية ( حتديد اوجه التشابه واالختالف بني االنسان وباقي املخلوقات
االخرى باستخدام بعض التحليالت البيولوجية مثل فصائل الدم وحتديد نسبة اهليموجلوبني) ...اخل.
/2االنثروبولوجيا االجتماعية:
18
تع د االنثروبولوجي ا االجتماعي ة الف رع الث اين من أف رع علم االنس ان ،وه ذا الف رع يع ىن بدراس ة االنس ان من
حيث أبع اده االجتماعي ة ك ذات اجتماعي ة فاعل ة ومتفاعل ة م ع اجملتم ع بك ل حمطاته ومظ اهره املادي ة واملعنوي ة،
وهتتم االنثروبولوجيا بصورة عامة باألنظمة والعالقات والبناءات واملؤسسات واألنشطة االجتماعية سواء داخل
اجملتمع الواحد أو ضمن عدد اجملتمعات املتشاهبة أو اليت خضعت لنفس املنطق االجتماعي وذلك بغية حتديد
ماهية البناءات االجتماعية ومدى تأثريها يف النمط املعيشي لالنسان.
ال ميكن احلديث عن االنثروبولوجي ا االجتماعي ة دون ال ذكر واالش ادة مبؤسس يها االوائ ل يف بریطانیا
مالینوفس--كي وراد كلیف ب--راون بعد أن استفادا من تراث علماء االجتماع األوائل ،إن التقارب الكبری بنی
علم االجتماع واألنثروبولوجیا االجتماعیة هو الذي جعل رادكلیف براون یصرح خالل أحد خطاباته باملعهد
األنثروبولوجي امللكي أنه" على استعداد تام لتسمیة هذه املادة بعلم االجتماع املقارن إذا أراد أي فرد ذلك" .
وهتتم األنثروبولوجیا االجتماعیة بتحلیل البناء االجتماعي للمجتمعات اإلنسانیة وخاصة اجملتمعات شبه البدائیة
اليت یبدو التكامل والوضوح مسة واضحة يف بنائها االجتماعي.
وتستند األنثروبولوجیا االجتماعیة ل" النظریة الوظیفیة " اليت یتزعمها رادكلیف براون واليت تتأسس على أن
النظم االجتماعیة يف جمتم ع م ا هي نس یج متش ابك من العناص ر ال يت یؤثر بعض ها يف البعض اآلخ ر مبا یش كل
وحدة كلیة تسمح للمجتمع بالبقاء واالستمرار ،وما هو جدیر بالذكر أن األنثروبولوجیا االجتماعیة ال هتتم
كثریا بتاریخ النظم ولكن بتحدید وظیفة النظام االجتماعي الواحد يف البناء االجتماعي الكلي.
ویعترب مفهوم البناء االجتماعي مفهوما حموریا يف األنثروبولوجیا االجتماعیة والنظریة البنائیة الوظیفیة ،وبتحلیل
ه ذا البن اء میكن الوق وف على بعض املف اهیم األخ رى ال يت حتظى مبكان ة كب ریة ض من ه ذا الس یاق ،ومن ه ذه
املف اهیم مفه وم :املكان ة وال دور " ،فاملكان ة هي مرك ز الش خص بالنس بة ملرك ز غ ریه ممن ل ه معهم عالق ات
اجتماعیة مث ل :اإلبن ،الناظر ،الزوج ،...كذلك یهتم الباحث األنثروبولوجي بالطریقة اليت حیدد هبا اجملتمع
األدوار اليت یقوم هبا الناس .وتتضمن األدوار مستویات القیادة واألمر واجلماعة والطاعة والتعاون. .اخل
إن االنطالق من فكرة " البناء االجتماعي" يف التحلیل حتیل إىل أمر أساسي وهو أن األنثروبولوجي االجتماعي
ینطل ق يف عملیة التحلیل من اجملتم ع ولیس الثقاف ة ،وان ك ان حتلیله یش مل ع ادات وتقالید اجلماع ات وأمناط
معیش تها ،غ ری أن متث ل وتص ور عملیة االنطالق يف التحلیل من اجملتم ع كوح دة حییل بالض رورة إىل االهتم ام
والرتكیز على قضیة العالقات القائمة بنی أفراد اجلماعة وكیفیة انتظامها يف جوانب حیاهتا املختلفة.
/3االنثروبولوجيا الثقافية:
19
یهتم هذا الفرع من األنثروبولوجیا بدراسة الثقافة لدى جمتمع أو مجاعة معینة ،والثقافة يف أبسط معانیها تشری
إىل خمتل ف أمناط العیش والتفك ری والس لوك واإلب داع داخ ل أیة مجاع ة ،س واء ك انت ه ذه اجلماع ة تنتمي إىل
جمتمع بدائي أو إىل جمتمع متقدم ،وبواسطة الثقافة یستطیع أفراد اجملتمع أن یشبعوا حاجاهتم ومتطلباهتم احلیاتیة،
لذلك كانت الثقافة ذات أمهیة لعامل االنثروبولوجیا ،بل إهنا متثل املوضوع اجلوهري يف علم اإلنسان على وجه
العموم.
إن أمهیة الثقافة من جهة وتعدد جوانبها (املادية واملعنوية) من جهة ثانیة جعل األنثروبولوجیا الثقافیة تتفتح على
بعض الف روع الدراس یة اجلزئیة مث ل اإلثنوغرافیا واإلثنولوجیا وعلم اآلث ار واللغویات ،وه ذه الف روع تص نف
باعتبارها تابعة لالنثروبولوجیا الثقافیة ،على الرغم من أننا جند نوعا من التقارب بنی هذه الفروع مجیعا -كما
اش رنا اىل ذل ك يف حماض رة س ابقة ،-إذ أهنا تع ىن مجیعه ا باجملتمع ات والش عوب لكن ك ل واح دة تتناوهلا من
ج انب معنی ،فنج د مثال اإلثنولوجیا تتن اول بالدراس ة ثقاف ة اجملتم ع من لغ ة وع ادات ودین ونظ ام سیاسي
واقتصادي. .اخل بشيء من التعمق وا ٕج راء املقارنات بنی األجزاء واجلماعات املختلفة مقابل اإلثنوغرافیا اليت
تكتفي بوصف ثقافة هذه اجلماعات ،وقد اتفق معظم العلماء على إطالق اصطالح إثنوغرافیا على الدراسة
ال يت تقتص ر على وص ف ثقاف ة جمتم ع معنی،وباإلض افة إىل اإلثنوغرافیا واإلثنولوجیا یعتم د الب احث يف جمال
األنثروبولوجیا الثقافیة على علم اآلثار –األركیولوجیا-هبدف الوصول إىل حقائق عن ثقافات الشعوب الغابرة
ال يت ليس ل دينا عنه ا ت اريخ مكت وب ،ویعتم د علم اآلث ار على بقایا اإلنس ان الق دمی وال يت ت دل على ثقافت ه
وتكشف عن الكثری من املعلومات املتصلة بثقافة هذا اإلنسان واتصاالته املختلفة ،ووسائل عیشه اليت تدل على
مستوى العیش والتفكری لدیه ،ومن هذه اآلثار میكن احلدیث عن اآلثار الصخریة واألواين الفخاریة واألقواس
والسهام القدمیة.. .اخل ،هذه اليت تدل على عناصر الثقافة املادیة واليت تسلم أیضا إىل مستوى وطریقة تفكری
اإلنسان القدمی ،ومن أجل هذا اعترب علم اآلثار أحد الفروع املهمة يف األنثروبولوجیا الثقافیة.
