Professional Documents
Culture Documents
السوق العربية المشتركة... هل يصبح الحلم حقيقة
السوق العربية المشتركة... هل يصبح الحلم حقيقة
السوق العربية المشتركة... هل يصبح الحلم حقيقة
في بداية هذا العام بدأت 17دولة عربية اتفاقية المنطقة الحرة .فهل يمكن إن تصمد آليات تنفيذ هذه
االتفاقية وأن تصبح مقدمة لسوق عربية مشتركة
يشكل عدم وجود تكتل اقتصادي عربي متحقق فعليا أو يلوح في األفق أنه سيتحقق في مدى زمني قريب ,أحد أهم
مالمح التشتت العربي في الوقت الراهن .وعندما تعجز الدول العربية بكل العوامل المشتركة بينها في تحقيق منطقة تجارة
حرة أو وحدة جمركية أو سوق مشتركة تساعدها على تطوير اقتصاداتها وتجعلها في موقف قوي في أي مفاوضات ّ
اقتصادية دولية ,فإنه البد أن تكون هناك عوامل اقتصادية وسياسية داخلية وخارجية تعرقل تقدم هذه الدول نحو تطوير
التعاون االقتصادي بينها ,سواء تعلق األمر بميل الدول العربية الحتكار هيكل القوة االقتصادية في اإلقليم العربي حتى لو
أدى ذلك إلى عدم التعاون االقتصادي الحقيقي والف ّعال مع دول عربية أخرى ,أو تعلق األمر بتشابه هياكل اإلنتاج
والصادرات بصورة تقلل فرص التعاون االقتصادي العربي مالم يكن هناك تنسيق في التخطيط المستقبلي لالستثمارات
العربية الجديدة ,أو تعلق األمر بقيام قوى أجنبية بالعمل على عرقلة تقدم التعاون االقتصادي العربي ,أو غابت اإلرادة
السياسية الحقيقية للدول العربية فيما يخص تطوير التعاون االقتصادي بينها.
ومن ناحية أخرى ,فإن عدم وجود تكتّل اقتصادي في إقليم مثل الوطن العربي ,توجد الكثير من العوامل المشتركة
بين دوله ويمتلك قاعدة مهمة من الموارد الطبيعية وعلى رأسها النفط الذي تمتلك البلدان العربية نحو ثلثي احتياطياته
العالمية ,هو أمر يغري الدول الكبرى على التطلع للبلدان العربية كمنطقة نفوذ وليس كند اقتصادي يمكن التعامل معه بشكل
متكافئ ,ويغريها أيضا على فرض شروطها على هذا اإلقليم المهم ,وعلى التعامل مع كل دولة من دوله بشكل منفرد .وفي
ظل هذا الوضع لم يكن غريبا أن تحاول دولة كبرى مثل الواليات المتحدة بعد احتاللها للعراق ,أن تفرض شروطها على
المنطقة العربية في إطار إعالنها عن رغبتها في تحرير التجارة مع الدول العربية حيث أعلنت واشنطن أنها تريد أن تحرر
التجارة مع دول المنطقة ,ووضعت لذلك عددا من الشروط التي يأتي في مقدمتها ,إنهاء كل أشكال المقاطعة إلسرائيل بما
يعني إقامة عالقات اقتصادية وسياسية كاملة معها ,بغض النظر عن احتاللها ألراض عربية في فلسطين وسورية ولبنان,
وبغض النظر أيضا ع ّما تقوم به من قمع وأعمال إرهابية ضد الشعب الفلسطيني في أراضيه المحتلة عام ,1967وبغض
النظر أيضا عن امتالكها لكل أسلحة الدمار الشامل المعروفة وعلى رأسها األسلحة النووية التي تمثل تهديدا جديا لكل الدول
العربية وعلى رأسها مصر ,وعامل ابتزاز لها جميعا من قبل إسرائيل .وهذا الشرط األمريكي بإنهاء كل أشكال المقاطعة
مع إسرائيل هو -بالفعل -بيت القصيد في اإلعالن األمريكي الخاص بتحرير التجارة مع دول المنطقة لتحقيق ما تخطط
له واشنطن منذ زمن طويل بإدماج اقتصاد إسرائيل في المنطقة العربية ,مع ضمان موقع متفوق له إقليميا على الصعيد
االقتصادي كما هو الحال على الصعيد العسكري ,وذلك من خالل ضخ االستثمارات إليها من الشركات األمريكية في
الصناعات عالية التقنية لتحويلها إلى مركز إقليمي لهذه الصناعات المخصصة للتصدير ألسواق المنطقة العربية ,مع
تحويلها أيضا إلى المركز المالي والسياحي والتجاري اإلقليمي الذي يمتلك سطوة إقليمية في هذه المجاالت من خالل العالقة
Rمن البلدان الغربية األخرى.
