السوق العربية المشتركة... هل يصبح الحلم حقيقة

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 4

‫السوق العربية المشتركة‪ ...‬هل يصبح الحلم حقيقة?

‫‪          ‬في بداية هذا العام بدأت ‪ 17‬دولة عربية اتفاقية المنطقة الحرة‪ .‬فهل يمكن إن تصمد آليات تنفيذ هذه‬
‫االتفاقية وأن تصبح مقدمة لسوق عربية مشتركة‬

‫‪          ‬يشكل عدم وجود تكتل اقتصادي عربي متحقق فعليا أو يلوح في األفق أنه سيتحقق في مدى زمني قريب‪ ,‬أحد أهم‬
‫مالمح التشتت العربي في الوقت الراهن‪ .‬وعندما تعجز الدول العربية بكل العوامل المشتركة بينها في تحقيق منطقة تجارة‬
‫حرة أو وحدة جمركية أو سوق مشتركة تساعدها على تطوير اقتصاداتها وتجعلها في موقف قوي في أي مفاوضات‬ ‫ّ‬
‫اقتصادية دولية‪ ,‬فإنه البد أن تكون هناك عوامل اقتصادية وسياسية داخلية وخارجية تعرقل تقدم هذه الدول نحو تطوير‬
‫التعاون االقتصادي بينها‪ ,‬سواء تعلق األمر بميل الدول العربية الحتكار هيكل القوة االقتصادية في اإلقليم العربي حتى لو‬
‫أدى ذلك إلى عدم التعاون االقتصادي الحقيقي والف ّعال مع دول عربية أخرى‪ ,‬أو تعلق األمر بتشابه هياكل اإلنتاج‬
‫والصادرات بصورة تقلل فرص التعاون االقتصادي العربي مالم يكن هناك تنسيق في التخطيط المستقبلي لالستثمارات‬
‫العربية الجديدة‪ ,‬أو تعلق األمر بقيام قوى أجنبية بالعمل على عرقلة تقدم التعاون االقتصادي العربي‪ ,‬أو غابت اإلرادة‬
‫السياسية الحقيقية للدول العربية فيما يخص تطوير التعاون االقتصادي بينها‪.‬‬

‫‪          ‬ومن ناحية أخرى‪ ,‬فإن عدم وجود تكتّل اقتصادي في إقليم مثل الوطن العربي‪ ,‬توجد الكثير من العوامل المشتركة‬
‫بين دوله ويمتلك قاعدة مهمة من الموارد الطبيعية وعلى رأسها النفط الذي تمتلك البلدان العربية نحو ثلثي احتياطياته‬
‫العالمية‪ ,‬هو أمر يغري الدول الكبرى على التطلع للبلدان العربية كمنطقة نفوذ وليس كند اقتصادي يمكن التعامل معه بشكل‬
‫متكافئ‪ ,‬ويغريها أيضا على فرض شروطها على هذا اإلقليم المهم‪ ,‬وعلى التعامل مع كل دولة من دوله بشكل منفرد‪ .‬وفي‬
‫ظل هذا الوضع لم يكن غريبا أن تحاول دولة كبرى مثل الواليات المتحدة بعد احتاللها للعراق‪ ,‬أن تفرض شروطها على‬
‫المنطقة العربية في إطار إعالنها عن رغبتها في تحرير التجارة مع الدول العربية حيث أعلنت واشنطن أنها تريد أن تحرر‬
‫التجارة مع دول المنطقة‪ ,‬ووضعت لذلك عددا من الشروط التي يأتي في مقدمتها‪ ,‬إنهاء كل أشكال المقاطعة إلسرائيل بما‬
‫يعني إقامة عالقات اقتصادية وسياسية كاملة معها‪ ,‬بغض النظر عن احتاللها ألراض عربية في فلسطين وسورية ولبنان‪,‬‬
‫وبغض النظر أيضا ع ّما تقوم به من قمع وأعمال إرهابية ضد الشعب الفلسطيني في أراضيه المحتلة عام ‪ ,1967‬وبغض‬
‫النظر أيضا عن امتالكها لكل أسلحة الدمار الشامل المعروفة وعلى رأسها األسلحة النووية التي تمثل تهديدا جديا لكل الدول‬
‫العربية وعلى رأسها مصر‪ ,‬وعامل ابتزاز لها جميعا من قبل إسرائيل‪ .‬وهذا الشرط األمريكي بإنهاء كل أشكال المقاطعة‬
‫مع إسرائيل هو ‪ -‬بالفعل ‪ -‬بيت القصيد في اإلعالن األمريكي الخاص بتحرير التجارة مع دول المنطقة لتحقيق ما تخطط‬
‫له واشنطن منذ زمن طويل بإدماج اقتصاد إسرائيل في المنطقة العربية‪ ,‬مع ضمان موقع متفوق له إقليميا على الصعيد‬
‫االقتصادي كما هو الحال على الصعيد العسكري‪ ,‬وذلك من خالل ضخ االستثمارات إليها من الشركات األمريكية في‬
‫الصناعات عالية التقنية لتحويلها إلى مركز إقليمي لهذه الصناعات المخصصة للتصدير ألسواق المنطقة العربية‪ ,‬مع‬
‫تحويلها أيضا إلى المركز المالي والسياحي والتجاري اإلقليمي الذي يمتلك سطوة إقليمية في هذه المجاالت من خالل العالقة‬
‫‪ R‬من البلدان الغربية األخرى‪.‬‬
‫الخاصة التي تربطه بالشركات األمريكية الكبرى وببعض الشركات المناظرة في العديد‬