وینقسم علم اللغویات إىل قسمنی أساسینی مها :
-علم اللغویات الوص-- -في :ویهتم بتحلیل اللغ ات يف زمن حمدد ،وبدراس ة النظم الص وتیة وقواع د اللغ ة
واملفردات ،كما یهتم باللغة الكالمیة وخاصة اللغات الكالمیة اليت مل تكتب بعد ،وترتكز معظم دراسات هذا
العلم يف اجملتمعات البدائیة اليت ال تعرف القراءة والكتابة ولكنها ذات لغة كالمیة.
-علم أص--ول اللغ--ات :ویه دف ه ذا القس م إىل حتدید أص ول اللغ ات اإلنس انیة ،فالب احث يف جمال أص ول
اللغات یهتم باجلانب التارخیي واملقارن حیث یتناول العالقات التارخییة بنی اللغات اليت میكن متابعة تارخیها عن
20
طریق وث ائق مكتوبة ،أم ا اللغات القدمیة اليت ال تت وفر على وثائق مكتوبة فیستعمل الباحث وس ائل وتقنیات
خاصة لبحث تاریخ تلك اللغات.
وخالصة القول ،ان االنثروبولوجيا الثقافية هي الدراسة الوصفية والتحليلية ملظاهر الثقافة بكل عناصرها املادية
واملعنوي ة من حيث الط رح االجتم اعي والعقائ دي والسياس ي واالقتص ادي وال ديين والنفس ي والف ين ،فهي هتتم
بكل ما صنعه وابدعه وابتكره االنسان لتلبية حاجاته املادية واملعنوية.
21
المحاضرة السادسة :االنثروبولوجيا –الموضوع والهدف-
/1موضوع األنثروبولوجیا:
تتخذ األنثروبولوجیا من اإلنسان بكل نواحیه موضوعا أساسیا هلا ،فإذا كان جسم اإلنسان يف ذاته ونشأته
وتطوره هو موضوع االنثروبولوجیا الفیزیقیة ،فإن عالقات اإلنسان وسلوكه وخمتلف التفاعالت اليت تنتج عن
اتص اله ب اآلخرین هي موض وع األنثروبولوجیا االجتماعیة والثقافیة ،وق د عم د األثروبولوجیون األوائ ل إىل
دراس ة اجملتمع ات البدائیة البس یطة يف تركیبته ا وثقافته ا فك ان اجملتم ع البس یط وال ذي وص ف بالب دائي ه و
املوضوع األساسي الذي وجهت إلیه أنظار األنثروبولوجینی قبل أن یتجهوا لدراسة اجملتمعات صغریة احلجم و
إن كان ذلك من حیث
الزمان واملكان ضمن اجملتمعات املعاصرة.
كان هناك نوع من الرتدد من أجل أن تعلن األنثروبولوجیا أن موضوعها هو اجملتمع بأمناطه املختلفة ويف خمتلف
األمناط االجتماعیة والثقافیة ،ويف هذا الصدد نذكر أن رادكلیف براون مثال حدد جمال دراسة األنثروبولوجیا
يف مق ال ل ه عن املنهج ع ام 1923باجملتمع ات البدائیة لكن ه ع اد س نة 1944لیجع ل من مجیع أمناط اجملتم ع
اإلنساين جماال للدراسة يف األنثروبولوجیا االجتماعیة ،وهو نفس املوقف الذي أبداه إیفانز بریتشارد ال ذي رأى
بأن األنثروبولوجیا هي" فرع من الدراسات االجتماعیة یتخذ من اجملتمعات اإلنسانیة مجیعا بأمناطها ( املختلفة)
موضوعا له ،وإن كان یركز على دراسة النمط التقلیدي منها.
والواض ح أن املوض وع األساس ي لألنثروبولوجیا االجتماعیة والثقافیة إمجاال یرتاوح بش كل خ اص بنی االجتاه
لدراس ة البن اء االجتم اعي وخمتل ف النظم واألنس اق الفرعیة ال يت تكون ه ووظیف ة ه ذه النظم ،إض افة إىل دراس ة
الثقافة مبكوناهتا املختلفة ،وفیما یلي حناول أن نورد بعض هذه املوضوعات:
أ الثقافة :
يعد مصطلح الثقافة من املصطلحات اهلامة يف االنثروبولوجيا الثقافية ولقد اختلف علماء االنثروبولوجيا حوله
بالرغم من شيوع استخدامه يف كثري من الدراسات االجتماعية والثقافية ،وقد قام كل من كروبر وكلكهون يف
عام 1915م حبصر أكثر من مائة ومخسني تعريفا خمتلفا للثقافة.
يف احلقيقة لقد اختلفت األحباث وكذا املدارس الفكرية يف حتديد معىن الثقافة وذلك بتعدد األبعاد اليت ميكن من
خالهلا وضع تعريف دقيق هلا ،فهناك اختالف بني املعىن القدمي واحلديث ،وبني املعىن العام واألكادميي يقصد به
املعرف ة األكادميي ة ال يت تغيب عن أذه ان العام ة ،وبني تعري ف االن ثروبولوجي عن االثنول وجي وعن غريمها من
العلماء ،...ومن هنا يتضح تضارب يف حتديد معىن املفهوم بدقة.
و تعت رب الثقاف ة عنص را أساس يا يف حي اة األف راد واجملتمع ات ،وهي نت اج اجتم اعي ومل ك وراثي ألف راد اجملتم ع
كاف ة ،وهي تش مل فيم ا تش مله ع ادات وتقالي د ومعتق دات وقيم وفن ون وآداب...اخل ،وهي كم ا عرفها
الج -- -ابري " ذل ك املركب املتج انس من ال ذكريات والتص ورات والقيم والرم وز والتعب ريات واإلب داعات
22
والتطلعات اليت حتتفظ جلماعة بشرية ،تشكل أمة أو ما يف معناها ،هبويتها احلضارية ،يف إطار ما تعرفه من
تط ورات بفع ل ديناميته ا الداخلي ة وقابليته ا للتواص ل واألخ ذ والعط اء ،وبعب ارة أخ رى هي املع رب األص يل عن
اخلصوصية التارخيية ألمة من األمم ،عن نظرة هذه األمة إىل الكون واحلياة واملوت واإلنسان ومهامه وقدراته
وحدوده ،وما ينبغي أن يعمل وما ال ينبغي أن يأمل" ومبا أهنا ملك جمتمعي فهي قادرة على االنتقال من جيل
آلخر من خالل عمليات التثقيف والتنشئة االجتماعية،
** مفه-وم -الثقاف-ة : -تشری الثقافة باملعىن األنثروبولوجي إىل كل ما ینتجه اإلنسان خالل تفاعله مع اآلخرین،
كما أهنا تعرب عن أسلوب احلیاة لدى مجاعة معینة ،واحلقيقة أن أجود وأشهر تعريف للثقافة هو تعريف العامل
االنثروبولوجي ادوارد تايلور حيث اعترب بأنه وافر الشرح والذي عرفها" بأهنا ذلك الكل املركب الذي حيوي
على املعرف ة واالعتق اد والفن واألخالق والق انون والع رف والع ادات والتقالي د وأي ق درات أخ رى تكتس ب
بواسطة اإلنسان باعتباره عضوا يف اجملتمع.
وجممل القول أن الثقافة هي مفهوم مركب ،وتشمل الثقافة فيما تشمله كل ما يتلقاه الفرد عن اجلماعة من
مظ اهر الفن ون والعل وم واملع ارف والعقائ د والقيم ،وهي ظ اهرة موض وعية أي مس تقلة عن إرادة الف رد فهي
تفرض نفسها من اخلارج ،ذلك أهنا وسيط بني اجملتمع والفرد فال ميكن فهم هذا األخري إال بالعودة إىل وسطه.