الخاصة التي تربطه بالشركات األمريكية الكبرى وببعض الشركات المناظرة في العديد
سيادة نموذج
أما الشرط الثاني للواليات المتحدة إلقامة منطقة تجارة حرة مع بلدان المنطقة ,فهو تحرير االقتصاد في الداخل
بما يعنيه ذلك ضمنا من تقليص دور الدولة إلى أقصى حد ,بغض النظر عن مدى ضرورته من أجل تحقيق التطور
االقتصادي واالجتماعي ,وأيضا تحرير العالقات االقتصادية الخارجية بما يعني فتح أسواق السلع واالستثمار المباشر وغير
Rذلك من تطبيق المباشر أمام األجانب على أن يكون هذا التحرير مضمونا باالنضمام لمنظمة التجارة العالمية بما يعنيه
اتفاقات تحرير تجارة السلع والخدمات .وهذا الشرط هو تعبير عن اإلصرار األمريكي على تأكيد سيادة النموذج االقتصادي
الليبرالي في صيغته اليمينية المتطرفة التي تقلص الدور االقتصادي واالجتماعي للدولة في االقتصاد إلى حدود غير آمنة
اجتماعيا وسياسيا في البلدان النامية ,علما بأن الواليات المتحدة هي أكثر دول العالم التي تخل بالتزاماتها إزاء اتفاقيات
(جات) لتحرير التجارة الدولة ومنظمة التجارة العالمية التي تضمن التزام الدول الموقعة على هذه االتفاقيات ببنودها ,وتقوم
بالتحكيم فيما بينها في أي منازعات تجارية .فعلى سبيل المثال ,توصلت الواليات المتحدة التفاقها التجاري مع اليابان عام
1996والذي أبعد شبح الحرب التجارية بين الدولتين ,على أساس إلزام الحكومة اليابانية بحد أدنى من المشتريات من
السوق األمريكية قيمتها 25مليار دوالر ,وهو أمر ضد حرية التجارة ,هذا فضال عن أن الواليات المتحدة مازالت تضع
وعلى أي األحوال ,فإن الطرح األمريكي الجديد للسوق الشرق أوسطية بشرطيه الرئيسيين ,هو إعادة إنتاج
لمشروع السوق الشرق أوسطية الذي طرحته الواليات المتحدة خالل تسعينيات القرن العشرين في محاولة منها إلدماج
اقتصاد إسرائيل مع االقتصادات العربية في تكتل اقتصادي ينطوي على تعامل تفضيلي بين الدول الداخلة فيه .وكان ذلك
كرست من أجله القمم االقتصادية لمنطقة الشرق األوسط وشمال إفريقيا والتي عقدت في الدار البيضاء وعمان
المشروع قد ّ
والقاهرة ثم انتهت بفشل ذريع في الدوحة عام 1997بسبب الرفض الشعبي العربي لهذا المشروع ,وبسبب إصرار الدول
Rاالقتصادية اإلسرائيلية المدعومة من الغرب وشركاته الكبرى في
العربية الرئيسية على منع تحقق طموحات الهيمنة
المنطقة العربية من خالل ذلك المشروع األمريكي .كما أن هذا الطرح هو نوع من الهجوم المضاد على الدعوة الشعبية
العربية لمقاطعة السلع والشركات األمريكية بسبب االنحياز األمريكي المطلق إلسرائيل واالحتالل االستعماري األمريكي
للعراق ,كما أن طرح هذا المشروع والضغط األمريكي من أجل تحقيقه ,يعد نتيجة مباشرة لغياب تكتل اقتصادي عربي
يقطع الطريق على أي محاوالت لفرض تكتل آخر يشمل إسرائيل.