‫سيادة نموذج‬

‫‪          ‬أما الشرط الثاني للواليات المتحدة إلقامة منطقة تجارة حرة مع بلدان المنطقة‪ ,‬فهو تحرير االقتصاد في الداخل‬
‫بما يعنيه ذلك ضمنا من تقليص دور الدولة إلى أقصى حد‪ ,‬بغض النظر عن مدى ضرورته من أجل تحقيق التطور‬
‫االقتصادي واالجتماعي‪ ,‬وأيضا تحرير العالقات االقتصادية الخارجية بما يعني فتح أسواق السلع واالستثمار المباشر وغير‬
‫‪ R‬ذلك من تطبيق‬ ‫المباشر أمام األجانب على أن يكون هذا التحرير مضمونا باالنضمام لمنظمة التجارة العالمية بما يعنيه‬
‫اتفاقات تحرير تجارة السلع والخدمات‪ .‬وهذا الشرط هو تعبير عن اإلصرار األمريكي على تأكيد سيادة النموذج االقتصادي‬
‫الليبرالي في صيغته اليمينية المتطرفة التي تقلص الدور االقتصادي واالجتماعي للدولة في االقتصاد إلى حدود غير آمنة‬
‫اجتماعيا وسياسيا في البلدان النامية‪ ,‬علما بأن الواليات المتحدة هي أكثر دول العالم التي تخل بالتزاماتها إزاء اتفاقيات‬
‫(جات) لتحرير التجارة الدولة ومنظمة التجارة العالمية التي تضمن التزام الدول الموقعة على هذه االتفاقيات ببنودها‪ ,‬وتقوم‬
‫بالتحكيم فيما بينها في أي منازعات تجارية‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ,‬توصلت الواليات المتحدة التفاقها التجاري مع اليابان عام‬
‫‪ 1996‬والذي أبعد شبح الحرب التجارية بين الدولتين‪ ,‬على أساس إلزام الحكومة اليابانية بحد أدنى من المشتريات من‬
‫السوق األمريكية قيمتها ‪ 25‬مليار دوالر‪ ,‬وهو أمر ضد حرية التجارة‪ ,‬هذا فضال عن أن الواليات المتحدة مازالت تضع‬

‫‪1‬‬ ‫إقتباس‪ :‬رابح حريزي – ماي ‪2005‬‬


‫قيودا كمية على الكثير من الواردات التي تستوردها‪ ,‬كما أنها تفرض قوانين أمريكية لمكافحة اإلغراق تتناقض مع‬
‫النصوص الخاصة بهذا األمر والواردة في اتفاقيات (جات)‪.‬‬