ویق وم بعض الب احثنی بتقس یم الثقاف ة وفق ا لتج انس عناص رها ،وم دى س عة أو ض یق ذل ك التج انس ،فتقس م
عناصر الثقافة بناء على هذا األساس إىل :
-عمومیات :وتش ری إىل جمم وع األفك ار و الع ادات و التقالید و االس تجابات العاطفیة املختلف ة و أمناط
السلوك و طرق التفكری اليت یشرتك فیها مجیع أفراد اجملتمع ،أي أن العمومیات هي تلك العناصر الثقافیة اليت
تسود اجملتمع الكبری جبماعاته وطبقاته و فئاته املختلفة.
-خصوصیات :وتشری إىل جمموع العادات القیم واألنظمة األسالیب اليت خیتص هبا حزب أو فئة أو طبقة
حمددة يف اجملتمع ،وتعمل على ممارستها بشكل واضح دون غریها من الطبقات االجتماعیة األخرى.
-متغ--یرات ب-دائل :وتشری إىل تلك العناصر الثقافیة اليت تدخل على الثقافة بعمومیاهتا وخصوصیاهتا فتحدث
فیها تغیریا ،ویكون ذلك من خالل عملیات االتصال الثقايف املختلفة ،غری أن الواضح هو أن املتغریات املتصلة
ب اجلوانب املادیة أسهل يف استقرارها عن د اتص اهلا بالعمومیات أو اخلصوص یات نتیج ة تقبله ا من قبل األف راد،
على
عكس املتغریات املعنویة اليت یصعب استقرارها وتقبلها نتیجة اتصاهلا بالعادات والقیم والقناعات واالجتاهات
الفكریة لدى األفراد.
**وظیفة -الثقافة: -
یرى مالینوفس كي أن الوظیف ة األساس یة للثقاف ة هي إش باع احلاج ات األساس یة لألف راد ،فالطبیع ة البیولوجیة
لإلنس ان تس تدعي حاج ات كث ریة متص لة باألك ل والش رب واللب اس واجلنس. .اخل ،ل ذلك ك انت الثقاف ة هي
23
الكیفیة اليت تشبع هبا ه ذه الطبیع ة ،فاجلوع یقابله أك ل وال ربد یقابله لب اس. .اخل،وا ٕذا اس تطاع اإلنسان تلبیة
حاجات ه األساس یة من خالل الثقاف ة ،میكن ل ه ومن خالل الثقاف ة دائم ا أن یل يب حاجات ه الثانویة وال يت ت رتقب
بدورها اإلشباع ثقافیا ،فحسب مالینوفسكي ال جید اإلنسان إال أن جید حال للمشاكل اليت تنبع من حاجاته
األساسیة كاحلاجة إىل الطعام واحلاجة إىل اإلشباع واىٕل الوقایة من اخلطر وذلك من خالل إجیاد بیئة ثانویة أو
صناعیة ،وهذه البیئة لیست سوى الثقافة.
ويف هذا السیاق میكن اإلش ارة إىل أن النظم االجتماعیة املختلف ة كالنظام االقتصادي والدیين والسیاسي. .اخل
إمنا وج دت من أجل إش باع احلاجات اليت یتطلبه ا كل نظام من ه ذه النظم ،فنظ ام االقتصاد مثال جاء لتلبیة
حاجات اإلنتاج واالستهالك. .والنظام الدیين جاء لتلبیة احلاجات املتصلة باجلانب الروحي وهكذا.. .
ومییز البعض بنی وظیفتنی هامتنی للثقافة مها:
الوظیف-ة االجتماعیة :وتتضمن جتمیع الناس يف عامل عقلي أخالقي مشرتك یشعرهم بانتمائهم الواحد فتضمن
من خالل هذا استمرار ووحدة اجملتمع ،كما تزود األفراد باألهداف واآلمال وتقدم هلم تفسریات مسلم هبا عن
احملیط والعامل.
-الوظیف --ة النفس --یة :وت رمي إىل قولب ة شخص یات األف راد من خالل تزویدهم بأمناط الس لوك ومتكینهم من
طرق التعبری عن العواطف واالنفعاالت.
** خصائص الثقافة :
هناك العدید من اخلصائص اليت متیز الثقافة لعل أبرزها أهنا:
-الثقافة اجتماعیة ومكتسبة :تكتسب من اجملتمع عن طریق التعلم.
-الثقافة إنسانیة :أهنا من مسات اإلنسان دون غریه من الكائنات.
-الثقافة انتقالیة :تنتقل بنی اجملتمعات واألجیال.
-الثقافة أفكار وأعمال :فهناك جانب روحي فكري للثقافة وجانب مادي ملموس.
-الثقافة متنوعة الشكل خمتلفة املضمون :فلكل جمتمع لغة ودین وعادات لكن هناك
اختالف يف طبیعة هذه العناصر بنی اجملتمعات.
-الثقافة متغریة :فالثقافة تتغری من خالل عملیات االتصال واالحتكاك الثقايف وعملیات
التعدیل والتطور.
ب/البناء االجتماعي:
یعترب مفهوم البناء االجتماعي من املفاهیم األساسیة املستخدمة يف الدراسات االنثروبولوجیة ،بل ویعترب البناء
االجتماعي مبثابة املوضوع األساسي خاصة يف جمال األنثروبولوجیا االجتماعیة ،ولعل الفكرة األوىل اليت میكن
24
تكوینها عن البناء االجتماعي هو ذلك االطار الذي جیمع كافة النظم وخمتلف أشكال العالقات اإلنسانیة يف
شكل منظم ومرتب.
وحس ب موس وعة علم اإلنس ان ف إن مفه وم البن اء االجتم اعي " یس تخدم عموم ا لإلش ارة إىل مالمح التنظیم
االجتم اعي مبا یض م من نظم اجتماعیة وأدوار ومكان ات ،وال يت من ش أهنا أن تض من اس تمرار أمناط الس لوك
االجتماعي والعالقات االجتماعیة عرب الزمن ".
وهبذا یدل مفهوم البناء االجتماعي على تلك اآللیات اليت میكن من خالهلا ضمان استمرار الرتكیبة االجتماعیة
مبا هي علیه من خصائص ومسات مبا یؤدي إىل إعادة اإلنتاج االجتماعي بتعبری االجتاه املاركسي ،وقد ارتبط
مصطلح البناء االجتماعي يف اجملال األنثروبولوجي بأعمال األنثروبولوجینی الربیطانینی وعلى رأسهم رادكلیف
براون.
-البن--اء االجتم--اعي عن--د رادكلیف ب--راون :ینظ ر براون إىل البن اء االجتم اعي باعتب اره شبكة من العالقات
االجتماعیة اليت جتمع بنی شخصنی أو أكثر مثل ما هو علیه احلال يف نظام القرابة من خالل العالقات الثنائیة
ال يت جتم ع مثال بنی األب وابن ه واألخ وأخت ه .وك ذلك عملیات التمییز القائم ة بنی األف راد على أس اس ال دور
االجتماعي مثل دور النساء ودور الر جال والزعماء. .اخل.
-البناء االجتماعي عند إیفانز بریتشارد :كانت نظرة بریتشارد خمالفة نوعا ما لنظرة براون يف قضیة تشكل
البناء االجتماعي من العالقات الثنائیة ،فعلى عكس براون ذهب بریتشارد إىل أن البناء االجتماعي یتشكل من
تلك العالقات اليت تقوم بنی اجلماعات اليت تتمتع بدرجة عالیة من الثبات واالستمرار يف اجملتمع مثل القبائل
والعش ائر.. .اخل ،فربیتش ارد – وعلى عكس ب راون – یرى أن األس رة ال تتمت ع بتل ك الدرج ة من الثب ات
واالستمرار ،ذلك أن أفرادها مثل الزوج والزوجة یكربون ومیوتون ،وكذلك األوالد یكربون ویكونون أسرا
مستقلة جدیدة. .اخل أما الوحدات القبلیة مثال فإهنا تستمر يف الوجود ،. .إضافة إىل أن العالقات الثنائیة هي
عالقات سریعة سرعان ما تتغری باختالف املصاحل ولكن العالقات اليت جتمع اجلماعات القبلیة هي عالقات ثابتة
نسبیا ،وهي تفرض أنواعا حمددة من التعاون والتساند إزاء اجلماعات األخرى.