والحقيقة أن عملية إقامة تكتل اقتصادي عربي ,تتسم بأهمية قصوى في البيئة االقتصادية الدولية الراهنة التي
تتميز بهيمنة التكتالت االقتصادية العمالقة على حركة التجارة السلعية والخدمية وعلى صياغة االتفاقات الرئيسية التي تحكم
حركة العالقات االقتصادية الدولية .ويكتسب التكتل االقتصادي العربي أهميته أساسا من حقيقة أن إقامته سوف تتيح للبلدان
العربية فضاء اقتصاديا رحبا تتحرك فيه عوامل اإلنتاج العربية بحرية وتتطور العالقات االقتصادية مستفيدة من الميزات
التفضيلية ومن انخفاض نفقات النقل والتأمين على حركة السلع والبشر بين البلدان العربية المتجاورة جغرافيا ,بما يدعم
القوة االقتصادية للبلدان العربية ويساعدها على تحسين مكانتها دوليا وتدعيم قوتها في أي مفاوضات اقتصادية دولية.
التجربة األبرز
وبالرغم من بدء محاوالت إقامة التكتل االقتصادي العربي منذ فترة طويلة ,فإن التجارب التاريخية في هذا
المجال قد تعثرت ألسباب مختلفة .وكانت التجربة األبرز هي السوق العربية المشتركة التي حققت نجاحا الفتا في البداية
وارتفعت قيمة التجارة بين أعضائها بعد عشرة أعوام من تطبيقها إلى أكثر من 13ضعف قيمتها عند بدء تطبيقها وذلك
رغم قوائم السلع المستثناة من التحرير والتي عرقلت التحرير الشامل للتجارة بين دول السوق ,لكن هذه السوق تعثرت
وتج ّمدت بسبب الخالفات السياسية بين أعضائها بشأن الصراع العربي -اإلسرائيلي ,وماترب عليها من تجميد عضوية
مصر في جامعة الدول العربية.
وعندما انتبهت الدول العربية في العقد األخير من القرن العشرين إلى أهمية إقامة تكتل اقتصادي بينها ,فإنها لم
تتبن الصيغة التي تم تطبيقها سابقا أي السوق العربية المشتركة ,رغم نجاحها في بدايتها ,وإنما اتفقت على إقامة ما يسمى
بمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى كأساس للتكتل االقتصادي العربي ,على أن يتم تحرير التجارة بين أعضائها بشكل
تدريجي من بداية عام ,1998على أن تصل إلى التحرير الكامل للتجارة خالل عشرة أعوام أي بنهاية عام .2007
الحرة
ورغم تأكيدات المجلس االقتصادي واالجتماعي العربي على ضرورة اإلسراع في تنفيذ منطقة التجارة ّ
العربية الكبرى لتنتهي في عام 2005بدال من عام ,2007فإنه ال يلوح في األفق أن هذه المنطقة سوف تتحقق حتى في
عام 2007بسبب الثغرات القاتلة في اتفاقية إنشاء هذه المنطقة والتي سنتناولها في موضع الحق.
وقد انضمت لهذه االتفاقية فعليا 14دولة عربية من بين 19دولة عربية كانت قد صدقت على اتفاقية تيسير
الحرة العربية الكبرى.
وتنمية التبادل التجاري التي تشكل األساس الذي قامت عليه منطقة التجارة ّ
وعودة إلى مشروع منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ,وهو التكتل االقتصادي الجامع لغالبية الدول العربية,
أو بالتحديد لـ 14دولة يبلغ تعداد سكانها نحو 180مليون نسمة ويبلغ متوسط نصيب الفرد فيها من الدخل نحو 3000
دوالر في العام ,فإن هذا المشروع تضمن ثغرات كبيرة منذ البداية تمثلت في قوائم السلع المستثناة من التحرير ,وتمثلت
أيضا فيما يسمى بـ(الروزنامة) الزراعية ,إضافة إلى اضطراب قواعد المنشأ وضعف الشفافية .وبالنسبة للسلع المستثناة
الحرة
من التحرير ,فقد سمح المجلس االقتصادي االجتماعي القائم على اإلشراف على تطبيق اتفاقية إقامة منطقة التجارة ّ
العربية الكبرى ,بحق الدول المنضمة لالتفاقية في استثناء بعض السلع الصناعية ونصف المصنعة من االلتزام بقواعد
Rخاللها الدول التي طلبت هذه تحرير التجارة العربية بشكل مؤقت ومحدد زمنيا بفترة ثالث سنوات كحد أقصى تتعهد
االستثناءات السلعية بااللتزام بقواعد تحرير التجارة العربية .وقد استغلت الدول العربية هذا األمر بشكل ينطوي على الكثير
من اإلفراط وربما االستخفاف بقضية تحرير التجارة العربية ,فقد تجاوز عدد السلع المستثناة من التحرير 1900مجموعة
سلعية منها 799مجموعة سلعية للمغرب وحده و 617مجموعة سلعية لمصر و 199مجموعة سلعية لسوريا.