‫‪          ‬وعلى أي األحوال‪ ,‬فإن الطرح األمريكي الجديد للسوق الشرق أوسطية بشرطيه الرئيسيين‪ ,‬هو إعادة إنتاج‬
‫لمشروع السوق الشرق أوسطية الذي طرحته الواليات المتحدة خالل تسعينيات القرن العشرين في محاولة منها إلدماج‬
‫اقتصاد إسرائيل مع االقتصادات العربية في تكتل اقتصادي ينطوي على تعامل تفضيلي بين الدول الداخلة فيه‪ .‬وكان ذلك‬
‫كرست من أجله القمم االقتصادية لمنطقة الشرق األوسط وشمال إفريقيا والتي عقدت في الدار البيضاء وعمان‬
‫المشروع قد ّ‬
‫والقاهرة ثم انتهت بفشل ذريع في الدوحة عام ‪ 1997‬بسبب الرفض الشعبي العربي لهذا المشروع‪ ,‬وبسبب إصرار الدول‬
‫‪ R‬االقتصادية اإلسرائيلية المدعومة من الغرب وشركاته الكبرى في‬
‫العربية الرئيسية على منع تحقق طموحات الهيمنة‬
‫المنطقة العربية من خالل ذلك المشروع األمريكي‪ .‬كما أن هذا الطرح هو نوع من الهجوم المضاد على الدعوة الشعبية‬
‫العربية لمقاطعة السلع والشركات األمريكية بسبب االنحياز األمريكي المطلق إلسرائيل واالحتالل االستعماري األمريكي‬
‫للعراق‪ ,‬كما أن طرح هذا المشروع والضغط األمريكي من أجل تحقيقه‪ ,‬يعد نتيجة مباشرة لغياب تكتل اقتصادي عربي‬
‫يقطع الطريق على أي محاوالت لفرض تكتل آخر يشمل إسرائيل‪.‬‬

‫‪          ‬والحقيقة أن عملية إقامة تكتل اقتصادي عربي‪ ,‬تتسم بأهمية قصوى في البيئة االقتصادية الدولية الراهنة التي‬
‫تتميز بهيمنة التكتالت االقتصادية العمالقة على حركة التجارة السلعية والخدمية وعلى صياغة االتفاقات الرئيسية التي تحكم‬
‫حركة العالقات االقتصادية الدولية‪ .‬ويكتسب التكتل االقتصادي العربي أهميته أساسا من حقيقة أن إقامته سوف تتيح للبلدان‬
‫العربية فضاء اقتصاديا رحبا تتحرك فيه عوامل اإلنتاج العربية بحرية وتتطور العالقات االقتصادية مستفيدة من الميزات‬
‫التفضيلية ومن انخفاض نفقات النقل والتأمين على حركة السلع والبشر بين البلدان العربية المتجاورة جغرافيا‪ ,‬بما يدعم‬
‫القوة االقتصادية للبلدان العربية ويساعدها على تحسين مكانتها دوليا وتدعيم قوتها في أي مفاوضات اقتصادية دولية‪.‬‬

‫التجربة األبرز‬

‫‪          ‬وبالرغم من بدء محاوالت إقامة التكتل االقتصادي العربي منذ فترة طويلة‪ ,‬فإن التجارب التاريخية في هذا‬
‫المجال قد تعثرت ألسباب مختلفة‪ .‬وكانت التجربة األبرز هي السوق العربية المشتركة التي حققت نجاحا الفتا في البداية‬
‫وارتفعت قيمة التجارة بين أعضائها بعد عشرة أعوام من تطبيقها إلى أكثر من ‪ 13‬ضعف قيمتها عند بدء تطبيقها وذلك‬
‫رغم قوائم السلع المستثناة من التحرير والتي عرقلت التحرير الشامل للتجارة بين دول السوق‪ ,‬لكن هذه السوق تعثرت‬
‫وتج ّمدت بسبب الخالفات السياسية بين أعضائها بشأن الصراع العربي ‪ -‬اإلسرائيلي‪ ,‬وماترب عليها من تجميد عضوية‬
‫مصر في جامعة الدول العربية‪.‬‬

‫‪          ‬وعندما انتبهت الدول العربية في العقد األخير من القرن العشرين إلى أهمية إقامة تكتل اقتصادي بينها‪ ,‬فإنها لم‬
‫تتبن الصيغة التي تم تطبيقها سابقا أي السوق العربية المشتركة‪ ,‬رغم نجاحها في بدايتها‪ ,‬وإنما اتفقت على إقامة ما يسمى‬
‫بمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى كأساس للتكتل االقتصادي العربي‪ ,‬على أن يتم تحرير التجارة بين أعضائها بشكل‬
‫تدريجي من بداية عام ‪ ,1998‬على أن تصل إلى التحرير الكامل للتجارة خالل عشرة أعوام أي بنهاية عام ‪.2007‬‬