ویرتب ط مفه وم البن اء االجتم اعي بك ل من مفه وم النظ ام االجتم اعي و النس ق االجتم اعي ،ف إذا ك ان البن اء
االجتماعي هو ذلك الكل املركب من أجزاء منتظمة حیث متثل هذه األجزاء خمتلف أمناط السلوك و الظواهر،
ف إن النس ق یش ری على حنو م ا یرى ت الكوت بارس ونز إىل " وج ود ن وع من التس اند واالعتم اد املتب ادل ال ذي
25
یهدف إىل حتقیق وظائف معینة أیضا بنی عدد من األفراد أو الزمر االجتماعیة الذین یقومون بأدوار مرسومة
وحمددة"
ویرتبط البناء يف استمراره بالوظیفة اليت تؤدیها خمتلف أجزائه أي نظمه املختلفة اليت تشكله فالنظام السیاسي
مثال إضافة إىل النظام االقتصادي ونظام القرابة والدین. .اخل ،كلها تؤدي وظائف لیتمكن من خالهلا هذا البناء
من االستمرار والبقاء ،وتشبه الوظائف اليت تؤدیها أجزاء البناء االجتماعي تلك اليت تؤدیها أجزاء الكائن احلي،
ل ذلك ك انت حماول ة فهم البن اء االجتم اعي من منطل ق الوظیف ة ال يت تؤدیه ا النظم املختلف ة وبت أثری واض ح من
الدراسات البیولوجیة ،وعلى وجه العموم فإن وظائف النظم املختلفة تتجلى يف خمتلف العالقات والتفاعالت
االجتماعیة وخمتلف صور األدوار واملكانات االجتماعیة واليت تشكل يف األخری دعامة أساسیة لبقاء واستمرار
البناء االجتماعي.
نظام القرابة :
یعترب نظام القرابة من املوضوعات األساسیة يف جمال االنثروبولوجیا ،فهو اجملال الذي مبقتضاه میكن التعرف على
عالقات االتصال من خالل قنوات األسرة والزواج وخمتلف القواننی اليت حتكمها ،لذلك یعترب الزواج ونظام
األسرة إحدى أهم النظم الداخلة يف تشكیل النظام القرايب العام.
لقد شكلت القرابة موضوعا أساسیا لالنثروبولوجیا منذ نشأهتا خاصة عندما نشر لویس مورغان مؤلفه "أنساق
قراب ة ال دم واملص اهرة " ع ام ، 1870كم ا ك انت حمل اهتم ام من قب ل خمتلف أعالم األنثروبولوجیا اآلخ رین
مثل براون وبریتشارد ومارسیل موس ،ووصوال إىل األنثروبولوجینی املتأخرین من أمثال كلود لیفي سرتوس
ال ذي س اهم يف إث راء احلق ل األن ثروبولوجي من خالل حتلیالت ه للعدید من املوض وعات وعلى رأس ها موض وع
القرابة ،ویعترب كتابه " البىن األساسیة للقرابة" الذي نشره أول مرة عام 1949خری دلیل على ذلك.
ویتم حتلیل القرابة من خالل " مصطلحات القرابة" بتصنیفها وفقا لبعض أسس التصنیف املتداولة وحتلیل أمناط
الزواج وأنواع األسر. .اخل.
أ -مص--طلحات -القراب--ة :یرى "كروب ر" أن مص طلحات القرابة میكن أن تنقسم إىل قسمنی رئیسینی ،وذلك
من خالل استخدام اجملتمعات اإلنسانیة هلذه املصطلحات تبعا لذلك فإن هذین القسمنی مها :
-مص طلحات القراب ة التص نیفیة -الطبقیة -:و هي تتأس س على الفئ ات و الطبق ات العمریة فهن اك طبق ة
األجداد و طبقة األبناء و طبقة األحفاد ،كما یتأسس هذا التصنیف على مالحظة أساسیة وهي إمكانیة إطالق
اصطالح " "أب " مثال على جیل بكامله ممن هم يف جیل واحد.
26
-مصطلحات القرابة الوصفیة –التخصصیة : -و تتأسس على الوصف احلقیقي للعالقة القرابیة دون تصنیف
فهناك األب و األم و األخ و األخت ،.. .فاملصطلح القرايب هنا یستخدم للداللة على قریب واحد بالذات.
ب -بعض أسس التصنیف القرابي :ومیكن تصنیف القرابة ومصطلحاهتا وفقا لبعض األسس مثلما یرى ألفرد
كروبر فیما یلي :
-اجلیل :ویشری إىل جیل اآلباء واألجداد أو اإلخوة واألخوات.. .
-العمر :ویتم التصنیف هنا بناء على السن ،فهناك كبار السن مثل األجداد وهناك اآلباء واألبناء ،وهناك
إخوة كبار وا ٕخوة صغار..اخل.
-األق ارب املباش رون واألق ارب غ ری املباش رون :فاألق ارب املباش رون هم ال ذین جندهم على خ ط النس ب
املرتابط مثل :جد – أب – إبن – إبن اإلبن ،....أما غری املباشرون فیمثلون عالقة قرابیة بشكل غری مباشر،
أي بتوسط أشخاص آخرین مثل :اإلبن وابن العم وابن اخلال. .اخل.
-اجلنس :ویشری إىل التصنیف على أساس جنس الشخص ذكر – أنثى.
-نوع املتكلم :ختتلف الصفة القرابیة باختالف املخاطب فالزوج الذي خیاطب زوجته خیتلف عن اإلبن الذي
خیاطب أمه. .اخل.
-القراب ة الدمویة وقراب ة املص اهرة :هن اك ف رق بنی القراب ة القائم ة على رابط ة ال دم كعالقة االبن م ع أبیه أو
عمه ،وهناك عالقة املصاهرة واليت أساسها الزواج بنی رجل وامرأة وما من یرتتب علیها من عالقات قرابیة
بالنسبة ألوالدمها. .اخل.
ويف حتلیل النظام القرايب یتم الرجوع إىل األمناط املختلفة للزواج وأنواعه ،وتصنیف األسر وأنواعها ،ففي جمال
الزواج جند أن هناك عنصرین بارزین مها :
-ال--زواج ال--داخلي -ال--زواج من داخ--ل الجماع--ة القرابیة : -وفیه یتعنی على الرج ل أن یتزوج من داخ ل
اجلماعة القرابیة اليت ینتمي إلیها.
الزواج الخارجي :وفیه یتعنی على الرجل أن یتزوج من خارج اجلماعة القرابیة اليت ینتمي إلیها.
أما األسرة فنجد أهنا تتكون بدورها من عدة أمناط ،لكن أبرزها مثلما یرى " مریدوك" ثالثة وهي:
-األسرة النوویة :وهي النواة أو اخللیة األوىل للمجتمع اإلنساين ،وتتكون من الزوج والزوجة واألبناء ،وتسمى أیضا
األسرة "الزواجیة" أو "األسرة الصغریة ".
27
-األس --رة متع --ددة األزواج أو الزوج --ات :وهي جتم ع ع ائلتنی ص غریتنی أو أك ثر بش رط أن یك ون إم ا ال زوج أو
الزوج ة مش رتكا يف أك ثر من أس رة ص غریة واح دة ،وحس ب الدراس ات اليت ق ام هبا " م ریدوك " ف إن األس رة متع ددة
الزوجات هي األكثر انتشارا من األسرة متعددة األزواج.