والمقلق في هذا الشأن ليس ضخامة عدد السلع المستثناة من التحرير فقط ,وإنما احتماالت أن تقوم الدول صاحبة
هذه السلع المستثناة بطلب مد فترات االستثناء من التحرير عندما تنتهي المدة الحالية لالستثناء ,علما بأن الدول التي طلبت
استثناء عدد كبير من السلع الصناعية ونصف المصنعة من التحرير هي دول رئيسية وال يمكن أن تقوم منطقة تجارة حرة
عربية قوية وقعالة دونها .ومن المؤكد أن الصورة سوف تتضح في سبتمبر من العام الجاري الذي تنتهي خالله المهلة
الزمنية المسموح خاللها باستثناء بعض السلع من التحرير ,فإذا التزمت الدول العربية بإنهاء هذه االستثناءات وإدخال كل
السلع المستثناة إلى جدول التحرير التدريجي للتجارة العربية ,فإن ذلك سيكون مؤشرا قويا على أن منطقة التجارة الحرة
العربية الكبرى تمضي في مسارها الصحيح وفقا لما هو متفق عليه ,بغض النظر عن أن ما هو متفق عليه بطيء ويقتصر
على تحرير التجارة وال يرقى إلى ضرورات خلق سوق عربية مشتركة.
أما بالنسبة للسلع الزراعية فإن اتفاقية إقامة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى تنص على تحديد مواسم اإلنتاج
لعدد من السلع الزراعية الرئيسية ,حيث ال تتمتع هذه السلع الزراعية باإلعفاءات والتخفيضات للرسوم الجمركية
والضرائب ذات األثر المماثل في تلك المواسم ,وهو ما يعني عمليا عدم تحرير التجارة فيما يتعلق بهذه السلع الزراعية
الرئيسية .ونظرا ألن البلدان العربية تقع في عروض مناخية واحدة تقريبا فإن مواسم إنتاج السلع الزراعية فيها متطابقة
Rباالستثناء من التحرير في مواسمزمنيا أو متقاربة للغاية في أفضل األحوال ,وبالتالي فإن تجارة السلع الزراعية التي تتمتع
إنتاجها ,غير محررة فعليا ,وتشكل انتقاصا مهما لتحرير التجارة العربية ,وهو تمييز في غير مصلحة الدول العربية التي
تتكون صادراتها من السلع الزراعية بشكل رئيسي.
عالج القصور
لكن كل نواقص منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ال تعني أن نهيل عليها التراب ونضمها إلى سلة مشاريع
التعاون والتكتل التي فشلت ,وإنما هناك ضرورة لمعالجة أوجه القصور في هذه المنطقة لمضاعفة فعاليتها في تحرير
Rوفي بناء أساس لتكتل اقتصادي شامل بين البلدان العربية ,علما بأن هذه المنطقة حتى في ظل نقاط التجارة العربية البينية
Rبين أعضائها بمعدل يزيد على %8,5سنويا. الضعف التي أشرنا إليها آنفا قد كفلت نمو التجارة البينية
وتجدر االشارة إلى أن قيمة التجارة الخارجية للبلدان العربية قد بلغت نحو 412,6مليار دوالر عام ,2000منها
R
257,1مليار دوالر صادرات ,ونحو 155,5مليار دوالر واردات عربية .وفي العام نفسه ,بلغت قيمة الصادرات البينية
العربية نحو 17,7مليار دوالر بنسبة %6,9من مجموع الصادرات العربية في العام المذكور ,بينما بلغت قيمة الواردات
العربية البينية في العام ,2000نحو 15,3مليار دوالر ,بنسبة %9,8من مجموع الواردات العربية في العام المذكور.
R
وفي عام ,2001بلغت قيمة الصادرات العربية نحو 235,8مليار دوالر منها نحو 18,1مليار دوالر صادرات بينية
ومن الضروري في النهاية أن تدرك الحكومات العربية وكل القائمين على العمل العربي المشترك ,أن االنتظار
الطويل واختالق المماحكات لتعطيل تحرير التجارة العربية هو ترف ال تحتمله المصالح العربية في خلق منطقة تجارة حرة
عربية كحد أدنى ,مع ضرورة التوجه من اآلن لطرح ودراسة المرحلة التالية أي إقامة االتحاد الجمركي العربي ,ودراسة
تحقيق السوق العربية المشتركة التي تتحرك فيها السلع والخدمات بحرية.