‫الحرة‬
‫‪          ‬ورغم تأكيدات المجلس االقتصادي واالجتماعي العربي على ضرورة اإلسراع في تنفيذ منطقة التجارة ّ‬
‫العربية الكبرى لتنتهي في عام ‪ 2005‬بدال من عام ‪ ,2007‬فإنه ال يلوح في األفق أن هذه المنطقة سوف تتحقق حتى في‬
‫عام ‪ 2007‬بسبب الثغرات القاتلة في اتفاقية إنشاء هذه المنطقة والتي سنتناولها في موضع الحق‪.‬‬

‫‪          ‬وقد انضمت لهذه االتفاقية فعليا ‪ 14‬دولة عربية من بين ‪ 19‬دولة عربية كانت قد صدقت على اتفاقية تيسير‬
‫الحرة العربية الكبرى‪.‬‬
‫وتنمية التبادل التجاري التي تشكل األساس الذي قامت عليه منطقة التجارة ّ‬

‫الحرة العربية الكبرى منذ إقرارها مشيرا‬


‫‪          ‬وقد انتقد مجلس الوحدة االقتصادية العربية‪ ,‬اتفاقية إقامة منطقة التجارة ّ‬
‫إلى أنه ليس من الضروري االنتظار عشر سنوات حتى يتم تحرير التجارة‪ ,‬وعشر سنوات أخرى حتى تتم إقامة اتحاد‬
‫جمركي‪ ,‬ولم يقف المجلس عند انتقاد االتفاقية‪ ,‬بل عمل على إعادة بعث السوق العربية المشتركة‪ ,‬وفي شهر يونيو ‪2001‬‬
‫تم التوقيع على اتفاقية إلنشاء منطقة للتجارة الحرة بين أهم دول هذه السوق وهي مصر والعراق وسوريا وليبيا‪ ,‬بحيث يبدأ‬
‫تطبيقها مع بداية عام ‪ ,2002‬لكن مصر عادت وطلبت تأجيل موعد بدء التحرير الكامل للتجارة‪ ,‬لكن عملية تحرير التجارة‬
‫بين هذه الدول تعطلت بسبب تصاعد التوترات األمريكية ‪ -‬العراقية‪ ,‬ثم أصبحت مستحيلة بسبب االحتالل األمريكي للعراق‬

‫‪2‬‬ ‫إقتباس‪ :‬رابح حريزي – ماي ‪2005‬‬


‫‪ R‬هذا البلد العربي الكبير من أي عملية لتحرير التجارة في إطار منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى أو السوق‬
‫الذي استبعد‬
‫العربية المشتركة‪ ,‬مادامت الواليات المتحدة مستمرة في احتاللها للعراق‪.‬‬

‫‪          ‬وعودة إلى مشروع منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى‪ ,‬وهو التكتل االقتصادي الجامع لغالبية الدول العربية‪,‬‬
‫أو بالتحديد لـ‪ 14‬دولة يبلغ تعداد سكانها نحو ‪ 180‬مليون نسمة ويبلغ متوسط نصيب الفرد فيها من الدخل نحو ‪3000‬‬
‫دوالر في العام‪ ,‬فإن هذا المشروع تضمن ثغرات كبيرة منذ البداية تمثلت في قوائم السلع المستثناة من التحرير‪ ,‬وتمثلت‬
‫أيضا فيما يسمى بـ(الروزنامة) الزراعية‪ ,‬إضافة إلى اضطراب قواعد المنشأ وضعف الشفافية‪ .‬وبالنسبة للسلع المستثناة‬
‫الحرة‬
‫من التحرير‪ ,‬فقد سمح المجلس االقتصادي االجتماعي القائم على اإلشراف على تطبيق اتفاقية إقامة منطقة التجارة ّ‬
‫العربية الكبرى‪ ,‬بحق الدول المنضمة لالتفاقية في استثناء بعض السلع الصناعية ونصف المصنعة من االلتزام بقواعد‬
‫‪ R‬خاللها الدول التي طلبت هذه‬ ‫تحرير التجارة العربية بشكل مؤقت ومحدد زمنيا بفترة ثالث سنوات كحد أقصى تتعهد‬
‫االستثناءات السلعية بااللتزام بقواعد تحرير التجارة العربية‪ .‬وقد استغلت الدول العربية هذا األمر بشكل ينطوي على الكثير‬
‫من اإلفراط وربما االستخفاف بقضية تحرير التجارة العربية‪ ,‬فقد تجاوز عدد السلع المستثناة من التحرير ‪ 1900‬مجموعة‬
‫سلعية منها ‪ 799‬مجموعة سلعية للمغرب وحده و‪ 617‬مجموعة سلعية لمصر و ‪ 199‬مجموعة سلعية لسوريا‪.‬‬