-األس--رة الممت--دة :وتتك ون على األق ل من ع ائلتنی ص غریتنی حبیث تك ون إح داها امت دادا لألخ رى ،وهي تش كل
أجیاال كجیل األجداد واآلباء واألحفاد.
وأخریا فإذا كانت موضوعات الثقافة والبناء االجتماعي ونظام القرابة موضوعات أساسیة للدراسة األنثروبولوجیة،
فإن هناك موضوعات أخرى ال تقل عنها أمهیة مثل النظام الدیين والنظام السیاسي والنظام االقتص ادي. .اخل ،وهي
كلها حمل للدراسة يف جمال األنثروبولوجیا.
/2الهدف من الدراسة في مجال األنثروبولوجیا:
ومن خالل دراسته هلذه املوضوعات فإن علم اإلنسان یسعى إىل حتقیق مجلة من األهداف لعل أمهها :
-وص ف مظ اهر احلیاة البش ریة واحلض اریة وص فا دقیق ا ،وذل ك عن طریق معایش ة الب احث للجماع ة املدروس ة،
وتسجیل كل ما یقوم به أفرادها من سلوكات يف تعاملهم يف احلیاة الیومیة.
-تصنیف مظاهر احلیاة البشریة واحلضاریة بعد دراستها دراسة واقعیة ،وذلك للوصول إىل أمناط إنسانیة عامة،
ويف سیاق الرتتیب التطوري لعلم اإلنسان " بدائي – زراعي -صناعي -معريف -تكنلوجي"
-حتدید أصول التغری الذي حیدث لإلنسان ،وأسباب هذا التغری وعملیاته بدقة علمیة .وذلك بالرجوع إىل
الرتاث اإلنساين ،وربطه باحلاضر من خالل املقارنة،وا جٕی اد عناصر التغیری املختلقة.
-اس تنتاج املؤش رات والتوقع ات الجتاه التغیری احملتم ل يف الظ واهر اإلنس انیة /احلض اریة ال يت تتم دراس تها،
والوصول بالتايل إلمكانیة التنبؤ مبستقبل اجلماعة البشریة اليت أجریت علیها الدراسة.
/3خصائص األنثروبولوجیا و أهمیتها في العصر الحالي:
وتكمن أمهیة األنثروبولوجیا فیم ا مییزه ا من خص ائص ولع ل م ا مییز علم اإلنس ان عموما وعلى اختالف
التسمیات املتداولة بنی املدارس املختلفة هو اجتاهه لدراسة اجملتمع ككل دون الرتكیز على جانب واحد فقط،
وتعت رب ه ذه اخلاص یة إح دى أهم م ا مییز علم اإلنس ان عن العل وم االجتماعیة األخ رى ال يت ترك ز على ج انب
واحد فقط مثل علم االجتماع والنفس والسیاسة. .اخل ،فهو یتمیز " بالنظرة الكلیة الشاملة ،أي املنهج الكلي
التكاملي الذي یهدف إىل حتدید مجیع عناصر الثقافة يف جمتمع ما ،أي أن األنثروبولوجي علیه إذا اجته لدراسة
جمتمع معنی أن
28
حییط بكل جوانبه املادیة واملعنویة ،فینظر يف طریقة عیش اجلماعة املدروسة وطرق تفكریها ،وخمتلف طقوسها
وعاداهتا وتقالیدها ،وكیفیة بن اء مس اكنها وطریق ة لب اس أفراده ا ،وأمناط احلكم ل دیها...اخل ،غ ری أن اإلحاط ة
بك ل ه ذه اجلوانب یتطلب من األن ثروبولوجي أن یتن اول بالدراسة جمتمع ا مص غرا یتم یز ببس اطة تركیبت ه
وعالقات أفراده ،ألن دراسة اجملتمعات املعقدة يف كلیته أمر غری ممكن ،لذلك نرى تعددا للعلوم االجتماعیة اليت
یهتم كل واحد منها جبانب واحد فقط من هذه اجلوانب ،هذا الذي جعل علم اإلنسان یتجه يف بدایاته األوىل
لدراسة اجملتمعات البدائیة اليت تمثل البساطة يف بنائها وعالقاهتا " ،فقد اهتم األنثروبولوجیون األوائل بدراسة
مظاهر احلیاة االجتماعیة
للمجتمعات البدائیة إذ اجتذبتهم غرابة تلك اجملتمعات واختالفها عن اجملتمعات األخرى وخباصة اجملتمعات
األوروبیة.. .فكان أهم ما یبحثون عنه هو اللغات والعادات الغریبة اليت ختتلف وتتناقض مع لغات وعادات
جمتمعاهتم األوروبیة املتمدینة ،وأصبح هذا تقلیدا على ممر السننی .
غ ری أن الق ول بتم یز األنثروبولوجیا بدراس ة اجملتمع ات البدائیة مقاب ل ختلیه ا عن اجملتمع ات املتمدین ة (املعق دة)
لصاحل العلوم االجتماعیة األخرى كعلم االجتماع واالقتصاد والسیاسة أصبح جمانبا للحقیقة يف الوقت الراهن،
" حیث انتش رت الدراس ات األنثروبولوجیة اخلاص ة باجملتمع ات املتمدین ة وخاص ة الق رى ،وك ذلك بعض
الدراسات املختصة بتحدید معامل حضارات اجملتمعات املتقدمة مثل اجملتمع األمریكي والروسي والصیين ،وقد
حبث بعضهم يف عملیات الصراع أو االمتزاج بنی احلضارات املتقدمة اليت تتالقى يف حاالت اهلجرة أو احلروب
".
إن ن زول األن ثروبولوجي إىل عم ق ه ذه اجملتمع ات البس یطة أو " ش به البدائیة" من أجل دراس تها يف خمتل ف
جوانبه ا البنائیة والوظیفیة یس لم إىل خاص یة جوهریة ل دى ه ذا العلم ،وهي الرتك یز على الدراس ة احلقلیة
واملیدانیة ،فعلم اإلنس ان یق وم جبم ع معطیات ه من املیدان من خالل عملیات الوص ف واملقارن ة ال يت یق وم هبا
األن ثروبولوجي ملختل ف ط رق العیش والتفكری والع ادات والس لوكات والطق وس واملظ اهر ال يت متیز اجلماع ات
املدروسة ،لذلك كانت عملیة
الوصف واملقارنة أیضا إحدى اخلصائص اجلوهریة لعلم اإلنسان.
29
المحاضرة السابعة :التیارات والنظریات األساسیة في األنثروبولوجیا
ميكن حصر أهم االجتاهات و النظریات االساسية يف علم االنثروبولوجيا يف ما یلي :
/1االتجاه التطوري :يرجع املؤرخون تاريخ نشأة االجتاه التطوري اىل الفرتة املمتدة ما بني 1900-1860
مستلهمني يف ذلك نتائج الدراسات الداروينية ،يف اجملال البيولوجي التطوري ،واليت ميكن تلخيصها يف النقاط
التالية:
ان مجيع اشكال احلياة تتغري وتنتج أشكاال جديدة باستمرار.
بعض هذه االشكال أكثر مالئمة مع الظروف البيئية من غريها.
ان االشكال االكثر مالئمة للبقاء واحلياة تبقى وتستمر ،اما االخرى فيقضى عليها.
لقد تفاعلت املعارف االنسانية واالجتماعية مع النظرية الداروينية تفاعال مثمرا ومفيدا ،حيث استلهمت من
اطروح ات داروين مب دأ تط ور االش كال وانتقاهلا من حال ة اىل اخ رى ،واجته د العلم اء يف اجملال االنس اين
واالجتم اعي يف مقارب ة موض وعاهتم مقارب ة تطوري ة حيث اص بح االعتق اد الراس خ أن ك ل ظ اهرة موض وع
الدراسة البد من معرفة اصوهلا وكيفية نشاهتا ومراحل تطورها ومتابعة مساراهتا املختلفة.
وقد كان لالجتاه التطوري الفضل يف احتضان االنثروبولوجیا حنی نشأهتا خالل القرن ال 19م ،فقد كان هم
األنثروبولوج ینی آن ذاك ه و فهم الكیفیة ال يت تنش ا وتتط ور من خالهلا اجملتمع ات وثقافاهتا ،فموض وع البحث
األساس ي بالنس بة للتط ورینی ه و التفس ری الت ارخیي ملختل ف املراح ل اليت م رت هبا البش ریة من خالل اكتش اف
الق واننی ال يت أت احت عملیة االنتق ال من مرحل ة إىل أخ رى ،وك ان التطوریون یعتق دون بوج ود مس ریة خطیة
واحدة تسری وفقها اجملتمعات البشریة ،وأن كل جمتمع البد له من االنتقال من مرحلة إىل أخرى دون مواجهة
30
أشكال أخرى من التطور ،لكن هذه النظرة مل تكن شاملة جلمیع التطورینی ،فقد رأى البعض أن التطور یسری
بكیفیة بطیئة ومتدرجة ( فیما رأى البعض اآلخر أنه یسری بوتریة خمتلفة من جمتمع آلخر.).
وقد كان اجملتمع الغريب مبثابة املرجع األساسي يف قیاس درجة تقدم وختلف اجملتمعات ،فاجملتمع الغريب میثل قمة
مراحل التطور ،وباملقابل متثل اجملتمعات األخرى اليت تقبع يف درجات دنیا من التطور األصول األوىل للتطور
بالنسبة للمجتمع الغريب ،هذا الذي سوغ عملیة ( املقارنة بالنسبة للباحثنی التطورینی ،فكان املنهج املقارن أحد
أهم املناهج البحثیة لدیهم( .
ك ان األم ریكي " ل ویس مورغ ان" 1883-1818اح د أهم أقط اب ه ذا االجتاه من خالل أعمال ه ال يت
تركزت على وجه اخلصوص حول القبائل من سكان أمریكا األصلینی ،وقد قدم مورغان إسهامات هامة حول
حیاة وثقافة هؤالء السكان الذین عاش معهم ،خاصة يف عمله حول القرابة(أنساق القرابة واملصاهرة للعائلة
البش ریة)ع ام ، 1870وهلذا فق د ك انت القراب ة م دخال أساس یا لدراس ة التط ور االجتم اعي ،فق د تغ ریت
مصطلحات القرابة مثال بصورة بطیئة ،وأعطت إشارات لفهم املراحل املبكرة للتطور االجتماعي.
ويف كتابه اجملتمع القدمی الذي صدر عام 1877یقر مورغان أن اجملتمعات البشریة متر مبراحل تطوریة حیث
كل مرحلة تشكل منطا معینا وفقا ملراحل التطور الثقايف ،فكل اجملتمعات حسب مورغان ختضع لقانون واحد
خالل عملیة االنتق ال من مرحل ة إىل أخ رى ،وهبذا یصل مورغ ان إىل أن البش ریة تط ورت ع رب ثالث مراح ل
تطوریة هي :
-مرحل --ة الهمجیة الت --وحش :ویقس مها إىل ثالث مراح ل وهي مرحل ة الت وحش ال دنیا ومرحلة الت وحش
الوس طى ومرحل ة الت وحش العلیا ،ویوض ح مورغ ان أن هن اك ارتق اء ثق ايف خالل االنتق ال ع رب ك ل مرحل ة يف
تقنیات العیش والنظم االجتماعیة.
-مرحلة البربریة :وتنقسم بدورها إىل ثالث مراحل :دنیا ووسطى وعلیا.
-مرحل--ة المدنیة الحض--ارة :وهي ال يت تتم یز ب اخرتاع الكتاب ة واحلروف اهلجائیة وهي م ازالت مس تمرة إىل
الیوم.
كم ا یع د إدوارد ت ایلور ،1917-1832من رواد ه ذا االجتاه ،لق د اهتم ت ایلور بالثقاف ة ،وه و ص احب
التعریف الش هری للثقاف ة وال ذي أورده يف كتاب ه " الثقاف ة البدائیة " ع ام 1871وعلى ال رغم من أن ه اجنل یزي
بریطانیا معقل األنثروبولوجیا االجتماعیة ولیس الثقافیة إال أنه ساهم يف إضفاء قیمة أكرب على مفهوم الثقافة،
لقد كان تایلور یؤمن أن " املسارات الثقافیة اليت سلكتها الشعوب مل یكن هلا أن تتكرر أینما كان على وجه
واح د ع رب تل ك احلركة األحادیة.. .فق د كش فت ل ه خربت ه املیدانیة يف املكس یك عن أمهیة االحتك اك الثق ايف
وحماكاة الشعوب األخرى ،مما جعله یعتقد بإمكانیة أن التطور قد یتم بناء على مسامهات خارجیة ،وأنه كان
واحلالة هذه أشد تنوعا مما یضن البعض".
31
ورغم اهتمام تایلور جبوانب احلیاة االجتماعیة املختلفة إال أنه اشتهر أكثر بدراسة املعتقدات الدینیة ،ففي البدایة
ب دأ اإلنس ان ب التفكری يف ال روح املالزم ة لإلنس ان مث ت درج يف التفك ری حیث اعتق د أن هن اك أرواح ا تس كن
الطبیعة متاما مثل الروح اليت تسكن اجلسد ،ويف األخری توصل اإلنسان إىل فكرة اإلله الواحد كمرحلة أخریة
تعرب عن قمة تفكریه.
/2االتج--اه االنتش--اري :يع ود أصل تس مية االجتاه االنتش اري اىل طبيع ة موض وعه ومقاص ده املعرفي ة واملنهجي ة
وااليديولوجية ،فهو اجتاه انثروبولوجي يعىن مبتابعة النماذج والظواهر الثقافية واالجتماعية اليت ظهرت يف منطقة
جغرافية وثقافية واجتماعية ومن ابداع شعب بعينه مث انتشرت وشاعت متعدية حدود فضاء نشأهتا االصلي
وذلك نتيجة تفاعل عدد من االسباب الثقافية والسياسية واالقتصادية والدينية واالجتماعية.
یرى أصحاب هذا االجتاه أن االتصال بنی اجلماعات و الشعوب ادى اىل انتشار بعض السمات الثقافية ،فعملية
االنتشار الثقايف تنطلق من مركز ثقايف إىل باقي املناطق كما أن االنتشار یتم أیضا من خالل انتقال السمات
الثقافیة من مجاعة سابقة إىل مجاعة الحقة.ويعتقد االنثروبولوجيون االنتشاريون أن الظواهر واملظاهر الثقافية
واالجتماعية املادية منها أو املعنوية متتاز باحليوية واحلركة فهي تولد وتنمو وتتطور وتسافر داخل اجملتمع الواح د
أو عرب عدد من اجملتمعات بدرجات ومستويات خمتلف ة ،حيث ان انتشارها يكون وفق صور وهيئات خمتلفة
حيث انه ال يكون دائما سهال فقد توجد حواجز متنعه من ذلك.
وتعترب فكرة " املنطقة الثقافیة " اليت طورها "وسلر" أداة هامة يف دراسة الثقافة ،و جوهرها تقسیم و تصنیف
ثقاف ات الع امل إىل جمموع ات ثقافیة بن اء على تش ابه العناصر الثقافیة ال يت تكوهنا ،و املنطق ة الثقافیة إقلیم یض م
جمتمع ات إنس انیة متش اهبة الثقاف ة ،و من أجل حتدید و متییز منطق ة عن أخ رى یتم تتب ع م دى انتش ار العناص ر
الثقافیة املمیزة لتلك الثقافة (طرق و أدوات الصید ،طهي الطعام ،العناصر املشكلة ملختلف النظم.)...