‫‪          ‬والمقلق في هذا الشأن ليس ضخامة عدد السلع المستثناة من التحرير فقط‪ ,‬وإنما احتماالت أن تقوم الدول صاحبة‬
‫هذه السلع المستثناة بطلب مد فترات االستثناء من التحرير عندما تنتهي المدة الحالية لالستثناء‪ ,‬علما بأن الدول التي طلبت‬
‫استثناء عدد كبير من السلع الصناعية ونصف المصنعة من التحرير هي دول رئيسية وال يمكن أن تقوم منطقة تجارة حرة‬
‫عربية قوية وقعالة دونها‪ .‬ومن المؤكد أن الصورة سوف تتضح في سبتمبر من العام الجاري الذي تنتهي خالله المهلة‬
‫الزمنية المسموح خاللها باستثناء بعض السلع من التحرير‪ ,‬فإذا التزمت الدول العربية بإنهاء هذه االستثناءات وإدخال كل‬
‫السلع المستثناة إلى جدول التحرير التدريجي للتجارة العربية‪ ,‬فإن ذلك سيكون مؤشرا قويا على أن منطقة التجارة الحرة‬
‫العربية الكبرى تمضي في مسارها الصحيح وفقا لما هو متفق عليه‪ ,‬بغض النظر عن أن ما هو متفق عليه بطيء ويقتصر‬
‫على تحرير التجارة وال يرقى إلى ضرورات خلق سوق عربية مشتركة‪.‬‬

‫‪          ‬أما بالنسبة للسلع الزراعية فإن اتفاقية إقامة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى تنص على تحديد مواسم اإلنتاج‬
‫لعدد من السلع الزراعية الرئيسية‪ ,‬حيث ال تتمتع هذه السلع الزراعية باإلعفاءات والتخفيضات للرسوم الجمركية‬
‫والضرائب ذات األثر المماثل في تلك المواسم‪ ,‬وهو ما يعني عمليا عدم تحرير التجارة فيما يتعلق بهذه السلع الزراعية‬
‫الرئيسية‪ .‬ونظرا ألن البلدان العربية تقع في عروض مناخية واحدة تقريبا فإن مواسم إنتاج السلع الزراعية فيها متطابقة‬
‫‪ R‬باالستثناء من التحرير في مواسم‬‫زمنيا أو متقاربة للغاية في أفضل األحوال‪ ,‬وبالتالي فإن تجارة السلع الزراعية التي تتمتع‬
‫إنتاجها‪ ,‬غير محررة فعليا‪ ,‬وتشكل انتقاصا مهما لتحرير التجارة العربية‪ ,‬وهو تمييز في غير مصلحة الدول العربية التي‬
‫تتكون صادراتها من السلع الزراعية بشكل رئيسي‪.‬‬

‫عالج القصور‬

‫‪          ‬لكن كل نواقص منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ال تعني أن نهيل عليها التراب ونضمها إلى سلة مشاريع‬
‫التعاون والتكتل التي فشلت‪ ,‬وإنما هناك ضرورة لمعالجة أوجه القصور في هذه المنطقة لمضاعفة فعاليتها في تحرير‬
‫‪ R‬وفي بناء أساس لتكتل اقتصادي شامل بين البلدان العربية‪ ,‬علما بأن هذه المنطقة حتى في ظل نقاط‬ ‫التجارة العربية البينية‬
‫‪ R‬بين أعضائها بمعدل يزيد على ‪ %8,5‬سنويا‪.‬‬ ‫الضعف التي أشرنا إليها آنفا قد كفلت نمو التجارة البينية‬