ويف أجنلرتا برز من یقول بوجود مركز للثقافة تنطلق منه إىل باقي أحناء العامل ،و خری مثال على هذا نظرة العامل
"إلیوت مسیت" الذي رأى بأن مصر القدمیة هي مركز كل الثقافات احلالیة حیث انتشرت العناصر الثقافیة من
مصر إىل باقي أحناء العامل ،فقد كانت نظرة مسیت هذه مؤسسة على تشابه اآلثار املختلفة يف العامل مع اآلثار
اليت اكتشفها عامل اآلثار " برتي" ( كنظم القرابة و فن التحنیط و عبادة الشمس... .إخل.
/3التیار التاریخي :
ویتزعمه العامل األملاين فرانز بواز 1942-1885و الذي كان رائدا هلذا االجتاه يف أمریكا وبفضله مت االنتقال
من النظرة اخلطیة التطوریة للتاریخ كما كانت علیه نظریات التطورینی إىل دراسة ثقافات حمددة كثقافة العشائر
و القبائل ،مع التأكید على ضرورة دراسة هذه الثقافات يف إطار منطقتها اإلقلیمیة الثقافیة ،و اهلدف من ذلك
هو معرفة أصول و تواریخ الثقافات و حتدید خصائصها و لكن اهلدف األمسى یتجلى أخریا يف املقارنة بنی هذه
التواریخ واليت متیز هذه الثقافات من أجل الوصول إىل القواننی العامة اليت حتكم منوها و تطورها.
32
/4التیار التناسقي التكاملي:
املنط ق الع ام هلذا االجتاه ه و ض رورة النظ ر إىل الثقاف ة كك ل متكام ل جیم ع بنی األفك ار واملش اعر من جه ة و
السلوك الظاهر من جهة ثانیة ،و قد كان " سابری " من املمهدین هلذا االجتاه من خالل نظرته للثقافة يف صورة
تفاع ل األف راد فیم ا بینهم ،و م ا ینتج عن ذل ك من مع ان ومش اعر مش رتكة ،ل ذلك یع رف الثقاف ة بأهنا" ك ل
متكامل من أمناط فكر و عواطف و أمناط عمل"
و تع د العاملة األمریكیة " روت بن دكت" واح دة من أهم املمثلنی هلذا االجتاه ،و یتجلى ذلك يف قوهلا ب أن
"الثقاف ة مث ل الف رد ل دیها منط متناس ق من الفك ر و العم ل ،كم ا أن ه لفهم الثقاف ة الب د من األخ ذ يف االعتب ار
االجتاهات العقلیة و الشعوریة السائدة فیها و القیم و األهداف املشرتكة بنی أفراد اجملتمع الذي تتم فیه دراسة
الثقاف ة" ،ففي دراس تها لبعض القبائ ل اهلندیة يف جن وب غ رب أمریك ا الش مالیة وج دت بن دكت اختالف ا بنی
القبائل ،فمنها اليت تركز على املظهر اخلارجي للسلوك و هتتم بالطقوس و احرتام العادات و التقالید وأطلقت
علیه ا اس م " ثقاف ات منبس طة " ،و منه ا اليت تتم یز بالعدائیة و تعطي لل دافع النفس ي ال داخلي أمهیة أك رب من
العوام ل اخلارجیة و أطلقت علیها اس م " ثقاف ات منطویة " ،فالوص ول إىل فهم ثقاف ة م ا الب د أن یأخ ذ يف
االعتبار السلوك الظاهري يف صوره املتكررة و خمتلف االجتاهات العقلیة الشعوریة يف تناسقها و تكاملها.
33
یرى ب راون أن اجملتمع ات هي كائن ات بیولوجیة ،مبع ىن أن هن اك تش اهبا حقیقیا بنی البن اء العض وي والبن اء
االجتم اعي ،وم ا على الب احث إال أن یدرس عناص ر البن اء االجتم اعي بغ رض الكش ف عن تف اعالت ه ذه
العناصر اليت تشكل من خالل تفاعلها نسقا قائما بذاته ،مث یقوم بعد ذلك باستنتاج القواننی الوظیفیة جملتمع أو
جمتمعات معینة ،واالنتقال بعدها إىل تعمیمات عن طبیعة اجملتمعات اإلنسانیة.
6-تیار البنیویة األنثروبولوجیة:
لعل أهم سؤال يطرح نفسه هنا هو ما معىن البنيوية؟
ان أص ل البنيوي ة ه و من البني ة وهي كلم ة تع ين الكيفي ة ال يت ش يد عليه ا بن اء م ا ،وانطالق ا من ه ذا املفه وم
اصبحت الكلمة تعين الكيفية تنظم هبا عناصر جمموعة ما ،أي اهنا تعين جمموعة العناصر املتماسكة فيما بينها
حبيث يتوقف كل عنصر على باقي العناصراالخرى ،وحبيث يتحدد هذا العنصر لعالقته بتلك العناصراالخرى،
فالبني ة هي جمموع ة العالق ات الداخلي ة الثابت ة ال يت متيز جمموع ة م ا ،حبيث تك ون هن اك اس بقية منطقي ة للكلعلى
االجزاء ،أي ان أي عنصر من البنية ال يتخذ معناه اال بوضع الذي حيتله داخل اجلماعة.
أم ا البنیویة على الطریق ة الفرنس یة وال يت ك ان كل ود لیفي س رتوس 2009-1908رائ دا هلا فق د اختلفت عن
البنیویة الوظیفیة كما فهمت ومورست من قبل أوائل الوظیفینی وعلى رأسهم براون ومالینوفسكي ،فقد سعى
لیفي سرتوس ومن منطلق نزعته الفلسفیة إىل حماولة معرف ة " اإلنس ان الكامل" جبمیع أبع اده ،لذلك نراه یقر
بتنوع الثقافات وخصوصیاهتا ،مبا یدعو ملعاینتها يف أشكاهلا اجملزأة ،وهبذا فقد انطلق لیفي سرتوس يف دراساته
العدیدة (األنثروبولوجیا البنیویة – البىن األولیة للقرابة – العرق والتاریخ -مدارات حزینة ). .من االختالفات
القائمة بنی اجملتمعات ،ه ذه االختالفات ال يت رأى أهنا ذات طابع تكاملي ،هلذا كانت األنثروبولوجیا بالنسبة
إلیه مبثابة علم
(االختالفات املتكاملة اليت تبحث عما هو جامع يف اخلصائص املشرتكة بنی كل اجملتمعات( .
یبحث األن ثروبولوجي وفق ا لنظ رة لیفي س رتوس البنیویة عم ا یتخفى وراء العق ل ،أي عم ا وراء العقلي
والش عوري ،وعن ال ذي یتخفى خل ف التنظیم اجملتمعي ،وخل ف املمارس ات واملع اش الیومي ،فهن اك ش يء
مش رتك حس ب لیفي س رتوس جنده عن د ك ل إنس ان مهم ا ك ان أص له ومهم ا ك انت ثقافت ه ،وه و الالوعي
اجلماعي للذهن البشري ،إن الشيء الذي یریده لیفي سرتوس بالذات هو البحث فیما (وراء النظم والبنیات
الظاهرة ،يف النفسیات اجلماعیة اليت حتكم اجلماعات بالذات( .
یستعری لیفي سرتوس من األلسنینی طریقة عملهم لیطبقها على اجملتمع ،فطریقة عمل األلسنینی كما جندها عند
دوسوس ور وتروبتس كوي وجاكبس ون تق وم على اس تخراج مع ىن الكالم من ذل ك االتس اق ال ذي حیدث بنی
العناصر الصوتیة (فونیمات) ،فرتتیب هذه األجزاء أهم للفهم من تعقب تكوینها وتطورها التارخیي.
هبذه الطریق ة یتم تط بیق " املنط ق األلس ين" على اجملتم ع يف جمال االنثروبولوجیا وخاصة على بعض النظم
األساسیة كنظام القرابة ونظام األسطورة وهي املوضوعات املفضلة لدى لیفي سرتوس ،وباإلضافة إىل هذا جند
34
أن هناك تقاربا بنی " الفونولوجیا" علم وظائف األصوات اللغویة من جهة وبنی مصطلحات وتسمیات القرابة
من جه ة ثانیة ،فه ذه التس میات تتش كل على مس توى الالوعي من خالل اس تخدام أزواج تض ادیة وعناص ر
تفاضلیة (أب – إبن ،أخ – اخت ،زوج – زوجة) .ویصل لیفي سرتوس إىل إبراز أمهیة االتصال والتبادل يف
جمال األنثروبولوجیا ،فوجد أن هناك ثالثة مستویات من التبادل ،یتصل املستوى األول بقواعد القرابة والزواج
ویتصل املستوى
الثاين بالقواعد االقتصادیة ،أما املستوى الثالث فیتصل بالقواعد اللغویة.
35
حیث ك انت ه ذه الدراس ة األوىل اليت اس تخدمت فیه ا لغ ة األه ايل ومت من خالهلا تقمص طریق ة عیش هم
وممارسة عاداهتم االجتماعیة .وبعد هذا فإن أهم الطرق املستخدمة على وجه العموم يف البحث األنثروبولوجي
هي :
/1المالحظة بالمشاركة :
وتشری إىل مشاركة الباحث يف خمتلف النشاطات اليت میارسها أعضاء اجلماعة املدروسة ،فیتعلم الباحث خالل
عیش ه وس ط ه ذه اجلماع ة اللغ ة ال يت یتكلم ون هبا ،ومیارس ما میارس ون من نش اطات وع ادات ،ویلبس نفس
اللباس الذي یلبسون ،وحیاول أن یبدي السلوكات والتصرفات نفسها اليت یسلكوهنا يف حیاهتم الیومیة ،وهذا
ح ىت یك ون قریب ا منهم فیس هل علیه فهم منط معیش تهم وتفك ریهم من جه ة ،وتس هل علیه أیض ا حتص یل
املعلوم ات اخلاص ة بالدراس ة ،خاصة إذا اس تطاع أن یش عرهم أن ه ق ریب منهم مبا یزید من ثقتهم ب ه مما یس هل
عملیة احلصول على
املعلومات.
وحسب إیف انز بریتش ارد فإن إح دى ش روط املالحظ ة باملش اركة أن یقیم الب احث بنی اجلماعة املدروس ة م دة
التق ل عن س نة ،یتعلم خالهلا لغتهم ویش رتك يف معظم ج وانب حیاهتم ،كم ا على الب احث أن یتخلى خالل
الدراسة عن قیمه وثقافته قدر املستطاع بغرض حتقیق قدر من املوضوعیة ،إضافة إىل ضرورة توفر الباحث على
نوع من املقدرة على حتمل مشاق العیش وسط اجلماعات البدائیة.
/2المقابلة :
وتشری إىل ذلك احلوار اللفظي الذي یتم بنی طرفنی مها الباحث واملبحوث ،حیث یقوم الباحث بتوجیه جمموعة
من األسئلة للمبحوث من أجل اإلجابة علیها ،وجند يف أدبیات منهجیة البحث يف العلوم االجتماعیة عموما أن
املقابلة قسمان :موجهة وغری موجهة ،غری أن النوع األكثر استخداما يف حقل االنثروبولوجیا هو " املقابلة غری
املوجه ة" .یتم اس تخدام املقابل ة غ رب "املوجه ة " من خالل مقابل ة الب احث لبعض أف راد اجملتم ع ال ذین هلم مسعة
طیبة والذین هلم خربة مبوضوع البحث ،وهلم أیضا اتصال هبذا املوضوع ،ویشرتط يف الباحث أن یعمل على
كسب ثقة املبحوثنی من أجل اإلدالء مبعلومات غری مزیفة عن الواقع املدروس -وتعرف هذه الطریقة أیضا
واليت یتم فیها استخدام أهل اخلربة يف معرفة الواقع املدروس بطریقة " االعتماد على اإلخبارینی" ،-وعلیه أال
یعم ل على توجیه اإلجاب ة حنو وجهة معین ة ،ومیكن للب احث اس تخدام آالت التس جیل بش رط أن یك ون ق د
كسب ثقة املبحوثنی ،أما إذا أحس أنه مل یكسب ثقتهم بعد فعلیه تسجیل املعلومات بطریقة ال تثری الشك.
أم ا عن طریق ة املقابل ة املوجه ة وال يت یتم خالهلا حتدید جمموع ة من األس ئلة يف اس تمارة حبث فإهنا ن ادرة
االستخدام يف الدراسات االنثروبولوجیة ،وهي التتناسب مع طبیعة هذه الدراسات التصال هذه األخریة أكثر
باجملتمع ات البدائیة ال يت ال یع رف بعض ها الق راءة والكتاب ة من جه ة ،وال يت مل تتع ود على مث ل ه ذه الط رق من
36
جه ة ثانیة ،ل ذلك ف إن املقابل ة املوجه ة هي أك ثر اتص اال ببح وث علم االجتم اع ال ذي یع ىن بش كل خ اص
باجملتمعات املتمدینة.
/3سیرة الحیاة :
تس تخدم س ریة احلیاة بش كل كب ری خالل الدراس ات األنثروبولوجیة ،وس ریة احلیاة تع رب عن اجتاه الب احث
حنوشخص معنی غالبا ما تكون له خربة ودرایة مبجتمع الدراسة طالبا منه أن یروي له قصة أو سریة حیاته ،غری
أن هذه القصة ال ختص شخص الراوي فقط ولكن هذا الراوي مدخل لفهم اجلماعة اليت ینتمي إلیها.
وباعتبار سریة احلیاة نوعا من أنواع املقابلة فإهنا ختضع لنفس شروط املقابلة من حیث ضرورة توفری الباحث
للج و املالئم للمقابل ة من خالل بن اء الثق ة بین ه وبنی املبح وث ،والتص رف مبرون ة ح ىت یتس ىن ل ه احلص ول على
املعلومات الالزمة.
/4االختبارات النفسیة :
ویس تخدم األن ثروبولوجیون بعض االختب ارات النفس یة خالل دراس اهتم املیدانیة من أج ل حتدید خص ائص
شخصیة أفراد اجملتمع موضوع الدراسة ،ومن هذه االختبارات اختبار " رورشاخ"نسبة إىل خمرتعه السویسري
هریمان رورشاخ ،وهو یتكون من عشر لوحات ،رسم على كل لوحة صورة مكربة لنقطة حرب قذف هبا على
ورق ة فاختذت ش كال غ ری منتظم ،ویطلب من الش خص أن یصف م ا یتص وره من أش كال عن دما ینظ ر لك ل
لوحة ،وبناء على هذا میكن التوصل لتحدید بعض خصائص شخصیة الفرد ،وتستخدم هذه الطریقة خاصة يف
جمال االنثروبولوجیا الثقافیة وخاصة (ل دى املهتمنی بالعالق ة بنی الثقاف ة والشخص یة) ،وأخ ریا ف إن هن اك بعض
الطرائق األخرى اليت میكن أن یستعنی هبا الباحث االنثروبولوجي اجلماعة املدروسة ،لتكون جنبا إىل جنب مع
املالحظة باملشاركة باعتبارها مالحظة مباشرة.
37