‫المكرسة إلقامة تكتل اقتصادي عربي‪ ,‬فإنه ليست هناك‬


‫ّ‬ ‫‪          ‬وبعيدا عن الحساسيات التي يولدها تعدد المشروعات‬
‫غضاضة في أن يستفيد المجلس االقتصادي االجتماعي القائم على اإلشراف على منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى‪ ,‬من‬
‫خبرات مجلس الوحدة االقتصادية العربية القائم على اإلشراف على السوق العربية المشتركة والذي يطرح مشروعا أكثر‬
‫تقدما من مجرد تحرير التجارة بين الدول األعضاء فيه‪.‬‬

‫‪          ‬وتجدر االشارة إلى أن قيمة التجارة الخارجية للبلدان العربية قد بلغت نحو ‪ 412,6‬مليار دوالر عام ‪ ,2000‬منها‬
‫‪R‬‬
‫‪ 257,1‬مليار دوالر صادرات‪ ,‬ونحو ‪ 155,5‬مليار دوالر واردات عربية‪ .‬وفي العام نفسه‪ ,‬بلغت قيمة الصادرات البينية‬
‫العربية نحو ‪ 17,7‬مليار دوالر بنسبة ‪ %6,9‬من مجموع الصادرات العربية في العام المذكور‪ ,‬بينما بلغت قيمة الواردات‬
‫العربية البينية في العام ‪ ,2000‬نحو ‪ 15,3‬مليار دوالر‪ ,‬بنسبة ‪ %9,8‬من مجموع الواردات العربية في العام المذكور‪.‬‬
‫‪R‬‬
‫وفي عام ‪ ,2001‬بلغت قيمة الصادرات العربية نحو ‪ 235,8‬مليار دوالر منها نحو ‪ 18,1‬مليار دوالر صادرات بينية‬

‫‪3‬‬ ‫إقتباس‪ :‬رابح حريزي – ماي ‪2005‬‬


‫عربية بنسبة ‪ %7,69‬من إجمالي الصادرات العربية في العام المذكور‪ ,‬بينما بلغت قيمة الواردات العربية في العام نفسه‪,‬‬
‫‪ R‬عربية‪ ,‬بنسبة ‪ %9,5‬من إجمالي قيمة الواردات‬ ‫نحو ‪ 162,9‬مليار دوالر‪ ,‬منها نحو ‪ 15,4‬مليار دوالر واردات بينية‬
‫العربية في العام المذكور‪ .‬وهذه البيانات في مجموعها تؤكد على محدودية التبادل التجاري بين الدول العربية رغم الميزات‬
‫الخاصة للتبادل التجاري بين هذه الدول والمتمثلة أساسا في انخفاض نفقات النقل والتأمين على التجارة بينها‪ .‬وإن كان من‬
‫‪ R‬العربية من إجمالي‬ ‫الضروري اإلشارة إلى أنه لو تم استبعاد التجارة النفطية للدول العربية‪ ,‬فإن حصة التجارة البينية‬
‫التجارة الخارجية للبلدان العربية‪ ,‬ترتفع إلى أكثر من خمس هذه التجارة‪.‬‬

‫‪          ‬ومن الضروري في النهاية أن تدرك الحكومات العربية وكل القائمين على العمل العربي المشترك‪ ,‬أن االنتظار‬
‫الطويل واختالق المماحكات لتعطيل تحرير التجارة العربية هو ترف ال تحتمله المصالح العربية في خلق منطقة تجارة حرة‬
‫عربية كحد أدنى‪ ,‬مع ضرورة التوجه من اآلن لطرح ودراسة المرحلة التالية أي إقامة االتحاد الجمركي العربي‪ ,‬ودراسة‬
‫تحقيق السوق العربية المشتركة التي تتحرك فيها السلع والخدمات بحرية‪.‬‬

‫أحمد السيد النجار‪   ‬‬

‫‪4‬‬ ‫إقتباس‪ :‬رابح حريزي – ماي ‪2005‬‬

You might also like